حكم الإسلام في العصبية الجاهلية
حكم الإسلام في العصبية الجاهلية
لقد بات من المسلَّم به أن الشريعة الإسلامية لم تأت لتهدم كل ما كان عليه الناس قبلها ، من أجل أن تؤسس على أنقاض ذلك بناءً جديداُ لا صلة له بفطرة البشر ، وبما تقتضيه سنن الاجتماع ، إنما جاءت تلك الشريعة لتُحقَّ الحق وتبطل الباطل ، ومما لا شك فيه أيضاً : أن عادات العرب وتقاليدهم وأخلاقهم ومعاملاتهم في العصر الجاهلي بمختلف جوانب الحياة ـ لم تكن سيئة بمجملها ، بل منها ما كان ممدوحاً أقره الإسلام ، انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )) ، ومنها ما كان مذموماً أبظله الإسلام ، أو صحح فهمه ، وطريق إعماله ، حتى صار بعدها أمراً محموداً .
وبما أن العصبية القبلية كانت بمثابة الأساس للأعراف الجاهلية السائدة آنذاك ، كما كانت في الوقت نفسه من أسباب الفرقة ، والتقاتل بين الناس لذا فقد اشتد نكير الرسول صلى الله عليه وسلم على من اتصف بشيء منها ، " وحاربها بكل قوة ، ودون هوادة ، وح1ر منها ، وسد منافذها ، لأنه لا بقاء للدين العالمي ، ولا بقاء للأمة الواحدة مع هذه العصبيات ، ومصادر الشريعة الإسلامية زاخرة بإنكارها ، والتشنيع عليها " .
هذا ، ويمكن تلخيص حلكم الإسلام في العصبية الجاهلية في الأمور الآتية :
1- ألغى الإسلام العصبية الجاهلية ، وحذر منها ، ويتجلى ذلك في كثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومنها قوله: (( ومن قاتل تحت راية عميه يغضب لعصبية ، أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبة ، فقتل ، فقتلة جاهلية )) وقال صلى الله عليه وسلم (( ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية ))
2- وقرر المساواة بين الناس ، وعدم الاعتراف بالامتيازات الطبقية أو النفوذ الموروث ، فأساس التفاضل : التقوى والعمل الصالح ، قال تعالى : الآية ( الحجرات : 13) ، وعن أبي نضرة قال : حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط التشويق ، فقال : وعن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يلكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ومن ويجترئ عليه إلا أسامه ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اتشفع في حد من حدود الله ؟ ! ) ثم قام فخطب فقال : ( أيها الناس ، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيه الشريف تركوه ، وإذا سرق فيه الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ).
3- وألغى الإسلام كل مظاهر العبودية لغير الله ، من نحو تقديس الأعراف القبلية والانسياق مها باطلا دون تبصر ، إلا لمجرد الهوى واجتماع الناس عليها ، وأثبت العبودية لله وحده ، قال تعالى : الذاريات 56
4- ونهى عن الطعن في الأنساب ، وعن التفاخر ، والتعاظم بالآباء ، والأجداد ، والمآثر والأمجاد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد )
ومن أعظم صور التواضع في الإسلام : أن جبريل عليه السلام جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى السماء ، فإذا ملك ينزل ، فقال جبريل علي، فقال جبريل عليه السلام : أ، هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة ، فلما نزل قال : يا محمد أرسلني إليك ربك : أفملكاَ نبياَ يجعلك ، أو عبداً رسولا ؟ قال جبريل عليه السلام تواضع لربك يا محمد ، قال : ( بل عبداً رسولا ً ) .