تــمــيــيــز وثــبــات .. أمــام كــل الــتـيــارات
أظنك ـ أخي المسلم ـ توافقني أننا نواجه
تياراً من تيارات مسخ الهوية
تراه ..... وتسمع عنه
بل وتتعجب وتقول
كيف بدأ يسيطر على كثير من العقول والأفكار والتصورات
بل ومقدرات كثير من الناس فقلَّ من ينجو منه
لقد أصبح يحيط بهم وكأنهم مقيدون بسلاسل من القيود والتبعية الممقوتة
بحيث يسير الواحد منهم وقد تخلَّى عن كل:
مظاهر الدين ومحاسنه
وثوابته ومسلماته
وليس ذاك إلا من مظاهر الضعف في بنيان:
العقيدة
والعبادة
والارتباط بالقرآن والسنة
وهدي السلف الصالح
لقد سبب هذا الضعف انفصاما في كل شيء حتى استشرى في الفكر والعقل الوباء
فأضعف القلب ، ولا تستغرب ـ أخي المسلم ـ من قوة التيارات والأعاصير التي كأنها تزلزل
الجبال ، ولكن هناك قوة تتصدَّى لها وهي القوة الثابتة المحافظة على تميز المسلم الحق
المتحرر من قيود التبعية ، انظر وتأمل في قول الحبيب ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ
" حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم " رواه البخاري
ولكن عجباً ! ! كيف كان لهذا التيار الخبيث يعمل لولا أن كان وراءه خبثاء كثير زادوا في
الانتشار والذيوع في مجتمع كان محافظ؟
بالطبع إنه تلبس بأقنعة الحضارة الزائفة ذات الشعاع الكاذب ، وكثير ممن كان طابعهم التقليد
يتأثرون بتلك البهارج ، ولكنهم حتماً سيصطدمون بمسلَّماتهم التي نشؤوا عليها مما تقوم عليه
معالم الشخصية المسلمة ، فإمِّا أن تعود إلى الأصل وإمِّا أن يستمر التذبذب بها إلى أن تأتي
موجة فتبتلعها وينتهي خبرها بانتهاء أصحابها ، وهو الأكثر والأغلب مع الأسف
فما أجمل المسلم أن يحافظ على تميزه وعقيدته وثوابته ومسلماته في كل جوانب حياته
وأن يتخلص من تلك القيود
فإن نوديت ـ أخي الحبيب ـ بالسير مع الهمم العالية
فانتفض وأفلت من قيود الأرض
وحلق بجناح العزة فحري بك أن تتم انتفاضتك بخطوة تميز واضحة ، وثبات واستقامة
ولكن قد يستشكل عليك نوع التميز المطلوب ، فقد تتشبث بأنواع مختلفة من السلوك ظناً
منك أن ذلك تميز وهو في الحقيقة وهم وانحراف
إن التميز الحق هو المنبثق من القلب وأعتقاده وإيمانه
إن التمييز الحق هو من بنيات العقل وأفكاره
إن تميزك في مبادئك الأصيلة التي لا تبلى ولا تتحلل مع مرور الزمن ، فتتأصل فيك وتترسخ
حتى تسري مسرى الدم في العروق ، فيعمَّ الجسد كله ، وتعمل به الجوارح في ثبات ورسوخ
حينها لن يجرفك أي تيار مهما عظم بعد تثبيت الله ـ تعالى ـ لك
ولعل أكبر مثال على ذلك ثبات الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وتميزهم في الحبشة
في زمن الهجرة من أرض الوطن ، وهم في موضع التجاء وطلب معونة من أهلها بعد طلبها من الله
حيث كانوا فارين بدينهم من عذاب المشركين وملاحقتهم لهم
فبعد طول المشوار ولجوئهم إلى الحبشة
ومنها إلى النجاشي ملكها الذي كان آنذاك نصرانياً ابتدرهم الرهبان والقساوسة أن اسجدوا
للملك! فأجاب جعفر بن أبي طالب وهو على رأسهم
وانطلقت منه تلك الأحرف الشجاعة المتميزة الثابتة
( نحن قوم لا نسجد إلا لله )
في عزة وأنفة
في يقين بالمبادئ والعقيدة
في أحلك الأحوال وأكثرها إظلاماً
لكن يبقى التميز المتأصل في النفس يعمل دوره
فماذا كان رد هذا الملك أمام ذلك الثبات؟
هل قتله ..؟
هل وبخه ..؟
أم طرده ؟
كلا ، أتدري ماذا فعل به؟
لقد أكرمه ورفعه
ورد عليه بالحسنى
ومنحه امتياز الأمان والجوار فلا يُعتدى عليه هو ومن معه
أرأيت كيف يصنع التميز أمام التيارات!
أرأيت كيف يصنع الثبات بالرجال أمام أصحاب الانحراف والأفكار الضالة؟
وبالمقابل نرى كيف تفعل الانهزامية فيما نراه من رموز التغريب والزندقة والعلمنة ممن تترفع
أقلامنا عن تسطير أسمائهم ، فما كان لهم إلا الخسران والسقوط في تلك الأوحال النتنة
بقي القول:
إن مثل هذا التميز والثبات المنشود يعزُّ وجوده في هذا العصر وأمام هذه التيارات
الجارفة إلا لمن رحم الله .
أسأل الله لي ولك الثبات