أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

موضوع مغلق
قديم 24-03-2009, 03:35 AM
  #1
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



( ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو الْيَمَانِ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏شُعَيْبٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو الزِّنَادِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لَا ‏ ‏أَرَبَ ‏ ‏لِي بِهِ وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ ‏ ‏يَعْنِي آمَنُوا أَجْمَعُونَ فَذَلِكَ حِينَ ‏ ‏لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ‏ ‏وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ ‏ ‏يُلِيطُ ‏ ‏حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا ) صحيح البخاري6588


‏فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قَوْله ( عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ) ‏
‏هُوَ الْأَعْرَج , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيِّ لِهَذِهِ النُّسْخَة " عَنْ الْأَعْرَج " وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاء بَعْض هَذَا الْحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد وَفِيهِ " عَنْ عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج " . ‏

‏قَوْله ( لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَقْتَتِل فِئَتَانِ ) ‏
‏الْحَدِيث " وَحَتَّى يُبْعَث دَجَّالُونَ " الْحَدِيث " وَحَتَّى يُقْبَض الْعِلْم إِلَخْ " هَكَذَا سَاقَ هَذِهِ الْأَشْرَاط السَّبْعَة مَسَاق الْحَدِيث الْوَاحِد هُنَا , وَأَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ فِي كُلّ وَاحِد مِنْهَا " وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ قَالَ : أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ هَذِهِ الْأَحَادِيث السَّبْعَة عَنْ أَبِي الْيَمَان عَنْ شُعَيْب . قُلْت , فَسَمَّاهَا سَبْعَة مَعَ أَنَّ فِي بَعْضهَا أَكْثَر مِنْ وَاحِد كَقَوْلِهِ " حَتَّى يُقْبَض الْعِلْم وَتَكْثُر الزَّلَازِل وَيَتَقَارَب الزَّمَان وَتَظْهَر الْفِتَن وَيَكْثُر الْهَرْج " فَإِذَا فُصِّلَتْ زَادَتْ عَلَى الْعَشَرَة , وَقَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيّ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَة حَدِيث قَبْض الْعِلْم فَسَاقَهُ كَاَلَّذِي هُنَا فِي كِتَاب الِاسْتِسْقَاء ثُمَّ قَالَ " وَحَتَّى يَكْثُر فِيكُمْ الْمَال فَيَفِيض " اِقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْر مِنْهُ , ثُمَّ سَاقَهُ فِي كِتَاب الزَّكَاة بِتَمَامِهِ , وَذَكَرَ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بِهَذَا السَّنَد حَدِيث " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالهمْ الشَّعْر " الْحَدِيث وَفِيهِ أَشْيَاء غَيْر ذَلِكَ مِنْ هَذَا النَّمَط , وَهَذِهِ الْمَذْكُورَات وَأَمْثَالهَا مِمَّا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ تَقُوم السَّاعَة , لَكِنَّهُ عَلَى أَقْسَام : ‏
‏أَحَدهَا مَا وَقَعَ عَلَى وَفْق مَا قَالَ , ‏
‏وَالثَّانِي مَا وَقَعَتْ مَبَادِيه وَلَمْ يَسْتَحِكُمْ , ‏
‏وَالثَّالِث مَا لَمْ يَقَع مِنْهُ شَيْء وَلَكِنَّهُ سَيَقَعُ , فَالنَّمَط الْأَوَّل تَقَدَّمَ مُعْظَمه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة , وَقَدْ اِسْتَوْفَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ الْمَقْبُولَة , وَالْمَذْكُور مِنْهُ هُنَا اِقْتِتَال الْفِئَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ وَظُهُور الْفِتَن وَكَثْرَة الْهَرْج وَتَطَاوُل النَّاس فِي الْبُنْيَان وَتَمَنِّي بَعْض النَّاس الْمَوْت وَقِتَال التُّرْك وَتَمَنِّي رُؤْيَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا وَرَدَ مِنْهُ حَدِيث الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَأْخُذ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُون قَبْلَهَا " الْحَدِيث وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام , وَلَهُ شَوَاهِد , وَمِنْ النَّمَط الثَّانِي تَقَارُب الزَّمَان وَكَثْرَة الزَّلَازِل وَخُرُوج الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة فِي شَرْح حَدِيث أَبِي مُوسَى فِي أَوَائِل كِتَاب الْفِتَن إِلَى مَا وَرَدَ فِي مَعْنَى تَقَارُب الزَّمَان , وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ " يَتَقَارَب الزَّمَان وَتَنْقُص السُّنُونَ وَالثَّمَرَات " وَتَقَدَّمَ فِي " بَاب ظُهُور الْفِتَن " . " وَيُلْقَى الشُّحّ " وَمِنْهَا حَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقْسَم مِيرَاث وَلَا يُفْرَح بِغَنِيمَةٍ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَحَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ الَّذِي نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا لَا يُنَافِي أَنَّ قَبْلَ السَّاعَة يَقَع عَشْر آيَات فَذَكَرَ مِنْهَا " وَثَلَاثَة خُسُوف خَسْف بِالْمَشْرِقِ وَخَسْف بِالْمَغْرِبِ وَخَسْف بِجَزِيرَةِ الْعَرَب " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَذَكَرَ مِنْهَا الدُّخَان وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود فِي سُورَة الدُّخَان , وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث صُحَارَى بِضَمِّ الصَّاد وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ حَدِيث " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُخْسَف بِقَبَائِلَ مِنْ الْعَرَب " الْحَدِيث , وَقَدْ وُجِدَ الْخَسْف فِي مَوَاضِع , وَلَكِنْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْخُسُوفِ الثَّلَاثَة قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا وُجِدَ كَأَنْ يَكُون أَعْظَم مِنْهُ مَكَانًا أَوْ قَدْرًا وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَسُود كُلّ قَبِيلَة مُنَافِقُوهَا " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ , وَفِي لَفْظ " رُذَّالُهَا " وَأَخْرَجَ الْبَزَّار عَنْ أَبِي بَكْرَة نَحْوه , وَعِنْدَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " وَكَانَ زَعِيم الْقَوْم أَرْذَلهمْ وَسَادَ الْقَبِيلَة فَاسِقهمْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " إِذَا وُسِّدَ الْأَمْر إِلَى غَيْر أَهْله فَانْتَظِرْ السَّاعَة " وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَكُون الْوَلَد غَيْظًا , وَالْمَطَر قَيْظًا , وَتَفِيض الْأَيَّام فَيْضًا " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ . وَعَنْ أُمّ الضِّرَاب مِثْله وَزَادَ " وَيَجْتَرِئ الصَّغِير عَلَى الْكَبِير وَاللَّئِيم عَلَى الْكَرِيم وَيُخَرَّب عُمْرَان الدُّنْيَا وَيُعَمَّر خَرَابهَا " وَمِنْ النَّمَط الثَّالِث طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا ; وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ طُرُق أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَفِي بَدْء الْخَلْق مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ وَحَدِيث " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُقَاتِل الْمُسْلِمُونَ الْيَهُود فَيَقْتُلهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئ الْيَهُودِيّ وَرَاءَ الْحَجَر " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مِنْ رِوَايَة أَبِي زُرْعَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر , وَمَضَى شَرْحه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة وَأَنَّ ذَلِكَ يَقَع قَبْلَ الدَّجَّال كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث سَمُرَة عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ , وَحَدِيث أَنَس " أَنَّ أَمَام الدَّجَّال سُنُونَ خَدَّاعَات يُكَذَّب فِيهَا الصَّادِق وَيُصَدَّق فِيهَا الْكَاذِب وَيُخَوَّن فِيهَا الْأَمِين وَيُؤْتَمَن فِيهَا الْخَائِن وَيَتَكَلَّم فِيهَا الرُّوَيْبِضَة " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّار وَسَنَده جَيِّد , وَمِثْله لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ " قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَة ؟ قَالَ الرَّجُل التَّافِه يَتَكَلَّم فِي أَمْر الْعَامَّة " وَحَدِيث سَمُرَة " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا عِظَامًا لَمْ تُحَدِّثُوا بِهَا أَنْفُسكُمْ " وَفِي لَفْظ " يَتَفَاقَم شَأْنهَا فِي أَنْفُسكُمْ وَتَسْأَلُونَ هَلْ كَانَ نَبِيّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا " الْحَدِيث وَفِيهِ " وَحَتَّى تَرَوْا الْجِبَال تَزُول عَنْ أَمَاكِنهَا " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ فِي حَدِيث طَوِيل وَأَصْله عِنْدَ التِّرْمِذِيّ دُونَ الْمَقْصُود مِنْهُ هُنَا , وَحَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُتَسَافَد فِي الطَّرِيق تَسَافُد الْحُمُر " أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم , وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَفْنَى هَذِهِ الْأُمَّة حَتَّى يَقُوم الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَة فَيَفْتَرِشهَا فِي الطَّرِيق فَيَكُون خِيَارهمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُول لَوْ وَارَيْنَاهَا وَرَاءَ هَذَا الْحَائِط " وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي " الْأَوْسَط " مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ نَحْوه وَفِيهِ " يَقُول أَمْثَلهمْ لَوْ اِعْتَزَلْتُمْ الطَّرِيق " وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَوْله " وَحَتَّى تَمُرّ الْمَرْأَة بِالْقَوْمِ فَيَقُوم إِلَيْهَا أَحَدُهُمْ فَيَرْفَع بِذَيْلِهَا كَمَا يَرْفَع ذَنَب النَّعْجَة فَيَقُول بَعْضهمْ أَلَا وَارَيْتهَا وَرَاءَ الْحَائِط , فَهُوَ يَوْمئِذٍ فِيهِمْ مِثْل أَبِي بَكْر وَعُمَر فِيكُمْ " وَحَدِيث حُذَيْفَة بْن الْيَمَان عِنْدَ اِبْن مَاجَهْ " يَدْرُس الْإِسْلَام كَمَا يَدْرُس وَشْي الثَّوْب حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَام وَلَا صَلَاة وَلَا نُسُك وَلَا صَدَقَة , وَيَبْقَى طَوَائِف مِنْ النَّاس الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعَجُوز الْكَبِيرَة وَيَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَنَحْنُ نَقُولهَا " وَحَدِيث أَنَس " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الْأَرْض لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " أَخْرَجَهُ أَحْمَد بِسَنَدٍ قَوِيّ , وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِم بِلَفْظِ " اللَّه اللَّه " وَلَهُ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا تَقُوم السَّاعَة إِلَّا عَلَى شِرَار النَّاس " وَلِأَحْمَدَ مِثْله مِنْ حَدِيث عِلْبَاء السُّلَمِيِّ بِكَسْرِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللَّام بَعْدَهَا مُوَحَّدَة خَفِيفَة وَمَدّ بِلَفْظِ " حُثَالَة " بَدَلَ " شِرَار " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ شَوَاهِده فِي " بَاب إِذَا بَقِيَ حُثَالَة مِنْ النَّاس " وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْهُ " لَا تَقُوم السَّاعَة عَلَى مُؤْمِن " وَلِأَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَأْخُذ اللَّه شَرِيطَته مِنْ أَهْل الْأَرْض , فَيَبْقَى عَجَاج لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا " وَلِلطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَرْجِع نَاس مِنْ أُمَّتِي إِلَى الْأَوْثَان يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّه " وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثه فِي ذِكْر ذِي الْخَلَصَة قَرِيبًا , وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة " وَيَبْقَى طَوَائِف مِنْ النَّاس الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعَجُوز يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَنَحْنُ نَقُولهَا " وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَد مِنْ حَدِيث ثَوْبَانَ " وَلَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَلْحَق قَبَائِل مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ , وَحَتَّى تَعْبُد قَبَائِل مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَان " وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَائِشَة " لَا تَذْهَب الْأَيَّام وَاللَّيَالِي حَتَّى تُعْبَد اللَّات وَالْعُزَّى مِنْ دُونِ اللَّه " الْحَدِيث وَفِيهِ " ثُمَّ يَبْعَث اللَّه رِيحًا طَيِّبَة فَيَتَوَفَّى بِهَا كُلّ مُؤْمِن فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ إِيمَان فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْر فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِين آبَائِهِمْ " وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ شَاهِده وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْت عِيسَى بْن مَرْيَم " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْره : الْأَشْرَاط مِنْهَا صِغَار وَقَدْ مَضَى أَكْثَرهَا وَمِنْهَا كِبَار سَتَأْتِي . قُلْت : وَهِيَ الَّتِي تَضَمَّنَهَا حَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ عِنْدَ مُسْلِم وَهِيَ الدَّجَّال وَالدَّابَّة وَطُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ وَنُزُول عِيسَى بْن مَرْيَم وَخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالرِّيح الَّتِي تَهُبّ بَعْدَ مَوْت عِيسَى فَتَقْبِض أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ " وَقَدْ اِسْتَشْكَلُوا عَلَى ذَلِكَ حَدِيث " لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ حَتَّى يَأْتِي أَمْر اللَّه " فَإِنَّ ظَاهِر الْأَوَّل أَنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَد مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ الْقَائِم بِالْحَقِّ , وَظَاهِر الثَّانِي الْبَقَاء , وَيُمْكِن أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " أَمْر اللَّه " هُبُوب تِلْكَ الرِّيح فَيَكُون الظُّهُور قَبْلَ هُبُوبهَا , فَبِهَذَا الْجَمْع يَزُول الْإِشْكَال بِتَوْفِيقِ اللَّه تَعَالَى , فَأَمَّا بَعْدَ هُبُوبهَا فَلَا يَبْقَى إِلَّا الشِّرَار وَلَيْسَ فِيهِمْ مُؤْمِن فَعَلَيْهِمْ تَقُوم السَّاعَة , وَعَلَى هَذَا فَآخِر الْآيَات الْمُؤْذِنَة بِقِيَامِ السَّاعَة هُبُوب تِلْكَ الرِّيح , وَسَأَذْكُرُ فِي آخِر الْبَاب قَوْل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام " إِنَّ السَّاعَة حِينَئِذٍ تَكُون كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ لَا يَدْرِي أَهْلهَا مَتَى تَضَع " . ‏
‏( فَصْلٌ ) ‏
‏وَأَمَّا قَوْله " حَتَّى تَقْتَتِل فِئَتَانِ " الْحَدِيث تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الرِّقَاق أَنَّ الْمُرَاد بِالْفِئَتَيْنِ عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ وَمُعَاوِيَة وَمَنْ مَعَهُ , وَيُؤْخَذ مِنْ تَسْمِيَتهمْ مُسْلِمِينَ مِنْ قَوْله دَعْوَتهمَا وَاحِدَة الرَّدّ عَلَى الْخَوَارِج وَمَنْ تَبِعَهُمْ فِي تَكْفِيرهمْ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ , وَدَلَّ حَدِيث " تَقْتُل عَمَّارًا الْفِئَة الْبَاغِيَة " عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ الْمُصِيب فِي تِلْكَ الْحَرْب لِأَنَّ أَصْحَاب مُعَاوِيَة قَتَلُوهُ , وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّار بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ زَيْد بْن وَهْب قَالَ " كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَة فَقَالَ : كَيْف أَنْتُمْ وَقَدْ خَرَجَ أَهْل دِينكُمْ يَضْرِب بَعْضهمْ وُجُوه بَعْض بِالسَّيْفِ ؟ قَالُوا . فَمَا تَأْمُرنَا ؟ قَالَ : اُنْظُرُوا الْفِرْقَة الَّتِي تَدْعُو إِلَى أَمْر عَلِيّ فَالْزَمُوهَا فَإِنَّهَا عَلَى الْحَقّ " وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ " لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَة غَلَبَة عَلِيّ عَلَى أَهْل الْجَمَل دَعَا إِلَى الطَّلَب بِدَمِ عُثْمَان فَأَجَابَهُ أَهْل الشَّام فَسَارَ إِلَيْهِ عَلِيّ فَالْتَقَيَا بِصِفِّينَ " , وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى بْن سُلَيْمَان الْجُعْفِيُّ أَحَد شُيُوخ الْبُخَارِيّ فِي " كِتَاب صِفِّينَ " فِي تَأْلِيفه بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ أَبِي مُسْلِم الْخَوْلَانِيّ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ : أَنْتَ تُنَازِع عَلِيًّا فِي الْخِلَافَة أَوْ أَنْتَ مِثْله ؟ قَالَ : لَا , وَإِنِّي لَأَعْلَم أَنَّهُ أَفْضَل مِنِّي وَأَحَقّ بِالْأَمْرِ , وَلَكِنْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَان قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنَا اِبْن عَمّه وَوَلِيّه أَطْلُب بِدَمِهِ ؟ فَأْتُوا عَلِيًّا فَقُولُوا لَهُ يَدْفَع لَنَا قَتَلَة عُثْمَان , فَأَتَوْهُ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ : يَدْخُل فِي الْبَيْعَة وَيُحَاكِمهُمْ إِلَيَّ , فَامْتَنَعَ مُعَاوِيَة فَسَارَ عَلِيّ فِي الْجُيُوش مِنْ الْعِرَاق حَتَّى نَزَلَ بِصِفِّينَ , وَسَارَ مُعَاوِيَة حَتَّى نَزَلَ هُنَاكَ وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّة سَنَة سِتّ وَثَلَاثِينَ , فَتَرَاسَلُوا فَلَمْ يَتِمّ لَهُمْ أَمْر , فَوَقَعَ الْقِتَال إِلَى أَنْ قُتِلَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا ذَكَرَ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخه نَحْو سَبْعِينَ أَلْفًا , وَقِيلَ كَانُوا أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَيُقَال كَانَ بَيْنَهُمْ أَكْثَر مِنْ سَبْعِينَ زَحْفًا , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير سُورَة الْفَتْح مَا زَادَهَا أَحْمَد وَغَيْره فِي حَدِيث سَهْل بْن حُنَيْفٍ الْمَذْكُور هُنَاكَ مِنْ قِصَّة التَّحْكِيم بِصِفِّينَ وَتَشْبِيه سَهْل بْن حُنَيْفٍ مَا وَقَعَ لَهُمْ بِهَا بِمَا وَقَعَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَة . وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ أَبِي الرِّضَا سَمِعْت عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ يَقُول : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَنِفهُ الْحُور الْعِين فَلْيَتَقَدَّمْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مُحْتَسِبًا . وَمِنْ طَرِيق زِيَاد بْن الْحَارِث : كُنْت إِلَى جَنْب عَمَّار فَقَالَ رَجُل : كَفَرَ أَهْل الشَّام , فَقَالَ عَمَّار : لَا تَقُولُوا ذَلِكَ نَبِيّنَا وَاحِد , وَلَكِنَّهُمْ قَوْم حَادُوا عَنْ الْحَقّ فَحُقَّ عَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا . وَذَكَرَ اِبْن سَعْد أَنَّ عُثْمَان لَمَّا قُتِلَ وَبُويِعَ عَلِيّ أَشَارَ اِبْن عَبَّاس عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ مُعَاوِيَة عَلَى الشَّام حَتَّى يَأْخُذ لَهُ الْبَيْعَة ثُمَّ يَفْعَل فِيهِ مَا شَاءَ , فَامْتَنَعَ . فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَة فَقَالَ : وَاَللَّه لَا أَلِي لَهُ شَيْئًا أَبَدًا . فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيّ مِنْ أَهْل الْجَمَل أَرْسَلَ جَرِير بْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيَّ إِلَى مُعَاوِيَة يَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُول فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاس فَامْتَنَعَ , فَأَرْسَلَ أَبَا مُسْلِم كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يَنْتَظِم الْأَمْر , وَسَارَ عَلِيّ فِي الْجُنُود إِلَى جِهَة مُعَاوِيَة فَالْتَقَيَا بِصِفِّينَ فِي الْعَشَر الْأُوَل مِنْ الْمُحَرَّم وَأَوَّل مَا اِقْتَتَلُوا فِي غُرَّة صَفَر , فَلَمَّا كَادَ أَهْل الشَّام أَنْ يُغْلَبُوا رَفَعُوا الْمَصَاحِف بِمَشُورَةِ عَمْرو بْن الْعَاصِ وَدَعَوْا إِلَى مَا فِيهَا , فَآلَ الْأَمْر إِلَى الْحَكَمَيْنِ فَجَرَى مَا جَرَى مِنْ اِخْتِلَافهمَا وَاسْتِبْدَاد مُعَاوِيَة بِمُلْكِ الشَّام وَاشْتِغَال عَلِيّ بِالْخَوَارِجِ وَعِنْدَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت : أَتَيْت أَبَا وَائِل فَقَالَ : كُنَّا بِصِفِّينَ , فَلَمَّا اِسْتَحَرَّ الْقَتْل بِأَهْلِ الشَّام قَالَ عَمْرو لِمُعَاوِيَةَ أَرْسِلْ إِلَى عَلِيّ الْمُصْحَف فَادْعُهُ إِلَى كِتَاب اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَأْبَى عَلَيْك , فَجَاءَ بِهِ رَجُل فَقَالَ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَاب اللَّه ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيق مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) فَقَالَ عَلِيّ نَعَمْ أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ , فَقَالَ الْقُرَّاء الَّذِينَ صَارُوا بَعْدَ ذَلِكَ خَوَارِج : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا نَنْظُر بِهَؤُلَاءِ الْقَوْم , أَلَّا نَمْشِي عَلَيْهِمْ بِسُيُوفِنَا حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْنَنَا ؟ فَقَالَ سَهْل بْن حُنَيْفٍ يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّهِمُوا أَنْفُسكُمْ فَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَة , فَذَكَرَ قِصَّة الصُّلْح مَعَ الْمُشْرِكِينَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْوَجْه عَنْ سَهْل بْن حُنَيْفٍ , وَقَدْ أَشَرْت إِلَى قِصَّة التَّحْكِيم فِي " بَاب قَتْل الْخَوَارِج وَالْمُلْحِدِينَ " مِنْ كِتَاب اِسْتِتَابَة الْمُرْتَدِّينَ . وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة مِنْ طَرِيق اِبْن مَنْدَهْ ثُمَّ مِنْ طَرِيق أَبِي الْقَاسِم اِبْن أَخِي أَبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَمِّي فَقَالَ لَهُ إِنِّي أُبْغِض مُعَاوِيَة , قَالَ لَهُ لِمَ ؟ قَالَ لِأَنَّهُ قَاتَلَ عَلِيًّا بِغَيْرِ حَقّ ; فَقَالَ لَهُ أَبُو زُرْعَة : رَبّ مُعَاوِيَة رَبّ رَحِيم وَخَصْم مُعَاوِيَة خَصْم كَرِيم فَمَا دُخُولُك بَيْنَهُمَا ؟ ‏

‏قَوْله ( وَحَتَّى يُبْعَث دَجَّالُونَ ) ‏
‏جَمْع دَجَّال , وَسَيَأْتِي تَفْسِيره فِي الْبَاب الَّذِي بَعْدَهُ , وَالْمُرَاد بِبَعْثِهِمْ إِظْهَارهمْ , لَا الْبَعْث بِمَعْنَى الرِّسَالَة . وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ أَفْعَال الْعِبَاد مَخْلُوقَة لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ جَمِيع الْأُمُور بِتَقْدِيرِهِ . ‏

‏قَوْله ( قَرِيب مِنْ ثَلَاثِينَ ) ‏
‏وَقَعَ فِي بَعْض الْأَحَادِيث بِالْجَزْمِ , وَفِي بَعْضهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَفِي بَعْضهَا بِتَحْرِيرِ ذَلِكَ , فَأَمَّا الْجَزْم فَفِي حَدِيث ثَوْبَانَ " وَأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُم أَنَّهُ نَبِيّ وَأَنَا خَاتَم النَّبِيِّينَ لَا نَبِيّ بَعْدِي " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَهُوَ طَرَف مِنْ حَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَلَمْ يَسُقْ جَمِيعه , وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة ثَلَاثُونَ دَجَّالًا كَذَّابًا " وَفِي حَدِيث عَلِيّ عِنْدَ أَحْمَد وَنَحْوه وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ نَحْوه وَفِي حَدِيث سَمُرَة الْمُصَدَّر أَوَّله بِالْكُسُوفِ وَفِيهِ " وَلَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَخْرُج ثَلَاثُونَ كَذَّابًا آخِرهمْ الْأَعْوَر الدَّجَّال " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ , وَأَصْله عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ , وَفِي حَدِيث اِبْن الزُّبَيْر " إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة ثَلَاثِينَ كَذَّابًا مِنْهُمْ الْأَسْوَد الْعَنْسِيُّ صَاحِب صَنْعَاءَ وَصَاحِب الْيَمَامَة يَعْنِي مُسَيْلِمَةَ . قُلْت : وَخَرَجَ فِي زَمَن أَبِي بَكْر طُلَيْحَة بِالتَّصْغِيرِ اِبْن خُوَيْلِدٍ وَادَّعَى النُّبُوَّة ثُمَّ تَابَ وَرَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام , وَتَنَبَّأَتْ أَيْضًا سَجَاح ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مُسَيْلِمَة ثُمَّ رَجَعَتْ بَعْدَهُ , وَأَمَّا الزِّيَادَة فَفِي لَفْظ لِأَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ أَوْ أَكْثَر قُلْت : مَا آيَتهمْ ؟ قَالَ : يَأْتُونَكُمْ بِسُنَّةٍ لَمْ تَكُونُوا عَلَيْهَا يُغَيِّرُونَ بِهَا سُنَّتكُمْ , فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاجْتَنِبُوهُمْ " وَفِي رِوَايَة عَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَخْرُج سَبْعُونَ كَذَّابًا " وَسَنَدهَا ضَعِيف , وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيث أَنَس نَحْوه وَسَنَده ضَعِيف أَيْضًا , وَهُوَ مَحْمُول إِنْ ثَبَتَ عَلَى الْمُبَالَغَة فِي الْكَثْرَة لَا عَلَى التَّحْدِيد , وَأَمَّا التَّحْرِير فَفِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ حُذَيْفَة بِسَنَدٍ جَيِّد " سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ سَبْعَة وَعِشْرُونَ مِنْهُمْ أَرْبَع نِسْوَة , وَإِنِّي خَاتَم النَّبِيِّينَ لَا نَبِيّ بَعْدِي " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ رِوَايَة الثَّلَاثِينَ بِالْجَزْمِ عَلَى طَرِيق جَبْر الْكَسْر , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي حَدِيث الْبَاب " قَرِيب مِنْ ثَلَاثِينَ " . ‏

‏قَوْله ( كُلّهمْ يَزْعُم أَنَّهُ رَسُول اللَّه ) ‏
‏ظَاهِر فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَدَّعِي النُّبُوَّة , وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي قَوْله فِي آخِر الْحَدِيث الْمَاضِي " وَإِنِّي خَاتَم النَّبِيِّينَ " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الَّذِينَ يَدَّعُونَ النُّبُوَّة مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثِينَ أَوْ نَحْوهَا وَأَنَّ مَنْ زَادَ عَلَى الْعَدَد الْمَذْكُور يَكُون كَذَّابًا فَقَطْ لَكِنْ يَدْعُو إِلَى الضَّلَالَة كَغُلَاةِ الرَّافِضَة وَالْبَاطِنِيَّة وَأَهْل الْوَحْدَة وَالْحُلُولِيَّة وَسَائِر الْفِرَق الدُّعَاة إِلَى مَا يُعْلَم بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ خِلَاف مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي حَدِيث عَلِيّ عِنْدَ أَحْمَد " فَقَالَ عَلِيّ لِعَبْدِ اللَّه بْن الْكَوَّاء : وَإِنَّك لَمِنْهُمْ " وَابْن الْكَوَّاء لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّة وَإِنَّمَا كَانَ يَغْلُو فِي الرَّفْض . ‏

‏قَوْله ( وَحَتَّى يُقْبَض الْعِلْم ) ‏
‏تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم وَيَأْتِي أَيْضًا فِي " كِتَاب الْأَحْكَام " . ‏

‏قَوْله ( وَتَكْثُر الزَّلَازِل ) ‏
‏قَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشَّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولهَا وَدَوَامهَا , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث سَلَمَة بْن نُفَيْلٍ عِنْدَ أَحْمَد " وَبَيْن يَدَيْ السَّاعَة سَنَوَات الزَّلَازِل " وَلَهُ عَنْ أَبِي سَعِيد " تَكْثُر الصَّوَاعِق عِنْدَ اِقْتِرَاب السَّاعَة " . ‏

‏قَوْله ( وَيَتَقَارَب الزَّمَان وَتَظْهَر الْفِتَن وَيَكْثُر الْهَرْج ) ‏
‏تَقَدَّمَ الْبَحْث فِي ذَلِكَ قَرِيبًا . ‏

‏قَوْله ( وَحَتَّى يَكْثُر فِيكُمْ الْمَال فَيَفِيض ) ‏
‏تَقَدَّمَ شَرْحه فِي كِتَاب الزَّكَاة وَالتَّقْيِيد بِقَوْلِهِ " فِيكُمْ " يُشْعِر بِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى زَمَن الصَّحَابَة فَيَكُون إِشَارَة إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ الْفُتُوح وَاقْتِسَامهمْ أَمْوَال الْفُرْس وَالرُّوم وَيَكُون قَوْله " فَيَفِيض حَتَّى يُهَمّ رَبّ الْمَال " إِشَارَة إِلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي زَمَنه أَنَّ الرَّجُل كَانَ يَعْرِض مَاله لِلصَّدَقَةِ فَلَا يَجِد مَنْ يَقْبَل صَدَقَته : وَيَكُون قَوْله " وَحَتَّى يَعْرِضهُ فَيَقُول الَّذِي يَعْرِضهُ عَلَيْهِ : لَا أُرَبِّ لِي بِهِ " إِشَارَة إِلَى مَا سَيَقَعُ فِي زَمَن عِيسَى بْن مَرْيَم . فَيَكُون فِي هَذَا الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى ثَلَاثَة أَحْوَال : ‏
‏الْأُولَى إِلَى كَثْرَة الْمَال فَقَطْ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَن الصَّحَابَة وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِيهِ " يَكْثُر فِيكُمْ " وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث عَوْف بْن مَالِك الَّذِي مَضَى فِي " كِتَاب الْجِزْيَة " ذَكَرَ عَلَامَة أُخْرَى مُبَايِنَة لِعَلَامَةِ الْحَالَة الثَّانِيَة فِي حَدِيث عَوْف بْن مَالِك رَفَعَهُ " اُعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة : مَوْتِي , ثُمَّ فَتْح بَيْت الْمَقْدِس , وَمَوْتَانِ ثُمَّ اِسْتِفَاضَة الْمَال حَتَّى يُعْطَى الرَّجُل مِنْهُ مِائَة دِينَار فَيَظَلّ سَاخِطًا " الْحَدِيث . وَقَدْ أَشَرْت إِلَى شَيْء مِنْ هَذَا عِنْدَ شَرْحه ‏
‏الْحَالَة الثَّانِيَة الْإِشَارَة إِلَى فَيْضه مِنْ الْكَثْرَة بِحَيْثُ أَنْ يَحْصُل اِسْتِغْنَاء كُلّ أَحَد عَنْ أَخْذ مَال غَيْره , وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِر عَصْر الصَّحَابَة وَأَوَّل عَصْر مَنْ بَعْدَهُمْ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ " يُهَمّ رَبّ الْمَال " وَذَلِكَ يَنْطَبِق عَلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز . ‏
‏الْحَالَة الثَّالِثَة فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى فَيْضه وَحُصُول الِاسْتِغْنَاء لِكُلِّ أَحَد حَتَّى يَهْتَمّ صَاحِب الْمَال بِكَوْنِهِ لَا يَجِد مَنْ يَقْبَل صَدَقَته وَيَزْدَاد بِأَنَّهُ يَعْرِضهُ عَلَى غَيْره وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقّ الصَّدَقَة فَيَأْبَى أَخْذه فَيَقُول لَا حَاجَة لِي فِيهِ : وَهَذَا فِي زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا الْأَخِير خُرُوج النَّار وَاشْتِغَال النَّاس بِأَمْرِ الْحَشْر فَلَا يَلْتَفِت أَحَد حِينَئِذٍ إِلَى الْمَال بَلْ يَقْصِد أَنْ يَتَخَفَّف مَا اِسْتَطَاعَ . ‏

‏قَوْله ( وَحَتَّى يَتَطَاوَل النَّاس فِي الْبُنْيَان ) ‏
‏تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْإِيمَان مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي سُؤَال جِبْرِيل عَنْ الْإِيمَان قَوْله فِي أَشْرَاط السَّاعَة وَيَتَطَاوَل النَّاس فِي الْبُنْيَان , وَهِيَ مِنْ الْعَلَامَات الَّتِي وَقَعَتْ عَنْ قُرْب فِي زَمَن النُّبُوَّة , وَمَعْنَى التَّطَاوُل فِي الْبُنْيَان أَنَّ كُلًّا مِمَّنْ كَانَ يَبْنِي بَيْتًا يُرِيد أَنْ يَكُون اِرْتِفَاعه أَعْلَى مِنْ اِرْتِفَاع الْآخَر , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد الْمُبَاهَاة بِهِ فِي الزِّينَة وَالزَّخْرَفَة أَوْ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ وُجِدَ الْكَثِير مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي اِزْدِيَاد . ‏

‏قَوْله ( وَحَتَّى يَمُرّ الرَّجُل بِقَبْرِ الرَّجُل ) ‏
‏تَقَدَّمَ شَرْحه قَبْلَ بِبَابَيْنِ . ‏

‏قَوْله ( وَحَتَّى تَطْلُع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا ) ‏
‏تَقَدَّمَ شَرْحه فِي آخِر كِتَاب الرِّقَاق : وَذَكَرْت هُنَاكَ مَا أَبْدَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ الْقُرْطُبِيّ اِحْتِمَالًا أَنَّ الزَّمَن الَّذِي لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون وَقْت طُلُوع الشَّمْس مِنْ الْمَغْرِب , ثُمَّ إِذَا تَمَادَتْ الْأَيَّام وَبَعُدَ الْعَهْد بِتِلْكَ الْآيَة عَادَ نَفْع الْإِيمَان وَالتَّوْبَة , وَذَكَرْت مَنْ جَزَمَ بِهَذَا الِاحْتِمَال وَبَيَّنْت أَوْجُه الرَّدّ عَلَيْهِ . ثُمَّ وَقَفْت عَلَى حَدِيث لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو ذَكَرَ فِيهِ طُلُوع الشَّمْس مِنْ الْمُغْرِب وَفِيهِ " فَمِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ " الْآيَة , أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِم , وَهُوَ نَصّ فِي مَوْضِع النِّزَاع وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . ‏

‏قَوْله ( وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبهمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ ) ‏
‏وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة سُفْيَان عَنْ أَبِي الزِّنَاد وَيَتَبَايَعَانِ الثَّوْب فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ حَتَّى تَقُوم وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة عَلَى رَجُلَيْنِ قَدْ نَشَرَا بَيْنَهُمَا ثَوْبًا يَتَبَايَعَانِهِ فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ " وَنِسْبَة الثَّوْب إِلَيْهِمَا فِي الرِّوَايَة الْأُولَى بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَة فِي أَحَدهمَا وَالْمَجَاز فِي الْآخَر لِأَنَّ أَحَدهمَا مَالِك وَالْآخَر مُسْتَام , وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " يَتَبَايَعَانِهِ " أَيْ يَتَسَاوَمَانِ فِيهِ مَالِكه وَاَلَّذِي يُرِيد شِرَاءَهُ فَلَا يَتِمّ بَيْنَهُمَا ذَلِكَ مِنْ بَغْتَة قِيَام السَّاعَة فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ , وَعِنْدَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " إِنَّ السَّاعَة تَقُوم عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَهُمَا يَنْشُرَانِ الثَّوْب فَمَا يَطْوِيَانِهِ " وَوَقَعَ فِي حَدِيث عُقْبَةَ بْن عَامِر عِنْدَ الْحَاكِم لِهَذِهِ الْقِصَّة وَمَا بَعْدَهَا مُقَدِّمَة قَالَ " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْلُع عَلَيْكُمْ قَبْل السَّاعَة سَحَابَة سَوْدَاء مِنْ قِبَل الْمُغْرِب مِثْل التُّرْس , فَمَا تَزَال تَرْتَفِع حَتَّى تَمْلَأ السَّمَاء , ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيّهَا النَّاس - ثَلَاثًا يَقُول فِي الثَّالِثَة - أَتَى أَمْر اللَّه . قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَنْشُرَانِ الثَّوْب بَيْنَهُمَا فَمَا يَطْوِيَانِهِ " الْحَدِيث . ‏

‏قَوْله ( وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ ) ‏
‏أَيْ الرَّجُل . ‏

‏قَوْله ( يَلِيط حَوْضه ) ‏
‏بِفَتْحِ أَوَّله مِنْ الثُّلَاثِيّ وَبِضَمِّهِ مِنْ الرُّبَاعِيّ وَالْمَعْنَى يُصْلِحهُ بِالطِّينِ وَالْمَدَر فَيَسُدّ شُقُوقه لِيَمْلَأهُ وَيَسْقِي مِنْهُ دَوَابّه يُقَال لَاطَ الْحَوْض يَلِيطهُ إِذْ أَصْلَحَهُ بِالْمَدَرِ وَنَحْوه , وَمِنْهُ قِيلَ اللَّائِط لِمَنْ يَفْعَل الْفَاحِشَة , وَجَاءَ فِي مُضَارِعه يَلُوط تَفْرِقَة بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَوْض . وَحَكَى الْقَزَّاز فِي الْحَوْض أَيْضًا يَلُوط , وَالْأَصْل فِي اللَّوْط اللُّصُوق وَمِنْهُ " كَانَ عُمَر يَلِيط أَهْل الْجَاهِلِيَّة بِمَنْ اِدَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَام " كَذَا قَالَ , وَاَلَّذِي يَتَبَادَر أَنَّ فَاعِل الْفَاحِشَة نُسِبَ إِلَى قَوْم لُوط وَاَللَّه أَعْلَم . وَوَقَعَ فِي حَدِيث عُقْبَةَ بْن عَامِر الْمَذْكُور " وَإِنَّ الرَّجُل لَيَمْدُر حَوْضه فَمَا يَسْقِي مِنْهُ شَيْئًا " وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عِنْد الْحَاكِم وَأَصْله فِي مُسْلِم " ثُمَّ يُنْفَخ فِي الصُّوَر فَيَكُون أَوَّل مَنْ يَسْمَعهُ رَجُل يَلُوط حَوْضه فَيُصْعَق " فَفِي هَذَا بَيَان السَّبَب فِي كَوْنه لَا يَسْقِي مِنْ حَوْضه شَيْئًا , وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم " وَالرَّجُل يَلِيط فِي حَوْضه فَمَا يَصْدُر - أَيْ يَفْرُغ أَوْ يَنْفَصِل عَنْهُ - حَتَّى تَقُوم " . ‏

‏قَوْله ( فَلَا يُسْقَى فِيهِ ) ‏
‏أَيْ تَقُوم الْقِيَامَة مِنْ قَبْل أَنْ يُسْتَقَى مِنْهُ . ‏

‏قَوْله ( وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ ) ‏
‏بِالضَّمِّ أَيْ لُقْمَته إِلَى فِيهِ ‏
‏( فَلَا يَطْعَمهَا ) ‏
‏أَيْ تَقُوم السَّاعَة مِنْ قَبْل أَنْ يَضَع لُقْمَته فِي فِيهِ , أَوْ مِنْ قَبْل أَنْ يَمْضُغهَا , أَوْ مِنْ قَبْل أَنْ يَبْتَلِعهَا . وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " تَقُوم السَّاعَة عَلَى رَجُل أُكْلَتُهُ فِي فِيهِ يَلُوكهَا فَلَا يُسِيغهَا وَلَا يَلْفِظهَا " وَهَذَا يُؤَيِّد الِاحْتِمَال الْأَخِير وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر " كِتَاب الرِّقَاق " فِي " بَاب طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا " بِسَنَدِ حَدِيث الْبَاب طَرَف مِنْهُ وَهُوَ مِنْ قَوْله " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا " وَذَكَرَ بَعْدَهُ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبهمَا " وَبَعْدَهُ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ اِنْصَرَفَ الرَّجُل بِلَبَنِ لِقْحَته فَلَا يَطْعَمهُ " وَبَعْدَهُ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَهُوَ يَلِيط حَوْضه " وَبَعْدَهُ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ " فَزَادَ وَاحِدَة وَهِيَ الْحَلْب , وَمَا أَدْرِي لِمَ حَذَفَهَا هُنَا مَعَ أَنَّهُ أَوْرَدَ الْحَدِيث هُنَا بِتَمَامِهِ إِلَّا هَذِهِ الْجُمْلَة وَقَدْ أَوْرَدَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي جُمْلَة الْحَدِيث عَلَى التَّفْصِيل الَّذِي ذَكَرْته فِي أَوَّل الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث , ثُمَّ وَجَدْتهَا ثَابِتَة فِي الْأَصْل فِي رِوَايَة كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَسَقَطَتْ لِأَبِي ذَرّ وَالْقَابِسِيّ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَة بِشْر بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ " بِلَبَنِ لِقْحَته مِنْ تَحْتهَا لَا يَطْعَمهُ " وَأَخْرَجَ مَعَهُ الثَّلَاثَة الْأُخْرَى . وَاللِّقْحَة بِكَسْرِ اللَّام وَسُكُون الْقَاف بَعْدَهَا مُهْمَلَة النَّاقَة ذَات الدَّرّ , وَهِيَ إِذَا نُتِجَتْ لَقُوح شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة ثُمَّ لَبُون , وَهَذَا كُلّه إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم بَغْتَة وَأَسْرَعهَا رَفْع اللُّقْمَة إِلَى الْفَم . وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْهُ فِي آخِر " كِتَاب الْفِتَن " هَذِهِ الْأُمُور الْأَرْبَعَة إِلَّا رَفْع اللُّقْمَة مِنْ طَرِيق سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَاد بِسَنَدِهِ هَذَا وَلَفْظه " تَقُوم السَّاعَة وَالرَّجُل يَحْلُب اللِّقْحَة فَمَا يَصِل الْإِنَاء إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُوم , وَالرَّجُلَانِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْب , وَالرَّجُل يَلِيط فِي حَوْضه " وَقَدْ ذَكَرْت لَفْظه فِيهِمَا . وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مَا يُعْرَف مِنْهُ الْمُرَاد مِنْ التَّمْثِيل بِصَاحِبِ الْحَوْض وَلَفْظه " ثُمَّ يُنْفَخ فِي الصُّوَر فَلَا يَسْمَعهُ أَحَد إِلَّا أَصْغَى , وَأَوَّل مَنْ يَسْمَعهُ رَجُل يَلُوط حَوْض إِبِله فَيُصْعَق " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَأَخْرَجَ اِبْن مَاجَهْ وَأَحْمَد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ " لَمَّا كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى فَتَذَاكَرُوا السَّاعَة فَبَدَؤُا بِإِبْرَاهِيمَ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْم , ثُمَّ سَأَلُوا مُوسَى فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْم , فَرُدَّ الْحَدِيث إِلَى عِيسَى فَقَالَ : قَدْ عُهِدَ إِلَيَّ فِيمَا دُونَ وَجْبَتهَا , فَأَمَّا وَجْبَتهَا فَلَا يَعْلَمهَا إِلَّا اللَّه " فَذَكَرَ خُرُوج الدَّجَّال , قَالَ : فَأُنْزَل إِلَيْهِ فَأَقْتُلهُ ثُمَّ ذَكَرَ خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج ثُمَّ دُعَاءَهُ بِمَوْتِهِمْ ثُمَّ بِإِرْسَالِ الْمَطَر فَيُلْقِي جِيَفهمْ فِي الْبَحْر ثُمَّ تُنْسَف الْجِبَال وَتُمَدّ الْأَرْض مَدّ الْأَدِيم , فَعُهِدَ إِلَيَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَتْ السَّاعَة مِنْ النَّاس كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ لَا يَدْرِي أَهْلهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا . ‏
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-2009, 03:37 AM
  #2
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة

( ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو الْيَمَانِ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏شُعَيْبٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الزُّهْرِيِّ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْمَاعِيلُ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏أَخِي ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سُلَيْمَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ‏ ‏حَدَّثَتْهُ عَنْ ‏ ‏أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ ‏ ‏لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ ‏ ‏لِلْعَرَبِ ‏ ‏مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ ‏ ‏رَدْمِ ‏ ‏يَأْجُوجَ ‏ ‏وَمَأْجُوجَ ‏ ‏مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ ‏ ‏زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ‏ ‏فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ ‏ ‏الْخُبْثُ ) صحيح البخاري6602


‏فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قَوْله ( وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل ) ‏
‏هُوَ اِبْن أُوَيْس عَبْد اللَّه الْأَصْبَحِيّ , وَأَخُوهُ هُوَ أَبُو بَكْر عَبْد الْحَمِيد , وَسُلَيْمَان هُوَ اِبْن بِلَال . وَمُحَمَّد بْن أَبِي عَتِيق نُسِبَ لِجَدِّهِ وَهُوَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي عَتِيق مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن اِبْن أَبِي بَكْرَة , وَهَذَا السَّنَد كُلّه مَدَنِيُّونَ , وَهُوَ أَنْزَل مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ بِدَرَجَتَيْنِ , وَيُقَال إِنَّهُ أَطْوَل سَنَدًا فِي الْبُخَارِيّ فَإِنَّهُ تُسَاعِيّ , وَغَفَلَ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ : فِيهِ أَرْبَع نِسْوَة صَحَابِيَّات , وَلَيْسَ كَمَا قَالَ , بَلْ فِيهِ ثَلَاثَة كَمَا قَدَّمْت إِيضَاحه فِي أَوَائِل الْفِتَن فِي " بَاب قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْل لِلْعَرَبِ " وَذَكَرْت هُنَاكَ الِاخْتِلَاف عَلَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ فِي زِيَادَة حَبِيبَة بِنْت أُمّ حَبِيبَة فِي الْإِسْنَاد . ‏

‏قَوْله ( إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا ) ‏
‏بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْر الزَّاي , فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " اِسْتَيْقَظَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّوْم مُحْمَرًّا وَجْهه يَقُول " فَيُجْمَع عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ اِسْتَيْقَظَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا , وَكَانَتْ حُمْرَة وَجْهه مِنْ ذَلِكَ الْفَزَع , وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير عَنْ الزُّهْرِيّ عِنْد أَبِي عَوَانَة فَقَالَ " فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهه " . ‏

‏قَوْله ( وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرّ قَدْ اِقْتَرَبَ ) ‏
‏خُصَّ الْعَرَب بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ مُعْظَم مَنْ أَسْلَمَ , وَالْمُرَاد بِالشَّرِّ مَا وَقَعَ بَعْدَهُ مِنْ قَتْل عُثْمَان , ثُمَّ تَوَالَتْ الْفِتَن حَتَّى صَارَتْ الْعَرَب بَيْن الْأُمَم كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ الْأَكَلَة كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيث الْآخَر " يُوشِك أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَم كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَة عَلَى قَصْعَتهَا " وَأَنَّ الْمُخَاطَب بِذَلِكَ الْعَرَب , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالشَّرِّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة " مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَة مِنْ الْفِتَن وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِن " فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْفُتُوح الَّتِي فُتِحَتْ بَعْدَهُ فَكَثُرَتْ الْأَمْوَال فِي أَيْدِيهمْ فَوَقَعَ التَّنَافُس الَّذِي جَرَّ الْفِتَن , وَكَذَلِكَ التَّنَافُس عَلَى الْإِمْرَة , فَإِنَّ مُعْظَم مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عُثْمَان تَوْلِيَة أَقَارِبه مِنْ بَنِي أُمَيَّة وَغَيْرهمْ حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ أَنْ قَتْله , وَتَرَتَّبَ عَلَى قَتْله مِنْ الْقِتَال بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَا اُشْتُهِرَ وَاسْتَمَرَّ . ‏

‏قَوْله ( فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج ) ‏
‏الْمُرَاد بِالرَّدْمِ السَّدّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ , وَقَدْ قَدَّمْت صِفَته فِي تَرْجَمَته مِنْ أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء . ‏

‏قَوْله ( مِثْل هَذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبُعَيْهِ الْإِبْهَام وَاَلَّتِي تَلِيهَا ) ‏
‏أَيْ جَعَلَهُمَا مِثْل الْحَلَقَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ " وَعَقَدَ سُفْيَان تِسْعِينَ أَوْ مِائَة " وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير عَنْ الزُّهْرِيّ عِنْد أَبِي عَوَانَة وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِثْل هَذِهِ " وَعَقَدَ تِسْعِينَ " وَلَمْ يُعَيِّن الَّذِي عَقَدَ أَيْضًا , وَفِي رِوَايَة مُسْلِم عَنْ عَمْرو النَّاقِد عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ " وَعَقَدَ سُفْيَان عَشَرَة " وَلِابْنِ حِبَّان مِنْ طَرِيق شُرَيْحِ بْن يُونُس عَنْ سُفْيَان " وَحَلَّقَ بِيَدِهِ عَشَرَة " وَلَمْ يُعَيِّن أَنَّ الَّذِي حَلَّقَ هُوَ سُفْيَان , وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ بِدُونِ ذِكْر الْعَقْد , وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مِنْ رِوَايَة شُعَيْب وَفِي تَرْجَمَة ذِي الْقَرْنَيْنِ مِنْ طَرِيق عُقَيْل , وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْدَهُ " وَعَقَدَ وُهَيْب تِسْعِينَ " وَهُوَ عِنْد مُسْلِم أَيْضًا , قَالَ عِيَاض وَغَيْره : هَذِهِ الرِّوَايَات مُتَّفِقَة إِلَّا قَوْله عَشَرَة . قُلْت : وَكَذَا الشَّكّ فِي الْمِائَة لِأَنَّ صِفَاتهَا عِنْد أَهْل الْمَعْرِفَة بِعَقْدِ الْحِسَاب مُخْتَلِفَة وَإِنْ اِتَّفَقَتْ فِي أَنَّهَا تُشْبِه الْحَلْقَة , فَعَقْد الْعَشَرَة أَنْ يُجْعَل طَرَف السَّبَّابَة الْيُمْنَى فِي بَاطِن طَيّ عُقْدَة الْإِبْهَام الْعُلْيَا وَعَقْد التِّسْعِينَ أَنْ يُجْعَل طَرَف السَّبَّابَة الْيُمْنَى فِي أَصْلهَا وَيَضُمّهَا ضَمًّا مُحْكَمًا بِحَيْثُ تَنْطَوِي عُقْدَتَاهَا حَتَّى تَصِير مِثْل الْحَيَّة الْمُطَوِّقَة . وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ صُورَته أَنْ يَجْعَل السَّبَّابَة فِي وَسَط الْإِبْهَام , وَرَدَّهُ اِبْن التِّين بِمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوف وَعَقْد الْمِائَة مِثْل عَقْد التِّسْعِينَ لَكِنْ بِالْخِنْصَرِ الْيُسْرَى , فَعَلَى هَذَا فَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَة مُتَقَارِبَانِ , وَلِذَلِكَ وَقَعَ فِيهِمَا الشَّكّ . وَأَمَّا الْعَشَرَة فَمُغَايِرَة لَهُمَا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : لَعَلَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مُتَقَدِّم فَزَادَ الْفَتْح بَعْدَهُ الْقَدْر الْمَذْكُور فِي حَدِيث زَيْنَب . قُلْت : وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَصْف الْمَذْكُور مِنْ أَصْل الرِّوَايَة لَاتُّجِهَ , وَلَكِنَّ الِاخْتِلَاف فِيهِ مِنْ الرُّوَاة عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَرِوَايَة مَنْ رَوَى عَنْهُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَة أَتْقَن وَأَكْثَر مِنْ رِوَايَة مَنْ رَوَى عَشَرَة , وَإِذَا اِتَّحَدَ مَخْرَج الْحَدِيث وَلَا سِيَّمَا فِي أَوَاخِر الْإِسْنَاد بَعْد الْحَمْل عَلَى التَّعَدُّد جِدًّا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي الْإِشَارَة الْمَذْكُورَة دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَم عَقْد الْحِسَاب حَتَّى أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَنْ يَعْرِفهُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُعَارِض قَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر " إِنَّا أُمَّة لَا نَحْسُب وَلَا نَكْتُب " فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا جَاءَ لِبَيَانِ صُورَة مُعَيَّنَة خَاصَّة . قُلْت : وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال الْمُرَاد بِنَفْيِ الْحِسَاب مَا يَتَعَانَاهُ أَهْل صِنَاعَته مِنْ الْجَمْع وَالْفَذْلَكَة وَالضَّرْب وَنَحْو ذَلِكَ , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ " وَلَا نَكْتُب " وَأَمَّا عَقْد الْحِسَاب فَإِنَّهُ اِصْطِلَاح لِلْعَرَبِ تَوَاضَعُوهُ بَيْنهمْ لِيَسْتَغْنَوْا بِهِ عَنْ التَّلَفُّظ , وَكَانَ أَكْثَر اِسْتِعْمَالهمْ لَهُ عِنْد الْمُسَاوَمَة فِي الْبَيْع فَيَضَع أَحَدهمَا يَده فِي يَد الْآخَر فَيَفْهَمَانِ الْمُرَاد مِنْ غَيْر تَلَفُّظ لِقَصْدِ سَتْر ذَلِكَ عَنْ غَيْرهمَا مِمَّنْ يَحْضُرهُمَا , فَشَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْر مَا فُتِحَ مِنْ السَّدّ بِصِفَةٍ مَعْرُوفَة عِنْدهمْ , وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاء التَّشْبِيه بِهَذِهِ الْعُقُود وَمِنْ ظَرِيف مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النَّظْم فِي ذَلِكَ قَوْل بَعْض الْأُدَبَاء : - ‏ ‏رُبَّ بُرْغُوث لَيْلَة بِتّ مِنْهُ ‏ ‏وَفُؤَادِي فِي قَبْضَة التِّسْعِينَ ‏ ‏أَسَرَتْهُ يَد الثَّلَاثِينَ حَتَّى ‏ ‏ذَاقَ طَعْم الْحَمَام فِي السَّبْعِينَ ‏ ‏وَعَقْد الثَّلَاثِينَ أَنْ يُضَمّ طَرَف الْإِبْهَام إِلَى طَرَف السَّبَّابَة مِثْل مَنْ يُمْسِك شَيْئًا لَطِيفًا كَالْإِبْرَةِ وَكَذَلِكَ الْبُرْغُوث . وَعَقْد السَّبْعِينَ أَنْ يَجْعَل طَرَف ظُفْر الْإِبْهَام بَيْنَ عُقْدَتَيْ السَّبَّابَة مِنْ بَاطِنهَا وَيَلْوِي طَرَف السَّبَّابَة عَلَيْهَا مِثْل نَاقِد الدِّينَار عِنْد النَّقْد , وَقَدْ جَاءَ فِي خَبَر مَرْفُوع " إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَحْفِرُونَ السَّدّ كُلّ يَوْم " وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِم وَصَحَّحَاهُ مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ فِي السَّدّ " يَحْفِرُونَهُ كُلّ يَوْم حَتَّى إِذَا كَادُوا يَخْرِقُونَهُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا فَيُعِيدهُ اللَّه كَأَشَدّ مَا كَانَ , حَتَّى إِذَا بَلَغَ مُدَّتهمْ وَأَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْعَثهُمْ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّه وَاسْتَثْنَى , قَالَ فَيَرْجِعُونَ فَيَجِدُونَهُ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس " الْحَدِيث . قُلْت : أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم مِنْ رِوَايَة أَبِي عَوَانَة وَعَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة وَابْن حِبَّان مِنْ رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ كُلّهمْ عَنْ قَتَادَةَ وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيح إِلَّا أَنَّ قَتَادَةَ مُدَلِّس , وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْهُ فَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَة أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ , لَكِنْ وَقَعَ التَّصْرِيح فِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِأَنَّ أَبَا رَافِع حَدَّثَهُ وَهُوَ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّان , وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " حَدَّثَ أَبُو رَافِع " وَلَهُ طَرِيق آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ أَبِي صَالِح عَنْهُ لَكِنَّهُ مَوْقُوف " قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي هَذَا الْحَدِيث ثَلَاث آيَات : ‏
‏الْأُولَى أَنَّ اللَّه مَنَعَهُمْ أَنْ يُوَالُوا الْحَفْر لَيْلًا وَنَهَارًا , ‏‏الثَّانِيَة مَنَعَهُمْ أَنْ يُحَاوِلُوا الرُّقِيّ عَلَى السَّدّ بِسُلَّمٍ أَوْ آلَة فَلَمْ يُلْهِمهُمْ ذَلِكَ وَلَا عَلَّمَهُمْ إِيَّاهُ وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون أَرْضهمْ لَا خَشَب فِيهَا وَلَا آلَات تَصْلُح لِذَلِكَ . قُلْت : وَهُوَ مَرْدُود , فَإِنَّ فِي خَبَرهمْ عِنْدَ وَهْب فِي الْمُبْتَدَأ أَنَّ لَهُمْ أَشْجَارًا وَزُرُوعًا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآلَات فَالْأَوَّل أَوْلَى . وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق اِبْن عَمْرو بْن أَوْس عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ " أَنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَهُمْ نِسَاء يُجَامِعُونَ مَا شَاءُوا وَشَجَر يُلَقِّحُونَ مَا شَاءُوا " الْحَدِيث . ‏
‏الثَّالِثَة أَنَّهُ صَدَّهُمْ عَنْ أَنْ يَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّه حَتَّى يَجِيء الْوَقْت الْمَحْدُود . قُلْت : وَفِيهِ أَنَّ فِيهِمْ أَهْل صِنَاعَة وَأَهْل وِلَايَة وَسَلَاطَة وَرَعِيَّة تُطِيع مَنْ فَوْقَهَا , وَأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَعْرِف اللَّه وَيُقِرّ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَته , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون تِلْكَ الْكَلِمَة تَجْرِي عَلَى لِسَان ذَلِكَ الْوَالِي مِنْ غَيْر أَنْ يَعْرِف مَعْنَاهَا فَيَحْصُل الْمَقْصُود بِبَرَكَتِهَا . وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق كَعْب الْأَحْبَار نَحْو حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ فِيهِ " فَإِذَا بَلَغَ الْأَمْر أَلْقَى عَلَى بَعْض أَلْسِنَتهمْ نَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه غَدًا فَنَفْرُغ مِنْهُ " وَأَخْرَجَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة نَحْو حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ " فَيُصْبِحُونَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ بِالْأَمْسِ حَتَّى يُسَلِّم رَجُل مِنْهُمْ حِينَ يُرِيد اللَّه أَنْ يَبْلُغ أَمْره فَيَقُول الْمُؤْمِن غَدًا نَفْتَحهُ إِنْ شَاءَ اللَّه , فَيُصْبِحُونَ ثُمَّ يَغْدُونَ عَلَيْهِ فَيُفْتَح " الْحَدِيث وَسَنَده ضَعِيف جِدًّا . ‏

‏قَوْله ( قَالَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش ) ‏
‏هَذَا يُخَصِّص رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير بِلَفْظِ " قَالُوا أَنَهْلِكُ " وَيُعَيِّن أَنَّ اللَّافِظ بِهَذَا السُّؤَال هِيَ زَيْنَب بِنْت جَحْش رَاوِيَة الْحَدِيثِ . ‏

‏قَوْله ( أَنَهْلِكُ ) ‏
‏بِكَسْرِ اللَّام فِي رِوَايَة يَزِيد بْن الْأَصَمّ عَنْ مَيْمُونَة عَنْ زَيْنَب بِنْت جَحْش فِي نَحْو هَذَا الْحَدِيث " فُرِجَ اللَّيْلَة مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج فُرْجَة , قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَيُعَذِّبُنَا اللَّه وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ " . ‏

‏قَوْله ( وَفِينَا الصَّالِحُونَ ) ‏
‏كَأَنَّهَا أَخَذَتْ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى ( وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) . ‏

‏قَوْله ( قَالَ : نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث ) ‏
‏بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَلَّثَة , فَسَّرُوهُ بِالزِّنَا وَبِأَوْلَادِ الزِّنَا وَبِالْفُسُوقِ وَالْفُجُور , وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالصَّلَاحِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِيهِ الْبَيَان بِأَنَّ الْخَيِّر يَهْلِك بِهَلَاكِ الشِّرِّير إِذَا لَمْ يُغَيِّر عَلَيْهِ خُبْثه , وَكَذَلِكَ إِذَا غَيَّرَ عَلَيْهِ لَكِنْ حَيْثُ لَا يُجْدِي ذَلِكَ وَيُصِرّ الشِّرِّير عَلَى عَمَله السَّيِّئ ; وَيَفْشُو ذَلِكَ وَيَكْثُر حَتَّى يَعُمّ الْفَسَاد فَيَهْلِك حِينَئِذٍ الْقَلِيل وَالْكَثِير , ثُمَّ يُحْشَر كُلّ أَحَد عَلَى نِيَّته . وَكَأَنَّهَا فَهِمَتْ مِنْ فَتْح الْقَدْر الْمَذْكُور مِنْ الرَّدْم أَنَّ الْأَمْر إِنْ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ اِتَّسَعَ الْخَرْق بِحَيْثُ يَخْرُجُونَ , وَكَانَ عِنْدَهَا عِلْم أَنَّ فِي خُرُوجهمْ عَلَى النَّاس إِهْلَاكًا عَامًّا لَهُمْ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَالهمْ عِنْدَ خُرُوجهمْ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان بَعْدَ ذِكْر الدَّجَّال وَقَتْله عَلَى يَد عِيسَى قَالَ " ثُمَّ يَأْتِيه قَوْم قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّه مِنْ الدَّجَّال فَيَمْسَح وُجُوههمْ وَيُحَدِّثهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّة , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّه إِلَى عِيسَى أَنِّي قَدْ أَخْرَجْت عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّور , وَيَبْعَث اللَّه يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيَمُرّ أَوَائِلهمْ عَلَى بُحَيْرَة طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرّ آخِرهمْ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّة مَاء , وَيَحْصُر عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه حَتَّى يَكُون رَأْس الثَّوْر لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَة دِينَار , فَيَرْغَب عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه إِلَى اللَّه فَيُرْسِل عَلَيْهِمْ النَّغَف - بِفَتْحِ النُّون وَالْغَيْن الْمُعْجَمَة ثُمَّ فَاء - فِي رِقَابهمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى , بِفَتْحِ الْفَاء وَسُكُون الرَّاء بَعْدَهَا مُهْمَلَة مَقْصُور كَمَوْتِ نَفْس وَاحِدَة ; ثُمَّ يَهْبِط عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه إِلَى الْأَرْض فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْض مَوْضِع شِبْر إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمهمْ وَنَتْنهمْ , فَيَرْغَب نَبِيّ اللَّه عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى اللَّه , فَيُرْسِل طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْت فَتَحْمِلهُمْ فَتَطْرَحهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّه , ثُمَّ يُرْسِل اللَّه مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ مَدَر وَلَا وَبَر , فَيَغْسِل الْأَرْض حَتَّى يَتْرُكهَا كَالزَّلَفَةِ , ثُمَّ يُقَال لِلْأَرْضِ أَنَبْتِي ثَمَرَتك وَرُدِّي بَرَكَتَك , فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُل الْعِصَابَة مِنْ الرُّمَّانَة وَيَسْتَظِلُّونَ تَحْتَهَا , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّه رِيحًا طَيِّبَة فَتَأْخُذهُمْ تَحْتَ آبَاطهمْ فَتَقْبِض رُوح كُلّ مُؤْمِن وَمُسْلِم , فَيَبْقَى شِرَار النَّاس يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُر , فَعَلَيْهِمْ تَقُوم السَّاعَة " . قُلْت : وَالزَّلَفَة بِفَتْحِ الزَّاي وَاللَّام وَقِيلَ بِتَسْكِينِهَا وَقِيلَ بِالْقَافِ هِيَ الْمِرْآة بِكَسْرِ الْمِيم , وَقِيلَ الْمَصْنَع الَّذِي يُتَّخَذ لِجَمْعِ الْمَاء , وَالْمُرَاد أَنَّ الْمَاء يَعُمّ جَمِيع الْأَرْض فَيُنَظِّفهَا حَتَّى تَصِير بِحَيْثُ يَرَى الرَّائِي وَجْهه فِيهَا . وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ أَيْضًا " فَيَقُولُونَ لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْض , هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاء , فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاء فَيَرُدّهَا اللَّه عَلَيْهِمْ مَخْضُوبَة دَمًا " وَأَخْرَجَ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه فِي قِصَّة يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَسَنَده صَحِيح , وَعِنْد عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " فَلَا يَمُرُّونَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ " وَمِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد رَفَعَهُ " يُفْتَح يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيَعُمُّونَ الْأَرْض , وَتَنْحَاز مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَيَظْهَرُونَ عَلَى أَهْل الْأَرْض ; فَيَقُول قَائِلهمْ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْأَرْض قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ فَيَهُزّ آخِر حَرْبَته إِلَى السَّمَاء فَتَرْجِع مُخَضَّبَة بِالدَّمِ , فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا أَهْل السَّمَاء , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ دَوَابّ كَنَغَفِ الْجَرَاد فَتَأْخُذ بِأَعْنَاقِهِمْ فَيَمُوتُونَ مَوْت الْجَرَاد يَرْكَب بَعْضهمْ بَعْضًا " . ‏
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-2009, 03:38 AM
  #3
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة

(‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْمَاعِيلُ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏مَالِكٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي الزِّنَادِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْرَجِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ ‏ ) صحيح البخاري 6582


فتح الباري بشرح صحيح البخاري




‏قَوْله ( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل ) ‏
‏هُوَ اِبْن أُوَيْسٍ . ‏

‏قَوْله ( عَنْ أَبِي الزِّنَاد ) ‏
‏وَافَقَ مَالِكًا شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ فِي أَثْنَاء حَدِيث . ‏

‏قَوْله ( حَتَّى يَمُرّ الرَّجُل بِقَبْرِ الرَّجُل فَيَقُول يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ ) ‏
‏أَيْ كُنْت مَيِّتًا . قَالَ اِبْن بَطَّال : تُغْبَط أَهْل الْقُبُور وَتَمَنِّي الْمَوْت عِنْدَ ظُهُور الْفِتَن إِنَّمَا هُوَ خَوْف ذَهَاب الدِّين بِغَلَبَةِ الْبَاطِل وَأَهْله وَظُهُور الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَر اِنْتَهَى . وَلَيْسَ هَذَا عَامًّا فِي حَقّ كُلّ أَحَد وَإِنَّمَا هُوَ خَاصّ بِأَهْلِ الْخَيْر , وَأَمَّا غَيْرهمْ فَقَدْ يَكُون لِمَا يَقَع لِأَحَدِهِمْ مِنْ الْمُصِيبَة فِي نَفْسه أَوْ أَهْله أَوْ دُنْيَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَيْء يَتَعَلَّق بِدِينِهِ , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ فِي رِوَايَة أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْدَ مُسْلِم " لَا تَذْهَب الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرّ الرَّجُل عَلَى الْقَبْر فَيَتَمَرَّغ عَلَيْهِ وَيَقُول : يَا لَيْتَنِي مَكَانَ صَاحِب هَذَا الْقَبْر , وَلَيْسَ بِهِ الدِّين إِلَّا الْبَلَاء " وَذَكَرَ الرَّجُل فِيهِ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْمَرْأَة يُتَصَوَّر فِيهَا ذَلِكَ , وَالسَّبَب فِي ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي رِوَايَة أَبِي حَازِم أَنَّهُ " يَقَع الْبَلَاء وَالشِّدَّة حَتَّى يَكُون الْمَوْت الَّذِي هُوَ أَعْظَم الْمَصَائِب أَهْوَن عَلَى الْمَرْء فَيَتَمَنَّى أَهْوَن الْمُصِيبَتَيْنِ فِي اِعْتِقَاده " وَبِهَذَا جَزَمَ الْقُرْطُبِيّ , وَذَكَرَهُ عِيَاض اِحْتِمَالًا , وَأَغْرَبَ بَعْض شُرَّاح " الْمَصَابِيح " فَقَالَ : الْمُرَاد بِالدِّينِ هُنَا الْعِبَادَة , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَمَرَّغ عَلَى الْقَبْر وَيَتَمَنَّى الْمَوْت فِي حَالَة لَيْسَ الْمُتَمَرِّغ فِيهَا مِنْ عَادَته وَإِنَّمَا الْحَامِل عَلَيْهِ الْبَلَاء , وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ حَمْل الدِّين عَلَى حَقِيقَته أَوْلَى , أَيْ لَيْسَ التَّمَنِّي وَالتَّمَرُّغ لِأَمْرٍ أَصَابَهُ مِنْ جِهَة الدِّين بَلْ مِنْ جِهَة الدُّنْيَا , وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ . ظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مُعَارِض لِلنَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْت , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا فِي هَذَا أَنَّ هَذَا الْقَدْر سَيَكُونُ لِشِدَّةٍ تَنْزِل بِالنَّاسِ مِنْ فَسَاد الْحَال فِي الدِّين أَوْ ضَعْفه أَوْ خَوْف ذَهَابه لَا لِضَرَرٍ يَنْزِل فِي الْجِسْم , كَذَا قَالَ , وَكَأَنَّهُ يُرِيد أَنَّ النَّهْي عَنْ تَمَنِّي الْمَوْت هُوَ حَيْثُ يَتَعَلَّق بِضَرَرِ الْجِسْم , وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِضَرَرٍ يَتَعَلَّق بِالدِّينِ فَلَا . وَقَدْ ذَكَرَهُ عِيَاض اِحْتِمَالًا أَيْضًا وَقَالَ غَيْره : لَيْسَ بَيْنَ هَذَا الْخَبَر وَحَدِيث النَّهْي عَنْ تَمَنِّي الْمَوْت مُعَارَضَة , لِأَنَّ النَّهْي صَرِيح وَهَذَا إِنَّمَا فِيهِ إِخْبَار عَنْ شِدَّة سَتَحْصُلُ يَنْشَأ عَنْهَا هَذَا التَّمَنِّي , وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّض لِحُكْمِهِ , وَإِنَّمَا سِيقَ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا سَيَقَعُ . قُلْت : وَيُمْكِن أَخْذ الْحُكْم مِنْ الْإِشَارَة فِي قَوْله " وَلَيْسَ بِهِ الدِّين إِنَّمَا هُوَ الْبَلَاء " فَإِنَّهُ سِيقَ مَسَاق الذَّمّ وَالْإِنْكَار , وَفِيهِ إِيمَاء إِلَى أَنَّهُ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الدِّين لَكَانَ مَحْمُودًا , وَيُؤَيِّدهُ ثُبُوت تَمَنِّي الْمَوْت عِنْدَ فَسَاد أَمْر الدِّين عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف . قَالَ النَّوَوِيّ لَا كَرَاهَة فِي ذَلِكَ بَلْ فَعَلَهُ خَلَائِق مِنْ السَّلَف مِنْهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعِيسَى الْغِفَارِيّ وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَغَيْرهمْ . ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيّ : كَأَنَّ فِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْفِتَن وَالْمَشَقَّة الْبَالِغَة سَتَقَعُ حَتَّى يَخِفّ أَمْر الدِّين وَيَقِلّ الِاعْتِنَاء بِأَمْرِهِ وَلَا يَبْقَى لِأَحَدٍ اِعْتِنَاء إِلَّا بِأَمْرِ دُنْيَاهُ وَمَعَاشه نَفْسه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ , وَمِنْ ثَمَّ عَظُمَ قَدْر الْعِبَادَة أَيَّام الْفِتْنَة كَمَا أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث مَعْقِل بْن يَسَار رَفَعَهُ " الْعِبَادَة فِي الْهَرْج كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ " وَيُؤْخَذ مِنْ قَوْله " حَتَّى يَمُرّ الرَّجُل بِقَبْرِ الرَّجُل " أَنَّ التَّمَنِّي الْمَذْكُور إِنَّمَا يَحْصُل عِنْدَ رُؤْيَة الْقَبْر , وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ إِشَارَة إِلَى قُوَّة هَذَا التَّمَنِّي لِأَنَّ الَّذِي يَتَمَنَّى الْمَوْت بِسَبَبِ الشِّدَّة الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَهُ قَدْ يَذْهَب ذَلِكَ التَّمَنِّي أَوْ يَخِفّ عِنْدَ مُشَاهَدَة الْقَبْر وَالْمَقْبُور فَيَتَذَكَّر هَوْل الْمَقَام فَيَضْعُف تَمَنِّيه , فَإِذَا تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ دَلَّ عَلَى تَأَكُّد أَمْر تِلْكَ الشِّدَّة عِنْدَهُ حَيْثُ لَمْ يَصْرِفهُ مَا شَاهِده مِنْ وَحْشَة الْقَبْر وَتَذَكُّر مَا فِيهِ مِنْ الْأَهْوَال عَنْ اِسْتِمْرَاره عَلَى تَمَنِّي الْمَوْت . وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق أَبِي سَلَمَة قَالَ " عُدْت أَبَا هُرَيْرَة فَقُلْت : اللَّهُمَّ اِشْفِ أَبَا هُرَيْرَة , فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَا تَرْجِعهَا , إِنْ اِسْتَطَعْت يَا أَبَا سَلَمَة فَمُتّ , وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْعُلَمَاء زَمَان الْمَوْت أَحَبّ إِلَى أَحَدهمْ مِنْ الذَّهَب الْأَحْمَر . وَلَيَأْتِيَنَّ أَحَدهمْ قَبْر أَخِيهِ فَيَقُول : لَيْتَنِي مَكَانَهُ " وَفِي كِتَاب الْفِتَن مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن الصَّامِت عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ " يُوشِك أَنْ تَمُرَّ الْجِنَازَة فِي السُّوق عَلَى الْجَمَاعَة فَيَرَاهَا الرَّجُل فَيَهُزّ رَأْسه فَيَقُول : يَا لَيْتَنِي مَكَانَ هَذَا , قُلْت : يَا أَبَا ذَرّ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ أَمْر عَظِيم , قَالَ : أَجَلْ "
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-2009, 03:39 AM
  #4
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة

(‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏ابْنُ وَهْبٍ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ ‏ ‏وَغَيْرُهُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي الْأَسْوَدِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُرْوَةَ ‏ ‏قَالَ حَجَّ عَلَيْنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ‏ ‏فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ‏ ‏سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ فَحَدَّثْتُ بِهِ ‏ ‏عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ثُمَّ إِنَّ ‏ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ‏ ‏حَجَّ بَعْدُ فَقَالَتْ يَا ابْنَ أُخْتِي انْطَلِقْ إِلَى ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏فَاسْتَثْبِتْ لِي مِنْهُ الَّذِي حَدَّثْتَنِي عَنْهُ فَجِئْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَحَدَّثَنِي بِهِ كَنَحْوِ مَا حَدَّثَنِي فَأَتَيْتُ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏فَأَخْبَرْتُهَا فَعَجِبَتْ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَقَدْ حَفِظَ ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ‏) صحيح البخاري 6763

فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قَوْله ( حَدَّثَنَا سَعِيد بْن تَلِيد ) ‏
‏بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ لَام وَزْن عَظِيم , وَهُوَ سَعِيد بْن عِيسَى بْن تَلِيد نُسِبَ إِلَى جَدّه يُكْنَى أَبَا عِيسَى بْن عُنَي , بِمُهْمَلَةٍ , ثُمَّ نُون مُصَغَّر , وَهُوَ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ الثِّقَات الْفُقَهَاء وَكَانَ يَكْتُب لِلْحُكَّامِ . ‏

‏قَوْله ( عَبْد الرَّحْمَن بْن شُرَيْحٍ ) ‏
‏هُوَ أَبُو شُرَيْحٍ الْإِسْكَنْدَرَانِيّ بِمُعْجَمَةٍ أَوَّله وَمُهْمَلَة آخِره , وَهُوَ مِمَّنْ وَافَقَتْ كُنْيَتُهُ اِسْمَ أَبِيهِ . ‏

‏قَوْله ( وَغَيْره ) ‏
‏هُوَ اِبْن لَهِيعَة أَبْهَمَهُ الْبُخَارِيّ لِضَعْفِهِ , وَجَعَلَ الِاعْتِمَاد عَلَى رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن , لَكِنْ ذَكَرَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل مُحَمَّد بْن طَاهِر فِي الْجُزْء الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث مُعَاذ بْن جَبَل فِي الْقِيَاس أَنَّ عَبْد اللَّه بْن وَهْب حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيث عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ وَابْن لَهِيعَة جَمِيعًا , لَكِنَّهُ قَدَّمَ لَفْظ اِبْن لَهِيعَة وَهُوَ مِثْل اللَّفْظ الَّذِي هُنَا ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ رِوَايَة أَبِي شُرَيْحٍ فَقَالَ بِذَلِكَ . قُلْت : وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي بَاب الْعِلْم مِنْ رِوَايَة سَحْنُون عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ اِبْن لَهِيعَة فَسَاقَهُ , ثُمَّ قَالَ اِبْن وَهْب : وَأَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بِذَلِكَ , قَالَ اِبْن طَاهِر : مَا كُنَّا نَدْرِي هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ بِذَلِكَ اللَّفْظ وَالْمَعْنَى أَوْ الْمَعْنَى فَقَطْ , حَتَّى وَجَدْنَا مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ عَنْ حَرْمَلَة بْن يَحْيَى عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن شُرَيْحٍ وَحْده , فَسَاقَهُ بِلَفْظٍ مُغَايِر لِلَّفْظِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ , قَالَ فَعُرِفَ أَنَّ اللَّفْظ الَّذِي حَذَفَهُ الْبُخَارِيّ هُوَ لَفْظ عَبْد الرَّحْمَن بْنِ شُرَيْحٍ الَّذِي أَبْرَزَهُ هُنَا , وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ هُوَ لَفْظ الْغَيْر الَّذِي أَبْهَمَهُ اِنْتَهَى . وَسَأَذْكُرُ تَفَاوُتهمَا وَلَيْسَ بَيْنهمَا فِي الْمَعْنَى كَبِير أَمْر , وَكُنْت أَظُنّ أَنَّ مُسْلِمًا حَذَفَ ذِكْر اِبْن لَهِيعَة عَمْدًا لِضَعْفِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن شُرَيْحٍ , حَتَّى وَجَدْت الْإِسْمَاعِيلِيّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق حَرْمَلَة بِغَيْرِ ذِكْر اِبْن لَهِيعَةَ , فَعَرَفْت أَنَّ اِبْن وَهْب هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْمَعهُمَا تَارَة وَيُفْرِد اِبْن شُرَيْحٍ تَارَة وَعِنْد اِبْن وَهْب فِيهِ شَيْخَانِ آخَرَانِ بِسَنَدٍ آخَر أَخْرَجَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي بَيَان الْعِلْم مِنْ طَرِيق سَحْنُون حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب حَدَّثَنَا مَالِك وَسَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة بِاللَّفْظِ الْمَشْهُور , وَقَدْ ذَكَرْت فِي بَاب الْعِلْم أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مَشْهُور عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ , رَوَاهُ عَنْ هِشَام أَكْثَر مِنْ سَبْعِينَ نَفْسًا وَأَقُول هُنَا إِنَّ أَبَا الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَافِظ أَبِي عَبْد اللَّه بْن مَنْدَهْ ذَكَرَ فِي " كِتَاب التَّذْكِرَة " أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْهُ عَنْ الْحَافِظ هِشَام أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ; وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ فَزَادُوا عَلَى أَرْبَعمِائَةِ نَفْس وَسَبْعِينَ نَفْسًا , مِنْهُمْ مِنْ الْكِبَار شُعْبَة وَمَالِك وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْن جُرَيْجٍ وَمِسْعَر وَأَبُو حَنِيفَة وَسَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة وَالْحَمَّادَانِ وَمَعْمَر , بَلْ أَكْبَر وَمِنْهُمْ مِثْل يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ وَمُوسَى بْن عُقْبَة وَالْأَعْمَش وَمُحَمَّد بْن عَجْلَان وَأَيُّوب وَبُكَيْر بْن عَبْد اللَّه بْنِ الْأَشَجّ وَصَفْوَان بْن سُلَيْم وَأَبُو مَعْشَر وَيَحْيَى بْن أَبِي كَثِير وَعُمَارَة بْن غَزِيَّةَ وَهَؤُلَاءِ الْعَشَرَة كُلّهمْ مِنْ صِغَار التَّابِعِينَ , وَهُمْ مِنْ أَقْرَانه , وَوَافَقَ هِشَامًا عَلَى رِوَايَته عَنْ عُرْوَة أَبُو الْأَسْوَد مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن النَّوْفَلِي الْمَعْرُوف بِيَتِيمِ عُرْوَة , وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ اِبْن لَهِيعَة وَأَبُو شُرَيْحٍ وَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَة أَيْضًا وَلَدَاهُ يَحْيَى وَعُثْمَان وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن وَهُوَ مِنْ أَقْرَانه , وَالزُّهْرِيّ وَوَافَقَ عُرْوَة عَلَى رِوَايَته عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ عُمَر بْن الْحَكَم بْن ثَوْبَانِ , أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيقه وَلَمْ يَسُقْ لَفْظه لَكِنْ قَالَ بِمِثْلِ حَدِيث هِشَام بْن عُرْوَة , وَكَأَنَّهُ سَاقَهُ مِنْ رِوَايَة جَرِير بْن عَبْد الْحَمِيد عَنْ هِشَام , وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَة بَعْض مَنْ ذُكِرَ مِنْ فَائِدَة زَائِدَة . ‏

‏قَوْله ( عَنْ أَبِي الْأَسْوَد ) ‏
‏فِي رِوَايَة مُسْلِم بِسَنَدِهِ إِلَى اِبْن شُرَيْحٍ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَد حَدَّثَهُ . ‏

‏قَوْله ( عَنْ عُرْوَة ) ‏
‏زَادَ حَرْمَلَة فِي رِوَايَته " اِبْن الزُّبَيْرِ " . ‏

‏قَوْله ( حَجَّ عَلَيْنَا ) ‏
‏أَيْ مَرَّ عَلَيْنَا حَاجًّا ‏
‏( عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فَسَمِعْته يَقُول سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏
‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " قَالَتْ لِي عَائِشَة يَا اِبْن أُخْتِي بَلَغَنِي أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مَارًّا بِنَا إِلَى الْحَجّ فَالْقَهُ فَسْئَلْهُ فَإِنَّهُ قَدْ حَمَلَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا كَثِيرًا , قَالَ فَلَقِيته فَسَأَلْته عَنْ أَشْيَاء يَذْكُرهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " . ‏

‏قَوْله ( إِنَّ اللَّه لَا يَنْزِع الْعِلْم بَعْد أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ ) ‏
‏فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ عَنْ الْمُسْتَمْلِي والْكُشْمِيهَنِيّ " أَعْطَاهُمُوهُ " بِالْهَاءِ ضَمِير الْغَيْبَة بَدَل الْكَاف , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة " لَا يَنْتَزِع الْعِلْم مِنْ النَّاس اِنْتِزَاعًا " وَفِي رِوَايَة هِشَام الْمَاضِيَة فِي " كِتَاب الْعِلْم " مِنْ طَرِيق مَالِك عَنْهُ " إِنَّ اللَّه لَا يَقْبِض الْعِلْم اِنْتِزَاعًا يَنْتَزِعهُ مِنْ الْعِبَاد " وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَام " مِنْ قُلُوب الْعِبَاد " أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيّ فِي مُسْنَده عَنْهُ , وَفِي رِوَايَة جَرِير عَنْ هِشَام عِنْد مُسْلِم مِثْله لَكِنْ قَالَ " مِنْ النَّاس " وَهُوَ الْوَارِد فِي أَكْثَر الرِّوَايَات , وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ هِشَام عِنْد الطَّبَرَانِيّ " إِنَّ اللَّه لَا يَنْزِع الْعِلْم اِنْتِزَاعًا , يَنْتَزِعهُ مِنْهُمْ بَعْد أَنْ أَعْطَاهُمْ " وَلَمْ يَذْكُر عَلَى مَنْ يَعُود الضَّمِير , وَفِي رِوَايَة مَعْمَر عَنْ هِشَام عِنْد الطَّبَرَانِيّ " إِنَّ اللَّه لَا يَنْزِع الْعِلْم مِنْ صُدُور النَّاس بَعْد أَنْ يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ " وَأَظُنّ عَبْد اللَّه بْنَ عَمْرو إِنَّمَا حَدَّثَ بِهَذَا جَوَابًا عَنْ سُؤَال مَنْ سَأَلَهُ عَنْ الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو أُمَامَةَ قَالَ : لَمَّا كَانَ فِي حِجَّة الْوَدَاع قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَل آدَم فَقَالَ " يَا أَيّهَا النَّاس خُذُوا مِنْ الْعِلْم قَبْل أَنْ يُقْبَض , وَقَبْل أَنْ يُرْفَع مِنْ الْأَرْض " الْحَدِيث وَفِي آخِره " أَلَا إِنَّ ذَهَاب الْعِلْم ذَهَاب حَمَلَته " ثَلَاث مَرَّات أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارِمِيُّ , فَبَيَّنَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي قَبْض الْعِلْم وَرَفْع الْعِلْم إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَيْفِيَّة الَّتِي ذَكَرَهَا , وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ قَاسِم بْن أَصْبُغ وَمِنْ طَرِيقه اِبْن عَبْد الْبَرّ أَنَّ عُمَر سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يُحَدِّث بِحَدِيثِ " يُقْبَض الْعِلْم " فَقَالَ " إِنَّ قَبْض الْعِلْم لَيْسَ شَيْئًا يُنْزَع مِنْ صُدُور الرِّجَال , لَكِنَّهُ فِنَاء الْعُلَمَاء " وَهُوَ عِنْد أَحْمَد وَالْبَزَّار مِنْ هَذَا الْوَجْه . ‏

‏قَوْله ( وَلَكِنْ يَنْتَزِعهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْض الْعُلَمَاء بِعِلْمِهِمْ ) ‏
‏كَذَا فِيهِ وَالتَّقْدِير يَنْتَزِعهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاء مَعَ عِلْمهمْ , فَفِيهِ بَعْض قَلْب ; وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة " وَلَكِنْ يَقْبِض الْعُلَمَاء فَيَرْفَع الْعِلْم مَعَهُمْ " وَفِي رِوَايَة هِشَام " وَلَكِنْ يَقْبِض الْعِلْم بِقَبْضِ الْعُلَمَاء " وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " وَلَكِنَّ ذَهَابهمْ قَبْضُ الْعِلْم " وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَة . ‏

‏قَوْله ( فَيَبْقَى نَاس جُهَّال ) ‏
‏هُوَ بِفَتْحِ أَوَّل يَبْقَى وَفِي رِوَايَة حَرْمَلَة " وَيُبْقِي فِي النَّاس رُءُوسًا جُهَّالًا " وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّل يَبْقَى وَتَقَدَّمَ فِي " كِتَاب الْعِلْم " ضَبْط " رُءُوسًا " هَلْ هُوَ بِصِيغَةِ جَمْع رَأْس وَهِيَ رِوَايَة الْأَكْثَر أَوْ رَئِيس وَفِي رِوَايَة هِشَام " حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ " هَذِهِ رِوَايَة أَبِي ذَرّ مِنْ طَرِيق مَالِك وَلِغَيْرِهِ " لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اِتَّخَذَ النَّاس رُءُوسًا جُهَّالًا " وَفِي رِوَايَة جَرِير عِنْد مُسْلِم " حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُك عَالِمًا " وَكَذَا فِي رِوَايَة صَفْوَان بْن سُلَيْمٍ عِنْد الطَّبَرَانِيّ وَهِيَ تُؤَيِّد الرِّوَايَة الثَّانِيَة , وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَجْلَان " حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِم " وَكَذَا فِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ هِشَام , وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْنِ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عِنْد الطَّبَرَانِيّ " فَيَصِير لِلنَّاسِ رُءُوس جُهَّال " وَفِي رِوَايَة مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عِنْده : بَعْد أَنْ يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ , لَكِنْ يَذْهَب الْعُلَمَاء كُلَّمَا ذَهَبَ عَالِم ذَهَبَ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْعِلْم حَتَّى يَبْقَى مَنْ لَا يَعْلَم . ‏

‏قَوْله ( يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيَضِلُّونَ ) ‏
‏بِفَتْحِ أَوَّله ‏
‏( وَيُضِلُّونَ ) ‏
‏بِضَمِّهِ , وَفِي رِوَايَة حَرْمَلَة " يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ " وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَجْلَان " يَسْتَفْتُونَهُمْ فَيُفْتُونَهُمْ " وَالْبَاقِي مِثْله , وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن عُرْوَة " فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْم فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " وَهِيَ رِوَايَة الْأَكْثَر , وَخَالَفَ الْجَمِيع قَيْس بْن الرَّبِيع وَهُوَ صَدُوق ضُعِّفَ مِنْ قِبَل حِفْظه , فَرَوَاهُ عَنْ هِشَام بِلَفْظِ : لَمْ يَزَلْ أَمْر بَنِي إِسْرَائِيل مُعْتَدِلًا , حَتَّى نَشَأَ فِيهِمْ أَبْنَاء سَبَايَا الْأُمَم فَأَفْتَوْا بِالرَّأْيِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا , أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ قَيْس , قَالَ : وَالْمَحْفُوظ بِهَذَا اللَّفْظ مَا رَوَاهُ غَيْره عَنْ هِشَام فَأَرْسَلَهُ . قُلْت : وَالْمُرْسَل الْمَذْكُور أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيّ فِي النَّوَادِر وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَل مِنْ طَرِيقه , عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ , كَرِوَايَةِ قَيْس سَوَاء . ‏

‏قَوْله ( فَحَدَّثْت بِهِ عَائِشَة ) ‏
‏زَادَ حَرْمَلَة فِي رِوَايَته , فَلَمَّا حَدَّثْت عَائِشَة بِذَلِكَ أَعْظَمَتْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَتْهُ , وَقَالَتْ أَحَدَّثَك أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول هَذَا . ‏

‏قَوْله ( ثُمَّ إِنَّ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو حَجّ بَعْدُ فَقَالَتْ يَا اِبْن أُخْتِي اِنْطَلِقْ إِلَى عَبْد اللَّه فَاسْتَثْبِتْ لِي مِنْهُ الَّذِي حَدَّثْتنِي عَنْهُ ) ‏
‏فِي رِوَايَة حَرْمَلَة أَنَّهُ حَجّ مِنْ السَّنَة الْمُقْبِلَة وَلَفْظه قَالَ عُرْوَة : حَتَّى إِذَا كَانَ قَابِل قَالَتْ لَهُ : إِنَّ اِبْن عَمْرو قَدْ قَدِمَ فَالْقَهُ ثُمَّ فَاتِحْهُ حَتَّى تَسْأَلَهُ عَنْ الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرَهُ لَك فِي الْعِلْم . ‏

‏قَوْله ( فَجِئْته فَسَأَلْته : فِي رِوَايَة حَرْمَلَة ) ‏
‏, " فَلَقِيته " . ‏

‏قَوْله ( فَحَدَّثَنِي بِهِ ) ‏
‏فِي رِوَايَة حَرْمَلَة " فَذَكَرَهُ لِي " ‏
‏قَوْله ( كَنَحْوِ مَا حَدَّثَنِي ) ‏
‏فِي رِوَايَة حَرْمَلَة " بِنَحْوِ مَا حَدَّثَنِي بِهِ فِي مَرَّته الْأُولَى " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سُفْيَان اِبْن عُيَيْنَةَ الْمَوْصُولَة " قَالَ عُرْوَة ثُمَّ لَبِثْت سَنَة ثُمَّ لَقِيت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فِي الطَّوَاف فَسَأَلْته فَأَخْبَرَنِي بِهِ فَأَفَادَ أَنَّ لِقَاءَهُ إِيَّاهُ فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة كَانَ بِمَكَّة " وَكَأَنَّ عُرْوَة كَانَ حَجّ فِي تِلْكَ السَّنَة مِنْ الْمَدِينَة وَحَجَّ عَبْد اللَّه مِنْ مِصْر فَبَلَغَ عَائِشَة وَيَكُون قَوْلهَا قَدْ قَدِمَ أَيْ مِنْ مِصْر طَالِبًا لِمَكَّة لَا أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَة , إِذْ لَوْ دَخَلَهَا لَلَقِيَهُ عُرْوَة بِهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون عَائِشَة حَجَّتْ تِلْكَ السَّنَة وَحَجّ مَعَهَا عُرْوَة فَقَدِمَ عَبْد اللَّه بَعْدُ , فَلَقِيَهُ عُرْوَة بِأَمْرِ عَائِشَة . ‏

‏قَوْله ( فَعَجِبَتْ فَقَالَتْ وَاَللَّه لَقَدْ حَفِظَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ) ‏
‏فِي رِوَايَة حَرْمَلَة " فَلَمَّا أَخْبَرْتهَا بِذَلِكَ قَالَتْ مَا أَحْسَبهُ إِلَّا صَدَقَ أَرَاهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا وَلَمْ يَنْقُص " . قُلْت : وَرِوَايَة الْأَصْل تَحْتَمِل أَنَّ عَائِشَة كَانَ عِنْدهَا عِلْم مِنْ الْحَدِيث , وَظَنَّتْ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ ثَانِيًا كَمَا حَدَّثَ بِهِ أَوَّلًا , تَذَكَّرَتْ أَنَّهُ عَلَى وَفْق مَا كَانَتْ سَمِعَت , وَلَكِنَّ رِوَايَة حَرْمَلَة الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا أَنَّهَا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ وَأَعْظَمَتْهُ ظَاهِرَة فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدهَا مِنْ الْحَدِيث عِلْم , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَسْتَدِلّ عَلَى أَنَّهُ حَفِظَهُ إِلَّا كَوْنه حَدَّثَ بِهِ بَعْد سَنَة كَمَا حَدَّثَ بِهِ أَوَّلًا لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُص . قَالَ عِيَاض : لَمْ تَتَّهِم عَائِشَة عَبْد اللَّه وَلَكِنْ لَعَلَّهَا نَسَبَتْ إِلَيْهِ أَنَّهُ مِمَّا قَرَأَهُ مِنْ الْكُتُب الْقَدِيمَة لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ طَالَعَ كَثِيرًا مِنْهَا , وَمِنْ ثَمَّ قَالَتْ " أَحَدَّثَك أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول هَذَا " اِنْتَهَى , وَعَلَى هَذَا فَرِوَايَة مَعْمَر لَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو هِيَ الْمُعْتَمَدَة وَهِيَ فِي مُصَنَّف عَبْد الرَّزَّاق , وَعِنْد أَحْمَد وَالنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقه وَلَكِنَّ التِّرْمِذِيّ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة عَبْدَة بْن سُلَيْمَان عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة قَالَ : رَوَى الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيث عَنْ عُرْوَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , وَعَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة , وَهَذِهِ الرِّوَايَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رِوَايَة يُونُس بْنِ يَزِيد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة , أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه وَالْبَزَّار مِنْ طَرِيق شُبَيْب بْن سَعِيد عَنْ يُونُس , وَشُبَيْب فِي حِفْظه شَيْء وَقَدْ شَذَّ بِذَلِكَ , وَلَمَّا أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ أَرْدَفَهُ بِرِوَايَةِ مَعْمَر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ عُرْوَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ " أَشْهَد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يَرْفَع اللَّه الْعِلْم بِقَبْضِهِ وَلَكِنْ يَقْبِض الْعُلَمَاء " الْحَدِيث ; وَقَالَ اِبْنِ عَبْد الْبَرّ فِي بَيَان الْعِلْم رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق أَيْضًا عَنْ مَعْمَر عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة بِمَعْنَى حَدِيث مَالِك . قُلْت : وَرِوَايَة يَحْيَى أَخْرَجَهَا الطَّيَالِسِيُّ عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ عَنْهُ , وَوَجَدْت عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيهِ سَنَدًا آخَر أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط مِنْ طَرِيق الْعَلَاء بْن سُلَيْمَان الرَّقِّيّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , فَذَكَرَ مِثْل رِوَايَة هِشَام سَوَاء , لَكِنْ زَادَ بَعْد قَوْله " وَأَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل " وَالْعَلَاء بْنُ سُلَيْمَان ضَعَّفَهُ اِبْنِ عَدِيٍّ وَأَوْرَدَهُ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ رِوَايَة حَرْمَلَة الَّتِي مَضَتْ وَسَنَده ضَعِيف , وَمِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ " يَقْبِض اللَّه الْعُلَمَاء , وَيَقْبِض الْعِلْم مَعَهُمْ , فَتَنْشَأ أَحْدَاث يَنْزُو بَعْضهمْ عَلَى بَعْض نَزْو الْعِير عَلَى الْعِير , وَيَكُونُ الشَّيْخ فِيهِمْ مُسْتَضْعَفًا " وَسَنَده ضَعِيف وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء . قَوْله " رَفْع الْعِلْم ذَهَاب الْعُلَمَاء " وَعَنْ حُذَيْفَة " قَبْضُ الْعِلْم قَبْضُ الْعُلَمَاء " وَعِنْد أَحْمَد عَنْ اِبْنِ مَسْعُود قَالَ " هَلْ تَدْرُونَ مَا ذَهَاب الْعِلْم ؟ ذَهَاب الْعُلَمَاء " وَأَفَادَ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ أَوَّلًا وَقْت تَحْدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيث , وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ مِنْ الْفَائِدَة الزَّائِدَة " أَنَّ بَقَاء الْكُتُب بَعْد رَفْع الْعِلْم بِمَوْتِ الْعُلَمَاء لَا يُغْنِي مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ شَيْئًا " فَإِنَّ فِي بَقِيَّته " فَسَأَلَهُ أَعْرَابِيّ فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه كَيْف يُرْفَع الْعِلْم مِنَّا وَبَيْن أَظْهُرنَا الْمَصَاحِف , وَقَدْ تَعَلَّمْنَا مَا فِيهَا وَعَلَّمْنَاهَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وَخَدَمَنَا , فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسه وَهُوَ مُغْضَب فَقَالَ : وَهَذِهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بَيْن أَظْهُرهمْ الْمَصَاحِف , لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْهَا بِحَرْفٍ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ " وَلِهَذِهِ الزِّيَادَة شَوَاهِد مِنْ حَدِيث عَوْف بْن مَالِك وَابْنِ عَمْرو وَصَفْوَان بْن عَسَّال وَغَيْرهمْ , وَهِيَ عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالدَّارِمِيّ وَالْبَزَّار بِأَلْفَاظِ مُخْتَلِفَة , وَفِي جَمِيعهَا هَذَا الْمَعْنَى , وَقَدْ فَسَّرَ عُمَر قَبْض الْعِلْم بِمَا وَقَعَ تَفْسِيره بِهِ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن الْأَصَمّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فَذَكَرَ الْحَدِيث , وَفِيهِ " وَيُرْفَع الْعِلْم " فَسَمِعَهُ عُمَر فَقَالَ : " أَمَا إنَّهُ لَيْسَ يُنْزَع مِنْ صُدُور الْعُلَمَاء وَلَكِنْ بِذَهَابِ الْعُلَمَاء " وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون عِنْد عُمَر مَرْفُوعًا , فَيَكُونُ شَاهِدًا قَوِيًّا لِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز خُلُوّ الزَّمَان عَنْ مُجْتَهِد , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور خِلَافًا لِأَكْثَر الْحَنَابِلَة , وَبَعْض مِنْ غَيْرهمْ لِأَنَّهُ صَرِيح فِي رَفْع الْعِلْم بِقَبْضِ الْعُلَمَاء , وَفِي تَرْئِيس أَهْل الْجَهْل وَمِنْ لَازِمِهِ الْحُكْم بِالْجَهْلِ , وَإِذَا اِنْتَفَى الْعِلْم وَمَنْ يَحْكُم بِهِ اِسْتَلْزَمَ اِنْتِفَاء الِاجْتِهَاد وَالْمُجْتَهِد , وَعُورِضَ هَذَا بِحَدِيثِ " لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيهِمْ أَمْرُ اللَّه " وَفِي لَفْظ " حَتَّى تَقُوم السَّاعَة - أَوْ - حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّه " وَمَضَى فِي الْعِلْم كَالْأَوَّلِ بِغَيْرِ شَكّ , وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّه " وَلَمْ يَشُكّ وَهُوَ الْمُعْتَمَد , وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ ظَاهِر فِي عَدَم الْخُلُوّ لَا فِي نَفْي الْجَوَاز , وَثَانِيًا بِأَنَّ الدَّلِيل لِلْأَوَّلِ أَظْهَر لِلتَّصْرِيحِ بِقَبْضِ الْعِلْم تَارَة وَبِرَفْعِهِ أُخْرَى بِخِلَافِ الثَّانِي , وَعَلَى تَقْدِير التَّعَارُض فَيَبْقَى أَنَّ الْأَصْل عَدَم الْمَانِع . قَالُوا الِاجْتِهَاد فَرْض كِفَايَة , فَيَسْتَلْزِم اِنْتِفَاؤُهُ الِاتِّفَاق عَلَى الْبَاطِل , وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاء فَرْض الْكِفَايَة مَشْرُوط بِبَقَاءِ الْعُلَمَاء , فَأَمَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيل عَلَى اِنْقِرَاض الْعُلَمَاء فَلَا لِأَنَّ بِفَقْدِهِمْ تَنْتَفِي الْقُدْرَة وَالتَّمَكُّن مِنْ الِاجْتِهَاد , وَإِذَا اِنْتَفَى أَنْ يَكُون مَقْدُورًا لَمْ يَقَع التَّكْلِيف بِهِ , هَكَذَا اِقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَة : وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ : تَغَيُّر الزَّمَان حَتَّى تُعْبَد الْأَوْثَان , فِي أَوَاخِر " كِتَاب الْفِتَنِ " مَا يُشِير إِلَى أَنَّ مَحَلّ وُجُود ذَلِكَ عِنْد فَقْد الْمُسْلِمِينَ بِهُبُوبِ الرِّيح الَّتِي تَهُبّ بَعْد نُزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَلَا يَبْقَى أَحَد فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ الْإِيمَان إِلَّا قَبَضَتْهُ وَيَبْقَى شِرَار النَّاس , فَعَلَيْهِمْ تَقُوم السَّاعَة , وَهُوَ بِمَعْنَاهُ عِنْد مُسْلِم كَمَا بَيَّنْته هُنَاكَ فَلَا يَرِد اِتِّفَاق الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَرْك فَرْض الْكِفَايَة وَالْعَمَل بِالْجَهْلِ لِعَدَمِ وُجُودهمْ , وَهُوَ الْمُعَبَّر عَنْهُ بِقَوْلِهِ " حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّه " وَأَمَّا الرِّوَايَة بِلَفْظِ " حَتَّى تَقُوم السَّاعَة " فَهِيَ مَحْمُولَة عَلَى إِشْرَافهَا بِوُجُودِ آخِر أَشْرَاطهَا , وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا بِأَدِلَّتِهِ فِي الْبَاب الْمَذْكُور , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم عَنْ حُذَيْفَة رَفَعَهُ " يَدْرُس الْإِسْلَام كَمَا يَدْرُس وَشْيُ الثَّوْب " إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث , وَجَوَّزَ الطَّبَرِيُّ أَنْ يُضْمَر فِي كُلّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ الْمَحَلّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ تِلْكَ الطَّائِفَة , فَالْمَوْصُوفُونَ بِشِرَارِ النَّاس الَّذِينَ يَبْقَوْنَ بَعْد أَنْ تَقْبِض الرِّيح مَنْ تَقْبِضهُ , يَكُونُونَ مَثَلًا بِبَعْضِ الْبِلَاد كَالْمَشْرِقِ الَّذِي هُوَ أَصْل الْفِتَنِ , وَالْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقّ يَكُونُونَ مَثَلًا بِبَعْضِ الْبِلَاد كَبَيْتِ الْمَقْدِس لِقَوْلِهِ فِي حَدِيث مُعَاذ " إِنَّهُمْ بِالشَّامِ " وَفِي لَفْظ " بِبَيْتِ الْمَقْدِس " وَمَا قَالَهُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا يَرُدّهُ قَوْله فِي حَدِيث أَنَس فِي صَحِيح مُسْلِم " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الْأَرْض اللَّه اللَّه " إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرهَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَم . وَيُمْكِن أَنْ تَنْزِل هَذِهِ الْأَحَادِيث عَلَى التَّرْتِيب فِي الْوَاقِع فَيَكُونُ أَوَّلًا : رَفْع الْعِلْم بِقَبْضِ الْعُلَمَاء الْمُجْتَهِدِينَ الِاجْتِهَاد الْمُطْلَق ثُمَّ الْمُقَيَّد , ثَانِيًا : فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مُجْتَهِد اِسْتَوَوْا فِي التَّقْلِيد لَكِنْ رُبَّمَا كَانَ بَعْض الْمُقَلِّدِينَ أَقْرَب إِلَى بُلُوغ دَرَجَة الِاجْتِهَاد الْمُقَيَّد مِنْ بَعْض , وَلَا سِيَّمَا إِنْ فَرَّعْنَا عَلَى جَوَاز تَجَزُّؤ الِاجْتِهَاد وَلَكِنْ لِغَلَبَةِ الْجَهْل يُقَدِّم أَهْل الْجَهْل أَمْثَالهمْ , وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " اِتَّخَذَ النَّاس رُءُوسًا جُهَّالًا " وَهَذَا لَا يَنْفِي تَرْئِيس بَعْض مَنْ لَمْ يَتَّصِف بِالْجَهْلِ التَّامّ , كَمَا لَا يَمْتَنِع تَرْئِيس مَنْ يُنْسَب إِلَى الْجَهْل فِي الْجُمْلَة فِي زَمَن أَهْل الِاجْتِهَاد , وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْنِ عَبْد الْبَرّ فِي " كِتَاب الْعِلْم " مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن وَهْب سَمِعْت خَلَّاد بْن سَلْمَان الْحَضْرَمِيّ يَقُول حَدَّثَنَا دَرَّاج أَبُو السَّمْح يَقُول " يَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان يُسَمِّن الرَّجُل رَاحِلَته حَتَّى يَسِير عَلَيْهَا فِي الْأَمْصَار يَلْتَمِس مَنْ يُفْتِيه بِسُنَّةٍ قَدْ عَمِلَ بِهَا , فَلَا يَجِد إِلَّا مَنْ يُفْتِيه بِالظَّنِّ " فَيُحْمَل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد الْأَغْلَب الْأَكْثَر فِي الْحَالَيْنِ , وَقَدْ وُجِدَ هَذَا مُشَاهَدًا ثُمَّ يَجُوز أَنْ يَقْبِض أَهْل تِلْكَ الصِّفَة وَلَا يَبْقَى إِلَّا الْمُقَلَّد الصِّرْف , وَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّر خُلُوّ الزَّمَان عَنْ مُجْتَهِد حَتَّى فِي بَعْض الْأَبْوَاب بَلْ فِي بَعْض الْمَسَائِل , وَلَكِنْ يَبْقَى مَنْ لَهُ نِسْبَة إِلَى الْعِلْم فِي الْجُمْلَة , ثُمَّ يَزْدَاد حِينَئِذٍ غَلَبَة الْجَهْل وَتَرْئِيس أَهْله , ثُمَّ يَجُوز أَنْ يُقْبَض أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَد , وَذَلِكَ جَدِير بِأَنْ يَكُون عِنْد خُرُوج الدَّجَّال أَوْ بَعْد مَوْت عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّر خُلُوّ الزَّمَان عَمَّنْ يُنْسَب إِلَى الْعِلْم أَصْلًا , ثُمَّ تَهُبّ الرِّيح فَتُقْبَض كُلّ مُؤْمِن , وَهُنَاكَ يَتَحَقَّق خُلُوّ الْأَرْض عَنْ مُسْلِم فَضْلًا عَنْ عَالِمِ فَضْلًا عَنْ مُجْتَهِد وَيَبْقَى شِرَار النَّاس , فَعَلَيْهِمْ تَقُوم السَّاعَة , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل " كِتَاب الْفِتَنِ " كَثِير مِنْ الْمَبَاحِث وَالنُّقُول الْمُتَعَلِّقَة بِقَبْضِ الْعِلْم وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان . وَفِي الْحَدِيث الزَّجْر عَنْ تَرْئِيس الْجَاهِل لِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ الْمَفْسَدَة . وَقَدْ يَتَمَسَّك بِهِ مَنْ لَا يُجِيز تَوْلِيَة الْجَاهِل بِالْحُكْمِ , وَلَوْ كَانَ عَاقِلًا عَفِيفًا , لَكِنْ إِذَا دَارِ الْأَمْر بَيْن الْعَالَم الْفَاسِق وَالْجَاهِل الْعَفِيف , فَالْجَاهِل الْعَفِيف أَوْلَى لِأَنَّ وَرَعه يَمْنَعهُ عَنْ الْحُكْم بِغَيْرِ عِلْم فَيَحْمِلهُ عَلَى الْبَحْث وَالسُّؤَال . وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا حَضّ أَهْل الْعِلْم وَطَلَبَته عَلَى أَخْذِ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , وَفِيهِ شَهَادَة بَعْضهمْ لِبَعْضِ بِالْحِفْظِ وَالْفَضْل , وَفِيهِ حَضّ الْعَالِم طَالِبِهِ عَلَى الْأَخْذ عَنْ غَيْره لِيَسْتَفِيدَ مَا لَيْسَ عِنْده , وَفِيهِ التَّثَبُّت فِيمَا يُحَدِّث بِهِ الْمُحَدِّث إِذَا قَامَتْ قَرِينَة الذُّهُول وَمُرَاعَاة الْفَاضِل مِنْ جِهَة قَوْل عَائِشَة " اِذْهَبْ إِلَيْهِ فَفَاتِحْهُ " حَتَّى تَسْأَلهُ عَنْ الْحَدِيث وَلَمْ تَقُلْ لَهُ سَلْهُ عَنْهُ اِبْتِدَاء خَشْيَة مِنْ اِسْتِيحَاشه , وَقَالَ اِبْنِ بَطَّال التَّوْفِيق بَيْن الْآيَة وَالْحَدِيث فِي ذَمِّ الْعَمَل بِالرَّأْيِ وَبَيْن مَا فَعَلَهُ السَّلَف مِنْ اِسْتِنْبَاط الْأَحْكَام , أَنَّ نَصَّ الْآيَة ذَمُّ الْقَوْل بِغَيْرِ عِلْم , فَخَصَّ بِهِ مَنْ تَكَلَّمَ بِرَأْيٍ مَحْمُود عَنْ اِسْتِنَاد إِلَى أَصْلٍ , وَمَعْنَى الْحَدِيث ذَمّ مَنْ أَفْتَى مَعَ الْجَهْل , وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِالضَّلَالِ وَالْإِضْلَال , وَإِلَّا فَقَدْ مَدَحَ مَنْ اِسْتَنْبَطَ مِنْ الْأَصْل لِقَوْلِهِ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ , فَالرَّأْي إِذَا كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى أَصْلٍ مِنْ الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة أَوْ الْإِجْمَاع فَهُوَ الْمَحْمُود , وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَنِد إِلَى شَيْء مِنْهَا فَهُوَ الْمَذْمُوم , قَالَ وَحَدِيث سَهْل بْن حُنَيْف وَعُمَر بْن الْخَطَّاب وَإِنْ كَانَ يَدُلّ عَلَى ذَمِّ الرَّأْي لَكِنَّهُ مَخْصُوص بِمَا إِذَا كَانَ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ , فَكَأَنَّهُ قَالَ اِتَّهِمُوا الرَّأْي إِذَا خَالَفَ السُّنَّة , كَمَا وَقَعَ لَنَا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّحَلُّلِ فَأَحْبَبْنَا الِاسْتِمْرَار عَلَى الْإِحْرَام , وَأَرَدْنَا الْقِتَال لِنُكْمِل نُسُكنَا وَنَقْهَر عَدُوّنَا , وَخَفِيَ عَنَّا حِينَئِذٍ مَا ظَهَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا حُمِدَتْ عَقِبَاهُ , وَعُمَر هُوَ الَّذِي كَتَبَ إِلَى شُرَيْحٍ " اُنْظُرْ مَا تَبَيَّنَ لَك مِنْ كِتَاب اللَّه فَلَا تَسْأَل عَنْهُ أَحَدًا , فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَك مِنْ كِتَاب اللَّه فَاتَّبِعْ فِيهِ سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَك مِنْ السُّنَّة فَاجْتَهِدْ فِيهِ رَأْيك " هَذِهِ رِوَايَة سَيَّار عَنْ الشَّعْبِيّ وَفِي رِوَايَة الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَر كَتَبَ إِلَيْهِ نَحْوِهِ , وَقَالَ فِي آخِره " اِقْضِ بِمَا فِي كِتَاب اللَّه , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا فِي سُنَّة رَسُول اللَّه , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ شِئْت فَتَقَدَّمْ وَإِنْ شِئْت فَتَأَخَّرْ , وَلَا أَرَى التَّأَخُّر إِلَّا خَيْرًا لَك " فَهَذَا عُمَر أَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّأْي الَّذِي ذَمَّهُ مَا خَالَفَ الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة , وَأَخْرَجَ اِبْنِ أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْنِ مَسْعُود نَحْوِ حَدِيث عُمَر مِنْ رِوَايَة الشَّيْبَانِيِّ , وَقَالَ فِي آخِره " فَإِنْ جَاءَهُ مَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيه فَإِنَّ الْحَلَال بَيِّنٌ وَالْحَرَام بَيِّنٌ , فَدَعْ مَا يَرِيبك إِلَى مَا لَا يَرِيبك " .

التعديل الأخير تم بواسطة خالد العاصمي ; 24-03-2009 الساعة 03:40 AM
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-2009, 06:58 AM
  #5
أبو وليد الجروي
مشرف
مجلس برامج الكمبيوتر و الانترنت
 الصورة الرمزية أبو وليد الجروي
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: الرياض
المشاركات: 3,039
أبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond reputeأبو وليد الجروي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة

الله يجزاكـ خير على ماقدمته وجعله الله في موازين اعمالكـ والله لايحرمكـ الاجر والمثوبه
الله يعطيكـ العافيه
__________________


أبو وليد الجروي غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-2009, 04:44 PM
  #6
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة

شكرا لك يابو وليد وبارك الله فيك
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-2009, 09:44 PM
  #7
عبدالهادي سعد القحطاني
عضو مشارك
 الصورة الرمزية عبدالهادي سعد القحطاني
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 183
عبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to behold
افتراضي رد : أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة

جعل الله ما كتبت في ميزان حسناتك والله لا يحرمك الاجر متيمز دائما يا أبو وليد بإنتظار جديدك
عبدالهادي سعد القحطاني غير متواجد حالياً  
قديم 25-03-2009, 04:42 AM
  #8
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وقبل قيام الساعة

شكرا لك يابن هدوان وبارك الله فيك

أسأل الله التوفيق للجميع ولخير مايحب ويرضى
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فتاوى السحر والعين للامام ابن باز رحمه الله تعالى ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-03-2008 12:23 AM
هدا مجموع ما يخص يوم عشوراء احببت ان انقله لكم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 04-10-2007 06:33 AM
صور من حياة الصحابه ناصر السنحاني المجلس الـــــعــــــــام 15 15-09-2007 04:46 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM
صفة خلق الرسول صلى الله عليه وسلم المحيط المجلس الـــــعــــــــام 10 19-08-2006 08:42 PM


الساعة الآن 12:22 AM

سناب المشاهير