قصة مانع بن الشاعر الحبر الفهيم المتهم بالعياره حميدان الشويعر

لقد كانت قصة مانع بن حميدان الشويعر، وحاكم القصب في زمن حميدان الشويعر - القرن الثاني عشر الهجري - قصة مثيرة أدت إلى نهاية تراجيدية، محزنة أو لنقل مأساة ما كان من المتوقع ان تصل إلى ما وصلت إليه لولا الشحن النفسي الذي قام به حميدان الشويعر لولده مانع طيلة شبابه وحتى نهاية القصة.
لقد عمل مانع بن حميدان الشويعر في مزارع القصب القديمة التي تقع في شمال القصب (العرعرية، الحميضية، الطالعة، السياري) وكان عمله شمالاً يقوم بجرد النخيل وتلقيحها وتخليصها وصرامها، ثم يعطى أجرة على عمله حيث يتم اختيار نخلة من أطيب النخيل ثمرة أو أجودها تمراً أو أوفرها حملاً ويوافق الشمال على العمل بتلك الأجرة التي تم الاتفاق عليها.
في تلك السنة التي بدأت معها قصة المأساة كانت قد عينت وتحددت له النخلة التي تعد أجرة له، وكان من أشهر النخيل في ذلك الوقت السلج والخضري والصقعي، والحلوة.
جاء الأمير الحاكم في وقت بهرته تلك النخلة بما تحمله من ثمرة، فطمع فيها وفرض رأيه على صاحب النخل على أنها له وأنه قد اختارها دون سواها، ولكن صاحب النخل أعلمه بأنها للشمال مانع بن حميدان الشويعر، وأنه لا يتصرف في شيء خارج عن ملكه إلى ملك غيره.
حضر الحاكم في يوم لاحق وإذا بمانع بن حميدان الشويعر قد ملأ من النخلة (زبيل) تمر ويحاول ان ينهضه من الأرض ليحمله على رأسه، فكان معه ما يشبه السيف لكنه مستقيم كالعصا يتوكأ عليه وطرفه حاد، فأومأ به على يد مانع قائلاً: أترك (الزبيل) ولم ينشب بينهم شجار يذكر لكن السلاح أثر على يده فقطع أحد أعصابها فعابت ولم تعد تتحرك كالسابق، ومن هنا بدأ المنعطف المؤلم، ليس من جهة مانع بل من موقف والده الذي علم بالأمر.
لم يكن مانع محباً للنزاع ولا راغباً فيه، ويبدو أنه رأى الانسحاب من الطريق الطويل خيرا من التمادي في شرور كثيرة قد تلحق به، فتناسى حقوقه وانصرف للتجارة والعمل في دكان صغير في البلدة، بعد ان صارت يده لا تساعده على صعود النخيل والعمل فيه.
لم ينس والده الموقف وصار وضع ولده مانع يؤرقه، وبدأ في السخرية منه وتنقيصه أمام الجميع، من عرف ومن لم يعرف حتى هجاه في شعره ووصفه بأوصاف تسقطه من العيون وتؤرق مضجع مانع وتمنع عنه النوم.
صار مانع تحت المطرقة التي تقض مضجعه ليل نهار، وهذا سر هجاء حميدان الشويعر لولده مانع، ووصفه بالجبن والتخاذل والضعف والخوف.. إلخ.
كما ذكره بذم أشبه بالمدح ولا يقصد بأنه طيب فعلاً بل يقول عنه ان قوته وشجاعته تلك تنحصر عند الأكل حيث يمد ذراعاً له وليس للسيف وقتال الأعداء كذلك فهو شجاع ب (كراعه) أي برجله عند الهرب والذل والخوف. لا أكثر.
وفيما يلي بعض من قصيدة حميدان في ولده وبقية القصيدة لا يليق ذكرها لدخوله في وصف شجاعة خاصة ولا يشارك الناس في أمور إيجابية تبتعد عن محيط ذاته ولا شك يهجوه ويصفه بالخمول والتقصير..

(مانع) خيال في الدكه
وظفر في رأس المقصوره
وان صاح صياح من برا
وايق هو ويا الغندوره
واليمنى فيها فنجال
واليسرى فيها البربوره
والى ظهر يم السكه
تأخذ جوخته السنوره
تلقاه من الخوف يرهبن
كنه حداة ممطوره
وينخى بلسانه ويثاثي
والذله سدت حنجوره
عنده عذرا مثل الحورا
نورها يقادي البنوره
تلقاها من طيب المعلف
مثل الحمنانه مزكوره
في البيت تعيزل وتبيزل
ما قال الجصه ممخوره
تعبا المثلوث من الجهمه
من ليل يرعد تنوره
عندها رجل ثور جيد
أجم يرعى في هوره
أقصى ما يبعد للطايه
والموقد ورده وصدوره
لا قالت عجل جاء يركض
دايم ما يظهر من شوره

وما يقوله حميدان عن والده مانع ليس بصحيح، ولا يقترب من الصحة، فمانع منصرف لأعماله وهو إنسان بسيط وفيه الشجاعة لكنه يزن الأمور ويقدر العواقب، وكل ما ذكره والده نوع من الاستفزاز الذي يريد ان يصل من خلاله إلى ان ينتقم مانع ممن شوه يده وأصابها حتى عابت وأصيبت بالشلل عيره والده بيده المشوهة، فقال عنها أنها تشبه المغرفة، وكان يستهزئ به ويركز على يده، ولما جاءت حملة من البادية لسوق القصب يريدون بعض حاجياتهم سألت إحدى النساء عن مغرفة لشرائها، فقال حميدان الشويعر هذا الرجل - ويعني ولده - لديه مغرفة ولكنه لن يبيعها بسهولة فأصري عليه واطلبيها منه فلعله يبيعها، وكان يقصد من ذلك الاستهزاء به وشحنه حتى ينتقم، فعرف مانع ان الذي أرسلها هو والده وبين للأعرابية ان المقصود يده التي تراها قد عابت فأصبحت كالمغرفة.

نهاية المسلسل الحزين
معروف ان الشحن يولد الانفجار، وهذا ما حصل بالفعل فقد وصل مانع إلى حد الانفجار واتفق مع والده بأن يحمل أهله خارج البلدة وينتظر خارجها بمسافة بعيدة بحيث يستدل على تنفيذ المهمة من خلال النار التي توقد في بيت الحياكم بعد تنفيذ المهمة، لأن أي حدث في أي منزل وأي صوت مفزع لا بد ان يعقبه اشعال نار تضيء المكان فإن استمرت النار مشتعلة فقد أصيب إصابة بسيطة وهم يعالجونه، وان اشتعلت ثم انطفأت فقد مات المصاب.
قام مانع بحيلة في عملية الدخول إلى بيت الحاكم الذي كان خائفاً منذ الحادثة، ويعرف ان الانتقام سيلحق به، وكان يوكل زوجته لتفقد كل شيء يدخل المنزل حتى الأغنام لابد من لمس أظهرها واحدة واحدة، فدخل مانع مع الأغنام مساء، بعدما لبس جلد خروف، واستقر بينها في الداخل.
فلما أمنت زوجته ونزل وهي لا تعلم عن مانع شيئاً، هجم عليه مانع فقتله.

قال الحاكم قصيدة منها:
امنتني عقب ما كنت خايف
نزلت من عالي البنى في سهلها
ثم اشعلوا النار قليلاً فلما تبين أنه قد مات انطفأت النار، فعرف والده الذي يرقب الليل المظلم ان العمل الانتقامي قد انتهى إلى ما يريد،فهرب ناحية بلدان غرب الوشم شقراء أثيثية، فالتجأ عندأهل أثيثية وهم ال زامل امراء أثيثية حتى وقتنا الحاضر وهم من عايذ قحطان فأثنى والد مانع على أهل أثيثية ووصفهم بالكرم والشجاعة ومن أبياته التي تثني على ال زامل هي
ناديت بالأثنين أولاد زامل
تقاسموا معنا سلوب العناقر

وقال ايضا
الى جيت عنا للعزاعيز ديره
من الوشم تعزا للعناقر كان

وقال ايضا
مهيضة رباط الكريم ابن زامل
سنا الوشم راعي منسف وجفان

.........وغيرها من الابيات

وكانت نهاية الشاعر حميدان الشويعر بعيداً عن بلدته القصب يقول بعدما غادر البلدة وهو ينظر إلى جنوب القصب متمنياً زوالها تماماً ويتمنى البعد عنها فيقول:

الا يا نخلات لي على جال عيلم
حدايق غلب شوفهن يروع
تقللت عن دار وربع ومنزل
وقبلتها حثو التراب كسوع
فلا يا عابر القصب الجنوبي ليتني
اشوفك منحدر السراب لموع
وأخيراً أسدل الستار على نهاية محزنة بلا شك كان أول أسبابها هلال وآخرها حميدان الشويعر وضحيتها مانع بن حميدان الشويعر رحم الله الجميع.

رحم الله الجميع


نشكرك على القصه الجميله


ونرحب بك في مجالسنا


أخوك

__________________



لأستشاراتك القانونية أضغط هنا
لوجه الله تعالى

اشكرك على تواجدك ومشاركتك وترحيبك بي ماقصرت يا ولد النشاما