شهادة مربي الحمام .............؟
محام : القضاء السعودي يتفق على عدم قبول شهادة بائع الحمام
رفض قديم لشهادة " مربي الحمام " وفقهاء اليوم مختلفون
يبدو أن أبواب المحاكم ودوائر القضاء في السعودية ستكون موصودة أمام كل من يتعاطى الحمام تربية أو متاجرة ،
فبحسب عدد من فتاوي المذاهب الإسلامية قديما وحديثا ، فإن أراء متداولة تحرم قبول شهادة مربي الحمام ، إلا أن
الجدل في هذه المسألة قائم حتى اللحظة في السعودية والبلدان الإسلامية بين مجيز ومحرم .
أسباب هذا الجدل الذي يبدو غريبا ولافتا ، يكمن في أن مربي الحمام يربي حمامة على أسطح المنازل والأماكن
المرتفعة ، وهو ما يجعل المنازل المجاورة عرضة لأطلاعه عليها خصوصا وقت طيران الحمام ، وهو ما يعني عند
الفقهاء المسلمين إطلاعه على عورات الناس ، ما يعطي دلالة على عدم أمانته وعدم مراعاته لحقوق الجار ، وهو
أمر غير مقبول شرعا .
وبعيدا عن هذا وذاك فإن السعودي الذي يطمح إلى دخول موسوعة " غينيس " لأنه يمتلك في حظائره أكثر من
ألف حمامة ، سيعيد حساباته في دخول الموسوعة في حال تقدم بشهادته في قضية ما ، لأنه سيكون وقتها
من المحضورين عالميا ، حتى وإن كانت جدران الأبنية شاهقة ويستحيل النظر من خلالها إلى أية عورة .
وإستنادا إلى المدرسة الفقهية في السعودية فإن رد شهادة مربي الحمام غير مقبولة عند جمهور العلماء إذا
كان أتخذه على سبيل اللهو به واللعب ، وذلك بحسب رأي أستاذ نظم الحكم والقضاء والمرافعات الشرعية
في مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي محكم القضاء الدولي المعتمد من وزارة
العدل السعودية البروفيسور حسن سفر .
وأضاف " أنهم يفتقرون للعدالة التي جاء التأكيد عليها في الأية الكريمة " وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا
الشهادة لله " ولا بد من أن تكون الشهادة منسجمة مع القواعد الشرعية ، وبين الفقهاء أيضا أن شهادة الزبال
ومطير الحمام والحجام لا تقبل ، لانهم يحترفون مهنا وضيعة ، وتلهي عن ذكر الله ‘، إذ أن مربي الحمام ينشغل
في الأمور الدنيوية من تأكيل الحمام وسقيه والأنصراف معه في أنغامه وتغاريده ، وهو ما يشغل صاحبه عن
ذكر الله ، ويجعل قلبه غافلا عن الطاعة والعبادة " .
وفي الوقت ذاته نفى أستاذ الفقه المقارن في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور محمد النجيمي تطبيق هذه الفتوى
في المحاكم السعودية ، مؤكدا أنها رأي قديم قد لا يسوغ تطبيقه حليا لأختلاف المكان والزمان وأضاف " إذا
أشتهرت عن مربي الحمام سمعة سيئة ورفض القاضي شهادته فهو أمر يعود إليه ، بمعنى أنه لا يمكن تعميمه
على كل الحالات " . وأشار النجيمي إلي أن توافر شرط العدالة في الشاهد من المسائل التي فيها إجتهاد وتخضع
لإجتهاد القاضي ونظره ، كما أنها تختلف بحسب المكان والزمان والأشخاص والقاضي وحده من يقررها .
من جهته يؤكد المحامي أحمد المالكي أن إمكان الطعن في شهادة بائع الحمام وارد ، وأنها تسقط وتنتفي
صحتها إذا علم المشهود عليه قبل النطق بالشهادة وأخبر القاضي بها فإن شهادته لا تسمع .
وأشار المالكي إلى أن القضاء السعودي في غالبيته متفق على هذا الحكم ، لأن الشهادة إخبار عن أمر
حادث ولم يطلع عليه إلا القلة من الناس ، وينبني عليها حكم شرعي ، فلا بد فيها من الثقة بالشاهد والعدالة
والمروءة التي تخالف السفه والطيش ، لذلك أشترط في الشاهد شروط عدة حتى تقبل شهادته ، منها العقل
والبلوغ والرشد والتقوى ، وتفاصيل ذلك في الكتب الفقهية وأبواب الدعاوي والبينات وأحكام القضاء .
وفي أثر الفقه الإسلامي القديم كان العالم الفقيه المسلم بن قدامة أطلق هذا الحكم في أحد فصول كتبه
فقال : فصل : واللأعب بالحمام يطيرها لا شهادة له ، وهذا قول أصحاب الراي ، إلا أنه أستدرك قائلا :
وإن أتخذ الحمام لطلب فراخها أو لحمل الكتب ، أو للأنس بها من غير أذى يتعدى إلى الناس لم ترد
شهادته .
وكان القاضي شريح لا يجيز شهادة صاحب حمام ، لأنه سفه ودناءه وقلة مروءة ويتضمن أذى الجيران
بطيره وإشرافه على دورهم ورميه أياها بالحجارة .
كما أن العالم المعاصر الشيخ محمد بن عثيمين _ رحمه الله _ توسع في هذا الباب بعد أن ذكر شروط الشهادة
السته وهي : البلوغ والعقل والنطق والحفظ والإسلام والعدالة ، إذ قال : " إن على الشاهد أن يكون ذا مروءة
فلا شهادة لرقاص ولا لاعب شطرنج ولا مشعوذ أو متمسخر ، ومن يمد رجليه بحضور الناس ، أو من يحكي
المضحكات ويأكل في الأسواق " .
قبل أعوام تقدم عدد من مربي وباعة الحمام في المدينة المنورة للسلطات القضائية يطالبون باعتبار شهادتهم
وأقوالهم موثوقا بها ، وقالوا أنهم لا يقدمون للإدلاء بالشهادة أمام المحاكم الشرعية خوفا من الحرج ، لان
بعض القضاة لا يثقون بأقوال كل من يربي الحمام .
ووقتها كان الجدل على أشده ، فخرج عضو هيئه كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق برأيه وقال : " شهادة
مربي الحمام مقبولة إلا إذا كانوا ممن يطلعون على عورات الناس " ومضى بالقول : " في الأزمنة القديمة لم
تكن شهادة الذين يربون الحمام مقبولة شرعا ، لأن المنازل كانت قصيرة الجدران وكان مربي الحمام يطلع
على العورات ".
منقول
جريدة الحياة 22/5/1428هـ