ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 17-06-2010, 10:10 PM
  #1
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

عن بدع رجب

الخطبة الأولى

الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، المانّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته. وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا، ومنشىء الأرضين والثرى، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ} [الأنبياء:23]. وأشهد أن محمداً عبده المجتبى ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضيء والأمر المرضي، على حين فترة من الرسل، ودُروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأكمل به الإيمان، وأظهره على كل الأديان، وقمع به أهل الأوثان، فصلى الله عليه وسلم ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثم أما بعد:-
فإن الله سبحانه وتعالى أمر عباده المؤمنين بالمحافظة على السنة والدعوة إليها، وحث على اتباع رسوله ، وأمر به وأوجبه فقال تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر:7]. وجعل الله سبحانه وتعالى الفوز بمحبته عز وجل إنما ينال باتباع رسوله قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [آل عمران:31-32]. قال الحسن البصري – رحمه الله تعالى -: (ادعى أقوام محبة الله فابتلاهم أو قال فامتحنهم بهذه الآية: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني.. الآية.
ونفى الله الإيمان عن من لم يحكم رسول الله ولم يرض بحكمه فقال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً [النساء:65]. وجعل الله سبحانه وتعالى الاحتكام إليه وإلى رسوله عند التنازع والاختلاف فقال تعالى: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً [النساء:59]. قال العلماء: معناه الرد على الكتاب والسنة.
وحذر الله من مخالفة سنته وتوعد المخالف بالفتنة في الدنيا والعذاب الأليم الموجع في الآخرة فقال تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].
وفي هذا الزمان الذي قل فيه العلم وكثير فيه الجهل وتحكم فيه الرويبضة، ترى انتشار البدع وشيوعها، وتعلق الناس بها حتى ظنوا أنها من دين رسول الله ، وقد حذرنا رسول الله من شر البدع والأحداث في الدين فعن أبي نجيح العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظة بليغة وجلت منها القلوب – أي خافت – وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

. وقد أحدث الناس بدعاً كثيرة من الأزمنة والأمكنة، ومما أحدثه الناس في زماننا هذا بدعة جمعة رجب فإنه (يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً، ولم يكن له ذكر في وقت السلف، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه مثل أول خميس من رجب، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة).
وروي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء، مضمونه فضيلة صيام ذلك اليوم وفعل هذه الصلاة السماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم. والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم: النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم وعن هذه الصلاة المحدثة، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة، وإظهار الزينة ونحو ذلك، حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من بقية الأيام، وحتى لا يكون له مزية أصلاً. وكذلك يوم آخر في وسط رجب تصلي فيه صلاة تسمى صلاة أم داود فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلاً) [أنظر اقتضاء الصراط المستقيم – شيخ الإسلام ابن تيمية ص292-293].
ويتخذ كثير من الناس أول جمعة في رجب عيداَ زاعمين أنه يوم دخل الإسلام إلى اليمن، ومنهم من يشد الرحل إلى مسجد معاذ بن جبل بالجند معتقدين فضيلة ذلك، وهذه الأمور كلها من البدع المحدثات في الدين التي ليس عليها دليل صحيح صريح يصلح الاحتجاج به، بل إنها من ادّعاءات المدعين ومقالات الأفاكين المبتدعين، وعلى فرض صحة ثبوت أن إسلام أهل اليمن كانت في أول جمعة من رجب – مع أنه لم يثبت ذلك ولم يصح – لا يجوز اتخاذه عيداً، فإننا معشر المسلمين لا عيد لنا إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وكل عيد سوى هذين العيدين فمن أعياد الجاهليين، فقد أخرج الشيخان في صحيحهما عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: دخل عليّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتن، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله ؟ وذلك يوم عيد. فقال رسول الله : ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)) وفي رواية: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم)) وفي الصحيحين أيضاً أنه قال: ((دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى)). وهذا الحديث يدل على أمور [2]: أحدهما: قوله : ((إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)) يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم. فكما أن للمشركين أعيادهم التي يختصون بها فلا نشركهم فيها فكذلك نحن لنا أعيادنا الخاصة التي يشاركوننا فيها، فاللام تقتضي الاختصاص.
الثاني: وهذا عيدنا يفيد حصر أعيادنا في يومين (عيد الفطر وعيد الأضحى) فليس لنا عيد سواهما.
الثالث: إن قوله : ((وإن عيدنا هذا اليوم)) تقتضي أن يكون جنس عيدنا منحصراً في جنس يومي عيد الفطر والأضحى، فإن التعريف بالألف واللام والإضافة يفيد الإستغراق.
الرابع: قوله : ((وإن هذا اليوم)) أي جنس هذا اليوم إشارة إلى جنس الشروع من الأعياد لا حصر العيد في ذلك اليوم الذي كان في عهده .
وعليه فإن القول بأن إسلام أهل اليمن كان في أول جمعة من رجب زعم باطل لا دليل عليه، ولو ثبتت فليس فيه حجة لاتخاذه عيداً،
فالواجب على المسلمين العمل بالسنة واجتناب البدعة تحقيقاً للمتابعة وتجريداً للتوحيد.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوفاناعلى التوحيد والإيمان ويجنبنا طرق أهل الأهواء والبدع إنه على ما يشاء قدير، اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه


الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أظهر دينه المبين ، ومنعه بسياج متين ، فحاطه من تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، سخَّر لدينه رجالاً قام بهم وبه قاموا ، واعتزَّ بدعوتهم وجهادهم وبه اعتزوا ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، كان يربّي ويعلّم ويدعو ، ويصوم ويقوم ويغزو . صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .


فإن البدعة والإحداث في الدين أصل كل شر وبلية في الدين، وكلما بعد العهد وتقادم الزمان كلما ظهرت البدع وانتشرت على مدار الدهور والأزمان. فالواجب على المسلم أن يتبع السنة ولا يبتدع في دينه، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والبدعة شر لا تأتي بخير أبداً.
واعلموا عباد الله: أن من طاعة رسول الله ومحبته وتعظيمه وتوقيره اتباع سنته، فمن اتبع سنته كان مطيعاً له، ومن أطاعه كان مطيعاً لله قال تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً [النساء].

فمن لم يتبع سنة رسول الله كانت عاصياً لله، وهو من أهل الوعيد المستوجبين للنار، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) رواه البخاري.
فالامتناع والإباء عن دخول الجنة المراد به الامتناع عن اتباع سنته.
فعليكم بالسنة ودعوا البدعة فإنها تؤدي إلى الفرقة والاختلاف في الدين، فعن ابن مسعود قال: (اتبعوا، ولا تبتدعوا فقد كفيتم).
واعلموا يا عباد الله: أنه ليس رجب فضيلة تذكر سوى أنه من الأشهر الحرم، وأما يفعله بعض الجهلة ممن يعتقد لشهر رجب فضيلة من تخصيص أيامه بصيام أو لياليه بقيام دون سائر شهور السنة فقد ابتدع في الدين، ومن اعتقد أن لأول جمعة منه فضيلة فقد فعل ما لم يثبت عن السلف تعظيمه، ومن اعتقد أول خميس من رجب أو أول ليلة جمعة منه فضيلة خاصة توجب تعظيمه أو تخصيصه بقيام أو صيام أو عيد فقد ابتدع في الدين ما ليس منه كما جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))متفق عليه ولفظ مسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
فهذه الأمور التي يفعلها الناس كلها من البدع المحدثة في الدين والواجب على العلماء والدعاة إنكارها وبيانها للناس أنها بدعة وليست بشرع، وأن الواجب على الناس، أن يسألوا عن دينهم وأن يستفتوا أهل العلم من أهل السنة والجماعة ويقتدوا بهم لا بغيرهم، فرب عالم هو رأس في البدعة والضلالة والأحداث في الدين لا يجوز سؤاله ولا استفتاؤه، فإن المبتدع مخرج من زمرة العلماء، فالعلماء العاملون بعلمهم هم الذين يرجع إليهم في العلم والافتاء عملاً بقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [النمل].
وامتثلوا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم [الحجرات:1].
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في الدين ويعلمنا التأويل وأن ينفعنا بما علمنا وفقهنا ويحبب إلينا الكتاب والسنة والعمل بهما، ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان والأهواء والبدع آمين، آمين.

عباد الله صلوا وسلموا
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 24-06-2010, 11:40 AM
  #2
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

الخطبة عن معاوية رضي الله عنهما



الحمد لله عمَّت نعمتُه، وتتابعت بركتُه، وَشَمِلَتنا ألطافُه، وهو اللطيف الخبير. سبحانه وبحمده هدانا من الضلالة، وأنجانا من الغواية، وجعلنا من خير أُمةٍ أُخرجت للناس، وألبسنا من آدابها وشرائعها خير لباس، وجعلنا فيها أتباعاً لخير الناس صلوات الله وسلامه وبركاتُه عليه. أشهد ألا إله إلا الله يحيي العظام بعد موتها، ويحيي القلوب بعد غفلتها ومواتها، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، المبعوثُ رحمةً للعالمين، وحُجة على السالكين، والهادي من شاء الله هدايته إلى الصراط المستقيم، اللهم فأحيِنا على سُنَّته، وتوفَّنا على مِلَّته، وارزقنا حُبَّه وحُسن الائتساء به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد، فإن خير الحديث كتابُ الله، وأحسن الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة.

ثم إنه –إخواني في الله- من قضايا الدين وأُسسه الحُبُّ في الله والبُغضُ في الله، فهما أوثقُ عُرى الإيمان،
وإن من أعظم المسلمين ولايةً لله ورسولِه والمؤمنين صحابةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم أنصارُ الله ورسوله، وهم حزب الله، وهم شركاء رسول الله في المجلس والطعام والهمِّ والدعوة والصبر على الأذى في سبيل الله، فيا لله كم من سبيلٍ للخير شرعوه، وكم من منكر وباطل هدموه، فما أحسن أثرَهم على الناس وأقبَحَ أثر الناس عليهم. نَصَرَهَم الله ببدرٍ وهم أذلة، وابتلاهم في أُحدٍ واتخذ منهم شهداء، وأخبر عنهم في الخندق أنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وما مات رسولُ الله إلا وهو عنهم راضٍ صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم. فهؤلاء هم القوم الكرام، يقتدي بهم أهلُ الإسلام، وما فتحُ الباب لغمزهم والطعن فيهم إلا فتحٌ لباب النفاق وإنقاص الدين على المسلمين.
وإن رقيقي الديانة، من منافقين وضُلال ومرتابين طمع فيهم إبليس، وصدَّق عليهم ظنَّه فاتبعوه. فمن الناس من يتخذُهُم غرضاً أجمعين، ويزعمون ردَّتهم، ويهدمون فضائلهم وصُحبتهم، وهم بذلك يهدمون أو يحاولوا هدم الدين فما وصلنا القُرآن ولا الحديث إلا من خلالهم رضي الله عنهم، فالطعنُ فيهم طعنٌ في الإسلام. ومن الناس من يذهب إلى بعض الأحداث والفِتَن التي جرت على الصحابة رضي الله عنهم، فيحكم لبعضٍ على حساب البعض، ويدخل بينهم معدِّلاً ومجرِّحاً، ومنحازاً لصفٍ على حساب آخر. كمثل الرجل الذي جاء لأبي زرعة الرازي رحمه الله فقال: إني أبغض معاوية. فقال له : لم ؟ قال : لأنه قاتل علياً بغير حق . فما كان أحسنَ مِن جواب أبي زرعة الذي قال له: ربُّ معاوية ربٌ رحيم، وخصمُ معاوية خصمٌ كريم فما دخولك بينهما؟.
وإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه رجلٌ من أصحاب رسول الله ممن أُمرنا بالترضي عنه، وسلامة الصدر له، بل لقد حاز فوق عموم فضل الصحبة فضائلَ أُخرى سنُلمُّ ببعضها في هذه الخطبة، وما ذلك لأنه خير الصحابة ولا أفضَلُهم، بل إنَّ منهم مَن هُو خيرٌ منه بدرجات رضي الله عن الجميع، ولكنَّ معاوية رضي الله عنه رجُلٌ كَثُر كلامُ أهل الأهواء فيه، واتخذه الرافضةُ هو وابنُه يزيد مدخلاً ومُقدِّمةً لِسَبِّ بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكثيراً ما يتحدَّث القومُ ويورِدون الشُّبَهَ عليه في حُكمه وفي ديانته وربما اختلق البعضُ بعض القِصص الكاذبة في هذا الشأن؛ فأضحى معاويةُ رضي الله عنه فاصلاً بين السُنَّة والبدعة، وبالطعن فيه والاجتراءِ عليه تدخُل الفتنة على أقوامٍ من المسلمين، حتى قال عبدُ الله بن المبارك رحمه الله: معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم، أعني على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو توبة الحلبي: معاويةُ بن أبي سفيان سترُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كَشَفَ الرجلُ السترَ اجترأَ على ما وراءَه.
أسلم رضي الله عنه في عام الحديبية، وقيل: في عام القضية، وقيل: كان ذلك في فتح مكة وهو شاب، كان عمره يناهز ثمانية عشر سنة.
وكتب الوحي بعد إسلامه لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت غلاماً أسعى مع الصبيان قال: فالتفتُّ فإذا نبيُ الله خلفي مقبلاً، فقلت : ما جاء نبي الله إلا إليَّ. قال : فَسَعَيتُ حتى أختبئ وراء باب دار. قال: فلم أشعر حتى تناولني، قال : فأخذ بقفاي فحطأني حطأة. وقال: «اذهب فادع لي معاوية» وكان كاتِبَه، فسعيت، فقلت: أجب رسول الله فإنه على حاجة. رواه أحمد في المسند.
وكان فقيهاً عالِماً روى عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أكثر من مائة حديث، وأخرج له صاحبي الصحيح ثلاثة عشر حديثاً. ولما جيء إلى ابن عباس رضي الله عنه، وقال له القائل: هل لك في أمير المؤمنين معاوية! فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ فقال رضي الله عنه: إنه فقيه. رضي الله عنهم أجمعين.
بل لقد روى أحمدُ والترمذي وغيرهم عن عمير بن سعد رضي الله عنه قال: لا تذكروا معاوية إلا بخير، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم اجعله هادياً مهدياً، واهدِ به)).
وروى مسلمٌ في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب. قال: فجاء فحطأني حطأة، وقال: اذهب وادع لي معاوية. قال: فجئت، فقلت: هو يأكل. قال: ثم قال: لي اذهب فادع لي معاوية. قال: فجئت، فقلت: هو يأكل. فقال: لا أشبع الله بطنه.
قال النووي –رحمه الله-: قد فهم مسلمٌ رحمه الله من هذا الحديث أنَّ معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له. اهـ
وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني اتخذتُ عندك عهداً لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأيُّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة)) قال العلماء فقوله صلى الله عليه وسلم لمعاوية: لا أشبع الله بطنك داخلٌ في هذا الباب؛ حتى قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأُخراه.
ومن فضائل معاوية رضي الله عنه: أنه غزا بجيش المسلمين على ثبج البحر مجاهداً في سبيل الله فقد روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ رضي الله عنها، قَالَتْ: نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ. فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ!! قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا؛ فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا؛ فَقَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ. فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ.
وأخرج البخاري عن أم حرام أيضاً رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول: ((أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا)) . قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال: (أنتِ فيهم) . ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم: ((أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصرمغفورٌ لهم)) . فقلت: أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال: ((لا)).
فهذان الحديثان فيهما منقبةٌ له رضي الله عنه لأن أول جيشٍ غزا في البحر كان بإمرته، وهم كانوا على حالةٍ أعجبت النبي صلى الله عليه وسلَّم واغتبط بها، ووصفهم بأنهم كالملوك على الأسرَّة. وأخبر في الحديث الثاني أنهم قد أوجبوا يعني: فعلوا فعلاً وجبت لهم به الرحمة أو الجنة.
وقد شهد معاوية رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً والطائف وغزوة تبوك، وحج معه حجة الوداع. بل إنه كان صهر النبي صلى الله عليه وسلم وخال المؤمنين. قال ابن أبي يعلى: ويُسمَّى إخوة أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أخوالَ المؤمنين، ولسنا نُريد بذلك أنهم أخوالهم في الحقيقة كإخوان الأمهات من النَّسَب، وإنما نريد أنهم في حكم الأخوال في بعض الأحكام، وهو التعظيمُ لهم. اهـ.
وسُئل الإمامُ أحمد رحمه الله: أقول: معاويةُ خالُ المؤمنين، وابنُ عمر خالُ المؤمنين؟ قال: نعم، معاويةُ أخو أمِ حبيبة بنتِ أبي سفيان زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، وابنُ عمر أخو حفصة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فضائله أنه ولاهُ عمَرُ الفاروقُ العبقريُ المُلهَم على الشام، وأقرَّه عليه عُثمان أيضاً مدة خلافته كُلِّها و((حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ -وَهُوَ ثَغْرٌ- فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْراً مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ)) من كلام الذهبي في سير أعلام النبلاء.
ولا يمنعنا العدلُ أن نقول: إن علياً خيرٌ من معاوية رضي الله عنهم، ولكنَّ خيرية هذا لا تكون بالغض من الآخر، كما لم يمنع الإنصاف ابنُ عمر رضي الله عنه أن يقول: ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية- يعني الرئاسة والشرف والكرم-، فقيل: ولا أبوك ؟ قال: أبي عُمَرُ رحمه الله خيرٌ من معاوية وكان معاويةُ أسودَ منه. رضي الله عنهم وأرضاهم فقد كان أسلم الناس صدراً، وأحسنَهم ديناً. وأنت يا أخي فكن من الذين {جاؤوا من بعدهم يقولون رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.
اقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، له الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم العليم، أشهد ألا إله إلا هو رباً كريماً رحيماً، وأشهد أن محمداً عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.

معرفةُ مراتب الناس، مع معرفة الفضل لأهله منزلةٌ من الفقه تغيب عن بعض الناس؛ فإن أحبوا أفرطوا في الحب، وإن مدحوا لم يعرفوا للمدح منتهى، وإن أبغضوا هجروا وتركوا، والعدل والإنصاف عن كل هذا بمعزل.

فقد سُئل عبد الله بن المبارك –رحمه الله- أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاويةُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد؛ فما بعد هذا؟ .

عن الجراح الموصلي قال: سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال: يا أبا مسعود، أين عمر بن عبدالعزيز من معاوية بن أبي سفيان؟! فرأيته غضب غضباً شديداً وقال: لا يُقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد، معاوية رضي الله عنه كاتبُه وصاحبُه وصهرُه وأمينُه على وحيه عز وجل.
هؤلاء القوم السعداء لا يناصبهم العداء إلا شقي، وقد اشتد نكير السلف على كل من انتقصهم أو طعن عليهم، وإذا كان هذا حال من تكلَّم في معاوية فكيف يكون حال من انتقص من هو خير منه كالشيخين وعثمان وعلياً والزبير وطلحة وعائشة رضي الله عن الجميع.
وقال قائل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إن ناساً يشهدون على معاوية وذويهم أنهم في النار. فقال: لعنهم الله وما يدريهم أنهم في النار.
وعن إبراهيم بن ميسرة قال: ما رأيت عمر بن عبدالعزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناً شتم معاوية فإنه ضربه أسواطاً.
وقال القاضي عياض: «من شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال: كانوا على ضلال وكفر قتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالاً شديداً».

وعن الفضل بن زياد قال: سمعت أبا عبد الله –يعني أحمد بن حنبل- وسئل عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي؟. قال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ما انتقص أحد أحداً من أصحاب رسول الله إلا له داخلة سوء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني».
وسُئل رحمه الله عن الذي يشتم معاوية أيصلي خلفه ؟ قال: لا, لا يصلى خلفه ولا كرامة.
وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمَّن لعن «معاوية» فماذا يجب عليه ؟
فأجاب: الحمد لله، من لعن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - كمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ونحوهما ومن هو أفضل من هؤلاء كأبي موسى الأشعري وأبي هريرة ونحوهما أو من هو أفضل من هؤلاء كطلحة والزبير وعثمان وعلي بن أبي طالب أو أبي بكر الصديق وعمر أو عائشة أم المؤمنين وغير هؤلاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – فإنه يستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين وتنازع العلماء: هل يعاقب بالقتل ؟ أو ما دون القتل ؟! مجموع الفتاوى: 35/ 58 .

عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 24-06-2010 الساعة 11:41 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 17 ( الأعضاء 0 والزوار 17)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 11:47 AM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود