جوانتنامو على الطبيعه !!!!!


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

موضوع مغلق
قديم 02-10-2006, 03:20 AM
  #1
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الأول

-

في الساعة الخامسة صباحا من يوم 11 سبتمبر كنت منهمكا في إعداد المنصة المعدة للاحتفال بتغيير القيادة في مركز الاستخبارات العسكرية الأمريكية في فورت هوشوكافي أريزونا. لم يكن النهار قد طلع بعد وأتمتم غاضبا بيني وبين نفسي وأنا أقوم بذلك العمل الشاق. ألهذا أمضى الجيش عامين يعلمني اللغة العربية؟ لأفحص زيت عربات همفي وأصف الكراسي للاحتفال بقدوم ضابط جديد؟ لقد انضممت إلى الجيش حتى أقوم بعمل في الاستخبارات العسكرية، لكنني لم أفعل إلا القليل من هذا حتى الآن. لو أنني عشت حياة عادية بعد الكلية بدلا من انخراطي في الجيش، هل كنت سأصبح ذا معنى أكثر الآن؟ بالطبع، لكنت نائما في مثل هذا الوقت.
كنت أقود سيارتي عائدا إلى المعسكر عندما سمعت نبأ اصطدام طائرة بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، أسرعت إلى غرفتي وجلست أشاهد التلفزيون عندما اصطدمت الطائرة الثانية بالبرج الشمالي. اللعنة. لم يكن شك بأن هذا كان عملا إرهابيا، كان جدولي في الخدمة يقتضي أن أنتقل إلى نيويورك بدءا من أغسطس لأقوم بأعمال استخباراتية لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي قرب مركز التجارة العالمي. كنت متشوقا للذهاب إلى هناك لكن أوامر النقل لم تنته في الوقت المناسب، وبقيت عالقا في مكاني في أريزونا، ولكن ربما لو أنني كنت قد ذهبت لأصبحت واحدا من الناس الهلعين، وهم يشاهدون الأبراج تحترق من شبابيكهم أومن الشارع ويتساءلون عن الجحيم القادم الذي قد يستعر حولهم في أي لحظة.
في الساعة 9.30 بتوقيت أريزونا اتصل بي رقيب الفصيلة وأمرني أن ألتحق بالخدمة فورا، اجتمع حوالي 30 شخصا منا في ثكنة رايلي حيث حذرنا الرقيب ستافورد من أن مركز فورت هوشوكا قد يكون على قائمة الإرهابيين، كان علينا أن نقوم بحراسة أراضي القاعدة لباقي النهار، كانت سلطات الطيران الفيدرالية قد أوقفت الطيران التجاري، وكانت مهمتنا الرئيسية مراقبة السماء في أريزونا بحثاً عن أي جنون قادم. بالطبع لم يحدث شيء، كان سكون ذلك اليوم يبدو غير معقول مقارنة بخطورة ما كان قد حدث، كان لدي وقت طويل للتحديق في الجبال حول سيرافيستا وأفكر ماذا كان يعني أن أكون في الجيش وأن أعرف لغة العدو.
كانت الأقاويل في القاعدة ذلك اليوم تتحدث عن أن ذلك كان من تدبير أسامة بن لادن، جميع الذين أعرفهم في مجال الاستخبارات كانوا يعتقدون أنه جاد في تهديده باستهداف أمريكيين، لكنني لم أكن أصدق أنه يستطيع أن يفعل شيئا كهذا. كنا نعرف بالتأكيد مدى عمق كراهية تنظيم القاعدة لأمريكا. خلال الفترة التدريبية التي قضيتها تعرفت على مدى تعصبه هو وأتباعه، وكيف أنهم كانوا يريدون إشعال حرب مقدسة ضد "كفار الغرب" الذين وضعوا قوات في الأراضي المقدسة. الآن ستعود الكراهية إليهم، بكل قوة وجبروت القوات المسلحة الأمريكية المشتركة، وكنت متشوقا لبدء العمل، لن يكون هناك ترتيب مقاعد في المنصة بعد الآن، كان هناك نقص في متحدثي اللغة العربية في الجيش، وكنت أعرف أن كل شخص منا ستتم الاستفادة منه بشكل جيد.
كنت أتساءل فيما إذا كان أسامة بن لادن يفهم ما بدأه. في 14 سبتمبر وقف الرئيس بوش في موقع البرجين تضامنا مع المدينة والأمة، وفيما بعد أعلن أننا سنشن حربا جديدة ضد الإرهابيين، كنت أسمع كلاما في دوائر الاستخبارات بأننا سنشن حربا شاملة، ليس فقط في أفغانستان ولكن في شتى أنحاء العالم الإسلامي، بالنسبة لي ولمعظم زملائي في الجيش كنا ننتظر بلهفة بداية العمليات.
في 7 أكتوبر شنت الولايات المتحدة عملية "إنديورينج فريدوم" التي شملت قصفا كثيفا على معاقل طالبان والقاعدة في كابول وقندهار وجلال أباد، كانت جماعة طالبان تنهزم، لكن حتى ونحن نحتل مناطق واسعة من أفغانستان تمكن بن لادن من الإفلات والمراوغة. وبحلول منتصف أكتوبر كنت أعمل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي على مقربة من موقع مركز التجارة العالمي.
وعلى مدى 6 أشهر في نيويورك، قمت بأعمال الترجمة وتحليل الأصوات والرسائل المكتوبة، كان زملائي يحاولون التأقلم مع الصدمة النفسية للهجوم، كانت نيويورك كلها حزينة، في أحد الأيام أخذني أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى موقع انهيار البرجين، رغم مرور شهر على الحادث كان الدخان لا يزال يتصاعد، وترك صمت العمال ووجوههم الملطخة بالسواد وهم يحفرون خلال جبال من الركام انطباعا دائما في نفسي.
في مايو 2002 تم نقلي إلى منطقة واشنطن لأعمل مع وكالة الأمن الوطني في فورت ميد. وأتاحت لي تلك المهمة رؤية صورة أوسع للدعم الاستخباراتي للحرب على الإرهاب. كان العاملون هناك يتولون حماية بلدنا من الناحية الاستراتيجية، وكانوا أذكى الأشخاص الذين عرفتهم وأكثرهم تفانيا في العمل، وكانوا يقدمون معلومات هامة لصانعي القرار الأمريكي بشكل يومي. ومع أنني ممنوع من إعطاء أي تفاصيل عما رأيته، كان عمق سيطرتنا على النشاطات الإرهابية في شتى أنحاء العالم مثيرا للإعجاب، وفي نفس الوقت كنت أعرف أن ذلك لم يكن كافيا. وإلا لما وقعت أحداث 11 سبتمبر مطلقا.
في يناير من ذلك العام، كانت إدارة بوش قد بدأت بإرسال معتقلين مشتبه بأنهم إرهابيون من أفغانستان إلى معسكر جوانتانامو. كنت أتمنى أن ينتهي الأمر بأي شخص له ارتباط ولو بعيد بالقاعدة في ذلك المعسكر، ليس هناك مكان أفضل من جوانتانامو (جيتمو كما يطلق عليه) لإرسالهم إليه، لأنه يعتبر منفى حتى بالنسبة للجيش نفسه، كان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قد أعلن أن الذين يتم إرسالهم إلى جوانتانامو كانوا "أسوأ السيئين" وكانت أوساط الاستخبارات تعرف أن المحققين سيعملون بطريقة خاصة هناك للحصول على معلومات صلبة من أولئك المتعصبين المتمرسين.
وفي صباح أحد الأيام الدافئة في يوليو في قاعدة فورت ميد، سمعت صدفة أحد اللغويين الآخرين في وحدتي العسكرية يقول "عندما كنت في جيتمو..." لم نكن قد سمعنا الكثير عما كان يجري في جوانتانامو، ولم أكن قد التقيت قبلها بشخص كان قد زار معسكر المعتقلين، أردت أن أسمع قصة ذلك الشاب.
كان قد أمضى أسبوعين في جوانتانامو في معسكر دلتا، المنشأة الجديدة التي تم بناؤها خصيصا للإرهابيين، وذلك لأداء مهمة لم يكن يستطيع الحديث عنها، وكان قد حضر بعض جلسات التحقيق، قال إن بعض المحققين استخدموا طرقا قاسية بينما استخدم آخرون أساليب نفسية، في سعيهم للحصول على ثقة الإرهابيين. قال لي إن العملية كلها كانت مثيرة للاهتمام، لكنه لم يكن يستطيع أن يتحدث أكثر من ذلك لأننا لم نكن في محيط آمن ولم يكن يحق لي أن أعرف أكثر من ذلك.
أسرتني فكرة الذهاب إلى جيتمو، كنت منشغلا جدا بعملي في فورت ميد، كانت لدي صلاحيات سرية كثيرة وكنت أتعلم الكثير عن جمع المعلومات وتحليلها، وكنت قد تعرفت أيضا على فتاة كنت أعتقد أنها مثالية بالنسبة لي، ولذلك كانت لدي أسباب كافية للبقاء حيث أنا.
لكنني كنت متحمسا لفكرة الذهاب إلى جيتمو، والتعامل مباشرة مع الإرهابيين، كنت قد رغبت في دخول مجال التحقيق عندما انخرطت في الجيش أساسا، كنت أعتقد أنني أحب التحدي الفكري الذي يأتي مع ذلك النوع من العمل. ولكن عندما تطوعت لم تكن هناك شواغر في أي برنامج تدريبي في ذلك الاختصاص، كانت جيتمو طريقة رائعة للاطلاع على مثل ذلك العمل، والذي أعتقدت أنني ربما أرغب في متابعته إما في الجيش أو في الحياة المدنية.
بعد عدة أسابيع عندما طلبت قيادتي متطوعا لغويا لأداء مهمة في جوانتانامو لمدة 6 أشهر رفعت يدي.
كنت قد تعلمت خلال فترة إعدادي لغوياً اللغة العربية الفصحى، كما تعلمت الكثير عن ثقافة الشرق الأوسط، وجغرافيته وسياسته وتاريخه على يد 6 أستاذة من مختلف الدول العربية، لقد أدهشتني ثقافة وكرم العرب خلال فترة التدريب، خاصة في طريقة تعامل المدرسين مع الطلاب. كما وجدت من الغرابة بمكان ومن دواعي السخرية أن الدول الإسلامية كانت تتحدث عن تكريسها للإسلام، ومع ذلك كانت هناك خلافات قاسية ومرة بين تلك الدول لأسباب سياسية وطائفية، وبعد إنهاء دورة اللغة العربية بفترة لا بأس بها، أرسلني الجيش إلى مصر لمدة شهر واحد لممارسة اللغة العربية ضمن مجتمع عربي ولأكتسب مزيدا من الخبرة، لاحظت هناك مدى غضب الشباب المصري من السياسة الخارجية الأمريكية من جهة وحبهم لثقافتنا من جهة أخرى. كنت دائماً أسمع السؤال "لماذا تدعم أمريكا إسرائيل دائماً؟". ورأيت كيف أن معظم المسلمين معتدلون ولا يتفقون مع الطروحات المتطرفة والمتعصبة لبعض الجماعات المتشددة، وكيف أن هذه الجماعات كانت تسعى لبدء حرب مقدسة ضد الولايات المتحدة.
وفي ردنا على هجمات 11 سبتمبر، تمنيت ألا تعطي الولايات المتحدة المتطرفين فرصة لتحقيق مآربهم في تحويل الحرب على الإرهاب إلى صراع للحضارات. كان أملي ينحصر في أن نحارب المتطرفين ولا نسمح للصراع أن يتحول إلى حرب على الإسلام. وإذا كان تدريبي اللغوي يمكن أن يساعد في أي شكل من الأشكال في القبض على الإرهابيين الذين كانوا يريدون تحويلها إلى حرب مقدسة، فإنني لم أكن أتخيل أي شيء أكثر إشباعاً لرغبتي بعد التدريب الطويل الذي خضعت له، صحيح أنني لم أكن أحقق الكثير من الناحية المادية، لكن عزائي كان في أنني كنت أساعد في حماية الحلم الأمريكي، في الوقت الذي كان الآخرون من رفاقي يعيشونه.
وجدت صديقتي صعوبة كبيرة في تفهم الأسباب التي جعلتني أقرر التطوع للذهاب إلى جوانتانامو وعندما ودعتها كانت الدموع تملأ عينيها. وغادرت إلى جوانتانامو في 9 ديسمبر 2002.
انتقلت جواً في المرحلة الأولى من رحلتي إلى نورفوك، حيث قضيت ليلتي في فندق خاص بالبحرية. وتنقلت بين قنوات التلفزيون وأنا مستلق على سريري، وكنت أفكر كيف ستكون ردة فعلي عندما أرى المعتقلين الإرهابيين مقيدين بالسلاسل. صور المعتقلين الأوائل على شاشات التلفزيون وهم يصلون إلى جوانتانامو، ويجلسون في الوحل في ملابسهم البرتقالية الخاصة، فيما كانت أعينهم معصوبة وأيديهم مقيدة لم تزعجني مطلقاً كما أزعجت البعض. كنت فرحاً لأنهم وقعوا في قبضة الأمريكيين. كان هناك حديث في أوساط الجيش أن بعض المعتقلين كانوا يعترفون لكن البعض الآخر كانوا يدعون أنهم لم يكونوا يعرفون الكثير. كنت أتشوق لرؤية ذلك بنفسي.
كان كامب دلتا، الخاص بالمعتقلين في جوانتانامو، يعتبر "ثغرة قانونية سوداء" بالنسبة لبعض النقاد. كانت إدارة بوش قد أطلقت اصطلاح "محاربين أعداء" على المعتقلين وقررت أنهم غير مؤهلين للحصول على تمثيل قانوني كان نشطاء حقوق الإنسان يقولون إن كامب دلتا لا إنساني. معظم الذين كانوا يعملون في مجال الاستخبارات، بما في ذلك أنا، كانوا يرون الأمور من منظار مختلف. كانت هناك أمور أخرى لنقلق حولها في بلدنا في نهاية عام 2002. لم نكن قد وجدنا بن لادن، وكنا نساعد في تشكيل حكومة أفغانية جديدة، وكان الرئيس بوش يريد من الأمم المتحدة تقديم مطالب نهائية لصدام حسين حتى ينفذ بلا شروط المطالب الخاصة بأسلحة الدمار الشامل. كانت الحرب مع العراق تبدو محتومة.
طلبت منهم إيقاظي في الساعة 3.45 صباحاً حتى أتهيأ لرحلتي التي كانت ستنطلق الساعة الخامسة صباحاً. كان المطر يتساقط وكان البرد قارساً، ولذلك شعرت بالضيق عندما قال لي سائق التاكسي إن عليّ أن أمشي مسافة ربع ميل في المطر لأصل إلى المطار لأن الطريق الأقرب إليه أغلق لأسباب أمنية. كان علي أن أمشي تحت البرد والمطر وفي يدي أمتعة وزنها حوالي 75 كلجم. ربما كان عليّ أن أفهم من هذه البداية السعيدة أن هناك أمراً ما ينتظرني. بعد أن وضعت أمتعتي، جلست لأتناول كوباً من القهوة في المطار، وجلست بقرب النافذة وبيدي صحيفة يو إس إي توداي لأقتل الوقت الباقي قبل الإقلاع. كانت أولى القصص التي جذبتني الاستعدادات لإرسال قوات إضافية إلى الكويت استعداداً للغزو المحتمل للعراق.
كان الكثيرون في دوائر الاستخبارات يعتقدون أن الإطاحة بصدام حسين أمر جيد، لكن كان هناك حافز أعمق وأفضل لغزو العراق من أسلحة الدمار الشامل المزعومة.
كان الجميع غاضبين من استمرار قدرة أسامة بن لادن على الهرب وتفادي الاعتقال. كان الرئيس بوش مؤخراً يقلل من أهمية القبض عليه، لكن كل شخص أعرفه في مجال الاستخبارات كان يعتقد أن اعتقال بن لادن يجب أن يكون في أعلى سلم واجباتنا. كان بعضنا يعتقد أنه يتلقى المساعدة من باكستانيين متعاطفين مع قضيته، فيما كان البعض الآخر يعتقد أننا كنا بحاجة إلى عدد أكبر من الجنود على الأرض. وقد أصبح الأمر أسوأ عندما تم تحويل قوات العمليات الخاصة من جبال أفغانستان إلى حقول نفط العراق استعداداً للغزو.
كان جميع الذين معي على متن الطائرة التي أقلتني إلى كوبا إما عناصر في الجيش الأمريكي أو من عائلاتهم. توقفنا لبرهة في جاكسونفيل ثم أكملنا طريقنا إلى جوانتانامو ولأننا لم نكن نستطيع الطيران فوق الجزيرة، اضطررنا للالتفاف حولها والتوجه إلى القاعدة الأمريكية في الجنوب. وعندما بدأت الطائرة بالهبوط، كنت سعيداً لأنني كنت جالساً بقرب النافذة حيث استدرت لأحصل على صورة كاملة قدر الإمكان. لم أكن قد أتيت في حياتي إلى منطقة البحر الكاريبي، وأدهشتني زرقة المياه الصافية.. كان الشاطئ صخرياً أكثر مما توقعت بكثير ولم تكن هناك امتدادات رملية ناعمة يمكن رؤيتها.
وظهر مدرج المطار، وكانت هناك عربات عسكرية موزعة في أرض المطار. لم يكن هناك سياج أو زنزانات للمعسكر، لا يمكن للمرء أن يعرف أن واحدة من أكثر المنشآت العسكرية مناعة في العالم كانت تحت الطائرة مباشرة. كانت القاعدة منتشرة على طرفي ثغر خليج جوانتانامو. لم يكن من المفترض أن يكون معسكر جوانتانامو مكاناً سيئاً للخدمة فيه، ولكنه محصور قليلاً. سمعت أن هناك بعض مطاعم الوجبات السريعة وأن هناك الكثير من المسابح لمحاربة حرارة الجو عندما يكون المرء في إجازة، البحرية الأمريكية تعتبر جيتمو أقل سوءاً من أسوأ باقي الأماكن. ولكن بعد نقل الإرهابيين إليه، تحولت القاعدة في جوانتانامو من أقل قاعدة من حيث عدد الجنود فيها إلى مكان يعج بالحركة ومختلف أنواع التخصصات العسكرية كما كان في ذروة الحرب الباردة.
عندما هبطت الطائرة جاءت مجموعة من الشرطة العسكرية للقائنا. وعندما وضعت قدمي خارج الطائرة، صدمتني موجة من الهواء الحار، صدمة بعد برودة ديسمبر في واشنطن. وعندما وصلت إلى آخر السلم وأنا أهبط من الطائرة، نزلت قطرة عرق من وجهي. طلب منا أحد عناصر الشرطة العسكرية أن نترك حقائبنا على الأرض ونتجه إلى منطقة انتظار على بعد 100 متر تقريبا. تم تفحص بطاقاتنا الشخصية، وقام أحد عناصر الشرطة العسكرية مع كلب بفحص الحقائب.
انتظرنا حوالي ساعة لتأتي الحافلة التي ستأخذنا إلى العبارة التي ستنقلنا إلى الطرف الآخر.
بدأت أطرح بعض الأسئلة على أحد العسكريين المختصين، الذي قال إنه عائد من إجازة، عن الحياة في جيتمو. بادرني بالسؤال "هل تشرب الخمر"؟ أجبت نعم، قال: جيد. لو أنك قلت لا لقلت لك إنك ستفعل الآن، لأنه ليس هناك الكثير لفعله هنا. ما يفعله الناس هو العمل والسُكر.
كانت الجزيرة جميلة جداً مع البحر الذي يحيط بها حتى إنه ليخيل للمرء أنه وصل لتوه إلى منتجع استوائي. ومع ذلك فهذا هو المكان الذي تحتجز فيه الولايات المتحدة بعض الإرهابيين الأكثر خطورة في العالم.
كانت القاعدة العسكرية بالتأكيد عالماً قائماً بذاته. أقدم قاعدة عسكرية أمريكية في الخارج، والوحيدة على أرض شيوعية. استأجرت الولايات المتحدة في البداية المنطقة التي تغطيها القاعدة (حوالي 45 فداناً) في الزاوية الجنوبية الشرقية من كوبا كمحطة لإعادة تزويد السفن بالوقود عام 1903. وفي عام 1944 تم تعديل عقد الإيجار لينص على أن الإجراء يمكن فقط في حاول موافقة الطرفين، أو إذا تركته الولايات المتحدة. وصمد عقد الإيجار حتى بعد الانقلاب الذي جاء بكاسترو في 1959 خلال أزمة الصواريخ الكوبية. عام 1962 زرع طرفا السياج الذي يمتد 17 ميلاً ويفصل بين جيتمو والدولة المضيفة بالألغام الأرضية، ولا يزال الجنود في الدولتين يراقبون بعضهم البعض من خلال مناظير عسكرية قوية من على أبراج الحراسة. تدفع الولايات المتحدة لكاسترو حوالي 4 آلاف دولار سنوياً كإيجار، لكنه لم يقم مطلقاً بصرف الشيكات.
نقلتنا عبارة ضخمة إلى الطرف الآخر، عندما وصلنا نقلت إلى سيارة نقل صغيرة مع عشرين من الجنود قادمين للخدمة لأول مرة، وتم نقلنا إلى حظيرة للطائرات لتقديم المعلومات لنا. جلسنا في صف صغير مؤقت حيث تحدث إلينا عدد من الضباط على مدى ساعتين عن الأمن وجميع المعلومات الخاصة بالقاعدة.
وتحدث إلينا أحد كبار المسؤولين الأمنيين في القاعدة وقال لنا إنه لا يسمح لنا بالكتابة أو الحديث عن جوانب متعددة في المعسكر وما يدور فيه لأي شخص، أو أن نلتقط أي صورة في أجزاء محددة ومعالم معينة من القاعدة. لا يسمح مثلاً بالتقاط صور للشاطئ إذا تضمنت اللقطة أي جزء من الشاطئ القريب من معسكر الاعتقال. كنت معتاداً على السرية في عملي، ولذلك لم يزعجني أي شيء تحدث عنه، ولا حتى الاستمارة التي كان علينا أن نوقعها لنتعهد بعدم الإفشاء بأي معلومات سرية.
خلال إحدى الاستراحات في فترة تعريفنا بالمعسكر، سمعت شاباً من الخلف يقول إنه لغوي يتحدث العربية. التفت ولاحظت أنني كنت قد رأيته في فترة التدريب على تعلم اللغة العربية، كان لغوياً آخر في الاستخبارات العسكرية، لكنني لم أكن أعرف اسمه. افترضت أننا سنعمل معاً، ولذلك توجهت إلى الخلف لتقديم نفسي. لا بد أنه عرفني أيضاً لأنه عندما رآني قادماً سبقني إلى تقديم نفسه.
كان اسمه مارك ريفرز وكان شاباً اجتماعياً مليئاً بالحيوية. اتضح أنه عمل لفترة في إنجلترا على أجهزة تقنية متطورة للتنصت وكانت مخصصة للتجسس على تنظيم القاعدة في أفغانستان. كنا قلقين حول أي مجموعة لغوية سيتم تعيينا فيها. كانت هناك مجموعتان لغويتان منفصلتان تعملان في المعسكر. واحدة في التحقيق وتحليل المعلومات وكانت جزءاً من مجموعة الاستخبارات المشتركة (جي آي جي) وفريق آخر يترجم الاتصالات اليومية بين المسؤولين في المعسكر والمعتقلين، وهو فريق تابع لمجموعة عمليات المعتقلين المشتركة (جي دي أو جي) لقد تطوعت خصيصاً لكي أكون جزءاً من التحقيق، ولكن لم يكن هناك خيارات بعد أن تضع اسمك.
عندما انتهى تعريفنا بالمعسكر، اقترب منا ضابط عربي أمريكي وسيم من القوى الجوية ومد يده إلينا قائلاً: إذاً من هو مارك ومن هو إريك؟ واتضح أننا سنكون معاً في نفس الوحدة. الطريقة الودية التي قابلنا بها لم تكن الطريقة العسكرية، ولكن كان معروفاً أن القوى الجوية أقل تقيداً بالإجراءات العسكرية النظامية. قدم نفسه على أنه الكابتن سالم منصور، قائدنا الجديد، كان من مواليد السودان ومهندساً في هندسة الفضاء، وكان مسلماً ملتزماً - أحد الأمريكيين العرب الذين طلب منهم التطوع للخدمة في المعسكر لأن الجيش كان يعاني من نقص في ناطقي اللغة العربية. وعندما سأله مارك عن اسم الفريق الذي سنعمل فيه، قال الكابتن منصور: ستكونون في فريق تابع لمجموعة عمليات المعتقلين المشتركة.
اللعنة وصمتنا كلانا ولا بد أن ذلك أظهر عدم رضانا، وفكرت في أنني سأرى إذا كانت هناك طريقة ما لأنتقل إلى الفريق الآخر الذي يعمل في التحقيق. قاد الكابتن منصور سيارته في الطريق الرئيسي ومر بقرب مطعم ماكدونالد وطريق فرعي ومطعم كنتاكي، كان هناك محل فيديو صغير وشارع للعب البولينج ومحل لبيت أجهزة الغطس ودار سينما في الهواء الطلق. كانت المنطقة السكنية على تلة قريبة وكانت أفضل مما توقعت بكثير. وقال الكابتن منصور: إن كامب دلتا - معسكر الاعتقال - كان في أسفل الطريق، وكان منعزلاً.
وعندما اتجهنا إلى المنطقة السكنية مررنا بجانب بركتين للسباحة، وصالتين رياضيتين. كانت الساعة قد قاربت الخامسة بعد العصر وكنا جائعين، ولذلك سررنا عندما دعانا الكابتن منصور إلى العشاء في السابعة مساء مع زملائنا اللغويين الآخرين. كان البيت الذي نزلنا فيه أنا ومارك مخصصاً لثمانية أفراد، لكن عددنا أصبح تسعة بعد وصولنا.
في حفلة العشاء كان هنا حوالي عشرة أشخاص، معظهم يبدو من أصول عربية وفي العشرينيات من أعمارهم. وقدمنا الكابتن منصور إلى شاب من أصل تركي سأله مارك عن العمل في مجموعة اللغويين فلم يتردد التركي بالقول: هذا الفريق فيه مسيحيون ويهود وملحدون ومسلمون، جميعهم لديهم آراؤهم الخاصة عن هذا المكان. نقضي كثيراً من وقتنا معاً ونتجادل حول المعسكر أو الدين، بيني وبينكم هذا المعسكر كارثة، كل وكالة أرسلت شخصاً ما إلى هنا للتحقيق مع المعتقلين، وجميعهم يتقاتلون حول من يتحدث إلى المعتقل أولاً. وبعد ذلك يلاحظون أنهم لا يعرفون شيئاً.
بعد ذلك عرفنا الكابتن منصور إلى أحمد الحلبي الذي قال إنه ربما كان أفضل لغوي في المجموعة. كان أحمد في منتصف العشرينيات من أصل سوري، وقد انتقل إلى ميتشيجان وهو في عمر المراهقة مع عائلته، كان أحمد منفتحاً وأحببناه في الحال.
عندما عدنا إلى المنزل في المساء التقينا باقي زملائنا في البيت، كان انطباعنا عن المجموعة اللغوية أنها كانت مجموعة غير متجانسة وكان علينا أن نعمل وسطها لمدة ستة أشهر قادمة. وعندما دخلت الفراش، لم أكن أعلم أن تلك كانت ستكون أفضل ليلة هانئة أنعم فيها بالنوم على مدى الأشهر الستة القادمة.


-
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً  
قديم 02-10-2006, 09:28 PM
  #2
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الثاني

-

في الصباح التالي لم أعثر على قهوة في المطبخ وكان ذلك مزعجاً لأنني تعودت على أن أبدأ يومي بفنجان قهوة. كل ما وجدته كان أكواماً من زجاجات المشروب الفارغة وأكداساً من علب الأطعمة المثلجة. ومع ذلك بحلول الساعة 6.20 صباحاً كنت مستعداً مع زميلي مارك في لباسنا العسكري الكامل وشاركنا مجموعة من اللغويين الآخرين في تناول الإفطار الذي كان جيداً في صالة مطلة على الخليج, كانت الشمس لاتزال تشرق فوق الماء, وبالرغم من خيبة الأمل الناتجة عن عدم تحويلي إلى فريق التحقيق وبعض الأمور المزعجة الأخرى التي حصلت يوم أمس, إلا أنني شعرت بالحماس لتأدية هذه المهمة: ستة أشهر من الخبرة القيمة والمعارف وبعدها أغادر هذا المكان بعد أن أكون قد ساهمت بشكل ما في محاربة الإرهاب.
التقيت اللغوي التركي (الذي ينادونه تورك) وأحمد وعدداً آخر من زملائنا في الفريق في نقطة التجمع حيث تأتي سيارة لتقلنا يومياً إلى كامب دلتا, عرفنا تورك على بعض أعضاء الفريق الذين لم يكونوا موجودين في حفلة العشاء أمس, واتضح أن لغوياً كان معي خلال فترة التدريب, واسمه دان إيستلاند, وزوجته فانيسا وهي لغوية أيضاً, كانا موجودين في الفريق. لم أكن أعرف دان جيداً ولكني كنت قد سمعت أنه شخص مثير للاهتمام وذكي, كما أنني لم أكن قد التقيت مع فانيسا من قبل, تعرفنا أيضاً إلى آدم غازي, وهو لبناني أمريكي من نيويورك, وكان دائم الحديث عن أمله في أن يصبح ضابطاً أو يفتح مشروعاً تجارياً لنفسه في المستقبل. إيلينا بوكروفسكي كانت لغوية تتحدث الروسية وكانت هادئة تفضل عدم التكلم كثيراً, أما مو بشير فهو مصري أمريكي كان من المارينز وانضم إلى الفريق للحاجة إليه, كان الجميع في العشرينيات من أعمارهم.
انضم إلينا الكابتن منصور ودهشت لأنني أنا ومارك كنا الوحيدين اللذين قمنا بأداء التحية العسكرية له مع أنه لم يمانع أبداً. كانت تلك أقل تركيبة قيادة انضباطاً رأيتها. معظم زملائي لم تكن لديهم خبرة في الاستخبارات وكانوا هنا فقط لأنهم كانوا يجيدون لغة أخرى مطلوبة غير الإنجليزية.
كنا أنا ومارك ودان وفانيسا ولغويان آخران لم نكن قد التقيناهما بعد الوحيدين الذين كانت لدينا خبرة في مجال الاستخبارات.
بعد أن صعدت إلى المقعد الخلفي, ألقى إلي مو بشير شريطاً لاصقاً أخضر وقال لي ولمارك أن نستخدمه لتغطية أسمائنا على لباسنا العسكري. فاجأني أنني على وشك دخول مكان لا أريد أحداً فيه أن يعرف اسمي.
قال مو "اختر اسماً عربياً يناديك به المعتقلون خلال الأشهر الستة القادمة" ومن أجل البساطة اخترت اسم أحد المدرسين العرب الذين علموني خلال فترة التدريب - بسام. أما مارك فاختار أن يسمي نفسه اسماً استفزازياً - أبوكافر, رغم أن الآخرين قالوا له إن هذه فكرة سيئة. في الطريق مررنا قرب معسكر كامب إكس راي حيث كان المعتقلون في البداية وضعوا فيه من يناير حتى أبريل 2002 حين افتتح كامب دلتا, كان إكس راي خليطاً من الأسلاك الشائكة والزنزانات المعرضة لتقلبات الطقس ودلاء صغيرة تستخدم بدلاً من الحمامات, كان يشبه ملجأ للحيوانات في حي سيئ أكثر منه مكاناً يوضح فيه البشر.
تحدث إلينا الكابتن منصور حول العمل في الطريق أنا ومارك, وشرح لنا أننا سنعمل في نوبات طولها اثنتا عشرة ساعة عمل لكل نوبة في الساعة السابعة صباحاً وحتى التاسعة مساء, وذلك بواقع يومي عمل وبعدها يومان استراحة. خلال نوبة العمل, يجلس ستة منا في مكتب صغير قرب الزنزانات ومعنا أجهزة لاسلكي. ننتظر هناك أن يطلبنا حارس أو اختصاصي صحة أو غيرهما ليقولوا لنا إنهم بحاجة إلينا مع أحد المعتقلين, وعندها نذهب ونترجم ما هو مطلوب. جائزة الترضية لعدم كوننا في فريق التحقيق هي أن برنامج عملنا كان أسهل مما توقعنا. سيكون لدي متسع من الوقت لأقرأ وأسبح وأذهب إلى صالة الرياضة.
وصلنا إلى أول نقطة تفتيش ونحن في طريقنا إلى كامب دلتا وكان فيها اثنان من الشرطة العسكرية بسلاح القتال الكامل وكانا يحملان بنادق إم - 16 جاهزة للاستخدام. قام أحدهما بتفحص بطاقاتنا وتصاريح المرور فيما قام الآخر بتفتيش مؤخرة السيارة, وبعد ذلك أشارا إلينا بالمتابعة. بعد حوالي خمسين متراً من نقطة التفتيش على اليسار, رأيت حاجزاً من أكياس الرمل بارتفاع حوالي ثمانية أقدام وطول ثلاثين قدماً - موقع قتالي تمت تهيئته تحسباً لأي طارئ. كان هناك عادة جنود وبنادقهم مصوبة باتجاه نقطة التفتيش جاهزون لإطلاق النار على أي سيارة تحاول أن تخترق الحاجز.
أخيراً بدا حاجز كامب دلتا للعيان. حاجز مركب ارتفاعه اثنا عشر قدما فيه عدة صفوف من الأسلاك الشائكة. كان الحاجز مغطى بقماش أخضر حتى لا يستطيع المرء الرؤية من خلاله, وكانت أبراج الحراسة منتشرة على مسافة حوالي ثلاثين قدماً بين البرج والآخر, وكل برج بجانبه علم أمريكي وبداخله عدد من الحراس مع بنادقهم إم - 16 الجاهزة. كانت هناك لوحة بسيطة بيضاء على الحاجز مكتوب عليها كامب دلتا: قوام المهام المشتركة في جوانتانامو باي, كوبا. توقفنا في موقف السيارات المغطى بالحصى أمام المعسكر ومشينا باتجاه البوابة وفي أيدينا البطاقات والتصاريح. معظم أفراد الشرطة العسكرية الذين التقيتهم حتى الآن كان يبدو عليهم أنهم غير سعداء, لا أستطيع أن أقول إنني ألومهم. العديد منهم كانوا يقفون خارجاً طوال نوبة عملهم يفتحون البوابة ويغلقونها والحرارة كانت لا تطاق رغم أن الساعة لم تكن قد تجاوزت السابعة صباحاً.
كانت البوابة مغلقة بقفلين كبيرين من الفولاذ قام الحارس بفتحها ورمقني بنظرات فارغة عندما قلت "صباح الخير" لم تكن البوابة تؤدي مباشرة إلى المعسكر ولكن إلى ساحة مسورة أخرى لها بوابة أخرى في الطرف الآخر على بعد حوالي عشرة أمتار. هذا النظام من البوابات المزدوجة كان سائداً في جميع أنحاء المعسكر. كان على عنصر الشرطة العسكرية الذي أدخلنا أن يغلق البوابة الأولى قبل أن يستطيع المشي إلى البوابة الأخرى ليفتحها. وفي تلك الأثناء, قام عنصر آخر من الشرطة العسكرية بتفتيش حقائبنا للتأكد من أننا لا نحمل كاميرات تصوير أو آلات إلكترونية. مررنا عبر البوابة الثانية وفي الداخل, داخل الأسلاك الشائكة.
كان المشهد أمامي غير واقعي. على مسافة نصف ميل إلى الأمام كان يمكن رؤية المشهد الخلاب للبحر الكاريبي الأزرق الصافي وهو يتلألأ في ضوء الشمس, الجنة الاستوائية لخليج جوانتانامو ولكن على المدى القريب والمتوسط, وكان هناك سجن قامت شركة هاليبورتون ببنائه في أشكال بيضاء معدنية. كانت الأرض مغطاة بالحصى والغبار. كان الموقع وليس الأبنية قد استخدم لإسكان آلاف اللاجئين في هايتي في أوائل عام 1990.
كان هناك طريقان مرصوفان بالحصى باتجاه المياه وكان كل منهما بعرض ثلاثين قدماً. وعلى طرفي الطريقين أبنية شبيهة بالعربات المقطورة, وكان حوالي خمسة منها على كل جانب. شرح الكابتن منصور لي ولمارك أن هذا هو مجمع الزنزانات التي تحوي حوالي 600 معتقل من أكثر من أربعين دولة. كانت الأبنية مصنوعة من حاويات الشحن القديمة التي تم قطعها بالنصف طولياً وتم لصق نهاية كل طرف بالآخر. كل زنزانة كانت مسورة بشكل إفرادي وأمامها ساحة صغيرة من الإسفلت حجمها نصف حجم ملعب كرة السلة, وهناك حمامان (دشان) أيضاً في الهواء الطلق في الخلف. وعلى جانبي الطريق بينه وبين الزنزانات كان هناك ممر مسور, وكان هناك بوابات أمام كل زنزانة, وكان عناصر الشرطة العسكرية يقومون بالدورية في هذا الممر, وللدخول إلى هذه المتاهة كلها, يجب أن يدخلك أحد عناصر الشرطة العسكرية أولاً إلى أحد الطرق الواسعة المركزية من خلال بوابة مزدوجة حجمها أصغر قليلاً من البوابة الرئيسية لكامب دلتا. بعد ذلك يلتقيك عنصر آخر من الشرطة العسكرية على بوابة مجمع الزنزانات التي تتجه إليها ويسمح لك بالدخول أولا إلى الممر الضيق وبعد ذلك إلى منطقة مجمع الزنزانات. كنت أرى أن الحراس كانوا يمضون وقتا صعبا ومزعجا وهم يقومون بالدورية في هذه الممرات الضيقة بشكل دائم ويفتحون البوابات للآخرين. لا عجب في أن الضيق كان باديا على وجوههم.
بين البوابة الرئيسية لكامب دلتا والزنزانات كانت هناك مجموعات من الأبنية الشبيهة بالمقطورات والأكواخ المعدنية. أشار الكابتن منصور إلى العيادة الطبية الخاصة بالمعتقلين على يسارنا وإلى أبنية التحقيق والإدارة أمامنا وعلى يميننا. أول زنزانة على اليسار هي زنزانة دلتا، حيث يوضع أكثر المعتقلين اضطرابا لأنها كانت قريبة من العيادة الطبية. تبادلت النظرات مع مارك وكأننا نتساءل كيف يمكن أن يكون أولئك الأشخاص.
رأيت معتقلا يصطحبه أحد الحراس إلى العيادة، وكان يرتدي اللباس البرتقالي الفاقع المألوف في شاشات التلفزيون. كان نحيلا وظهره محني، وشعره طويل وخشن ولحيته سوداء مائلة إلى اللون الأشيب، كانت قدماه مقيدتين ويداه مقيدتين. كان الحارس يقبض على ذراعه بقوة. تمنيت لو كنت في مكان آخر. ربما ألعب الجولف.
كانت تلك المرة الأولى من ألف مرة شعرت فيها أن التاريخ كان يلتقط صورة وثائقية. كنت أقف في مكان فريد تماما في التجربة الأمريكية.
قال الكابتن منصور إنه يريدني أنا ومارك أن نؤدي اختبارا في ترجمة الرسائل من وإلى المعتقلين من العربية إلى الإنجليزية قبل أن نبدأ العمل في الزنزانات. تتم عادة ترجمة الرسائل ثم تحول إلى وحدة تحليل المعلومات لتقرير فيما إذا كان الكاتب يحاول نقل رسالة مشفرة. عمل ذلك كان يتطلب كفاءة عالية في اللغة العربية ولم أكن متأكدا أن لغتي كانت بذلك المستوى.
كان أحمد الحلبي عماد مكتب ترجمة الوثائق. قال إن لديه ركاماً من الرسائل غير المنجزة كبيرة لدرجة أن رسالة المعتقل إلى أهله لم تكن تغادر المعسكر إلا بعد أشهر. سأله مارك إذا كان يعمل وحده هناك فقال أحمد "هناك شخصان آخران يساعدان أحيانا، لكنني الوحيد الذي لدي كمبيوتر، لذلك على الآخرين الترجمة بخط اليد".
قال أحمد إنه يطبع الرسائل على الكمبيوتر بالإنجليزية وهو يترجمها، وذلك كان أسرع من كتابتها، "حيث إن لدينا نقصاً في أجهزة الكمبيوتر، قالت لي القيادة إن بإمكاني إحضار الكمبيوتر المحمول الخاص بي لكننا لم نتمكن من الحصول على أجهزة أخرى".
كنت قد أحضرت جهاز الكمبيوتر الخاص بي معي إلى جيتمو وسألته إذا كان بإمكاني إحضاره. أجاب أحمد: "أنا متأكد أنهم سيسمحون لك بذلك. ولكن أحرص على الحصول على تصريح خطي قبل أن تفعل ذلك. كان علي أن أوقع مجموعة من النماذج والاستمارات وأحصل على موافقة القيادة قبل أن أحضر جهازي".
قررت أن الأمر لا يستحق كل ذلك التعب. تخيلت ما يمكن أن يحدث بعد ستة أشهر عندما أبدأ بإجراء التصريحات الأمنية لمغادرتي للجزيرة إذا استخدمت جهاز الكمبيوتر الخاص بي لترجمة رسائل المعتقلين.
أعطانا أحمد فكرة عن نوعية الرسائل التي سوف نقرؤها. غالبا ما يقوم المعتقلون أو أهاليهم باقتباس نصوص من القرآن ويكتبون عن اشتياقهم لأحبائهم وعن إحباطهم بسبب اعتقالهم الذي يبدو بلا نهاية واضحة، قلت إن العمل كان بسبب الكآبة. قال أحمد "معظم اليوم إما أن أقوم بقراءة رسالة من طفل في العاشرة من عمره يخبر أباه كيف أنه سيعتني بوالدته إلى أن يجتمعوا معاً مرة أخرى، أو رسالة من معتقل يقول إلى أي حد يفتقد عائلته وكم يعامل بشكل سيئ هنا. أحيانا تصل رسالة من عم معتقل أو ابن عمه تشجعه ليكون قويا في إيمانه ويذكرونه أنه كلما كانت المعاناة أكبر كان الجزاء عليها أكبر".
كان بإمكاني رؤية التوتر في وجه أحمد. كان العمل مزعجا لأي شخص لكنه بالتأكيد أسوأ بكثير لمسلم ملتزم. سأله مارك: لماذا لا تعمل في الزنزانات عوضا عن ذلك؟ أجاب أحمد: "كنت أفعل ذلك. لكن ذلك أزعجني أكثر، لذلك فكرت في أنني سأكون في وضع أفضل هنا. كان من الصعب رؤية معاناتهم. إذا كانوا مذنبين فأنا بالتأكيد لا أوافق على ما فعلوه، لكنهم بشر مع كل ذلك".
لاحظت فجأة أنني لا أرغب في متابعة هذه المحادثة، ليس مع شخص قابلته للتو وليس قبل أن أكون فكرتي الخاصة عن المعسكر.
تابع أحمد "لدينا أشخاص كبار في السن هنا. رجال في الخمسين والستين، ولدينا أطفال هنا أيضاً. أتساءل فقط إذا كان هؤلاء فعلا أسوأ السيئين. لذلك قلت للكابتن منصور إنني أعتقد أن من الأفضل أن أعمل في مكان بعيد عن الزنزانات.
عرفت أن أحمد كان قد وصل قبل أربعة أسابيع في منتصف نوفمبر. طلبت منه وحدته في القوة الجوية أن يتطوع وأن بلده يحتاج إليه. وعدوه أن تكون مهمته تسعين يوما فقط، وهي الفترة الطبيعية لأي شخص قادم من القوة الجوية (ليس مثل مهمتي لستة أشهر). تساءلت عما كان وجود أحمد هنا يعني بالنسبة إليه. كان من الواضح أنه أمريكي حقيقي، حيث إنه عاش في الولايات المتحدة منذ سنوات المراهقة... لا شك أنه يحب أمريكا لكن موقفه كان غير مستقر، أعطي له تصريح أمني مؤقت، لكنه لم يخضع لتدريب استخباراتي، وبدا غير مستعد للتعامل مع الضغوط النفسية التي يتعرض لها. في الظروف العادية لم يكن يمكن لأحمد الحصول على تصريح أمني لأنه كما عرفت بعد ذلك، كان قد خطب امرأة سورية. الدوائر الاستخباراتية تعتبر أي علاقة قريبة من شخص أو بلد أجنبي مثل سوريا مثيرة للشبهة بحد ذاتها.
أشار أحمد إلى كومة من الرسائل وأخرجنا أنا ومارك القواميس وبدأنا العمل. جميع الرسائل كانت بخط اليد وكان من الصعب جداً قراءتها، ولكن لحسن الحظ، فيما بعد ذلك الصباح، نجونا أنا ومارك عندما تم استدعاؤنا إلى اجتماع للقادمين الجدد مع كبير الأطباء النفسيين في المعسكر.
استمعنا بانتباه للطبيب النفسي وهو يتحدث عن الحاجة لحراسة مشاعرنا في المعسكر، وأن نحرص على ألاَّ نسمح للمعتقلين باستغلالنا وحذرنا أيضاً من السماح لأنفسنا بالتعاطف معهم. طلب منا أن نسعى لطلب المساعدة من اختصاصي، إذا أحسسنا بزيادة الضغوط.
ذلك كان كل التدريب الذي سنحصل عليه حول العواقب العاطفية للعمل في جيتمو. خمس وأربعون دقيقة فقط من طبيب نفسي عسكري كان من المفترض أن تهيئنا لمواجهة أفراد قيل لنا إنهم ساعدوا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر وللتعامل مع الحالات الذهنية لرجال يتعرضون لتحقيق مكثف وهم في الأسر على تراب أجنبي، لكن تلك كانت طريقة الجيش، كما جربتها عدة مرات من قبل.
بعد الغداء سألنا الكابتن منصور رأينا في الاجتماع مع الطبيب النفسي، أجاب مارك "مثير للاهتمام يا سيدي. أشعر الآن أنني مستعد عقليا وعاطفيا لمواجهة الأشرار".
كنت جنديا ملتزما بالتعليمات، لكنني كنت أستمتع بنوبات ثورة مارك. تساءلت فيما إذا كان قد تعرض لأي متاعب بسبب ذلك. قال لنا الكابتن منصور إننا سوف ننضم إلى الفريق في الزنزانات بعد الظهر.
كانت فانيسا رئيسة نوبة خدمة الزنزانات وكان مو وتورك وآدم موجودين أيضاً، مكتب اللغويين، واحد من عدة غرف في المبنى الصغير، كان بطول اثني عشر قدما وعرض عشرة أقدام وكان مفروشا بطاولة معدنية قابلة للطي وبعض الكراسي القابلة للطي فقط. على الجدار كان هناك لوح أبيض لكتابة اسم أي لغوي يستدعى وجوده، وكانت هناك مكتبة صغيرة فيها بعض القواميس، لم يمض على وصولي مع مارك إلى الغرفة سوى دقائق قليلة عندما تم طلب لغوي. تطوع مو للذهاب وقال لي إن أحضر معه. ذهبنا معاً على الحصى إلى البوابة إلى أحد الممرات بين الزنزانات. فتح لنا عنصر الشرطة العسكرية البوابة الأولى ودخلنا إلى الساحة المغلقة، بعد ذلك أغلق البوابة خلفنا وفتح البوابة الثانية. مشينا إلى البوابة المزدوجة إلى مجمع زنزانات إيكو وفتح لنا عنصر آخر في الشرطة العسكرية البوابة. قال لنا الحارس في أي زنزانة يوجد المعتقل الذي طلب المترجم".
كانت أرضية مجمع الزنزانات المعدنية تطلق صدى عندما كانت أحذيتنا العسكرية اللماعة ترتطم بها. كانت زنزانات من الشبك الفولاذي الأخضر الشاحب تمتد على طول المجمع على الجانبين، وكان في كل زنزانة معتقل واحد ويوجد بطاقات باسم كل معتقل على باب زنزانته. كانت الزنزانات صغيرة بطول ثمانية أقدام وعرض ستة أقدام ونصف القدم، وفيها أسرة معدنية مثبتة على الجدران الشبكية الفولاذية، وكانت هناك حمامات صغيرة مثبتة على الأرضية، والمغاسل منخفضة نحو الأرض.
كنت على وشك أن أسير إلى وسط حوالي 600 رجل، جميعهم تربطهم كراهية مزعومة للولايات المتحدة، ولم أكن أشك أنهم سيقتلونني لو أتيحت لهم الفرصة. بعضهم ربما كان قد ساعد في التخطيط لاختطاف تلك الطائرات والآن أنا قادم لأراهم وجهاً لوجه.
كانت الرائحة لا تحتمل ونحن نمشى بين الزنزانات. لم يكلف معظم المعتقلين أنفسهم حتى مشقة النظر إلينا، لكن بعضهم نظر إلي بفضول. كنت الشخص الجديد في العمل. حاولت أن أراقبهم دون أن أنظر في عين أي منهم، لم أكن مستعداً كفاية بعد. بعضهم كان يقرأ القرآن.
كان المعتقل الذي طلبنا في منتصف الثلاثينات من العمر. كانت له لحية سوداء طويلة مع بعض الشيب فيها. اشتكى أنه طلب رؤية الطبيب عدة مرات لكن اسمه لم يدرج على اللائحة. وفيما كنت أستمع، وأختبر نفسي لأعرف كم أفهم، بدأ معتقل آخر على بعد أربع زنزانات يصيح: "أيها المترجم، أيها المترجم". قال لي مو "إيريك، لماذا لا تذهب وترى ماذا يريد؟ أخذت نفساً عميقاً وقلت: "ذلك سيكون ممتعاً".
مشيت إلى المعتقل وقلت: "أهلاً وسهلاً. شو أنت عايز؟" فوجئ لأنني أتكلم العربية. سألني: "أنت جديد،من أين أنت؟" تجنبت الحديث عن نفسي، وفكرت أن عليّ فقط أن أعرف لماذا طلب مترجماً، وأنقل المعلومة. قلت له: "نعم أنا جديد. ماذا أستطيع أن أفعل لك؟" قال لي "هل تعرف لماذا أنا هنا؟" قلت: "لا أستطيع أن أساعدك في ذلك، أنا مجرد مترجم". سألني: "من أين أنت؟". سألته متجاهلاً استفساره "ماذا تريد؟" عند ذلك سألني: "هل الشقراء متزوجة؟" كان يتحدث عن فانيسا، التي كان المعتقلون يحبونها. كانت مرحة معهم وكانت تحاول حل مشاكلهم. وبصراحة، كانوا يحبون التحدث مع امرأة أمريكية جميلة - كانت فانيسا شقراء وعيناها زرقاوان وقوامها ممشوق.
تابعت رفضي للإجابة على أسئلته، وعندما لاحظ أنني على وشك الانصراف قال: "اطلب من المسؤول عن المكتبة أن يحضر لرؤيتي".
لم أكن أعرف ما أتوقعه من معتقلين إرهابيين، لكنني عرفت أن ذلك لم يكن ما توقعته، ذلك الرجل أراد فقط أن يتحدث عن شيء ما ليحول انتباهه ويشغل نفسه. قال لي مو إن مثل هذه الأحاديث مع المعتقلين كانت كثيرة. وفي وقت لاحق في ذلك الصباح ذهبت تلبية لطلب معتقل اسمه زياد، قلت له وأنا أقترب منه "السلام عليكم". قال لي "وعليكم السلام". سألته "ماذا أستطيع أن أفعل لك؟" قال لي "هل تعرف لم أنا هنا؟" رددت عليه لا أستطيع أن أساعدك في ذلك". سألني "هل أنت متزوج؟". أجبت "لا. ماذا تريد؟" قال لي "هل أنت من تكساس مثل جورج بوش؟". أجبت "لا. اسمع إما أن تقول لي ماذا تريد أو أنني سأنصرف". عند ذلك قال "أحتاج إلى كتاب جديد. أنهيت هذا الكتاب". قلت له منصرفاً "سأخبر المسؤول عن المكتبة".
كنت مستغرباً لمدى نجاح لغتي العربية باللكنة الأمريكية مع المعتقلين، لكني كنت ما أزال قلقاً من أنني سأجد صعوبة في فهم بعض اللهجات. أحد الأسئلة التي كان المعتقلون يرددونها بصورة جنونية في ذلك اليوم، وكما اكتشفت لاحقاً كل يوم، كان "لماذا أنا هنا؟".
في الساعة الثانية عشرة ظهراً ارتفع تسجيل لأذان الظهر من مكبرات الصوت ليتردد في جميع أنحاء المعسكر. أدهشني ذلك. فوجئت بأننا نقدم ذلك التنازل للتعصب الديني للإرهابيين. بعد أن تعرفت على الإسلام المتطرف خلال وجودي في القاهرة، بدا لي أن قيادة المعسكر كانت تساعد على تسهيل تكريس الإرهابيين الديني، في الوقت الذي توقعت فيه أن يبعدوهم تماماً عنه.
كانت ممارسة الطقوس الإسلامية منتشرة في المعسكر. ليس فقط كان هناك تسجيل للأذان يسمع خمس مرات في اليوم من مكبرات الصوت، ولكن كان هناك سهم في كل زنزانة يشير إلى مكة، وكان هناك سجادة صلاة وقبعة ونسخة من القرآن لكل معتقل. كان ذلك جواً استفزازياً من الناحية الدينية لأي شخص غير مسلم أو لا يمارس الطقوس الإسلامية.
بعد ظهر ذلك اليوم دخلت فانيسا غرفة اللغويين وقد بدا عليها الغضب وهي تقول: "هؤلاء الحراس تافهون".
سأل آدم: "ماذا حدث الآن؟". قالت فانيسا "أحد هؤلاء حطم بسكويت أحد المعتقلين مرة أخرى قبل أن يعطيه وجبة طعامه الجاهزة. كل ما يفعله مثل هذا التصرف هو أن يجعل مهمتنا أصعب".
كنت قد لاحظت أن الحراس لديهم مشاعر عدائية كثيرة، وسألت فانيسا إذا كان عناصر الشرطة العسكرية يقضون كل يومهم وهم متضايقون وغاضبون. أجاب مو وفانيسا "نعم" في نفس الوقت.
أضافت فانيسا "إن ما يزيد الأمور سوءاً أن قادة الشرطة العسكرية يقولون لهم كل يوم إن هؤلاء الرجال هم نفس الأشخاص المسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر. لو أني كنت أصدق ذلك، لشعرت بالرغبة في تحطيم طعامهم أيضاً". تساءلت كم كانت تعرف عن المعتقلين.
في السابعة مساء انتهى عملنا لذلك اليوم. جلسنا أنا وفانيسا في مؤخرة السيارة. سألتني فانيسا عن رأيي في يومي الأول. أجبتها "يصعب تحمل كل ذلك. أعتقد أن الأمر يصبح صعباً عندما يسمعهم المرء يتألمون كل يوم ويسألون باستمرار لماذا هم معتقلون". قالت فانيسا بهدوء "دعني أقدم لك نصيحة يا إريك. عليك أن تنتبه إلى عواطفك هنا". وأضافت فانيسا: "جميع الذين في السيارة معنا ينتمون إلى إحدى مجموعتين: مجموعة تجبر نفسها للاعتقاد بأن كل معتقل هنا كان مسؤولاً جزئياً بشكل ما عن هجمات سبتمبر. ذلك يسمح لهم بتبرير كراهيتهم لهؤلاء الرجال وفصل نفسهم عاطفياً... الآخرون يمكنك رؤية الإحباط في أعينهم. هم يتعاطفون أكثر وأكثر مع ظروف المعتقلين كل يوم. هم يكرهون عناصر الشرطة العسكرية لأنهم يكرهون المعتقلين. ستكتشف عما قريب من يقع في أي مجموعة" وخلصت فانيسا إلى القول نصيحتي أن تجد حلاً وسطاً, لا تنظر إلى كل معتقل على أنه ساعد في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر، لأن ذلك ليس صحيحاً. ولكن في نفس الوقت لا يمكنك أن تتورط عاطفياً عندما يتعلق الأمر بهؤلاء الرجال". لقد كان ذلك صعباً. لكني قررت أن أتعرف أكثر على أولئك المعتقلين وحياتهم عن قرب دون أن أسمح لعواطفي بالانسياق كثيراً.
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً  
قديم 02-10-2006, 09:30 PM
  #3
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الثالث

-

عندما وصلت إلى الزنزانة قرأت البطاقة الموجودة في الأمام وعرفت أن اسم المعتقل هو حبيب، كان شعره أقصر من شعر معظم المعتقلين الآخرين، لكنه أسود مثل البقية وعيناه سوداوان، وكان يجلس بالطريقة الهندية على الأرض. قلت له: "السلام عليكم"، أجاب: "وعليكم السلام"، كانت تلك إشارة طيبة تعني أنه لن يكون مشاكسا. سألته عما يريد، قال إن المحقق في الليلة السابقة وعده بنقله إلى زنزانة أخرى. ولكن عندما جاءت نوبة الحراس الصباحيين، لم ينقلوه وكان يريد أن يعرف السبب.
طلبت منه الانتظار "وكأنه كان سيذهب إلى أي مكان" بينما أسأل الحراس عن الأمر، قال لي الضابط المسؤول إنه لا يوجد في ملاحظاته شيء عن نقل حبيب. فكرت في أن حبيب قد يكون كاذبا، أو أن المحقق وعده فعلا لكنه نسي إخبار الحراس بذلك، أو ربما نسي الحراس في نوبة الليل إخبار نوبة الصباح. وقال مسؤول النوبة: "في جميع الأحوال، لن يتم نقله ما لم أسمع ذلك من المحقق المسؤول عنه أو من رؤسائي".
توجهت عائدا إلى الزنزانة 36 وقلت له: "أتمنى لو أنني أستطيع مساعدتك يا حبيب، ولكن اليوم ليس يوم سعدك، يقول الحراس إنهم لا يعرفون شيئا حول نقلك، عليك أن تتحدث إلى المحقق"، لكنه صرخ قائلا: "لكنني لن أرى تلك اللعينة حتى الأسبوع المقبل، هي تعرف أنني بريء، إنني أقول لها كل ما أعرفه، علي أن أحصل على جائزتي، إنني عالق هنا مع كل هؤلاء الأغبياء الأفغان".
إما عن طريق المصادفة أو تخطيط المحقق، كان حبيب وهو يمني عربي، محاطا بمعتقلين من غير العرب البشتون أو الأفغان، كان أقرب عربي يبعد عنه 6 زنزانات وقال حبيب عنه: "إنه من القاعدة، ولا أريد أن أتحدث إليه وأجعل أي شخص يعتقد أنني واحد منهم"، لم يكن بإمكاني أن أعرف إذا كان يقول الحقيقة، لكنني كررت أنني لا أستطيع مساعدته.
صرخ مرة أخرى: "أنت لا تفهم، إنني لا أستطيع أن أبقى في هذه الزنزانة، إنني أكاد أجن، هؤلاء الحمقى حولي يدفعونني إلى الجنون، عليك أن تساعدني"، كنت قد بدأت أحس بالضيق منه فقلت له: "حبيب، حتى لو أردت مساعدتك، لا أستطيع"، صرخ حبيب: "حمار"، التفت إليه وسألته: "ماذا قلت؟"، أجاب: "لو كانت الفتاة الشقراء مكانك لساعدتني"، صرخت في وجهه بغضب: "استمع إلي، عليك أن تستيقظ بسرعة، سواء كان ظلما أو عدلا، فأنت لست في فندق، أنت معتقل في سجن أمريكي"، بدا أن الحراس كانوا سعداء بسماعهم قولي أنه ليس في فندق.
صرخ حبيب فيما كنت أسير مبتعدا: "أرسل الفتاة الشقراء"، تجاهلت ذلك، وتجاهلت صيحات المعتقلين الآخرين طلبا لخدماتي، لكنني شرحت للحارس مشكلة حبيب فقال لي إنه سيكتب ذلك في دفتر الملاحظات.
كانت تلك مشكلة أخرى ضمن مشكلات المعتقلين العادية، وانتهت بنفس الطريقة، هم عادة يريدون شيئا - كتب، تغيير زنزانة، تغيير الطعام، معرفة ما إذا كانوا سيلتقون مع محام - وكانوا يحاولون إطالة المحادثة أو ينقلبون إلى عدائيين عندما نقول لهم إننا لا نستطيع مساعدتهم.
كانت الحياة مملة للمعتقلين في أفضل الأحوال، طبعا ما عدا الوقت الذي يقضونه في التحقيق، مع أنهم يشعرون بالحيوية أحيانا، إلا أنهم معظم الوقت يجلسون على أسرتهم أو على الأرض ويقرؤون أو يحدقون في الفراغ وعلى وجوههم تعابير فارغة، كانت أفضل ساعات اليوم لديهم هي الفترة التي يحصلون فيها على وجبتين من الطعام الحلال الساخن، كانت لديهم عدة فترات للاستحمام والتريض خلال الأسبوع، وكان عدد هذه المرات يعتمد على التصنيف الذي وضعهم محققوهم فيه، واحد، اثنان، أو ثلاثة، كان المستوى الثالث للمعتقلين الذين وصلوا حديثا أو الذين لا يتعاونون مع محققيهم، كان يسمح لهم بالأساسيات فقط - بطانية، سجادة صلاة، قبعة، قرآن، فرشاة أسنان - المستوى الثاني كان للذين يتعاونون بشكل متوسط، كان يتضمن السماح بأشياء إضافية بسيطة مثل كأس للشرب، وكمية أكبر من الكتب، أما المستوى الأول فكان لأفضل مواطني جوانتانامو كانوا يحصلون على كل ما يحصل عليه الآخرون بالإضافة إلى ساحة لممارسة الرياضة ووقت للاستحمام، والمجلات وحتى بعض الألعاب التي يمكنهم أن يلعبوها مع المعتقلين المجاورين من خلال الحاجز الشبكي، حتى تلك الأمور الصغيرة كانت تعني لهم الكثير.
كان يسمح للمعتقلين بركل كرة القدم في ساحة الرياضة، ولكن كان يسمح لمعتقل واحد فقط بالخروج إلى الساحة في كل مرة، وفي الجو الحار الخانق في جوانتانامو، كانت مجمعات الزنزانات التي لا تحوي مكيفات حارة إلى درجة لا تطاق، كان هناك نظام لتنقية الهواء على كل مجمع زنزانات ومن المفترض تشغيلها عندما ترتفع درجة الحرارة، لكن ذلك لم يكن يحدث في الغالب.
بعد مرور عدة أيام على وجودي في جيتمو، أصبح بإمكاني أن أعرف عندما يكون معتقل ما قد عاد من تحقيق صعب، كان يبدو عليهم غالبا ملامح الهزيمة، رؤوسهم منخفضة وعيونهم لا حياة، كان الأمر أحيانا أكثر وضوحا، كانوا يجلسون وهم ملتفون على أنفسهم على شكل الجنين في زاوية الزنزانة، ويحدقون في الفراغ أو يبكون بصمت، وكانوا أحيانا يعودون ويتباهون بصوت عال كيف أنهم لم يقولوا شيئا للمحققين وكيف خدعوهم، كان معظم اللغويين يعتقدون أن تلك المباهاة كانت طريقة لتعويض ما فعلوه وأن أولئك المعتقلين كانوا في الواقع يعترفون بما يعرفونه، كان من الواضح أن بعض المعتقلين كانوا تحت ضغط نفسي كبير.
في صباح هادئ، بعد أن كنت انتهيت من تناول إفطاري، دخلت ضابطة شابة من سلاح الجو ذات عينين خضراوين وشعر بني قصير إلى مكتبنا وقالت: "من هو ضحيتي اليوم؟".
حيث إنني كنت الأحدث في الفريق، وكان مو منهمكا في قراءة إحدى المجلات، قال لي: "إريك، لماذا لا ترافقها إلى المعتقلين اليوم؟"، سألت متعجبا: "إلى أي نوع من المشاكل ترسلونني يا شباب؟"، اتضح أن جيسيكا، وهو اسمها، كانت اختصاصية نفسية في المعسكر.
قالت فانسيا: "دورها النبيل هو أن تحاول ضمان أن أقل عدد ممكن من المعتقلين يحاولون الانتحار في اليوم الواحد"، كانت قد سمعت أنه كانت هناك الكثير من حالات محاولة الانتحار بين المعتقلين، ربما محاولة كل أسبوع، وكان يتم استدعاء لغوي عادة إلى مكان الحادث، لحسن الحظ، لم أكن قد استدعيت إلى إحدى هذه الحالات بعد، التقطت قبعتي ونظارتي الشمسية وتبعت جيسيكا.
كان أول معتقل تحدثنا إليه اسمه سعيد، عندما اقتربنا من زنزانته كان يجلس في الزاوية الأمامية، وهو ينظر حوله باستغراب ويراقب كل شيء حوله، قالت جيسيكا: "صباح الخير سعيد"، وطبعا كنت أقوم بالترجمة. سألته جيسيكا: "كيف نومك؟" أجاب دون حتى أن ينظر إلينا: "لا بأس"، سألته جيسيكا: "كيف طعامك؟" أجاب: "لا بأس"، سألته جيسيكا: "هل تراودك كوابيس؟"، أجاب: "لا"، سألت جيسيكا: "هل تشعر باليأس؟"، قال: "لا"، سألته جيسيكا: "هل تفكر في إيذاء نفسك أو غيرك؟"، أجاب: "لا".
بذلك انتهينا من سعيد، وانتقلنا إلى معتقل آخر، تمت إعادة نفس الأسئلة والأجوبة مرات ومرات وأنا أتبع جيسيكا في مجمع الزنزانات كانت تكتب ملاحظات حول كل معتقل في دفتر ملاحظاتها الأخضر، ولدى اقترابنا من أحد المعتقلين، بدأ بتلاوة القرآن دون أن يرفع رأسه عن القرآن، قال دون أن ينتظر أسئلة جيسيكا: "إنني أنام جيدا، وآكل جيدا، ولا أتعرض لكوابيس، ولا أريد أن أؤذي أحدا، بما في ذلك نفسي، هذا المكان جنة".
بدا لي أن سؤال هؤلاء الأشخاص إذا كانوا يحسون باليأس كان أمرا سخيفا بسبب وضعهم الذي هم فيه، ذلك تماما ما كان المحققون يريدونهم أن يحسوا به، كان من السخافة أن يحاول الفريق النفسي التقليل من الخسائر عن كل ما كان المحققون يفعلونه، واكتشفت أن هناك في الواقع بعض المعتقلين الذين لا يراهم الاختصاصيون النفسيون لأن المحققين كانوا يريدون هؤلاء المعتقلين أن يحسوا بالاكتئاب والوهن.
قالت لي جيسيكا إن بعض المعتقلين كانوا يدعون أنهم يرون أرواحا شريرة، يسمونها الجن، وتم وصف أدوية لهم، كان المعتقلون يتحدثون إلى الجن الذين كانوا يسخرون منهم، لكنهم لم يكونوا يتحدثون عن ذلك، الأمر بصراحة مع الاختصاصيين النفسيين كانوا يريدون التحدث فقط مع المستشار الديني الكابتن جيمس بي، وهو مسلم كان يقدم الاستشارة الدينية لقيادة المعسكر حول قضايا المعتقلين، كان المعتقلون يعتقدون أن تلك الأرواح كانت رسائل دينية وأنها حقيقية جدا، كان معظم المعتقلين يؤمنون بها.
كان هناك ثلاثة أمور تساعد المعتقلين على التغلب على ضجر الزنزانات وتوتر ساعات التحقيق الطويلة، إيمانهم، وإخوانهم مع أنهم لم يكونوا جميعهم على وفاق، وأي محادثة أو فوضى أو مشاحنات كانوا يتمكنون من خلقها مع سجانيهم، كان الإسلام مصدر قوتهم الأساسية، ويجب أن أعترف أنه في هذه الظروف، كانت تقواهم مثيرة للإعجاب، لكن الطبيعة المتطرفة لمعتقداتهم وفكرة أننا كنا ربما نقوي هذه المعتقدات بسبب ممارساتنا كان مثيرا للقلق، كان مو قد قال لي إن عددا من الكتب في مكتبة المعسكر - وهي الأكثر رواجا بين المعتقلين - كانت أصولية في طروحاتها، إذ لم يكن المعتقلون متطرفين عندما دخلوا، كانت هناك فرصة جيدة بأنهم سيكونون كذلك عندما يغادرون - إذا غادروا.
كان معظمهم يريدون الشهادة، وجميعهم تقريبا كانوا يصلون خمس مرات في اليوم، وكانوا يصومون رمضان على الأقل، وأحيانا أكثر، وقد حفظوا أجزاء من القرآن بعضهم كان قد حفظ القرآن كله.
داخل كل مجمع للزنزانات كان بعض المعتقلين يأخذون أدوارا خاصة، كان هناك عادة شخصان أو ثلاثة يحترمهم باقي المعتقلين لأنهم كانوا أساتذة دين محبوبين، هؤلاء الأساتذة كانوا يأخذون دور زعامة المعتقلين في مجمع الزنزانات، كان أحد المعتقلين متهما بأنه متعامل مع القاعدة، وأن مهمته كانت الاتصالات عبر الإنترنت، كان شابا لكنه كان يحفظ القرآن كاملا وكان أستاذا محبوبا، كان المعتقلون ينقلون من مجمع زنزانات إلى آخر كل الوقت، ويتم إعادة خلطهم وترتيبهم، ولكن لا يهم إلى أين كان هذا الشخص ينقل، كان يكتسب احتراما مباشرا، خلال أيام كان يعطي محاضرات عن القرآن بعد الظهر لكامل المجمع، وعندما كان يتحدث كان يمكنك سماع صوت الإبرة إذا سقطت.
كان معتقلون آخرون يلعبون دور المشجعين، إذا عرف أحد المشجعين أن معتقلا كان يتعرض لاستجواب مكثف، كان يحثه على مقاومة الإغراءات ومحاربة الكفار، كنت أسمع مثلا معتقلا يلعب هذا الدور يصيح: "يجب أن تبقى قويا يا أخي، وسيأتي جزاؤك فيما بعد" وكان يقتبس آيات من القرآن، وكان هناك معتقلون يلعبون دور الارتباط مع حراس الشرطة العسكرية، وهي مهمة لا يحسدون عليها بسبب "السعادة" العامة التي كان عناصر الشرطة العسكرية يستمعون فيها إلى شكاوى المعتقلين، هؤلاء المعتقلون كانوا يتنافسون على الزعامة.
كان اعتماد المعتقلين على بعضهم البعض يشكل عقبة فعالة بالنسبة للمحققين، عندما كنت في الزنزانات كنت أسمع معتقلين يتحدثون بغرور عن غباء محققيهم، أو أن يقول أحدهم مازحا: "إنني أتحدث إليهم فقط حتى لا أضطر لأكون هنا معكم أيها الأغبياء"، لكن العلاقة بين المعتقلين والمحققين كانت أكثر تعقيدا من ذلك، خلال الأيام الأولى من وجودي في المعسكر، سمعت معتقلا يقول إنه واقع في غرام التي تقوم بالتحقيق معه، وبدا أنه صادق لدرجة أنه كان من المستحيل معرفة إذا كان يتحدث عن ذلك بسخرية، سمعت أيضا معتقلا يشتكي من أن المحققة كانت تحاول "استغلالي روحيا"، في ذلك الوقت، لم أفهم تماما ماذا كان يعني بذلك.
كانت هناك أمور قليلة ذات أهمية كبيرة أو تسببت بإثارة الغضب الكبير داخل مجمعات الزنزانات وبين عناصر المعسكر مثل قضية التعامل مع القرآن، كان كل معتقل يحصل على نسخة من القرآن إذا أرادها، وجميعهم كانوا يتعاملون مع القرآن باحترام، كانت دراسة القرآن الذي كان يغطى بقماش أبيض تستغرق معظم ساعات اليوم، أي تعامل مسيء للكتب المقدسة لم يكن مجرد إهانة شخصية لكنه كان إساءة للإسلام نفسه.
كانت المشكلة هي أن المعتقلين كانوا يمانعون بشدة أن يمسك غير المسلمين القرآن، هذا كان يسبب ورطة كبيرة، لأن الحراس كان عليهم أن يفتشوا الزنزانات بانتظام لأسباب أمنية، وكان هناك قرآن في كل زنزانة تقريبا، كان الكابتن بي قد أقنع قيادة المعسكر بإرضاء المعتقلين في هذه النقطة، عندما كان أحد عناصر الشرطة العسكرية يحتاج إلى تفتيش القرآن، كان على جندي مسلم أن يأتي ليفعل ذلك، وذلك كان يعني عادة أحد اللغويين، عندما كان عناصر الشرطة العسكرية يتصلون بنا طالبين مترجما مسلما، كنا نعرف أن المشكلة كانت تتعلق بالقرآن.
ولكن لأن تلك السياسة لم تكن مكتوبة، كانت غامضة ومبهمة، وكان عناصر الاستخبارات يتجادلون حولها، وكذلك عناصر الشرطة العسكرية، الذين كانوا يشعرون أن ذلك يقلل من سلطتهم، لذلك كان بعض عناصر الشرطة العسكرية يفتشون القرآن بأنفسهم، وذلك كان يدفع المعتقلين إلى ما يشبه أعمال الشغب، بما في ذلك البصاق على الحارس وصيحات عالية: "الله أكبر"، كانت هذه الاضطرابات طريقتهم في قتال مضطهديهم - وأحيانا مصدرا للتسلية الصرفة، قدرتهم على خلق التوتر في المعسكر كانت فائقة -، وكانوا يعرفون ذلك.
الكراهية الكبيرة للأمريكيين داخل مجمعات الزنزانات كانت رابطا آخر يجمع المعتقلين، لم يكن الجميع يحسون بتلك الكراهية ضدنا، لكننا كنا على حذر، ومع أن بعض المعتقلين كانوا ينفجرون على اللغويين، إلا أنهم كانوا بمعظم سخريتهم للشرطة العسكرية الذين كانوا يتجولون في مجمعات الزنزانات، ومن المفترض أنهم ينظرون إلى معتقل كل ثلاثين ثانية، كان المعتقلون يبصقون عليهم، ويرشون عليهم المياه، والبول، أو حتى البراز، وكانوا يشتمونهم بعبارات مثل "ابن العاهرة"، وغيرها، كان معظم عناصر الشرطة العسكرية من الاحتياطيين، وكنت أتساءل إلى أي حد كانوا مهيئين لمثل هذه المهمة.
وفي نفس الوقت، كانت العقوبة الوحيدة التي يفترض أن يطبقها الحراس هي مصادرة إحدى أدوات الرفاهية مثل بطانية إضافية، أو وضع المعتقل المسيء في الحبس الانفرادي، وكانت الزنزانات الانفرادية ذات جدران معدنية صماء، حتى لا يتمكن المعتقل من الرؤية خارجها، لكنها كانت مكيفة، وبعض المعتقلين كان يعتبر الذهاب إلى الانفرادي على أنه وقت هادئ لقراءة القرآن والتأمل، سمعت مرة معتقلا يقول: "ربما سأرمي شيئا على الحارس اليوم، حتى أتمكن من قضاء بعض الوقت في الزنزانات الأخرى".
كان عناصر الشرطة العسكرية متضايقين من السيطرة القليلة التي كانوا يتمتعون بها على المعتقلين، كان ذلك في يد المحققين مع أنه مع مرور الوقت، وجد عناصر الشرطة العسكرية طريقتهم الخاصة في تأكيد سلطتهم إذا لم يكن المحقق يريد أن تتم معاقبة سجين ما، فلا يمكن حدوث ذلك، كانت الاستخبارات تنظر إلى المعتقلين على أنهم مصادر معلومات محتملة. والذين يمكن لمعلومة صغيرة يتم الحصول عليها من أحدهم أن تساعد في حل لغز ما، كان عناصر الشرطة العسكرية يعتقدون أن المعتقلين لا يتلقون المعاملة التي يستحقونها، كانوا إرهابيين مسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر، ويجب أن تكون حياتهم بائسة، عندما قلت لحارس في أحد الأيام خلال الأسبوعين الأولين لوجودي إن أحد المعتقلين ادعى أن المحقق كان قد وعده ببطانية إضافية، رد علي عنصر الشرطة العسكرية باحتقار: "لا يهمني مطلقا ما يقوله بعض المحققين، إنهم هم الذين يسببون فشل هذه المهمة".
كان الحراس يملكون سلاحا في جعبتهم، إذا كان أحد المعتقلين يرفض أمرا فإنهم يستطيعون أن يستدعوا مجموعة من خمسة عناصر من الشرطة العسكرية - كانوا يطلقون عليهم مجموعة قوة الرد الأولي - وكانوا يجبرون المعتقل على إطاعة الأمر باستخدام القوة المطلقة.
كان عناصر الشرطة العسكرية يتصرفون بأحسن صورة إذا كانت لجنة من الصليب الأحمر الدولي تقوم بإحدى زياراتها للمعسكر، لم يكن مسموحا لهم ولا للغويين بالتحدث مع ممثلي الصليب الأحمر، إلا في حالة الضرورة القصوى، كانت قيادة المعسكر حذرة جدا منهم، وكانوا يقولون لنا أن نكون حذرين فيما نقوله عندما نمر بقرب القاطرة التي يجلس فيها ممثلو المنظمة، والتي كانت موجودة خارج سور المعسكر عندما كان أحد موظفي الصليب الأحمر يلتقي مع معتقل في أحد مجمعات الزنزانات كانوا يغادرون عندما يرون أحدنا قادماً، كانوا يعتبرون حديثهم مع المعتقلين حديثا سريا، ومقابل السماح لهم بزيارة المعسكر لم يكن يسمح للمنظمة بالتحدث علنا عما رأوه في المعسكر، إذا كان لديهم أي شكاوى حول وضع أو معاملة المعتقلين، كانوا ينقلونها مباشرة إلى الحكومة. وإذا كان عناصر الشرطة العسكرية يتصرفون بلباقة أمام لجنة الصليب الأحمر، فإنهم بالتأكيد لم يشعروا مطلقا أن يفعلوا ذلك أمامنا، كانت علاقة الحراس بالمحققين متوترة كثيرا، وكانوا يحتفظون باحتقار خاص لنا نحن اللغويين، لم يكونوا يثقون بنا لأننا كنا الوحيدين الذين نفهم ما يقوله المعتقلون، وكانوا يعتقدون أننا نتعاطف معهم، وكان حتى إظهار أي نوع من المشاعر أو العطف على المعتقلين أو الحديث معهم لفترة طويلة، نسبيا يعتبر تعاطفا، وإذا صنفك أحد الحراس على أنك متعاطف، فلا تمضي أيام قليلة حتى تجدهم جميعا يراقبونك عندما تذهب إلى الزنزانات. كان بعض الحراس يعتقد أنه يجب مراقبتنا في حال حاولنا تمرير أي شيء إلى، أو أخذ أي شيء من المعتقلين، كانوا يعتقدون أن علينا أن ندخل ونخرج من مجمعات الزنزانات بسرعة، وألا نتحدث كثيرا، عندما رآني أحد الحراس أضحك على نكتة قالها أحد المعتقلين حدق بي غاضبا وقال: "ماذا بك يا (شتيمة)، هل أنت أحد محبي المعتقلين؟".
قالت فانسيا إنها كانت أحيانا تشتكي إلى أحد الضباط المسؤولين عن رعاية الأعمال اليومية في وحدات الشرطة العسكرية حول عدم اهتمام الحراس بمشاكل المعتقلين الصحية، لكنهم لم يكونوا يريدون الاستماع إليها، في إحدى المرات روت حكاية معتقل في مجمع زنزانات سبيرا اشتكى عدة مرات من ألم في ظهره في كل مرة كان يراها فيها، وطلب أن يرى طبيبا، وفي كل مرة كانت تنقل ذلك إلى الشرطة العسكرية المسؤولة عن المجمع، كان من المفترض أن يقوموا بكتابة طلب الطبيب في تقريرهم اليومي.
بعد ثلاثة أسابيع سألت الضابط المسؤول لماذا لم يتم عرض المعتقل على طبيب بعد، فأجابها: إن سلامة المعتقلين ليست من شأنها، فأجابت أن ذلك قد يكون من شأن بعض رؤسائه، وأضافت: "أريد أن أعرف إذا كانت هذه الشكاوى قد سجلت في التقرير أصلا"، أجاب غاضبا: "اسمعي أيتها العاهرة، إنني أدير مجمع الزنزانات هذا بالصورة التي أراها مناسبة، إذا كنت أعتقد أن المعتقل يشتكي من ألم في ظهره فقط ليحصل على فرصة ليمشي فيها عبر المعسكر إلى العيادة الطبية في ظهيرة مشمسة فلن أكتب ذلك في تقريري، والآن غادري مجمعي وفي المرة القادمة لا تتخطي حدودك".
بالطبع، كما كانت فانسيا قد قالت، فإن قيادة الحراس كانت تذكرهم دائما أن ينظروا إلى المعتقلين باحتقار كامل. كنت أسمع أحيانا وأنا عائد إلى المعسكر التعليمات التي يعطيها لهم قائدهم، وهو كولونيل شديد جدا، وكان يقول لهم: "تذكروا دائما، أنتم أيها الشباب يجب أن تشعروا بالفخر لتكونوا هنا تحرسون هذه الحثالة، هؤلاء الرجال هم أسوأ الأسوأ، هذا المكان مخصص للإرهابيين الذين إما ساعدوا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر، أو أنهم كانوا يخططون لهجمات مستقبلية ضدنا عندما تم إلقاء القبض عليهم".
ومع أن معظم عناصر الشرطة العسكرية كانوا يعتقدون أننا متعاطفون مع المعتقلين، فإن علاقتنا معهم كانت أكثر تشابكا، كان المعتقلون يعتبرون اللغويين مصدر أملهم الأساسي، كنا همزة الوصل بينهم وبين العالم الخارجي، والوسيلة التي يفهمون من خلالها ما يجري حولهم، والوسيلة لإيصال أصواتهم. كانت علاقة مميزة لم يفهمها الحراس والمحققون جيدا، وكان المعتقلون يفعلون ما بوسعهم للاعتماد علينا واستعطافنا والتواصل معنا، كان علينا أن نكون حذرين، وكان بإمكانهم أن يخبرونا بأشياء مجنونة.
كانت محاولات المعتقلين للتواصل غالبا بريئة كانوا يحبون التحدث إلى الجنود الأمريكيين، ولكنهم أحيانا كانوا يحاولون استغلال الموقف، كانوا يريدون من اللغويين أن يكونوا متعاطفين وأن يعرفوا وضعهم العائلي، وأن يصدقوا أنهم فعلا كانوا يحبون الولايات المتحدة، كانوا يأملون في إيجاد حليف من الداخل، إذا لم نعرف الفرق أحيانا، كانوا نادرا ما يشعرون بمدى ضعفنا، كان بإمكاننا أحيانا أن نحل سوء التفاهم، لكن لم يكن بإمكاننا لعب دور حلال المشاكل، كان شعار المعسكر: "دعهم يقولوا كل شيء للمحققين، هناك يجب أن يضعوا كل آمالهم، لا تتصرفوا وكأن بإمكان أي شخص آخر مساعدتهم".
ففي اليوم الذي يسبق عيد الميلاد في الساعة 9:30 صباحا، وجدت نفسي أمام باب زنزانة لمعتقل سعودي يجلس على حافة سريره الفولاذي في مجمع زنزانات سبيرا، كان يبدو عليه الحزن العميق، قال لي وائل: "لقد أردت فقط شخصا أتحدث إليه، أحتاج إلى مساعدتك"، قلت له: "لست متأكدا أنني أستطيع مساعدتك، لكنني سأستمع إليك، ما الأمر؟"، قال وائل: "مكاني ليس هنا، أنا..."، قاطعته مباشرة قائلا: "اسمع، ليس هناك ما أستطيع عمله بهذا الشأن، مهما كانت المعلومات التي لديك حول ما حدث لك قبل أن تأتي إلى هنا يجب أن تناقشها مع المحقق"، كانت تلك هي العبارة التي تتماشى مع التعليمات والتي كنت أستخدمها مع كل المعتقلين الذين كانوا يعتقدون أن بإمكاني أن أقدم لهم مساعدة تفوق دواء للصداع.
امتلأت عينا وائل بالدموع، ولم أعرف إذا كان علي أن أغضب منه أو أشفق عليه، كان الجو حارا مثل جهنم، كان هناك شيء حول هذا الشاب منعني من الانصراف، كان وائل يحدق بي، كنت أعرف أن علي أن أعود إلى المكتب، لكنني وقفت ونظرت إلى هذا الرجل لثوان أحسستها طويلة جدا، قال لي أخيرا: "إذا قبلت أنك لا تستطيع أن تساعدني، هل تبقى وتستمع إلى قصتي؟"، بعد لحظة من الصراع الداخلي، خلعت نظارتي الشمسية ونظرت إلى وائل وقلت: "سأستمع إذا كنت تفهم تماما أنني لا أستطيع أن أفعل شيئا"، قال وائل: "أفهم ذلك، ألف شكر"، قلت: "عفوا، إنني أصغي إليك"، قال بنعومة ولكن بحرارة: "إنني أريد فقط أن يفهم أحد ما، مضى على وجودي هنا سنة كاملة والمحقق يعرف قصتي ولم يتحدث إلي منذ 4 أشهر، في الواقع ربما تحدثت إليه 5 مرات فقط، لقد تم تسليمي إلى الأمريكيين في أفغانستان لكنني سعودي"، سألته: "ماذا كنت تفعل في أفغانستان؟"، أجاب: "سؤال جيد، أعرف أن السلطات الأمريكية تعتقد أن كل عربي في أفغانستان كان يتدرب ليصبح إرهابيا، لكن هذا غير صحيح، كان هناك العديد من العرب هناك الذين لا علاقة لهم بالإرهاب، وهل تعرف كيف انتهى بهم الأمر هنا؟"، قلت له: "لا، لا أعرف يا وائل، أفترض أنك إما قبض عليك في ساحة المعركة أو كان لك علاقة بأحد معسكرات تدريب القاعدة"، أجاب وائل: "لا، لا، لا، هذا غير صحيح، إذا كانوا يقولون لكم ذلك فهذه كذبة، هل يصدق كل الجنود هنا ذلك؟"، قلت: "لماذا لا تقول لي فقط كيف وصلت إلى هنا يا وائل، لماذا غادرت السعودية؟"، بدأ وائل يروي قصته، قال إن والده أستاذ جامعي في الرياض، هو أيضا كان يحمل شهادة جامعية، لكنه لم يستطع الحصول على عمل بعد تخرجه، ذهب في نهاية التسعينيات إلى أفغانستان ليعمل في دار أيتام، التقى هناك مع امرأة، وتزوجها وأنجب ثلاثة أطفال - صبيين وبنتاً - بعد ذلك ترك دار الأيتام وعمل في مزرعة، "كانت حياتي سعيدة، لم أكن أحب طالبان، لكنهم لم يزعجوني، ولم أكن أزعج أحدا، لم أكن قد سمعت عن القاعدة قبل حضوري إلى هنا".
كنت أشك في أقواله، لكنني سألته كيف وصل إلى جيتمو، قال: "كنت أعيش في قرية خارج قندهار عندما رأينا طائرات أمريكية كبيرة تطير في المنطقة، لم نكن نعرف ما يحدث ولا لماذا كان الأمريكيون قادمين، بعد أيام دخلت قوات تحالف الشمال وقبضوا على كل عربي في المنطقة بالإضافة إلى بعض الأفغان الشباب، أخذونا إلى سجنهم لبضعة أيام، وسجنهم يجعل جوانتانامو يبدو وكأنه قصر، وتابع وائل: "عذبونا لمدة ثلاثة أيام، رأيتهم يعتدون على أحد الرجال جنسيا، رجل آخر تعرض للضرب حتى كاد يموت، لم يعطونا إلا قليلا جدا من الماء والطعام، أخيرا سلمونا إلى الأمريكيين وأرسلونا إلى قاعدة باجرام، حقق معي بعض الأمريكيين الذين كانوا لا يتحدثون العربية بشكل جيد أبدا، قلت لهم جميعا إنني لم أكن إرهابيا لكنهم استمروا في سؤالي عن أشياء مثل أين البيوت الآمنة؟ الآن، أسمع إشاعات أن السلطات الأمريكية كانت تدفع لقوات تحالف الشمال مكافأة مالية عن كل عربي يسلمونه لهم، هل هذا صحيح؟".
فيما كنت أستمع إلى وائل لم أتمالك نفسي من التساؤل عما إذا كان هذا الشاب يكذب أم يقول الحقيقة، قلت له: "وائل، أعرف أنك أردت أن تخبرني قصتك، لكنني فعلا لا أستطيع أن أفعل شيئا"، قال لي: "إنني أفتقد أولادي، ليس لديهم أي فكرة عن مكان وجود والدهم، كيف أشرح لهم هذا؟"، قلت: "ماذا تريدني أن أقول يا وائل؟"، قال: "أردتك فقط أن تعرف، أريد أي شخص مستعد للاستماع أن يعرف، أعرف أنك لا تستطيع مساعدتي، أريدك فقط أن تعرف، لا تصدق كل الأكاذيب التي يقولونها لكم، ليس كل المعتقلين هنا إرهابيين، فقط اسأل بعض الرجال الذين لم يروا المحققين منذ أشهر".
كنت قد لاحظت أن بعض المعتقلين لم يكونوا يذهبون إلى التحقيق أبدا، وكنت أتساءل عن السبب، كنا قد سمعنا نحن المترجمين قصصا مشابهة لمعتقلين قبضت عليهم قوات تحالف الشمال المناوئة لطالبان. وقالت تقارير صحفية إن الولايات المتحدة كانت تدفع جوائز لكل من يسلم مشبوها بالإرهاب، وقد ألمح مسؤولون أمريكيون إلى أن ذلك كان يحدث بالفعل، كان ذلك مثيرا للقلق، جميعنا نعرف أشخاصا مستعدين لتسليم جداتهم، إذا دفع لهم مبلغ ما من المال، وكانت خمسة آلاف دولار تعني الكثير في مكان مثل أفغانستان.
شعرت بأن الوقت قد حان لإنهاء محادثتي مع وائل، قلت له: "وائل، علي أن أذهب، اعتن بنفسك"، وضعت نظارتي الشمسية على عيني واستدرت مبتعدا عن الزنزانة عندما صاح وائل: "يا بسام (الاسم الذي كنت معروفا به عند السجناء)". نظرت إلى وائل مرة أخرى وكانت عيناه مليئتين بالدموع، قال لي: "بارك الله فيك"، قلت: "وبارك الله فيك يا وائل
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً  
قديم 02-10-2006, 09:32 PM
  #4
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الرابع

-

لم يكن أحد في المعسكر يتمتع بمزاج جيد خلال الفترة الفاصلة بين عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية. كان هناك يومياً ما يذكرنا بما يفترض أن يكون فترة إجازات واحتفالات وبأصدقائنا وعائلاتنا في الوطن. ولم يلعب الطقس الحار جداً دوراً إيجابياً لروحنا المعنوية. وكان الأمر أسوأ بالنسبة للحراس الذين كان عليهم أن يتعاملوا مع شكاوى المعتقلين وسلوكهم الغريب. فقد كان المعتقلون يحاولون مضايقة، عناصر الشرطة العسكرية إلى أقصى حد يستطيعون ربما كانوا يحاولون إفساد فترة أعياد الميلاد ورأس السنة على الجميع، ولكن بدا لي أن بعضهم وصل بالفعل إلى حد لم يعد يستطيع أن يتحمل أكثر.
سيكمل الكثير من المعتقلين عاماً في الأسر في جيتمو قريباً، ولم يكن هناك أي أمل لنهاية معاناتهم. كان الرئيس بوش قد وقع في نوفمبر 2001 قراراً مثيراً للجدل أسس لنظام جديد للعدالة لاتهام ومحاكمة ومعاقبة غير الأمريكيين الذين كان يسميهم محاربين أعداء. ومع ذلك لم يكن قد تم توجيه أي اتهام لأي معتقل بعد، ولم يسمح لأي منهم بمقابلة محام، وكانت النهاية المفتوحة لاعتقالهم بلا شك أصعب شيء عليهم لتحمله.
كان هناك بالتأكيد إرهابيون سيئون في المعسكر، ولكنني كنت أستغرب سبب عدم توجيه التهمة إليهم بشكل رسمي. البعض الآخر كانت الأدلة على كونه إرهابياً غير مقنعة، قال لي أحد المعتقلين: "لم أكن مجنداً في جيش طالبان، كان علي أن أقاتل عندما جاؤوا وقالوا إن الأمريكيين قادمون. كانوا سيقتلونني لو لم أفعل ذلك، ولكن الآن أريد فقط أن أعرف ما هو الحكم علي - خمس سنوات؟ عشر سنوات؟ هل سأموت هنا؟ أريد فقط أن يقول لي أحد ما إلى متى؟. من المفترض أن يمثل بلدك الحرية والعدالة، ولكننا لا نحصل على أي منها.
بالطبع، كان هذا الإحساس باليأس قد تم إيجاده عن عمد بين المعتقلين كان من المفترض أن يفهم المعتقلون أن الطريقة الوحيدة لإنهاء اعتقالهم كانت من خلال تعاونهم التام مع المحققين.
في صباح أحد الأيام في نهاية العام طلب مو مني ومن مارك أن نذهب إلى مجمع زنزانات فوكستروت. وجدنا عناصر طبية وعناصر من الصحة النفسية بانتظارنا قرب السلم المعدني الذي يقود إلى المجمع. جمعنا الضابط المسؤول في الشرطة العسكرية وأخبرنا أن المعتقلين في فوكستروت يجب أن يتم إعطاؤهم الآن حقنة الأنفلونزا، سواء رضوا بذلك أم لم يرضوا.
أحسست أن هناك مشاكل مقبلة. ردة فعل المعتقلين على إمكانية إعطائهم حقناً لم يكن من المتوقع أن تكون إيجابية. كانت نظرية المؤامرة منتشرة بقوة بين المعتقلين. كان هناك معتقل لم يكن يثق بنا مطلقاً لدرجة أنه لم يصدق أن السهم في زنزانته يشير باتجاه مكة. كان يصلي في الاتجاه المعاكس.
كان علينا أنا ومارك أن نقف وسط مجمع الزنزانات ونشرح للمعتقلين باللغة العربية ما سيحدث. وأكدنا لهم أن ذلك كان لحمايتهم وصحتهم وأنها لن تكون مؤلمة. كان يبدو عليهم الارتباك. بعد ذلك شرح رئيس الفريق الطبي ما سوف يجري خطوة خطوة. ثم تقدم أحد العناصر الطبية وطلب من كل معتقل أن يقترب من الفتحة في باب الزنزانة المخصصة لتمرير الطعام ويكشف عن ساعده ويضع كتفه على الفتحة. بعد ذلك سيشعر بوخزة خفيفة عندما يتم حقن الإبرة وينتهي الأمر. وأضاف العنصر الطبي: "إذا تعاونتم، سيكون هذا أمراً سريعاً وسهلاً جداً" توقعت عكس ذلك.
وفيما كان عناصر الفريق الطبي يهيئون معداتهم، تحدث المعتقلون مع بعضهم البعض. كان الخوف يبدو على بعضهم. قال رجل طويل ونحيل يبدو أنه كان يتمتع ببعض سلطات القيادة "استعدوا لتكونوا شهداء". تماماً كما كنت قد توقعت. سألني أحد الأخصائيين النفسيين عما قاله ذلك الرجل. قلت له "هل تريد فعلاً أن تعرف؟" هز رأسه بالإيجاب. قلت "إنهم يعتقدون أننا سوف نقتلهم".
قررنا أنا ومارك أن أفضل استراتيجية هي أن نذهب معاً لنتحدث إلى زعماء مجمع الزنزانات للتعاون مع البرنامج. كان أحدهم مصراً على أننا كنا نحاول أن نسمعهم. قال "مضى على وجودنا هنا سنة تقريباً، وكنا جميعاً نعرف أن هذا سيحدث كنا نعرف أنكم ستجعلوننا شهداء في يوم من الأيام".
بدا أحد زعماء المعتقلين الآخرين أكثر انفتاحاً، لكنه لم يكن يفهم إذا كان ذلك جيداً بالنسبة إليهم، لماذا يتم إجبارهم على أخذ الحقنة بدلاً من جعلها اختيارية. استمر ذلك حوالي ربع ساعة. بعد ذلك قاطعنا حرس الشرطة العسكرية قائلاً "هيا لنبدأ الآن. أريدكم خارج مجمعي قبل الغداء. اشرحوا لهؤلاء الرجال أنهم سجناء لدى الجيش الأمريكي، وليسوا ضيوفاً في فندق".
رافقت أنا ومارك عناصر من الفريق الطبي، وبدأ كل منا في اتجاه معاكس للآخر. تطلب إقناع المعتقلين الاثنين الأولين مني محادثة طويلة لإقناعهما قبل أن يهيآ ساعديهما للحقنة. وبدأت العملية تسير ببطء. فجأة، توجه مارك إلى وسط المجمع وقال بصوت عال باللغة العربية: "اسمعوا، من المهم أن يفهم كل منكم أننا لا نحاول قتلكم. هذه الحقنة هي لحمايتكم من الأنفلونزا. وبما أنه يبدو أن معظمكم لا يصدقوننا، فسوف أثبت لكم أن الحقنة لن تؤذيكم" وكشف مارك عن ساعده وأعطاه العنصر الطبي الحقنة. ونجحت حركة مارك في تهدئة المعتقلين، وبدأت العملية تسير بسرعة أكبر. في النهاية كنا قد أعطينا الحقنة للجميع ما عدا بريطانيا مسلماً أسود كان يقرأ القرآن. أعطيته التعليمات مرتين لكنه لم ينظر إليّ. جاء مارك ليرى إذا كان يستطيع المساعدة. قلت له وقد بدأ صبري ينفد مثل الآخرين: "اسمع، إما أن تأخذها وحدك أو تأتي إلى الداخل ونجبرك على أخذها. رفع بصره عن القرآن وقال "ادخلوا".
جاء رئيس الحرس وتحدث إلى المعتقل بنفسه، وحاول معه بشتى الوسائل، لكن ذلك لم يجد نفعاً. اتصل رئيس الحرس بفريق الشرطة العسكرية الخاص (فريق التدخل الأولي) وطلب منهم الحضور. وقبل أن يحدث أي شيء، سمعت معتقلاً في الزنزانة الأخيرة يصيح: "الله أكبر". بعد ذلك دخل خمسة جنود يرتدون القبعات المعدنية وواقيات فوق الركبة وواقيات للصدر وقفازات جلدية سميكة. كان الجندي الأول يحمل درعاً شفافاً من الزجاج المقوى. كانوا يمشون بخطوات عسكرية نظامية، وكان كل واحد منهم يمسك بخصر الجندي الذي أمامه. كان يبدو وكأنه مشهد سينمائي. لم يكونوا على عجلة من أمرهم. التأثير النفسي لصوت أحذيتهم العسكرية على الأرضية المعدنية العالي والمخيف كان قوياً. كان أحد ضباط الصف يتبع المجموعة ومعه كاميرا فيديو. قال لي إن الأشرطة تستخدم للتدريب.
قام المعتقل بتقبيل القرآن ببطء وأغلقه ووضعه في غلافه الأبيض ووضعه على رف زنزانته. بعد ذلك وقف وخلع قميصه البرتقالي. كان نحيلاً ولكن عضلات جسمه كانت بارزة. عرفنا فيما بعد أنه كان يلعب رياضة الـ"كيك بوكسينج" في بريطانيا. أعطاه قائد الحرس فرصة أخيرة لم يجب بشيء واكتفى بأن أبدى استعداده لدخول فريق "قوة التدخل الأولية" بإشارة من يده.
كان الهواء في مجمع الزنزانات يبدو وكأنه يتذبذب فيما توقع الجميع بدء عنف منظم. كان بعض المعتقلين خائفين بحق، وتحركوا إلى مؤخرة زنزاناتهم. الآخرون بدؤوا يصيحون "كلاب أمريكية" "كفار" "الله أكبر" لم أشاهد في حياتي مثل ذلك الأذى.
وقف أعضاء فريق "قوة التدخل الأولية" في صف خارج باب الزنزانة وبدءاً من الخلف، بدأ كل واحد منهم يقول "مستعد" وبدأ كل واحد منهم بالتسلسل يضرب كتف الجندي الذي بجانبه. فتح الجندي الأول الباب ووجه جرعة كبيرة من رذاذ الفلفل على المعتقل، وبعد ذلك بدأ يدفعه بدرعه إلى زاوية الزنزانة. لكن المعتقل تمكن من إبعاد الدرع وحاول أن يركل الجندي الثاني في الصف. تمكن من ضربه بقوة على كتفه ولكن قبل أن يستطيع أن يضع رجله على الأرض، أمسكها الجندي الثالث وشدها، فارتفع جسد المعتقل في الهواء وسقط مرتطماً بالأرضية المعدنية. احتشد الجنود الخمسة فوقه. واحد كان مسؤولاً عن الإمساك برأسه، وكان من المفترض أن يمسك كل واحد من الآخرين بأحد أطرافه. كان المعتقل يركل ويتلوى مدفوعاً بعدوانية. كان مو يصيح به بالعربية ويطلب منه أن يتوقف عن المقاومة، أحد الجنود الأكثر قوة كان يمسك بثبات بذراع المعتقل بإحدى يديه ويكيل له اللكمات على أضلاعه بالثانية. وخلال ذلك كله، كان أحد زعماء المعتقلين يصيح "سوف تقتلونه! الله أكبر" وبعد ذلك، فجأة ركضت إحدى أعضاء الفريق، جندية كان يفترض أن تمسك بإحدى أرجل المعتقل، إلى خارج زنزانته وخلعت قناعها الواقي وهي تلهث. كان من الواضح أنها لم تكن باللياقة الكافية. وفيما كانت تلتقط أنفاسها، كان زملاؤها يكافحون لوضع القيود على أطراف المعتقل. بعد حوالي نصف دقيقة، وضعت خوذتها مرة أخرى وعادت للدخول. أخيراً تمكنت الشرطة العسكرية من تثبيت الرجل، ودخل أحد عناصر الفريق الطبي مع حقنته وأعطاه إياها.
كان الكثيرون من عناصر الشرطة العسكرية يفتقرون إلى الخبرة الكافية، إما لأنهم كانوا شباناً صغاراً في السن أو لأنهم كانوا احتياطيين لم يتعرضوا لكثير من المواقف الصعبة. وكنت أحياناً أشعر بالشفقة عليهم لأنهم كانوا يكتسبون خبرتهم في جحيم مثل جيتمو. كنا جالسين أنا وآدم وفانيسا عصر أحد الأيام الهادئة عندما اتصل بنا أحد عناصر الشرطة العسكرية والارتباك باد في صوته. قال: إن هناك حاجة إلى مترجم بسرعة في مجمع زنزانات تشارلي. كان الأمر يبدو خطيراً لذلك ذهبت أنا وآدم معاً.
مشينا على الحصى خلال متاهة الحواجز، وكان علينا أن نمر عبر ثلاث بوابات من بوابات المعسكر المزدوجة الكثيرة. وعندما وصلنا أخيراً إلى مجمع زنزانات تشارلي، رأينا فريقاً طبياً يسرع إلى هناك أيضاً، ولم تكن تلك إشارة طيبة اصطحبنا الحارس المسؤول بسرعة إلى منطقة الرياضة والاستحمام. كانت الحمامات تبدو مثل أقفاص أكثر منها أماكن لأخذ دش، وكانت كلها مفتوحة ما عدا ألواحا موضوعة لأجل الحشمة. في الساحة رأيت معتقلاً وكان الدم يغطي ذراعه اليمنى وقدميه، وكان مرفوعاً على نقالة طبية ونصف طرفه الأيسر يتدلى منها. وكانت الساحة الصغيرة مكتظة بالحراس والممرضين وطبيب وبنا نحن المترجمين.
كان الطبيب راكعاً قرب المعتقل، وذهب آدم وانحنى بقربه. سمعتهما يقولان للأسير، وهو بحريني اسمه حليم، إنه سيكون على ما يرام.
نظرت حولي لأرى إذا كان بإمكاني المساعدة في أي شيء آخر، على الأرض خارج مكان الاستحمام لاحظت بركة من الدم الأحمر الداكن، يبدو أن المعتقل كان قد قطع معصميه بشفرة. وكان على درج مجمع الزنزانات حارس شاب لا يتجاوز عمره التاسعة عشرة، وكان يرتجف ويحاول أن يهدئ أعصابه بتدخين سيجارة.
استدعاني أحد أفراد الشرطة العسكرية إلى مكان الاستحمام. كانت هناك بركة أخرى من الدماء، وكانت هناك دماء أيضاً على الحائط - كان يبدو وكأن نهراً تدفق من شرايين الرجل. لاحظت أن الدم على الحائط كان عبارة عن كتابة لجملة "انتحرت من شدة الظلم" طلب مني الضابط المسؤول ترجمتها له ففعلت.
نجا حليم بأعجوبة، وسمعت أكثر عن قصته المؤلمة بعد الحادثة. كان قد وصل بعد أسابيع قليلة من افتتاح معسكر إكس راي، لذلك فقد كان قد مضى على وجوده حوالي سنة. كان قد درس في أنديانا، وكان يتحدث الإنجليزية، لكن نادراً ما كان يتحدث عندما وصل إلى جيتمو، وذلك حسب قول فانيسا التي كانت قد التقت معه في معسكر إكس راي. كان دائماً يبدو مذهولاً وكأنه لم يكن يعرف أين هو. وتساءلت فانيسا فيما إذا كان قد تعرض لتجربة سيئة في سجن قاعدة باجرام. وفي النهاية وضع الأخصائي النفسي في جيتمو نظاماً دوائياً قوياً للمعتقل البحريني، وذلك أعطاه الفرصة الأولى ليحاول قتل نفسه. كان حليم يتظاهر بتناول دوائه كل يوم وخبأ أقراص الدواء في زنزانته، وكان يخطط لجمع أكبر كمية منها ليأخذها دفعة واحدة وينهي حياته. لكن أحد المساجين الآخرين وشى به واستدعى الأمر استدعاء عناصر فريق "قوة التدخل الأولية"، وكانوا في ذلك الوقت أكثر قسوة ووحشية في استخدام العنف مع المعتقلين، وكانوا بعد أن ينتهوا من ضربه يجبرونه على الركوع ويقيدون يديه خلف ظهره مع قدميه ويتركونه كذلك لمدة أربع ساعات، وكان الصليب الأحمر قد اشتكى من هذه الطريقة إلى أعلى المستويات في قيادة الجيش.
ولم يتحدث حليم في الأسابيع التالية. كان فقط يحدق في الفراغ أمامه. ولكن في اليوم الذي كانت الشرطة العسكرية تنقل المعتقلين من معسكر إكس راي إلى معسكر دلتا الذي كان قد بني حديثاً، تلقى حليم ضرباً مبرحاً مرة أخرى. رأته فانيسا بعد يومين من ذلك ولاحظت أن وجهه كان أسود وأزرق. وقال لها أخصائي نفسي إنه في حال أفضل بكثير مما كان عليه منذ يومين. وحاولت فانيسا أن تستفسر عن سبب ضرب حليم يوم الانتقال من معسكر إلى معسكر، ولكن أسئلتها لم تجد إجابة عرفت فقط أنه لم يكن هناك مترجم موجود وأن الشرطة العسكرية أضاعوا بصورة ما شريط الفيديو الخاص بتلك المرة التي ضربه فيها أفراد قوة التدخل الأولي.
بعد وصول حليم بفترة قليلة إلى معسكر دلتا، جرب طريقة أخرى للانتحار فكر أنه يستطيع أن يقتلع بعض الدهان من على حائط الزنزانات ويجمع كمية كافية ويأكلها دفعة واحدة لتقضي عليه، لكن ذلك لم يؤد إلا إلى ارتباك في معدته. وبعد ذلك بدا لفترة أنه كان في طريقه إلى التحسن - إلى أن جاء اليوم الذي طلب فيه شفرة وهو في الحمام بحجة أنه كان يريد حلاقة الشعر على جسده. بدا لي أن من الجنون السماح لمعتقل كان قد حاول الانتحار مرتين من قبل بأخذ شفرة إلى الحمام معه. ولكن في تلك الفترة، كانت الأمور غير المنطقية في المعسكر قد بدأت تصبح هي الشائعة.
عندما استلقيت على فراشي مساء، وجدت نفسي أفكر فيما إذا كانت عائلة حليم تعرف مكان وجوده. تساءلت فيما إذا كان قد ساعد القاعدة أو طالبان، أو أن ظروفاً أخرى جلبته إلى جيتمو. وتساءلت فيما إذا كنا فعلاً نملك شيئاً ضده.
كان أخصائيو الصحة النفسية والحراس دائماً مستيقظين خوفاً من أن يقوم معتقل ما بإيذاء نفسه. أحياناً كنا نسمع في القيادة أن هناك مخططاً للانتحار الجماعي، وأنهم عرفوا ذلك من خلال اعتراف أحد المعتقلين للمحققين حول هذا الأمر. سمعنا مرة أنهم سوف يحاولون طعن أنفسهم في آذانهم بأدوات حادة صنعوها من ملاعق بلاستيكية كانت تأتي مع أطعمتهم الجاهزة. ومع أن الأمر كان يبدو خرافياً، إلا أن قيادة المعسكر كانت مضطرة لأخذ الموضوع بجدية.
ورغم كل الاحتياطات، كانت محاولات الانتحار كثيرة. كنت في يوم راحتي عندما ذهب أحد أعضاء فريقنا واسمه بول ليتحدث إلى سعودي معتقل كان يمضي وقتاً طويلاً في التحقيق مؤخراً. كان يدعي أنه مدرس ولا علاقة له مطلقاً مع القاعدة. كان المعتقلون الآخرون الذين معه في مجمع الزنزانات يعتقدون أنه انهار وأنه كان يعترف ويدلي بالكثير من المعلومات للمحققين. كانوا يتهمونه على مدى أيام طويلة بأنه خائن وأنه سوف يذهب إلى جهنم، كانوا يقولون له "لقد خنت دينك سوف تحترق في الجحيم! لماذا تعمل معهم؟ يجب أن تقتل نفسك". كانوا يجبرونه على البقاء مستيقظاً في الليل وهم يوجهون إليه اتهاماتهم ويسخرون منه ويفرضون عليه الحرمان من النوم بطريقتهم الخاصة. طلب أن يتم نقله إلى الحبس الانفرادي، ولكن زملاءه الأسرى استمروا بالصراخ عليه وضرب الجدران بقوة كبيرة حتى لا يتركوه ينام.
في ذلك اليوم قال لصديقي المترجم بول: "إذا لم تنقلوني إلى أخرى ليس فيها أحد، فإنني سأقتل نفسي". نقل بول كلام المعتقل السعودي إلى الحراس، لكنهم لم يظهروا أي اهتمام بذلك، وقالوا إنهم لا يملكون أي سلطة لعزله عن الآخرين. قال السعودي ملحاً "لا، إنكم لا تفهمون، إذا لم أخرج من هنا خلال نصف ساعة من الآن، فسوف أقتل نفسي". توجه بول ليتحدث إلى الضابط المناوب المسؤول عن نوبة حراسة الشرطة العسكرية في ذلك اليوم، لكن الضابط قال له أيضاً إن قضية نقل المعتقل من مكان إلى آخر مستحيلة، لأن قسم الاستخبارات والتحقيق في المعسكر لم يوافق على ذلك. وفي الوقت الذي عاد فيه بول إلى مجمع الزنزانات لينقل الخبر السيئ، كان المعتقل السعودي يتدلى من سقف زنزانته بعد أن علق نفسه بأنشوطة كان قد صنعها من أغطية السرير ووضعها في عنقه وشنق نفسه. وأسرع بول بحثاً عن بعض الحراس، وأحضر معه مساعده وقاموا بقطع الأنشوطة وأنزلوا المعتقل ومددوه أرضاً. ووصل الطبيب بسرعة وقام بإجراء التنفس الاصطناعي للمعتقل الذي كان يبدو بلا حراك. لم يعرف أحد كم مضى على المعتقل السعودي وهو معلق في الزنزانة قبل إنقاذه، وكان من الواضح أنه تعرض لأذى خطير.
ودخل المعتقل السعودي في حالة غيبوبة تامة على مدى عدة أشهر. ولم يصل الأمر إلى الصحافة في البداية، لكن بعض تفاصيل الحادثة بدأت تتسرب إلى الإعلام بعد فترة. في الواقع كنا نتحدث في مكتب للقوميين حول هذه القضية، وكنا نلاحظ أن عدد المرات التي يحاول فيها معتقلون الانتحار في جيتمو لم تكن تصل إلى الإعلام إلا نادراً، ولذلك فإن الرقم الذي كان الإعلام يتحدث عنه لمحاولات الانتحار في جيتمو كان منخفضاً جداً. لم نكن نستطيع أن نقارن بين الأرقام الحقيقية لمحاولات الانتحار والرقم الذي يتحدث عنه الإعلام.
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»موسوعه الصقور«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®» اللبيب مجلس الباديه والرحلات 25 03-11-2008 02:03 PM
كل ما تريد من الأذكـــــــــــــــــــار فارس الشواطي مجلس الإسلام والحياة 24 06-10-2008 05:30 PM
هدا مجموع ما يخص يوم عشوراء احببت ان انقله لكم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 04-10-2007 06:33 AM
الانترنت والتعليم ... معلومات وحقائق ... ملف اعجبني ... نسناس المجلس الـــــعــــــــام 7 18-09-2006 06:53 PM
الله وأكبر لاول مره لقاء صحفي شامل مع00000 يحيى بن عبدالرحمن آل شاهر مجلس الإسلام والحياة 5 31-08-2006 04:06 AM


الساعة الآن 11:50 PM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود