المتقاعد بين تبعات الحقوق وحالات العقوق مقال رائع للكاتب سلامه بن هذال بن سعيدان


المجلس الـــــعــــــــام للمواضيع التي ليس لها تصنيف معين

 
قديم 02-11-2007, 09:14 AM
  #1
الحجاج الثقفي
عضو فعال
 الصورة الرمزية الحجاج الثقفي
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 527
الحجاج الثقفي is a glorious beacon of lightالحجاج الثقفي is a glorious beacon of lightالحجاج الثقفي is a glorious beacon of lightالحجاج الثقفي is a glorious beacon of lightالحجاج الثقفي is a glorious beacon of lightالحجاج الثقفي is a glorious beacon of light
افتراضي المتقاعد بين تبعات الحقوق وحالات العقوق مقال رائع للكاتب سلامه بن هذال بن سعيدان

مما لا يختلف عليه اثنان، أن كل موظف لابد أن ينتهي به المطاف إلى الخروج من الخدمة العاملة إلى التقاعد سواء طال به الوقت أو قصر. والإحالة إلى التقاعد بالنسبة للموظف المدني أو العسكري. يحكمها نظام محدد، وتخضع لضوابط معينة خليق بالموظف أن يلم بها

بالشكل الذي يجعله دائماً واعياً لها، حتى لا يتفاجأ بالإحالة إلى التقاعد أو تسبب له امتعاضاً، إذ إن التحسب المسبق للشيء يقاوم معاناة انتظاره، ومعرفة هذا الأمر وربطه بالزمان والمكان قد يلغي هذه المعاناة.

والموظف إذا تقادم به العمر، وطالت به الخدمة، لم يبق أمامه إلا أن يعرف واقعه الوظيفي، ثم على ضوء ذلك يوطّن نفسه على تسلم خطاب إنهاء الخدمة في أي وقت، مفترضاً أسوأ الافتراضات ومتوقعاً أبعد الاحتمالات دون أن يمني ذاته بأمانٍ كاذبة، أو يعللها بتعليلات خائبة.

ومن هذا المنطلق فإن المتقاعد هو الموظف الذي خرج من الخدمة العاملة في ظل النظام التقاعدي الذي فرض عليه هذا الخروج، وحكم عليه بالتحول من حالٍ إلى حال، والانتقال من سلم وظيفي عامل إلى واقع تحرري خامل، وما يترتب على ذلك من التحرر من قيود المهمة السابقة، وضرورة الاستعداد والإعداد للمرحلة اللاحقة.

وهذا المتقاعد سواء فُرض عليه التقاعد أو اختاره هو بنفسه فإن النتيجة واحدة والطريق نحو هذه النهاية مطروقة، والحكيم من كان بأموره عليماً، ولنفسه خصيماً، كما أن الإنسان حر إذا قنع، وعبد إذا طمع، والأماني عادة ما تخدعه وعلى أرض الواقع تدعمه، والعاقل في مثل هذا الموقف الذي قد يحصل فيه ما يعاكس الواقع ويخالف التوقع. ينبغي أن ينظر إلى الأمور بواقعية، واضعاً في حسبانه أن من ينظر من قمة الجبل يختلف عمن ينظر من سفحه، وأن بعض الأشجار المثمرة تدنو ثمرتها من الأرض وتنزل على النجيل والوحل، وفي الوقت نفسه فإن من أصعب الأمور وأكثرها إيلاماً للنفس وأشدها مضاضة على المرء أن يحصل له المكروه من حيث يتوقع المحبوب، أو يأتيه الشر من حيث يريد الخير.

وبما أن الإنسان كثير الهفوات والأخطاء، وقد قيل: الكامل من عدت هفواته، فإن المتقاعد بمجرد أن يصدر قرار إحالته خارج الخدمة، ويغادر مقر عمله متقاعداً، يصبح عرضة لنقد ناقد، وطعن حاسد من داخل بيئة العمل وخارجها، وهؤلاء ما بين واقعي منصف ونرجسي مجحف، والإحالة إلى التقاعد جعلت المحال في مرمى النبل بشكلٍ بات معه مستشرقاً، وبالرمي مستهدفاً.

وإذا كان هذا المتقاعد أثناء وجوده على رأس العمل من النوع الذي يقترب من مواطن الشبهات وأماكن التهم، ويستدني الأشرار. ويشذ في عاداته، وعفة نفسه ونظافة يده محل ريبة، فإنه قد يعرض نفسه لأن يساء به الظن. وينسب إليه أشياء قد يكون بعيداً عنها، منطبقاً عليه المثل الذي يقول: لا تلومنَّ من أساء بك الظن، إذا جعلت نفسك هدفاً للتهمة، وكما قال الشاعر:

مقالة السوء إلى أهلها
أسرع من منحدر سائل
ومن دعا الناس إلى ذمّه
ذموه بالحق وبالباطل

ومن منظور تشييد الانطباعات السارّة، وتحييد السماعيات الضارة، فإن أهم التبعات والنتائج التي يحدر بالمتقاعد أن يجنيها من سابق خدمته هي سجل هذه الخدمة وما يشهد له من إنجازات. وما يتركه صاحب هذا السجل خلفه من أرصدة إيجابية، ويجسده من انطباعات جميلة على صعيد عمله، تبقى شاهد صدق على كفاءته المهنية، وبراعته القيادية والإدارية، وما يدعم ذلك ويعضده من ترديد اسمه، وذكره بكل خير على أفواه الذين خدموا معه، خصوصاً أن الذكر الحسن هو عطر الأعمال الحسنة والشكر نسيم النعم، وبفضله يشيد الإنسان شرفه ويبر سلفه.

وإذا ما تم ذلك في إطار من شرف المهنة، والحرص على المصلحة العامة، بعيداً عن كل ما يطعن في المروءة، ويخدش نظاقة اليد وعفة اللسان، استحق هذا المتقاعد أن يبقى له ذكراً، ويروّج له فكراً، بوصفه يعد قدوة للاقتداء ومثالاً للاحتذاء في سلوكياته وممارساته، متحصناً من الآفات والمذام المحسوبة التي تجعل منه مضغة على الألسن ومحل تندر من قِبل الآخرين بعد رحيله.

والموظف إذا ما ترقى في سلم الرتب والمراتب، واعتلى قمم المناصب يتعين عليه أن يتفادى بقدر الإمكان تيه الوظيفة وغرورها، إذ إن من تاه في وظيفة أثبت للآخرين أن قدره دونها، وبقدر التكبر في الوظيفة يكون التذلل بعد العزل منها، وقد قيل: إن ذل العزل يُضحك من تيه الولاية، كما أنه مطلوب من هذا الموظف، أن يدرك أن الجاه المصاحب للسلطة والمترتب على مركزه الوظيفي، يفرض عليه حقوقاً نحو عمله وتجاه الآخرين، والصبر على هذه الحقوق قد يكون أشد من مرارة الحاجة إلى سبب وجودها، بمعنى أن متاعب ومطالب الحقوق الناجمة عن وجود الشيء تماثل إن لم تفق ألم الحاجة إليه.

وتبعات هذه الحقوق بالنسبة للمتقاعد قد تكون له أو عليه، والناس في فعل الخير بصورة عامة أربعة أقسام، فمنهم من يفعله ابتداءً، ومنهم من يفعله اقتداءً، ومنهم من يتركه حرماناً، ومنهم من يتركه استحساناً، وطبقاً لمكان المتقاعد من هذه الأقسام يتحدد العائد والمردود، وإذا صحت النية واقترنت بالعمل الصالح وحب الخير، راجحة كفة الذكر الجميل على بضاعة حاطبي الليل، فإن رضا الناس لا يدرك له غاية وليس له نهاية، وتحت التجربة لا يصح إلا الصحيح أما السراب فيتبدد والزبد يذهب جفاء.

وعلى الجانب الآخر فقد قال عمرو بن العاص: من كثر اخوانه كثر غرماؤه، وهذا قد يعني أن من كثر اخوانه كثرت ألسنة المطالب نحوه والحاجة إليه وما يقود إليه ذلك من حقوق للغير يتبعها الكثير من التبعات والمنغصات، ويدخل في هذا المفهوم أو قريباً منه أن بعض الاخوان قد يتحول إلى واجد في نفسه في يوم من الأيام، بحيث إنه بمجرد أن يطلب من أخيه طلباً أو يتشفع عنده أو به في حاجة، ويتعذر حصولها، يتحول إلى الاتجاه الخاطئ وإن لم يصل في هذا التحول إلى مرتبة الواجد في نفسه، لكنه قد يأخذ فيها شيئاً، وأهل المطالب في حكم الغرماء وعدم تحقيقها يضاعف الغرامة في الاتجاه العكسي.

ومن المنظور نفسه فإن بعض الناس لا يفرقون بين المطل في الوعد، وبين الوفاء به وبين ظروف الواقع المحيط والشفاعة وملابساتها، فننظر وعسى وإذا شاء الله هي أكثر وعود العصر، والوفاء بها وتحقيق النجاح فيها من الأمور المطلوبة، وإذا لم تسعف الظروف الشفيع أو المتشفع عنده، فما كلف الله نفساً إلا وسعها، ولا مجال فيها للتحول من حال إلى حال من قِبل الطرف الآخر، وهذه التحولات والمنغصات تعتبر جانباً من تبعات الحقوق وتراكماتها التي يعاني منها أي متقاعد تبعاً لمركزه الوظيفي ومجال عمله الاجتماعي وارتباطه بخدمة الناس.

وهناك تبعات سلبية قد لا تكون نتيجة لتقصير من قِبل من تقع عليه الحقوق، بل مردها يعود إلى أمور خارجة عن الإرادة، ولكن بعض أصحاب الحاجات، لا يؤمن بصدق النية والجهود المرحلية المبذولة طالما لم تتحقق حاجته، كما أن حقاً من هذه الحقوق أحياناً قد يُؤدى كاملاً غير منقوص، ولكن تجهم وجه الواقعة عليه الحقوق الذي يُطلب منه الطلب أو شكل أسلوبه التوضيحي بما يخدم عمله، تجعل صاحب هذا الطلب على الرغم من حصوله عليه ينسى ما قدم له، ويتحول إلى مكان المنتقم لنفسه وبالتالي يؤسس انطباعه وفق هذا المنظور الجائر.

ومن منطلق أن من تخلق بخلق غير خلقه الأصيل فتخلقه لا محالة زائل، وهو إلى خلقه الطبعي آيل، وما يؤكد هذه الحقيقة من حالات التنكر والعقوق وتلون أصحابها، فإن المتقاعد بحكم تحوله من واقع إلى آخر يكون أكثر حساسيةً تجاه النقائص الطبعية والخلقية التي يتصف بها البعض والتي تنم عن ضرائب لؤم وفساد طبع. وهذه النقائص ذات المؤشر الطبعي تبرز من خلال التنكر لما سبق، والتحول من المبدأ، وربط العلاقة مع الغير بالمصلحة الشخصية، وغير ذلك من الحالات التي تتمثل فيها الأثرة وعقدة الشعور بالدونية.

وعلى مستوى العسكريين فإن المتقاعد يفهم ضمناً بأنه رديف للعامل، وبمثابة الاحتياط له، حيث تقدم على هذا العامل بشرف السبق إلى الخدمة وغادرها قبله، قائلاً له: إذا كان لكل جديد لذة فإن لكل قديم حرمة، وما يعنيه ذلك من وجود الجميع تحت مظلة احتمالية قيام الحاجة، وبقاء العامل في دائرة الخدمة العاملة والمتقاعد خارجها، بحيث يشكل الثاني رديفاً للأول واحتياطاً له عند دواعي الحاجة وقيام الضرورة.

وثمة فترة زمنية قد تطول أو تقصر، تعتبر بالنسبة للمتقاعد استراحة محارب، ومرحلة انتقالية لما بعدها، يرتب فيها أموره، ويرسم من خلالها ملامح مستقبله، واضعاً الخطوط العريضة له، بما يعود عليه بالفائدة في دنياه وأخراه، بما في ذلك استثمار وقته وإشغال فراغه.

وينبغي ألا يغيب عن ذهن هذا المتقاعد ضرورة التوفيق بين إبقاء ما يجب الإبقاء عليه من الشكليات المظهرية والأساسيات الجوهرية وبين استعادة المبادرة من جديد نحو إعادة الحسابات وإجراء التقويمات على ضوء الوضع القائم وتحسباً لما هو قادم.

والواقع أن ترتيب الأولويات، وتحديد الأسبقيات وجدولتها، تمثل مطلباً بالغ الأهمية لكل متقاعد، حتى يستقر به المقام، وتتضح معالم دربه، متجسدة أمامه الثوابت والمتغيرات وجميع الحيثيات الماثلة التي يربط بموجبها أموراً حاصلة بأخرى تالية، وهو تقدير موقف تغلب عليه التلقائية في الممارسة والعفوية في التقدير، أكثر من المنهجية الفكرية والفاعلية في التدبير.

وفي الختام فإن المتقاعد وقد اتضحت له الرؤية وانفسح أمامه الطريق مستفيداً من الماضي ومعتبراً مما عاناه من تبعات الحقوق وحالات العقوق، لا غنى له من استعادة المبادرة ومراجعة كشف الحساب مع الاستمرار في الوفاء بمطالب الحقوق وتحييد آثار العقوق على النحو الذي يضمن استقراره، ويحفظ له مساره فيما بقي من عمره، واضعاً نصب عينيه التزود لمعاده وإصلاح دنياه بما يخدم أخراه.

__________________
[poem font="Tahoma,6,red,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,skyblue" type=4 line=1 align=center use=ex num="0,black"]
الا لايجهل احد علينا=فنجهل فوق جهل الجاهلينا[/poem]

التعديل الأخير تم بواسطة الحجاج الثقفي ; 02-11-2007 الساعة 09:17 AM
الحجاج الثقفي غير متواجد حالياً  
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قبيلة الحباب .... انسابها,,, وديارها الحميداني الحبابي مجلس الأنساب 74 08-04-2009 09:11 PM
دراسة تأريخية موثقة عن عشيرة الشجيرية الشمرية في العراق أحمد الشجيري مجلس الأنساب 8 23-07-2008 08:38 AM


الساعة الآن 09:53 PM

سناب المشاهير