بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي قرب إلى جنابه من أحب , والصلاة والسلام
على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وآله والصحب , وبعد :
هذه معلوماتٌ استقيتها من كتاب : " بسط سامع المسامر في أخبار مجنون بني عامر "
لـ أبي عبدالله شمس الدين محمد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي .
ولقد ذكر الكتاب عددًا من الروايات لكل حادثة ذكر بها قيس بن الملوح , ولكنني
انتقيت من كل حادثة رواية واحدة فقط , ومن أراد الاستزادة فله أن يرجع للكتاب .
قــــــــــــــيـــس بــن الـــــــــمــــلــــوّح (( مــجــــــــنــون لـــيــــلى ))
هو من نسب إليه سلطان الحب , وقد جاءت إليه محبوبته ليلى يوما وهو يقول :
- ليلى .. ليلى
ويلقي الثلج على صدره فيذيبه حرارة فؤاده , فقالت له :
- يا قيس , أنا ليلى
فنظر إليها وقال لها :
- إليكِ عني , فإن حبك شغلني عنك .
وهذا ألطف حال ظهر في هذا الشأن من سلطان الحب , لأن صورتها الظاهرة لما شاهدها
حالت بينه وبين ما كان في خياله منها , فإن خيالها ألطف منها في عينه , فلما أحس بفقد
ذلك اللطف لمشاهدتها قال لها : إليك عني .
وفي ذلك قالوا :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وعزّة الحب إن الحب أشهدني = عين الحبيب الذي أهواه في خـَـلدي
بحيث لو ظهرت في الحسن صورته = لعين حبي لم أنقص ولم أزدِ
فحال حضرته كحال غيبته = وهذه صفة ٌ لم تُدر في أحدِ
بها خصصت فلا شخصٌ ينازعني = فيها وأهل الهوى عنها على حيدي
لذاك أنكرها من ليس يعرفها = والكل أنكرها إذ كان لم يجدِ
والسر في ذلك أن القوم ما عشقوا = من عالم اللطف إلا عالم الجسدِ[/poem]
الاسم والنسب /
أما عنه فهو : قيس بن الملوّح بن مزاحم بن قيس بن قيس بن عنبسه .
وأما ليلى فهي : ليلى بنت مهدي بن سعد بن ربيعة بن الحريش
وقيل أنها : ليلى بنت ورد من بني ربيعة .
وفي كنيتها قولان :
أحدهما " أم مالك " وبذلك كنّاها المجنون في شعره وهو الصواب
والثاني " أم خليل " وفي بعض شعر المجنون " أم عمرو " على ما يأتي ,
وهي من بني عامر , ولهذا يقال لها ليلى العامرية .
بداية معرفة المجنون بليلى /
ذكر بعضهم أن قيسا خرج فمر بامرأة من بني عقيل , وكانت امرأة عاقلة , وكان بنات الحي
يجلسن عندها , ويتحدثن وينشدن الأشعار , فلما رأت قيسا دعته إلى النزول عندها , فنزل
عندهن , وتحدث معهن وأنشدهن , وقد عجبن من فصاحته , وإذا ليلى قد أقبلت , فلما رآها
فتن بها , فلما رأته تلك المرأة كذلك قالت : ما بالك يا قيس قد ضل عقلك؟ فقال : من يرى
مثل هذه الصورة كيف لا يضل عقله ؟! فسألت تلك المرأة ليلى أن تجلس معهن ففعلت ,
فانحرف قيس نحوها وعلق قلبه بها , وعلقته هي أيضا , فلما أمسوا انصرف قيس وبات
بأطول ليلة , فلما أصبح مضى وجلس إليهن , ثم جاء فتى من حي ليلى يدعى منازل فأقبلت
عليه ليلى وتركت قيسا , فكادت نفسه أن تذهب , فلما مضى أنشد قيس :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أأعقر من أجل الكريمة ناقتي = ووصلي مقرونٌ بوصل منازل ِ
إذا جاء قعقعنّ الحلى ولم أكن = إذا جئت أرجو صوت تلك الخلاخل ِ
ولم تُغن عني بردتي وتجمّلي = وقومي ونسلي من كرام ٍ أفاضل ِ
إذا ما اتفقنا في الحديث فضلتهُ = وإن رام وصلاً كان أكرم واصل ِ
وإني من إعراضها متألمٌ = قليل العزا والصد لا شك قاتلي[/poem]
فلما قال ذلك قالت :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
كلانا مظهرٌ للناس بغضًا = وكلٌ عند صاحبه مكينُ
وندفع بالتجمّل ضغن قوم ٍ = وفي الأحشاء منك هوىً دفينُ
ونظهر جفوةً من غير حقد ٍ = وحبك في فؤادي ما يبينُ
فطب نفسًا بذلك وقرّ عينًا = فإن هواك في قلبي مصونُ[/poem]
فلما سمع ذلك فرح ورجعت نفسه , فلم يزل معهن حتى أمسى ,
ثم ذهب فبات بأطول ليلة , وجهد أن ينام فلم يقدر , فأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا = ليَ الليل هزّتني إليك ِ المضاجعُ
أقضي نهاري بالحديث وبالمُنى = ويجمعني والهم بالليل جامعُ
لقد ثبتت في القلب منك محبةٌ = كما ثبتت في الراحتين الأصابعُ
ولو كان هذا موضع العتب لا شتفى = فؤادي ولكن للعتاب مواضعُ
وأنت التي صيرتِ جسمي زجاجةً = تنمّ على ما تحتويه الأضالعُ
أتطمع من ليلى بوصل وإنما = تضرّب أرقاب الرجال المطامعُ[/poem]
فلما أصبح غدا فوجدها مع أمها فلم تقدر أن تكلمه . فأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أخاف هواها تاركي بمضلّةٍ = من الأرض لا مالٌ لديّ ولا أهلُ
ولا صاحب ٌ أشكو إليه بليّتي = ولا وارثٌ إلى المطيّة والرحلُ
محا حبها حبّ الألىَ كنّ قبلها = وحلّت مكانا لم يكن حُل من قبلُ
فحبيها حبٌ قد تمكّن في الحشا = فما إن أرأى حبا يكون له مثلٌ[/poem]
فرجع وفي نفسه أشد من ذلك , ثم استمر به الحال من ذكرها , وقد لقيه ابن عم له فقال :
يا أخي اتق الله في نفسك , فإن الذي أنت فيه من عمل الشيطان , فازجره عنك .
فأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا حبّذا عملُ الشيطان من عمل = إن كان من عمل الشيطان حُبّيها[/poem]
في ذكر تزايد أمره وقلة صبره ورجوع عقله عند ذكراها /
كان المجنون يجلس في نادي قومه وهم يتحدثون فيقبل على بعض القوم وهو باهت ينظر
إليه ولا يفهم ما يحدثه به , ثم يثوب عقله فيسأل عن الحديث فلا يعرفه , فحدثه مرة
بعض أهله بحديث ثم سأله عنه فلم يعرفه , فقال : إنك لمجنون . فقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إني لأجلس في النادي أحدثهم = فأستفيق وقد غالتني الغولُ
يُهوى بقلبي حديث النفس نحوكم = حتى يقول جلسي أنت مخبولُ[/poem]
وتزايد أمره حتى فقد عقله , وكان لا يقر في موضع ولا يؤويه رحل , ولا يعلوه ثوب
إلا مزقه , وصار لا يفهم شيئا مما يكلّم به , إلا أن تذكر له ليلى ! فإذا ذُكرت أتى
بالبداية ورجع عقله .
وقيل أن قيسا ذهب إلى ليلى وقد شعروا ببعض أمره
فرأته ليلى ولم تقدر على القيام إليه , فأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أيا ليلُ بكّي لي بعينكِ رحمة ً = من الوجد مما تعلمين وأعلمُ
أليس مجيبا أن تكون ببلدة = كلانا بها يشقى ولا يتكلمُ
لئن كان ما ألقى من الحب أنني = به كلفٌ جمّ الصبابة مغرمُ
فعلّك أن ترثي لعبد متيّم ٍ = فمثلك يا ليلى يرق ويرحمُ
بكى لي يا ليلى الضمير وإنه = ليبكي بما يلقى الفؤاد ويعلمُ[/poem]
( كلف : مولع 000 الضمير : جبل بالشام )
فلما اشتهر أمره لام قيسا أهله على ذلك ,
فصبر عن زيارتها أياما , ثم سار إليها وهو ينشد :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا أيها القلب اللجوج المعذّلُ = أفق عن طلاب البيض إن كنت تعقلُ
أفق كما أفاق العاشقون عن الهوى = وأنت بليلى هائم القلب مُتبَلُ
وقد زعمت ليلى بأني سلوتها = وأن سواها حبه لي مكمّلُ
فقلت لها : يا ليل والله إنني = لأوفي بعهدي في الجميل وأفضلُ
هبي أنني أذنبت ذنبا جهلته = ولم آته عمدا وذو الجهل يجهلُ
فقد تبت إليك فها اقبلي = ومثلي إذا ما تاب مثلكِ يقبلُ
عفا الله عما قد مضى لسبيله = فها أنا من ذنبي لكم أتنصلُ
فإن شئت هاكي نازعيني حكومة ً = وإن شئت قلنا إن حكمك أفضلُ
وإن كان هذا الهجرُ هجرَ تدلل ٍ = فقد زادني يا ليل هذا التدللُ
أعلّل منك النفس بالوعد والمُنى = فهل لي بيأس ٍ منك يا ليلى أعللُ
أهيم بكم في كل يوم ٍ وليلةٍ = جنونا وجسمي بالسقام موكّلُ[/poem]
ثم سار حتى جاء منزلهم فلم يجدهم , فجعل يقبّل الأرض ويقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أبوس تـراب رجـلـك ِ يا لـُويـْـلـَى = ولـولا ذاك لــم أدعـَى الــمـصـابا
وما بـَـوسي التراب لحـب أرض ٍ = ولـكـن حـب مـن وطـئ الـتـــرابا
جننت بها وقد أصبحت فيها = محبا أستطيب بها العذابا
ولازمت القفار بكل أرض ٍ = وعيشي بالوحوش نما وطابا[/poem]
ثم صوّر صورة في التراب منها , وجعل يعاتبها ويقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أصوّر صورةً في الترب منها = وأبكي إن قلبي في عذابِ
وأشكو هجرها منها إليها = شكاية مدنفٍ عظم المصابِ
وأشكو ما لقيت وكل وجد = غراما بالشكاية للترابِ[/poem]
( مدنف : مريض )
ولما خلط قيس بن الملوح وزال عقله وامتنع عن الأكل والشرب سارت أمه إلى ليلى فقالت
لها : إن ابني قد جنّ من أجلك وذهب حبك بعقله , وقد امتنع عن الطعام والشراب , فإن
رأيت أن تسيري معي إليه , فلعله إذا رآك أن يسكن بعض ما يجد . فقالت لها : أما نهارا
فما يمكنني ذلك , وإن علم أهلي ذلك لم آمنهم على نفسي , ولكن سأسير إليه في الليل ,
فلما كان الليل سارت إليه وهو مطرق يهذي , فقال له : يا قيس إن أمك تزعم أنك جننت
من أجلي وأصابك ما أصابك , فرقع رأسه فنظر إليها وتنفس الصعداء وأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
قالت جُننت على أيش ٍ؟ فقلت لها = الحب أعظم مما بالمجانين ِ
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه = وإنما يُضرع المجنون في الحين ِ
لو تعلمين إذا ما غبتِ ما سقمي = وكيف تسهر عيني لم تلوميني[/poem]
ولنوفل بن مساحق أنه رأى يوما قيسا وهو يلعب بالتراب , فدنا منه وكلمه , فجعل يجيبه
بخلاف ما يسأله عنه , فقال له رجل من أهله : إذا أردت أن يكلمك كلاما صحيحا فاذكر له
ليلى . فقال له نوفل : أتحب ليلى ؟ قال : نعم . قال : فحدثني حديثك معها .
قال : فجعل ينشد شعره فيها فأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وشُغلت عن فهم الحديث سوى = ما كان منكِ وأنتمُ شغلي
وأديم نحو محدثي ليرى = أن قد فهمت وعندكم عقلي[/poem]
وأنشد :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ذكرت عشيّة الصدفين ليلى = وكل الدهر ذكراها جديدُ
إذا حال الغراب الجون دوني = فمنقلبي إلي ليلى بعيدُ
عليّ أليّة إن كنت أدري = أينقص حب ليلى أم يزيدُ[/poem]
( أليّة : يمين , حـَلِف )
فلما رأى نوفل ذلك منه أدخله بيتا وقيّده وقال : أعالجه . فأكل لحم ذراعيه وكفيه فحلـّـه
وأخرجه , فكان يأوي مع الوحش , وكان له داية ربّته صغيرا , فكان لا يألف غيرها
ولا يقرب منه أحد سواها . فكانت تخرج في طلبه إلى البادية وتحمل له الخبز والماء ,
فيوما أكل ويوما لم يأكل .
عزمهم على تزويجه بغيرها لعله يذهب ما به /
لما ذكر المجنون لليلى واشتهر أمره اجتمع إلى أبيه أهله , وكان سيدا . فقالوا له : زوّج
قيسا , فإنه سيكف عن ذكر ليلى وينساها . فعرض عليه أبوه التزويج فأبى وقال : لا حاجة
بي لذلك . وأتى ليلى بعض فتيان الحي , ممن كان يحسد قيسا ويعاديه , فأخبرها أنه عزم
على أن يتزوج . وجاء المجنون كما كان يجيء فحجبته ولم تظهر له , فرجع وهو يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فوالله ما أدري علام هجرتني = وأيّ أموري فيكِ يا ليلُ أركبُ
أأقطع حبل الوصل فالموت دونه = أم أشرب رنقـًـا منكم ليس يشربُ
أم أهرب حتى لا أرى لي مجاورًا = أم أفعل ماذا أم أبوح فأغلبُ
فوالله ما أدري وإني لدائبٌ = أفكّر ما جرمي إليها فأعجب ُ[/poem]
فبلغها قوله فأنشأت تقول : صدق والله قيس حين يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ومن يطع الواشين لا يتركوا لهُ = صديقا وإن كان الحبيب إلى القلبِ[/poem]
وذكر بعضهم أنه قال له : أنا أزوجك أشرف منها وأحسن . فبكى وأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لليلى على قلبي من الحب حاجزٌ = مقيم ٌ ولكنّ الفراق عظيمُ
فواحدةٌ تبكي من الهجر والقِلى = وأخرى لها شجوٌ بها وتهيمُ
وينهشني من حب ليلى نواهشٌ = لهنّ حريق في الفؤاد مقيمُ
إلى الله أشكو فقد ليلى كما شكا = إلى الله فقد الوالدين يتيمُ
يتيمٌ جفاه الأقربون فعظمُهُ = ضعيف وعهد الوالدين قديمُ
وإن زمانا فرّق الهجر بيننا = وبينكِ يا ليلى فذاك ذميمُ[/poem]
خروجهم به إلى مكة ليذهب كلفه ويـُـقـِـل /
لما ظهر من المجنون ما ظهر ورأى قومه ما ابتلي به اجتمعوا إلى أبيه وقالوا : يا هذا
قد ترى ما ابتلي به ابنك , فلو خرجت به إلى مكة فعاد بيت الله , ودعا الله عز وجل ,
رجونا أن يرجع عقله ويعافيه الله . فخرج أبوه حتى أتى مكة , فجعل يطوف به ويدعو
الله له بالعافية , وهو يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
دعا المحرمون الله يستغفرونه = بمكة وهًنا أن تمحى ذنوبها
وناديت أن يا رب أوّل سؤلتي = لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فإن أعط َ ليلى في حياتي لا يتب = إلى الله خلقٌ توبةً لا أتوبها[/poem]
( وهنا : منتصف الليل )
حتى إذا كان بمنى نادى منادٍ من بعض تلك الخيام يا ليلى , فخرّ قيس مغشيا عليه , واجتمع
الناس حوله , ونضحوا على وجهه الماء , وأبوه يبكي عند رأسه , ثم أفاق وهو يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وداع ٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى = فهيّج أطراب الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما = أطار بليلى طائرا كان في صدري[/poem]
( أطراب الفؤاد : أحزانه )
وذكر بعض المشائخ قال : خرجت حاجا حتى إذا كنت بمنى إذا جماعة على جبل من تلك
الجبال ومعهم فتى أبيض حسن الوجه وقد علاه الصفار , وبدنه ناحل , وهم يمسكونه ,
فسألتهم عنه , فقالوا : هذا قيس الذي يقال له المجنون , فقلت لهم : فما لكم تمسكونه؟
قالوا نخاف أن يجني على نفسه جناية تتلفه . قال : وهو يقول : دعوني أتنسّم صبا نجد .
فقال لي بعضهم : ليس يعرفك , فلو شئت دنوت منه فأخبرته أنك من نجد وأخبرته عنها .
قلت : نعم أفعل . فدنوت منه فقالوا له : يا قيس هذا رجل قدم من نجد . قال : فتنفس حتى
ظننت أن كبده قد تصدّعت , ثم جعل يسألني عن موضع ٍ موضع ووادٍ واد , وأنا أخبره ,
وهو يبكي : ثم أنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا حبّذا نجدٌ وطيب ترابهِ = وأرواحه إن كان نجد على العهدِ
ألا ليت شعري عن عوارضتى قنا = بطول الليالي تغيرتا بعدي
وعن جارتينا بالبـَـتيل إلى الحمى = على عهدنا أم لم تدوما على عهدِ
وعن أعلويّات الرياح إذا جرت = بريح الخزامى هل تهب إلى نجدِ
وعن أقحوان الرمل ما هو صانعٌ = إذا هو أسرى في ليلة بثرى جعدِ
وإن هبت الأرواح هيّجن ذكره = فيا طول أحزاني عليه ويا وجدي[/poem]
وأنشد بعضهم للمجنون :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إذا الحجاج لم يقفوا بليلى = فلست أرى لحجّهم تماما
تمامُ الحج أن تقف المطايا = على ليلى وتُقريها السلاما[/poem]
وأنشد أيضا :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أقول لإلف ذات يوم لقيتهُ = بمكة والأنضاء ملقىً رحالها
بربك أخبرني ألم تأثم التي = أضر بجسمي من زمان ٍ خيالها
فقال : بلى والله سوف يمسّها = عذابٌ وبلوى ف الحياة تنالها
فقلت ولم أملك سوابق عبرة ٍ = سريع ٍ على جيب القميص انهمالها
عفا الله عنها ذنبها وأقالها = وإن كان في الدنيا قليلا نوالها[/poem]
في ذكر منعه من محادثتها والاجتماع بها /
لما نسب المجنون بليلى وشهر بحبها اجتمع إليه أهلها فمنعوه من محادثتها وزيارتها ,
وتهددوه وأوعدوه بالقتل , وكان يأتي امرأة فتعرف له خبرها فنهوا تلك المرأة عن ذلك ,
فكان يأتي الغافلات في الحي في الليل . فلما كثر ذلك خرج أبو ليلى ومعه نفر من قومه إلى
مروان بن الحكم يشكون إليه ما ينالهم من قيس بن الملوّح , وسألوه الكتاب إلى عامله لديهم
بمنعه من كلام ليلى , فكتب لهم مروان كتابا إلى عامله يأمره أن يحضر قيسا ويتقدم إليه في
ترك زيارة ليلى , فإن أصابه أهلها عندهم أهدر دمه . فلما ورد ذلك قيس وأبيه وأهل بيته
قال قيس :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا حُجبت ليلى وآلي أميرها = عليّ يمينا جاهدا لا أزورها
فكيف وقلبي في هواها موكّل = وقد فاض من أجفان عيني غزيرها
وفيها جفاني كل إلف ٍ وصاحب ٍ = فيا ليت شعري ما يكون مصيرها
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت = فقد رابني منها الغداة سفورها
وما أسفرت إلا وقد بات أهلها = على عجل منّي وهذا نذيرها
وأوعدني فيها رجالٌ أعزهم = أبي وأبوها فاستقلّت صدورها
على غير ذنب ٍ غير أني أحبها = وأن فؤادي عند ليلى أسيرها
وقد عوّضتني بالوصال قطيعة ً = فيا ليت شعري ما يكون أخيرها[/poem]
ما وقع له من الاستخبار والاصطياد /
لقي مجنون بني عامر الأحوص الأنصاري فقال له حدثني حديث عروة بن حزام .
فجعل الأحوص يحدثه وهو يسمع حتى فرغ من حديثه . ثم أنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عجبت لعروة العُذري أمسى = أحاديثا لقوم ٍ بعد قوم ِ
وعروة مات موتا مستريحا = وها أنا ذا أموت بكل يوم ِ[/poem]
ويوما دخل كـُـثير عزّة على عبدالملك بن مروان , فجعل ينشد شعرا في عزة وعيناه تذرفان .
فقال له عبدالملك : قاتلك الله يا كثير ! هل رأيت أحدا أعشق منك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ,
خرجت مرة أسير في البادية علي بعير لي يوضع ( يوضع : يسرع السير ) فبينما أنا أسير
إذ رفع لي شخص فأممته , فإذا رجل قد نصب شركا للظبى وقعد بعيدا منه , فسلمت فرد علي
السلام . فقلت له : ما أجلسك هاهنا ؟ قال : نصبت شركا للظبى فأنا أرصده . قلت : إن أقمت
لديك فصدت أطعمتني ؟ قال : إي والله . قال : فنزلت فعقلت ناقتي وجلست أحدثه , فإذا هو
أحسن خلق الله حديثا وأرقّه وأجزله , قال : فما لبثنا أن وقعت ظبية في الشرك , فوثب
ووثبت معه , فخلصها من الحبائل ثم نظر في وجهها مليّـا , ثم أطلقها . وأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أيا شِـبه ليلى لن تراعي فإنني = لك اليوم من بين الوحوش صديقُ
ويا شبه ليلى لن تزالي بروضةٍ = عليك سحابٌ دائم وبروقُ
فما أنا إذ أشبهتها ثم لم تؤب = سليما عليها في الحياة شفيقُ
ففر فقد أطلقت عنك لحبها = فأنت لليلى ما حييت طليقُ
فعيناك عيناها وجيدك جيدها = ولكنّ عظم الساق منكِ دقيقُ[/poem]
( تؤب : ترجع )
ثم أصلح شركه وعدنا إلى موضعنا . فقلت : والله لا أبرح حتى أعرف أمر هذا الرجل . فأقمنا
باقي يومنا فلم يقع لنا شيء , فلما أمسينا قام إلى غار قريب من الموضع الذي كنا فيه وقمت
معه فبتنا به . فلما أصبح غدا فنصب شركه , فلم نلبث أن وقعت ظبية شبيهة بأختها التي
بالأمس , فوثب إليها ووثبت معه , فاستخرجها من الشرك ونظر في وجهها مليّـا ثم أطلقها
فمرت . فأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
اذهبي في كلاءة الرحمن ِ = أنت مني في ذمة وأمان ِ
لا ترهبي والجيد منك لليلى = والحشا والبـُغام والعينان ِ
لا تخافي بأن تُهاجي بسوء ٍ = ما تغنى الحمام في الأغصان ِ[/poem]
( البُغام : صوت الظبي )
ثم عدنا إلى موضعنا فلم يقع يومنا ذلك شيء , فلما أمسينا سنا إلى الغار فبتنا فيه . فلما
أصبحنا غدا إلى شركه وغدوت معه . فنصبه وقعد يتحدث , وقد شغلني يا أمير المؤمنين
بحسن حديثه عن الجوع , فبينما نحن نتحدث إذ وقعت في الشرك ظبية فوثب إليها ووثبت
معه . فاستخرجها من الشرك فنظر في وجهها وأراد أن يطلقها فقبضت على يده وقلت :
ماذا تريد أن تعمل ؟ أقمت لديك ثلاثا كلما صدت شيئا أطلقته ! قال : فنظر في وجهي
وعيناه تذرفان وأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أتلحي محبا هائم القلب إذ رأى = شبيها لمن يهواه في الحبل موثقا
فلما دنا منه تذكّر شجوهُ = وذكّره من قد نأى فتشوّقا[/poem]
( أتلحي : أتـلوم )
فرحمته والله يا أمير المؤمنين فبكيت لبكائه , فنسبته فإذا هو
قيس المجنون . فذلك والله أعشق مني يا أمير المؤمنين .
وذكروا أن المجنون مرّ برجلين قد صادا عنزا من الضباء فقمطاها . فلما نظر إليها دمعت
عيناه وقال : يا هذان خلـّـياها . فأبيا عليه . فقال : لكما مكانها شاة من غنمي . فقبلا منه
ودفعاها إليه , فأطلقها ودفع إليهما الشاة . وأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
شريت بكبش شبه ليلى ولو أبوا = لأعطيت مالي من طريف وتالد ِ
فيا بائعي شبها لليلى هُبلتما = وجُنبتما ما ناله كل عابد ِ
فلو كنتما حرين ما بعتما معا = شبيها لليلى بيعة المتزايد ِ
وأعتقتماها رغبةً في ثوابها = ولم ترغبا في ناقص غير زائد ِ
فلا ظفرت كفّا كما بكريمةٍ = وجُنبتما صوب الغمام الرواعد [/poem]ِ
( طريف : الجديد 000 تالد :القديم الموروث )
وقال في ذلك أيضا :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا صاحبيّ الذين اليوم قد أخذا = في الحبل شبها لليلى ثم شدّاها
إني أرى اليوم في أعطاف شاتكما = مشابهًا أشبهت ليلى فـَحُلاها
وأورداها غديرا لا عدمتكما = من ماء مزن ٍ قريب ٍ عند مرعاها[/poem]
قال مجنون بني عامر : بينما أنا ذات يوم قاعد إذ رأيت ذئبا فرس ظبية , فاتبعته فإذا هو
رابض عندها يأكلها , فرميته بسهم فما أخطأته , ثم لحقته فقتلته وشققت بطنه وأخرجت
ما كان في بطنه من لحمها فدفنته وأحرقت الذئب , وقلت في ذلك :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أبى الله أن يبقى لليلى بشاشة ٌ = فصبرا على ما شاءه الله لي صبرا[/poem]
في ذكر كلفها به /
ذكر أن رجلا رحل إلى ناحية الشام مما يلي تيماء والشراة في طلب بغية له , فإذا هو بخيمة
قد رفعت له , وقد أصابه مطر فعدل إليها فتنحنح , فإذا بامرأة قد كلمته فقالت لبعض العبيد :
سلوا هذا الرجل : من أين أقبل ؟ فقال : من ناحية اليمامة ونجد . فقالت له : انزل . فنزل
وراحت إبلهم وغنمهم , فإذا أمر عظيم , وإذا رعاء كثير , فقالت : أيّ بلاد نجد وطئت ؟
فقال : كلها . فقالت : بمن نزلت هناك ؟ قال : ببني عامر . فتنفست الصعداء وقالت : بأي
بني عامر ؟ فقال : ببني الحريش . فاستعبرت ثم قالت : هل سمعت بذكر فتى يقال له قيس
ويلقّب بالمجنون ؟ فقال : أي والله , ونزلت بأبيه وأتيته حتى نظرت إليه في تلك الفيافي
يهيم , ويكون مع الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تذكر له ليلى , فيبكي وينشد الأشعار
يقولها فيها . قال : فرفعت الستر بيني وبينها فإذا شقة قمر , فلم تر عيني مثلها , فبكت
وانتحبت حتى ظننت والله أن قلبها قد انصدع , فقلت لها : أيتها المرأة , اتقي الله ,
فوالله ما قلت بأسا . فمكثت طويلا على تلك الحال من بكاء ونحيب , ثم قالت :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا ليت شعري والخطوب كثيرة ٌ = متى رحلُ قيس ٍ مستقلٌ فراجعُ
بنفسيَ من لا يستقل برحله = ومن هو إن لم يحفظ الله ضائعُ[/poem]
ثم بكت حتى غشي عليها , فلما أفاقت قلت : من أنت ؟ قالت : أنا ليلى المشؤومة عليه ,
غير المساعدة له . فما رأيت مثل حريقها عليه ووجدها به , فمضيت وتركتها .
في شعوره بالألم عند فراقها وسؤاله الغريب والبعيد بكل أمرها /
قيل إن ليلى اجتمعت به مرة ثم ودعته فقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ضعفتُ عن التسليم يوم وداعها = فودّعتها بالطرف والعين تدمعُ
وأخرست عن رد الجواب فمن رأى = محبا بدمع العين قلبا يودعُ
عليك سلام الله مني تحية ً = إلى أن تغيب الشمس من حيث تطلعُ[/poem]
وقيل إنها زارته مرة فأنشأ يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
زها جسم ليلى في الثياب كما زها = مع الغصن غصن قد تزايد عودها
ضممتك حتى قلتُ: ناري قد انطفت = فلم تطفَ نيراني وشبّ وقودها
ألا قل لليلى قد وهبت لها دمي = وجدت بنفسي قد نعاها عزيزها[/poem]
وقيل أنه اجتمع بليلى يوما , فلما حان فراقها أنشد هذه الأبيات :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
متى يشتفي منكِ الفؤاد المعذّبُ = وسهم المنايا من وصالكِ أقرَبُ
فبعدٌ وهجرٌ واشتياقٌ ورجفةٌ = فلا أنت تدنيني ولا أنا أقرُبُ
كعصفورة ٍ في كفّ طفل يزمّها = تذوق حياض الموت والطفل يلعبُ
فلا الطفل ذو عقل ٍ يرق لما بها = ولا الطير ذو ريش ٍ يطير فيذهبُ
ولي ألف وجه ٍ قد عرفت مكانه = ولكن بلا قلب ٍ إلى أين أذهب ؟[/poem]
ويوما مر المجنون بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم شات , فوقف عليه ثم قال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
بربك هل ضممت إليك ليلى = قُبيل الصبح أو قبّلت فاها
وهل رفّت عليك قرون ليلى = رفيف الأقحوانة في نداها[/poem]
فقال : اللهم إذ حلفتني فنعم . فقبض المجنون بكلتي يديه قبضة من الجمر
فما فارقهما حتى خرّ مغشيا عليه , فسقط الجمر مع لحم راحتيه .
في ذكر ما حصل له في جنونه من الصوت , وذهابه مع الوحوش حتى جاءه الموت /
وفد فتى من نَهد يقال له صباح بن عامر على الملوّح أبي قيس المجنون , فسلم عليه وخبّره
نسبه وقال له : إني وفدت من بلدي لأنظر إلى قيس وأسمع شعره , فما فعل ؟ فبكى الشيخ
حتى غشي عليه , ثم سكن وقال له : وأنى لك بقيس ؟ فقد عشق ابنة عم له , وإنه جن ّ على
رأسها , فهو لا يأنس بأحد , يرد مع الوحش يوم ورودها , ويصدر معها إذا صدرت , ولكن
هاهنا شاب يذهب إليه في كل يوم , وهو يأنس به ويحدثه , فإن شئت فصر إليه . قال
صباح : فصرت إلى الفتى فرحب بي وسألني عن حالتي فأخبرته , فقال لي : تروي لقيس بن
ذريح شيئا ؟ فإن المجنون معجب بشعره , قلت : أنا من أحفظ الناس لشعر قيس . قال : فصر
إلى موضع كذا وكذا فاطلبه في تلك الفيافي فإنك تجده , واعلم أنه إذا رآك فسوف ينفر منك
ويهوي إليك بحجر , فلا يهولنّـك واقعد كأنك لا تريده , فإذا رأيته قد سكن : فاذكر له ليلى ,
فإنه سيرجع إليه عقله وترجع صحته ويحدثك عن حاله . ثم أنشده من شعر قيس بن ذريح
فإنه مشغوف به . قال صباح : ففعلت الذي أوصاني به الفتى فلم أزل أطلبه حتى انتصف
النهار , فإذا أنا برجل عريان قد شعث شعر رأسه على حاجبيه , وإذا هو قد فعل حظيرة من
تراب وهو قاعد في وسطها وإلى جانبه أحجار وهو يخطط بإصبعه في الأرض , فلما رآني
أهوى إلى حجر ووثب ليقوم , فقعدت ناحية أرمي ببصري إلى غيره ولا أحفل به , ثم إنه
رجع إلى عبثه وتخطيطه . فقلت له : أتعرف ليلى ؟ قال : بأبي والله هي , وكيف لا أعرفها ؟
قلت : لله در قيس بن ذريح حيث يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وإني لمفن ٍ دمع عيني بالبكا = حِذارا لما قد كان أو هو كائنُ
وقالوا غدا أو بعد ذاك بليلة: = فراق حبيب لم يبن وهو بائنُ
وما كنت أخشى أن تكون منيتي = بكفّيكِ إلا أن ما حان حائن[/poem]
فقال : أنا والله أشعر منه حيث أقول :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
نعب الغراب ببين ليلى غُدوة ً = فأتى الكتاب ببينهم مخطوطا
أصبحت من أهلي الذين أحبهم = كالسهم أصبح ريشه ممروطا[/poem]
ثم وثب مسرعا إلى ظبي سنحت له فغاب عن عيني فتبعته فجعلت أقفو أثره إلى آخر النهار
فما وقعت عيني عليه , ثم غدوت في اليوم الثاني فجعلت أطوف عليه في تلك الفيافي حتى
إذا جنى الليل انصرفت , فلما كان في اليوم الثالث طلبته فإذا أنا به عريان بين أحجار ميت .
وقد حكي فيه غير ذلك :
فذكر أن كثيرا قال : بينما أنا عند مجنون بني عامر إذ مر راكب فقال : تعزّ يا قيس .
قال : عمّن ؟ قال : عن ليلى . فقام إلى بعيره وقمت إلى بعيري , ثم أتينا الحي فأرشد
إلى قبرها , فأقبل يقبله ويلزمه ويشم ترابه وينشد الشعر , ثم شهق فمات فدفنته .
في ذكر سياق أبيات نستحسنه من شعره /
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
قضاها لغيري وابتلاني بحبها = فهلاّ بشيء ٍ غير ليلى ابتلانيا [/poem]
قال القذحمي : لما قال المجنون هذا البيت سُـلب عقله ,
وقال ابن الجوزي : ذهب بصره .
وقال المجنون :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تزوّدت من ليلى بتكليم ساعةٍ = فما زاد إلا ضعفَ ما بي كلامها[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى = فصادف قلبا خاليا فتمكّنا[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يكاد فضيض الماء يخدش جلدها = إذا اغتسلت بالماء من رقّة الجلد ِ[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لقد هتفت في جنح ليل حمائمُ = على إلفها وإني لنائمُ
كذبتُ وبيت الله لو كنتُ عاشقا = لما سبقتني بالبكاء الحمائمُ[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يقرّ بعيني قربها ويزيدني = بها كلفا من كان عندي يعيبها
وكم قائل ٍ قد قال: تب فعصيته = وتلك لعمري توبةٌ لا أتوبها[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عفا الله عن ليلى وإن سفكت دمي = فإني وإن لم تجزع غير عاتبِ
عليها ولا مبدٍ لليلى شكاية ً = وقد تشتكي البلوى إلى كل صاحبِ
يقولون : تب من حب ليلى وذكرها = وما خلتُني عن حب ليلى بتائبِ[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أحبّا على حب وأنت ِ بخيلة ٌ = وقد زعموا ألاّ يحب بخيلُ
بلى والذي حج الملبّون بيتهُ = ويشفي الجوى بالنّيل وهو قليلُ[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أمر على الديار ديار ليلى = أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار أهاج وجدي = ولكن حب من سكن الديارا[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فحبك أنساني الشراب وبردهُ = وحبك أبكاني بكل مكان ِ
وحبك أنساني الصلاة فلم أقم = لربي بتسبيح ولا بقرآن ِ[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وما الناس إلا عاشقون ذوو الهوى = ولا خير فيمن لا يحب ويعشقُ
إذا لمتها قالت : وعيشك إننا = حراصٌ على اللقيا ولا نتفرقُ
فإن كنت مشتاقا فسر نحو بابنا = فنحن إلى ما كان من ذاك أشوقُ[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إذا نظرت نحوي تكلّم طرفها = وجاوبها طرفي ونحن سكوتُ
فواحدةٌ منها تبشّر باللقا = وأخرى لها نفسي تكاد تموتُ
إذا مت خوف اليأس أحيانيَ الرجا = فكم مرة ٍ قد متّ ثم حييت
ولو أحدقوا بي الإنس والجن كلهم = لكي يمنعوني أن أجيكِ لجيتُُ[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عجبت لليلى كيف نامت وقد غفت = وليس لعيني للمنام سبيلُ
ولما غفت عيني وما عادةٌ لها = بنوم ٍ وقلبي بالفراق عليلُ
أتاني خيالٌ منك باليلَ زائرٌ = فكادت له نفسي الغداة تزولُ
خيال لليلى زارني بعد هجره = وزار نجيّا والعناقُ يطولُ[/poem]
وقال :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أحبك يا ليلى محبة عاشق ٍ = عليه جميع المصعبات تهونُ
أحبك حبا لو تحبين مثله = أصابك من وجد ٍ عليّ جنونُ
ألا فارحمي صبّا كئيبا معذّبا = حريق الحشا مضنى الفؤاد حزينَ
قتيلٌ من الأشواق أما نهاره = فباك ٍ وأما ليله فحزينُ
له عبرةٌ تهمى ونيران قلبه = وأجفانه تذري الدموع عيونُ
فيا ليت أن الموت يأتي معجّلاً = على أنّ عشق الغانيات فتونُ[/poem]
وقال أيضا :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا لا أرى وادي المياه يثيبُ = ولا النفس عن وادي المياه تطيبُ
أحب هبوط الواديين وإنني = لمشتهرٌ بالواديين غريبُ
أحقا عباد الله أن لست واردا = ولا صادرا إلا عليّ رقيبُ
ولا زائرا وحدي ولا في جماعةٍ = من الناس إلا قيل : أنت مريبُ
ألا في سبيل الله ما قد لقيتهُ = غراما به أحيا ومنه أذوبُ
ألا في سبيل الله قلبُ معذبُ = بذكرك يا ليلى الغداة طروبُ
أيا حب ليلى لا تبارح مهجتي = ففي حيّها بعدُ الممات قريبُ
أقام بقلبي من هواها صبابة ٌ = وبين ضلوعي والفؤاد وجيبُ
فلو أن ما بي بالحصى فلق الحصى = وبالريح لم يسمع لهن هبوبُ
ولو أن أنفاسي أصابت بِحرّها = حديدا لكانت للحديد تذيبُ
ولو أنني استغفر الله كلما = ذكرتك لم تكتب عليّ ذنوبُ
ولو أن ليلى في العراق لزرتها = ولو كان خلف الشمس حين تغيبُ
أحبك يا ليلى غراما ومعشقا = وليس يُرى لي في الوصال نصيبُ
أحبك يا ليلى محبة عاشق ٍ = أهاج الهوى في القلب منه لهيبُ
أحبك حتى يبعث الله خلقه = ولي منك في يوم الحساب حسيبُ
سقى الله أرضا أهل ليلى تحلّها = وجاد عليها الغيث وهو سكوبُ
ليخضرّ مرعاها ويخصب أهلها = وينمى بهذاك المحل خصيبُ [/poem]
وله ايضا :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وداع ٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى = فهيّج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا بسم ليلى غيرها فكأنما = أطار بليلى طائرا كان في صدري
ينادي سواها أسخن الله عينه = وليلى بأرض عنه نازحةٍ قفر ِ
أقول لها يوما وقد شط بي النوى = متى الملتقى قالت: قريبٌ من الحشر ِ
حلفت لها بالله ما بين ذي الحشا = سواها حبيبٌ من عوان ومن بكر ِ
جعلنا علامات المودة بيننا = مصائد لحظ هنّ أخفى من السحر ِ
فأعرف منها الود من لين طرفها = وأعرف منها الهجر بالنظر الشذر ِ
إن عبتها شبهتها البدر طالعا = وحسبكِ من عيب يشبه بالبدر ِ
هي البدر حسنا والنساء كواكب = فشتان ما بين الكواكب والبدر ِ
إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها = كما انتفض العصفور بلله القطرُ
تداويت من حب ليلى بليلى من الهوى = كما يتداوى شارب الخمر بالخمر ِ
وتزعم ليلى أنني لا أحبها = بلى والليالي العشر والشفع والوتر ِ
بلى والذي أرسى بمكة بيته = بلى والمثاني والطواسين والحِجر
بلى والذي ناجى من الطور عبده = وشرّف أيام الذبائح والنحر ِ
بلى والذي نجّى من الحب يوسفا = وأرسل داوودا وأوحى إلى الخضر ِ
بلى والذي لا يعلم الغيب غيره = بقدرته تجري المراكب في البحر ِ
سأصبر حتى يعلم الناس أنني = على نائبات الدهر أقوى من الصخر ِ
سلام ٌ على من لا أملّ حديثها = ولو عاشرتها النفس عشرا إلى عشر ِ
عزائي وصبري أسعداني على الأسى = فأحمد ما جرّبت عاقبة الصبر ِ
ولي كل يوم غشية ٌ من صدودها = أبيت على جمر ٍ وأضحي على جمر ِ
عليها سلام الله ما طار طائر = وما سارت الركبان في البر والبحر ِ[/poem]
وله أيضا :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أيا أبتي دعني وما قد لقيتهُ = ولا تُلح محزون الفؤاد سقيمُ
عديم التسلّي باكيُ العين ساهرٌ = حليف الأسى للاصطبار عديمُ
تعشّقت ليلى وابتليت بحبها = وأصبحت منها في القفار أهيمُ
كلفت بها حتى أذابني الهوى = وصيّر عظمي بالغرام رميمُ
وأصبحت فيها عاشقا ومولّهًا = مضى الصبر مني والغرام مقيمُ
يقول أبي يا قيس عندي خلافها = وأكثر منها بهجةً ونعيمُ
وذي أمها كانت من الروم أصلها = وقصدي أنا أصلي يكون كريمُ
رضيت الذي قد عبت يا أبتي بها = ودع أصلها بين النساء ذميمُ
فيا أبتي إن كنت حيّا تريدني = وترجو حياتي بينكن أقيمُ
فجُد لي بليلى واصطنعني بقومها = أصير لها زوجا وأنت سليمُ
لليلى على قلبي من الحب حاجزٌ = مقيمٌ ولكنّ اللسان عقيمُ
فواحدة تبكي من الهجر والقلى = وأخرى تبكي شجوها وتقيمُ
وتنهضني من حب ليلى نواهضٌ = لهن حريقٌ في الفؤاد عظيمُ
إلى الله أشكو حب ليلى كما شكا = إلى اله فقد الوالدين يتيمُ
يتيمٌ جفاه الأقربون فعظمهُ = ضعيف وحبّ الوالدين قديمُ
وإنّ زمانا فرّق الدهر بيننا = وبينكِ يا ليلى فذاك ذميمُ [/poem]
وقال أيضا , وهي المؤنسة :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
سقى الله جارات ٍ لليلى تباعدت = بهن النوى حيث احتللن المطاليا
بثمدين لاحت نار ليلى وصحبتي = بقزع الغضا تزجي المطيّ الحوافيا
فقال بصير القوم: لمحةُ كوكبٍ = بدا في سواد الليل فردا يمانيا
فقلت لهم: بل نار ليلى توقّدت = بعليا تسامى ضوؤها فبدا ليا
بلى نار ليلى يا خليليّ فارسما الـ = قلائص لا تأوُوا لهنّ ولا ليا
أشواقا ولمّا يمض لي غير ليلةٍ = رويدا الهوى حتى يغبّ لياليا
خليليّ لا والله ما أملك البكا = إذا عَلَم من أرض ليلى بدا ليا
خليليّ لا والله لا أملك الذي = قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا
قضاها لغيري وابتلاني بحبها = فهلاّ بشيء ٍ غير ليلى ابتلانيا
وخبّر تماني أن تيماء منزلٌ = لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنّا قد انقضت = فما للنوى ترمي بليلى المراميا
فلو كان واش ٍ بالمدينة دارهُ = وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا
وماذا لهم لا أحسن الله حظّهم = من الحظ في تصريم ليلى حباليا
وقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل = بيَ النقض والإبرام حتى علانيا
فيا رب سو الحب بيني وبينها = يكون كفافا لا عليّ ولا ليا
فما طلع النجم الذي يهتدى به = ولا الصبح إلا هيّجا ذكرها ليا
ولا سرت ميلاً من دمشق ولا بدا = سُهيل لأهل الشام إلا بدا ليا
ولا سُميت عندي لها من سميةٍ = من الناس إلا بلّ دمعي ردائيا
ولا هبّت الريح الجنوب من أرضها = من الليل إلا بت للريح جانيا
ويوم ٍ كظل الرمح قصّرت طوله = بليلى فلهّاني ولا ما كنت لاهيا
فيا ليلَ كم من حاجة لي مهمّةٍ = إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا
خليليّ إن لا تبكيا لي ألتمس = خليلا إذا أنزفت دمعا بكا لي
فقد يجمع الله الشتيتين بعدما = يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
فإن تمنعوا ليلى وتحموا بلادها = عليّ فلن تحموا علي القوافيا
فأشهد عند الله أني أحبها = فهذا لها عندي فما عندها ليا
قضى الله بالمعروف منها لغيرنا = وبالشوق منّا والعناء قضى ليا
وإن الذي أمّلت من أم مالك ٍ = أشاب قذالي واستهام فؤاديا
أعد الليالي ليلةً بعد ليلةً = لقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
وأخرج من بين البيوت لعلّني = أحدّث عنك النفس بالليل خاليا
إذا سرت أرضا بالقفار رأيتني = أصانع رحلي أن يميل حياليا
إذا ما تداعى في الأنين حبائبٌ = دعوت لليلى أن تجيب دعائيا
فلا نفع الله الطبيب بطبّه = ولا أرشد الله الحكيم المداويا
أتيت أبا ليلى بصحبي ونسوتي = وجمّعت جمعا من رجال بلاديا
بأن يتخلّى عن قساوة قلبه = فزاد فظاظا ثم رام هلاكيا
ألا لا رعا الله الوشاة فإنهم = يرومون قتلي عامدين هلاكيا
ألا قل لقومي هام قيس من الهوى = لقد همت يا ليلى وزاد هياميا
ألا قل لهم ما قد ترى من صبابتي = ومن أدمع تنهلّ مني تواليا
فمن أجل ليلى صرت راع ٍ لأهلها = ثلاثين شهرا في السنين الخواليا
ومن أجل ليلى شاب يا قوم مفرقي = وخلّيت بعدها جميع رجاليا
ومن أجل ليلى صرت استوطن الفلا = وأحببت بعد الأهل وحس البراريا
ومن أجلها أحببت من لا يحبني = ومن لا يزال الدهر منها معاديا
ومن أجلها صاحبت قوما تعصّبوا = عليّ ولم يرعوا حقوق الجواريا[/poem]
وهي أطول من ذلك ولكن لا يتسع المكان لذكرها أو لذكر أيّ من قصائده كاملة .
خاتمه
ذكر الغزالي في كتابه " الإحياء " قال : رؤي مجنون بني عامر في المنام فقيل له :
ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي وجعلني حجة ً على المحبين .
ويعضد ذلك ما ورد في كتاب " روح الروح " لأبي الفضل السهلكي , قال : سمعت عن عمن
حكى عن الجُـنيد أنه كان يقول : مجنون بني عامر كان من أولياء الله عز وجل , فستر شأنه بجنونه .
تنبيه : نظرا للبس الدائم فلا بد من التوضيح بوجود قيسين هما :
قيس بن الملوّح الملقب بالمجنون ومحبوبته ليلى العامرية
وقيس بن ذريح ومحبوبته لبنى الكعبية .
وليلى ليلتان أيضا :
ليلى العامرية محبوبة قيس بن الملوّح الملقب بالمجنون
وليلى الأخيلية محبوبة توبة بن حمير بن حزن بن كعب .
وشكرااااااااااااا