مساكن العرب
مساكن العرب في ابتداء الأمر كانت بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمور،واعدل أماكنه وأفضل بقاعه حيث الكعبة الحرام وتربة أشرف الانام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما حول ذلك من الأماكن، وهذه الجزيرة متسعة الأرجاء، ممتدةالأطراف، يحيط بها من جهة الغرب بعض بادية الشام حيث البلقا إلى أيلة، ثم القلزم الآخذ من أيلة، حيث العقبة الموجودة بطريق حجاج مصر إلى الحجاز إلى أطراف اليمن حيث طي وزبيد وما داناهما، ومن جهة الجنوب بحر الهند المتصل به بحر القلزم المقدم ذكره من جهة الجنوب إلى عدن إلى أطراف اليمن حيث بلاد مهرة من ظفار وما حولها، ومنجهة الشرق الخليج العربي الخارج من بحر الهند إلى جهة الشمال إلى بلاد البحرين ثم إلى أطراف البصرة ثم إلى الكوفة من بلاد العراق،
ومن جهة الشمال الفرات آخذاً من الكوفة على حدود العراق إلى عانة إلى بالس بلاد الجزيرة الفراتية إلى البلقا منبرية الشام حيث وقع الابتداء، والحاصل أن السائر على حدود جزيرة العرب فيه من أطرافبرية الشام من البلقا جنوباً إلى أيلة، ثم يسير على شاطئ بحر القلزم وهو مستقبل الجنوب والبحر على يمينه إلى مدين إلى ينبع إلى البروة إلى جدة إلى أول اليمن إلى زبيد إلى أطراف اليمن من جهةالجنوب ثم يعطف مشرقاً ويسر إلى ساحل اليمن وبحر الهند على يمينه حتى يمر على عدن ويجاوزها حتى يصل إلى سواحل ظفار من مشاريق اليمن إلى سواحل مهرة، ثم يعطف شمالاً ويسير على سواحل اليمن وبحر فارس على يمينه ويتجاوز سواحل مهرة إلى عمان من بلادالبحرين إلى جزيرة أوال إلى القطيف إلى كاظمة إلى البصرة إلى الكوفة، ثم يعطف إلى الغرب ويفارق بحر فارس ويسير والفرات على يمينه إلى سليمة إلى البلقا حيث بدأ. ودور هذه الجزيرة على ما ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تقويم البلدان سبعةأشهر وأحد عشر يوماً تقريباً بسير الأثقال فمن البلقا إلى الشراة ثلاثة أيام،
ومن الشراة إلى أيلة نحو ثلاثة أيام، ومن أيلة إلى الحجاز وهي فرضة المدينة المنورةالنبوية نحو من عشرين يوماً، ومن الحجاز إلى ساحل الجحفة نحو ثلاثة أيام، ومن ساحل الجحفة إلى جدة وهي فرضة لمكة ثلاثة أيام ومن ساحل جدة إلى عدن نحو من شهر ومن عدن إلى سواحل مهرة نحو من شهر، ومن مهرة إلى عمان إلى البحرين نحو من شهر، ومن هجرإلى عبادان من العراق نحو من خمسة عشر يوماً، ومن عبادان إلى البصرة نحو يومين، ومن البصرة إلى الكوفة نحو اثنى عشر يوماً، ومن الكوفة إلى بالس نحو عشرين يوماً، ومن بالس إلى سلمية نحو سبعة أيام، ومن سلمية إلى مشاريق غوطة دمشق نحو أربعة أيام،ومن مشاريق غوطة دمشق إلى مشاريق حوران نحو ثلاثة أيام، ومن مشاريق حوران إلى البلقا نحو ستة أيام. واعلم - أن الجزيرة في أصل اللغة ما ارتفع عنه الماء آخذاً منالجزر الذي هو ضد المد، ثم توسع فيه فأطلق على كل ما دار عليه الماء ولما كان هذاالقطر يحيط به بحر القلزم من جهة المغرب، وبحر الهند من جهة الجنوب، والخليج العربي من جهة المشرق، والفرات من جهة الشمال، أطلق عليه جزيرة واضيفت إلى العرب لنزولهم لهاابتداءً وسكناهم فيها قال المدائني: وجزيرة العرب هذه تشتمل على خمسة أقسام: تهامة، ونجد، والحجاز، والعروض، واليمن، فتهامة هي الناحية الجنوبية عن الحجاز.
ونجد هي الناحية التي بين الحجاز والعراق.
والحجاز: هو ما بين تهامة ونجد. وتهامة: جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام، وسمي حجازاً لحجزه بين نجد وتهامة والعروض: هي اليمامة ما بين تهامة إلى البحرين،ويدخل في جزيرة العرب أيضاً قطعة من بادية الشام كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى،ثم في كل قطر من هذه الأقطار مدن وبلاد مشهورة فأما الحجاز: ففيه من البلادالمشهورة المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وقيل هي من نجد، وفيه أيضاً من البلاد خيبر والطائف. وأما تهامة: ففيها من البلاد المشهورة مكة المشرفة،وقيل هي من الحجاز وفيها أيضاً من البلاد ينبع. وأما نجد: فقد قيل أن المدينةالنبوية منها، والراجح أنها من الحجاز على ما تقدم.
وأما العروض: فيشتمل على ناحيتين: الناحية الأولى: اليمامة، وقيل هي من الحجاز وهي مدينة دون مدينة النبي صلى الله عليه وسلم في المقدار، بينها وبين البصرة ست عشرة مرحلة، وبينها وبين الكوفة أيضاً مثل ذلك، وهي أكثر نخلا من سائر بلاد الحجاز، وبها كان مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل في زمن أبي بكر رضي الله عنه.
الناحية الثانية: بلاد البحرين، وهي قطر متسع مجاور للخليج العربي كثير النخل والثمار، والمشهور به من البلاد هجر بفتح الهاء والجيم وهي التي كانت قاعدة البحرين في الزمن المتقدم فخربها القرامطة عند استيلائهم على البحرين، وبنوا مدينةالاحساء ونزلوها وصارت هي قاعدة البحرين، وهي مدينة كثيرة المياه والنخل والفواكه،وبينها وبين اليمامة نحو أربعة أيام، إلى غير ذلك من البلاد المتسعة. وأما اليمن،فهو اقليم عظيم متسع الارجاء، متباعد الأطراف، وكانت قاعدته القديمة مدينة صنعاء،وهي مدينة عظيمة تشبه مدينة دمشق في كثرة مياهها وأشجارها وهي في شرقي عدن في الجبال، وهواؤها معتدل وكانت في الزمن المتقدم تسمى أزال وهي الآن بيد إمام الزيدية باليمن داخلة تحت طاعته هي وما حولها، وقد استحدث عليها حصن تعز فصار منزل لبني رسول ملوك اليمن الآن،
وهو حصن في الجبل مطل على النهائم وأراضي زبيد، وفوقه منتزه يقال له - صعدة - قد ساق إليه صاحب اليمن المياه من الجبال التي فوقها وبني فيها أبنية عظيمة في غاية الحسن في وسط بستان هناك، وفرضة اليمن المشهورة في القديم والحديث عدن، ويقال عدن ابين سميت بذلك باسم بانيها، وهي مدينة على ساحل بحرالهند جنوبي باب المندب بميل إلى المشرق مورد وحط واقلاع لمراكب الهند ومصر وغيرهما، وبينها وبين صنعاء ثلاث مراحل وهي في ذيل جبل كالسور عليها وتمامة سورإلى البحر، ولها باب إلى البر وباب إلى البحر إلا أنها قشفة يابسة ينقل الماء على ظهور الدواب، واليمن مدن كثيرة من مشاهيرها. زبيد - بفتح الزاي المعجمة - وهي قصبةالتهايم وموضعها في مستوى من الأرض والبحر، منها على أقل من يوم، وبها مياه ونخل كثير وعليها سور دائر وفيها ثمانية أبواب وبينها وبين البحر خمسة عشر ميلاً.
ومن مشاهير بلادها نجران: بفتح النون وسكون الجيم، وهي بلدة ذات نخيل وأشجار على القرب من صنعاء وهي بين عدن وحضرموت في جبال وهي من بلاد همدان بين قرى ومدائن وعمائرومياه، وبها كان أفعى بن الأفعى الجرهمي المعروف بأفعى نجران الذي تحاكم إليه مضر وربيعة وأياد وأنمار أولاد نزار بوصية من أبيهم. ومن مشاهير بلاده ظفار: بالظاءالمعجمة المشالة والفاء. وهي مدينة على ساحل خور يخرج من بحر الهند ويطعن في الشمال نحو مائة ميل وهي على طرفه، وبينها وبين صنعاء أربعة وعشرون فرسخاً وعلي شمالها رمال الاحقاف التي بها كانت عاد، وهي قاعدة بلاد الشجر، ويوجد في أرضها كثير من النبات الهندي مثل الرايخ والتنبل، ولها بساتين وأسواق، وفي سواحلها يوجدالعنبر إلى غير ذلك من البلاد المتعددة.
وأما بادية الشام: ففي جزيرة العرب منهامدينة تدمر. بفتح التاء وضم الميم، وهي بلدة قديمة ببادية الشام من أعمال حمص وهي على شرقيها، وأرضها سباخ وبها شجر ونخيل وزيتون وبها آثار قلعة عظيمة أزلية من الأعمدة والصخور ولها سور وقلعة، وبينها وبين حمص نحو ثلاث مراحل وكذلك عن سلمية،وبينها وبين دمشق تسعة وخمسون ميلاً، وبينها وبين الزحمة مائة ميل وميلان، وهي منزل عرب آل ربيعة ملوك العرب بالشام إلى الآن، وكذلك من بادية الشام تيماء وهي حاضرة طي، وبها الحصن المعروف بالأبلق الفرد المنسوب إلى السموأل بن عاديا، وتبوك وهي بلدة عظيمة بين الحجر أرض ثمود وبين الشام، وبها عين ماء ونخيل ويقال أن بها كان أصحاب الأيكة الذين بعث الله اليهم شعيبا عليه السلام. قلت ومنهامدين: وكانت بها منازل العرب العاربة من عاد وطسم وجديس وأميم وجرهم وحضرموت ومنهم في معناهم، ثم انتقلت ثمود منها إلى الحجر بكسر الحاء المهملة وهي إلى الجنوب من دومة الجندل وهي من أرض الشام فكانوا بها حتى هلكوا كما ورد به القرآن الكريم.
وهلك من هلك من بقايا العرب العاربة باليمن بمدين من عاد وغيرهم، وخلفهم فيه بنوقحطان بن عابر فعرفوا بعرب مدين إلى الآن وبقوا فيه إلى أن خرج منه عمرو بن مزيقياء عند توقع سيل العرم ثم خرج منه بقاياهم وتفرقوا في الحجاز والعراق والشام وغيرها عند حدوث سيل العرم، وكانت أرض الحجاز منازل لني عدنان إلى أن غزاهم بختنصر ونقل من نقل منهم إلى الانبار من بلاد العراق، ولم يزل العرب بعد ذلك كلهم في التنقل عن جزيرة العرب والانتشار في الأقطار إلى أن كان الفتح الاسلامي فتوغلوا فيالبلاد حتى وصلوا إلى بلاد الترك وما داناها وصاروا إلى أقصى المغرب وجزيرةالاندلس وبلاد السودان وملأوا الآفاق، وعمروا الأقطار، وصار بعض عرب اليمن إليالحجاز فأقاموا به وربما صار بعض عرب الحجاز إلى اليمن فأقاموا به وبقي من بقي منهم بالحجاز واليمن على ذلك إلى الآن، ومن تفرق منهم في الاقطار منتشرون في الآفاق قد ملأوا ما بين الخافقين.
__________________
حكمة (ليس كل مايعرف يقال , ولا كل مايقال جاء أوانه , ولا كل ماجاء أوانه حضر أهله ).