الأمن (أهميته وأنواعه وسبل تحقيقه)


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

موضوع مغلق
قديم 02-03-2007, 11:01 AM
  #1
حسين بن سعيد الحسنية
عضو جديد
تاريخ التسجيل: Aug 2005
المشاركات: 18
حسين بن سعيد الحسنية has a spectacular aura aboutحسين بن سعيد الحسنية has a spectacular aura about
افتراضي الأمن (أهميته وأنواعه وسبل تحقيقه)

المقدمة

الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . وبعد
فمن منا لا يريد الأمن ؟ ويحب الاستقرار؟ ويهوى الطمأنينة في حياته ؟ ثم إن كنا فعلاً نبحث عن الأمن الحقيقي فأين نجده ؟ ومتى ؟ ولماذا أصلاً نسعى وراء تحقيقه ؟ ويا ترى ما هي أسباب حدوثه ؟ وما هي العوامل المساعدة التي تساعد في تحقيقه ؟ وما هي نتائجه الدنيوية والأخروية التي سينتفع بها المسلم في كلتا الدارين .
أليس هناك اضطراب متكرر في حياة كل واحد منا ؟ ألسنا نعيش سنوات أعمارنا في حركة مضربة يتخللها الخوف من المستقبل والحزن على ما مضى ؟ وهل ساهم رغد العيش في مضاعفة نسبة الخوف في قلوبنا ؟ وإلي متى ونحن نعيش هذه المعتركات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتي أثرت فعلاً علينا وعلى أجيالنا وبالتالي تفاقم الخوف بيننا ؟ وعدم الاستقرار في بيوتنا ؟ ومسيرة عدم التوازن في مجتمعاتنا .
إن الحديث عن الأمن والأمان حديث له تشعبات كثيرة ونقاط لا يمكن حصرها ، ويتدرج تحته عناوين عدة، ولكن سأكتفي بذكر أربعة أنواع من أنواع الأمن وسأحاول بإذن الله تعالى أن أتحدث عن كل نوع بما يستحقه وذلك تبعاً لأهميته البالغة وضرورته القصوى وهذه الأنواع هي عناصر موضوعي في هذا البحث وهي كما يلي :


1. الأمن النفسي .
2. الأمن الأسري .
3. الأمن الاجتماعي
4. الأمن الفكري .
وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا البحث ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم أنه ولي ذلك والقادر عليه .



التمهيد :-

وقبل أن أدخل في صلب ألموضوع فمن البديهي أن أتحدث عن الأسباب التي دعتني للتحدث عنه لتكون بذلك مدخلاً مناسباً ، وتمهيداً موضحاً وهي كما يلي :-
1-بيان أهمية الأمن في الإسلام وأنه جزء من تشريعاته السمحة ، وتعاليمه الوضاءة والتي جاءت ومعها كل خير وسلام لمن ينتمي لهذا الدين العظيم ، جاءت وقد تكفلت بكل الحقوق الخاصة بكل فرد من أفراد هذه الأمة ، لذا وجب علينا أن نعرف ماهيّة هذه النعمة العظيمة في ديننا الحنيف ليتسنى لنا شكر الله تعالى عليها .
2-حاجة المسلم للأمن في حياته الدنيوية وحاجته له في حياته الأخروية خاصة في ظل تزايد الفتن في هذا الزمان على الأمة بأكملها وفي كل مكان ، وانغماس أفرادها الشهوات الفانية ، والشبهات المضللة ، وإتباعها للعناوين الهدامة والدعاوي المغرضة ، إذاً فالمسلم في حاجة ليعرف أين يجد الأمن من هذا كله ولماذا وكيف ؟
3-جهل المسلم بأحكام دينه ، وعدم اهتمامه بالبحث والسؤال عنها ، والبعد عن الله تعالى في جميع الأحوال والأوقات مما زاد ذلك في تضاعفت نسبة الخوف في قلبه وعدم استقرار طمأنينته فتجده في حياته كالمجنون لا يكاد تستقر له عين ، أو يطمئن له قلب والله المستعان .
4-أن أمن الفرد هو أمن للأمة كلها ، فمتى ما استشعر كل واحد منا هذا الأمن وتأثر به عقله وقلبه وجوارحه فإن ذلك مؤشر خير لأمن من حولنا واستقرارهم ومن ثم فهو أمن للمجتمع الذي نعيش فيه وهو بالتالي إذاً أمن للأمة جمعاء .
5-الحرص على أمن أبناءنا وبناتنا الشباب من كل غزو يؤثر في عقولهم سلباً ، ويبعدهم ويغويهم عن جادة الحق ، ويهوي بهم إلى مزالق الرذيلة والفحش أو قد يخرجهم من دينهم وهم لا يعلمون لذا يتعين معرفة كيفية الحفاظ على هذه الثروة ، وكيف نتعامل معها على ضوء التربية الإسلامية الصحيحة والتي جاء من مضامينها تحقيق الأمن لها على مختلف الأعمار والأفهام .
6-أن الأمن من أهم العوامل التي تساعد في رقي الأمة ، وارتفاع نسبة تطورها، وتضاعف من إنتاجها الفكري والمادي ، وهو أيضاً من علامات الحضارة والتمدن والنماء ، لذا فإن كل أمة هي بحاجة إلى التقدم والرقي والتطور فإنها بحاجة إلى الاهتمام منها والحفاظ عليه .
7-حرص أعداء هذه الأمة على ضرب أمنها ، وزعزعة استقرارها ، وهدم كيانها والعمل على قدم وساق لإضعاف قواها ، وزلزلة بناها ، وجعلها أمة عدد لا أمة عتاد ، وشعوب أقوال لا شعوب أفعال ، وهذا يجعلنا فعلاً نسعى جاهدين للدفاع عن هذا الدين العظيم والذود عن حياضه بكل ما أوتينا من قوة لكي يتحقق الأمن ويسود الاستقرار بين أفرادها .
8-أن حرص المسلم على الأمن بمفهومه العام هو إعلان منه على حبه الشديد لدينه وولاءه له وانتماءه لتعاليمه الأمر الذي يجعل الحديث عن الأمن هو محاولة أخرى لتعزيز هذا الحب والولاء والانتماء ، في الوقت الذي نجد فيه الكثير من أفراد الأمة لا يلتفتون إلى هذا الجانب مطلقاً ولا يرعونه أي ذرة اهتمام ، فتجدهم مثل ما ألمت بهم ضائقة أو روّعهم مشهد أو نابهم نائبة أخوف ما تكون قلوبهم ، وأجبن ما تكون همتهم ، وأخور ما تكون عزائمهم ولله المشتكي .
9-أن في الأمن إضافة إلى ما تقدم استقرار في الاقتصاد المالي للأمة وانخفاض في مستوى الجريمة ، وفيه قضاء على عبّاد الدرهم والدينار والذين لا تأتيهم أقوالهم إلا من طريق الربا الحرام ، وهذا الأمر يجعل الجميع يحققون ذلك عن طريق التعامل الشرعي المالي الكامل والخالي من كل المحرمات التي دخلت في البيوع والمعاملات المالية .
10-وهو آخر الأسباب التي دعت للمتحدث على هذا الموضوع حرص الإسلام على الأسرة المسلمة وهي اللبنة الأولى من لبناته في جميع شئونها وحاجياتها فاهتمت بحقوق الوالدين على الأبناء و حقوق الأبناء على الوالدين وطاعة الوالدين وبرهما وضرورة خلو المنزل من المحرمات والمفاسد ، وعفة النساء ووجوب سترهن والحفاظ عليهن ، وتربية الأولاد تربية إسلامية ناشئة من الكتاب والسنة ، كل ذلك يؤكد أن حصوله كله لا يتم إلا بحصول الأمن والاستقرار الأسري والذي قد كفله الإسلام الخالد إلى تعاليمه الغراء.





الأمن في الإسلام

لقد اهتم الإسلام بالأمن اهتماماً بليغاً ، واهتم بأمان الناس وعني باستقرار أفئدتهم وثبات معتقدهم وأمن مجتمعاتهم ودولهم . ولعلي هنا أذكر بعضاً من المواضع التي تدل على ذلكم الاهتمام وتلكم العناية .
- أن الذين آمنوا الله جل وعلا وعملوا بما أنزل وآمنوا بنبيه  واتبعوا سنته ولم يخالفوا هذا الإيمان المستقر في قلوبهم والنابع من أفئدتهم والظاهر على جوارحهم وأركانهم بالشرك ، فأولئك المصدِّقين ينالون ميزتين عظيمتين وأولهما أن لهم الطمأنينة والسلامة ، وأنهم هم الموفقون إلى طريق الحق قال تعالى :
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبسُواْ إيمَانَهُم بظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }
- أن الموحدين والذين يقولون بالشهادة ويؤمنون بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد  نبياً ورسولاً هم الأحق بالأمن من المشركين الملحدين الذين جعلوا مع إلههم وخالقهم ورازقهم شريك في العبادة ، قال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام : - { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أشْرَكْتُمْ وَلاَ تخافون أنَّكم أشركتم باللهِ ما لم ينزل بهِ عليكم سلطاناً فأيُّ الفَريقيْن أحَقُّ بالأمْنِ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } (الانعام81)
- أن عدم الأمن أو الخوف من المصائب المفجعة ، والآلام البليغة ، والتي تؤثر في العباد والبلاد وهو بلاء عظيم متى أستشعر العبد المسلم هذا البلاء واحتسب أجره وصبر عليه فهو بإذن الله تعالى من أولئك الذين عليهم صلوات ربهم ورحمته وهم من المهتدين قال تعالى : - { ولنبلُونَّكم بشيء من الخوفِ والجوعِ ونقصٍ من الأموالِ والأنفسِ والثمراتِ وبشر ِ الصابرين ، الذين إذا أصبتهم مصيبةُُ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هُمُ المُهْتدُونَ } البقرة (157،156،155)
- أن الخوف يعتبر عقاب من الله تعالى يعاقب به أولئك الذين كفروا بأنعمه وجحدوا بها بعد أن عاشوا في نعيم وافر ، وأمن وسلام قال تعالى :-
{ وضربَ الله مثلاً قريةَ كانت آمنة مطمئنةً يأتيها رزقها رغداً من كل مكانٍ فكفرتْ بأنعُم ِ الله فأذقها الله ُ لِبَاسَ الجوعِ والخوف بما كانواْ يصنعون } (النحل 112)
ثم انظر إلى حال أولئك المنافقين الذين بخلوا بالمال والنفس والجهد والمودة لما في نفوسهم من العداوة والحقد وجهم للدنيا وكراهيتهم للموت فحينما يحضر القتال يخافون الهلاك وتراهم ينظرون وأعينهم تدور كدوران من حضر الموت ، فإذا انتهت الحرب رموا المسلمين بألسنةٍ حداد مؤذية وتراهم عند قسمة الغنائم بخلاء وحسرة فأولئك الذين لم يؤمنوا بقلوبهم ، فأذهبت الله ثواب أعمالهم قال تعالى في هذا المعنى :- { أشِحَّةً عليكُم فإِذا جاء الخوفُ رأيتهمْ ينظرونَ إليك تدورُ أعينهمْ كالذي يغُشى عليهِ من الموتِ فإذا ذهبَ الخوف سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ أشحةً على الخيرِ أولئكَ لمْ يؤمنوا فأحبط الله أعملهمْ وكان ذلك على الله يسيراً } (الأحزاب 19) .
ونستفيد من هذه الآية استقرار نفس صاحب الإيمان القلبي ، وثباتها على الحق مهما واجه من شهوات وشبهات ، وعدم اضطرابها وخوفها من أوامر الله تعالى ومسارعتها للتنفيذ وكسب الأجر والمثوبة الإلهية .
-وفي موضع آخر في الكتاب الحكيم ويبين الله تعالى أن الأمن أحد الهبات والجوائز التي وعد بها سبحانه وتعالى عباده المؤمنين متى ما حققوا الإيمان في قلوبهم ولم يشركوا به تعالى وعملوا الصالحات وتركوا السيئات قال تعالى :- { وَعَدَ الله الَّذينَ آمنوا مِنكُمْ وعملُوا الصالحات ليستخلِفَنَّهُمْ في الأرضِ كما استخلفَ الذَّين مِن قبلهمْ وليُمكِننَّ لهم دِينهُمُ الذي ارتضى لهُمْ وليُبَدِلنَّهُم من بعدِ خوفهم أمناً يعبدونني لا يشُركْون بي شيئاً ومن كَفَر بعد ذلك فأُوْلئك هُمُ الفاسقونَ } (النور55)
-وفي موضع آخر ومن السنة الشريفة يبين محمد  أثر نعمة الأمن على العبد المسلم بل إن حصول العبد عليها هي وقرينتها نعمة الصحة تساوي جمعه للدنيا كاملة قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلمة بن عبيد الله بن محصن الأنصاري عن أبيه " من أصبح منكم معافى في جسده أمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا "
-حرص الإسلام على إعطاء الأمان من يريده فعند أهل العلم أن من أعطى الأمان من المسلمين فهو جائز ومن ذلك أمان المرأة فعن عقيل بن أبي طالب عن أم هاني أنها قالت : أجرت رجلين من أحْمَائي فقال رسول الله صلى عليه وسلم " قد أمنا من أمنت " حديث حسن صحيح .
هذه بعض النماذج من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه محمد تبين منزله الأمن في الإسلام ومكانته منه ، ومما يجدر الإشارة به أن الإسلام دين الأمن والأمان ، هو الدين الذي جاء بحفظ الضروريات الخمس وحرص على العناية والاهتمام بها ، وأن تكون هذه القرارات الخمس في مأمن من كل يشوبها أو يعكر صفوها وهي العقل والمال والنفس والنسل والدين .
والمتأمل مرة أخرى في شرائع هذا الدين العظيم يعلم مكانة الأمن ورفعة منزلته وعلو شأنه بين هذه الشرائع كيف لا وقد جاء الإسلام بالحفاظ على أمن القلب والعقل من كل معتقد باطل وهوى مطغى وأمانّي كاذبة وعلى أمن الجوارح من العبث في الحرام والتخبط في المعاصي ، والخوض ف الآثام .
وجاءت أيضاً بوجوب أمن الأسرة والمنزل والجار والضيف والأهل والأقارب وذلك من خلال إعطاء كل ذي حق حقه من الاهتمام والعناية ، والعمل على بناء العلاقات الحميمة المشروعة والتي تَكْفُل فعلاً بناء أمنٍ اجتماعي مأمون .
وجاءت أيضاً تحذر من ترك الطاعات والعبادات وفعل المنكرات والتي هي من أسباب سكن الخوف في الأفئدة .
وجاءت أيضاً وهي مشرعة لحق الأسير في الحرب ، وحق الذمي والمعاهد والمستأمن وحق الحيوان والشجر وغيرها . وبيان ضوابط أمنهم ونتائجه .
كما أتت بتبيان حقوق المساجد ودور العلم وأهله وطلبته الالتزام في ذلك والمثابرة عليه وما ينتج عن ذلك من تحقيق أمن العلم والمعرفة ودرءها عن كل فكر هدّام أو ثقافة منتكسة .
وجاءت أيضاً بضرورة الالتفاف حول ولاة الأمر وطاعتهم فيما يرضي الله وعدم عصيانهم الأمر الذي يساعد في انتشار الأمن وقوته وصلابته .
إلى غير ذلك من الأبواب والأقسام التشريعية والتعبدية والتي بها يستقر الأمن وتطمئن النفوس ويدرك الأعداء أن لا سبيل مطلقاً في هزيمة الإسلام وأهله .
نعم هذه علاقة الأمن بالإسلام ، وتخلص من ذلك عظم هذا الدين وشموليته وحفاظه على أمن المنتمين إليه وغير المنتمين أيضاً .
وتخلص أيضاً إلى نتيجة أخرى مهمة وهي أن في استقامة المسلم على دنيه والتزامه بكل ما جاء في المصدرين العظيمين كتاب الله وسنة نبيه محمد ، أمان له من تلابيس إبليس وكيد الجان وعداوة الناس ، وهو أمان أيضاً من الفتن والبلاء والمصائب الظاهرة منها والباطنة ، والعظيم منها والصغير وهذا الالتزام يؤدي بإذن الله تعالى إلى تكوين أمة ملتزمة بما طلب منها الشارع الحكيم فتسود وترقى ، وتعود إلى عزتها المسلوبة ، وتنطلق جحافل النصر والإباء من كل بيت مسلم ، فتتكون الخامات الوضاءة المشرقة ، وتبرز الأجيال العظيمة والتي تنتظرها وتنتظر ذلك التكوين وذلك البروز .
وهذا ما هو مفروض حصوله ، بل لا بد منه فإن هذه الأمة قد نالت على الشرف من كل جهة ، فقد أنزل الله أشرف كتاب على أشرف نبي بواسطة أشرف سفير من الملائكة في أشرف ليلة في أشرف زمان في أشرف مكان على أكمل طريقة وأقوم هدى .
وقد نالت هذه الأمة على خيرية الأمم كافة من قبل رب السموات والأرض قال تعالى : - { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون } آل عمران 11


الأمن النفسي::ــ

إن المسلم الذي يدرك حقيقة سبب وجوده ، وأهمية رسالته في هذه الدنيا ، وعظم الأمانة التي يحملها يعي تماماً أهمية حفاظه على نفسه التي يبين جنبيه ، وأنها تحتوي ذلك القلب الذي هو محل النية ، وموطن التقوى ، ومنطلق الإخلاص ومتى أدرك ذلك كله فإنه يعطى دائماً لأن تكون نفساً طاهرة نقية تقية خالية من كل نجس وشائبة ، طاهرة من كل درن وكدر ، متعلقة ليلاً نهاراً بخالقها وفاطرها ومبدع جسدها سبحانه وتعالى .
إلا أن ذلك الأمن لا يحصل لتلك النفس إلا بإخلاص لله تعالى بمداومة العمل ، واستمرارية في المتابعة ، وهذا يجعلنا نورد بعضاً من العبادات التي تحقق الأمن الروحي للنفس المسلمة ، والتي يكفل فعلها أيضاً الأجر الجزيل إضافة إلى الطمأنينة والاستقرار .
1)الصلاة :-
أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات ، وأول ما يحاسب عليه العبد ، وهي آخر قضية وصى بها رسول الله أمته عند موته فقال :-" الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " رواه أحمد
وهي من شروط الهداية والتقوى والذي يفلح صاحبهما ف الدنيا والآخرة فقال :- الم {1} ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين {2} الذين يُؤمنُون بِالْغيبِ ويقيمون الصلاة ومما رزقنهم ينفقون َ{3} (البقرة 1-3) والمحافظين على الصلاة هم في أمنٍ من الأخلاق الذميمة والصفات السيئة فقال تعالى :- إنَّ الإنسان خُلقَ هَلُوعاً {19} إذا مسهُ الشرُّ جزُوعاً{20} وإذا مسَّهُ الخير منوعاً {21} إلاَّ المُصَلين {22} الذين هم على صلاتِهِمْ دائمُونَ{23}(المعارج 19-23)
وهم أيضاًً في أمن الله وتحت ظله يوم لا ظل إلا ظله قال عليه الصلاة والسلام " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ....... ذكر منهم
" رجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه " متفق عليه
وقد توعد عز وجل من ضيعها بالعذاب الشديد المصاحب بطبيعة الحال للخوف والهلع { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} مريم 59 ( وغي وادي في جهنم بعيداً عنه )
2)الدعاء :-
وهو عبادة عظيمة غفل عنها الكثير ، وتهاون في أمرها وهو حبل موصول ، وعروة وثقى مع الله عز وجل ، منها هوr يعلن أن لا هلاك مع الدعاء وهذا يقتضي الأمن الحقيقي للنفس ، بالمداومة عليه ومتابعته فيقول " لن يهلك مع الدعاء أحد "رواه ابن حيان
وفي حديث آخر يبين r أن الدعاء يرد البلاء ويدفعه فقال : -
"لا يغنى حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل ، وأن البلاء ينزل فيتلقاه الدعاء فيتعالجان إلى يوم القيامة " رواه الحاكم
والدعاء أيضاً لله تعالى هو إنباء بمعية خاصة منه تعالى لك وهذا يحقق لك الأمن بإذنه تعالى لأنك تنعم بهذه المعية الشريفة قال عليه الصلاة والسلام: " أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني " رواه مسلم

3)التوبة : -
وهي من أعظم نعم الله تعالى متى ما لحق ببابها العبد المذنب ، وجعلها فجراُ جديداً تبدأ معه رحلة العودة بقلب منكسر ودمع منسكب ." نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " الحجر (49) " والتائب من الذنب كمن لا ذنب له " رواه ابن ماجه والطبراني
والتوبة فرصة عظيمة لمن صدق مع الله عز وجل ، وجاهد نفسك في تركك للمنكرات والآثام والمعاصي وفي فعل الطاعات والعبادات والأوامر الإلهية ، واعلم بأن التائب من الذنوب والخطايا يرسم لنفسه طريقاً أمناً إلى جنات الخلود .
قال حاتم الأصم : من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر لا يأمن الشقاء .
الأول : - خطر يوم الميثاق حين قال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي فلا يعلم أي الفريقين كان .
الثاني :- حين خُلق في ظلمات ثلاث فنادى الملك بالشقاوة والسعادة ولا يدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء .
الثالث :- ذكر هو المطلع ، فلا يدري أيبشر برضا الله أم بسخطه ؟
الرابع :- يوم يصدر الناس أشتاتاً فلا يدري أي الطريقين يُسلك به ؟


رابعاً :- التوكل على الله .
وهي عبادة غفل منها كثير من الناس لاتكالهم على أنفسهم ، واعتقادهم أن إنجاز أمورهم وقضاياهم عن طريقهم هم وما علموا أنه التوكل أنه كفاية الرب للعبد ، وصدق اعتماد القلب على الله عز وجل فهو جل وعلا النافع الضار والأمر كله إليه قال الله تعالى وهو يوضع علاقة التوكل بالأمن النفسي
{ الَّذِين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جمعُوا لكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ " فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ من اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يمسسهمْ سُوءٌ واتبعوا رِضْواَنَ اللهِ واللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ،إِنَّمَا ذَلِكُم الشيطانُ يخوّفُ أَوْلياءه ُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ } (آل عمران 173-175)
وقد قال بن عباس رضي الله عنهما في بيان أهمية التوكل في تحقيق الأمن النفسي :- حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حسن ألقي في الغار ، وقالها محمدr حين قالوا {... إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } أخرجه البخاري .
خامساً :- ذكر الله تبارك وتعالى :
وهو صلة العبد بربه تعالى ومما يكسب النفس المسلمة ثباتاُ وأمناً واطمئناناً .
قال الله تعالى :- { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } (الرعد 28)
وصيغ الأذكار كثيرة جداً خاصة تلك التي تبعث الراحة للنفس عند قولها ، وتضمن بإذن الله تعالى الأمان النفسي للمسلم الذاكر العابد ومن تلك أذكار الصباح والمساء ، والصلاة على النبي r
ولعلي هنا أذكر دليلين من السنة تثبت فضل الذكر في تحقيق الأمن للنفس المسلمة . قالr " ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فلا يضره شيء" (أخرجه الحاكم)
وقال r في موضوع آخر لأسماء بنت عميس رضي الله عنها :-
" ألا أُعْلِمُكِ كلمات تقوليهن عند الكرب - أو في الكرب – "الله الله ربي ولا أشرك به شيئاً " ( أخرجه أبو داود في سننه)
وهناك الكثير من العبادات والطاعات التي تضمن الأمن النفسي للعبد المسلم في الدارين وكذلك الطمأنينة والاستقرار وهي بإذن الله تعالى طريق لجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
لذا عليك أخي المؤمن أن تبدأ بالرجوع وتعلنها توبة صادقة من قلبك وتتقرب إلى ربك بذكره في كل حين والدعاء له عند كل أمر وتحرص على صلاتك وصومك وحجك وأداء مناسكك وتراعي جميع الحقوق وتقوم بما يوكل إليك من واجبات فإن ذلك كله يزرع الأمن النفسي والروحي والذي يبحث عنه الكثيرون من البشر ولكنهم جهلوا طريقه .
واختم هذا النوع بذكر النتائج التي تعود على المسلم إذا حقق هذا الأمن وهي :-
1. حصول التوبة لله تعالى والذي يصاحبها الهداية والتوفيق .
2. معرفة المسلم فضل هذا الطريق الصواب وهو طريق
" إياك نعبد وإياك نستعين " .
3. أن المسلم يعرف أيضاً فيه الأمن النفسي وأنه هو أساس كل أمن .
4. أن الأمن هو بالقرب من الله تعالى بفعل الطاعات وترك المنكرات .
5. أنه ينشأ من نفسه قدرة صالحة في مجتمعه وبين إخوانه وبين أفراد المجتمع .





الأمن الأسري

والأسرة هي اللبنة الأولى من لبنات المجتمع فبصلاحها يصلح المجتمع ويسوده ، وبفسادها ينتشر في المجتمع الفساد ويغور ،وهي أقدم مؤسسة اجتماعية للتربية عرفها الإنسان فإعدادها والقيام بإنشائها خطوة من خطوات بناء الأمة وحلقة من حلقات تكوين المجتمع .
والأسرة المسلمة لقيت من اهتمام علماء الأمة الشيء الكثير والخط الوافر وذلك لمعرفتهم بأهميتها وإدراكهم بحجم مسؤولياتها الجسيمة ، ولأنها فعلاً أهم مراحل بناء الجماعة والدولة والأمة ، فإذا هدم هذا الحصن رجعنا إلى مرحلة البداية والبناء الأولي من جديد وهي مرحلة الفرد .
ومن الأسباب الداعية لاهتمام الإسلام بالأسرة وشئونها :-
1.أن الأسرة تلبي مطالب الفطرة البشرية ، كإيجاد الأولاد الذين هم امتداد لآبائهم ، وهم عوناً لهم في كبرهم قال تعالى : - { واللهُ جَعَلَ لكُم مِن أنفُسكمْ أَزْواجاً وجَعَلَ لَكُم مِنْ أزواجِكُم بَنِينَ وحََفَدةً وَرَزَقَكُم منَ الطَّبيات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون } (النحل الآية 72)
ونعمة الولد هي من أجل النعم التي أنعم بها ربنا تعالى على عباده بل على أفضل خلقه وهم الرسل عليهم السلام قال تعالى : - { وَلَقَدْ أّرْسَلْنا رُسُلاً مِن قبلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أزوَجاً وذُريَّةً } (الرعد 38)
2-أن الأسرة منطلق المسؤولية وبداية القوامة ونواة المعاملات مع الآخرين ، فهي إذاً ميدان عملي واسع يستطيع كل فرد من أفراد هذه الأسرة تحقيقه والعمل على إيجاده على ضوء معالم الشريفة الإسلامية
3-أن التزاوج سنة سنها الله تعالى في خلقه قال تعالى : -
{ وَمِن كُلّ شيءٍ خلقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (الذاريات 49)
4-أنه عن طريق الأسرة المسلمة إشباع لمطالب الجسد والروح وفي في الإنسان ولا يكون ذلك إلا بالزواج الشرعي ، الذي يهذب النفوس ، ويسمو بالأخلاق ، ويقي من الانحراف ويحمي المجتمع من الأمراض الاجتماعية وكحب الذات وعدم الإيثار وكراهية الآخرين ، والنفسية كالحسد وضيقة الصدر والانطواء ، والصحية تلك الأمراض التي ينشأ به الاختلاط المحرم .
5-في بناء الأسرة المسلمة حفظاً للأنساب من الاختلاط ، وفيه حماية للمسلم أيضاً من العار الذي قد يلحق به متى ما أنهزّ أحد أركان هذا البناء قال عليه الصلاة والسلام .
" تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال منساة في الأثر " (رواه الترمذي وصححه الألباني)

6- أن الأسرة المسلمة من أهم أسباب إيجاد التكافل الاجتماعي ،
وعن طريقها تنتشر الصفات القلبية المطلوبة كالتواد والتعاطف
والتراحم بين الزوجين والأولاد من ثم بين أفراد المجتمع على اختلاف
درجاتهم وتفاوتهم من حيث العلم والمال والجاه والمنصب ، بل إنها تدعو إلى ما دعى إليه الإسلام من ضرورة أن يعيش المجتمع المسلم
" كرجل واحد إن اشتكىمنه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر "
( رواه مسلم ) .
7- أن الأسرة المسلمة تعد المكان الأول المسئول عن صحة كل فرد فيها ، من أول مراحل الحضانة حتى تكتمل شخصية الفرد الصحية ، وهذا يتم عن طريق العناية به بالمتابعة والمراقبة والخوف عليه والسهر على راحته والمعني في تقديم كل ما يصلح لبناء جسمه الحركي ، وعقله الفكري وقلبه التعبدي .
8- أن الأسرة المسلمة هي التي تربي على الأخلاق الإسلامية الفاضلة للفرد والمجتمع ومن ذلك خلق التضحية والأبناء بين أفراد الأسرة ، والصبر والتحمل ، والصدق في التعامل .
وبعد أن عرفنا جهود الإسلام في محافظته على الأسرة المسلمة وعنايته بها ، دعونا نتعرف على ما يضمن تحقيق كل تلك الأسباب ، ويجعلها مشاهدة على أرض الواقع ، وهو إيجاد الأمن الأسري والذي هو مسؤولية كل فرد من أفراد الأسرة المسلمة ، وبه بإذن الله تعالى تضمن جميعاً من أن الأمة إلى خير ، وأن الفوز حليفنا ، وأننا استطعنا أن نحقق الكثير من أهدافنا المنشودة .
ولكي نوجد هذا الأمن وبعد إشارتنا بأنه مسؤولية الجميع ، وأن الجميع مطالب بتحقيق ، فإليكم هذه الطرق التي تساعد على تحقيق الأمن الأسري داخل الأسرة ، وتعين على إيجاده بين أفرادها ، وتأمل كيف نصبو إلى ما نريد ونرجوه بعد تحقيقها بإذن الله تعالى .
أولاً :- بناء العقيدة الإسلامية الصحيحة في قلوب أفراد الأسرة .
ويكون ذلك بتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام عندهم ، وأنه دين شامل كامل ليس فيه نقص أو خلل ، وإيجاد الخوف والخشية من الله تعالى والرجاء والاستعانة والاستغاثة به وحده دون غيره في أفئدتهم وتحقيق معنى التوكل عليه ، والرجوع له ، وموالاته جل وعلا وموالاة أنبياءه ورسله وعباده الصالحون ، والبراءة من الكفر والشرك والنفاق ، وتعريفهم بالبيع والمحذورات العقدية وتحذيرهم منها خشية أن يقعوا فيها بغير علم فإن ذلك يساعد على أن يكونوا أمناء على عقيدتهم وحراس على وفضائلهم وبه ينتشر الأمن بينهم وبين مجتمعهم ، وللأسف الشديد نجد أن كثيراً من الآباء والأمهات لا يرعون لهذا الجانب أي اهتمام ، بل أكاد أجزم بأن الكثير لم يفكر فيه أصلاً ، وتجد أيضاً من الشباب الذين يعيشون داخل محيط الأسرة المسلمة لا يدركون أهمية بناء العقيدة في قلوبهم وقلوب آبائهم وأمهاتهم وأشقاءهم وشقيقاتهم ، فلا يحرصون على تعليم أنفسهم ، ولا يريدون أن ينفعوا أسرهم ، فانتشر بين أفراد الأسرة الواحدة الخوف وعدم الثقة والجمل المطبق المخيف .
ثانياً :- حث أفراد الأسرة المسلمة على فعل ما أمر به الله تعالى ونبيه الكريم ، وترك ما نهيا عنه :-
ومن ذلك الاهتمام بأمر الصلاة والصوم ، وتدريبهم على أداءها ، وتنشئتهم على المحافظة عليها ، وقراءة القرآن الكريم وتدبر آياته وذلك بجعل ورد يومياً لجميع أفراد الأسرة آباء وأبناء والمداومة على الأذكار والدعاء وإشعارهم بأهميتها وأنها تقيهم من الشياطين والجن والدواب إضافة إلى العبادات والطاعات الأخرى والتي تكفل جميعها بإذن الله تعالى إن تعيش الأسرة المسلمة في أمان من الشيطان وأعوانه وهنا أسال نفسي وإياكم هل أهتمينا بهذا الجانب حق الاهتمام ؟هل أبناءنا وبناتنا أو آباءنا وأمهاتنا أو من يعيش معنا داخل محيط أسرنا طائعين لله ورسوله أن هم عاصين لله ورسوله هل نحن مثلاُ مؤاجرين على ما نقوم به من جهود لحماية أسرنا من الانحطاط والذلة ، أم مذنبين لأننا أوقعنا بأنفسنا وأسرنا في أسى الحطة والذلة والمعصية .
ثالثاً :- ومن طرق تحقيق الأمن في الأسرة المسلمة صلاح الآباء والأمهات :-
وصلاحهم صلاح لأسرهم ، وعزة لأبنائهم ، وفيه خير كثير لمجتمعاتهم كيف لا وهم القدوات التي تسعى أجيالهم للأخذ منهم ، والتأسي بأفعالهم والاهتداء بآرائهم ، والولد أو البنت في صغرهم أكثر ما يؤثر عليهم في أيامهم الأولى هم الآباء والأمهات ، فتجدهم يقلدون حركاتهم ، ويتعلمون منهم تصرفاتهم ويريدون أن يكونوا مثلهم في معاملاتهم وبناء شخصياتهم ، فاحرص أيها الأب أن تكون مثلاُ يحتذى به في أسرتك ، واحرصي أيتها الأم بأن تكوني ف مصدر خير لأفراد أسرتك وتأملا لنتأمل جميعاً قوله تعالى : - { وأَمَّا الْجِدارُ فَكَانَ لِغُلامينِ يَتِيميْنِ فِى الْمَدِينَةَ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزلَّهُما وَكَأنَ أَبُوهُما صالحاً فأراد ربك أن يبلغ أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ... الآية } الكهف 82
فبصلاح الأب هنا سخر الله تعالى موسى وصاحبه بأن يقيما الجدار لكي يكون أمان لكنز الغلامين حتى يستخرجاه بأنفسهما .
فكيف أنت أيها الأب مع صلاح قلبك ، وأنت أيتها الأم ، هل أدركتما أهمية ذلك الصلاح على أبناءكم .
إن عيشكم في الغي والفساد هو إعلان بفساد من تعولون ، وسبباً في غيهم وضلالهم وهو انطلاقه منهم لحياة يسودها الخوف وعدم الاستقرار
رابعاً :- المحافظة على الأخلاق والقيم الإسلامية النبيلة :-
ويكون ذلك بالمحافظة عليها داخل الأسرة وبين أفرادها ، وأشاعتها بينهم سواءاً بفعل القدوة لهذه الأخلاق والقيم بينهم ، أو بتعليمها لهم بين الفترة والأخرى ، ومن تلك الأخلاق الحسنة و اللحمة والأخوة على خير ، التعلم الإيثار والتضحية والصبر ، و التدرب على إكرام الضيف ، وإعانة الجار، وإغاثة الملهوف ، وإعانة المضطر ، والوقوف بجانب المظلوم و نصرته ، ورد كيد الظالم ودحره ، تعويد أفراد الأسرة حب الآخرين والعمل لأجلهم ، وتوضيح أهمية الابتسامة والسلام والصلة ، وهذا كله مما يجعل الأسرة تعيش في أمان داخلي بين أفرادها ويطرح بينهم الثقة ، إضافة إلى أنه يجعلها تعيش في أمان أخر مع منهم خارج محيط الأسرة ، فكم حر الشر خلق طيّب .
خامساً :- تنوير أفراد الأسرة بأهميتها في سيرة الإسلام .
وذلك بإيضاح دور الأب ودور الأم ودور الأبناء ، كلُُ في مهمته وعمله ، وأن تلك الأدوار كفيلة بإذن الله على تحقيق الأمن الأسري والذي يضمن أيضاً سيرة الأسرة الصالحة على خطى ثابتة مآلها عزة الإسلام والمسلمين ، فهل بيّنا نحن الآباء تلك الأدوار لأبنائنا وأهميتها وأنها نم أسباب نصرة هذا الدين العظيم أم لا ؟
سادساً :- أن يعرف الآباء الحقوق التي عليهم للأبناء .
والتي أتي بها الشرع الحكيم وأوصى بمراعاتها ومن تلك الحقوق التي للأبناء على آباءهم رعايتهم رعاية شاملة كاملة ، واختيار أحسن الأسماء لهم ، والنفقة عليهم ، ومتابعتهم عن قرب ، وتحصينهم من الشرور المفاسد .
سابعاً :- أن يعرف الأبناء الحقوق التي عليهم لأباهم .
ومن ذلك طاعتهم برهم ووجوب صلتهم ، ومراعاة مشاعرهم وعدم إيذاءهما بالفعل أو القول وذلك أن الوالدين هما سبب وجود الابن في هذه الحياة فكيف يقابلان بالتجهم والعنت والسخرية من الأبناء .
ثامناً :- أن يعرف كلاً من الزوجين حق كل واحد منهما على الآخر.
فالزوج عليه مراعاة زوجته الحفاظ عليها ، ووجوب نصحها وإرشادها ، وسترها ، وأن نجد نصيباً من الرحمة والود والألفة ، وأن لا يعنف عليها إلا إذا كان ذلك مطلباً مهما ً ، وأن لا يكون الضرب علاجاً لكل مشكلة .
وعلى الزوجة في المقابل أن تحفظ فراشه ، وتستر عيوبه ، وأن لا تأخذ من ماله إلا ما يكفيها وولدها بالمعروف ، وأن تعي بأن القوامة له وليس لها ، وأن لا تخرج من بيته إلا بإذنه .
وهناك حقوق مشتركة كحفظ السر ، وإشباع الرغبات الجنسية ، وتربية الأولاد كل تلك الحقوق ، ومتى ما وجدت اهتماماً وعناية فإنها تكون سبباً آخر في تحقيق الأمن الأسري والذي يبحث عنه جميع أفراد الأسرة المسلمة ، ومن المعلوم أن التفريط فيها وجعلها خارج دائرة المتابعة يهز من شأن الأسرة ، ويسود فيها التخبط والعشوائية ، قد يكون في آخرها أمور لا يرغبها الجميع كالطلاق مثلاً وغيره .
تاسعاً :- تلبية حاجات أفراد الأسرة المسلمة :-
وهذا من أهم الطرق في تحقيق الأمن الأسري ، فإن عدم توفر متطلبات العيش الهانيء ، والحياة الأسرية الكريه يجعل كل فرد من أفراد هذه الأسرة يبحث عنها عن الغير ، فالذي يحتاج إلى الرصيد العاطفي كالحب والرحمة فإنه يبحث عنها عن الآخرين وهذه مشكلة كبيرة جداً لأنها بداية انحراف أخلاقي حتمي وكثير من الآباء والأمهات لا يعون هذه المسألة جيداً ، والذين يبحثون عن المال ولا يجدونه عند آباءهم وأمهاتهم لعدم توفيرهم له يجعل الابن أو البنت يبحثان عنه بطرق إجرامية أخرى كالسرقة مثلاً : وهناك من يبحث عن الثقة وتحقيق الذات والمسؤولية فلا يجد من يوفرها له من أفراد أسرته فيذهب لتحقيقها بأساليب مضره له ولأسرته وللمجتمع كاملاً .
عاشراً :- إعداد الأبناء لكي يكونوا لبنات خير في مجتمعاتهم .
ويكون ذلك بتعليمهم حمل مسؤولية هذا الدين وأن يكون لكل واحد منهم رسالة إيمانية مشرقة ، وأن يسعى جاهداً لحماية الإسلام من موقعه ، وعلى الأب والأم أن يكتشفوا المواهب في أبناءهم وأن يحاولوا أن يعملوا على تسخيرها للأمة عن طريق هذا الابن أو هذه البنت ، وأن يصنعوا منهم عناصر مؤثرة ، وهمم صادقة ، وقادة ناجحين، وعلماء بارزين وبهذا تستطيع الأسرة أن تكون فعلاً قد ساعدت في صناعة مجد أمة وهذا ما نطالب به قل أسرة في ظل هذه الأوضاع التي تعيشها أمتنا الإسلامية .
الحادي عشر :- تطهير البيت من الملاهي والمفاسد والمعاصي .
فقد أصبحت أكثر بيوت المسلمين مأوى للفساد ، ومرتع للملاهي ، ومقر لاقتراف الذنوب والآثام مما جعلها وسائلها فرائس سهلة للشيطان وأعوانه ، فمن قنوات فضائية هابطة وسخيفة ، إلى مجلات خليعة إلى تقليد أعمى للكفرين في اللبس والشكل والحركة الأمر الذي جعل البيت المسلم غير آمن بل قد تحل عقوبة من الله عليه وعلى أفراده بسبب تلك الذنوب والمعاصي ، والواجب أن يحرص الأب المسلم والأم المسلمة على تطهير بيتها من ذلك كله وجعله بيتاً محفوفاً بالأمن ، تسكنه الطمأنينة والحب ، وتأوي إليه السكينة والاستقرار .
وبعد ذكر هذه الطرق فإني استطيع القول بأن المسلم متى ما حرص على إقامتها والعمل على إيجادها في منزلة وبين أفراد أسرته فإن ذلك يضمن بإذن الله تعالى الأمن النفسي ولأولاده ولزوجته ولم حوله أيضاً .
بقي أن أقول أن أعداء الإسلام يعملون كل ما بوسعهم لهدم كيان الأسرة المسلمة وتشتيت أفرادها ، وإقصاء القوامة فيها لأنهم أدركوا فعلاً ما يشكله هذا الكيان بالنسبة للأمة متى ما ضُمين له الأمن ، وهُيأ له الاستقرار والسكينة . فهاهم في كل يوم يخرجون لنا بنداءات ، ويعلنون بيننا باقتراحات تدل على ذلك فمن ضرورة إخراج المرأة من بيتها ،إلى التعليم المختلط ، إلى رفع الحجاب إلى ضرورة إيجاد قانون لحرية الجنس والاستماع ، ونشر الشذوذ ، وغيرها من الدعاوي المغرضة الهّدامة للأسرة وللأسف الشديد أن كل ذالك معلوم عند أغلب أبناء الملة ولكنهم على أقسام ثلاثة في مواجهة هذا العدوان .
القسم الأول :- يدرك خطورته ويعلم بتحركه ويرفض رفضاً شديداً ولكنه لا يحرك ساكناً لا في منزله ولا في مجتمعه لجهله أو ضعف شخصيته أو خشيته من المواجهة .
القسم الثاني :ـ يدرك خطورته ويعلم بتحركه ولكنه لا يقرضه بل يقول إن ذلك من استحدثه العلم , وهو نوع من التطور ويكفي أنه يأتينا من الغرب
القسم الثالث :ـ يدرك خطورته ويعلم بتركه ويعمل ليل نهار لتبين هذا الخطر وتبيين حركته للناس وهو يواجههم بكل ما أوتي من قوه ‘ وأصحاب هذا القسم قليل جداً إذا قسناه بأمة المليار وثلاثمائة مليون مسلم.
وهنا أذكر أهم النتائج الحاصلة للمسلم بعد تحقيقه بهذا الأمن الأسري :-
1- أن تحقيق كل واحد منا لأمن أسرته ومحافظته عليه يؤدي إلى مجتمع مسلم مترابط من جميع الجهات .
2.صلاح الأبناء وهدايتهم واتخاذهم السبيل الحق الذي يقمن بإذن الله حمايتهم من الشهوات والشبهات .
3.تفعيل أوامر الإسلام ونواهيه في البيت المسلم ، وهذا ما نبحث عنه في ظل أعراف كثير من بيوت المسلمين .
4.قرب الأبناء من أباهم ، وفتح صدورهم لهم ، ونقاشهم ،وبث همومهم ومآسيهم ومشاعرهم لهم هذا من جانب الأبناء ، ومن حق الآباء فيكونون على علم تام بما يصير لأبناهم ويعتري طريقهم ، ومن ثم يوجهون نصائحهم وتجاربهم التي تعين الأبناء على حياتهم وشؤونهم الخاصة والعامة .




الأمن الاجتماعي

وهو لا يقل أهمية من النوعين السابقين ، وساعدت تلك الأهمية مع انتشاره في المجتمعات الإنسانية الحديثة نتيجة للتطورات الاجتماعية التي انعكست على العلاقات من حقوق وواجبات مما جعل هذا النوع من أنواع الأمن يُخدم من العلماء المفكرين والتربويين الاجتماعيين .
ونستطيع أن نصيغ للأمن الاجتماعي تعريفاً مضمونه أنه " الجهود المتظاهرة من جميع أفراد المجتمع ومؤسساته للقضاء على كل ما يؤثر على أمن المجتمع وأمن أفراده ومؤسساته "
وهذا يعنى أن الجميع مسئول مسؤولية كاملة عن أمن مجتمعه وأمن أفراده ولكي يتحقق ذلك فإليكم هذه الطرق التي متى ما عمل بها أعضاء المجتمع المسلم فهو آمن بإذن الله تعالى .
1-أن يرعى كلاُ من حقوق الأقارب والأرحام وهم مجتمعه الصغير والذي هو مؤاجر على صلتهم وآثم على مقاطعتهم ، وأن يفرز تلك الصلة بالزيارات والاتصالات والسؤال عن الحال وتفقد الأحوال ، وعليه أن يصبر على أذاهم ، ويتحمل عنتهم وغلظتهم وأن يكون بينهم داعياً لله ومصّوباً للمخطىء فيهم ومرشد العاصي منهم ،فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبرعلى أذاهم ، وأن يقف بجانب من يحتاج إلى دعم ومساندة منهم فله بذلك الأجور والمثوبة من الله تعالى . وفي وقتنا هذا وبوجود كل هذه الفتن فإن المسلم يتشاغل فعلاٌ عن أقاربه وأرحامه وقد يمر الشهر والشهرين والعام والعامين وهو لم يراهم أو حتى لم يسأل عنهم وهذا الأمر سبب من أسباب انفكاك المجتمع العائلي وهو نذير خطر وشؤم على المجتمع كله .
2-أن يراعي أيضاً حقوق الجار مراعاة كاملة لا يشوبها نقص أو تقاعس من جميع أفراد مجتمع الحي وذلك أيضاً بالزيارات والسؤال والمحافظة على صلاة الجماعة ، وحضور المناسبات التي تتعلق بأحد أفراد الحي ، وهذا يعني أن كلاً شخص من أفراد هذا المجتمع يؤمن جاره الذي بجانبه وهكذا حتى يصبح الحي في سلسلة أمنية وثيقة ، لا يستطيع أحد أن يتخللها أحد ، أو حتى يقرب من حماها ، ثم أن هذا الأمن مما جاء المطالبة به في الشريعة السمحة ، والأحاديث التي تدل على مكانة الجار وفضله وأهمية منزلة كثيرة جداً . والحي أو القرية الذي تجد فيه التنازع والتباغض والتدابر والتحاسد في قلوب ساكنيه لا يألفه أحد ، ولا يرغب أن يُسكَنَ فيه مطلقاً ، و يجدر الإشارة هنا بأهمية دور المسجد وعظم رسالته في هذا الجانب .
3-أن تراعي حقوق الأصدقاء والأصحاب سواءاُ في المدرسة أو المكتب أو مكان العمل بشكل عام ومن أهم الحقوق الوفاء بتلك الصحبة وعدم الخيانة والغدر وتعزيز المحبة في الله تعالى ، والعمل على مساعدة الصديق في نوائبه ومصائبه والوقوف معه ، ومشاركته في أفراحه وأتراحه ، ولو اهتم كل شخص من بذلك لوجدت اللحمة الطبية الأصيلة ، والتعاون المثمر ، والأمن الملحوظ والمشاهد في ذلك المجتمع والذي يسعى إليه جميعاً .

4-أن تراعى حقوق جميع من يشاركك في الوطن وأن يحرص كلاً منا على أن يكون عمله نافعاً صالحاً لأبناء مجتمعه أو وطنه ، ومن تلك وجوب الدعوة إلى الله وتفعيلها والاهتمام بها اهتماماً بليغاً في سفينة النجاة ، وهي الملاذ بعد الله تعالى من الوقوع في حفر المعاصي والمفاسد ، والالتفاف حول ولاة الأمر والعلماء وطاعتهم بالمعرف وعدم الخروج عليهم والنصح بذلك ، والسعي لأن يكون الجميع أيدي عاملة لتطوير هذا الوطن وتنمية أرضه ، وتعزيز أمنه فبذلك كله نجد وطناً آمناً بإذن الله تعالى رغم شر الأشرار وكيد الفجار ، أعاذنا الله وإياكم منهم .
وبعد هذا كله فإن هناك أمور لابد من تفعيلها لكي نحقق تلك الوقفات الأربعة السابقة الخاصة بتحقيق الأمن الاجتماعي ومن أهمها :-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وفي ذلك يقول الله تعالى :- { كُنتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس تَأْمُرُونَ بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ....... الآية } آل عمران 110

التواصي بالخير والصبر على ذلك .
قال تعالى :- " وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الـإِنسَان لَفِى خُسْرِ {2} إِلَّـا الَّذِين آمنواْ وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ وَتَواصَوْا ْ بِالْحَق وَتواصَواْ بِالصَّبْرِ {3}
(العصر 1-3)

إبراز الأخلاق الإسلامية الفاضلة .
كالحب في الله والكرم والمروءة والصدق والشورى والإيثار ... وغيرها من الأخلاق والصفات المحمودة ولأصحاب تلك الأخلاق الأمن بإذن الله في الدنيا وقرب المنزلة من الحبيب عليه الصلاة والسلام .
قال عليه الصلاة والسلام : - " أقرب الناس منى منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً " .
استشعار قيمة التعاون والترابط بين أفراد الأمة .
وذلك بأن للمجتمع المترابط والتعاون على البر والتقوى خيراُ كثيراُ في الدنيا والآخرة ، ثم أن المجتمع المترابط يقف صنعاً قوياً ضد كل من يريد شراً .
إذاً فمتى ما فعلت هذه العبادات والقيم النبيلة فهي تضمن بإذن الله تعالى أن يعرف كل فرد من أفراد المجتمع مسؤوليته تجاه هذا المجتمع ودوره الذي لا يجب أن يتأخر عنه فإن ذلك كله يساعد في بناء مجتمع نافع آمن .
ومن النتائج المستنبطة بعد تحقيق هذا الأمن الاجتماعي :-
1/ أطلاع المسلم على أحوال من يهمه أمرهم كالأقارب والجيران وأبناء الوطن .
2/ بناء جُدر أمنية دامية من كل من يريد بالمجتمع شراً ومكيدة .
3/ انتشار الفضيلة والسماحة بين أفراد المجتمع ، وسقوط أعلام الرذيلة و // .
4/ أن مكانة أمن المجتمع في القلوب ستتضاعف ، الأمر الذي يؤدي إلى الاهتمام بها ورعايتها رعاية شاملة كاملة .





الأمن الفكري

وهو أمن العقول والمفاهيم والأفكار ، وبه تسود ثقافة الأمم ، ويبرز علماؤها ومفكريها متى ما كان ذلك الأمن أمناً قوياً لا مساومة عليه أو مزايدة ، وعليه مدار تجاه الأمم وفلاحها من التخبط و العشوائية ، والأمن الفكري يضمن أيضاً رقي أفراد الأمة وتطورهم تطوراً علمياً نيراً نافعاً ، والأمن الفكري هو الذي يميز الأمة عن الأمم الأخرى بفكر أبناءها ، وثقافتهم ، واهتماماتهم العلمية ، لذا كان على كل أمة أن تؤسس هذا الأمن بين أفرادها ، مختلف المستويات ، والأصعدة وعلى آية حالة حال فالأمن الفكري يعتبر لب الأمن وأساسه لأن الأمم والحضارات تقاس بعقول أبناءها وبأفكارهم لا بأجسادهم ، فالعبرة بالقلوب لا بالقوالب وبالأرواح لا بالأشباح فإذا أطمأن الناس على ما عندهم من مبادئ وأصول وأسس واضحة ، وأَمِنوا على قيمهم ، وأفكارهم ومثلهم فقد تحقق لهم الأمن على مختلف أنواعه ومثله ومعانيه ، وبالمقابل إذا تأثرت تلك العقول والأرواح والقلوب بأفكار دخيلة فاسدة ، وتلوثت بثقافات مستوردة ، واختلطت مفاهيمها بمفاهيم خاطئة ، فإن ذلك يبدأ بدخول الخوف إليهم ومحاصرته لهم ، وتأثيره عليهم .
ولمعرفة كيفية تحقيق هذا الأمن فإنه يجدر ربنا أن نعرف أهمية هذا النوع من أنواع الأمن ومن ذلك :-
1.أن الأمن الفكري كما أسلفنا لب الأمن عموماً وأساسه وركيزته .
2.أن الأمن الفكري يعد أهم أنواع الأمن عموماً .
3.أن مناقشة مثل هذا النوع يأتي في وقت كثرت فيه التحديات والحملات والانحرافات الفكرية .
4.أن في تحقيق الأمن الفكري تحقيق لوحدة الأمة وتوحيدها في المنهج والمبدأ و الغاية .
5.إن في وجود الخلل في الأمن الفكري خلل في الأمن عموماً.
6.إن الفكر لهذه الأمة مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهما مضمن الشريعة .
7.أن في تحقيق الأمن الفكري حماية لأهم من فئات الأمن وهي فئة الشباب .
8.أن الأمن الفكري بحيث في كيفية التصدي للجرائم على مختلف أنواعها ، وفيه أيضاً صيانة للفضيلة والعفة .
وإليكم وسائل تحقيق هذا الأمن .
أولاً : - تطبيق شرائع الإسلام تطبيقاً صحيحاً مبنى على الفهم الصحيح للأدلة ، ونجد ومع الأسف من ينتمي لهذا الدين ولكنه غير مبالٍ بشرائعه وسننه ، عابث بأوامره ونواهيه ، مدعياً علمه بها وهو في حقيقة الأمر من الجاهلين به ، وذلك يؤثر في تلبيس الأمور مع صاحبها ، وتلبية بجهله وغشه على الآخرين وهذا يهدد الأمن بهذه التصرفات المشينة .
ثانياً :- تعلم العلم النافع والحرص على تعلمه، والجد والاجتهاد وفي القلب لما في ذلك من الأجر العظيم والذي جاء به رب السموات والأرض في كتابه الكريم حين قال :- {... يَرْفعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ واللهُ بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ } المجادلة 11
وقول رسول الله " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة "
قال الشاعر :-
ففز بعلمًٍ تــــحيا بــه أبـداً الناس موتى وأهل العلم أحياء
وقدر كل أمرء ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
وما الفضل إلا لأهل العلم إنهُموا على الهدى استهدى أذلاء
ويشترط في طلب العلم الأدب مع العلماء وعدم التعدي عليهم بقدح ذواتهم ، والطعن في علمهم وسبهم وشتمهم وهذا مما بُليت به الأمة في هذا الزمان ولله المستعان .
ثالثاً :- التربية الصحيحة للأجيال القادمة ، وهذا وان تُكلِّم عنه في الأمن الأسري إلا أن ما يجب عرضه هنا هو بيان تقصير الوالدين في الحوار مع أبناءهم ، والسعي وراء تغيير مفاهيمهم الخاطئة والتي تضر بأفكارهم وأمن أسرهم ومجتمعاتهم ، وأيضاً دور المدرسة والجامعة في هذا الجانب لا يكاد يشاهد على الواقع ، فأين التأثير على الطلاب والطالبات ، وجعلهم عناصر خير في مجتمعهم ، وأين المواهب والإبداعات التي لا يخلو وجودها لديهم ؟ لماذا لم تستغل ؟ وأين صقلها وإبرازها ؟ كل ذلك التقصير يجعل الجيل القادم لقمة سائقة لأصحاب الفكر الهّدام والرؤية الخاطئة مما يؤثر مع فكرهم وتوجهاتهم فيكون أول أهدافهم التي يريدون أن يقضوا عليها دينهم وأمتهم وأوطانهم .
رابعاً :- حرص العلماء والدعاة وطلبة العلم على نشر هذا الدين بجهد أكبر ودعم متواصل ، وأعمال بارزة ، والخروج إلى الناس ، النزول إلى مستويات أفكارهم ورغباتهم ، والوقوف على أوضاعهم وظروفهم ، والقرب منهم ومحاولة جذبهم والتأثير عليهم لفصل الكلمة الصادقة والموعظة البليغة النافعة إلى القلوب قبل الأسماع ولينتفع الناس بها وبهذا نستطيع المحافظة على أمن فكرهم وحماية ثوابتهم ومعتقداتهم .
خامساً :- أن تقوم وسائل الإعلام على تحقيق الأهداف السامية والوضاءة والتي لا تزيد الأمة إلا لحمة وقوة ضد أعدائها الذين يوجهون العداء بأسلحتهم الفكرية والمادية ، فالإعلام أهم وسائل فلاح الأمم ونجاحها وفي المقابل هو من أول // هدم كيانها وهز ثوابتها ، فهو أنفع ما يكون إذا استغل في الخير ، واحظ ما يكون إذا استغل في الشر فأن الحفاظ على الإعلام ووسائله ، ونحن ندرك أهميته وخطورته ، وإلى متى يكون أعلامنا فقط للمشهد المخل ، والمسلسل الفاضح والمقال الذي بين أسطره الهمز واللمز ، والمواقع العنكبوتية التي لا يشرف على أغلبها إلا نكرات لا يعُرفون .
سادساً :- تفعيل الحوار مع شباب الأمة بهدف تجلية المفاهيم لهم وتوضيح المصطلحات الناقصة عندهم ، والخروج بهم من بحور التخبط والسعي وراء اللذة والهوى والفكر الضال إلى بر الأمان ، يشترط أن يكون ذلك الحوار هادفاً وأن تكون آدابه وضوابطه على ضوء الشريعة الإسلامية ، فأن ذلك يساعد على إثراء عقول الشباب بما ينفع أمتهم ودينهم ، ويولد حماية قوية ضد كل من يسعى وراءهم لإغوائهم ويحث الخطر خلفهم لمحاولة جعلهم قدوات في الانحراف الفكري.
سابعاً : - أن يقف أرباب الفكر النيّر والثقافة ، الناصعة والمبادئ السليمة
والأدب الوضاء صفاً واحداً ضد كل فكر يؤثر سلباً على عقول الأمة ، وأن يردون على كل من استخدام ثقافته وقلمه ضد هذا الدين وهذه الأمة ، وعليهم أيضاً أن يبينوا للعالم كله محاسن هذا الدين وفضائله وشرائعه السمحة لأن هذا جزء من رسالتهم في هذه الحياة وعليهم أن يحقونها . فتلكم أبرز أسباب تحقيق الأمن الفكري والتي متى ما فعلت فهي كفيلة بأن أفكارنا وثقافتنا ومبدأنا وأصولنا وثوابتنا في أمن بإذن الله تعالى .
وبعد ذكر وسائل تحقيق هذا النوع من أنواع الأمن الفكري فإليكم هذا النتائج المستنبطة أيضاً بعد تحقيق تلك الوسائل على أرض الواقع :-
1/ ظهور أجيال تحمل فكراً إسلامياً طاهراً خالٍ من المعتقدات الفاسدة ، أو الرؤى المنحطة .
2/ تعزيز أهمية العلم في الإسلام ، وذلك بالبحث عنه وطلبه ، واهتمام الأمة بعلمائها ومفكريها وأبائها .
3/ سيظهر لنا إعلاماً هادفاً وصورة مشرقة نأملها جميعاً ، ونسعى على إيجادها .
4/ ستخرج لنا مواهب وعقليات وأقلام ناصعة الفكر تزاحم أهل الضلال في وسائلهم وعلى منابرهم .
5/ سنرى مجتمعاً حوارياً يهمه البحث عن الحق فقط ، ولا يأبه بما سيواجهه في طريقه .


النتائج :-

وبعد أن تعرضنا للأمن بشكل عام وأدركنا أهمية ووجوب الحفاظ عليه وعرفنا أنواعه وأهمية كل نوع ووسائل تحقيقه وبيننا نتائج كل نوع على حدة فإننا نخرج بمجموعة من النتائج العامة المهمة والتي سيتعين على كل مسلم الانتباه لها و محاولة مراعاتها جيداً والعمل على تطبيقها متى ما وافقت القدرة وكانت داخل حدود الاستطاعة ، كما يتعين على المجتمع بحث هذه النتائج الوقوف على مدى تفعيلها بين أفراده ومؤسساته الاجتماعية وهي كما يلي :-
أولاً :- تميز ديننا الإسلامي الحنيف بأنه دين شامل ، ومكتملة مناهجه وافية أسسه ، واضحة أدلته وشواهده { ... الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينا .. } (المائدة3)
لذا فلم يترك شاردة أو واردة تهم المسلم في حياته وبعد مماته إلاّ وتكلم عنها وأخبرنا بمضمونها ، كما اهتم بفقه النوازل والمقاصد الشرعية ، ووجوب حفظ الضرورات الخمس وكان للأمن عموماً نصيباً من ذلك الاهتمام ، وقدراً م تلك العناية ، وهذا يعنى بأن الأمن جزء لا يتجزأ من ديننا الحنيف ، بل إن عزة هذا الدين وعزة أولياءه مرتبطة ارتباطاُ وثيقاً بقوة الأمن وصلابته وقدرته على الحفاظ على كل ما يتدرج تحت مظلة هذا الدين العظيم .
ثانياً :- وجوب الحفاظ على الأمن بأنواعه وهذا يُطالب كل فرد من أفراد الأمة ، وليس مقصوراً على فئة دون أخرى أو مؤسسة دون أخرى ، أو فرد دون آخر ، كلُ في موقعه الذي هو فيه الأب في منزله وبين أولاده ، العامل في مقر عمله ، المسئول في أوراقه ، المتعلم في مكان طلبه ومتى ما تظافرت الجهود ، والتحمت الصفوف ، واتفقت القلوب حينئذٍ ترى أمناً قوياً لا يُهز ولا يوجس من خلاله الخوف بمشيئة الله تعالى .
ثالثاً:- ضرورة الرجوع إلى العلماء وأصحاب الفكر السليم والرأي السديد وعدم الخروج عن رأيهم ومشورتهم ، والتباحث معهم وحوارهم وسؤالهم عن كل ما يستجد ويطرأ من أمور يجهلها الكثير من العامة ، والدفاع عنهم والذب عن أعراضهم فإن الهجوم على علماء الأمة ومحاربة أفذاذها هو هجوم ومحاربة على أمن أمتهم وشعوبهم .
رابعاً :- وجوب طاعة ولاة الأمر فيما يرضي الله تعالى ولا يسخطه ، قال تعالى { يَأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أطِيعُواْ اللهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأوْلِى الأمْر مِنكُمْ فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الأخِر ذلِكَ خَيْرٌ وَأحْسَنُ تأويلاً } النساء 59.
وأن لا تخرج عنهم وعن طاعتهم أو أن نتخذ مسلكاً غير مسلكهم متى ما كان مسلكاً على نهج الكتاب والسنة فإن ذلك الخروج والعصيان يجر إلى ويلات متتالية تنصب على الدين أولاً والأمة ثانياً والوطن ثالثاً .
خامساً :- لا بد أن يراجع كلاً منا نفسه ويحصن قلبه ، ويتفقد أحواله ويرى كيف هو في أمنه لفؤاده وجوارحه ، وكيف ضبطه لأموره مع إخوانه وتعاملاته معهم ، وأن يدرك أهميته في مجتمعه وأنه رجل أمن في هذا المجتمع وعليه مسؤوليات كثيرة تجاه أمنه واستقراره ، وأن يبدأ في تطهير فكره من كل دخيل خادع ، وكل مستورد فاضح وأن يعمل عقله وفكره لعزة دينه ومجد أمنه وعلو راية وطنه .


الخاتمة
أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا البحث وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بما نقول ونسمع ، إنه ولي ذلك والقادر عليه والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(1)



حسين بن سعيد الحسنية
9/8/1427 هـ




(1) محاضرة ألقيت بجامع الهدى بخميس مشيط
__________________
~*¤ô§ô¤*~*¤ô§ô¤*~أعزاء بالإسلام~*¤ô§ô¤*~*¤ô§ô¤*~
حسين بن سعيد الحسنية غير متواجد حالياً  
قديم 02-03-2007, 02:46 PM
  #2
محمدابوسلطان
عضو فعال
 الصورة الرمزية محمدابوسلطان
تاريخ التسجيل: Jan 2007
الدولة: جده
المشاركات: 452
محمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant futureمحمدابوسلطان has a brilliant future
افتراضي رد : الأمن (أهميته وأنواعه وسبل تحقيقه)

ابو سعيد الحسنيه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اثابك الله على هذا الموضوع القيم وجعله في موازين حسناتك
واللهم امنا في اوطاننا وفي انفسنا وفي ذوينا انت يالله ولي
ذلك والقادر عليه
محمدابوسلطان غير متواجد حالياً  
قديم 03-03-2007, 07:40 PM
  #3
صالح ابو مريحة البشري
عضو ذهبي
 الصورة الرمزية صالح ابو مريحة البشري
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 3,702
صالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond reputeصالح ابو مريحة البشري has a reputation beyond repute
افتراضي رد : الأمن (أهميته وأنواعه وسبل تحقيقه)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسين بن سعيد الحسنية
المقدمة

الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . وبعد
فمن منا لا يريد الأمن ؟ ويحب الاستقرار؟ ويهوى الطمأنينة في حياته ؟ ثم إن كنا فعلاً نبحث عن الأمن الحقيقي فأين نجده ؟ ومتى ؟ ولماذا أصلاً نسعى وراء تحقيقه ؟ ويا ترى ما هي أسباب حدوثه ؟ وما هي العوامل المساعدة التي تساعد في تحقيقه ؟ وما هي نتائجه الدنيوية والأخروية التي سينتفع بها المسلم في كلتا الدارين .
أليس هناك اضطراب متكرر في حياة كل واحد منا ؟ ألسنا نعيش سنوات أعمارنا في حركة مضربة يتخللها الخوف من المستقبل والحزن على ما مضى ؟ وهل ساهم رغد العيش في مضاعفة نسبة الخوف في قلوبنا ؟ وإلي متى ونحن نعيش هذه المعتركات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتي أثرت فعلاً علينا وعلى أجيالنا وبالتالي تفاقم الخوف بيننا ؟ وعدم الاستقرار في بيوتنا ؟ ومسيرة عدم التوازن في مجتمعاتنا .
إن الحديث عن الأمن والأمان حديث له تشعبات كثيرة ونقاط لا يمكن حصرها ، ويتدرج تحته عناوين عدة، ولكن سأكتفي بذكر أربعة أنواع من أنواع الأمن وسأحاول بإذن الله تعالى أن أتحدث عن كل نوع بما يستحقه وذلك تبعاً لأهميته البالغة وضرورته القصوى وهذه الأنواع هي عناصر موضوعي في هذا البحث وهي كما يلي :


1. الأمن النفسي .
2. الأمن الأسري .
3. الأمن الاجتماعي
4. الأمن الفكري .
وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا البحث ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم أنه ولي ذلك والقادر عليه .



التمهيد :-

وقبل أن أدخل في صلب ألموضوع فمن البديهي أن أتحدث عن الأسباب التي دعتني للتحدث عنه لتكون بذلك مدخلاً مناسباً ، وتمهيداً موضحاً وهي كما يلي :-
1-بيان أهمية الأمن في الإسلام وأنه جزء من تشريعاته السمحة ، وتعاليمه الوضاءة والتي جاءت ومعها كل خير وسلام لمن ينتمي لهذا الدين العظيم ، جاءت وقد تكفلت بكل الحقوق الخاصة بكل فرد من أفراد هذه الأمة ، لذا وجب علينا أن نعرف ماهيّة هذه النعمة العظيمة في ديننا الحنيف ليتسنى لنا شكر الله تعالى عليها .
2-حاجة المسلم للأمن في حياته الدنيوية وحاجته له في حياته الأخروية خاصة في ظل تزايد الفتن في هذا الزمان على الأمة بأكملها وفي كل مكان ، وانغماس أفرادها الشهوات الفانية ، والشبهات المضللة ، وإتباعها للعناوين الهدامة والدعاوي المغرضة ، إذاً فالمسلم في حاجة ليعرف أين يجد الأمن من هذا كله ولماذا وكيف ؟
3-جهل المسلم بأحكام دينه ، وعدم اهتمامه بالبحث والسؤال عنها ، والبعد عن الله تعالى في جميع الأحوال والأوقات مما زاد ذلك في تضاعفت نسبة الخوف في قلبه وعدم استقرار طمأنينته فتجده في حياته كالمجنون لا يكاد تستقر له عين ، أو يطمئن له قلب والله المستعان .
4-أن أمن الفرد هو أمن للأمة كلها ، فمتى ما استشعر كل واحد منا هذا الأمن وتأثر به عقله وقلبه وجوارحه فإن ذلك مؤشر خير لأمن من حولنا واستقرارهم ومن ثم فهو أمن للمجتمع الذي نعيش فيه وهو بالتالي إذاً أمن للأمة جمعاء .
5-الحرص على أمن أبناءنا وبناتنا الشباب من كل غزو يؤثر في عقولهم سلباً ، ويبعدهم ويغويهم عن جادة الحق ، ويهوي بهم إلى مزالق الرذيلة والفحش أو قد يخرجهم من دينهم وهم لا يعلمون لذا يتعين معرفة كيفية الحفاظ على هذه الثروة ، وكيف نتعامل معها على ضوء التربية الإسلامية الصحيحة والتي جاء من مضامينها تحقيق الأمن لها على مختلف الأعمار والأفهام .
6-أن الأمن من أهم العوامل التي تساعد في رقي الأمة ، وارتفاع نسبة تطورها، وتضاعف من إنتاجها الفكري والمادي ، وهو أيضاً من علامات الحضارة والتمدن والنماء ، لذا فإن كل أمة هي بحاجة إلى التقدم والرقي والتطور فإنها بحاجة إلى الاهتمام منها والحفاظ عليه .
7-حرص أعداء هذه الأمة على ضرب أمنها ، وزعزعة استقرارها ، وهدم كيانها والعمل على قدم وساق لإضعاف قواها ، وزلزلة بناها ، وجعلها أمة عدد لا أمة عتاد ، وشعوب أقوال لا شعوب أفعال ، وهذا يجعلنا فعلاً نسعى جاهدين للدفاع عن هذا الدين العظيم والذود عن حياضه بكل ما أوتينا من قوة لكي يتحقق الأمن ويسود الاستقرار بين أفرادها .
8-أن حرص المسلم على الأمن بمفهومه العام هو إعلان منه على حبه الشديد لدينه وولاءه له وانتماءه لتعاليمه الأمر الذي يجعل الحديث عن الأمن هو محاولة أخرى لتعزيز هذا الحب والولاء والانتماء ، في الوقت الذي نجد فيه الكثير من أفراد الأمة لا يلتفتون إلى هذا الجانب مطلقاً ولا يرعونه أي ذرة اهتمام ، فتجدهم مثل ما ألمت بهم ضائقة أو روّعهم مشهد أو نابهم نائبة أخوف ما تكون قلوبهم ، وأجبن ما تكون همتهم ، وأخور ما تكون عزائمهم ولله المشتكي .
9-أن في الأمن إضافة إلى ما تقدم استقرار في الاقتصاد المالي للأمة وانخفاض في مستوى الجريمة ، وفيه قضاء على عبّاد الدرهم والدينار والذين لا تأتيهم أقوالهم إلا من طريق الربا الحرام ، وهذا الأمر يجعل الجميع يحققون ذلك عن طريق التعامل الشرعي المالي الكامل والخالي من كل المحرمات التي دخلت في البيوع والمعاملات المالية .
10-وهو آخر الأسباب التي دعت للمتحدث على هذا الموضوع حرص الإسلام على الأسرة المسلمة وهي اللبنة الأولى من لبناته في جميع شئونها وحاجياتها فاهتمت بحقوق الوالدين على الأبناء و حقوق الأبناء على الوالدين وطاعة الوالدين وبرهما وضرورة خلو المنزل من المحرمات والمفاسد ، وعفة النساء ووجوب سترهن والحفاظ عليهن ، وتربية الأولاد تربية إسلامية ناشئة من الكتاب والسنة ، كل ذلك يؤكد أن حصوله كله لا يتم إلا بحصول الأمن والاستقرار الأسري والذي قد كفله الإسلام الخالد إلى تعاليمه الغراء.





الأمن في الإسلام

لقد اهتم الإسلام بالأمن اهتماماً بليغاً ، واهتم بأمان الناس وعني باستقرار أفئدتهم وثبات معتقدهم وأمن مجتمعاتهم ودولهم . ولعلي هنا أذكر بعضاً من المواضع التي تدل على ذلكم الاهتمام وتلكم العناية .
- أن الذين آمنوا الله جل وعلا وعملوا بما أنزل وآمنوا بنبيه  واتبعوا سنته ولم يخالفوا هذا الإيمان المستقر في قلوبهم والنابع من أفئدتهم والظاهر على جوارحهم وأركانهم بالشرك ، فأولئك المصدِّقين ينالون ميزتين عظيمتين وأولهما أن لهم الطمأنينة والسلامة ، وأنهم هم الموفقون إلى طريق الحق قال تعالى :
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبسُواْ إيمَانَهُم بظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }
- أن الموحدين والذين يقولون بالشهادة ويؤمنون بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد  نبياً ورسولاً هم الأحق بالأمن من المشركين الملحدين الذين جعلوا مع إلههم وخالقهم ورازقهم شريك في العبادة ، قال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام : - { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أشْرَكْتُمْ وَلاَ تخافون أنَّكم أشركتم باللهِ ما لم ينزل بهِ عليكم سلطاناً فأيُّ الفَريقيْن أحَقُّ بالأمْنِ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } (الانعام81)
- أن عدم الأمن أو الخوف من المصائب المفجعة ، والآلام البليغة ، والتي تؤثر في العباد والبلاد وهو بلاء عظيم متى أستشعر العبد المسلم هذا البلاء واحتسب أجره وصبر عليه فهو بإذن الله تعالى من أولئك الذين عليهم صلوات ربهم ورحمته وهم من المهتدين قال تعالى : - { ولنبلُونَّكم بشيء من الخوفِ والجوعِ ونقصٍ من الأموالِ والأنفسِ والثمراتِ وبشر ِ الصابرين ، الذين إذا أصبتهم مصيبةُُ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هُمُ المُهْتدُونَ } البقرة (157،156،155)
- أن الخوف يعتبر عقاب من الله تعالى يعاقب به أولئك الذين كفروا بأنعمه وجحدوا بها بعد أن عاشوا في نعيم وافر ، وأمن وسلام قال تعالى :-
{ وضربَ الله مثلاً قريةَ كانت آمنة مطمئنةً يأتيها رزقها رغداً من كل مكانٍ فكفرتْ بأنعُم ِ الله فأذقها الله ُ لِبَاسَ الجوعِ والخوف بما كانواْ يصنعون } (النحل 112)
ثم انظر إلى حال أولئك المنافقين الذين بخلوا بالمال والنفس والجهد والمودة لما في نفوسهم من العداوة والحقد وجهم للدنيا وكراهيتهم للموت فحينما يحضر القتال يخافون الهلاك وتراهم ينظرون وأعينهم تدور كدوران من حضر الموت ، فإذا انتهت الحرب رموا المسلمين بألسنةٍ حداد مؤذية وتراهم عند قسمة الغنائم بخلاء وحسرة فأولئك الذين لم يؤمنوا بقلوبهم ، فأذهبت الله ثواب أعمالهم قال تعالى في هذا المعنى :- { أشِحَّةً عليكُم فإِذا جاء الخوفُ رأيتهمْ ينظرونَ إليك تدورُ أعينهمْ كالذي يغُشى عليهِ من الموتِ فإذا ذهبَ الخوف سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ أشحةً على الخيرِ أولئكَ لمْ يؤمنوا فأحبط الله أعملهمْ وكان ذلك على الله يسيراً } (الأحزاب 19) .
ونستفيد من هذه الآية استقرار نفس صاحب الإيمان القلبي ، وثباتها على الحق مهما واجه من شهوات وشبهات ، وعدم اضطرابها وخوفها من أوامر الله تعالى ومسارعتها للتنفيذ وكسب الأجر والمثوبة الإلهية .
-وفي موضع آخر في الكتاب الحكيم ويبين الله تعالى أن الأمن أحد الهبات والجوائز التي وعد بها سبحانه وتعالى عباده المؤمنين متى ما حققوا الإيمان في قلوبهم ولم يشركوا به تعالى وعملوا الصالحات وتركوا السيئات قال تعالى :- { وَعَدَ الله الَّذينَ آمنوا مِنكُمْ وعملُوا الصالحات ليستخلِفَنَّهُمْ في الأرضِ كما استخلفَ الذَّين مِن قبلهمْ وليُمكِننَّ لهم دِينهُمُ الذي ارتضى لهُمْ وليُبَدِلنَّهُم من بعدِ خوفهم أمناً يعبدونني لا يشُركْون بي شيئاً ومن كَفَر بعد ذلك فأُوْلئك هُمُ الفاسقونَ } (النور55)
-وفي موضع آخر ومن السنة الشريفة يبين محمد  أثر نعمة الأمن على العبد المسلم بل إن حصول العبد عليها هي وقرينتها نعمة الصحة تساوي جمعه للدنيا كاملة قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلمة بن عبيد الله بن محصن الأنصاري عن أبيه " من أصبح منكم معافى في جسده أمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا "
-حرص الإسلام على إعطاء الأمان من يريده فعند أهل العلم أن من أعطى الأمان من المسلمين فهو جائز ومن ذلك أمان المرأة فعن عقيل بن أبي طالب عن أم هاني أنها قالت : أجرت رجلين من أحْمَائي فقال رسول الله صلى عليه وسلم " قد أمنا من أمنت " حديث حسن صحيح .
هذه بعض النماذج من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه محمد تبين منزله الأمن في الإسلام ومكانته منه ، ومما يجدر الإشارة به أن الإسلام دين الأمن والأمان ، هو الدين الذي جاء بحفظ الضروريات الخمس وحرص على العناية والاهتمام بها ، وأن تكون هذه القرارات الخمس في مأمن من كل يشوبها أو يعكر صفوها وهي العقل والمال والنفس والنسل والدين .
والمتأمل مرة أخرى في شرائع هذا الدين العظيم يعلم مكانة الأمن ورفعة منزلته وعلو شأنه بين هذه الشرائع كيف لا وقد جاء الإسلام بالحفاظ على أمن القلب والعقل من كل معتقد باطل وهوى مطغى وأمانّي كاذبة وعلى أمن الجوارح من العبث في الحرام والتخبط في المعاصي ، والخوض ف الآثام .
وجاءت أيضاً بوجوب أمن الأسرة والمنزل والجار والضيف والأهل والأقارب وذلك من خلال إعطاء كل ذي حق حقه من الاهتمام والعناية ، والعمل على بناء العلاقات الحميمة المشروعة والتي تَكْفُل فعلاً بناء أمنٍ اجتماعي مأمون .
وجاءت أيضاً تحذر من ترك الطاعات والعبادات وفعل المنكرات والتي هي من أسباب سكن الخوف في الأفئدة .
وجاءت أيضاً وهي مشرعة لحق الأسير في الحرب ، وحق الذمي والمعاهد والمستأمن وحق الحيوان والشجر وغيرها . وبيان ضوابط أمنهم ونتائجه .
كما أتت بتبيان حقوق المساجد ودور العلم وأهله وطلبته الالتزام في ذلك والمثابرة عليه وما ينتج عن ذلك من تحقيق أمن العلم والمعرفة ودرءها عن كل فكر هدّام أو ثقافة منتكسة .
وجاءت أيضاً بضرورة الالتفاف حول ولاة الأمر وطاعتهم فيما يرضي الله وعدم عصيانهم الأمر الذي يساعد في انتشار الأمن وقوته وصلابته .
إلى غير ذلك من الأبواب والأقسام التشريعية والتعبدية والتي بها يستقر الأمن وتطمئن النفوس ويدرك الأعداء أن لا سبيل مطلقاً في هزيمة الإسلام وأهله .
نعم هذه علاقة الأمن بالإسلام ، وتخلص من ذلك عظم هذا الدين وشموليته وحفاظه على أمن المنتمين إليه وغير المنتمين أيضاً .
وتخلص أيضاً إلى نتيجة أخرى مهمة وهي أن في استقامة المسلم على دنيه والتزامه بكل ما جاء في المصدرين العظيمين كتاب الله وسنة نبيه محمد ، أمان له من تلابيس إبليس وكيد الجان وعداوة الناس ، وهو أمان أيضاً من الفتن والبلاء والمصائب الظاهرة منها والباطنة ، والعظيم منها والصغير وهذا الالتزام يؤدي بإذن الله تعالى إلى تكوين أمة ملتزمة بما طلب منها الشارع الحكيم فتسود وترقى ، وتعود إلى عزتها المسلوبة ، وتنطلق جحافل النصر والإباء من كل بيت مسلم ، فتتكون الخامات الوضاءة المشرقة ، وتبرز الأجيال العظيمة والتي تنتظرها وتنتظر ذلك التكوين وذلك البروز .
وهذا ما هو مفروض حصوله ، بل لا بد منه فإن هذه الأمة قد نالت على الشرف من كل جهة ، فقد أنزل الله أشرف كتاب على أشرف نبي بواسطة أشرف سفير من الملائكة في أشرف ليلة في أشرف زمان في أشرف مكان على أكمل طريقة وأقوم هدى .
وقد نالت هذه الأمة على خيرية الأمم كافة من قبل رب السموات والأرض قال تعالى : - { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون } آل عمران 11


الأمن النفسي::ــ

إن المسلم الذي يدرك حقيقة سبب وجوده ، وأهمية رسالته في هذه الدنيا ، وعظم الأمانة التي يحملها يعي تماماً أهمية حفاظه على نفسه التي يبين جنبيه ، وأنها تحتوي ذلك القلب الذي هو محل النية ، وموطن التقوى ، ومنطلق الإخلاص ومتى أدرك ذلك كله فإنه يعطى دائماً لأن تكون نفساً طاهرة نقية تقية خالية من كل نجس وشائبة ، طاهرة من كل درن وكدر ، متعلقة ليلاً نهاراً بخالقها وفاطرها ومبدع جسدها سبحانه وتعالى .
إلا أن ذلك الأمن لا يحصل لتلك النفس إلا بإخلاص لله تعالى بمداومة العمل ، واستمرارية في المتابعة ، وهذا يجعلنا نورد بعضاً من العبادات التي تحقق الأمن الروحي للنفس المسلمة ، والتي يكفل فعلها أيضاً الأجر الجزيل إضافة إلى الطمأنينة والاستقرار .
1)الصلاة :-
أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات ، وأول ما يحاسب عليه العبد ، وهي آخر قضية وصى بها رسول الله أمته عند موته فقال :-" الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " رواه أحمد
وهي من شروط الهداية والتقوى والذي يفلح صاحبهما ف الدنيا والآخرة فقال :- الم {1} ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين {2} الذين يُؤمنُون بِالْغيبِ ويقيمون الصلاة ومما رزقنهم ينفقون َ{3} (البقرة 1-3) والمحافظين على الصلاة هم في أمنٍ من الأخلاق الذميمة والصفات السيئة فقال تعالى :- إنَّ الإنسان خُلقَ هَلُوعاً {19} إذا مسهُ الشرُّ جزُوعاً{20} وإذا مسَّهُ الخير منوعاً {21} إلاَّ المُصَلين {22} الذين هم على صلاتِهِمْ دائمُونَ{23}(المعارج 19-23)
وهم أيضاًً في أمن الله وتحت ظله يوم لا ظل إلا ظله قال عليه الصلاة والسلام " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ....... ذكر منهم
" رجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه " متفق عليه
وقد توعد عز وجل من ضيعها بالعذاب الشديد المصاحب بطبيعة الحال للخوف والهلع { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} مريم 59 ( وغي وادي في جهنم بعيداً عنه )
2)الدعاء :-
وهو عبادة عظيمة غفل عنها الكثير ، وتهاون في أمرها وهو حبل موصول ، وعروة وثقى مع الله عز وجل ، منها هوr يعلن أن لا هلاك مع الدعاء وهذا يقتضي الأمن الحقيقي للنفس ، بالمداومة عليه ومتابعته فيقول " لن يهلك مع الدعاء أحد "رواه ابن حيان
وفي حديث آخر يبين r أن الدعاء يرد البلاء ويدفعه فقال : -
"لا يغنى حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل ، وأن البلاء ينزل فيتلقاه الدعاء فيتعالجان إلى يوم القيامة " رواه الحاكم
والدعاء أيضاً لله تعالى هو إنباء بمعية خاصة منه تعالى لك وهذا يحقق لك الأمن بإذنه تعالى لأنك تنعم بهذه المعية الشريفة قال عليه الصلاة والسلام: " أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني " رواه مسلم

3)التوبة : -
وهي من أعظم نعم الله تعالى متى ما لحق ببابها العبد المذنب ، وجعلها فجراُ جديداً تبدأ معه رحلة العودة بقلب منكسر ودمع منسكب ." نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " الحجر (49) " والتائب من الذنب كمن لا ذنب له " رواه ابن ماجه والطبراني
والتوبة فرصة عظيمة لمن صدق مع الله عز وجل ، وجاهد نفسك في تركك للمنكرات والآثام والمعاصي وفي فعل الطاعات والعبادات والأوامر الإلهية ، واعلم بأن التائب من الذنوب والخطايا يرسم لنفسه طريقاً أمناً إلى جنات الخلود .
قال حاتم الأصم : من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر لا يأمن الشقاء .
الأول : - خطر يوم الميثاق حين قال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي فلا يعلم أي الفريقين كان .
الثاني :- حين خُلق في ظلمات ثلاث فنادى الملك بالشقاوة والسعادة ولا يدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء .
الثالث :- ذكر هو المطلع ، فلا يدري أيبشر برضا الله أم بسخطه ؟
الرابع :- يوم يصدر الناس أشتاتاً فلا يدري أي الطريقين يُسلك به ؟


رابعاً :- التوكل على الله .
وهي عبادة غفل منها كثير من الناس لاتكالهم على أنفسهم ، واعتقادهم أن إنجاز أمورهم وقضاياهم عن طريقهم هم وما علموا أنه التوكل أنه كفاية الرب للعبد ، وصدق اعتماد القلب على الله عز وجل فهو جل وعلا النافع الضار والأمر كله إليه قال الله تعالى وهو يوضع علاقة التوكل بالأمن النفسي
{ الَّذِين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جمعُوا لكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ " فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ من اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يمسسهمْ سُوءٌ واتبعوا رِضْواَنَ اللهِ واللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ،إِنَّمَا ذَلِكُم الشيطانُ يخوّفُ أَوْلياءه ُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ } (آل عمران 173-175)
وقد قال بن عباس رضي الله عنهما في بيان أهمية التوكل في تحقيق الأمن النفسي :- حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حسن ألقي في الغار ، وقالها محمدr حين قالوا {... إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } أخرجه البخاري .
خامساً :- ذكر الله تبارك وتعالى :
وهو صلة العبد بربه تعالى ومما يكسب النفس المسلمة ثباتاُ وأمناً واطمئناناً .
قال الله تعالى :- { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } (الرعد 28)
وصيغ الأذكار كثيرة جداً خاصة تلك التي تبعث الراحة للنفس عند قولها ، وتضمن بإذن الله تعالى الأمان النفسي للمسلم الذاكر العابد ومن تلك أذكار الصباح والمساء ، والصلاة على النبي r
ولعلي هنا أذكر دليلين من السنة تثبت فضل الذكر في تحقيق الأمن للنفس المسلمة . قالr " ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فلا يضره شيء" (أخرجه الحاكم)
وقال r في موضوع آخر لأسماء بنت عميس رضي الله عنها :-
" ألا أُعْلِمُكِ كلمات تقوليهن عند الكرب - أو في الكرب – "الله الله ربي ولا أشرك به شيئاً " ( أخرجه أبو داود في سننه)
وهناك الكثير من العبادات والطاعات التي تضمن الأمن النفسي للعبد المسلم في الدارين وكذلك الطمأنينة والاستقرار وهي بإذن الله تعالى طريق لجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
لذا عليك أخي المؤمن أن تبدأ بالرجوع وتعلنها توبة صادقة من قلبك وتتقرب إلى ربك بذكره في كل حين والدعاء له عند كل أمر وتحرص على صلاتك وصومك وحجك وأداء مناسكك وتراعي جميع الحقوق وتقوم بما يوكل إليك من واجبات فإن ذلك كله يزرع الأمن النفسي والروحي والذي يبحث عنه الكثيرون من البشر ولكنهم جهلوا طريقه .
واختم هذا النوع بذكر النتائج التي تعود على المسلم إذا حقق هذا الأمن وهي :-
1. حصول التوبة لله تعالى والذي يصاحبها الهداية والتوفيق .
2. معرفة المسلم فضل هذا الطريق الصواب وهو طريق
" إياك نعبد وإياك نستعين " .
3. أن المسلم يعرف أيضاً فيه الأمن النفسي وأنه هو أساس كل أمن .
4. أن الأمن هو بالقرب من الله تعالى بفعل الطاعات وترك المنكرات .
5. أنه ينشأ من نفسه قدرة صالحة في مجتمعه وبين إخوانه وبين أفراد المجتمع .





الأمن الأسري

والأسرة هي اللبنة الأولى من لبنات المجتمع فبصلاحها يصلح المجتمع ويسوده ، وبفسادها ينتشر في المجتمع الفساد ويغور ،وهي أقدم مؤسسة اجتماعية للتربية عرفها الإنسان فإعدادها والقيام بإنشائها خطوة من خطوات بناء الأمة وحلقة من حلقات تكوين المجتمع .
والأسرة المسلمة لقيت من اهتمام علماء الأمة الشيء الكثير والخط الوافر وذلك لمعرفتهم بأهميتها وإدراكهم بحجم مسؤولياتها الجسيمة ، ولأنها فعلاً أهم مراحل بناء الجماعة والدولة والأمة ، فإذا هدم هذا الحصن رجعنا إلى مرحلة البداية والبناء الأولي من جديد وهي مرحلة الفرد .
ومن الأسباب الداعية لاهتمام الإسلام بالأسرة وشئونها :-
1.أن الأسرة تلبي مطالب الفطرة البشرية ، كإيجاد الأولاد الذين هم امتداد لآبائهم ، وهم عوناً لهم في كبرهم قال تعالى : - { واللهُ جَعَلَ لكُم مِن أنفُسكمْ أَزْواجاً وجَعَلَ لَكُم مِنْ أزواجِكُم بَنِينَ وحََفَدةً وَرَزَقَكُم منَ الطَّبيات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون } (النحل الآية 72)
ونعمة الولد هي من أجل النعم التي أنعم بها ربنا تعالى على عباده بل على أفضل خلقه وهم الرسل عليهم السلام قال تعالى : - { وَلَقَدْ أّرْسَلْنا رُسُلاً مِن قبلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أزوَجاً وذُريَّةً } (الرعد 38)
2-أن الأسرة منطلق المسؤولية وبداية القوامة ونواة المعاملات مع الآخرين ، فهي إذاً ميدان عملي واسع يستطيع كل فرد من أفراد هذه الأسرة تحقيقه والعمل على إيجاده على ضوء معالم الشريفة الإسلامية
3-أن التزاوج سنة سنها الله تعالى في خلقه قال تعالى : -
{ وَمِن كُلّ شيءٍ خلقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (الذاريات 49)
4-أنه عن طريق الأسرة المسلمة إشباع لمطالب الجسد والروح وفي في الإنسان ولا يكون ذلك إلا بالزواج الشرعي ، الذي يهذب النفوس ، ويسمو بالأخلاق ، ويقي من الانحراف ويحمي المجتمع من الأمراض الاجتماعية وكحب الذات وعدم الإيثار وكراهية الآخرين ، والنفسية كالحسد وضيقة الصدر والانطواء ، والصحية تلك الأمراض التي ينشأ به الاختلاط المحرم .
5-في بناء الأسرة المسلمة حفظاً للأنساب من الاختلاط ، وفيه حماية للمسلم أيضاً من العار الذي قد يلحق به متى ما أنهزّ أحد أركان هذا البناء قال عليه الصلاة والسلام .
" تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال منساة في الأثر " (رواه الترمذي وصححه الألباني)

6- أن الأسرة المسلمة من أهم أسباب إيجاد التكافل الاجتماعي ،
وعن طريقها تنتشر الصفات القلبية المطلوبة كالتواد والتعاطف
والتراحم بين الزوجين والأولاد من ثم بين أفراد المجتمع على اختلاف
درجاتهم وتفاوتهم من حيث العلم والمال والجاه والمنصب ، بل إنها تدعو إلى ما دعى إليه الإسلام من ضرورة أن يعيش المجتمع المسلم
" كرجل واحد إن اشتكىمنه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر "
( رواه مسلم ) .
7- أن الأسرة المسلمة تعد المكان الأول المسئول عن صحة كل فرد فيها ، من أول مراحل الحضانة حتى تكتمل شخصية الفرد الصحية ، وهذا يتم عن طريق العناية به بالمتابعة والمراقبة والخوف عليه والسهر على راحته والمعني في تقديم كل ما يصلح لبناء جسمه الحركي ، وعقله الفكري وقلبه التعبدي .
8- أن الأسرة المسلمة هي التي تربي على الأخلاق الإسلامية الفاضلة للفرد والمجتمع ومن ذلك خلق التضحية والأبناء بين أفراد الأسرة ، والصبر والتحمل ، والصدق في التعامل .
وبعد أن عرفنا جهود الإسلام في محافظته على الأسرة المسلمة وعنايته بها ، دعونا نتعرف على ما يضمن تحقيق كل تلك الأسباب ، ويجعلها مشاهدة على أرض الواقع ، وهو إيجاد الأمن الأسري والذي هو مسؤولية كل فرد من أفراد الأسرة المسلمة ، وبه بإذن الله تعالى تضمن جميعاً من أن الأمة إلى خير ، وأن الفوز حليفنا ، وأننا استطعنا أن نحقق الكثير من أهدافنا المنشودة .
ولكي نوجد هذا الأمن وبعد إشارتنا بأنه مسؤولية الجميع ، وأن الجميع مطالب بتحقيق ، فإليكم هذه الطرق التي تساعد على تحقيق الأمن الأسري داخل الأسرة ، وتعين على إيجاده بين أفرادها ، وتأمل كيف نصبو إلى ما نريد ونرجوه بعد تحقيقها بإذن الله تعالى .
أولاً :- بناء العقيدة الإسلامية الصحيحة في قلوب أفراد الأسرة .
ويكون ذلك بتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام عندهم ، وأنه دين شامل كامل ليس فيه نقص أو خلل ، وإيجاد الخوف والخشية من الله تعالى والرجاء والاستعانة والاستغاثة به وحده دون غيره في أفئدتهم وتحقيق معنى التوكل عليه ، والرجوع له ، وموالاته جل وعلا وموالاة أنبياءه ورسله وعباده الصالحون ، والبراءة من الكفر والشرك والنفاق ، وتعريفهم بالبيع والمحذورات العقدية وتحذيرهم منها خشية أن يقعوا فيها بغير علم فإن ذلك يساعد على أن يكونوا أمناء على عقيدتهم وحراس على وفضائلهم وبه ينتشر الأمن بينهم وبين مجتمعهم ، وللأسف الشديد نجد أن كثيراً من الآباء والأمهات لا يرعون لهذا الجانب أي اهتمام ، بل أكاد أجزم بأن الكثير لم يفكر فيه أصلاً ، وتجد أيضاً من الشباب الذين يعيشون داخل محيط الأسرة المسلمة لا يدركون أهمية بناء العقيدة في قلوبهم وقلوب آبائهم وأمهاتهم وأشقاءهم وشقيقاتهم ، فلا يحرصون على تعليم أنفسهم ، ولا يريدون أن ينفعوا أسرهم ، فانتشر بين أفراد الأسرة الواحدة الخوف وعدم الثقة والجمل المطبق المخيف .
ثانياً :- حث أفراد الأسرة المسلمة على فعل ما أمر به الله تعالى ونبيه الكريم ، وترك ما نهيا عنه :-
ومن ذلك الاهتمام بأمر الصلاة والصوم ، وتدريبهم على أداءها ، وتنشئتهم على المحافظة عليها ، وقراءة القرآن الكريم وتدبر آياته وذلك بجعل ورد يومياً لجميع أفراد الأسرة آباء وأبناء والمداومة على الأذكار والدعاء وإشعارهم بأهميتها وأنها تقيهم من الشياطين والجن والدواب إضافة إلى العبادات والطاعات الأخرى والتي تكفل جميعها بإذن الله تعالى إن تعيش الأسرة المسلمة في أمان من الشيطان وأعوانه وهنا أسال نفسي وإياكم هل أهتمينا بهذا الجانب حق الاهتمام ؟هل أبناءنا وبناتنا أو آباءنا وأمهاتنا أو من يعيش معنا داخل محيط أسرنا طائعين لله ورسوله أن هم عاصين لله ورسوله هل نحن مثلاُ مؤاجرين على ما نقوم به من جهود لحماية أسرنا من الانحطاط والذلة ، أم مذنبين لأننا أوقعنا بأنفسنا وأسرنا في أسى الحطة والذلة والمعصية .
ثالثاً :- ومن طرق تحقيق الأمن في الأسرة المسلمة صلاح الآباء والأمهات :-
وصلاحهم صلاح لأسرهم ، وعزة لأبنائهم ، وفيه خير كثير لمجتمعاتهم كيف لا وهم القدوات التي تسعى أجيالهم للأخذ منهم ، والتأسي بأفعالهم والاهتداء بآرائهم ، والولد أو البنت في صغرهم أكثر ما يؤثر عليهم في أيامهم الأولى هم الآباء والأمهات ، فتجدهم يقلدون حركاتهم ، ويتعلمون منهم تصرفاتهم ويريدون أن يكونوا مثلهم في معاملاتهم وبناء شخصياتهم ، فاحرص أيها الأب أن تكون مثلاُ يحتذى به في أسرتك ، واحرصي أيتها الأم بأن تكوني ف مصدر خير لأفراد أسرتك وتأملا لنتأمل جميعاً قوله تعالى : - { وأَمَّا الْجِدارُ فَكَانَ لِغُلامينِ يَتِيميْنِ فِى الْمَدِينَةَ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزلَّهُما وَكَأنَ أَبُوهُما صالحاً فأراد ربك أن يبلغ أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ... الآية } الكهف 82
فبصلاح الأب هنا سخر الله تعالى موسى وصاحبه بأن يقيما الجدار لكي يكون أمان لكنز الغلامين حتى يستخرجاه بأنفسهما .
فكيف أنت أيها الأب مع صلاح قلبك ، وأنت أيتها الأم ، هل أدركتما أهمية ذلك الصلاح على أبناءكم .
إن عيشكم في الغي والفساد هو إعلان بفساد من تعولون ، وسبباً في غيهم وضلالهم وهو انطلاقه منهم لحياة يسودها الخوف وعدم الاستقرار
رابعاً :- المحافظة على الأخلاق والقيم الإسلامية النبيلة :-
ويكون ذلك بالمحافظة عليها داخل الأسرة وبين أفرادها ، وأشاعتها بينهم سواءاً بفعل القدوة لهذه الأخلاق والقيم بينهم ، أو بتعليمها لهم بين الفترة والأخرى ، ومن تلك الأخلاق الحسنة و اللحمة والأخوة على خير ، التعلم الإيثار والتضحية والصبر ، و التدرب على إكرام الضيف ، وإعانة الجار، وإغاثة الملهوف ، وإعانة المضطر ، والوقوف بجانب المظلوم و نصرته ، ورد كيد الظالم ودحره ، تعويد أفراد الأسرة حب الآخرين والعمل لأجلهم ، وتوضيح أهمية الابتسامة والسلام والصلة ، وهذا كله مما يجعل الأسرة تعيش في أمان داخلي بين أفرادها ويطرح بينهم الثقة ، إضافة إلى أنه يجعلها تعيش في أمان أخر مع منهم خارج محيط الأسرة ، فكم حر الشر خلق طيّب .
خامساً :- تنوير أفراد الأسرة بأهميتها في سيرة الإسلام .
وذلك بإيضاح دور الأب ودور الأم ودور الأبناء ، كلُُ في مهمته وعمله ، وأن تلك الأدوار كفيلة بإذن الله على تحقيق الأمن الأسري والذي يضمن أيضاً سيرة الأسرة الصالحة على خطى ثابتة مآلها عزة الإسلام والمسلمين ، فهل بيّنا نحن الآباء تلك الأدوار لأبنائنا وأهميتها وأنها نم أسباب نصرة هذا الدين العظيم أم لا ؟
سادساً :- أن يعرف الآباء الحقوق التي عليهم للأبناء .
والتي أتي بها الشرع الحكيم وأوصى بمراعاتها ومن تلك الحقوق التي للأبناء على آباءهم رعايتهم رعاية شاملة كاملة ، واختيار أحسن الأسماء لهم ، والنفقة عليهم ، ومتابعتهم عن قرب ، وتحصينهم من الشرور المفاسد .
سابعاً :- أن يعرف الأبناء الحقوق التي عليهم لأباهم .
ومن ذلك طاعتهم برهم ووجوب صلتهم ، ومراعاة مشاعرهم وعدم إيذاءهما بالفعل أو القول وذلك أن الوالدين هما سبب وجود الابن في هذه الحياة فكيف يقابلان بالتجهم والعنت والسخرية من الأبناء .
ثامناً :- أن يعرف كلاً من الزوجين حق كل واحد منهما على الآخر.
فالزوج عليه مراعاة زوجته الحفاظ عليها ، ووجوب نصحها وإرشادها ، وسترها ، وأن نجد نصيباً من الرحمة والود والألفة ، وأن لا يعنف عليها إلا إذا كان ذلك مطلباً مهما ً ، وأن لا يكون الضرب علاجاً لكل مشكلة .
وعلى الزوجة في المقابل أن تحفظ فراشه ، وتستر عيوبه ، وأن لا تأخذ من ماله إلا ما يكفيها وولدها بالمعروف ، وأن تعي بأن القوامة له وليس لها ، وأن لا تخرج من بيته إلا بإذنه .
وهناك حقوق مشتركة كحفظ السر ، وإشباع الرغبات الجنسية ، وتربية الأولاد كل تلك الحقوق ، ومتى ما وجدت اهتماماً وعناية فإنها تكون سبباً آخر في تحقيق الأمن الأسري والذي يبحث عنه جميع أفراد الأسرة المسلمة ، ومن المعلوم أن التفريط فيها وجعلها خارج دائرة المتابعة يهز من شأن الأسرة ، ويسود فيها التخبط والعشوائية ، قد يكون في آخرها أمور لا يرغبها الجميع كالطلاق مثلاً وغيره .
تاسعاً :- تلبية حاجات أفراد الأسرة المسلمة :-
وهذا من أهم الطرق في تحقيق الأمن الأسري ، فإن عدم توفر متطلبات العيش الهانيء ، والحياة الأسرية الكريه يجعل كل فرد من أفراد هذه الأسرة يبحث عنها عن الغير ، فالذي يحتاج إلى الرصيد العاطفي كالحب والرحمة فإنه يبحث عنها عن الآخرين وهذه مشكلة كبيرة جداً لأنها بداية انحراف أخلاقي حتمي وكثير من الآباء والأمهات لا يعون هذه المسألة جيداً ، والذين يبحثون عن المال ولا يجدونه عند آباءهم وأمهاتهم لعدم توفيرهم له يجعل الابن أو البنت يبحثان عنه بطرق إجرامية أخرى كالسرقة مثلاً : وهناك من يبحث عن الثقة وتحقيق الذات والمسؤولية فلا يجد من يوفرها له من أفراد أسرته فيذهب لتحقيقها بأساليب مضره له ولأسرته وللمجتمع كاملاً .
عاشراً :- إعداد الأبناء لكي يكونوا لبنات خير في مجتمعاتهم .
ويكون ذلك بتعليمهم حمل مسؤولية هذا الدين وأن يكون لكل واحد منهم رسالة إيمانية مشرقة ، وأن يسعى جاهداً لحماية الإسلام من موقعه ، وعلى الأب والأم أن يكتشفوا المواهب في أبناءهم وأن يحاولوا أن يعملوا على تسخيرها للأمة عن طريق هذا الابن أو هذه البنت ، وأن يصنعوا منهم عناصر مؤثرة ، وهمم صادقة ، وقادة ناجحين، وعلماء بارزين وبهذا تستطيع الأسرة أن تكون فعلاً قد ساعدت في صناعة مجد أمة وهذا ما نطالب به قل أسرة في ظل هذه الأوضاع التي تعيشها أمتنا الإسلامية .
الحادي عشر :- تطهير البيت من الملاهي والمفاسد والمعاصي .
فقد أصبحت أكثر بيوت المسلمين مأوى للفساد ، ومرتع للملاهي ، ومقر لاقتراف الذنوب والآثام مما جعلها وسائلها فرائس سهلة للشيطان وأعوانه ، فمن قنوات فضائية هابطة وسخيفة ، إلى مجلات خليعة إلى تقليد أعمى للكفرين في اللبس والشكل والحركة الأمر الذي جعل البيت المسلم غير آمن بل قد تحل عقوبة من الله عليه وعلى أفراده بسبب تلك الذنوب والمعاصي ، والواجب أن يحرص الأب المسلم والأم المسلمة على تطهير بيتها من ذلك كله وجعله بيتاً محفوفاً بالأمن ، تسكنه الطمأنينة والحب ، وتأوي إليه السكينة والاستقرار .
وبعد ذكر هذه الطرق فإني استطيع القول بأن المسلم متى ما حرص على إقامتها والعمل على إيجادها في منزلة وبين أفراد أسرته فإن ذلك يضمن بإذن الله تعالى الأمن النفسي ولأولاده ولزوجته ولم حوله أيضاً .
بقي أن أقول أن أعداء الإسلام يعملون كل ما بوسعهم لهدم كيان الأسرة المسلمة وتشتيت أفرادها ، وإقصاء القوامة فيها لأنهم أدركوا فعلاً ما يشكله هذا الكيان بالنسبة للأمة متى ما ضُمين له الأمن ، وهُيأ له الاستقرار والسكينة . فهاهم في كل يوم يخرجون لنا بنداءات ، ويعلنون بيننا باقتراحات تدل على ذلك فمن ضرورة إخراج المرأة من بيتها ،إلى التعليم المختلط ، إلى رفع الحجاب إلى ضرورة إيجاد قانون لحرية الجنس والاستماع ، ونشر الشذوذ ، وغيرها من الدعاوي المغرضة الهّدامة للأسرة وللأسف الشديد أن كل ذالك معلوم عند أغلب أبناء الملة ولكنهم على أقسام ثلاثة في مواجهة هذا العدوان .
القسم الأول :- يدرك خطورته ويعلم بتحركه ويرفض رفضاً شديداً ولكنه لا يحرك ساكناً لا في منزله ولا في مجتمعه لجهله أو ضعف شخصيته أو خشيته من المواجهة .
القسم الثاني :ـ يدرك خطورته ويعلم بتحركه ولكنه لا يقرضه بل يقول إن ذلك من استحدثه العلم , وهو نوع من التطور ويكفي أنه يأتينا من الغرب
القسم الثالث :ـ يدرك خطورته ويعلم بتركه ويعمل ليل نهار لتبين هذا الخطر وتبيين حركته للناس وهو يواجههم بكل ما أوتي من قوه ‘ وأصحاب هذا القسم قليل جداً إذا قسناه بأمة المليار وثلاثمائة مليون مسلم.
وهنا أذكر أهم النتائج الحاصلة للمسلم بعد تحقيقه بهذا الأمن الأسري :-
1- أن تحقيق كل واحد منا لأمن أسرته ومحافظته عليه يؤدي إلى مجتمع مسلم مترابط من جميع الجهات .
2.صلاح الأبناء وهدايتهم واتخاذهم السبيل الحق الذي يقمن بإذن الله حمايتهم من الشهوات والشبهات .
3.تفعيل أوامر الإسلام ونواهيه في البيت المسلم ، وهذا ما نبحث عنه في ظل أعراف كثير من بيوت المسلمين .
4.قرب الأبناء من أباهم ، وفتح صدورهم لهم ، ونقاشهم ،وبث همومهم ومآسيهم ومشاعرهم لهم هذا من جانب الأبناء ، ومن حق الآباء فيكونون على علم تام بما يصير لأبناهم ويعتري طريقهم ، ومن ثم يوجهون نصائحهم وتجاربهم التي تعين الأبناء على حياتهم وشؤونهم الخاصة والعامة .




الأمن الاجتماعي

وهو لا يقل أهمية من النوعين السابقين ، وساعدت تلك الأهمية مع انتشاره في المجتمعات الإنسانية الحديثة نتيجة للتطورات الاجتماعية التي انعكست على العلاقات من حقوق وواجبات مما جعل هذا النوع من أنواع الأمن يُخدم من العلماء المفكرين والتربويين الاجتماعيين .
ونستطيع أن نصيغ للأمن الاجتماعي تعريفاً مضمونه أنه " الجهود المتظاهرة من جميع أفراد المجتمع ومؤسساته للقضاء على كل ما يؤثر على أمن المجتمع وأمن أفراده ومؤسساته "
وهذا يعنى أن الجميع مسئول مسؤولية كاملة عن أمن مجتمعه وأمن أفراده ولكي يتحقق ذلك فإليكم هذه الطرق التي متى ما عمل بها أعضاء المجتمع المسلم فهو آمن بإذن الله تعالى .
1-أن يرعى كلاُ من حقوق الأقارب والأرحام وهم مجتمعه الصغير والذي هو مؤاجر على صلتهم وآثم على مقاطعتهم ، وأن يفرز تلك الصلة بالزيارات والاتصالات والسؤال عن الحال وتفقد الأحوال ، وعليه أن يصبر على أذاهم ، ويتحمل عنتهم وغلظتهم وأن يكون بينهم داعياً لله ومصّوباً للمخطىء فيهم ومرشد العاصي منهم ،فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبرعلى أذاهم ، وأن يقف بجانب من يحتاج إلى دعم ومساندة منهم فله بذلك الأجور والمثوبة من الله تعالى . وفي وقتنا هذا وبوجود كل هذه الفتن فإن المسلم يتشاغل فعلاٌ عن أقاربه وأرحامه وقد يمر الشهر والشهرين والعام والعامين وهو لم يراهم أو حتى لم يسأل عنهم وهذا الأمر سبب من أسباب انفكاك المجتمع العائلي وهو نذير خطر وشؤم على المجتمع كله .
2-أن يراعي أيضاً حقوق الجار مراعاة كاملة لا يشوبها نقص أو تقاعس من جميع أفراد مجتمع الحي وذلك أيضاً بالزيارات والسؤال والمحافظة على صلاة الجماعة ، وحضور المناسبات التي تتعلق بأحد أفراد الحي ، وهذا يعني أن كلاً شخص من أفراد هذا المجتمع يؤمن جاره الذي بجانبه وهكذا حتى يصبح الحي في سلسلة أمنية وثيقة ، لا يستطيع أحد أن يتخللها أحد ، أو حتى يقرب من حماها ، ثم أن هذا الأمن مما جاء المطالبة به في الشريعة السمحة ، والأحاديث التي تدل على مكانة الجار وفضله وأهمية منزلة كثيرة جداً . والحي أو القرية الذي تجد فيه التنازع والتباغض والتدابر والتحاسد في قلوب ساكنيه لا يألفه أحد ، ولا يرغب أن يُسكَنَ فيه مطلقاً ، و يجدر الإشارة هنا بأهمية دور المسجد وعظم رسالته في هذا الجانب .
3-أن تراعي حقوق الأصدقاء والأصحاب سواءاُ في المدرسة أو المكتب أو مكان العمل بشكل عام ومن أهم الحقوق الوفاء بتلك الصحبة وعدم الخيانة والغدر وتعزيز المحبة في الله تعالى ، والعمل على مساعدة الصديق في نوائبه ومصائبه والوقوف معه ، ومشاركته في أفراحه وأتراحه ، ولو اهتم كل شخص من بذلك لوجدت اللحمة الطبية الأصيلة ، والتعاون المثمر ، والأمن الملحوظ والمشاهد في ذلك المجتمع والذي يسعى إليه جميعاً .

4-أن تراعى حقوق جميع من يشاركك في الوطن وأن يحرص كلاً منا على أن يكون عمله نافعاً صالحاً لأبناء مجتمعه أو وطنه ، ومن تلك وجوب الدعوة إلى الله وتفعيلها والاهتمام بها اهتماماً بليغاً في سفينة النجاة ، وهي الملاذ بعد الله تعالى من الوقوع في حفر المعاصي والمفاسد ، والالتفاف حول ولاة الأمر والعلماء وطاعتهم بالمعرف وعدم الخروج عليهم والنصح بذلك ، والسعي لأن يكون الجميع أيدي عاملة لتطوير هذا الوطن وتنمية أرضه ، وتعزيز أمنه فبذلك كله نجد وطناً آمناً بإذن الله تعالى رغم شر الأشرار وكيد الفجار ، أعاذنا الله وإياكم منهم .
وبعد هذا كله فإن هناك أمور لابد من تفعيلها لكي نحقق تلك الوقفات الأربعة السابقة الخاصة بتحقيق الأمن الاجتماعي ومن أهمها :-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وفي ذلك يقول الله تعالى :- { كُنتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس تَأْمُرُونَ بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ....... الآية } آل عمران 110

التواصي بالخير والصبر على ذلك .
قال تعالى :- " وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الـإِنسَان لَفِى خُسْرِ {2} إِلَّـا الَّذِين آمنواْ وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ وَتَواصَوْا ْ بِالْحَق وَتواصَواْ بِالصَّبْرِ {3}
(العصر 1-3)

إبراز الأخلاق الإسلامية الفاضلة .
كالحب في الله والكرم والمروءة والصدق والشورى والإيثار ... وغيرها من الأخلاق والصفات المحمودة ولأصحاب تلك الأخلاق الأمن بإذن الله في الدنيا وقرب المنزلة من الحبيب عليه الصلاة والسلام .
قال عليه الصلاة والسلام : - " أقرب الناس منى منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً " .
استشعار قيمة التعاون والترابط بين أفراد الأمة .
وذلك بأن للمجتمع المترابط والتعاون على البر والتقوى خيراُ كثيراُ في الدنيا والآخرة ، ثم أن المجتمع المترابط يقف صنعاً قوياً ضد كل من يريد شراً .
إذاً فمتى ما فعلت هذه العبادات والقيم النبيلة فهي تضمن بإذن الله تعالى أن يعرف كل فرد من أفراد المجتمع مسؤوليته تجاه هذا المجتمع ودوره الذي لا يجب أن يتأخر عنه فإن ذلك كله يساعد في بناء مجتمع نافع آمن .
ومن النتائج المستنبطة بعد تحقيق هذا الأمن الاجتماعي :-
1/ أطلاع المسلم على أحوال من يهمه أمرهم كالأقارب والجيران وأبناء الوطن .
2/ بناء جُدر أمنية دامية من كل من يريد بالمجتمع شراً ومكيدة .
3/ انتشار الفضيلة والسماحة بين أفراد المجتمع ، وسقوط أعلام الرذيلة و // .
4/ أن مكانة أمن المجتمع في القلوب ستتضاعف ، الأمر الذي يؤدي إلى الاهتمام بها ورعايتها رعاية شاملة كاملة .





الأمن الفكري

وهو أمن العقول والمفاهيم والأفكار ، وبه تسود ثقافة الأمم ، ويبرز علماؤها ومفكريها متى ما كان ذلك الأمن أمناً قوياً لا مساومة عليه أو مزايدة ، وعليه مدار تجاه الأمم وفلاحها من التخبط و العشوائية ، والأمن الفكري يضمن أيضاً رقي أفراد الأمة وتطورهم تطوراً علمياً نيراً نافعاً ، والأمن الفكري هو الذي يميز الأمة عن الأمم الأخرى بفكر أبناءها ، وثقافتهم ، واهتماماتهم العلمية ، لذا كان على كل أمة أن تؤسس هذا الأمن بين أفرادها ، مختلف المستويات ، والأصعدة وعلى آية حالة حال فالأمن الفكري يعتبر لب الأمن وأساسه لأن الأمم والحضارات تقاس بعقول أبناءها وبأفكارهم لا بأجسادهم ، فالعبرة بالقلوب لا بالقوالب وبالأرواح لا بالأشباح فإذا أطمأن الناس على ما عندهم من مبادئ وأصول وأسس واضحة ، وأَمِنوا على قيمهم ، وأفكارهم ومثلهم فقد تحقق لهم الأمن على مختلف أنواعه ومثله ومعانيه ، وبالمقابل إذا تأثرت تلك العقول والأرواح والقلوب بأفكار دخيلة فاسدة ، وتلوثت بثقافات مستوردة ، واختلطت مفاهيمها بمفاهيم خاطئة ، فإن ذلك يبدأ بدخول الخوف إليهم ومحاصرته لهم ، وتأثيره عليهم .
ولمعرفة كيفية تحقيق هذا الأمن فإنه يجدر ربنا أن نعرف أهمية هذا النوع من أنواع الأمن ومن ذلك :-
1.أن الأمن الفكري كما أسلفنا لب الأمن عموماً وأساسه وركيزته .
2.أن الأمن الفكري يعد أهم أنواع الأمن عموماً .
3.أن مناقشة مثل هذا النوع يأتي في وقت كثرت فيه التحديات والحملات والانحرافات الفكرية .
4.أن في تحقيق الأمن الفكري تحقيق لوحدة الأمة وتوحيدها في المنهج والمبدأ و الغاية .
5.إن في وجود الخلل في الأمن الفكري خلل في الأمن عموماً.
6.إن الفكر لهذه الأمة مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهما مضمن الشريعة .
7.أن في تحقيق الأمن الفكري حماية لأهم من فئات الأمن وهي فئة الشباب .
8.أن الأمن الفكري بحيث في كيفية التصدي للجرائم على مختلف أنواعها ، وفيه أيضاً صيانة للفضيلة والعفة .
وإليكم وسائل تحقيق هذا الأمن .
أولاً : - تطبيق شرائع الإسلام تطبيقاً صحيحاً مبنى على الفهم الصحيح للأدلة ، ونجد ومع الأسف من ينتمي لهذا الدين ولكنه غير مبالٍ بشرائعه وسننه ، عابث بأوامره ونواهيه ، مدعياً علمه بها وهو في حقيقة الأمر من الجاهلين به ، وذلك يؤثر في تلبيس الأمور مع صاحبها ، وتلبية بجهله وغشه على الآخرين وهذا يهدد الأمن بهذه التصرفات المشينة .
ثانياً :- تعلم العلم النافع والحرص على تعلمه، والجد والاجتهاد وفي القلب لما في ذلك من الأجر العظيم والذي جاء به رب السموات والأرض في كتابه الكريم حين قال :- {... يَرْفعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ واللهُ بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ } المجادلة 11
وقول رسول الله " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة "
قال الشاعر :-
ففز بعلمًٍ تــــحيا بــه أبـداً الناس موتى وأهل العلم أحياء
وقدر كل أمرء ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
وما الفضل إلا لأهل العلم إنهُموا على الهدى استهدى أذلاء
ويشترط في طلب العلم الأدب مع العلماء وعدم التعدي عليهم بقدح ذواتهم ، والطعن في علمهم وسبهم وشتمهم وهذا مما بُليت به الأمة في هذا الزمان ولله المستعان .
ثالثاً :- التربية الصحيحة للأجيال القادمة ، وهذا وان تُكلِّم عنه في الأمن الأسري إلا أن ما يجب عرضه هنا هو بيان تقصير الوالدين في الحوار مع أبناءهم ، والسعي وراء تغيير مفاهيمهم الخاطئة والتي تضر بأفكارهم وأمن أسرهم ومجتمعاتهم ، وأيضاً دور المدرسة والجامعة في هذا الجانب لا يكاد يشاهد على الواقع ، فأين التأثير على الطلاب والطالبات ، وجعلهم عناصر خير في مجتمعهم ، وأين المواهب والإبداعات التي لا يخلو وجودها لديهم ؟ لماذا لم تستغل ؟ وأين صقلها وإبرازها ؟ كل ذلك التقصير يجعل الجيل القادم لقمة سائقة لأصحاب الفكر الهّدام والرؤية الخاطئة مما يؤثر مع فكرهم وتوجهاتهم فيكون أول أهدافهم التي يريدون أن يقضوا عليها دينهم وأمتهم وأوطانهم .
رابعاً :- حرص العلماء والدعاة وطلبة العلم على نشر هذا الدين بجهد أكبر ودعم متواصل ، وأعمال بارزة ، والخروج إلى الناس ، النزول إلى مستويات أفكارهم ورغباتهم ، والوقوف على أوضاعهم وظروفهم ، والقرب منهم ومحاولة جذبهم والتأثير عليهم لفصل الكلمة الصادقة والموعظة البليغة النافعة إلى القلوب قبل الأسماع ولينتفع الناس بها وبهذا نستطيع المحافظة على أمن فكرهم وحماية ثوابتهم ومعتقداتهم .
خامساً :- أن تقوم وسائل الإعلام على تحقيق الأهداف السامية والوضاءة والتي لا تزيد الأمة إلا لحمة وقوة ضد أعدائها الذين يوجهون العداء بأسلحتهم الفكرية والمادية ، فالإعلام أهم وسائل فلاح الأمم ونجاحها وفي المقابل هو من أول // هدم كيانها وهز ثوابتها ، فهو أنفع ما يكون إذا استغل في الخير ، واحظ ما يكون إذا استغل في الشر فأن الحفاظ على الإعلام ووسائله ، ونحن ندرك أهميته وخطورته ، وإلى متى يكون أعلامنا فقط للمشهد المخل ، والمسلسل الفاضح والمقال الذي بين أسطره الهمز واللمز ، والمواقع العنكبوتية التي لا يشرف على أغلبها إلا نكرات لا يعُرفون .
سادساً :- تفعيل الحوار مع شباب الأمة بهدف تجلية المفاهيم لهم وتوضيح المصطلحات الناقصة عندهم ، والخروج بهم من بحور التخبط والسعي وراء اللذة والهوى والفكر الضال إلى بر الأمان ، يشترط أن يكون ذلك الحوار هادفاً وأن تكون آدابه وضوابطه على ضوء الشريعة الإسلامية ، فأن ذلك يساعد على إثراء عقول الشباب بما ينفع أمتهم ودينهم ، ويولد حماية قوية ضد كل من يسعى وراءهم لإغوائهم ويحث الخطر خلفهم لمحاولة جعلهم قدوات في الانحراف الفكري.
سابعاً : - أن يقف أرباب الفكر النيّر والثقافة ، الناصعة والمبادئ السليمة
والأدب الوضاء صفاً واحداً ضد كل فكر يؤثر سلباً على عقول الأمة ، وأن يردون على كل من استخدام ثقافته وقلمه ضد هذا الدين وهذه الأمة ، وعليهم أيضاً أن يبينوا للعالم كله محاسن هذا الدين وفضائله وشرائعه السمحة لأن هذا جزء من رسالتهم في هذه الحياة وعليهم أن يحقونها . فتلكم أبرز أسباب تحقيق الأمن الفكري والتي متى ما فعلت فهي كفيلة بأن أفكارنا وثقافتنا ومبدأنا وأصولنا وثوابتنا في أمن بإذن الله تعالى .
وبعد ذكر وسائل تحقيق هذا النوع من أنواع الأمن الفكري فإليكم هذا النتائج المستنبطة أيضاً بعد تحقيق تلك الوسائل على أرض الواقع :-
1/ ظهور أجيال تحمل فكراً إسلامياً طاهراً خالٍ من المعتقدات الفاسدة ، أو الرؤى المنحطة .
2/ تعزيز أهمية العلم في الإسلام ، وذلك بالبحث عنه وطلبه ، واهتمام الأمة بعلمائها ومفكريها وأبائها .
3/ سيظهر لنا إعلاماً هادفاً وصورة مشرقة نأملها جميعاً ، ونسعى على إيجادها .
4/ ستخرج لنا مواهب وعقليات وأقلام ناصعة الفكر تزاحم أهل الضلال في وسائلهم وعلى منابرهم .
5/ سنرى مجتمعاً حوارياً يهمه البحث عن الحق فقط ، ولا يأبه بما سيواجهه في طريقه .


النتائج :-

وبعد أن تعرضنا للأمن بشكل عام وأدركنا أهمية ووجوب الحفاظ عليه وعرفنا أنواعه وأهمية كل نوع ووسائل تحقيقه وبيننا نتائج كل نوع على حدة فإننا نخرج بمجموعة من النتائج العامة المهمة والتي سيتعين على كل مسلم الانتباه لها و محاولة مراعاتها جيداً والعمل على تطبيقها متى ما وافقت القدرة وكانت داخل حدود الاستطاعة ، كما يتعين على المجتمع بحث هذه النتائج الوقوف على مدى تفعيلها بين أفراده ومؤسساته الاجتماعية وهي كما يلي :-
أولاً :- تميز ديننا الإسلامي الحنيف بأنه دين شامل ، ومكتملة مناهجه وافية أسسه ، واضحة أدلته وشواهده { ... الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينا .. } (المائدة3)
لذا فلم يترك شاردة أو واردة تهم المسلم في حياته وبعد مماته إلاّ وتكلم عنها وأخبرنا بمضمونها ، كما اهتم بفقه النوازل والمقاصد الشرعية ، ووجوب حفظ الضرورات الخمس وكان للأمن عموماً نصيباً من ذلك الاهتمام ، وقدراً م تلك العناية ، وهذا يعنى بأن الأمن جزء لا يتجزأ من ديننا الحنيف ، بل إن عزة هذا الدين وعزة أولياءه مرتبطة ارتباطاُ وثيقاً بقوة الأمن وصلابته وقدرته على الحفاظ على كل ما يتدرج تحت مظلة هذا الدين العظيم .
ثانياً :- وجوب الحفاظ على الأمن بأنواعه وهذا يُطالب كل فرد من أفراد الأمة ، وليس مقصوراً على فئة دون أخرى أو مؤسسة دون أخرى ، أو فرد دون آخر ، كلُ في موقعه الذي هو فيه الأب في منزله وبين أولاده ، العامل في مقر عمله ، المسئول في أوراقه ، المتعلم في مكان طلبه ومتى ما تظافرت الجهود ، والتحمت الصفوف ، واتفقت القلوب حينئذٍ ترى أمناً قوياً لا يُهز ولا يوجس من خلاله الخوف بمشيئة الله تعالى .
ثالثاً:- ضرورة الرجوع إلى العلماء وأصحاب الفكر السليم والرأي السديد وعدم الخروج عن رأيهم ومشورتهم ، والتباحث معهم وحوارهم وسؤالهم عن كل ما يستجد ويطرأ من أمور يجهلها الكثير من العامة ، والدفاع عنهم والذب عن أعراضهم فإن الهجوم على علماء الأمة ومحاربة أفذاذها هو هجوم ومحاربة على أمن أمتهم وشعوبهم .
رابعاً :- وجوب طاعة ولاة الأمر فيما يرضي الله تعالى ولا يسخطه ، قال تعالى { يَأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أطِيعُواْ اللهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأوْلِى الأمْر مِنكُمْ فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الأخِر ذلِكَ خَيْرٌ وَأحْسَنُ تأويلاً } النساء 59.
وأن لا تخرج عنهم وعن طاعتهم أو أن نتخذ مسلكاً غير مسلكهم متى ما كان مسلكاً على نهج الكتاب والسنة فإن ذلك الخروج والعصيان يجر إلى ويلات متتالية تنصب على الدين أولاً والأمة ثانياً والوطن ثالثاً .
خامساً :- لا بد أن يراجع كلاً منا نفسه ويحصن قلبه ، ويتفقد أحواله ويرى كيف هو في أمنه لفؤاده وجوارحه ، وكيف ضبطه لأموره مع إخوانه وتعاملاته معهم ، وأن يدرك أهميته في مجتمعه وأنه رجل أمن في هذا المجتمع وعليه مسؤوليات كثيرة تجاه أمنه واستقراره ، وأن يبدأ في تطهير فكره من كل دخيل خادع ، وكل مستورد فاضح وأن يعمل عقله وفكره لعزة دينه ومجد أمنه وعلو راية وطنه .


الخاتمة
أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا البحث وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بما نقول ونسمع ، إنه ولي ذلك والقادر عليه والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(1)



حسين بن سعيد الحسنية
9/8/1427 هـ




(1) محاضرة ألقيت بجامع الهدى بخميس مشيط
بيض الله وجهك على هذا الكلام الجميل
صالح ابو مريحة البشري غير متواجد حالياً  
قديم 15-09-2007, 11:11 AM
  #4
خالد محمد سعد القحطاني
عضو مشارك
تاريخ التسجيل: Apr 2007
المشاركات: 110
خالد محمد سعد القحطاني will become famous soon enoughخالد محمد سعد القحطاني will become famous soon enough
افتراضي رد : الأمن (أهميته وأنواعه وسبل تحقيقه)

بارك الله فيك

ونفع الله بما قلت وكتبت

وعسى ربي لايحرمك الاجر والثواب ..

الله يعطيك العافية

ومبارك عليك الشهر الكريم
خالد محمد سعد القحطاني غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:33 AM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود