لماذا يكتئب المشاهير والأغنياء وحتى كبار المسئولين؟
لماذا يكتئب المشاهير والأغنياء وحتى كبار المسئولين ؟
للدكتور ابراهيم بن حسن الخضير
هذا سؤال كثيرا ما يطرحه بعض العامة من الناس: لماذا يكتئب مثلاً الأغنياء والمشاهير وبعض كبار المسؤولين، وهم لا ينقصهم شيء.. سواء كان مالا أو شهرة أو جاها أو منصبا؟، ومع ذلك نسمع بأن بعض هؤلاء الأشخاص المعروفين يعانون من مرض الاكتئاب.
الحقيقة الأولى أن هؤلاء بشر مثل بقية البشر، وكونهم أثرياء أو مشاهير أو مسؤولين كبارا لا يعني أنهم بشر غير عاديين..! وليس لأي بشر مهما كان وضعه الاجتماعي أو المادي أو السياسي أن يكون ذا حصانة ضد أي مرض كان، وربما يكون في مقدمة هذه الأمراض الاكتئاب، حيث إنه من الأمراض الأكثر إنتشاراً بين الناس، خاصة في العصر الحديث مع تعقيدات الحياة المدنية والتغييرات الاجتماعية التي طالت جميع أنحاء العالم.
الاكتئاب مرض مُعقّد حيث إنه تتداخل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والعضوية في نشوء هذا المرض العضال، والذي يُسبب الإعاقة في كثير من الأحيان، خاصة إذا كان بشكل حاد شديد وفي سن مبكرة، ورافق هذا الاكتئاب عوامل أخرى مثل اضطرابات عضوية في الجسم، مثل اختلال الغدد الصماء أو مرض عضوي مزمن، أو مشاكل اجتماعية مثل فقدان شخص عزيز أو كارثة اجتماعية مثل الطلاق أو خسارة أموال كبيرة بصورة مفاجئة، كما حدث في سوق الأسهم السعودية خلال الفترة السابقة قبل بضعة أشهر وأدى إلى إصابة أشخاص كثيرين بالاكتئاب، بل إن بعض من خسر ماله في سوق الأسهم أصيب بأمراض عضوية خطيرة..!
لذلك ليس هناك حصانة من أن يُصاب الشخص المشهور والثري بالاكتئاب، لأن لديه الشهرة والمال فهذه ليست كل شيء.. بل إن الثراء والشهرة قد يكونان عنصراً في قابلية الشخص لأن يصبح مكتئباً أكثر من بعض أفراد الطبقة المتوسطة التي تعيش حياتها بصورة طبيعية بدون قلق أو خوف على أن تفقد هذه الميزات التي يمتلكها مثلاً الأثرياء الذين يقلقون على أن يتغير وضعهم المادي نتيجة أي ظروف مفاجئة، لذلك تجد كثيرا من المشاهير، خاصة مشاهير الفن والكرة قلقين دائماً على أن تنتهي شهرتهم مع تقدم في السن، وبالتالي يفقدون أيضاً مع الشهرة المال حتى ولو كان كثيراً منهم قد جمع ثروة أثناء عمله، لكن بحكم أسلوب الحياة الذي يعيشونه قد يصرفون الأموال بصورة تكون مبالغ بها أحياناً، خاصة إذا كان مثل هؤلاء الأشخاص لا يحسبون حساباً لمستقبل حياتهم واعتماد دخلهم المادي والثراء الذي يعيشون فيه على عناصر قد تزول سريعاً..! الرياضيون مثلاً رغم تمتعهم بأجساد قوية ونفسيات جيدة أثناء ممارسة الرياضة، خاصة إذا كانوا من المشاهير والذين يكسبون الملايين من وراء ممارستهم الرياضة، قد يجدون أنفسهم فجأة وقد تدهورت حالتهم المادية لأن حساباتهم لم تتفق مع حسابات الواقع.. فتركوا أماكنهم، وبالتالي خسروا الشهرة التي يتمتعون بها وكذلك الموارد الضخمة التي كانت تدرها عليهم هذه الممارسات الرياضية، وكثيراً ما يسقط بعض المشاهير من الرياضيين والفنانين في منزلق خطر جداً وهو الإدمان على المخدرات أو الكحول لرفع مزاجهم ومحاولة تناسي الواقع الذي يعيشون فيه، ولكن بعد فترة يتحول الأمر إلى اكتئاب خطير، وقد يقود إلى الانتحار، وهذا حدث مع عدد من المشاهير في الفن والكرة.
وبعد ان تحدثنا عن الاثرياء واللاعبين والمشاهير والفنانين نتطرق الى أصحاب المناصب فبالنسبة لأصحاب المناصب والجاه، فالأمر ليس بعيداً عن ما ذكرناه عن المشاهير في الفن والرياضة، غير ان الجاه والذي غالباً ما يكون مصحوباً بثراء، يرافقه دائماً الخوف من فقدان المنصب لأى سبب كان، وبالتالي يعيش كثير من المسؤولين الكبار قلقاً وخوف تركهم لمناصبهم، خاصة في دول العالم الثالث، حيث المنصب الحكومي ليس فقط وظيفة يؤديها الشخص ولكنها ايضاً مكانة اجتماعية وربما يعود عليه من منصبه مكاسب مادية كبيرة تجعله يعيش وعائلته في بحبوحة غير طبيعية من طريقة الحياة المليئة بالبذخ.. وبالتالي التفكير في فقدان المنصب او الثراء والجاه يسبب قلقاً، وربما قاد الى الاكتئاب في مراحل معينة من هذا الخوف والقلق لفقدان المنصب والجاه بالتالي المكانة الاجتماعية وايضاً الدخل المادي الآخر الذي كان يجنيه بحكم منصبه الكبير والجاه، وهذا ليس سراً يذاع وانما هو امر شائع، فتجد موظفين مرتباتهم لو جمعتها لمائة عام لا تكفي لبناء القصر او المنزل الذي يعيش فيه، ولكن كما هو المثل الشائع "هذا من فضل ربي..!".
العنصر الآخر في الإصابة بالاكتئاب هو عامل الوراثة، فكلما كان الشخص لديه تاريخ عائلي، سواء كان آباء او أشقاء يعانون من الاكتئاب فإن نسبة اصابته بمرض الاكتئاب، سواء كان غنياً يملك البلايين او كان فقيراً معدماً، صحيح ان مرض الاكتئاب ينتشر اكثر بين الطبقات الفقيرة نظراً لسوء الظروف المادية والاجتماعية والنفسية ايضاً.
العامل الآخر وهو عامل مهم جداً، وهو العامل العضوي، حيث يكون هناك اختلال في كيمياء الدماغ، فمادة السيروتونين والنورأدرينالين، هما مادتان لهما دور هام في التأثير على المزاج، فكلما قلت هذه المواد في خلايا الدماغ، كان الشخص اكثر تعرضاً للاصابة بالاكتئاب.. سواء كان امبراطوراً او شخصاً عادياً لا يملك شيئاً.. فنقص هذه المواد يقود الى الاكتئاب، والآن اصبح هذا الامر حقيقة علمية ثابتة بعد التجارب الكثيرة التي اجريت على الحيوانات ثم على الانسان على مدى عقود من الزمن، اثبتت ان هذه المواد الكيميائية تلعب دوراً هاماً في المزاج، فزيادتها تسبب البهجة والفرح (هذا لا يعني ان الاشخاص العاديين الذين لا يعانون من مرض الاكتئاب بتناولهم هذه المواد الكيميائية سوف يرتفع عندهم المزاج مثلما يحصل عند تعاطي الخمر او المخدرات.. فهذا الامر مختلف جداً.. إذ ان هذه المواد الكيميائية التي غالباً ما تكون عبارة عن ادوية تعرف بالادوية المثبطة للسيروتونين وهي علاج مضاد للاكتئاب، فعال عندما تكون هذه المواد ناقصة وشحيحة في خلايا الدماغ، عندئذ تقوم هذه الادوية بتصحيح هذا الخلل وتعدل مستوى هذه المواد الكيميائية في الدماغ ومع هذا العلاج يتحسن المزاج).
لذلك من الخطأ ان يظن الناس ان مرض الاكتئاب عندما يصب الاثرياء او المشاهير او اصحاب المناصب الرفيعة بأنه مجرد ادعاء.. فهناك عوامل كثيرة كما ذكرناها تسبب الاكتئاب، وكل انسان معرض لأن يصاب بهذا المرض، مثلما هو معرض للإصابة بمرض السكر او ارتفاع ضغط الدم.. وكون شخص ثري يصاب بالاكتئاب او مسؤول كبير فهذا امر وارد جداً وليس تصنعاً او ادعاء وانما هو امر حقيقي ولكن يجب ان يتناول المريض بالاكتئاب العلاج حتى تتحسن حالته، فالاكتئاب من الأمراض التي تستجيب للعلاج بشكل جيد.
{ الفقر مشكلة والغنى مشكلتين والرضا سيد الأحباب }
__________________
اللـهـم
اصلـح لي ديـني الذي هـو عصمـة أمـري
واصلح لي دنيـاي الـتي فيـهـا معــاشــي
واصلح لي آخرتي الـتي فيـها مـعـــادي
واجـعل الحيـاة زيـادة لي في كـل خــيــر
واجـعل المــوت راحــة لي مـن كـل شـــر
ازا مر زمان ولم تروني ,,, فهذه رعصاتي على الكيبورد فتذكروني
21-12-2006, 04:05 AM
رد : لماذا يكتئب المشاهير والأغنياء وحتى كبار المسئولين؟
تعليمات المشاركة
العرض العادي
