القروض البنكية للشباب ... السم في العسل
الشباب يقعون فريسة الإغراءات والتسهيلات الوهمية والحصيلة 50 مليار ريال!؟
المحامي المرشد: الأعمال المصرفية الملتزمة بالشريعة .. مفيدة للمجتمع
د. عبدالله المرشد: لا بد من وضع ضوابط مشددة للقروض للحد من إقبال الشباب عليها
د. حسن المرزوقي: الحل هو أن تتبنى الدولة تشريعات مالية جديدة للحد من ارتفاع الفوائد
د. عمر الخطيب: يمكن حل مشاكل القروض البنكية بإنشاء بيوت للزكاة
المشاركون في التحقيق
* الشيخ محمد بن راكان العامر مدرس العلوم الشرعية في وزارة التربية والتعليم
* الدكتور عبدالله المرشد أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك سعود
* الدكتور حسن المرزوقي باحث اقتصادي
* الدكتور عمر الخطيب الأستاذ بجامعة الملك سعود
* الدكتور عيد حمدان استشاري تأمين ومخطط مالي
* مجموعة من المواطنين بدأت في الآونة الأخيرة مشاكل القروض البنكية تتفاقم وتتزايد مشاكلها في المجتمع.. تهدد الكثير من المتورطين فيها وتقودهم إلى مشاكل كثيرة . فالبنوك مازالت تقدم كل الإغراءات اللازمة لجذب الراغبين في هذه القروض التي تبدو أنها ميسرة في البداية، إلا أنها سرعان ما تقود صاحبها إلى فخ يصعب الخروج منه.
ولقد قامت بعض الجهات باستضافة عدداً من المعنيين بهذا الموضوع واستطلعت آراءهم في هذه الظاهرة بهدف وضع خطط للمعالجة وتفادي وقوع الشباب خاصة فريسة لاغراءات البنوك وتسهيلاتها الوهمية. وقد أجمع المشاركون في التحقيق على ضرورة البحث عن حلول عملية تبعد المقترضين من شبح السجن الذي وقع فيه الكثيرون بسبب اللجوء إلى قروض البنوك. ويعزو البعض هذه الظاهرة إلى السعي وراء المظاهرة الاجتماعية، حيث لا يرضى البعض بواقعهم ويتطلعون إلى أساليب حياة تفوق إمكاناتهم. هذا وقد اقترح المشاركون الكثير من الحلول، تقرأها في أسطر هذا التحقيق.
.. *الدكتور عبدالله المرشد - أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك سعود - أشار إلى أن نار الفوائد البنكية يكتوي بها الجميع، وباتت وبالاً وخطراً يثقل كاهل المواطنين على مختلف المستويات ولا سيما الشباب المقبلين على الحياة وما يترتب عليهم من أعباء مالية، سواء في تكاليف الزواج أو إقامة المشاريع أو تغطية النفقات والالتزامات. وأشار إلى أهمية وضع ضوابط مشددة للحصول على القروض على عكس التسهيلات الشكلية المغرية التي تتنافس البنوك على تقديمها وذلك للحد من إقبال الشباب عليها أو العمل على إيجاد تسهيلات خاصة للشباب. وأكّد على أهمية أن تقوم الدولة بتأمين مشاريع استثمارية صغيرة للشباب يتم تمويلها بقروض خاصة طويلة الأجل بما يسهم بنجاح تلك المشاريع ومقدرة الشباب المقترض على الوفاء مما يسهم في تطوير عجلة التنمية الاقتصادية على عكس القروض ذات الفوائد المركبة التي تحمل الشباب أعباء مالية وركوداً اقتصادياً؛ لأن معظم تلك القروض تذهب بالصرف على حفلات الأعراس وشراء السيارات الحديثة أو السفر للسياحة الخارجية. وأشار إلى أهمية وضع شروط سداد ميسرة وتخفيض معدل الفوائد البنكية المرتبطة بمشاريع الشباب ولا سيما أن معدلات الفوائد مرتفعة جداً في ظل الركود الاقتصادي العالمي والظروف التي تمر بها المنطقة، وشدد على أهمية العمل على تشجيع الشباب على الاستثمار في مشاريع صغيرة وتطويرها في المستقبل وبشكل يستطيع الشباب أن يقوم بسداد حاجته وتسهم في توفير الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي. إغراءات وهمية
*الدكتور حسن المرزوقي - باحث اقتصادي - يقول: إن ظاهرة الاقتراضات البنكية، باتت تستفحل بشكل عام فما أن يتخرج الشاب من الجامعة حتى تبدأ همومه ومشاكل مواجهة ظروف وأعباء الحياة المتزايدة في ظل ارتفاع الأسعار. وأضاف: إن البنوك تقوم في الظاهر بتسهيل عملية الاقتراض والتشجيع عليها وإطلاق حملات الدعاية والإعلان وتخصيص نخبة من الموظفين والموظفات طليقي اللسان، يقدمون الإغراءات ويبيعون الوهم للشباب، الهدف من هذا التنافس ليس مصلحة الشاب أو تقديم خدمات لوجه الله إنما هو كسب أكبر قدر ممكن من المقترضين (المحتاجين)، والغريب في الأمر أنه بعد أن يوقع الشاب على الأوراق الرسمية والتعهدات لسداد المبالغ وفوائدها التراكمية والتصاعدية تنقلب الوجوه البشوشة لتبدأ بعد ذلك رحلة جديدة من المطالبات التي تدخل الشخص في دوامة ليس لها آخر. وأضاف الدكتور حسن أن سداد الفوائد يبدأ بالعمل منذ لحظة التوثيق مما يترتب على ذلك انعكاسات اجتماعية سلبية كثيرة والحل هو أن تتبنى الدولة تشريعات مالية جديدة للحد من ارتفاع الفوائد أو وضع شروط وتسهيلات خاصة بسداد القروض الشبابية تسهم بدورها في الازدهار الاقتصادي للدولة وليس فقط الركون للقروض مما يسبب ركوداً اقتصادياً. مؤسسة للزكاة ويقول الدكتور عمر الخطيب الأستاذ بجامعة الملك سعود إن الرعاية الكبيرة والهالة التي تضفيها البنوك على التسهيلات التي تقدمها لجذب الشباب للاقتراض هو من قبيل الطعم الذي يوقع بالضحية في الفخ المنصوب له من قبل هذه البنوك حتى يقوم بالاستدانة من 02 ضعف الراتب إلى 03 ضعفاً ثم بعد ذلك تبدأ الفكرة بعد زوال السكرة كما يقولون، ويبدأ الشباب في دفع الأقساط ويكون عبداً لها ولا يستطيع الفكاك منها إلا بمعجزة. وعن الحل قال الدكتور عمر الخطيب: إن القروض الشخصية لا بد وأن يوضع لها حد وأن تكون هناك بيوت للزكاة من جهة متخصصة تقوم بجمع الزكاة على وجهها الصحيح ويمكن تسميتها بيت الزكاة أو مؤسسة الزكاة وتنظر في احتياجات الشباب كالزواج أو السكن والاقتراض من هذه المؤسسة أو تعطي الفقير الغارم الذي عليه ديون للبنوك، ومن الممكن أن تنجح هذه المؤسسة لو سارت على طريق صحيح وبخطوات مدروسة وثابتة ويقوم بتمويلها أهل الخير من رجال الأعمال والتجار وغيرهم بإخراجهم زكاة أموالهم، وتكون هناك ضوابط معينة يعطى من خلالها الشباب حتى لا يضيع مستقبلهم. البنوك متساهلة ويقول المحامي عبدالرحمن المرشد إن الأصل في الأعمال المصرفية الملتزمة بأحكام المصرفية الإسلامية أنها مفيدة للمجتمع أفراداً أو شركات إذا اقترنت بمشاريع أو أعمال تجارية أو صناعية أو عمرانية مفيدة، وإنما يلاحظ أن البنوك تتساهل في منحها للقروض، وأغلب المقترضين ينفقون هذه الأموال على الأشياء الاستهلاكية الشخصية. ويرى المحامي المرشد أن دور الجهات الحكومية يمكن في تسهيل إقامة مشاريع استثمارية ومن الأفضل للمجتمع التعامل مع هذه الجهات لأنها أولاً: لا تمنح قروضاً دون الاقتناع من وجود نتائجها سواء كان ذلك في مشاريع تجارية أو عمرانية أو مشاريع اقتصادية أخرى، وثانياً في الفائدة المستحقة على هذه القروض تكون معقولة وغير مرهقة. تنسيق بين الجهات * ويقول إبراهيم القاسم - المحاضر بجامعة الإمام - إن الحل يكمن في التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية من وزارات ومؤسسات وهيئات نفع عام من أجل الأخذ بيد الشباب والتعرف على احتياجاتهم ومن ثم العمل في مشاريع تقدم لهؤلاء الشباب بعض ما يحتاجون إليه في مسيرة حياتهم الزوجية أو لاجتماعية والتخفيف عليهم من أعباء القروض التي يئنون من وطأتها سنوات طويلة بدون وجود بارقة أمل للتخلص من هذه القروض أو التخلص من تبعاتها. البنوك تروج بضاعة فقط
*ويضيف الدكتور محمد الزبن - الأستاذ بجامعة الإمام - قائلاً: مشكلة تورط الشباب في القروض البنكية، ليست مشكلة البنوك ولا هي سبب فيها، وهذا يعرفه الجميع.. صحيح أن البنوك تقدم إغراءات كبيرة من خلال برامجها الدعائية والإعلانية لتلك التسهيلات، وصحيح أنها تتلوى وتتلون وتضع للمقترض القمر بيد والشمس باليد الأخرى، إلا أنها لا تفعل شيئاً يخالف عليه القانون، هي تروج بضاعتها كما تروج محال السوبرماركت بضائعها هي الأخرى.. العلة كما نقول دائماً أن الشباب حينما يبدأ رحلة الانخراط في المجتمع والظهور والوجود يريد الأفضل في كل شيء، ولأنه لا يحسب حساب الأيام المقبلة والسنوات، فإن أقرب باب لتحقيق ما يريد وبسرعة هو باب البنك، فالمشكلة إذن في هذا الذي يريد أن يصبح متميزاً بين يوم وليلة، وهذا الذي لا يريد أن يشعر بضغط بسيط في سبيل تحقيق كل رغباته وكل ما يشتهيه. لهذا صار الشباب يقترض ليمتلك سيارة فاخرة، ويقترض ليلبس، ويقترض ليسافر، ويقترض ليتفشخر.. وبهكذا يتلبس القيد، قيد الدين المزمن الذي يبدأ معه مع انتهاء الرغبة في الحصول على الشيء المرغوب.. ونعتقد أن المطلوب، في ظل وجود إغراءات البنوك التي لا يستطيع أحد إيقافها، هو أن تتولى المؤسسات المعنية بالأمر تنظيم محاضرات وندوات إرشادية ترشد الشباب إلى أهمية التفكير الجدي قبل الوقوع المباشر في وحل القروض الشخصي.. فمثل هذه المحاضرات من شأنها أن ترفع درجة الوعي لدى كثير من هؤلاء الذين هم في طريقهم إلى التورط، ومن شأنها أن تعدل وتصحح كثيراً من المفاهيم الخاطئة عندهم، وأن تدخل معهم في حوارات حول تنظيم شؤون الحياة، وهذا ليس بالأمر الهين ولا بالبسيط. في كثير من المجتمعات التي وجدت مفاهيم خاطئة عند شبابها يتم اعتماد أسلوب المحاضرات، ونشر الوعي الكافي حول ظاهرة من الظواهر، وهذا بالطبع لا يتأتى من محاضرة أو محاضرتين، بل حملة دائمة لا تحدد بفترات ولا مناسبات، تبقى تعمل طالما الظاهرة السالبة باقية. هذا لا يغيب بالتأكيد عن تفكير المسؤولين والمعنيين بالأمر فإن غاب فلن نستطيع فعل شيء في واجهة هذه المعضلة غير التركيز على نشر الوعي اللازم حولها. ونعيد القول.. القضية ليست قضية بنوك برعت في اصطياد زبائن القروض الشخصية، بل القضية قضية زبائن بحاجة لمن يصحح لهم كثيراً من المفاهيم. ونقول أيضاً إن القضاء على ظاهرة تورط الشباب في محن القروض الشخصية مهمة كل مؤسسات العمل الاجتماعي. فمتى نتفاعل دائماً مع قضايانا المجتمعية بشيء من الموجهات المدروسة؟! هي مشكلة عالمية
* ويضيف الدكتور عيد حمدان - استشاري تأمين ومخطط مالي قائلاً: ومشاكل الاقتراض هي مشكلة عالمية تشكو منها مجتمعات مختلفة وتواجه سلبياتها كذلك بطرق مختلفة منها التثقيف والتعليم والتقنين وبرامج التمكين المالي وخدمات الاستشارات المالية، المؤدية إلى التصرف المالي الحكيم والسليم وإيجاد خيارات بديلة تخفف من وطأة وتأثيرات الديون السلبية، ففي بلد مثل السعودية مثلاً. كما ذكرت في جريدة عكاظ السعودية تحت عنوان (مدينون خلف القضبان) التي ذكرت حجم القروض البنكية التي تزيد على 50 مليار ريال سعودي والتأثير السلبي للديون على مئات من المواطنين السعوديين العاجزين عن السداد والمتوقع دخولهم السجون لعدم تمكنهم من السداد. وأدرج المقال معلومات تفصيلية عن نوعية وحجم القروض وعن المقترضين المتأثرين بالشراء عن طريق الدَّين وبطاقات الائتمان بدون فهم أو دراية حيث بلغت أقساط تسديد القروض إلى ما يقارب 70% من إجمالي دخل أو رواتب الموظفين وبما يعادل50% من راتب 46% من المقترضين وذكر بأن 31% من القروض كان لشراء السيارة و23% لشراء المنزل و25% هي قروض من شركات التقسيط (شراء لوازم البيت والأثاث). وتشمل القائمة السوداء للبنوك التجارية 140 ألف عميل، يبلغ إجمالي ديونهم المتعثرة 1300 مليون ريال سعودي ويطغى النمط الاستهلاكي على الكثير في الصرف والشراء غير المقنن أو المسيطر عليه مما يوجد حفرة مالية هائلة يصعب دفنها بدون حفر حفرة أخرى مساوية. ويلعب عدم الفهم ونقص المعلومات المالية وعدم التدقيق والسؤال عند الاقتراض إلى الالتزام بقروض وديون خارجة عن مقدرة الشخص للسداد مثل أحد المقترضين من أحد البنوك الذي اشترى سيارتين بالتقسيط عن طريق المرابحة وبمبلغ وقيمته 135 ألف ريال سعودي، ليكتشف بعد ذلك عندما حان وقت سداد القسط الأول بأن إجمالي القرض يبلغ 191 ألف ريال أي بزيادة 41% وهي خارجة عن مقدرته للسداد. عشرة طرق ومن الطرق والوسائل المتاحة والتي يجب أن توفر لمعالجة الديون وآثارها السلبية، وكما هو متبع في كثير من الدول وخاصة المتقدمة منها هي: 1- تدريس الخدمات المالية في المدارس الثانوية وبالأخص التعامل المالي السليم وقيمة النقود والمال ولتصرف المالي ولميزانية المالية الشخصية والنظم المصرفي والاستثمار والتأمين والإدخار والتمويل، وذلك لخلق جيل مثقف ومؤهل مالياً يؤثر على البيت وعلى المجتمع تأثيراً إيجابياً. 2- تقديم خدمات استشارات الديون من خلال البنوك ومؤسسات الإقراض المالي لمساعدة من ينوون الاقتراض على فهم ما يستطيعون اقتراضه وعلى إمكاناتهم على السداد بدون أية مضاعفات سلبية على أية التزامات مالية أخرى للعميل. 3- تقديم خدمات استشارات الديون من خلال شركات خاصة أو من خلال شركات الاستشارات المالية وفي نفس المجال سابق الذكر. 4- وضع قوانين لحماية المستهلك من الاستغلال أو من التوريط في التزامات مالية تفوق قدراتهم وإمكاناتهم المالية وتفرض الإفصاح والشفافية في التعامل من كلا الطرفين (المقرض والمقترض). 5- وضع قوانين تحارب وتحد من الربح الفاحش ومن الجشع والاحتكار المالي وتعطي المستهلك فرصة عادلة لتوظيف واستثمار أموالهم وللاقتراض بأعسار رسوم معقولة. 6- نشر وتوفير المعلومات الخاصة عن القروض والائتمان مثل أعمار المقترضين ومعدلات رواتبهم وحالتهم الاجتماعية وتوزيعهم السكاني وفترة القروض ونوعيتها ونوعية المتخلفين عن السداد وجعلها معلومات عامة ومتوافرة للجميع للمساهمة في معرفة ونوعية المشكلة والطرق والسبل الكفيلة في حلها وتجنب سلبياتها المالية. 7- إنشاء مكاتب معلومات الائتمان مما يسهل إيجاد بيانات ومعلومات الإقراض والائتمان وسهولة الحصول عليها لرسم صورة واضحة عن تصرف المقترض السليم في تسديد القرض ودفع القسط في تاريخ استحقاقه ويمكِّن جهات الإقراض من معرفة من لديه تاريخ ائتمان جيد أو تاريخ ائتمان سيئ، فالأول يستحوذ على رصيد ائتمان عالٍ وتسهيلات ائتمانية مضمونة أما صاحب الائتمان السيئ فيعطى فرصة ليصحح ويصلح تقريره الائتماني وبالتدريج. وتقدم خدمات استشارات الديون وسائل متعددة لتخفيف وطأة الديون ولإيجاد أفضل السبل لمعالجتها بإتباع إجراءات محددة ومتوافرة. 8- دمج الديون إذا كانت متعددة، كقروض سيارتين وقرض شخصي آخر بحيث تشمل في قرض واحد ولجهة واحدة ذات سعر فائدة مناسبة وقسط واحد مريح بدلاً وعوضاً عن ثلاثة قروض بمعدل سعر فائدة مرتفع وثلاثة أقساط يصعب سدادها وفي حالات كثيرة فإنها تشكل نسبة عالية من الراتب أو الدخل الشهري وفي هذه الحالة تسهل عملية سداد الأقساط وتوفر نسبة إضافية من الراتب للمقترض ويضمن للمقرضين تحصيل ديونها. 9- قرض الديون المدمجة هو القرض المقدم لديون مدمجة في قرض واحد وتقديم جميع التسهيلات والمزايا لهذا القرض، لأنه في كثير من الأحيان الأفضل في فرص وإمكانية السداد من القروض العادية. 10- إدارة الديون والتي تختص بالديون المتعثرة والصعبة التحصيل والتي يتم حصرها وإعادة جدولتها وبتقليل أقساطها أو تقليل الفائدة إن أمكن لكي يتمكن المقترض من مواصلة السداد بطريقة مريحة وممكنة ولكي يتمكن المقرض من استرجاع الجزء الكبير مما أقرضه. والوسائل متاحة ومتوافرة لتمكين المواطن والمقيم مالياً ولكبح جماح الرغبة الربحية العمياء ولخلق وضع مالي منصف للجميع ولم يبق سوى التنفيذ. ويرزح الكثيرون من المواطنين تحت وطأة الديون المصرفية وهم يقولون: إنها شر لا بد منه في حين يصفها آخرون (بأم المشاكل). لماذا يقترضون والسؤال المهم هو لماذا يلجأ الناس للاستدانة من البنوك؟
* من وجهة نظر عبدالله يوسف -صاحب مؤسسة مقاولات تجارية - أن الغالبية العظمى من تلك الديوان هي بدافع مواكبة مظاهر الحياة بمختلف أشكالها. ويقول إنه من المؤسف حقاً أن بعض الناس لا يرضون بواقعهم وإمكاناتهم فتراهم يسعون بكل الطرق لمواكبة غيرهم في المسكن والسيارة ومباهج الحياة وبالطبع فإن طموحاتهم تلك لا تتحقق إلا باللجوء إلى البنوك للاقتراض.
* ولدى سلطان القاضي - موظف حكومي - القناعة ذاتها بشأن خطورة القروض على الأفراد والأسر معاً. ويرى القاضي أن القرض ينبغي أن يكون لأمر مهم وينطوي على منفعة لصاحبه وإلا كان وبالاً ونقمة عليه خاصة إذا لم تكن لديه الإمكانات لسداده. ويضيف القاضي قائلاً: إن الديون سرطان ينخر في الأسر المواطنة ويعمل على تدميرها نهائياً. ويشرح ذلك بقوله: نتيجة للديون فإن الأسر تعجز عن الوفاء بالتزاماتها الملحة. ويمضي قائلاً: والأدهى والأمر يكون عندما يعجز رب الأسرة عن سداد الدين فيرمى به في السجن فحينئذ تتعرض الأسرة لهزة عنيفة تؤدي بها إلى ما لا تحمد عقباه خاصة إذا كانت الزوجة لا تعمل. ويذكر القاضي أن بيوتاً لا تفتح أبوابها ورجال يرعبهم قرع الأجراس ورنين الهواتف خوفاً من الدائنين.
* ويقول علي راشد: عندما لم أجد حلاً لمشكلة مسكني لجأت للاستدانة من أحد البنوك. ويتساءل ناصر الأحمد: في ظل الظروف المعيشية المتنامية لا يستطيع أحد أن يبني مسكناً أو يشتري سيارة ويقول: باعتقادي أن مثل هذه الأشياء - وأقصد البيت والسيارة هما من ضروريات الحياة وليس بوسع أحد أن يعيش بدونهما ولأن توفيرهما أمر صعب فإن الدين هو أقصر الطرق إليهما. ويطالب العديد من أصحاب الديون بصندوق يمد يد العون للمحتاجين حتى لا يقعوا في الديون وذلك بأن يتم تأسيس صناديق خيرية للقرض الحسن. آفة العصر ويقول ناصر الحميد إن تفشي ظاهرة القروض في المجتمع تعتبر آفة العصر التي أصابت الشباب بجنون الإسراف والبذخ مما أدى إلى إرهاق كواهلهم وزيادة معاناتهم معيشياً ما وضع أسرهم في ضائقة مالية أدى في كثير من الأحيان إلى مشكلات أسرية كالطلاق وتشريد الأطفال ودخول بعض الشباب السجون من جراء الحكم عليهم في قضايا تراكم الديون والعجز عن سدادها. وأضاف الحميد: إن تسابق البنوك على جذب المقترضين يشكل استنزافاً بالغاً لرواتب الموظفين من ذوي الدخل المحدود الذين تغريهم البنوك بإعلاناتها وتسهيلاتها وهذا كله يتطلب أن تكون هناك قيود على الاقتراض تحقق سداد الدين دون المساس بمعيشة الأسر كما يجب مراقبة البنوك حول سن الاقتراض ومدة خدمة المقترض.
* أما علي الشويعر فيقول: لقد أسهمت البنوك في استفحال ظاهرة ديون الشباب حيث لم تراع عدم معرفتهم بالقوانين والأنظمة التي تطبقها البنوك لخدمة أهدافها في الكسب المادي الذي أوجد حالة من السباق المحموم لاستقطاب أكبر عدد من فئة الشباب العامل الذين يشكلون النسبة الأكبر بين المقترضين وأصحاب الديون. ويشدد على فداحة الخسارة التي سببتها هذه الظاهرة اجتماعياً حيث أسهمت وبشكل مباشر في عدم استقرار الأسر خصوصاً تلك الأسر الشابة الجديدة التي فاجأتها الحياة الصعبة نتيجة اضطرارها للوفاء بأقساط الديون. ويضيف: لقد أسهم غياب الوعي لدى الكثيرين في تفشي هذه الظاهرة المرعبة والمخيبة خصوصاً مع تركيز البنوك على الناحية الربحية دون النظر للأضرار المجتمعية وإلى درجة أننا نشعر وكأن البنوك تدس السم في العسل ليصبح الشباب رهينة لها ولديونها الباهظة ذات الفوائد المتراكمة. ويؤكد سليمان الصعب، موظف أنه لا يتهم البنوك فيما وصلت إليه الأحوال بسبب هذه الظاهرة لأن الاتهام يجب أن يوجّه إلى هؤلاء المبادرين من تلقاء أنفسهم إلى الاستدانة من البنوك وقد يكون الاقتراض ذاته ليس بالأمر السيئ لكن المؤسف أن المقترض لا يراعي حدود قدراته وإمكاناته وطاقته على السداد وهذا بسبب تفاقم الأوضاع. ويضيف: إن المثير في أمر هذه الظاهرة هو أنها كانت قبل عدة سنوات قاصرة على الشباب وتتم بشكل موسمي وغالباً موسم الإجازات، أما الآن فإن الأمر أصبح شائعاً لدى الجميع والاقتراض ميسور ومتاح لأي أمر من أمور المعيشة حتى ولو كان السفر لقضاء إجازة أو شراء سيارة من أحدث موديل ويندر أن نجد بين المقترضين الشباب من استدان لإنشاء مشروع خاص يطمح من ورائه زيادة دخله وهذا شيء لافت للنظر بكل أسف. ويطالب بأن تراعي البنوك عند إقراضها للأفراد أن يكون هناك توازن بين أقساط القروض ومقتضيات الحالة المعيشية حتى لا يكون سداد أقساط القرض سبباً في انهيار الوضع وتدمير الاستقرار الأسري.
* أما عبدالله العميري (موظف متقاعد) فيقول: إن الديون تحاصرني وإلى درجة أنني أشعر بالاختناق ولو فكرت في شراء (مكيف) فلن استطيع أن أشتريه نقدا،ً بل سألجأ إلى شرائه بالدَّين لتتضاعف ديوني والتي يستقطب بسببها نصف معاش التقاعد وما يتبقى منه - وهو قليل - لا يكفي للإنفاق على أسرة مكونة من عشرة أفراد من كل الأعمار ويدرسون في كل المراحل التعليمية. وتعتبر حالة عبدالله من الحالات التي يتداولها الناس هنا للتعبير عن قسوة الحياة في ظل الديون. حيث يقول: إن إجمالي ديوني حتى الآن 620 ألفاً، وهناك 40 ألفاً أخرى استدنتها من الناس لتسيير أمور حياتي وتدبير معيشة أسرة تتكون من 18 فرداً وليس لي دخل سوى وظيفتي الحكومية التي يقتطع البنك من راتبها الثلث شهرياً بينما الباقي لا يفي باحتياجات أسرة مكونة من ثلاثة أفراد فقط.
* ويقول يوسف بدر - موظف - إن الاقتراض من البنوك أصبح كأنه جزء من الحياة بالنسبة لكثير من الشباب وحتى الفتيات لشراء سيارة أو بناء منزل أو السفر للخارج، وهناك ضروريات تدفع الشخص إلى الاقتراض من البنوك حيث لا يجد الإنسان من يعطيه أويقرض قرضاً حسناً، فيذهب مضطراً إلى البنك، وهذا لا يمكن للإنسان أن يُلام، وإنما الملوم في نظري من يذهب إلى البنك من أجل أشياء كمالية يمكن التغاضي عنها أوتأجيلها لفترة حتى تحين الفرصة. ويرى عبدالله المواش أن البنوك تتنافس فيما بينها لجذب أكبر عدد ممكن من المقترضين فهي قائمة على ذلك وإذا لم تقم بهذا العمل فإنها تتوقف، ومن هنا فإنها تقدم التسهيلات والإغراءات المختلفة لجميع فئات المجتمع حتى يذهب برجليه إلى البنك ليحصل على القرض ثم تبدأ بعد ذلك رحلة التسديد التي تأخذ سنوات طويلة من العمر وفوائد مضاعفة مركبة بحيث لا يتبقى للبعض شيء ينفقون منه على الضروريات كالأكل والشرب وطلبات الأولاد أو المصاريف الأخرى.