جوانتنامو على الطبيعه !!!!!


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

موضوع مغلق
قديم 12-10-2006, 01:15 AM
  #11
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء السابع

-
لم يكن كل المعتقلين في جوانتانامو يمتلكون معلومات قيمة لأمن الولايات المتحدة. دهشت عندما لاحظت أن بعض الملفات التي كنت أتفحصها كانت رقيقة جداً وبعضها لا يحوي أكثر من اسم المعتقل ورقم من سجن باجرام وملخص عن التحقيق الأولي مع المعتقل, والذي قد يقول فيه إنه مزارع وينفي أي علاقة له بالإرهاب, ويدعي أن قوات تحالف الشمال - أو الجيش الباكستاني - اعتقلته. لكن العديد من الملفات الرقيقة كانت لمعتقلين كانوا يتعاونون مع المحققين لكنهم كانوا على ما يبدو فعلاً لا يعرفون الكثير, وأصر الكثير منهم أنهم لم يسمعوا مطلقاً بتنظيم القاعدة من قبل. وكما لاحظت من قبل عندما كنت أخدم في مجمعات الزنزانات , كان عدد من المعتقلين فعلاً لايتم استدعاؤهم للتحقيق.
كما تبين لي بسرعة أن هناك تنافساً بين الوكالات الاستخباراتية المختلفة التي كانت تحقق مع المعتقلين حول موعد الحصول على الإذن للقاء معتقل ما أولاً. لم تكن هذه الوكالات تثق ببعضها البعض. كان المحققون يتعرضون لضغوط كبيرة للحصول على معلومات من الأسرى تساعد في منع هجمات إرهابية مستقبلية لكن بعض المعتقلين لم يفعلوا أكثر من التحديق بالجدران أو الشكوى من سوء معاملة الحراس لهم, أو أن يقولوا ببساطة إنهم لم يكونوا يعرفون شيئا. كما كان واضحاً أن الوكالات الاستخباراتية, بعكس ما كان يفترض أنه يحدث بعد هجمات 11 سبتمبر, لم تكن تتبادل المعلومات مع بعضها البعض, وأن كل طرف كان يحاول أن يبدو الأفضل.
في الوقت الذي بدأت فيه العمل مع فريق التحقيق تقريباً, جاء عميلان من مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى جوانتانامو لاستجواب معتقل هام جداً. واتضح أن ذلك المعتقل هو المعلم المحبوب الذي كان يكسب الاحترام مباشرة في أي مجمع زنزانات ينقل إليه. كان محمد صلاحي من شمال إفريقيا وعاش فترة في كندا وألمانيا.
كان المحققون العسكريون متضايقين جداً بسبب عدم تمكنهم من التحقيق مع هذا المعتقل. بعد أن حقق معه عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي على مدى عدة أسابيع, سمعت أحد المحققين, واسمه بن, يشتكي للضابط المسؤول عنه حول الطريقة التي يستخدمها أولئك العملاء. "أولئك العملاء الملاعين يجلسون في كراسي عبر الطاولة ويتحدثون إلى المعتقل طوال الليل وكأنهم يتحدثون مع صديقهم المقرب" كان من الواضح أنه يستخدم طريقة مختلفة جداً. أضاف بن "أحدهما في الواقع أطلق لحيته. أعتقد أنه يفكر في اعتناق الإسلام, بحق الرب" كان بن محقاً بخصوص اللحية. أحد العميلين قرر أن يقلد الكثير من المسلمين بهذا الخصوص, ليظهر احترامه لدينهم. وقال بن أخيراًَ "متى سنضع أيدينا على ذلك اللعين سيدي؟". أجابه الضابط: "لا أعتقد أنهما سيستغرقان وقتا أطول من هذا. لا يستطيعان أن يستمرا في خداع نفسيهما" لكن العميلين الفيدراليين استمرا في تحقيقاتهما. كانا يسألان أي شخص يرونه, بمن في ذلك أنا عن الإسلام, وذلك ليتمكنا من ضم معتقدات المعتقل بشكل أفضل وما قد يعتبره إهانة لدينه حتى إنهما تعلما قليلا من العربية. ونمت لحية العميل بشكل جيد. واستمر وجودهما حوالي ثلاثة أشهر, أصبح خلالها المعتقل أكثر تقبلاً لهما بعد أن كان شكوكاً في البداية. كان شاباً ذكياً وكان يعرف أنهما كانا يحاولان استغلاله, ولكنه أحس أنهما فعلاً كانا يحاولان أن يفهما لغته وثقافته ودينه. لم أكن متأكداً إلى أي مدى تمكنا من الحصول على معلومات من أسيرنا الهام، كنت أستطيع الدخول إلى ملفه ولكنه لم يكن قد زود بآخر المعلومات. ومع ذلك, بالحكم على محادثاتي مع هذين العميلين المثابرين, كان واضحاً أنهما يحققان تقدماً.
وبقدر ما كان المحققون العسكريون يكرهون ذلك, إلا أنه كان من الأفضل لهم أن يأتوا في النهاية للتحقيق مع المعتقلين. كانوا بشكل عام الأقل خبرة بين مجموعة المحققين, إذ إنهم تلقوا تدريبهم على مدى 16 أسبوعاً أو أقل في معسكر فورت هواشوكا.
كان الجنرال ميلر يحب أن يقول إن جيتمو "المختبر التجريبي للحرب على الإرهاب", وكان يقول للصحافيين إنه يفضل محققين ممن لديهم ما بين سنتين إلى ست سنوات في الخدمة لأنه يعتبر "الاستخبارات لعبة الشباب" في رأيي أن نظرته تقلل من قيمة الخبرة. كان ميلر يضيع فرصة رائعة.
كان الجنرال ميلر يبالغ في تقييم دور المعسكر ويؤكد للزوار الهامين أننا نحتجز "أسوأ الأسوأ" ونحصل على معلومات ممتازة منهم, لكن ذلك لم يكن الواقع الذي كنت أراه. أعتقد أن مبالغات الجنرال ميلر جعلته يخسر احترام الاختصاصيين الحقيقيين في الاستخبارات.
في صباح أحد أيام فبراير, استدعي كامل فريق التحقيق إلى اجتماع في مبنى الإدارة الذي يطلق عليه اسم مبنى المكتب الأصفر. كانت هناك شائعات بأن جزءاً منه سيحول إلى قاعة محكمة. كنت آمل أن نطلع خلال هذا الاجتماع على توقيت إحالة المعتقلين إلى القضاء. كان عدم محاكمة المعتقلين مصدراً للانزعاج ليس للمعتقلين فقط , ولكن للعاملين في جيتمو أيضاً, لأننا كنا نشعر أننا نفتقر إلى إجراء منظم لتقرير من منهم يجب أن يبقى ومن منهم يجب إطلاق سراحه، لم تكن القضية أخلاقية فقط. ولكنها كانت قضية عملية أيضاً. سيكون من الأسهل على عناصر الاستخبارات التركيز على الإرهابيين الحقيقيين عندما يتم إرسال الباقين إلى بلادهم.
كان في الاجتماع حوالي مئة شخص من مترجمين ومحققين ومحللين وقف الكولونيل راسل سيمز, وهو أرفع ضابط استخبارات في المعسكر, وبدأ بالحديث بمساعدة جهاز الكمبيوتر وبرنامج "باور بوينت". قال الكولونيل: "أعرف أن بعضكم يتساءلون عن مكان معسكر دلتا في نظامنا القانوني الوطني. اليوم لدينا محام هنا ليشرح ذلك لكم" كان الكولونيل سيمز في منتصف الخمسينيات وشعره أبيض وقصير.
كان يرتدي نظارات ويبدو مثل أستاذ جامعي. أما المحامي فهو الكابتن هندرسون وكان في الثلاثينات من عمره وشعره أسود قصير وعيناه بنيتان. أمضى الكابتن هندرسون نصف ساعة وهو يتحدث عن علاقة معسكر دلتا بمعاهدات جنيف, وقال إن معاهدات جنيف لا تنطبق على المعتقلين في جوانتانامو لأنهم لا يعتبرون أسرى حرب لأنهم كانوا يفتقرون إلى تركيبة قيادة محددة مثل باقي القوات المسلحة في الدول الأخرى, ولأنهم لم يطبقوا قواعد القتال التقليدية, وأخيراً لأنهم لم يكونوا يرتدون زياً عسكرياً رسمياً. وعندما انتهى الكابتن من كلامه, وقف الكولونيل سيمز مرة أخرى ليؤكد كلامه وأضاف:"إننا مازلنا ننوي أن نعامل المعتقلين بإنسانية, ولكن هدفنا هو الحصول على أي معلومات استخباراتية عملية وبسرعة".
خلال وجودي في جيتمو, لم أسمع أحداً يستخدم كلمة "سجين" ولو مرة واحدة. الأسرى كانوا "معتقلين". وكان السبب هو أن استخدام كلمة "سجين" سيكون قريباً من عبارة "سجين حرب" التي تعطيهم حق حماية القانون الدولي. كانت لعبة معان. بعد أن انتهى الاجتماع رحت أفكر بما جرى فيه وكنت غاضباً. كان يضايقني أن يعاملني أحد على أنني لا أتمتع بالذكاء الكافي لأفهم ما يدور حولي. كنت قد رأيت الكثير من ملفات المعتقلين الذين كانوا يقولون إنهم كانوا مجندين في جيش طالبان. كانوا يقولون إنهم أجبروا على القتال لأنهم وصلوا إلى سن التجنيد الإلزامي. لقد كانت الولايات المتحدة تصور نظام طالبان على أنه نظام مجرم, وكان الجميع على قناعة أن النظام ما كان يتردد في قتل من يرفض القتال. ولكن هاهم يقولون لنا في جيتمو إن هؤلاء الأفغان في جيش طالبان, لو أنهم كانوا يرتدون زياً عسكرياً مهترئاً لكانوا اعتبروا سجناء حرب بدلاً من محاربين أعداء. وربما كانت تركيبة القيادة غير متينة ومائعة في جيش طالبان, ولكن ذلك كان ينطبق على كل شيء في ذلك البلد. وماذا عن الأشخاص الذين كانوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ, واعتقلهم صيادو الفرص الانتهازيون الذين كانوا يقبضون جوائز سخية عن طرائدهم من الولايات المتحدة؟ لم يكن الأمر مقنعاً.
كانت المسألة في نهاية الأمر تتعلق بكيفية إدارتنا للتحقيق ومع أن الكولونيل سيمز لم يكن صريحاً تماماً, كان واضحاً أن قواعد استجواب المعتقلين كانت ستصبح فضفاضة أكثر, إن لم تكن كذلك بالفعل. بعد قضاء عدة أسابيع في فريق التحقيق, لم أكن قد شاركت بعد في أي جلسة تحقيقات, لكني كنت أسمع الكثير من المترجمين والمحققين في المكتب أخبرني مترجم عسكري شارك في استجواب المختطف العشريني أن المحققين استخدموا الكلاب العسكرية لبث الرعب في قلبه. كانت جدران غرفة التحقيق مغطاة بصور ضحايا هجمات 11 سبتمبر, وكان المحقق يسأله إذا كان دينه يأمره بأن يفعل ذلك. تم تعريضه لأنوار قوية, ولشريط تسجيل عال جداً عليه صوت قطط تموء وأطفال يبكون, ولموسيقى تصم الآذان. هذه الإجراءات وافق دونالد رامسفيلد على استخدامها مع محمد القحطاني.
في ظهيرة أحد الأيام, اتصل بي تيم, الذي يضع البرامج لنا, وسألني إذا كنت أرغب في حضور استجواب مع ممثلين من "وكالة حكومية أخرى" في اليوم التالي. قلت له بالتأكيد أرغب في ذلك. ستكون هذه فرصتي الأولى لأرى بالفعل كيف تسير الأمور خلال جلسات الاستجواب.
كان ممثلو الـ"وكالة الحكومية الأخرى" يفضلون العمل مع مترجمين من الاستخبارات العسكرية عندما يكون ذلك ممكناً لأننا كنا نحمل تصريحاً أمنياً خاصاً حصلنا عليه بعد تحقيقات مكثفة, بينما كان المترجمون المدنيون يحملون تصريحات أمنية مؤقتة. قال تيم إن ممثل الوكالة الحكومية الأخرى سيصطحبني في بيتي اليوم التالي, وقال إن الجلسة قد لا تستمر أكثر من ساعتين. وقبل أن يغلق السماعة, قال تيم "ارتد ثياباً مدنية".
في الصباح انتظرت خارج المنزل وأنا أرتدي ملابس مدنية. وفي الوقت المحدد بالضبط, وقفت سيارة المحقق أمام منزلي. أول مفاجأة لي أنني رأيت فتاة جذابة في أواخر العشرينيات من عمرها, وشعرها بني طويل, تجلس خلف مقود السيارة. وعرفت فيما بعد أن اسمها ميشيل, وأنها تحمل إجازة جامعية في الشؤون المالية من جامعة بنسلفانيا كانت ودودة جداً وشديدة الذكاء. قالت لي إن الشخص الذي سنستجوبه في ذلك اليوم مغربي يتحدث بعض الإسبانية, وميشيل كانت تتحدث الإسبانية بطلاقة, لكنها فضلت أن أكون معها في حال أراد المعتقل أن يتحدث اللغة العربية. كانت قوات تحالف الشمال قد قبضت عليه في أفغانستان, وقالت الاستخبارات إنه كانت له علاقات مريبة مع ناشط أوروبي معروف في تنظيم القاعدة. كانت مهمة ميشيل هي: التأكد من مصداقية تلك العلاقة. قالت ميشيل إنها ستحاول في الجلسة الأولى أن تتعرف عليه وتبني نوعاً من الألفة معه.
كانت المفاجأة الثانية مكان تلك المواجهة. كانت مقطورة الوكالة الحكومية الأخرى مفروشة بأريكة, وطاولة قهوة عليها بعض المجلات, وثلاجة تحوي الكثير من المياه, ومجموعة من علب السجائر. عندما أحضره عناصر الشرطة العسكرية, طلبت منهم ميشيل أن يفكوا قيوده وطلبت من المعتقل الجلوس على الأريكة. جلس المعتقل, وقدمت ميشيل نفسها وقدمتني له بالإسبانية. سألته ميشيل" عرفت أنك تتحدث الإسبانية قليلاً. هل تريدني أن أتحدث إليك بالإسبانية أم تفضل أن نستخدم اللغة العربية؟ نظر المعتقل إلي وقال باللغة العربية، إنه رغم معرفته بعض الإسبانية, لكنه يفضل الحديث بلغته الأم. قالت ميشيل:" لا مشكلة". وفيما جلسنا على مقاعدنا, قالت ميشيل له :"عبد الله, هل تريد بعض الكوكا كولا؟ بدت عليه الدهشة, لكنه قبل عرضها قائلاً:"شكرا". أضافت ميشيل:"أنا وزميلي كلانا من شمال شرق الولايات المتحدة. نتطلع إلى التعرف عليك قليلاً, وننوي أن نتحدث إليك في جو من الاحترام".
عرضت عليه ميشيل سيجارة, وقبل عرضها ذلك أيضاً. حاولت أن تقنعه أننا نحاول أن نعرف الحقيقة وأننا لا نحمل آراء مسبقة حول ذنبه أو براءته. قال لها عبد الله:"أنا سعيد لأنك ذكرت ذلك, لأنني لا أعرف مطلقاً لماذا أنا هنا. قالت له:"نريد فقط أن نعرف المزيد عنك ونتحدث إليك عن بعض الناس الذي التقيتهم عندما كنت تعيش في إسبانيا"قال لها مستغرباً :"هل تعنين أنك لا تريدين أن تعرفي لماذا كنت في أفغانستان. لن تمضي ساعات تقولين لي إنني كاذب ومسلم سيئ؟ هذا ما يفعله الجيش. إنهم يرددون دائماً أنهم يعرفون أنني من تنظيم القاعدة وأنني أكذب حول سبب ذهابي إلى أفغانستان لأعمل وأرى أخي".
أجابت ميشيل:"أنا لست الجيش. لماذا لا تخبرنا عن أسرتك ونشأتك في المغرب؟".
تردد في البداية, لكن ميشيل أخبرته قليلاً عن عائلتها لكسر الجليد. وفي النهاية بدأ ينفتح وينطلق في الحديث, سألته عن المدارس التي تعلم فيها, وكيف كانت علاقته بإخوته وأخواته, وماذا كان يعمل إخوته, وعن مدى تمسك أسرته بتعاليم الإسلام. قال المعتقل إن أسرته كانت علمانية إلى حد كبير عندما كان طفلاً. وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي, قضى بعض السنوات في إسبانيا وأدين مرة بالسرقة. وأدى ذلك إلى إعادته إلى المغرب, حيث وجد أن أسرته الآن تتردد على المساجد بشكل منتظم وأن شقيقه كان يفكر بالذهاب إلى أفغانستان وبدأ هو أيضاً يذهب إلى المسجد كل يوم جمعة خوفاً من يوم القيامة. بعد حوالي ساعتين من هذا النوع من المحادثة, شكرته ميشيل على وقته وسألته عن رأيه في أن يتحدث إلينا مرة أخرى الأسبوع التالي. شعر بالارتباك لأنها كانت تبدو وكأنها تطلب موافقته. سألها:"هل أنت تسألينني إذا كنت أرغب بالتحدث إليك مرة أخرى؟". قالت ميشيل وهي تقف لتجمع أشياءها:"نعم. أريد أن أعرف كيف تشعر حول رؤيتنا مرة أخرى". قال المغربي: "سيكون ذلك حسناً . أفضل أن أتحدث إليك على أن أتحدث إلى المحققين العسكريين". قالت ميشيل:"عظيم. سنراك الأسبوع القادم".
شعرت بالإعجاب بأسلوب ميشيل وأنا أغادر الاستجواب. كنت أستطيع أن أرى كيف استطاعت ميشيل ببراعة وسرعة أن تبني جسراً بينها وبين المعتقل. كان واضحاً, على الأقل في هذه الحالة, أن أسلوب ميشيل كان فعالاً جداً. وفي اليوم التالي, رأيت طريقة مختلفة لمعالجة المشكلة.
كانت نوبة العمل مرت بسلاسة وكانت الساعة حوالي الثامنة مساء, وقت الانصراف, عندما اتصل تيم. قال:"أحتاج إلى مترجم ليعمل في جلسة تحقيق للاستخبارات العسكرية الليلة الساعة العاشرة. هل تريد تقديم المساعدة؟" قلت :"بالتأكيد, لا مشكلة". قال لي إنني سأرتدي الزي العسكري في هذا الاستجواب, وتابع: تأكد من إخفاء اسمك. سوف تعمل مع بن".
فيما كنت أضع بعض العشاء لأتناوله بسرعة في البيت,حدثني مارك عن أعمال شغب في مجمعات الزنزانات في ذلك اليوم, وتسبب بها قيام أحد عناصر الشرطة العسكرية أوقع القرآن وجن جنون المعتقلين. قال مارك:" كان الأمر جنونياً" كانوا يلقون بالمياه على الحراس حتى إنهم قرروا أن يقطعوها لفترة بعد الظهر.. وفي تلك الأثناء, كنت هناك أتحدث إلى المعتقلين وأحاول أن أشرح لهم أن الحارس لم يقصد الإهانة. كان يوما حافلاً. لم أكن أستطيع القول إنني اشتقت للعمل في مجمعات الزنزانات.
تناولت طعامي بسرعة وقفزت إلى السيارة(الفان) مرة أخرى لأعود إلى دلتا. عندما وجدت بن, سألته كيف ستكون جلسة التحقيق. تصرف وكأنني لا يحق لي أن أطرح ذلك السؤال وكان واضحاً أنه لم يكن ينوي أن يشرح أي شيء لي. قال" قم بالترجمة فقط".
كان المعتقل ينتظرنا في غرفة التحقيق وهو يرزح تحت قيوده عندما وصلنا, وكانت الغرفة فارغة فيها كرسيان مطويان. أحد الجدران كان فيه نافذة زجاجها شفاف من طرف واحد, وكان مظلماً من طرفنا, كان في الطرف الآخر غرفة مراقبة, وكانت عادة فارغة. كان المكيف يعمل بمستوى عال. كانت سلاسل كاحل المعتقل قصيرة وربطت إلى حلقة مثبتة في أرض الغرفة بحيث لم يعد يستطيع تحريك قدميه, وكانت سلسلة قصيرة تصل بين قيود يديه والحلقة في أرض الغرفة أيضاً. كان ذلك يجبره على الانحناء. بدا لي أنه كان موجوداً في الغرفة في تلك الوضعية منذ فترة لا بأس بها .
أخذنا أماكننا على الكراسي وحدق بي المعتقل حوالي دقيقتين دون أن يقول كلمة واحدة. لم يكن واضحاً لي ماذا كان يقصد في ذلك. لم يكن بن يتمتع بشكل مهيب وجليل, كان متوسط الطول وسميناً إلى حد ما. لكنني اعتقدت أن لديه خطة ما. أخيراً سأل المعتقل بهدوء:"هل ستتعاون الليلة؟" لكن المعتقل اكتفى بالنظر إلى الجدار. سأله بن: لماذا كنت في أفغانستان؟" ولم يرد المعتقل أيضاً. صرخ بن:"إلى ماذا تنظر يا(...)؟" أجب عن السؤال اللعين! لماذا كنت في قندهار أيها الإرهابي (...)؟ نظر إلي المعتقل وقال:"قلت له سابقاً, كنت في أفغانستان لأعلم القرآن للشعب الأفغاني". قال بن"توقف عن الكذب علي".
استمرت المحادثة على هذا النحو لمدة حوالي نصف ساعة. طرح بن نفس السؤال على المعتقل مرات ومرات, وأعطى المعتقل نفس الإجابة. قال بن:"اسمع. أستطيع أن أبقى هنا طوال الليل. كل ما عليك أن تفعله هو أن تجيب على سؤالي, قل الحقيقة ونستطيع أن نجلس هنا ونتحدث كرجال".
لم يرد المعتقل.
"لماذا كنت في أفغانستان؟"
لا إجابة.
صرخ بن وهو يقف:" ما هي مشكلتك اللعينة؟ هل تريد أن تبقى هنا طوال حياتك؟"
لا جواب.
جلس بن مرة أخرى وحاول أن ينظر إلى عيني المعتقل مباشرة, لكنه تجنب بن. سأله بن مرة أخرى:"استمع إلي أيها(...) سأجعلك تكره الحياة هل تفهم؟ ابدأ بالكلام لماذا كنت في أفغانستان؟"
لا جواب.
وصف بن المعتقل بأنه كاذب واستخدم كل الشتائم التي يعرفها. بعد نصف ساعة من نفس الهراء وقف بن وركل كرسيه واندفع خارجاً من الغرفة, وخرجت أنا إلى الصالة. نظرت إلى بن ورأى الحيرة في عيني قال بغضب:" قم بترجمة التحقيق اللعين فقط. لا أحتاج إلى (...) منك".
قرر بن أن يأخذ استراحة لمدة ساعة تقريباً فيما بقي المعتقل مقيداً في وضعيته غير المريحة أبداً. عندما عدنا حوالي الساعة 11.30 عاد بن إلى طرح نفس الأسئلة وبنفس الأسلوب لمدة نصف ساعة أخرى. بعد منتصف الليل بقليل, أنهى بن التحقيق. قال للمعتقل:" لدينا كل الوقت الذي في العالم. نستطيع أن نفعل هذا كل ليلة إذا كنت تريد ذلك".
غادرنا غرفة التحقيق, ومشى بن عبر الصالة إلى مكتبه دون أن يقول كلمة. قلت له:"هل انتهينا؟" قال"نعم".
عندما غادرنا المبنى, لاحظت معتقلاً مقيداً بالسلاسل يمشي قرب العيادة الطبية, ويقوده عنصر من الشرطة العسكرية, هذا السير في الليل كان يستخدم لمنع المعتقلين من النوم, أحياناً استعداداً لجلسة استجواب ستبدأ في وقت متأخر.
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً  
قديم 27-10-2006, 09:28 PM
  #12
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الثامن

-

كانت الترجمة في فريق التحقيق عملاً مختلفاً تماماً عن الترجمة في مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة، ففي الزنزانات كنت غالباً أتحدث إلى المعتقل بنفسي ولم يكن عليّ أن أترجم أي شيء بشكل مباشر، وإذا كنت واسطة بين المعتقل وبين عنصر في الفريق الطبي أو الشرطة العسكرية أو اختصاصي نفسي، كان عليّ فقط أن أنقل المعنى وأصوغه بكلماتي الخاصة. أما في التحقيقات، فكان عليّ أن أنقل ما يقوله المحقق تماماً - نفس الكلمات ونبرة الصوت والمزاج وحتى حركات جسده - وكان ذلك يتطلب أحياناً وقتاً طويلاً لتنفيذه. وكان ذلك يدفعني أحياناً للرغبة في ضرب الحائط من شدة الضغط.
سألت ليزا مرة قبل أن تغادر جوانتانامو إذا كان المترجمون قد خضعوا لأي نوع من التدريب من أجل التحقيقات. قالت ليزا: لا، إننا نعطيهم بعض التعليمات القصيرة لدى وصولهم. هناك ثلاثة أمور عليهم أن يتذكروها: ألا يطرحوا أي سؤال على المحقق، وعليهم أن يحافظوا على هدوئهم ويحاولوا تقليد المحقق تماماً عندما يترجمون كل شيء، وثالثاً أن يفعلوا ما بوسعهم للترجمة الحرفية وألا يضيفوا ما يعتقدون أن المحقق يحاول أن يقوله.
لم يكن العمل مع ميشيل يشكل أي مشكلة بالنسبة لي، كانت قد تدربت بشكل ممتاز وبدا أنها تتمتع بموهبة طبيعية لإقامة العلاقات. عملت مع المعتقل المغربي عدة مرات أخرى، وكانت في موقع صعب لأن قيادتها كانت تتعرض لضغوط لكشف علاقته مع القاعدة في أوروبا. كان يكرر ادعاءه بأن قوات تحالف الشمال قبضت عليه لأنه عربي في أفغانستان فقط، ولم يكن لديها أي أدلة تشير إلى كذب ادعائه أو علاقته مع القاعدة أو طالبان.
قمنا بالتحقيق أيضاً مع معتقل آخر كان يشكل أهمية كبيرة لدولة أجنبية. لا أملك حرية كشف هوية هذا المعتقل، ولكن المثير في قضيته أنه كان يعمل لقناة الجزيرة الإخبارية الفضائية، عندما وصلنا أنا وميشيل لإجراء لقائنا الأول معه قالت لي ميشيل: هذا الرجل قد لا يكون سعيداً معنا أبدا.
دخلنا إلى الغرفة التي كان المعتقل قد وصل إليها للتو على ما يبدو. طلبت ميشيل من عنصر الشرطة العسكرية أن يفك قيود المعتقل ويغادر القاطرة دفعت بعلبة كوكا كولا إلى المعتقل قائلة: مرحبا، كيف حالك، هل ترغب بشيء تشربه؟ قال: شكرا، قالت ميشيل: أديب، هل لديك مانع في أن تتحدث معي حتى لو كنت امرأة؟ قال: هذا حسن، قالت ميشيل: من أين أنت؟ أراد أديب أن يدخل في صلب الموضوع مباشرة، لماذا لا تقولين لي لماذا اعتقلت حكومتك مراسلاً صحفيا؟ قالت ميشيل: حسنا يا أديب، ليست لدي كل الإجابات مع الأسف حالياً، ما أستطيع أن أقوله لك أن من مصلحتك بلا شك الإجابة على أسئلتي. إذا تعاونت معنا فإن ذلك سوف يزيد من فرص خروجك من هنا بشكل كبير. قال: أي نوع من الأسئلة تريدنني أن أجيب عنها اليوم، قالت: أريدك أن تشرح لي دورك في تمويل المقاتلين في المنطقة التي كنت تعمل فيها، قال أديب وهو لا يكاد يصدق: ألهذا السبب أنا هنا؟ لم أمولهم مطلقاً. لن أستطيع مساعدتكم. كان لدى ميشيل مجموعة من الأسئلة المحددة لكنها قررت ألا تتقيد بها. قالت: لماذا لا تقول لي فقط ما تعرفه إذا كصحفي عن طريقة تمويلهم؟ وعلى مدى خمس وأربعين دقيقة استمر أديب وميشيل في النقاش حول كيفية قيام بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية بمساعدة الناس في تلك المنطقة وكيف يجد المال أحياناً طريقه إلى أيادي المقاتلين.
ونفى أديب أي علاقة له مع تنظيمات محددة. وقبل أن تنهي التحقيق طرحت عليه سؤالاً أخيراً: أديب، كيف عوملت منذ أن تم اعتقالك على يد الأمريكيين؟ قال أديب: لقد فقدت الكثير من احترامي للأمريكيين منذ أن اعتقلت. إنني مندهش من احتقار الحراس الكامل لديننا. ولا أعتقد أنني الرجل البريء الوحيد هنا. قالت ميشيل: آسفة لسماعي هذا، دعني أسألك هذا السؤال: عندما تغادر هذا المكان، هل ستقوم بتقديم برنامج عن الوقت الذي قضيته هنا؟ وإذا فعلت ذلك، ماذا ستقول في هذا البرنامج؟ أجاب أديب: إنني أتشوق لعمل هذا البرنامج، سأقول ما رأيته بالضبط هنا - إن السلطات الأمريكية لا تحترم الإسلام، وإنهم يحتجزن أبرياء دون توجيه أي اتهام لهم. قالت ميشيل: آسفة لأنك تشعر على هذا النحو يا أديب. شكراً على تعاونك اليوم، واستدعت ميشيل عنصر الشرطة العسكرية ليعيد المعتقل إلى زنزانته.
اكتشفت في تلك الأثناء أن الوكالة الحكومية الأخرى كانت تملك حافزاً آخر تستطيع تقديمه للمعتقلين الذين كانوا يبدون تعاوناً كبيراً، بالإضافة إلى الأريكة والسجائر ووجبات ماكدونالدز وغيرها. كانت هناك قاطرة يطلق عليها اسم "كوخ الحب، وكان الأسرى الذين تتم مكافأتهم ينقلون إلى تلك القاطرة في رحلة قصيرة، حيث يستمتعون بمشاهدة أفلام خلاعية ومجلات تحوي صوراً مثيرة أيضاً.
كان العمل مع بن وأمثاله من عناصر الاستخبارات العسكرية يتطلب عملية نقل نوعية. في إحدى الأمسيات عملت مع محقق آخر من الاستخبارات العسكرية اسمه مايك، وكان يحقق مع معتقل يمني حول معرفته بشخص يعتقد أنه مرتبط بالقاعدة. لم يكن اليمني متجاوباً في الجلسة السابقة دخلنا إلى غرفة التحقيق وقال مايك: محمد، هل سوف تتعاون الليلة؟ ولم يجب المعتقل. قال مايك: مو، لماذا لا تريد أن تتحدث إلينا، ألم تتعب من هذه الألاعيب؟ كان المعتقل يحدق بصمت. قال مايك: مو، أستطيع أن أساعدك إذا تعاونت فقط. اكتفى محمد بالرد قائلاً: حراسكم لا يحترمون الإسلام، ليس لدي سبب يجعلني أتحدث إليك. قال مايك: علينا أن نتجاوز ذلك يا محمد. أحتاج إلى تعاونك معي، هل كنت تعرف فريد محمود؟. لم يجب المعتقل. لعبنا تلك اللعبة على مدى نصف ساعة، فيما كان محمد منحنياً في زيه البرتقالي تحت وطأة أصفاده المثبتة في أرض الغرفة وهو يحدق في الجدار طوال الوقت.
تعلمت من خبرتي مع المعتقلين في العمل معهم في الزنزانات أنه لكي نحرز أي تقدم معهم، علينا أن نفهم مبادئ دينهم جيداً. كان الكثير من المعتقلين قد وصلوا إلى جوانتانامو وهم يحملون إيماناً قوياً، أما الباقون فقد تحولوا في معظمهم في ذلك الاتجاه بعد اعتقالهم. كانت النقاشات الدينية تزيد احتمال أن يتخلى المعتقل عن حذره ويظهر مشاعره الحقيقية حول الجهاد، وكان ذلك ضرورياً للوصول إلى جبهة الإرهاب. عملت مع محققين لم يكونوا يعرفون شيئاً عن العالم الغريب الذي كان سائداً في مجمعات الزنزانات حيث يعيش هؤلاء الرجال منذ أكثر من عام، وأن لديهم معلمين ومشجعين ينتظرونهم في تلك الزنزانات ليحثوهم على البقاء أقوياء، وأن هناك زيارات يقوم بها "الجن" لهم وكانوا يخافون من تلك الزيارات أكثر من خوفهم من قسوة المحققين. لم يكن لدى المعتقلين سبب، سوى الأمل اليائس، ليعتقدوا أنهم سوف يطلق سراحهم إذا بدأوا بالاعتراف، وكانت لديهم حوافز كثيرة في مجمع الزنزانات حتى لا يتكلموا.
في إحدى الليالي قمنا أنا وميشيل باستجواب معتقل سوري كان مشهوراً بعدم تعاونه واسمه حداد. عرفت ميشيل عن نفسها وعني، وقالت له إنها ليست مع الجيش وأرادت أن تجلس وأن تتحدث معه. قالت له: حداد، هل تستطيع أن تخبرني قليلاً حول مكان نشأتك؟.
لم ينظر حداد إلى ميشيل، قال لي: قل لها إن ذلك مكتوب في الملف، قالت ميشيل: أعرف أنه في الملف يا حداد، لكنني أود أن تخبرني بنفسك، قال حداد لي: قل لها إنني نشأت خارج دمشق، قالت ميشيل: أفهم ذلك يا حداد، إنني مهتمة بمعرفة مدينتك، ونوع الناس وما يفعلونه لكسب عيشهم وكيف يقضون أوقاتهم وما هي الصعوبات التي تواجه العائلات هناك. قال حداد: أفضل ألا أتحدث إليها عن هذه الأمور. حاولت ميشيل بطريقة أخرى، قالت: حداد، أعرف أنك مسلم وأنك تحاول أن تتبع الطريق المستقيم. إنني مهتمة فعلاً بمعرفة كيف تعمقت في دينك، وهل كانت هناك فترات في حياتك عندما زاد إيمانك أو تجدد؟ اتسعت عينا حداد قليلاً، وبدت عليه الدهشة في هذا السؤال. قال لي: سيدي، إنني أحب فعلاً أن أتحدث عن هذه الأمور، ولكن ليس معها. طلبت ميشيل استراحة قصيرة وقالت لي: ألم تخبرني أنك درست في كلية مسيحية لمدة عامين ودرست اللاهوت؟ أريدك أن تأخذ حوالي نصف ساعة مع هذا الرجل وتتحدث إليه عن دينه. فقط توقف كل بضع دقائق وأخبرني عما تتحدثان، اسأله كيف أصبح مسلماً ملتزماً. اسأله عن معتقداته بالله ومحمد والمسيح والآخرة، حاول أن تعرف ما يثير اهتمامه من الناحية الدينية.
عدنا إلى الغرفة مرة أخرى وسحبت كرسياً واقتربت من حداد. قلت له: حداد، ذكرت أنك ترغب في الحديث عن دينك ولكن ليس مع امرأة. هل ترغب في الحديث معي لفترة قصيرة عن دينك وسأنقل لها بين الحين والآخر ما نتحدث عنه؟ هل هذا يرضيك؟ أومأ برأسه موافقاً. قلت: لماذا لا تبدأ بإخباري كيف تحولت لاتباع الطريق المستقيم؟ تحدثت مع المعتقل عن الدين لمدة ساعة دون توقف. وكنت كل حوالي خمس دقائق ألتفت إلى ميشيل وأقول لها بالإنجليزية ما كنا نناقشه. وكانت تجيب عظيم، تابع، وكانت تضيف شيئاً من عندها بين الحين والآخر. شرح لي المعتقل أنه كان يعيش في سوريا ولم يكن ولا حتى أسرته يذهبون إلى المسجد حتى يوم الجمعة. وأضاف: كان عمري عشرين سنة وكنت مهووساً بملاحقة الفتيات وشرب الكحول، وفي أحد الأيام زاره اثنان من دعاة جمعية التبليغ، قالوا له إن الله لا يرضى عن طريقة حياته "عليك أن تخاف من يوم الحساب"، هكذا قالوا لي، خفت، خشيت من أنني سوف أحاسب أمام الله يوماً ما على أفعالي. وهكذا قررت أن أكرس حياتي لله وأعبده هو وحده.
بعد ذلك سألني حداد عن ديني، عندما علم أنني مسيحي، سألني إذا كنت قد قرأت الإنجيل، قلت: نعم، لقد درسته إلى حد ما. سألني هل تعرف أن المسلمين، مثل المسيحيين، يؤمنون أن المسيح سوف يعود إلى الأرض يوما ما؟ قلت: لم أكن أعرف ذلك، قال: إنني أحترم المسيحيين والمسيح إلى حد كبير، لكن هناك إلهاً واحداً. سألته: هل تعتقد أن المسيحيين هم كفار؟ قال: حسنا، ذلك يعتمد. وبدأ بشرح مفصل حول أن المسلمين يحترمون "أهل الكتاب" وأضاف: فيما إذا كان الشخص كافراً أم لا فذلك يعتمد على الشخص نفسه. سألته: هل تعتقد أن الله يحب كل شخص؟ قال حداد: لا أعرف هذا بالتأكيد، أحاول أن أتبع الطريق المستقيم وأعيش وفقاً لمشيئة الله، هل تعتقد أنت ذلك؟ أجبته: حسناً، نعم المسيحيون يؤمنون أن الله يحب جميع الناس. بدت على حداد الحيرة والدهشة معاً قد يعتبر بعض المحققين تلك الجلسة ضياعاً للوقت لأنها لم تنتج معلومات هامة، ولكن تجعله يفهمنا أكثر قليلاً، بدأ يثق بنا أكثر أيضاً، كان يتحدث بحرية أكبر مع ميشيل في جلسات لاحقة.
كانت الحياة في المعسكر تثير أعصاب الجميع أكثر فأكثر. في كل ليلة في البيت، كان مارك يحدثني بإسهاب عن الحياة في مجمعات الزنزانات. ويبدو أن وصول أحد كبار قادة طالبان - كان هناك خلاف حول كونه وزير الخارجية أو سفيرهم إلى باكستان، ولم أكن قد اطلعت على ملفه بعد - سبب مشكلة هناك، قال لي مارك في إحدى الأمسيات: إذا لقد سمعت أن أحد كبار مسؤولي طالبان وصل إلى جيتمو أليس كذلك؟ اليوم في خلال إحدى مهماتي أتيحت لي فرصة الحديث مع هذا القذر. سألته: جميل، ماذا حدث؟ قال مارك: ذهبت إليه وسألته ماذا أستطيع أن أفعل له، وقال لي إنه يريد أن يتم احتجازه في ظروف أفضل، قلت له إنني لا أستطيع أن أفعل شيئاً حيال هذا الأمر. لكنه لم يقدر صراحتي، عند ذلك قال لي: هل تعرف من أنا؟ سألته: وهل كنت تعرف من هو؟ قال مارك: حسنا، عندما طرح عليّ ذلك السؤال، عرفت من هو، تحمست وتذكرت كل الأمور التي أحب أن أقولها لذلك الحثالة، كيف كان بلده متخلفاً وكان شعبه يعيش في فساد سياسي، وكيف أن عليه أن يفخر لأنه ساعد في إقامة واحدة من أسوأ الحكومات في التاريخ الحديث، وكيف..." قلت له: مارك، أكمل قصتك، قال مارك: حسنا، قلت له إنني لا أهتم من يكون وإنه حالياً في سجن أمريكي، وهذا هو المهم. لكن ذلك التافه امتلأ غضباً وبصق عليّ وقال: أيها الكافر! أريد أن أتحدث إلى مسلم، قلت له لا تستطيع أن تتحدث إليّ وأكثر من هذا، سأفعل ما بوسعي لأستجيب شخصياً لجميع طلبات المترجمين إلى هذا المجمع في المستقبل لأتأكد من أننا نعمل معاً بشكل منتظم. قلت له: يبدو أنك استمتعت بوقتك يا مارك، قال مارك: بالتأكيد. قبل أن أغادر قلت له في أمريكا لدينا أغنية: لا تقلق، كن سعيداً. عليك أن تتعلم أن تهدأ، لديّ إحساس أنك ستكون هنا لفترة طويلة. وبعد ذلك انصرفت، سألته إذاً أعتقد أنك تتشوق للحديث معه أكثر في المستقبل؟ قال مارك بسرور واضح: كان هناك ثلاثة طلبات أخرى لمترجمين في ذلك المجمع بعد الظهر، وذهبت في كل واحد منها، رآني هناك، وأعتقد أنه يصدق الآن أنه عالق وعليه أن يعمل معي بشكل دائم. أشعر أني فعلت شيئاً جيداً بإزعاج هذا الرجل اليوم.
كانت العلاقات الشخصية تصبح أسوأ كل يوم بين أعضاء مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة. أصبحت علاقة أحمد مع مو سيئة جداً لدرجة أن مو انتقل إلى منزل آخر، وبذهابه بدأ الكابتن منصور والمرشد الديني بي والمسلمون الملتزمون الآخرون يجتمعون في منزل أحمد بشكل أكبر، وكان باقي أعضاء الفريق يشيرون إلى منزل أحمد على أنه مكة. وكان العداء بين الكابتن منصور وبين بعض أعضاء الفريق من غير المسلمين يزداد لدرجة أن أحدهم واسمه دان رفع شكوى ضد الكابتن منصور اتهمه فيها بالتمييز الديني، وكان الكابتن منصور يرسله دائماً إلى أسوأ المهمات. وكانت العلاقات بين الشرطة العسكرية وبين الكابتن منصور والمسلمين الملتزمين متوترة أيضاً وقد اشتكى بعض الحراس إلى قيادة المعسكر من أن المترجمين المسلمين كانوا يتجاوزون سلطتهم، وأنهم متعاطفون مع المعتقلين، وأنهم يفسدون المهمة. وفي أحد الأيام وقف الكابتن منصور في صف أحد المعتقلين خلال خلاف تافه داخل المجمع مع أحد عناصر الشرطة العسكرية أمام المعتقلين جميعاً. كان الإجراء المقبول في حال وجود خلاف بين الحراس وأحد المترجمين أن ينقل ذلك إلى خارج المجمع، وقد لا حظ الحراس أيضاً أن الكابتن منصور لم يكن يحب أن يأتي إلى مجمع الزنزانات في أي حال لأنه قائد مجموعة اللغويين وليس من مهامه تولي الترجمة في الزنزانات. وفي أحد الأيام قال لي بعض المترجمين إن الكابتن منصور صافح في الواقع مسؤول طالبان السجين الذي كان مارك يعلق عليه ويزعجه، وتلك حركة اعتبرها عناصر الشرطة العسكرية خيانة.
بالطبع، كان لفريق التحقيق قضاياه أيضاً، كانت مكاتب مجموعتين من المحققين ملاصقة لمكتبي، وكنت أحياناً أستخدم أجهزة الكومبيوتر التي لديهم لأرسل بريداً إلكترونياً وفوجئت في أحد الأيام عندما رأيت ثوباً نسائياً قصيراً جداً وبعض الملابس الداخلية المعلقة خلف الباب. سألت أحد المحققين عن صاحبة هذا الثوب لكنه تجنب سؤالي، واتضح أن تلك الملابس كانت لإحدى المحققات المتعاقدات. كان فريقها يعمل في منتصف الليل في استجواب معتقل سعودي يرفض الاعتراف. كانت النظرية تقول إن هؤلاء الرجال يعتمدون على دينهم ويكسبون قوة من ذلك الارتباط القوي مع الدين. وكانت خطتها تقضي أن تلبس ثياباً مثيرة جنسياً لتجعل المعتقل يفقد إحساسه بالنقاء ويعتقد أنه لا يستحق أن يقف أمام الله في الصلاة وبذلك يفقد مصدر قوته. قال لي أحد المترجمين الذين رافقوها في الاستجواب إنها خلعت ثوبها خلال الاستجواب وكانت ترتدي فقط صدرية وحزاماً جلدياً دقيقاً.
فكرت في أنني كنت أملك أحد خيارين لما تبقى من مهمتي في جوانتانامو الخيار الأول، أن أتجاهل كل ما يدور حولي كما يفعل الكثيرون وأشغل نفسي بأمور أخرى. الخيار الثاني، أن أسجل ملاحظات في ذهني عن المعسكر، وأحاول أن أحتفظ بذهن مفتوح، وأراقب وأنتظر لأرى ما سيجري واخترت الثاني.
بعد ظهر أحد أيام مارس استلمت جدول عمل اليوم التالي عن طريق البريد الإلكتروني من تيم، ولاحظت أنني سأعمل مع محققة عسكرية اسمها سامانثا في الليلة التالية كان قد مضى على وجودها حوالي ستة أشهر في المعسكر، كنت قد رأيتها في ذلك اليوم تمشي في المبنى الخاص بنا، فذهبت أبحث عنها ووجدتها وسألتها إذا كانت تستطيع أن تطلعني على بعض المعلومات حول المعتقل قبل أن نتحدث إليه. قالت: ليس هناك شيء مثير غداً، سنتحدث فقط إلى سعودي يحب أن يلعب أحياناً، سنسأله عن مواقع بعض البيوت الآمنة في قندهار. الحقيقة هي أنه ربما لا يعرف شيئاً عن هذا الأمر، لكن عليّ أن أسأله في جميع الأحوال. وفي الليلة التالية، عدت إلى المعسكر حوالي الساعة التاسعة مساء بعد أن أوصلت المترجمين المدنيين إلى مساكنهم، وذهبت مع سامانثا لنتحدث مع المعتقل السعودي واسمه ذاكر، قالت لي سامانثا: تم تخصيص ثلاث ساعات لهذا الاستجواب، لكن لديّ إحساس أننا سننتهي قبل العاشرة.
دخلنا غرفة التحقيق معاً، وكان ذاكر جالساً على كرسي معدني بارد وكاحلاه ورسغاه مقيدة جميعاً. وفميا كنا نجلس قالت سامانثا: كيف أنت اليوم يا ذاكر؟ أجاب السعودي: أنا بخير، كيف حالك أنت؟ أجابت: لا بأس يا ذاكر. وأضافت: اسمع أعرف أننا تحدثنا من قبل وأنت تكرر دائماً أنك لا تعرف شيئاً، لكن لدينا أسباباً تجعلنا نعتقد أنك تضللنا. أريدك أن تخبرني عن البيت الآمن في قندهار. قال ذاكر: اسمعي، لم أر هذا البيت مطلقا، ولا أعرف أحدا ذهب إليه، أريد أن أساعدكم، لكنني لا أستطيع أن أخترع معلومات من عندي. لم أذهب إلى ذلك البيت مطلقا. استمرت ساماناثا بالضغط عليه، وأمضى نصف الساعة التالي يردد أنه لم يكن يعرف شيئاً عن المنزل، اختبرت استعداده للتعاون من خلال سؤاله عما كان يعرفه عن أفراد آخرين في المعسكر. أجاب: سأخبرك بأي شيء تريدين أن تعرفيه، اسأليني عن أي شيء آخر غير هذا المنزل الذي لم أزره مطلقاً. وبعد ذلك ذكر ثلاثة أشخاص مباشرة في المعسكر كان آخرون قد أكدوا أنهم تدربوا مع القاعدة. وقال ذاكر إنه تدرب معهم أيضاً ليحارب مع المجاهدين، لكنه ادعى أنه كان ينوي القتال إما في البوسنة أو الشيشان. قال إنه لم يكن يكره الولايات المتحدة، وإنه لا يعرف شيئاً عن المنزل الآمن، أنا صدقته، وأعتقد أن سامانثا صدقته أيضاً. لحسن الحظ انتهت ساماناثا من الاستجواب مبكراً في الساعة العاشرة إلا ربعاً. وفيما كنا نغادر المقصورة هزت رأسها وقالت بغضب: هذا المكان قذر. حتى لو كان ذلك الرجل يعرف شيئاً عن هذا المنزل فلن يكون ذلك هاماً أبداً، لأنه لم يعد قيد الاستخدام منذ سنة، وأضافت: يا إلهي كم أتوق للخروج من هذا المكان، شكراً على مساعدتك، وسارت مبتعدة.
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»موسوعه الصقور«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®» اللبيب مجلس الباديه والرحلات 25 03-11-2008 02:03 PM
كل ما تريد من الأذكـــــــــــــــــــار فارس الشواطي مجلس الإسلام والحياة 24 06-10-2008 05:30 PM
هدا مجموع ما يخص يوم عشوراء احببت ان انقله لكم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 04-10-2007 06:33 AM
الانترنت والتعليم ... معلومات وحقائق ... ملف اعجبني ... نسناس المجلس الـــــعــــــــام 7 18-09-2006 06:53 PM
الله وأكبر لاول مره لقاء صحفي شامل مع00000 يحيى بن عبدالرحمن آل شاهر مجلس الإسلام والحياة 5 31-08-2006 04:06 AM


الساعة الآن 04:16 PM

سناب المشاهير