رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
الخطبة عن الطلاق
الخطبة الاولى
أما بعد: أيها المسلمون، حديثي معكم اليوم عن كلمة طالما أبكت العيون وروعت القلوب، وفرقت الأسر ومزقت الشمل، يا لها من كلمةٍ صغيرة ولكنها جليلةٌ عظيمة خطيرة، هل تعلمون ما هي هذه الكلمة؟ إنها كلمة الطلاق، كلمةٌ أبكت عيون الأزواج والزوجات، وروعت قلوب الأبناء والبنات. أيستغرب أحدكم لو قيل له: إن كلمة من الكلمات تكون معولاً صلبًا يُهدم به صرح أسر وبيوتات؟! أيستغرب أحدكم لو قيل له: إن كلمة من الكلمات تنقل صاحبها من سعادة وهناء إلى محنة وشقاء؟! أيستغرب أحدكم لو قيل له: إن كلمة من الكلمات تحرك أفرادًا وجماعات، وتُنشئ تزلفًا وشفاعات لرأب ما صدعت وجمع ما فرقت؟! لا غرابة في ذلك لو عُلم أن تلكم الكلمة هي: كلمة الطلاق.
إنها كلمة أبكت عيونًا وأجهشت قلوبًا وروعت أفئدة، إنها كلمة صغيرة الحجم لكنها جليلة الخطب، إنها كلمة ترتعد الفرائص بوقعها؛ لأنها تقلب الفرح ترحًا والبسمة غُصّة.
إنها كلمة الطلاق، وما أدراك ما الطلاق. كلمة الوداع والفراق، والنزاع والشقاق، والجحيم والألم الذي لا يطاق.
فللَّه كم هدمت من بيوت للمسلمين، وكم قطّعت من أواصر للأرحام والمحبين، وكم فرّقت من شملٍ للبنات والبنين.
يا لها من ساعةٍ حزينةٍ، يا لها من ساعةٍ عصيبة أليمة ولحظة أسيفة يوم سمعت المرأة طلاقها، فكفكفت دموعها، وودعت أولادها، وفارقت زوجها ووقفت على باب بيتها، لتُلقي آخر النظرات، على بيتٍ مليءٍ بالذكريات، يا لها من مصيبةٍ عظيمةٍ حين تقتلع السعادة أطنابها من رحاب ذلك البيت المسلم المبارك.
أيها المسلمون، الزواج نعمةٌ من نعم الله ومنةٌ من أجلّ منن الله، جعله الله آية شاهدةً بوحدانيته، دالةً على عظمته وألوهيته، لكنه إنما يكون نعمةً حقيقية إذا ترسّم كلا الزوجين هدي الكتاب والسنة، وسارا على طريق الشريعة والملّة، ولكن ما إن يتنكب الزوجان أو يتنكب واحدٌ منهما عن صراط الله حتى تفتح أبواب المشاكل، عندها تعظم الخلافات والنزاعات، ويدخل الزوج إلى بيته حزينًا كسيرًا، وتخرج المرأة من بيتها حزينةً أليمةً مهانةً ذليلةً، عندها يعظم الشقاق ويكبر الخلاف والنزاع، فيفرح الأعداء ويشمت الحسّاد، وبعدها يتفرّق شمل المؤمنين وتتقطّع أواصر المحبين.
أيها المسلمون، لقد كثُر الطلاق اليوم، هل تعلمون لماذا؟ كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجًا يرعى الذمم، وعندما فقدنا الأخلاق والشيم، زوجٌ ينال زوجته اليوم فيأخذها من بيت أبيها عزيزةً كريمةً ضاحكة مسرورة، ويردها بعد أيام قليلةٍ حزينةً باكية مطلقة ذليلة.
كثر الطلاق اليوم حينما استخف الأزواج بالحقوق والواجبات، وضيّعوا الأمانات والمسؤوليات، سهرٌ إلى ساعات متأخرةٍ، وضياعٌ لحقوق الزوجات والأبناء والبنات، يُضحك البعيد ويبكي القريب، يؤنس الغريب ويوحش الحبيب.
كثر الطلاق اليوم حينما كثر النمّامون، وكثر الحسّاد والواشون.
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجًا يغفر الزلة ويستر العورة والهنة، حينما فقدنا زوجًا يخاف الله ويتقي الله ويرعى حدود الله ويحفظ العهود والأيامَ التي خلت والذكريات الجميلة التي مضت.
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، حينما أصبحت المرأة طليقة اللسان طليقة العنان، تخرج متى شاءت، وتدخل متى أرادت، خرّاجة ولاّجة، إلى الأسواق، إلى المنتديات واللقاءات، مضيعة لحقوق الأزواج والبيت، يا لها من مصيبةٍ عظيمةٍ.
كثر الطلاق اليوم حينما تدخّل الآباء والأمهات في شؤون الأزواج والزوجات، الأب يتابع ابنه في كل صغير وكبير، وفي كل جليل وحقير، والأم تتدخل في شؤون بنتها في كل صغير وكبير، وجليل وحقير، حتى ينتهي الأمر إلى الطلاق والفراق. إن مثل هذه التدخلات في الحياة الزوجية لهي مكمن الخطر لدى كثير من الأسر، فما بال الآباء والأمهات يهجمون على البيوت فيأتونها من ظهورها، ويمزقون ستارها، ويهتكون حجابها، وينتزعون الجرائد من أكنافها والفرائد من أصدافها، ويوقعون العداوة والبغضاء بين الأزواج.
كثر الطلاق اليوم لما كثرت المسكرات والمخدرات، فذهبت العقول، وزالت الأفهام، وتدنّت الأخلاق، وأصبح الناس في جحيم وألمٍ لا يطاق.
كثر الطلاق اليوم لما كثرت النعم، وبطر الناس الفضل من الله والكرم، وأصبح الغني الثري يتزوج اليوم ويطلق في الغد القريب، ولم يعلم أن الله سائله، وأن الله محاسبه، وأن الله موقفه بين يديه في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون ولا عشيرة ولا أقربون.
لقد كثر الطلاق اليوم لما فُقدت قوامة الرجل في بعض المجتمعات، إبان غفلةِ تقهقرٍ عن مصدر التلقي من كتاب وسنة، ورَكَنَ فئام من الناس إلى مصادر مريضة، قلبت مفاهيم العشرة، وأفسدت الحياة الزوجية، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وتولى كبر تلك المفاهيم الإعلام بشتى صوره، من خلال مشاهدات متكررة يقَعّدُ فيها مفاهيم خاطئة ومبادئ مقلوبة في العشرة الزوجية. والواقع أن داخل البيت المسلم يتأثر بخارجه، وتيارات الميوعة والجهالة إذا عصفت في الخارج تسللت إلى الداخل، فلم ينج من بلائها إلا من عصم الله.
الحياة الزوجية ـ أيها المسلمون ـ حياة اجتماعية، ولا بد لكل اجتماع من رئيس يرجع إليه عند الاختلاف في الرأي والرغبة، والرجل أحق بالرئاسة لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بما أودع الله فيه من ذلك، وإن ما تتلقنه المرأة من الأجواء المحيطة بها على منازعة الرجل قوامته لمن الانحراف الصرف والضلال المبين. إن قوامة الرجل في بيته لا تعني منحه حق الاستبداد والقهر، فعقد الزوجية ليس عقد استرقاق، ولا عقد ارتفاق لجسد المرأة، إنه أزكى من ذلك وأجل، وكل من الزوجين بشر تام، له عقل يفكر به وقلب يحب به ويكره، فوجب الحق للمرأة حتى مع قوامة الرجل، قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، كما أن قوامة الرجل لا تعني استغناءه عن زوجه، فالله عز وجل يقول: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].
أيها المسلمون، الطلاق مصيبة عظيمةٌ.
فيا من يريد الطلاق، اصبر فإن الصبر جميل، وعواقبه حميدةٌ من الله العظيم الجليل.
يا من يريد الطلاق، إن كانت زوجتك ساءتك اليوم فقد سرّتك أيامًا، وإن كانت أحزنتك هذا العام فقد سرّتك أعوامًا.
يا من يريد الطلاق، انظر إلى عواقبه الأليمة ونهاياته العظيمة، انظر لعواقبه على الأبناء والبنات، انظر إلى عواقبه على الذرية الضعيفة، فكم بُدد شملها وتفرّق قلبها بسبب ما جناه الطلاق عليها.
يا من يريد الطلاق، صبرٌ جميلٌ، فإن كانت المرأة ساءتك فلعل الله أن يخرج منها ذريةً صالحةً تقر بها عينك، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، قال: (هو الولد الصالح). المرأة تكون عند زوجٍ تؤذيه وتسبّه وتُهينه وتؤلمه، فيصبر لوجه الله ويحتسب أجره عند الله، فما هي إلا أعوامٌ حتى يقرّ الله عينه بذريةٍ صالحةٍ، وما يدريك فلعل هذه المرأة التي تكون عليك اليوم جحيمًا لعلها أن تكون بعد أيام سلامًا ونعيمًا، وما يدريك فلعلّها تحفظك في آخر عمرك. اصبر فإن الصبر عواقبه حميدةٌ، وإن مع العسر يسرًا.
فإذا أردت الطلاق فاستخر الله وأنزل حوائجك بالله، واستشر العلماء وراجع الحكماء، والتمس أهل الفضل والصلحاء، واسألهم عمّا أنت فيه، وخذ كلمة منهم تثبتك ونصيحةً تقوّيك.
فإن كنت مريدًا للطلاق فخذ بسنة النبي ، طلّقها طلقةً واحدةً في طهر لم تجامعها فيه، لا تطلّقها وهي حائضٌ، فتلك حدود الله، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]. وإذا طلقتها فطلقها طلقة واحدةً لا تزيد، جاء رجل إلى ابن عباس فقال: يا ابن عباس، طلقت امرأتي مائة تطليقة، فقال : (ثلاثٌ حَرُمَت بهن عليك، وسبع وتسعون اتخذت بها كتاب الله هزوًا).
أيها المسلمون، اللجوء إلى الطلاق كاللجوء إلى بتر عضو من الجسم، فهو الحل الأخير للضرر الذي يصيب أحد الزوجين أو هما معًا، ومن حكمة الله تعالى أن جعل الطلاق ثلاث مرات، قال تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]. سأل أبو رزين الأسدي النبي قائلاً: سمعت الله يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فأين الثالثة؟ فقال : أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ رواه أبو داود.
الطلاق يكون حرامًا إذا كان لغير سبب أو ضرورة، فالزواج نعمة، والطلاق من غير حاجة إليه فيه ضرر على الزوج والزوجة، ونبينا يقول: ((لا ضرر ولا ضرار)). ونرى اليوم مع الأسف بعض الرجال ممن لم يُقدّر إكرام الله له بجعل الطلاق بيده يتسرع في إيقاع الطلاق لأتفه الأسباب، غير ناظر إلى ما يجره ذلك من نتائج وخيمة عليه وعلى زوجه وذريته، فهو إن باع أو اشترى حلف بالطلاق، وإن أراد أن يُنزل أحدًا على رغبته طلق، أو أراد منع زوجته من شيء حلف وطلق، بل ربما مازح بعض زملائه بالطلاق، أو راهن بالطلاق، فيعود إلى بيته والمسكينة منتظرة إياه متزينة له معدة طعامه، فيُروّعها ويقول لها: احتجبي عني والحقي بأهلك فقد طلقتك.
وربما ثار فيطلق ثلاثا بلفظ واحد متكرر غير آبه لذلك ولا مهتم أنه طلق طلاقًا بدعيًا، ناسيًا أن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، فإذا ما هدأت نفسه وتذكر صيحات أطفاله يركضون ويلعبون ببراءة في جنبات البيت وتذكر ما كان غائبا عن ذهنه حين الغضب من صفات زوجته الحميدة، إذا ما تذكر كل هذا عض أصابع الندم، وذرف دموع الحسرة والألم، وسارع يلتمس الفتاوى لإرجاعها، ويتتبع الآراء الضعيفة، مذلاً نفسه مضيعًا وقته، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المسلمون، من أشد أنواع الطلاق الطلاق التعسفي؛ إذ هنالك حالتان يكون الطلاق فيهما تعسفًا وعدوانًا:
أولها: الطلاق حال مرض الموت، الذي يطلق زوجته طلاقًا بائنًا في مرض موته ليَحرِمها من إرثها منه، فيقترف عدوانًا لا يرضاه الله وتأباه المروءة.
والحالة الثانية من حالات طلاق التعسف: أن يطلقها لسبب غير معقول، فقد تكون فقيرة أو عجوزًا لا أمل من زواجها مرة ثانية، فبقاؤها من غير زوج ينفق عليها إضرار بها ولؤم في معاملتها، وهو آثم بلا شك فيما بينه وبين الله تعالى؛ إذ استغل زهرة شبابها، ولم يكن عندها ما يحفظ لها كرامتها.
لقد أكرم النبي امرأة عجوزًا زارته، ولما سألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال: ((إنها كانت تغشانا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان)).
أيها المسلمون، إن الله عز وجل لم يخلق الزوجين بطباع واحدة، والزوجان اللذان يظنان أنهما مخلوق واحد يعيشان في أوهام؛ إذ كيف يريد منها زوجها أن تفكر برأسه؟! وكيف تريد هي منه أن يحس بقلبها؟! وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
إن النسيم لا يهب عليلاً داخل البيت على الدوام، فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع، وإن ارتقاب الراحة الكاملة نوع وهم، ومن العقل توطين النفس على قبول بعض المضايقات، وترك التعليق المرير عليها، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، وقال رسول الله : ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر)) رواه مسلم.
ومن يتتبّع جاهدًا كلَّ عثرةٍ يجدها ولا يسلم له الدهرَ صاحبٌ
اللهم أصلح نياتنا، اللهم أصلح أزواجنا وذرياتنا، وخذ بنواصينا إلى ما يُرضيك عنا.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة...ونفعني واياكم بمافيهما من الآيات والحكمة اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطبة الثانية
أما بعد: عباد الله، إن العلاقات الزوجية عميقة الجذور بعيدة الآماد، فرحم الله رجلاً محمود السيرة طيب السريرة، سهلاً رفيقًا لينًا رؤوفًا، رحيمًا بأهله، لا يكلف زوجته من الأمر شططا، وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها غلطا، ولا تُحدِث عنده لغطا، قال رسول الله : ((إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرّها)) رواه مسلم، وقال : ((إذا صلت المرأة خمسها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)) رواه ابن حبان.
وبهذا كله يفهم الرجل أن أفضل ما يستصحبه في حياته ويستعين على واجباته الزوجة اللطيفة العشرة القويمة الخُلق، وهي التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره. إن هذه الزوجة هي دعامة البيت السعيد وركنه العتيد، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
فيا أيها الناس، إن أحدنا لتمر عليه فترات لا يرضى فيها عن نفسه، ولكنه يتحملها، يتعلل بما يَحضُره من المعاذير، وإذا كان الأمر كذلك فليكن هذا هو الشأن بين الزوجين، يلتمس كل منهما لقرينه المعاذير، فإن المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات، ولا بد من غض الطرف عن الهفوات حتى تستقيم العشرة.
فمن ذا الذي ما ساء قَطْ؟! ومن له الحسنى فَقَطْ؟!
ولا شيء يخفف أثقال الحياة وأوزار المتاعب عن كاهل الزوجين كمثل أحدهما للآخر، ولا شيء يعزي الإنسان عن مصابه في نفسه وغيره مثل المرأة للرجل والرجل للمرأة، فيشعر المصاب منهما بأن له نفسًا أخرى تمده بالقوة وتشاطره مصيبته.
فهذه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها زوج النبي كانت له في المحنة قلبَه العظيم، وكانت لنفسه كقول: نعم، فكأنما لم تنطق قطّ: لا، إلا في الشهادتين، وما زالت رضي الله عنها تعطيه من معاني التأييد والتهوين، كأنما تلد له المسرات من عواطفها كما تلد الذرية من أحشائها، بمالها تواسيه، وبكلامها تسليه: (كلا والله، لا يخزيك الله أبدا؛ إنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق).
وحدث أنس بن مالك عن أمه أم سليم بنت ملحان الأنصارية رضي الله عنهما قال: مرض أخ لي من أبي طلحة، يدعى أبا عمير، فبينما أبو طلحة في المسجد مات الصبي، فهيأت أم سليم أمره، وقالت: لا تخبروا أبا طلحة بموت ابنه، فرجع من المسجد وقد تطيبت له وتصنّعت، فقال: ما فعل ابني؟ قالت: هو أسكن مما كان، وقدمت له عشاءه، فتعشى هو وأصحابه، ثم أتما ليلتهما على أتمّ وأوفق ما يكون، فلما كان آخر الليل قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان، استعاروا عارية فتمتعوا بها، فلما طُلبت إليهم شق عليهم! قال أبو طلحة: ما أنصفوا، قالت: فإن ابنك فلانا كان عارية من الله فقبضه إليه، فاسترجع وحمد الله وقال: والله، لا أدعك تغلبينني على الصبر، حتى إذا أصبح غدا على رسول الله فلما رآه قال: ((بارك الله لكما في ليلَتَكما)) متفق عليه.
الله أكبر، بمثل هذا فلتكن العشرة أيها الأزواج، بمثل هذا فلتكن الحياة الهانئة السعيدة في النفس والولد والمال.
ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن لكلا الزوجين حقًا على الآخر، فحق على الزوج أن ينفق عليها، ولا يكلفها من الأمر ما لا تطيق، وأن يسكنها في بيت يصلح لمثلها، وأن يعلّمها ويؤدّبها، ويغار عليها ويصونها، وأن لا يتخوّنها ولا يلتمس عثراتها وأن يعاشرها بالمعروف، قال رسول الله : ((استوصوا بالنساء خيرا)) متفق عليه، وسُئل : ما حقّ امرأة أحدنا عليه؟ قال: ((تطعمُها إذا طَعِمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت)) رواه أبو داود.
ومن حق الزوج على زوجته أن تطيعه في المعروف، وأن تتابعه في مسكنه، وأن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه، وأن لا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه، وأن لا تخرج بغير إذنه، وأن تشكر له نعمته عليها ولا تكفرها، وأن تدبّر منزله وتهيئ أسباب المعيشة به، وأن تحفظه في دينه وعرضه، وأن لا تحمله فوق طاقته فبعض النساء إذا رأت زوجها يحاول ارضائها يدخل يسمع الطلبات ويخرج ومعه ورقه فيها طلبات واتصال بالجوال ورسائل كلها طلبات هذه من اسباب تدهور المحبة بين الزوج وزوجته فعلى المرأة ان تراعي لتكسب حب الزوج ورضاه قال رسول الله : ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)) رواه الترمذي والحاكم، وقال : ((خير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) رواه مسلم، وقال : ((لو كنتُ آمرا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها)) أخرجه الترمذي وهو صحيح.
اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه