-
في الصباح التالي لم أعثر على قهوة في المطبخ وكان ذلك مزعجاً لأنني تعودت على أن أبدأ يومي بفنجان قهوة. كل ما وجدته كان أكواماً من زجاجات المشروب الفارغة وأكداساً من علب الأطعمة المثلجة. ومع ذلك بحلول الساعة 6.20 صباحاً كنت مستعداً مع زميلي مارك في لباسنا العسكري الكامل وشاركنا مجموعة من اللغويين الآخرين في تناول الإفطار الذي كان جيداً في صالة مطلة على الخليج, كانت الشمس لاتزال تشرق فوق الماء, وبالرغم من خيبة الأمل الناتجة عن عدم تحويلي إلى فريق التحقيق وبعض الأمور المزعجة الأخرى التي حصلت يوم أمس, إلا أنني شعرت بالحماس لتأدية هذه المهمة: ستة أشهر من الخبرة القيمة والمعارف وبعدها أغادر هذا المكان بعد أن أكون قد ساهمت بشكل ما في محاربة الإرهاب.
التقيت اللغوي التركي (الذي ينادونه تورك) وأحمد وعدداً آخر من زملائنا في الفريق في نقطة التجمع حيث تأتي سيارة لتقلنا يومياً إلى كامب دلتا, عرفنا تورك على بعض أعضاء الفريق الذين لم يكونوا موجودين في حفلة العشاء أمس, واتضح أن لغوياً كان معي خلال فترة التدريب, واسمه دان إيستلاند, وزوجته فانيسا وهي لغوية أيضاً, كانا موجودين في الفريق. لم أكن أعرف دان جيداً ولكني كنت قد سمعت أنه شخص مثير للاهتمام وذكي, كما أنني لم أكن قد التقيت مع فانيسا من قبل, تعرفنا أيضاً إلى آدم غازي, وهو لبناني أمريكي من نيويورك, وكان دائم الحديث عن أمله في أن يصبح ضابطاً أو يفتح مشروعاً تجارياً لنفسه في المستقبل. إيلينا بوكروفسكي كانت لغوية تتحدث الروسية وكانت هادئة تفضل عدم التكلم كثيراً, أما مو بشير فهو مصري أمريكي كان من المارينز وانضم إلى الفريق للحاجة إليه, كان الجميع في العشرينيات من أعمارهم.
انضم إلينا الكابتن منصور ودهشت لأنني أنا ومارك كنا الوحيدين اللذين قمنا بأداء التحية العسكرية له مع أنه لم يمانع أبداً. كانت تلك أقل تركيبة قيادة انضباطاً رأيتها. معظم زملائي لم تكن لديهم خبرة في الاستخبارات وكانوا هنا فقط لأنهم كانوا يجيدون لغة أخرى مطلوبة غير الإنجليزية.
كنا أنا ومارك ودان وفانيسا ولغويان آخران لم نكن قد التقيناهما بعد الوحيدين الذين كانت لدينا خبرة في مجال الاستخبارات.
بعد أن صعدت إلى المقعد الخلفي, ألقى إلي مو بشير شريطاً لاصقاً أخضر وقال لي ولمارك أن نستخدمه لتغطية أسمائنا على لباسنا العسكري. فاجأني أنني على وشك دخول مكان لا أريد أحداً فيه أن يعرف اسمي.
قال مو "اختر اسماً عربياً يناديك به المعتقلون خلال الأشهر الستة القادمة" ومن أجل البساطة اخترت اسم أحد المدرسين العرب الذين علموني خلال فترة التدريب - بسام. أما مارك فاختار أن يسمي نفسه اسماً استفزازياً - أبوكافر, رغم أن الآخرين قالوا له إن هذه فكرة سيئة. في الطريق مررنا قرب معسكر كامب إكس راي حيث كان المعتقلون في البداية وضعوا فيه من يناير حتى أبريل 2002 حين افتتح كامب دلتا, كان إكس راي خليطاً من الأسلاك الشائكة والزنزانات المعرضة لتقلبات الطقس ودلاء صغيرة تستخدم بدلاً من الحمامات, كان يشبه ملجأ للحيوانات في حي سيئ أكثر منه مكاناً يوضح فيه البشر.
تحدث إلينا الكابتن منصور حول العمل في الطريق أنا ومارك, وشرح لنا أننا سنعمل في نوبات طولها اثنتا عشرة ساعة عمل لكل نوبة في الساعة السابعة صباحاً وحتى التاسعة مساء, وذلك بواقع يومي عمل وبعدها يومان استراحة. خلال نوبة العمل, يجلس ستة منا في مكتب صغير قرب الزنزانات ومعنا أجهزة لاسلكي. ننتظر هناك أن يطلبنا حارس أو اختصاصي صحة أو غيرهما ليقولوا لنا إنهم بحاجة إلينا مع أحد المعتقلين, وعندها نذهب ونترجم ما هو مطلوب. جائزة الترضية لعدم كوننا في فريق التحقيق هي أن برنامج عملنا كان أسهل مما توقعنا. سيكون لدي متسع من الوقت لأقرأ وأسبح وأذهب إلى صالة الرياضة.
وصلنا إلى أول نقطة تفتيش ونحن في طريقنا إلى كامب دلتا وكان فيها اثنان من الشرطة العسكرية بسلاح القتال الكامل وكانا يحملان بنادق إم - 16 جاهزة للاستخدام. قام أحدهما بتفحص بطاقاتنا وتصاريح المرور فيما قام الآخر بتفتيش مؤخرة السيارة, وبعد ذلك أشارا إلينا بالمتابعة. بعد حوالي خمسين متراً من نقطة التفتيش على اليسار, رأيت حاجزاً من أكياس الرمل بارتفاع حوالي ثمانية أقدام وطول ثلاثين قدماً - موقع قتالي تمت تهيئته تحسباً لأي طارئ. كان هناك عادة جنود وبنادقهم مصوبة باتجاه نقطة التفتيش جاهزون لإطلاق النار على أي سيارة تحاول أن تخترق الحاجز.
أخيراً بدا حاجز كامب دلتا للعيان. حاجز مركب ارتفاعه اثنا عشر قدما فيه عدة صفوف من الأسلاك الشائكة. كان الحاجز مغطى بقماش أخضر حتى لا يستطيع المرء الرؤية من خلاله, وكانت أبراج الحراسة منتشرة على مسافة حوالي ثلاثين قدماً بين البرج والآخر, وكل برج بجانبه علم أمريكي وبداخله عدد من الحراس مع بنادقهم إم - 16 الجاهزة. كانت هناك لوحة بسيطة بيضاء على الحاجز مكتوب عليها كامب دلتا: قوام المهام المشتركة في جوانتانامو باي, كوبا. توقفنا في موقف السيارات المغطى بالحصى أمام المعسكر ومشينا باتجاه البوابة وفي أيدينا البطاقات والتصاريح. معظم أفراد الشرطة العسكرية الذين التقيتهم حتى الآن كان يبدو عليهم أنهم غير سعداء, لا أستطيع أن أقول إنني ألومهم. العديد منهم كانوا يقفون خارجاً طوال نوبة عملهم يفتحون البوابة ويغلقونها والحرارة كانت لا تطاق رغم أن الساعة لم تكن قد تجاوزت السابعة صباحاً.
كانت البوابة مغلقة بقفلين كبيرين من الفولاذ قام الحارس بفتحها ورمقني بنظرات فارغة عندما قلت "صباح الخير" لم تكن البوابة تؤدي مباشرة إلى المعسكر ولكن إلى ساحة مسورة أخرى لها بوابة أخرى في الطرف الآخر على بعد حوالي عشرة أمتار. هذا النظام من البوابات المزدوجة كان سائداً في جميع أنحاء المعسكر. كان على عنصر الشرطة العسكرية الذي أدخلنا أن يغلق البوابة الأولى قبل أن يستطيع المشي إلى البوابة الأخرى ليفتحها. وفي تلك الأثناء, قام عنصر آخر من الشرطة العسكرية بتفتيش حقائبنا للتأكد من أننا لا نحمل كاميرات تصوير أو آلات إلكترونية. مررنا عبر البوابة الثانية وفي الداخل, داخل الأسلاك الشائكة.
كان المشهد أمامي غير واقعي. على مسافة نصف ميل إلى الأمام كان يمكن رؤية المشهد الخلاب للبحر الكاريبي الأزرق الصافي وهو يتلألأ في ضوء الشمس, الجنة الاستوائية لخليج جوانتانامو ولكن على المدى القريب والمتوسط, وكان هناك سجن قامت شركة هاليبورتون ببنائه في أشكال بيضاء معدنية. كانت الأرض مغطاة بالحصى والغبار. كان الموقع وليس الأبنية قد استخدم لإسكان آلاف اللاجئين في هايتي في أوائل عام 1990.
كان هناك طريقان مرصوفان بالحصى باتجاه المياه وكان كل منهما بعرض ثلاثين قدماً. وعلى طرفي الطريقين أبنية شبيهة بالعربات المقطورة, وكان حوالي خمسة منها على كل جانب. شرح الكابتن منصور لي ولمارك أن هذا هو مجمع الزنزانات التي تحوي حوالي 600 معتقل من أكثر من أربعين دولة. كانت الأبنية مصنوعة من حاويات الشحن القديمة التي تم قطعها بالنصف طولياً وتم لصق نهاية كل طرف بالآخر. كل زنزانة كانت مسورة بشكل إفرادي وأمامها ساحة صغيرة من الإسفلت حجمها نصف حجم ملعب كرة السلة, وهناك حمامان (دشان) أيضاً في الهواء الطلق في الخلف. وعلى جانبي الطريق بينه وبين الزنزانات كان هناك ممر مسور, وكان هناك بوابات أمام كل زنزانة, وكان عناصر الشرطة العسكرية يقومون بالدورية في هذا الممر, وللدخول إلى هذه المتاهة كلها, يجب أن يدخلك أحد عناصر الشرطة العسكرية أولاً إلى أحد الطرق الواسعة المركزية من خلال بوابة مزدوجة حجمها أصغر قليلاً من البوابة الرئيسية لكامب دلتا. بعد ذلك يلتقيك عنصر آخر من الشرطة العسكرية على بوابة مجمع الزنزانات التي تتجه إليها ويسمح لك بالدخول أولا إلى الممر الضيق وبعد ذلك إلى منطقة مجمع الزنزانات. كنت أرى أن الحراس كانوا يمضون وقتا صعبا ومزعجا وهم يقومون بالدورية في هذه الممرات الضيقة بشكل دائم ويفتحون البوابات للآخرين. لا عجب في أن الضيق كان باديا على وجوههم.
بين البوابة الرئيسية لكامب دلتا والزنزانات كانت هناك مجموعات من الأبنية الشبيهة بالمقطورات والأكواخ المعدنية. أشار الكابتن منصور إلى العيادة الطبية الخاصة بالمعتقلين على يسارنا وإلى أبنية التحقيق والإدارة أمامنا وعلى يميننا. أول زنزانة على اليسار هي زنزانة دلتا، حيث يوضع أكثر المعتقلين اضطرابا لأنها كانت قريبة من العيادة الطبية. تبادلت النظرات مع مارك وكأننا نتساءل كيف يمكن أن يكون أولئك الأشخاص.
رأيت معتقلا يصطحبه أحد الحراس إلى العيادة، وكان يرتدي اللباس البرتقالي الفاقع المألوف في شاشات التلفزيون. كان نحيلا وظهره محني، وشعره طويل وخشن ولحيته سوداء مائلة إلى اللون الأشيب، كانت قدماه مقيدتين ويداه مقيدتين. كان الحارس يقبض على ذراعه بقوة. تمنيت لو كنت في مكان آخر. ربما ألعب الجولف.
كانت تلك المرة الأولى من ألف مرة شعرت فيها أن التاريخ كان يلتقط صورة وثائقية. كنت أقف في مكان فريد تماما في التجربة الأمريكية.
قال الكابتن منصور إنه يريدني أنا ومارك أن نؤدي اختبارا في ترجمة الرسائل من وإلى المعتقلين من العربية إلى الإنجليزية قبل أن نبدأ العمل في الزنزانات. تتم عادة ترجمة الرسائل ثم تحول إلى وحدة تحليل المعلومات لتقرير فيما إذا كان الكاتب يحاول نقل رسالة مشفرة. عمل ذلك كان يتطلب كفاءة عالية في اللغة العربية ولم أكن متأكدا أن لغتي كانت بذلك المستوى.
كان أحمد الحلبي عماد مكتب ترجمة الوثائق. قال إن لديه ركاماً من الرسائل غير المنجزة كبيرة لدرجة أن رسالة المعتقل إلى أهله لم تكن تغادر المعسكر إلا بعد أشهر. سأله مارك إذا كان يعمل وحده هناك فقال أحمد "هناك شخصان آخران يساعدان أحيانا، لكنني الوحيد الذي لدي كمبيوتر، لذلك على الآخرين الترجمة بخط اليد".
قال أحمد إنه يطبع الرسائل على الكمبيوتر بالإنجليزية وهو يترجمها، وذلك كان أسرع من كتابتها، "حيث إن لدينا نقصاً في أجهزة الكمبيوتر، قالت لي القيادة إن بإمكاني إحضار الكمبيوتر المحمول الخاص بي لكننا لم نتمكن من الحصول على أجهزة أخرى".
كنت قد أحضرت جهاز الكمبيوتر الخاص بي معي إلى جيتمو وسألته إذا كان بإمكاني إحضاره. أجاب أحمد: "أنا متأكد أنهم سيسمحون لك بذلك. ولكن أحرص على الحصول على تصريح خطي قبل أن تفعل ذلك. كان علي أن أوقع مجموعة من النماذج والاستمارات وأحصل على موافقة القيادة قبل أن أحضر جهازي".
قررت أن الأمر لا يستحق كل ذلك التعب. تخيلت ما يمكن أن يحدث بعد ستة أشهر عندما أبدأ بإجراء التصريحات الأمنية لمغادرتي للجزيرة إذا استخدمت جهاز الكمبيوتر الخاص بي لترجمة رسائل المعتقلين.
أعطانا أحمد فكرة عن نوعية الرسائل التي سوف نقرؤها. غالبا ما يقوم المعتقلون أو أهاليهم باقتباس نصوص من القرآن ويكتبون عن اشتياقهم لأحبائهم وعن إحباطهم بسبب اعتقالهم الذي يبدو بلا نهاية واضحة، قلت إن العمل كان بسبب الكآبة. قال أحمد "معظم اليوم إما أن أقوم بقراءة رسالة من طفل في العاشرة من عمره يخبر أباه كيف أنه سيعتني بوالدته إلى أن يجتمعوا معاً مرة أخرى، أو رسالة من معتقل يقول إلى أي حد يفتقد عائلته وكم يعامل بشكل سيئ هنا. أحيانا تصل رسالة من عم معتقل أو ابن عمه تشجعه ليكون قويا في إيمانه ويذكرونه أنه كلما كانت المعاناة أكبر كان الجزاء عليها أكبر".
كان بإمكاني رؤية التوتر في وجه أحمد. كان العمل مزعجا لأي شخص لكنه بالتأكيد أسوأ بكثير لمسلم ملتزم. سأله مارك: لماذا لا تعمل في الزنزانات عوضا عن ذلك؟ أجاب أحمد: "كنت أفعل ذلك. لكن ذلك أزعجني أكثر، لذلك فكرت في أنني سأكون في وضع أفضل هنا. كان من الصعب رؤية معاناتهم. إذا كانوا مذنبين فأنا بالتأكيد لا أوافق على ما فعلوه، لكنهم بشر مع كل ذلك".
لاحظت فجأة أنني لا أرغب في متابعة هذه المحادثة، ليس مع شخص قابلته للتو وليس قبل أن أكون فكرتي الخاصة عن المعسكر.
تابع أحمد "لدينا أشخاص كبار في السن هنا. رجال في الخمسين والستين، ولدينا أطفال هنا أيضاً. أتساءل فقط إذا كان هؤلاء فعلا أسوأ السيئين. لذلك قلت للكابتن منصور إنني أعتقد أن من الأفضل أن أعمل في مكان بعيد عن الزنزانات.
عرفت أن أحمد كان قد وصل قبل أربعة أسابيع في منتصف نوفمبر. طلبت منه وحدته في القوة الجوية أن يتطوع وأن بلده يحتاج إليه. وعدوه أن تكون مهمته تسعين يوما فقط، وهي الفترة الطبيعية لأي شخص قادم من القوة الجوية (ليس مثل مهمتي لستة أشهر). تساءلت عما كان وجود أحمد هنا يعني بالنسبة إليه. كان من الواضح أنه أمريكي حقيقي، حيث إنه عاش في الولايات المتحدة منذ سنوات المراهقة... لا شك أنه يحب أمريكا لكن موقفه كان غير مستقر، أعطي له تصريح أمني مؤقت، لكنه لم يخضع لتدريب استخباراتي، وبدا غير مستعد للتعامل مع الضغوط النفسية التي يتعرض لها. في الظروف العادية لم يكن يمكن لأحمد الحصول على تصريح أمني لأنه كما عرفت بعد ذلك، كان قد خطب امرأة سورية. الدوائر الاستخباراتية تعتبر أي علاقة قريبة من شخص أو بلد أجنبي مثل سوريا مثيرة للشبهة بحد ذاتها.
أشار أحمد إلى كومة من الرسائل وأخرجنا أنا ومارك القواميس وبدأنا العمل. جميع الرسائل كانت بخط اليد وكان من الصعب جداً قراءتها، ولكن لحسن الحظ، فيما بعد ذلك الصباح، نجونا أنا ومارك عندما تم استدعاؤنا إلى اجتماع للقادمين الجدد مع كبير الأطباء النفسيين في المعسكر.
استمعنا بانتباه للطبيب النفسي وهو يتحدث عن الحاجة لحراسة مشاعرنا في المعسكر، وأن نحرص على ألاَّ نسمح للمعتقلين باستغلالنا وحذرنا أيضاً من السماح لأنفسنا بالتعاطف معهم. طلب منا أن نسعى لطلب المساعدة من اختصاصي، إذا أحسسنا بزيادة الضغوط.
ذلك كان كل التدريب الذي سنحصل عليه حول العواقب العاطفية للعمل في جيتمو. خمس وأربعون دقيقة فقط من طبيب نفسي عسكري كان من المفترض أن تهيئنا لمواجهة أفراد قيل لنا إنهم ساعدوا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر وللتعامل مع الحالات الذهنية لرجال يتعرضون لتحقيق مكثف وهم في الأسر على تراب أجنبي، لكن تلك كانت طريقة الجيش، كما جربتها عدة مرات من قبل.
بعد الغداء سألنا الكابتن منصور رأينا في الاجتماع مع الطبيب النفسي، أجاب مارك "مثير للاهتمام يا سيدي. أشعر الآن أنني مستعد عقليا وعاطفيا لمواجهة الأشرار".
كنت جنديا ملتزما بالتعليمات، لكنني كنت أستمتع بنوبات ثورة مارك. تساءلت فيما إذا كان قد تعرض لأي متاعب بسبب ذلك. قال لنا الكابتن منصور إننا سوف ننضم إلى الفريق في الزنزانات بعد الظهر.
كانت فانيسا رئيسة نوبة خدمة الزنزانات وكان مو وتورك وآدم موجودين أيضاً، مكتب اللغويين، واحد من عدة غرف في المبنى الصغير، كان بطول اثني عشر قدما وعرض عشرة أقدام وكان مفروشا بطاولة معدنية قابلة للطي وبعض الكراسي القابلة للطي فقط. على الجدار كان هناك لوح أبيض لكتابة اسم أي لغوي يستدعى وجوده، وكانت هناك مكتبة صغيرة فيها بعض القواميس، لم يمض على وصولي مع مارك إلى الغرفة سوى دقائق قليلة عندما تم طلب لغوي. تطوع مو للذهاب وقال لي إن أحضر معه. ذهبنا معاً على الحصى إلى البوابة إلى أحد الممرات بين الزنزانات. فتح لنا عنصر الشرطة العسكرية البوابة الأولى ودخلنا إلى الساحة المغلقة، بعد ذلك أغلق البوابة خلفنا وفتح البوابة الثانية. مشينا إلى البوابة المزدوجة إلى مجمع زنزانات إيكو وفتح لنا عنصر آخر في الشرطة العسكرية البوابة. قال لنا الحارس في أي زنزانة يوجد المعتقل الذي طلب المترجم".
كانت أرضية مجمع الزنزانات المعدنية تطلق صدى عندما كانت أحذيتنا العسكرية اللماعة ترتطم بها. كانت زنزانات من الشبك الفولاذي الأخضر الشاحب تمتد على طول المجمع على الجانبين، وكان في كل زنزانة معتقل واحد ويوجد بطاقات باسم كل معتقل على باب زنزانته. كانت الزنزانات صغيرة بطول ثمانية أقدام وعرض ستة أقدام ونصف القدم، وفيها أسرة معدنية مثبتة على الجدران الشبكية الفولاذية، وكانت هناك حمامات صغيرة مثبتة على الأرضية، والمغاسل منخفضة نحو الأرض.
كنت على وشك أن أسير إلى وسط حوالي 600 رجل، جميعهم تربطهم كراهية مزعومة للولايات المتحدة، ولم أكن أشك أنهم سيقتلونني لو أتيحت لهم الفرصة. بعضهم ربما كان قد ساعد في التخطيط لاختطاف تلك الطائرات والآن أنا قادم لأراهم وجهاً لوجه.
كانت الرائحة لا تحتمل ونحن نمشى بين الزنزانات. لم يكلف معظم المعتقلين أنفسهم حتى مشقة النظر إلينا، لكن بعضهم نظر إلي بفضول. كنت الشخص الجديد في العمل. حاولت أن أراقبهم دون أن أنظر في عين أي منهم، لم أكن مستعداً كفاية بعد. بعضهم كان يقرأ القرآن.
كان المعتقل الذي طلبنا في منتصف الثلاثينات من العمر. كانت له لحية سوداء طويلة مع بعض الشيب فيها. اشتكى أنه طلب رؤية الطبيب عدة مرات لكن اسمه لم يدرج على اللائحة. وفيما كنت أستمع، وأختبر نفسي لأعرف كم أفهم، بدأ معتقل آخر على بعد أربع زنزانات يصيح: "أيها المترجم، أيها المترجم". قال لي مو "إيريك، لماذا لا تذهب وترى ماذا يريد؟ أخذت نفساً عميقاً وقلت: "ذلك سيكون ممتعاً".
مشيت إلى المعتقل وقلت: "أهلاً وسهلاً. شو أنت عايز؟" فوجئ لأنني أتكلم العربية. سألني: "أنت جديد،من أين أنت؟" تجنبت الحديث عن نفسي، وفكرت أن عليّ فقط أن أعرف لماذا طلب مترجماً، وأنقل المعلومة. قلت له: "نعم أنا جديد. ماذا أستطيع أن أفعل لك؟" قال لي "هل تعرف لماذا أنا هنا؟" قلت: "لا أستطيع أن أساعدك في ذلك، أنا مجرد مترجم". سألني: "من أين أنت؟". سألته متجاهلاً استفساره "ماذا تريد؟" عند ذلك سألني: "هل الشقراء متزوجة؟" كان يتحدث عن فانيسا، التي كان المعتقلون يحبونها. كانت مرحة معهم وكانت تحاول حل مشاكلهم. وبصراحة، كانوا يحبون التحدث مع امرأة أمريكية جميلة - كانت فانيسا شقراء وعيناها زرقاوان وقوامها ممشوق.
تابعت رفضي للإجابة على أسئلته، وعندما لاحظ أنني على وشك الانصراف قال: "اطلب من المسؤول عن المكتبة أن يحضر لرؤيتي".
لم أكن أعرف ما أتوقعه من معتقلين إرهابيين، لكنني عرفت أن ذلك لم يكن ما توقعته، ذلك الرجل أراد فقط أن يتحدث عن شيء ما ليحول انتباهه ويشغل نفسه. قال لي مو إن مثل هذه الأحاديث مع المعتقلين كانت كثيرة. وفي وقت لاحق في ذلك الصباح ذهبت تلبية لطلب معتقل اسمه زياد، قلت له وأنا أقترب منه "السلام عليكم". قال لي "وعليكم السلام". سألته "ماذا أستطيع أن أفعل لك؟" قال لي "هل تعرف لم أنا هنا؟" رددت عليه لا أستطيع أن أساعدك في ذلك". سألني "هل أنت متزوج؟". أجبت "لا. ماذا تريد؟" قال لي "هل أنت من تكساس مثل جورج بوش؟". أجبت "لا. اسمع إما أن تقول لي ماذا تريد أو أنني سأنصرف". عند ذلك قال "أحتاج إلى كتاب جديد. أنهيت هذا الكتاب". قلت له منصرفاً "سأخبر المسؤول عن المكتبة".
كنت مستغرباً لمدى نجاح لغتي العربية باللكنة الأمريكية مع المعتقلين، لكني كنت ما أزال قلقاً من أنني سأجد صعوبة في فهم بعض اللهجات. أحد الأسئلة التي كان المعتقلون يرددونها بصورة جنونية في ذلك اليوم، وكما اكتشفت لاحقاً كل يوم، كان "لماذا أنا هنا؟".
في الساعة الثانية عشرة ظهراً ارتفع تسجيل لأذان الظهر من مكبرات الصوت ليتردد في جميع أنحاء المعسكر. أدهشني ذلك. فوجئت بأننا نقدم ذلك التنازل للتعصب الديني للإرهابيين. بعد أن تعرفت على الإسلام المتطرف خلال وجودي في القاهرة، بدا لي أن قيادة المعسكر كانت تساعد على تسهيل تكريس الإرهابيين الديني، في الوقت الذي توقعت فيه أن يبعدوهم تماماً عنه.
كانت ممارسة الطقوس الإسلامية منتشرة في المعسكر. ليس فقط كان هناك تسجيل للأذان يسمع خمس مرات في اليوم من مكبرات الصوت، ولكن كان هناك سهم في كل زنزانة يشير إلى مكة، وكان هناك سجادة صلاة وقبعة ونسخة من القرآن لكل معتقل. كان ذلك جواً استفزازياً من الناحية الدينية لأي شخص غير مسلم أو لا يمارس الطقوس الإسلامية.
بعد ظهر ذلك اليوم دخلت فانيسا غرفة اللغويين وقد بدا عليها الغضب وهي تقول: "هؤلاء الحراس تافهون".
سأل آدم: "ماذا حدث الآن؟". قالت فانيسا "أحد هؤلاء حطم بسكويت أحد المعتقلين مرة أخرى قبل أن يعطيه وجبة طعامه الجاهزة. كل ما يفعله مثل هذا التصرف هو أن يجعل مهمتنا أصعب".
كنت قد لاحظت أن الحراس لديهم مشاعر عدائية كثيرة، وسألت فانيسا إذا كان عناصر الشرطة العسكرية يقضون كل يومهم وهم متضايقون وغاضبون. أجاب مو وفانيسا "نعم" في نفس الوقت.
أضافت فانيسا "إن ما يزيد الأمور سوءاً أن قادة الشرطة العسكرية يقولون لهم كل يوم إن هؤلاء الرجال هم نفس الأشخاص المسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر. لو أني كنت أصدق ذلك، لشعرت بالرغبة في تحطيم طعامهم أيضاً". تساءلت كم كانت تعرف عن المعتقلين.
في السابعة مساء انتهى عملنا لذلك اليوم. جلسنا أنا وفانيسا في مؤخرة السيارة. سألتني فانيسا عن رأيي في يومي الأول. أجبتها "يصعب تحمل كل ذلك. أعتقد أن الأمر يصبح صعباً عندما يسمعهم المرء يتألمون كل يوم ويسألون باستمرار لماذا هم معتقلون". قالت فانيسا بهدوء "دعني أقدم لك نصيحة يا إريك. عليك أن تنتبه إلى عواطفك هنا". وأضافت فانيسا: "جميع الذين في السيارة معنا ينتمون إلى إحدى مجموعتين: مجموعة تجبر نفسها للاعتقاد بأن كل معتقل هنا كان مسؤولاً جزئياً بشكل ما عن هجمات سبتمبر. ذلك يسمح لهم بتبرير كراهيتهم لهؤلاء الرجال وفصل نفسهم عاطفياً... الآخرون يمكنك رؤية الإحباط في أعينهم. هم يتعاطفون أكثر وأكثر مع ظروف المعتقلين كل يوم. هم يكرهون عناصر الشرطة العسكرية لأنهم يكرهون المعتقلين. ستكتشف عما قريب من يقع في أي مجموعة" وخلصت فانيسا إلى القول نصيحتي أن تجد حلاً وسطاً, لا تنظر إلى كل معتقل على أنه ساعد في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر، لأن ذلك ليس صحيحاً. ولكن في نفس الوقت لا يمكنك أن تتورط عاطفياً عندما يتعلق الأمر بهؤلاء الرجال". لقد كان ذلك صعباً. لكني قررت أن أتعرف أكثر على أولئك المعتقلين وحياتهم عن قرب دون أن أسمح لعواطفي بالانسياق كثيراً.