مشكلة الإسكان
السلام عليكم ورحمة الله
منقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من السعادة. المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء) رواه ابن حبان وصححه الألباني.
كانت مشكلة الأسكان ومازالت من أكبر المشاكل التي تستحوذ على تفكير المواطن وتشغل باله وتستنفذ صحته البدنية والنفسية.
وخلال الأعوام الخمسة الفائتة، تفاقمت أزمة الأسكان في المملكة وبلغت ذروتها في العامين الماضيين بالتزامن مع إنهيار سوق الأسهم وخسارة الكثير من المواطنين لأموالهم ومقدّراتهم.
وبالرغم من أن أزمة الأسكان تعدّ مشكلةً عالمية -وتتفاوت شدّتها من دولة إلى أخرى- إلا أن الكثير من الخبراء يجمعون على أنه ليس هناك أي مبرر لتفاقمها في المملكة العربية السعودية خصوصاً مع وجود حلول جذرية لها ولكنها تحتاج إلى تفعيل!!.
وقد حذّر الكثير من المتخصصين من العواقب المستقبلية لهذه الأزمة على المواطن والوطن من الناحية الإقتصادية والإجتماعية وغيرها وشدّدوا على ضرورة العمل على حلّ هذه الأزمة قبل أن تخرج من نطاق السيطرة ويحدث مالا يحمد عقباه.
والشيء الذي لم يتطرق إليه الخبراء أو المختصين ولم تتجرأ الصحافة على مناقشته هو التشديد على تغليب المصلحة العامة ومصلحة المواطن على مصالح بعض المنتفعين والمستفيدين من تفاقم هذه الأزمة مسؤولين كانوا أو كبار المستثمرين.
ومن وجهة نظري فإن مشكلة الأسكان مرتبطة بالفساد الإداري من جهة وبالبيروقراطية والإدارة الفاشلة من جهة أخرى.
فمن ناحية الفساد الإداري، فإن الكثير من المسؤولين والمنتفعين يريدون استمرار الوضع على ماهو عليه -بل ويعملون على تأزيمه أكثر فأكثر- لأن مصالحهم الشخصية تقتضي ذلك فأسعار الإيجارات في ازدياد وأسعار الأراضي في تضخمٍ مستمر وهذا مايريدونه!!.
ومن الناحية البيروقراطية، فإن الكثير من المسؤولين وأصحاب القرار يتعامون عن تفعيل الحلول الناجعة التي ينادي بها المختصون ويرون أنها صعبة التنفيذ ويصل الأمر عند بعض هؤلاء المسؤولين إلى إنكار وجود هذه الأزمة من أساسها!!.
ولم يقف الأمر عند المدن الكبرى فقط. فهذه البيروقراطية والإدارة الفاشلة انتقلت من المدن الكبيرة إلى المدن المتوسطة والمحافظات ناقلةً معها الأزمة فأصبحت هذه المدن والمحافظات تعاني من أزمة أسكان بالرغم من إنتفاء مبررات وجودها.
فمن يصدق أن منح الأراضي متوقفة منذ سنوات (أو موجودة ولكن على نطاقٍ ضيق) في مدن متوسطة مثل حائل والرس والطائف وغيرها الأمر الذي أدّى إلى إرتفاع أسعار الأراضي فيها إلى أسعارٍ خيالية بالنسبة للمواطن الميسور الحال؟؟!!
إن العمل على حلّ أزمة الأسكان في المملكة بوجهٍ عام -والمدن الكبرى بوجهٍ خاص- مرتبط مع إتخاذ الكثير من القرارات العاجلة والفعّالة من قبل أكثر من وزارة وهيئة حكومية حتى يتم السيطرة عليها ووأدها في مهدها.
الهجرة من المدن إلى المحافظات.
في العقود الماضية، كانت الهجرة في المملكة تتخذ شكلاً واحداً وهو الهجرة من المدن الصغيرة والقرى والمحافظات إلى المدن الكبيرة وبالتحديد الرياض وجدّة والمنطقة الشرقية. وقد كانت لهذه الهجرة مبرراتها ومسوغاتها. فعجلة التنمية -في ذلك الوقت- لم تصل إلى أغلب مدن المملكة والخدمات التي يحتاجها المواطن -من جامعات ومستشفيات ومراكز تسوق تلبي إحتياجاته اليومية- كانت مقتصرة على المدن الكبرى. وقبل كل ذلك كان الناس يتّجهون إلى هذه المدن بسبب وفرة الوظائف فيها.
أما اليوم، فإن الوضع مختلفٌ جداً. فقد انتفت الأسباب التي أجبرت السعوديين -فيما مضى- على الهجرة إلى المدن الكبرى وأصبح هناك الكثير من العوائق التي تمنعهم من مجرد التفكير بذلك. فاكتظاظ هذه المدن لم يعد يوفر لساكنيها سبل العيش الرغيد والخدمات الموجودة في هذه المدن لم تعد تتسع لحاجة هذه الأعداد الهائلة من المواطنين وأسعار الأراضي -وهي نقطة مهمة- تضاعفت عشرات المرات ولم تعد في متناول الكثير من متوسطي الدخل وميسوري الحال. بل إن الساكن لهذه المدن أصبح مهدداً ومستهدفاً من قبل التجار أكثر من غيره من ساكني المدن المتوسطة من ناحية غلاء المعيشة والإيجارات.
ومن ناحيةٍ أخرى، فمعظم حواضر المناطق الآن تضم مرافق حكومية (من مستشفياتٍ ومرافق تعليمية) تُلبّي "شيئاً" من إحتياجات المواطن وتطلّعاته وأسعار الأراضي فيها تقلّ بكثير عن مثيلاتها في المدن الكبرى (وهذا لا ينفي إرتفاعها في بعض المدن المتوسطة كما ذكرت).
ومن هنا، أصبحت فكرة الهجرة العكسية -أي الهجرة من المدن الكبرى إلى حواضر المناطق والمدن المتوسطة- مطروحةً أكثر من ذي قبل لتخفيف الضغط عن المدن الكبرى وبالتالي المساهمة في حلّ هذه المشكلة.
وحتى تؤتي هذه الفكرة ثمارها (أي الهجرة العكسية) فإنه يجب العمل على أكثر من إتجاه كالآتي:
1- تكثيف المشاريع الحكومية على حواضر المناطق لتحقيق الإكتفاء الخدمي فيها. وأرجو من الله أن تكون قرارت خادم الحرمين الشريفين الأخيرة بإنشاء عشرات الجامعات في مختلف مناطق المملكة بداية خير لذلك.
2- دراسة نقل بعض الجهات الحكومية من المدن الكبرى إلى مدنٍ مناسبة، كأن يتم نقل مصالح ومرافق وزارة الدفاع من الرياض إلى الخرج وخميس مشيط وتبوك وحفر الباطن.
3- حث المستثمرين على الإستثمار في المدن المتوسطة ودعم وتسهيل إستثماراتهم هناك.
4- الإستفادة من الثروات الطبيعية لكل منطقة والعمل على تنميتها كالإستفادة من الطبيعة الزراعية للأحساء في الجانب الزراعي والإستفادة من الطبيعة في أبها وجازان من الناحية السياحية وهكذا لضمان الإستقرار الوظيفي ووفرة الوظائف لسكان هذه المناطق.
5- مساواة المدن المتوسطة بالمدن الكبرى من ناحية قيمة القرض العقاري.
6- تفعيل منح الأراضي في هذه المدن بشكلٍ واسع فأرض الله واسعة.
7- تشكيل لجنة من جهاتٍ حكومية متعددة لدراسة إحتياجات المناطق للخدمات والمرافق المختلفة.
ولا أخفيكم القول بأنني أراهن كثيراً على هذه النقطة -وأقصد بها الهجرة العكسية- في حلّ مشكلة الأسكان فقد صادفت الكثير من أبناء المناطق الجنوبية والشمالية ممن ساقتهم الظروف إلى العمل في الرياض وهم يتمنون لو أنهم يستطيعون أن ينتقلوا من العمل في الرياض إلى العمل في مناطقهم لو توفر لهم ذلك.
هذا ماأردت قوله بإختصار. وعموماً، فإن الحديث عن هذا الموضوع يطول ويحتاج إلى دراساتٍ مكثّفة للوقوف على المشكلة ومسبباتها والحلول المناسبة لها وسأورد لاحقاً بعض المسببات الأخرى لهذه الأزمة والحلول المقترحة لها وأرجو أن نجمع في هذا الموضوع جميع المقالات والدراسات والأخبار المتعلقة بأزمة الأسكان
دمتم في حفظ الله.
20-02-2008, 09:41 PM
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
