العيــب فينــا

بسم الله الرحمن الرحيم

في أساطير الشعوب تتكرر بأكثر من رواية قصة ذلك الإنسان الذي صنع وحشاً ليسيطر به على العالم فإذا به يصبح أول من يسيطر الوحش عليه ، القصة عولجت روائياً و" سينمائياً " أكثر من مرة لدلالتها وتعدد حمولتها الرمزية ، وفيما يبدو أن قصة الإنسان مع الإنترنت تكرر تلك الأسطورة فالاختراع الذي جاء ليطوي مسافات المكان واختلاف الزمان ويضع العالم في صندوق صغير بين أنامل مستخدمه هو نفسه الذي باعد بين أفراد الأسرة الواحدة وجعل لكل واحد منهم عالمه الافتراضي الذي يستغني به عن محيطه الأسري والاجتماعي.
حديثي وموضوعي عن غرف الدردشة ( الشات ) ذلك الوجه الأبرز لاستخدامات الإنترنت في مجتمعاتنا التي وجدت في فضاءات ( الشات ) المفتوحة بديلاً عن فضاءات ومسالك سياسية واقتصادية مغلقة أو تحتاج إلى تسليك وتمهيد.
لكن الحقيقة أن فضاءات ( الشات ) لا تغني عن الواقع شيئاً بل تزيد الطين بلة وتزيد الفضاءات الأخرى انغلاقاً ، ذلك أنها تشكل سحباً وامتصاصاً للجهد البشري من الواقع الاجتماعي والسياسي إلى الفضاءات الوهمية وربما يفسر ذلك حقيقة أما مجتمعاتنا من أبطأ المجتمعات سيراً في طريق النهوض والتقدم خلال العقود الماضية رغم أننا نمتلك كل مقوماتها إلا أننا صرفنا الجهد بعيداً عن مكانه المستحق.
لقد صنعت غرف الدردشة لغة ورموزاً واهتمامات جديدة لدى جيل جديد في مجتمعاتنا يمكن أن نسميه " جيل الدوت كوم " تجاوز بها أطر الإقليمية وتفاعل مع أسوأ الصيحات " والتقليعات " التي ما كان الخيال يتصور أنها ستجد موطن قدم في مجتمعاتنا ، فالثورة الجنسية مثلاً التي عرفها الغرب قبل أكثر من نصف قرن ظلت ظاهرة غربية خالصة لم تتجاوز حدود المجتمعات الغربية ، لكنّ جماعات الشواذ مثل " عبدة الشيطان " و " الإيموز " و " الهيب هوب " عبرت المجتمعات الغربية إلى بعض مجتمعاتنا العربية عبر فضاء الإنترنت ، وقد بلعنا الطعم ، لماذا لأن هؤلاء شباب فاشل وتافه ولا هدف لهم قاموا بتقليد الغرب بدون وعي وصدق الله حيث يقول : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ )
يقول الحكماء " إنّ الضرورة أمُّ الاختراع " وهي موجهة أيضاً ورغم ضروراتنا الملحّة التي ينبغي أن نوجه استخدام الإنترنت إليها أكثر من أن تحصر إلا أن ( الشات ) ذلك الاستخدام البائس للإنترنت هو الذي سيطر وطغى ، ربما لأننا لم نستعد لذلك الوافد الذي جاءنا فجأة كغيره من الاختراعات فلم نحسن توظيفه وتلك ورطة تتكرر مع مجتمعاتنا إزاء كل اختراع جديد.
المجتمعات الجادة هي التي تقف على أرضية تحدد منها ماذا تريد وإلى أين تتَّجه لا أن تكتفي بأن تصبح مجرد سوق لتصريف منتجات الآخرين ، والقول بحيادية التقنية يحتاج إلى مراجعة فكل اختراع يأتي محملاً بقيم المجتمع الذي أتى منه.