ومن نكد الدنيا على الحرِ أن يرى ... عدواً له ما من صداقتهِ بـدُّ
لقد أحسن أبو الطيب رحمه الله تعالى في هذا البيت كعادته في شعره , فانظر كيف استخدم هذه المفردة " نكد " والنكد هو الشؤم واللؤم وقلة الخير .
وهذا البيت جاء قبله أبيات سأذكرها حتى تتضح الصورة أكثر فقد قال :
أذم إلى هذا الزمانِ أهيلهُ ... فأعلمهم فدمٌ وأحزمهم وغدُ
وأكرمهم كلبٌ وأبصرهم عمٍ ... وأسهدهم فهدٌ وأشجعهم قردُ
الفدم : هو العي في ثقل وقلة فهم ... الوغد : هو الأحمق الخسيس .
فقد صغـّر الأهل إستحقاراً لهم , وهو مصيب إذا كان الواقع كما ذكر فإذا كان عالم هذا الزمان قليل الفهم , والحازم وغداً خسيساً , والكريم خسيساً كالكلب , والبصير أعمى البصيرة , واليقظان ينام نوم الفهد , والشجاع جباناً كالقرد !
فمن حق أبي الطيب أن يقول بعد هذا , ومن نكد الدنيا أي من لؤم الدنيا وشؤمها وقلة خيرها على الحر والحر هنا الكريم الذي هو ضد اللئيم أن تضطره الأيام لمصادقة العدو ويزداد النكد نكدا إن كان هذا العدو يحمل صفة من تلك الصفات التي ذم بها أهيل الزمان .
ومن نكد الدنيا على الحر أن تضطره الأيام لمصاحبة الحمقى والنوكى ومجالستهم !.
ومن نكد الدنيا على الحر أن تضطره الأيام وتجعله تحت رحمة لئيم ! فإن قبل منه عاش ميتاً وإن لم يقبل مات حياً !.
ومن نكد الدنيا على الحر أن يعيش غربة ووحشة داخل وطنه !
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى الجهلاء مقدمين على العلماء !
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى العادات القبلية مقدمة على النصوص الشرعية !
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى مظلوماً ولا يستطيع رفع الظلم عنه !
ولن أستطيع الإطناب فاللبيب بالإشارة يفهم , لكن أعود إلى ذكر بيتين ذكرهما أبو الطيب بعد الأبيات السابقة وهذان البيتان لم يروهما عن المتنبي إلا الإمام الواحدي رحمه الله تعالى حسب ما أعلم , قال :
فيا نكد الدنيا متى أنت مقصرٌ ... على الحر حتى لايكون له ضدُ
يروح ويغدو كارهاً لوصالهِ ... وتضطرهُ الأيامُ والزمنُ النكدُ
رقم : سعيد بن صالح بن علي الحمدان
منقول