ربعنا ،، وقوة التناسل !!

بعد أن ذر قرن الغزالة ،ركبت دابتي لا ألوي على شيءٍ ، وانطلقت بسيارتي في شوارع المدينة ، بلا هدفٍ وبلا وجهة أقصدها،أشتت بصوت محركي صمت القبور الجاثم على صدر الرياض..

أين أذهب ؟ ولماذا أذهب ؟ ومتى أعود ؟...

أسئلة حائرة . تحاول جاهدة أن توقظ عقل يغط في سباته العميق ، وما أستيقظ إلا وقد جاوز صاحبه نقطة تفتيش القدية مدحدراً..

وكل من جرب الدحدرة في صباح يومٍ ما ،يعرف أي منظر رأيت عن يميني وشمالي ، وأمامي وخلفي ، ولا أبالغ حين أقول وتحت السيارة وفوقها . كل ما ذكرت مصفرٌ مغبر ، الأرض برمالها الذهبية الشهباء، والسماء بأشعتها النورانية المجهرة،، تشعرك بجفاف الحلق والحاجة إلى ما يُبل به الريق..

**********

خرجت عن الطريق المعبد، وركبت الطريق الصحرواي مروراً بأنواعٍ من الحدب والطعوس ، والحزوم (( جمع حزم )) متجهاً إلى طلحةٍ غير بعد ، في تختخٍ (( الأرض المنبسطة )) استوى أمامي، في مكانٍ يحسبه الرأي من بعيد سهلاً ، وما يكاد يصلُ إليه إلا بشق الأنفس.


وبعد أن أوقفت محرك سيارتي نزلت ، وأنزلت ما معي من قهوة (( ستاربكس ينصح بها خبير )) ، ووضعت البساط بعد أن حشت ما تحته ،، من شوك وقراد ،، وبقايا مخلفات لبعض المتنزهين هداهم الله ،، ممن فاتهم أن إماطة الأذى صدقة.. وأنزلت أهم من هذا كلهُ كتاب (( المؤلف حمدي بن حمزة أبو زيد )) الموسوم بـ (( فك أسرار ذي القرنين ويأجوج ومأجوج )) والذي يتكلم فيه عن قوم يقال لهم جوج وما جوج (( كتابُ ينصح به قارئ ناقد)) يتكلم مؤلفه عن إكتشافه موطن جوج وما جوج في شمال الصين ،، ومكان الردم هناك مدعماً بالصور..

اندمجت مع الكتاب ، ومرت الساعات سراعاً لم أشعر بها ، وما خرجت من عالم هذا المفكر ، إلا وقد أزفت الدقائق الأخيرة من الساعة الحادية عشر ظهراً على نهايتها، فانطلق صوت الحق النقي من حنجرة موحدٍ تقي ليرتقي ويتصعد في السماء . أغلقت بعد حرف أذانه الأخير كتابي ، وشمرت ساعدي ، لأبحث عن مسجدٍ أو مصلى أصلي فيه الظهر ..فركبت سيارتي قاصداً بويتات بدت لي من بعيد ، وقلت سأصلي معهم .وأنقلب بعد الصلاة إلى أهلي في الرياض..

**********

توضأتُ من مغسلة بجانب المسجد، وأسرعت الخطى لألحق على الركعة الأولى ،،، وحين وضعت نعلي (( أجلكم الله )) لوحدها !! وإذ لا وجود لنعل المصلين ،،ودخلت من باب المسجد الذي امتلأت جنباتهُ بالمصلين ، فخجلت من نفسي لمخالفتي العرف عندهم ، وعدم نزولي حافياً كما عليه القوم ..

وما أن دخلت مع الباب ورايتهم قد اصطفوا أمامي،، وأمعنت النظر فيهم حتى انتابتني قشعريرة دبت في جسدي ، انطلقت من العمود الفقري ، وانتهت في مؤخرة رأسي ،، كدت أن أقع بسببها لقفاي ،، لولا رحمة من ربي وسكينة تداركتني حين رأيتُ ما لم تألف عيناي،، رأيت صفان اصطفا جنباً إلى جنب كلهم دون الركبة قصراً ، يا سبحان الله ، وما فيهم من طوله يبلغ الطول العادي إلا رجلان خلف الإمام البنقالي ،، الذي عرفته من لحنهِ في التكبير..

تمالكت نفسي ،، وأمسكت زمامها لأكمل صلاتي ،، في الصف الثالث الذي كنت فيه لوحدي، ،، وأنا في كل ركعة وسجدة أستعيذ بالله من قتنة المسيح الدجال وجوج وما جوج ،،وبعد أن سلم الإمام وسلمت معه، إذ بالمسجد يطيش بضوضاء الخارجين منه ، فكدت أضحك وأنا أهلل ،، فقد كان جل المصلين من البزارين (( ممن هم في سن الطفولة المتوسطة والمتاخرة )) وعلى أغلبهم الاشمغة والغتر ، وبعضهم يلبس العقال.. خرجت مسرعاً معهم خوفاً على نعلي ،، ولكي أرى من أي مدرسة خرجوا !!

ولكن أليس اليوم الخميس ،،فمن أين أتوا وإلى أين يذهبون ؟؟

رايتهم ينطلقون إلى بيتين لا يوجد في الحي سواهما ، بني أمامهما هذا المسجد ، ومدرسة تحت الإنشاء للأبناء ،،

قلت في نفسي : الآن بطل لدي ما توصل إليه مؤلف الكتاب الذي أخبرتكم أني كنت أقرأُ فيه تحت الطلحة ،، وقلت هؤلاء هم جوج وما جوج ،،، ولعلي أجمع عنهم أكبر قدر من المعلومات..وأرصدها لكتابٍ ،، حدثت نفسي بتأليفه تلك اللحظة.

وبعد أن اختفوا في تلك الحجرات ،،،رجعت للمسجد ، لادخله مرة أخرى، وأشرت للبنقالي الذي يجلس في المحراب لوحده ،،فأتاني هرولة ،،وقال : السلام عليكم ، وقلت : عليكم السلام يا مطوع،، صديق هل تجيد غسيل السيارات ؟؟!!! قلته وأنا مستعجل..

أجاب :نعم ، ،، لكن عشرة ريال على الغسيل ،، فقلت أنعم وأكرم ،، وسأزيد عليها ثلاثة ريال حق نفر رز ،، لعلمي بهم يحبون الرز حباً جما!! فأعجب البنقالي أو الشيخ علي أنصار كما يحب أن أدعيه بهذا العرض المغري الذي لا يحصل مثيله إلا في السنة حسنة..

لم أكن أريد أن أغسل سيارتي ، ولكن أريد مدخلاً أستطيع من خلاله أن أفتح معه بعض المواضيع عن الهجرة (( الحي )) وسكانها،، وفعلاً كانت بغيتي سهلة المنال في الحديث معه،، على عكس ما كنت أتوقع..

قلت لصاحبنا : علي أنصار فين هذا ردم ؟؟
قال (( وقد اخترش)): أي ردم ..
قلت: إلى بناه ذو القرنين.

استغرب مني البنقالي ، ولم يكترث لما قلت ، بل لم يحر بإجابة كنت ألتمسها منه ،، وأخذ يكمل الغسيل ..

قلت له :كم سكان هجرة جوج وما جوج ؟؟!!
وكأنه فهم قصدي ،فقال: هنا إثنين بيت فيه إثنين رجال كبير في السن ،، بزوره يمكن يجي ثلاثة وأربعين ،، واحد شيبه عشرين ولد ،، وثاني فيه ثلاثة وعشرين!!

لم استوعب ما قال لكبر العدد،، ولكنها كانت المعلومة الوحيدة التي استطعت أن أخذها من هذا البنقالي ،، وقفلت عائداً إلى موطني خارجاً من هذه الهجرة ،، وكأنني خرجت من قرية نمل..


**********

في المنزل ،، وبعد صلاة المغرب في نفس اليوم ،،زارني أحد الأصدقاء ممن لهم شاءواً بعيداً في الإطلاع بمثل هذه الأمور ، فأخبرته ،، فقهقه وسعبل من كثرة فتحه فاه ،، وقال ولماذا الاستغراب ،، لدينا في الرياض من أبناء البادية من لديه فوق الثلاثين ورعاً (( الأولاد ذكوراً وإناثاً)) ، هل تعرف فلان (( من الجماعة )) لديه 34 من الأبناء ، وهو مستأجر دور ، وكل ثمانية تقريباً في غرفة !!! وزيادة النسل شيءٌ ارتبط بأبناء البادية ،، ولا زال متأصلاً في الهجر بكثرة ،، فكثرة الولد معزة للرجل وهم السند ،،كما يقولون..

قلت : ولكن العبرة ليست بالكم بل بالكيف ،،فهل يقوم هؤلاء بحق الأبوة ،أم أنهم يتواكلون بقولهم الصلاح من الله ، دون أن يبذلوا مجهوداً يذكر في الإصلاح والتربية؟؟

قال صاحبي : للأسف أن جلهم مهمل ،، وبعضهم يأتي بالعشرة والعشرين من الولد ويمني نفسه بصلاح واحد منهم فقط ،، فيكون لهذا الولد حق التقريب ،، والمداهنة على حساب غيره من الأبناء.. أذكر أن أحدهم مهمل ، ولديه أربعة عشر من الأولاد ليس فيهم موظف ولا متعلم .. ومثله كثير.

قلت : لو كان لي من الأمر شيء لعملت نظاماً يجبر مثل هؤلاء الآباء على تحديد النسل ، خشية من تفشي الجريمة ،، وخوفاً من الانفجار السكاني الذي أوشك..

********

هذا الأمر جعلني أحزن لسببين ، الأول تغلغل الجهل لدى بعض الآباء ،، والسبب الثاني أنني لم أكتشف جوج وما جوج كما كنت أعتقد!!!.

لكن هناك أمرٌ أسعدني ،، هل تعلمون ما هو؟؟




أنني سآخذ من أصحاب تلك الهجرة (( كروت العائلة)) لأساهم بهـــــــــــــــــــــــا ،، عسى ما أحد سبقني!! دعواتكم..

__________________
خلف كلماتي..هناك نية ايجابية...يراها الايجابيون...حاول أن تراها....