ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 07-03-2010, 10:36 AM
  #151
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

مقبل السحيمي جناب الهضب مبارك العتيبي جزاكم الله خيرا ومشكورين على مروركم ودعواتكم
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 18-03-2010, 02:35 PM
  #152
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

خطبة (الدفاع عن اشرف عرض "حادثة الافك")
الخطبة الاولى

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين واصلي واسلم على قدوتي وقرة عيني محمد الأمين وعلى آله واصحابه وزوجاته الطيبين الطاهرين وعلى من سار على نهجهم واقتفى اثرهم الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
احبتي في الله
من على هذا المنبر وفي هذا اليوم اقف موقف المدافع عن اشرف واطهر عرض اقف مدافعا عن عرض رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه سائلا المولى ان يدفع عني وعنكم عذابه وعقابه
عباد الله كان رسولنا رسول الهدى يلقب بالصادق الأمين وما إن دعاهم إلى توحيد الله دعاهم إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض فما أن دعاهم إلى هذا الدين إلا ووسموه بالكذاب والساحر والكاهن والشاعر وآذوه ووضعوا سلى الجزور على ظهره وخنقه عقبه بن ابي معيط وسجنوه ومن آمن معه في شعب ابي طالب حتى أكل بعضهم ورق الشجر والجلود من شدة الجوع وحاربوه بالسنان واللسان وآذوه في اصحابه
ولكن ان يتهم في عرضه ان يتهم في اطهر زوجة يتهم في امنا عائشة رضي الله عنها وارضاها يتهم في راوية الاحاديث يتهم في مفتية الاسلام فقد كان الصحابة يذهبون اليها ويستفتونها وتجيبهم
فتتهم في عرضها الشريف هذه قاصمة الظهر هذه التي لا يصبر عليها هذه التي لا يسكت عليها
لنعيش وإياكم في هذه الخُطبة تلك الحادثة الشعواء، والجريمة الشنعاء ، التي تناولت أشرفَ بيتٍ عرفته البشرية، إنه بيت النبوة على صاحبه أفضل الصلوات والتسليم .
فكيف وقعت هذه الحادثة؟ وكيف كانت فصولها؟ دعونا نستمع إلى أمنا عائشة رضي الله عنها تصور لنا هذه الحادثة ، والأيام المريرة التي عاشتها بسببها.
أخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وإنه أقرع بيننا في غزوة ، فخرج سهمي ، فخرجت معه بعد ما أُنزِل الحجاب، فأنا أُحمَل في هودج وأُنْزَل فيه ، (والهودج ما يوضع على سنام الجمل لتحملَ فيه المرأة) ، قالت: فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك ، وقفل أي رجع ودنونا من المدينة ، آذن ليلةً بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت من شأني (يعني قضاء الحاجة) أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عِقد لي من جَزْعِ أَظْفارٍ انقطع ، فرجعت فتلمسته فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يَرْحَلونني فاحتملوا هودجي فرَحَلوه على ظهر بعيري، وهم يحسبون أنني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يُثقِلهن اللحم، فلم يستنكر القومُ خفةَ الهودج حين رفعوه وحملوه ، وكنت جاريةً حديثةَ السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدتُ عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد ، فتيممت منزلي ، وظننت أنهم سيفقدونني ويرجعون إلي، فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني ، من وراء الجيش (أي تركه الرسول صلى الله عليه وسلم وراء الجيش)، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائماً ، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمَّرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتيت الجيش بعد أن نزلوا معرّسين، فهلك في شأني من هلك، وكان الذي تولى كبر الإثم عبدُ الله بن أبي بن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا أي مرضت بها شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ويَريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم فيقول: كيف تيكم ، فذلك الذي يَريبني منه، ولا أشعر بالشر، حتى نَقَهْتُ (أي تماثلت للشفاء) ، فخرجت أنا وأمُّ مسطح قِبَلَ المناصع ، وذلك قبل أن يتخذ الناسُ الكُنُفَ (أي الحمامات) في البيوت ، فأقبلتُ أنا وأم مسطح حين فرغنا من شأننا نمشي ، فتعَثَّرَتْ أمُّ مسطح في مِرْطها فقالت: تعس مسطح ، فقلت لها: بئسما قلت ، أتسبين رجلاً شهد بدراً، فقالت: يا هَنْتَاه ألم تستمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك فزدتُ مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ، دخل رسول الله فقال: كيف تيكم؟ فقلت: ائذن لي أن آتي أبوي ، قالت: وأنا حينئذٍ أريد أستيقن الخبر من قِبَلِهما، فأذن لي ، فأتيت أبوي فقلت: يا أمتاه ما يتحدث الناس به؟
فقالت: يا بنيّة هوني على نفسك الشأن، فوالله تعلمي ما كانت امرأةٌ قط وضيئةٌ عند رجلٍ يحبها ولها ضرائرُ إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبت تلك الليلة ، فأصبحت لا يرقأُ لي دمع، ولا أكتحلُ بنوم، ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسولُ الله عليَ بن أبي طالب وأسامةَ بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي ، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فقال: هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسألِ الجارية تخبرْك.
قالت: فدعا رسول الله بَرِيْرَة فقال لها: أي بريرة ، هل رأيت فيها شيئاً يَرِيبك؟
فقلت: لا والله ، فوالذي بعثك بالحق نبياً إن رأيتُ منها شيئاً أَغْمِصُه (أي أعيبه) عليها أكثر من أنها جاريةٌ صغيرةٌ السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (أي الحيوانات والطيور) فتأكله .
قالت: فقام رسول الله من يومه ، واستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول ، وقال وهو على المنبر: من يَعْذُرُني في رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمتُ في أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً (أي اتهموا رجلاً) ما علمت عنه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، قالت: فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أَعْذُرُك ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فَعْلَتَنا فيه، فقام سعدُ بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وكان رجلاً صالحاً ولكن أخذته الحمية ، فقال لسعدِ بنِ معاذ: كذبت ، لعمر الله لا تقتلُه ، ولا تقدرُ على ذلك، فقام أسيد بن حضير ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت ، لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان ، الأوس والخزرج ، حتى هموا أن يَقْتَتِلوا، ورسول الله على المنبر، فلم يزل يخفّضهم أي يسكتهم حتى سكتوا ونزل.
قالت: وبَكَيت يومي ذلك لا يرقأُ لي دمع، ولا أكتحلُ بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنومٍ، فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً، حتى أظنُ أن البكاءَ فالقٌ كَبِدِي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت امرأة من الأنصار فأذنتُ لها فجلست تبكي معي فبينما نحن كذلك، إذ دخل الرسول ثم جلس ولم يجلس عندي من يومِ قيلَ ما قيلَ قَبْلَها، وقد مكث شهراً ولم يوحَ إليه في شأني شيء، فتشهد ، ثم قال يا عائشة: فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئةً فسيبرّئُكِ اللهُ تعالى، وإن كنتِ ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، فلما قضى رسولُ الله مقالته قَلَص دمعي (أي جف دمعي) حتى ما أُحِسُّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، قالت: وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إني والله أعلم أنكم سمعتم حديثاً تَحَدَّث الناس به ، واستقر في نفوسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة ، لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمرٍ والله يعلم أني منه بريئة ، لَتصدقُـنِّي، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف، نسيت رضي الله عنها اسم النبي يعقوب من هول القضية والفاجعة قالت: إلا أبا يوسف إذ قال: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) ، ثم تحولتُ فاضطجعتُ على فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكنْ والله ما كنتُ أظنُّ أن الله تعالى ينزل في شأني وحياً يتلى، ولَأنا أحقرُ في نفسي مِن أن يتكلم بالقرآن في أمري ، ولكنّي كنت أرجو أن يرى النبي في النوم رؤيا يبرئني الله تعالى بها، فوالله ما رام مجلسَه ، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت ، حتى أنزل الله تعالى على نبيه ، فأَخَذَه ما كان يأخُذُه عند نزول الوحي ، فسرِّي عنه وهو يضحك ، فكان أولَ كلمةٍ تكلم بها أن قال لي: يا عائشةُ احمدي الله تعالى، فإنه قد برأك الله ، فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله ، فقلت: والله لا أقومُ إليه، ولا أحمدُ إلا اللهَ تعالى، هو الذي أنزل براءتي ، فأنزل الله تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
فلما أنزل الله تعالى هذا في براءتي قال أبو بكرٍ الصديقُ -وكان ينفق على مسطحِ بنِ أثاثة ، لصلةِ قرابةٍ منه وفقرِه- والله لا أنفق على مسطحٍ شيئاً بعد ما قال لعائشة ، فأنزل الله تعالى: وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، فقال أبو بكر : بلى والله إني لأحب أن يَغفِرَ اللهُ لي، فرَجَعَ إلى مسطحٍ الذي كان يُجْرِي عليه وقال: والله لا أَنْزِعُها منه أبداً .
قالت عائشة: وكان رسول الله سأل زينبَ بنتَ جحشٍ عن أمري ، فقال: يا زينب ما علمتِ وما رأيتِ؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمتُ عليها إلا خيراً ، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، فطفقت أختها حمنةُ تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
تلكم أيها الأحبة هي حادثة الإفك ، ولنا معها دروس وعبر في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى ،
اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه .....
عباد الله .. هذه القصة العجيبة والحادثة الأليمة تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر . الدرس الأول:
1) درس في الثبات والصبر على البلاء .. لقد رأينا كيف كان وقع هذه الحادثة الأليمة على أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى زوجتِه الطاهرة التي كاد قلبها أن ينفطر من الحزن والبكاء، وعلى صاحبِه أبي بكر ، الصديقِ التقي ، السابق الوفي ، أحبِ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فقد عانى أبو بكر وزوجته من الألم والحزن ما لم يعانيه من قبل، حتى قال: أمر لم نتهم به في الجاهلية، أفنرمى به في الإسلام؟
وكان الألم يعتصر في قلب صفوانَ بنِ المعطل ، وهو يُرمَى بخيانة بيت النبوة؟ وهتك عرض من يحبه حباً عظيماً بعد الله عز وجل .
ومع شدة البلاء إلا أنهم جميعاً واجهوه بالصبر والثبات ، حتى أنزل الله تعالى الفرج من عنده .
2) درس في التثبت في نقل الأخبار والأحكام ، والحذر من الخوض في أعراض المسلمين بغير حجة أو برهان ، أوإشاعة مثل هذه الأخبار غير الموثوقة في المجتمع . بل الواجب على المسلمين أن يظنوا بأنفسهم وإخوانهم خيراً ، ولا يعتمدوا على سوء الظن وقالة السوء التي ينشرها المنافقون في المجتمع ، وأن يطهروا أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم من هذا البهتان العظيم ، ثم إن كانت لديهم البينة على من أشاع ذلك فليطلبوا إقامة الحد الشرعي على من ينقل هذا البهتان من المنافقين أو المخدوعين من المسلمين .
3) بيان خطر المنافقين على المجتمع المسلم ، كما وقع من رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول ، ومن وراءه من المنافقين واليهود الذين كانوا يتآمرون على الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما باءت كل محاولاتهم بالفشل لجأوا إلى هذا الأسلوب الخسيس ، بأن يشككوا في أطهر وأشرف بيت عرفته البشرية إلى يومنا هذا ، بل وإلى قيام الساعة .
ولا تزال أذناب هؤلاء المجرمين إلى يومنا هذا .. إلى اليوم ونحن نسمع من يرمي أم المؤمنين عائشة بالفاحشة، من الرافضة والباطنية الذين يصرحون في كتبهم ودروسهم الآن أن عائشة زانية ، حاشاها عن ذلك ، بل يقذفونها بالألفاظ الشنيعة والأوصاف البشعة ، التي لا يمكن أن نذكرها في هذا المقام .
وهؤلاء في الحقيقة ، لا حظ لهم من الإسلام ، فهم أول المكذبين بالقرآن الذي برأ عائشة من فوق سبع سموات، وهم أول الطاعنين في عرض النبي صلى الله عليه وسلم .
4) لطفُ الله تعالى بعباده ، ودفاعُه عن أوليائه ، فقد برأ الله سبحانه وتعالى الصديقة بنت الصديق من فوق سبع سماوات ، وأعلى ذكرها ، وأنزل في براءتها وفضلها آياتٍ تتلى إلى قيام الساعة ، رضي الله عنها ، ولعن من افترى عليها .
5) ضعف النفوس ، وحاجتها إلى التثبيت من الله تعالى عند الابتلاء .
كان ممن خاض في الإفك مسطحُ بن أثاثة ، وهو من أهل بدر الذين قال الله لهم: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم ، وحسانُ بن ثابت ، شاعر النبي ، الذي كان يذب عن الإسلام ويدافع عن رسول الله بشعره ، وحمنةُ بنت جحش أختُ أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها واقام عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد تطهيرا لهم أما عبد الله بي ابي وزمرته الفاسدة فلم يقيم علهم الحد ليلقوا الله بجرمهم.
وفي المقابل ثبّت الله تعالى أمَّ المؤمنين زينبَ بنتَ جحش وعصمها من الوقوع في هذا الأفك مع وجود الغيرة والمنافسة بينها وبين عائشة رضي الله عنهن جميعاً .
وإذا كان بعض الصحابة قد زلت بهم القدم ، فخاضوا مع الخائضين في الإفك ، فإن غيرَهم من باب أولى .
فالحذر الحذر من الولوغ في أعراض المسلمين ، والحذر الحذر من اللسان ، فإن اللسان كالثعبان ، يهلك الإنسان ، متى ما أطلق له العِنان .
احذر لسانك أيها الإنسان *** لا يلدغنك إنه شيطان
كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تخاف لقاءَه الشجعان
6) أن هذه الأمة لا تزال مستهدفةً في رموزها ومقدساتها ، وكل ما يتعلق بدينها ، ولا تزال الحملات المغرضة توجِّه سهامَها إلى الإسلام أو القرآن أو جناب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الطعن في العلماء أو الدعاة أو المتمسكين بالدين ، بتلفيق التهم ضدهم، ورميهم في أعراضهم وفي أنفسهم، ولكن الله يدافع عنهم، ويرد كيد أعدائهم في نحورهم، ويزيد أنبياءه وأولياءه الصالحين رفعة في الدنيا وثواباً في الآخرة، (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) .
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 26-03-2010, 06:50 AM
  #153
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

عنوان هذه الخطبة(((((((((الكبرياءُ ردائي))))))))))))

الخطبة الأولى
الحمد لله أبداً سرمدا، ولا نشرك معه أحد، تبارك فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عضدا، الحمد لله على نعمته، الحمد لله على منته، الحمد لله على حكمته، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه وتواترت بأبرك الخيرات نعماؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته على الشريك والوزير،وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير، وجل في بقاه وديمومته وغناه وقيمومته عن المطعم والمجير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أعظم رجل عظّم الله، وقدّس الله، وأجلّ الله، وأكبر الله، وهاب الله، وتواضع لله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه

قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((الكبرياءُ ردائي والعظمةُ إزاري. فمن نازعني واحداً منهما ألقيتُه في جهنم)) فليسَ بغريب إذاً أن نجد التواضع من سيماء الصالحين. ومن أخص خصال المؤمنين المتقين ومن كريم سجايا العاملين.
قال الله تعالى: يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ [المائدة:54]. وقال الله لنبيه والخطاب عام له ولأمته: واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقال تعالى: وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18]. وقال جل وعلا: كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35]. في آيات كثيرة جداً في كتاب اللهِ العظيمِ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه اللهُ)).
الله أكبر: إن المتواضع يرفع الله سبحانه وتعالى منـزلته ومكانه وقدره فطوبى للمتواضعين.
إخواني يا من تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا من تعتقدون أن لا سعادة ولا عزة ولا طريق إلى الجنة إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا بأن تكون محبته مقدمة على كل محبوب من البشر.
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
إنه سيد ولد آدم. ليس فوقه أحد من البشر - حاشاه صلى الله عليه وسلم - إنه أحب الخلق إلى الله وأعظمهم جاهاً وقدراً عند رب العالمين. إنه صاحب الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة، منزلةٌ واحدةٌ ليست إلا له صلى الله عليه وسلم. إن الأرض ما وطئ عليها ولن يطأ عليها إلى يوم القيامة أكرم ولا أجل ولا أرفع منه صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك تأمل أخي المؤمن إلى تواضعه العجيب صلى الله عليه وسلم.
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغبر بطنه يقول:
((والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينـا فأنزلن سـكينة علينـا وثبت الأقدام إن لا قينـا
إن الأُلى قد بغوا علينـا إذا أرادوا فـتـنـة أبينا
ويرفع بها صوته: أبينا، أبينا)).
رعيه الغنم وتحدثه بذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بعث الله نبينا إلا وقد رعى الغنم وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط)) قال أهل العلم: رعى الغنم وظيفة ارتضاها الله لأنبيائه.
فما السر في ممارسة الأنبياء لها؟
قالوا: إن من أسرارها أنها تربي النفوس على التواضع وتزيد الخضوع لله تعالى. ومن أسرارها أنها تربي على الصبر وتحمل المشاق إلى حكم كثيرة وهو الحكيم العليم.
وأيضاً تواضعه مع الضعفاء والأرامل والمساكين والصبيان.
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم)) يأتي ضعفاء المسلمين. فلم تشغله النبوة عن ذلك. ولم تمنعه مسؤولية أمته، ولا كثرة الارتباطات والأعمال: أن يجعل للضعفاء والمرضى نصيباً من الزيارة والعبادة واللقاء.
فأين أنتم يا أصحاب الجاه والسلطان من هذا الخلق العظيم؟ أين أنتم أيها الأغنياء من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم.
إذا أردتم حلاوة الإيمان أن تطعموها. فهذا هو السبيل إليها فلا تخطئوه.
أيها المسلمون: كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم. وفي رواية: ((كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم)).
إنك ترى - في عصرنا هذا - من يترفع عن المتقين من الرجال فكيف يكون شأنه مع الصبيان والصغار؟
إنك لتجد بعض ضعفاء الإيمان يأنف أن يسلم على من يرى أنه أقل منه درجة أو منصباً، ولعل ما بينهما عند الله كما بين السماء والأرض!
ألا فليعلم أولئك أنهم على غير هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخي المسلم تأمل يا رعاك الله في هذين الحديثين:
عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: سأل رجل عائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: (نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته).
وعن عائشة رضي الله عنها وقد سئلت عما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله؟ قالت: (كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة).
ماذا يقال عمن يفعل مثل هذا اليوم؟ محكوم للمرأة. ولكنه النور الذي جعله الله سبحانه وتعالى في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبان في سلوكه وفعاله وتواضعه وخدمة أهله. وبه كانت تسمو نفسه صلى الله عليه وسلم وتعلو، فليقل السفهاء ما يحلو لهم أن يقولوا.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا من فراغ في وقته ولكنه كان يحقق العبودية لله سبحانه بجميع أنواعها وأشكالها وصورها.
اللهم يا كريم يا منان أكرمنا باتباع رسولك صلى الله عليه وسلم واجعلنا ممن يعظم هديه وسنته إنك سميع عليم قريب مجيب والحمد لله رب العالمين.
اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم




الخطبة الثانية

الحمد لله الحمدلله الحمد لله
سبحان الله من سجد لعظمته العظماء، ووجل من خشيته الأقوياء، وقامت بقدرته الأرض والسماء،
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله

أيها المسلمون: قال الله تعالى: تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]. قال عكرمة: العلو: التجبر. وقال سعيد بن جبير: بغير حق: وقال ابن جريج: لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأرْضِ تعظماً وتجبراً وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة؟ قال: ((إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس)).
وبطر الحق: هو دفعه ورده على قائله، أما غمط الناس: فهو احتقارهم وازدراؤهم.
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر)).
كان علي بن الحسن يقول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء.
قال الحسن رحمه الله: هل تدرون ما التواضع؟ التواضع: أن تخرج من منزلك فلا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً.
ومن منا الآن يطبق هذا القول على نفسه، وينزلها تلك المنزلة؟ بل البعض يأخذه العجب والتيه والتكبر على عباد الله لدنيا أو منصب أو علم أوجاه. . وكلها منح وعطايا من الله عز وجل. ومثلما أعطاها إياه فهو سبحانه قادر على أن يسلبها منه في طرفة عين.
وقال أبو علي الجوزجاني: النفس معجونة بالكبر والحرص على الحسد، فمن أراد الله هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله تعالى به خيراً لطف به في ذلك. فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى، قال سفيان بن عيينة: من كانت معصيته في شهوة فارج له التوبة فإن آدم عليه السلام عصي مشتهياً فاستغفر فغفر له، فإذا كانت معصيته من كبر فاخش عليه اللعنة. فإن إبليس عصى مستكبراً فلعن.
أخي المسلم: من اتقى الله تعالى تواضع له. ومن تكبر كان فاقداً لتقواه. ركيكاً في دينه مشتغلاً بدنياه.
فالمتكبر وضيع وإن رأى نفسه مرتفعاً على الخلق، والمتواضع وإن رؤي وضيعاً فهو رفيع القدر.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه إلى طبقات الجو وهو وضيـع
ومن استشعر التواضع وعاشه. وذاق حلاوته كره الكبر وبواعثه ورحم أهله ورأف لحالهم نعوذ بالله من حالهم.
وتأمل في حال من تلبسه الشيطان في حالة واحدة من حالات الكبر يظنها بعض الناس يسيرة وهي عند الله عظيمة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه، يختال في مشيته إذ خسف الله به، فهو يتجلجل - أي يغوص وينزل - في الأرض إلى يوم القيامة)).
أخي الحبيب: كل ما تراه من مباهج الدنيا وزينتها وقضهما وقضيضها إنما هو ظل زائل وراكب مرتحل.
أحلام ليل أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع
قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها).
أيها الناس: اعلموا أن الزمان لا يثبت على حال كما قال عز وجل: وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ [آل عمران:139]. فتارة فقر، وتارة عنى، وتارة عز، وتارة ذل، وتارة منصب، وهكذا.
فالسعيد من لازم أصلاً واحداً على كل حال. وهو تقوى الله عز وجل والتواضع على كل حال، وهذا الذي يزينه ويبقى معه، والله المستعان.
مر بعض المتكبرين على مالك بن دينار، وكان هذا المتكبر يتبختر في مشيته فقال له مالك: أما علمت أنها مشية يكرها الله إلا بين الصفين؟ فقال المتكبر: أما تعرفني؟ قال مالك: بلى، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، فانكسر وقال: الآن عرفتني حق المعرفة.
وأخيراً: اعلم أخي المسلم: أن الكبر من أخلاق الكفار الفراعنة، والتواضع من أخلاق الأنبياء والصالحين لأن الله تعالى وصف الكفار بالكبر فقال: إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35]. وقال: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل:23].
عباد الله صلوا على البشير النذير والسراج المنير
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. .
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 31-03-2010, 10:45 PM
  #154
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

شكر النعم

الخطبة الأولى

الحمد لله أبداً سرمدا، ولا نشرك معه أحد، تبارك فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عضدا، الحمد لله على نعمته، الحمد لله على منته، الحمد لله على حكمته، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه وتواترت بأبرك الخيرات نعماؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته على الشريك والوزير،وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير، وجل في بقاه وديمومته وغناه وقيمومته عن المطعم والمجير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أعظم رجل عظّم الله، وقدّس الله، وأجلّ الله، وأكبر الله، وهاب الله، وتواضع لله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه

أما بعد: أيها المسلمون، إنّ نعَم الله على عبادهِ كثيرة، وآلاءَه للناس كبيرة، نراها ونشاهدها في حياتنا ومن حولنا، بل وفي أبداننا، فهذا السمع والبصر، وهذا النطق والحسّ، وهذا الفهم والعقل، وهذا المشي والقبض والبسط، وهذه نعمة الأمن والأمان، ونعمة الاستقرار في الأوطان، فكم من الناس من فقدها، فلا يدري كيف يصبح، و لا كيف يمسي، قد هدّد بالسلب والقتل، وخوِّف بالطرد والهدم، وهذه نعمة السلامة من الزلازل والفيضانات والمحن، التي تشرد الناس، وتقضي على الأموال والممتلكات، وهذه نعمة الرزق والمال ونعمة الصحة والعافية، وغيرها من نعم الله على العباد والبلاد، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، فالحمد لله على نعمه العظمية، والشكر له على آلائه الجسيمة.

لكن اعلموا ـ يا عباد الله ـ أنّ أعظم هذه النعم نعمة الإسلام والإيمان والهداية والقرآن، قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فاحمد الله ـ يا عبد الله ـ أن أنشأك في بلاد المسلمين، وجعل أباك وأمك مؤمنين، فكم من الناس من حرِم هذه النعمة، وعرض للامتحان والاختبار والبحث عن الهداية للإسلام، قال الله تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43].

وهذه النعم ـ يا عباد الله ـ تحتاج إلى شكر لله تعالى عليها، وحمدًا له على إسدائها وإنعامها، وذلك بأن تظهِر أثر نعمة الله على لسانك ثناءً واعترافًا، وبقلبك شهودًا ومحبّة، وعلى جوارحك انقيادًا وطاعة، فهذا هو علامة الشكر لله تعالى.

علامة شكر المرء إعلان حمدِه فمن كتم المعروفَ منهم فما شكر

فاشكر الله ـ يا عبد الله ـ على عموم نعمه وجميع فضله، فإن بالشكر دوامَ النعم وزيادتها، وبالكفر والجحود ذهابها واضمحلالها، كما قال الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد)، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم".

ومـن يسدِ معروفًا إليـك فكن له شكورًا يكن معروفه غيرَ ضائع

ولا تبخلنّ بالشكر والقَرض فاجزه تكن خير مصنوع إليـه وصانع

أيها المسلمون، إن مِن شكر الله عن نعمه وحمده على فضله التوجهَ إليه والخضوع بين يديه بأداء أوامره والابتعاد عن نواهيه، وهو العبادة له سبحانه، فهذا هو الشكر الحقيقي كما قال الله تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، وقال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [سبأ:13]، فالشكر بالعمل والطاعة والاجتهاد والمثابرة، فهذا هو الشكر الذي يريده الله ويحبه، وهو الذي أمر به المرسَلين وعبادَه الصالحين.

انظر إلى حال أنبيائه ورسله وأوليائه وأحبابه، يقابلون النعم بالشكر والثناء، ويجتهدون في عبادة رب الأرض والسماء، قال الله تعالى عن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ [النحل:120-121]، وقد رزقه الله الولد على كبَر سنه فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ [إبراهيم:39].

وهذا داود وابنه سليمان عليهما السلام أعطاهم الله ملكًا لم يعطه أحدا من الناس، أخبر الله عنهم فقال: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15].

وهذا لقمان الحكيم أخبر الله عنه فقال: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [لقمان:12].

أما نبينا محمد فقد ضرب أروعَ الأمثلة في شكر الله تعالى، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي يصلي من الليل حتى تتورّم قدماه، فأقول: تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا)) متفق عليه، وكان من دعائه بعد كل صلاة: ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية
يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك واصلي وأسلم على سيد انبيائك واشهد ان لا اله الا أنت واشهد ان محمدا عبدك ورسولك

ثم اما بعد

أخي المسلم، إن مما تعارف عليه الناس واتّفق عليه العقلاء أن من أسدى إليك معروفًا أو قدّم لك خدمة فحق له عليك أن تشكره عليها وتحمده لأجلها، بأن تثني عليه بلسانك، وتجتهد في خدمته بجوارحك، وتتمنى لو سنحَت لك فرصة لكي تردّ عليه جميله.

أحسِن إلى الناس تستبعد قلوبهم فطالما استبعد الإنسانَ إحسان

وليس من الأدب أو ردّ الجميل أن تقصّر في حقه وأنت تستطيع أو تسيء إليه بلا ذنب، فإن هذا من خلُق اللئام وأفعال الطّغام، لذلك ثبت في الحديث أن النبي قال: ((من أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له)) رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني، فكيف ـ يا عبد الله ـ إذا كان صاحب المعروف هو الله، وليس معروفًا واحدًا بل آلاف النعم في كل صباح ومساء وفي عمرك كله.

وليس من شكرِ الله تعالى على نعمه التنكبُ عن أمره والابتعاد عن طاعته وارتكاب كل ما يغضبه ويجلب سخطه، بل هو مدعاة إلى زوال النعمة وذهابها أو انعدامها واضمحلالها، وقد ذكر الله سبحانه لنا في القرآن قصة قرية لم تقابل النعم بالشكر فقال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112]، كما حكى الله لنا قصة مملكة سبأ وما أعطاها الله من أنواع النعم والخيرات، فلم تشكر، فقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ [سبأ:16، 17].

وقد حكى لنا الرسول قصة فيها مثال لشكر النعمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول: ((إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملَكا، فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحب إليك؟ قال: لونٌ حسن وجِلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل ـ أو قال: البقر شك إسحاق إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل وقال الآخر: البقر ـ، قال: فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملا، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس، قال: فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا. فأنتج هذان وولد هذا، قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغَ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللونَ الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلّغ عليه في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك! ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله؟! فقال: إنما ورثتُ هذا المال كابرا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا، فقال: إن كنتَ كاذبا فصيَّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ بها في سفري، فقال: قد كنتُ أعمى فردّ الله إليّ بصري، فخذ ما شئتَ ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله، فقال: أمسِك مالك، فإنما ابتلِيتُم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك)) متفق عليه.

أيها الأحبة الكرام، ليس من شكر نعمة الله تعالى تركُ الصلاة التي أمر الله بها أو الإفطار في نهار رمضان لغير عذر شرعي أو منع الزكاة التي هي حقّ الله في المال أو ترك الحجّ الذي هو ركن من أركان الإسلام، كما أنه ليس من شكر النعمة محاربة الله ورسوله بالربا أو السعي وراء المسكر و الزنا أو الاستهزاء بالدين وشريعة رب العاملين، أعاذنا الله وإياكم وجميع المسلمين.

عباد الله، ومما يعين على شكر الله على نعمه ما يلي:

1- القناعة بما قسم الله لك من رزق، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول قال: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فأنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) متفق عليه.

2- العلم بأن الله سائله عن شكره لنعمه، قال الله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ [الصافات:24]، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا ابن آدم: حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تربع وترأس، فأين شكر ذلك؟! قال الله سبحانه: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ [التكاثر:8])).

3- العلم بأن النعمة تدوم بالشكر، وتزول وتضمحل بالجحود والكفر، قال الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

4- شكر الناس على معروفهم، ففي سنن أبي داود وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)).

اللهم ارزقنا شكر نعمتك، وألهمنا حمدك والثناء عليك، ووفقنا للخير بتوفيقك، واعصمنا من الشر بعصمتك يا رب العاملين...


عباد الله صلوا على البشير النذير والسراج المنير كما أمركم الله بذلك.............الدعاء
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-04-2010, 10:08 AM
  #155
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

خطبة هذه الجمعة اياكم والكذب فإنه يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار
الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه...................

اوصيكم ونفسي بتقوى الله


أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد ، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَ ضلالةٍ في النار.

عبادَ الله، إن من مكارمِ الأخلاقِ التي جاءتِ الشريعة بإكمالها مكرُمةَ الصدقِ، حيثُ كانتِ العربُ في جاهليتها تتفاخرُ بالصدقِ وتُعَظّم الصادقين، وتنفِر من الكَذِب وتهجو الكاذبين، فهذا أبو سفيان بنُ حرب قبل إسلامه يذهبُ في رهطٍ من قريشٍ في تجارةِ إلى الشامِ، فيسمعُ بهم هرقلُ ملكُ الروم، فيبعثُ إليهم ليسأَلَهم عن هذا النبيِ الجديدِ صلى الله وسلم على نبينِا محمد، فأتوه فسألَهم فَصَدَقُوه، قال أبو سفيان وهو يومئذٍ مشركُ: (وَاللَّهِ، لَوْلا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ). هكذا كان الكفارُ في كفرِهم وأهلُ الجاهليةِ في جاهليتِهم يترفَّعُون عن الكذبِ ويستحيونَ من أن وينسب إليهم.

كما كانوا يعظمون الصدقَ والصادقينَ حتى لقبوا نبينا قبلَ بعثته بالصادقِ الأمينِ، وصدقُوا فهو عليه الصلاة والسلام حاملُ لواءِ الصدقِ في الجاهليةِ والإسلامِ، وما زادَه الإسلامُ إلا تمسكًا بالصدقِ وعملاً به ودعوةً إليه وصبرًا على الأذى فيه، تقول عائشة رضي الله عنها: ما كان خلقٌ أبغضَ إلى رسول الله من الكذب، ولقد كان الرجلُ يحدِّث عندَ النبي بالكِذْبةِ فما يزالُ في نفسِه حتى يعلمَ أنه قد أحدثَ منها توبة. وقال عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالصدقِ، فإن الصدقَ يهدي إلى البرِ، وإنَّ البرَ يهدي إلى الجنةِ، وما يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدقَ حتى يكتبَ عندَ اللهِ صِدِّيقًا، وإياكم والكذبَ، فإنَّ الكذبَّ يهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النارِ، وما يزالُ الرجلُ يكذِب ويتحرَّى الكذبَ حتى يكتبَ عندَ الله كذابًا)).

وإن الإنسان العاقل ليغضب أن يقال له بين الناس: يا كاذب، فكيف يرضى أن يكتب عند الله كذابا؟! قال الأحنفُ بنُ قيسٍ رحمه الله: "اثنان لا يجتمعان أبدًا: الكذبُ والمروءةُ".

عبادَ الله، لقد جاء عن النبي أحاديثُ كثيرةٌ تحذرُ من هذا الخلقِ الرديءِ، وتُبينُ أنَّه من كبائرِ الذنوبِ، وتُبَيِّنُ خطرَه وضررَه ومصيرَ صاحبِه وعقوبتَه في الدنيا والآخرةِ، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا كَذَبَ العبدُ تباعدَ عنه المَلَكُ ميلاً من نَتَنِ ما جاءَ به))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أربعٌ من كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا، أو كانت فيه خَصلةٌ من أربعةٍ كانت فيه خَصلةٌ من النفاقِ حتى يَدَعَها: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخلَفَ، وإذا عَاهَد غَدَر، وإذا خَاصَم فَجَر)).

ومن أشد الكذبِ الكذبُ على رسولِ الله ، فهو من الذنوبِ الموجبةِ لدخولِ النارِ، أجارنا اللهُ من النار، وذلك بأنْ يقولَ: قالَ رسولُ الله وهو كاذبٌ، قال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ كَذِبًا عَليَّ ليسَ كَكَذِبٍ على أحدٍ، فمن كَذَبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأْ مَقْعَدَه من النارِ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الذي يَكذِبُ عليَّ يُبنى له بيتٌ في النارِ)).

والكذبُ ـ عبادَ الله ـ له صورٌ متفرقةٌ وأوديةٌ متشعِبة، يجمعها وصفٌ واحدٌ هو: الإخبارُ بخلافِ الحقيقةِ عَمْدًا. والكذب إذا تَضَمَّنَ يمينًا وأفضى إلى أكلِ مالِ مسلمٍ بالباطلِ كان أعظمَ جُرمًا وأشدَّ عقوبة، فعن عبدِ الله بنِ عمروِ بنِ العاصِ رضي الله عنهما أن النبي عَدَّ الكبائرَ وفيها اليمينَ الغموسَ، قيل: وما اليمينُ الغموسُ يا رسول الله؟ قال: ((التي يَقتطِعُ بها مال امرئٍ مسلمٍ هو فيها كاذبٌ))، وقال : ((من اقتطعَ حقَ امرئٍ مسلمٍ بيمينِه فقد أوجبَ اللهُ له النارَ وحرَّم عليهِ الجنةَ))، فقال رجلٌ: وإن كان شيئًا يسرًا؟ قال: ((وإنْ كانَ قَضيبًا من أراكٍ)).

ومن أنواع الكذبِ المنتشرةِ بين الناسِ الكذبُ لإضحاكِ الجلساءِ، فعن مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةََ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله : ((ويلٌ للذي يُحدِثُ بالحديثِ ليضحِكَ به القومَ فيكذِبُ، ويلٌ له، ويل له)) رواه الترمذي وقال: "هذا حديث حسن". فويلٌ لمن أغضبَ الخالقَ ليُفرِحَ ويضحِكَ مخلوقًا مثلَه لا يملِك لنفسِه ضرًا ولا نفعًا، ولا يملِك مَوتًا ولا حياةً ولا نُشورًا. ومعلومٌ أن النبيَّ يمازح أصحابه دون إكثارٍ ولا يقول إلا حقًا، والصحابةُ والتابعونَ ومن بعدَهم يمزَحُون ويضحَكون ولا يقولون إلا صِدقًا، قال ابنُ سيرين رحمه الله: "الكلامُ أوسعُ من أنْ يكذِب ظَريفٌ"، يعني: أنَّ أبوابَ الكلامِ المباحِ واسِعة مُشرَعة أمامَ من أرادَ المِزاح، فلماذا يلجأُ للكذبِ؟! وفي الحديثِ: ((إن في معاريضِ الكلامِ مندوحةً عن الكذبِ)).

ومن هذا النوعِ من الكذبِ ما يُعرَفُ عندَ الغَرْبِ بِـ"كِذْبَةِ أبريل"، إلا أنَّ هذهِ عَادةٌ ذاتُ جُذورٍ دينيةٍ وثنيةٍ، وللأسفِ أنَّه يُقلِدُهم فيها بعضُ الجهلةِ في وسائلِ الإعلامِ ومواقعِ الإنترنت بحجة المزاح، وهم بذلك يحيونَ سُنَنَ الكافرينَ، ويخالفون أخلاقَ المؤمنينَ وسنةَ خاتمِ المرسلينَ عليه الصلاة والسلام، مع ما يُصاحِبُ تلك البِدعةَ من الاعتدادِ بتقويمِهم ونشرِ ثقافتهم وأخلاقِهم الرديئةِ.

فينبغي الحذرُ والتحذيرُ من عاداتِ الكفارِ، خصوصًا إذا كانت ذاتَ جذورٍ عَقَديةٍ، وعدمُ المشاركةِ بشيءٍ من ذلك، بل والإنكارُ على من فعلَ ذلك، وتوضيحُ الحقِ له. وإنْ تعجبْ فعجبٌ فعل بعضُ الناسِ في هذه الكِذبةِ عندما يحبِكُونها، حيثُ يقولونَ: هذه كِذبةُ أبريل، وكأنهم يستحلونَ الكذبَ في هذا الشهرِ والعياذُ باللهِ من ذلك، ومن يعتقِدُ حِلَّ الكَذِبِ فهو على خطرٍ عظيمٍ.

واعلموا ـ عبادَ الله ـ أنه لا يوجدُ كَذِبٌ أبيضٌ ولا أسود، ولا يَحِل شيءٌ من الكذبِ إلا في أحوالٍ ثلاثٍ: كَذِبُ الرجلِ على امرأتِه ليرضيَها، والكَذِبُ في الَحربِ، والكَذِبُ ليصلحَ بين الناسِ، كما أخبرَ بذلك رسولُنا .

ومن أنواعِ الكذبِ الكذبُ في الرؤيا، قال : ((إِنَّ ‏مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ)). قَالَ اِبْن بَطَّال: "الْفِرْيَةُ هي الْكِذْبَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي يُتَعَجَّب مِنْهَا"، ومعنى الحديثِ أنَّ من أعظمِ أنواعِ الكذبِ على اللهِ أن يقولَ الإنسانُ: رأيتُ في منامي كذا وكذا وهو في الحقيقةِ كاذب، فالرؤيا الصالحةُ جزء من ستةٍ وأربعينَ جُزءًا من النبوةِ، وجزاءُ من يكذِب في إحدى أجزاءِ النبوةِ ما قاله رسولُ الله : ((مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ)) رواه البخاري، وهذا يكونُ عقابًا وتعذيبًا له يومَ القيامةِ إذ لا يستطيعُ أحد أن يعقِدَ بين شعيرتينِ كما يعقِد بين حبلين.

ومن زمرةِ الكاذبينَ أيضًا من نقلَ حديثًا وهو يعلمُ أنه كَذِب، قال عليه الصلاة والسلام: ((من حَدَّثَ حديثًا وهُو يرى أنَّه كَذِب فهو أحدُ الكاذبينَ))، وهذا يدلُّ على وجوبِ التثبتِ، وعدمِ نشرِ ما يغلِبُ على الظنِ كَذِبُه، إما لبُعدِه وغرابتِه، أو لصدورِه من معروفٍ بالكذبِ، أو لكونه في مسلمٍ يبعُدُ أن يقعَ منه ذلكَ، وكذلك الثرثارُ الذي يحدِّثُ بكل ما سمعَ هو من زُمرةِ الكاذبينَ أيضًا، قال رسولُ الله ‏‏: ((‏كفى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بكلِّ ما سمِع)).

واعلموا ـ عبادَ الله ـ أن الدابَّة التي يسيرُ بها الكَذِبُ والمَطِية التي ينتشرُ بها هي كلِمَة: "زعموا" أو "قالوا" أو "سمعنا" أو "قرأنا" أو نحوِ ذلك من العباراتِ، قال عليه الصلاة والسلام: ((بئس مَطِيَّةُ الكَذِبِ زعموا))، قال عبدُ الله بن مسعود رضي الله عنه: (إنَّ الشيطانَ ليتمثلُ في صورةِ الرجلِ، فيأتي القومَ فيحدِّثُهم بالحديثِ من الكَذِبِ، فيتفرقون، فيقولُ الرجلُ منهم: سمعتُ رجلاً أعرفُ وجهَهُ ولا أدري ما اسمُه يحدِّث). قال الله تبارك وتعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً.

وإذا كان في المجتمعِ من ينقُل الأحاديثَ وهو يعلمُ كَذِبها ومن يحدِّثُ بكلِّ ما سمعَ ومن يمتطي الكذبُ لسانَه بعنانِ "زَعموا" أو "قالوا" أو "سمعنا" أو "قرأنا"، إذا كانَ هؤلاءِ في المجتمعِ ترعرعتْ إذًا الإشاعةُ وبلَغَتْ عَنانَ السماءِ، ولا يخفى على عاقلٍ خطرُ الإشاعةِ في المجتمعِ، فكم من بيتٍ حطَّمتْ سمُعَته، وكم من مسلمٍ رَوعتْه، وكم من أمنٍ زَعزعتْه، وكم من بريء ظَلَمَتْه، وكم من عِرضٍ لطختْه، ولذلك كانَ عَذابُ مُصَدِّر الإشاعةِ الكاذبةِ في البرزخِ ـ وهو مرحلةُ ما بعدَ الموتِ إلى قيامِ الساعةِ ـ كان عذابُه أن يقومَ عليه قائمٌ بكَلّوبٍ من حديدٍ، فيُدْخِلُ ذلك الكلّوبَ في شِدْقِه، فيُشَرْشِرُ أحدَ شِدْقَيهِ حتى يبلُغَ قَفاه، ثم يَفْعَلُ بالشدقِ الآخرِ مثلَ ذلك، ثم يعودُ للشدقِ الأولِ فإذا هو قدْ التئمَ على هيئتِه الأولى، فيُشرشِرُه إلى قفاه، ثم يعودُ إلى الآخرِ... وهكذا يُعَذَّبُ في البرزخِ عياذًا بالله من ذلك لأنَّه يَكذِبُ الكِذْبةَ فتبلغُ الآفاقَ، كما جاءَ ذلك عن النبيِّ كما في حديثِ البخاريِّ ومسلمٍ.

فاتقوا اللهَ أيها المسلمونَ، واحذروا الشائعاتِ، احذروا من نشرِها وتوزيعِها، لا يكُنْ أحدُكم مُردِدًا لكلِّ ما يسمعُ، يقولُ الإمامُ مالكُُ رحمه الله تعالى: "اعلم أنَّه فساد عظيم أن يتكلمَ الإنسانُ بكلِ ما سمعَ".

وكثيرًا ما تكونُ الإشاعةُ مواكبةً للأزماتِ، متكاثرةً في أوقاتِ النكباتِ والمشكلاتِ الشخصيةِ والعائليةِ وتداعياتِها، فتبدأُ العناكِبُ تنسجُ القِصصَ والمواقفَ النابعةَ من تصوراتِهم وخيالاتِهم وتحليلاتِهم، وتنشُرُها بين الآخرينَ، إما بغرَضِ التسليةِ أو بغرضِ التشهيرِ أو حتى التشفي، لتجدَ الجميعَ في النهاية يتحدثونَ فيها.

إن خطرَ الإشاعةِ على المجتمعِ يكونُ أكثرَ خطورةً عندما يتناولُ ما يَمَسُّ عقيدَتَه وقيمَه وأُسُسَه وبنيانَه، وأخطرُ من ذلكَ أن تكونَ الإشاعةُ تجري على يدِ من نثِقُ بهم، ويعتبرُهم المجتمعُ أهلَ العلمِ والمعرفةِ والثقافةِ، فهؤلاءِ أكثرُ خطرًا باعتبارِهم أكثرَ تأثيرًا في نفوسِ الآخرينَ، ومن هنا لا بدَّ من التريُّثِ والانتباهِ لكلِّ ما نتلقاه، ونلجأُ إلى إعمالِ العقلِ والتفكيرِ، لا أن نكونَ مجردَ إمّعاتٍ نتلقى ونقلّدُ وننشُرُ، فخطرُ الإشاعةِ على المجتمعِ يفوقُ أخطرَ الأمراضِ، فهي أكبرُ فتكًا وأكثرُ تأثيرًا، وتستحِقُّ منا حِرصًا ووعيًا وإدراكًا يوصِلُنا إلى جادةِ الحقِ والصوابِ.

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكُم بما فيه منِ الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقول ما تسمعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين.

أما بعد: فيا عبادَ الله، اعلموا أن من علاماتِ الساعة أن يفشوَ الكذبَ، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تقوم الساعةُ حتى تظهرَ الفتنُ، ويكثرَ الكذبُ، وتتقاربَ الأسواقُ، ويتقاربَ الزمانُ، ويكثُرَ الهرجُ))، قيل: وما الهرجُ؟ قال: ((القتل)). ومن علاماتِها أن يصدَّقَ الكاذبُ وتستقبِله وسائلُ الإعلامِ ويفسحَ لقلمهِ المجالَ، وتفردَ له الصفحاتُ ليكتبَ ويُنَظِّرَ ويُستشار، وفي المقابلِ يُكذَّبَ الصادقُ، ويُتهم بما ليس فيه، ولا يسمحُ له بالكتابةِ أو الظهورِ في وسائلِ إعلامِ المنافقينَ ونحوِ ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن أمامِ الدجالِ سنينُ خداعةٌ؛ يُكَذَّبُ فيها الصادقُ، ويُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ، ويُؤتمنُ فيها الخائنُ، ويَتَكلمَ فيها الرويبضةُ))، قيل: وما الرويبضةُ؟ قال: ((الفويسقُ يتكلمُ في أمرِ العامةِ)).

فاتقوا الله يا عبادَ الله، ولا يَغُرَّنَكُم باللهِ الغَرور، ولا يَفتِنكُم كثرةُ الهالكين، وكونوا مع الصادقينَ، واسمعوا إلى ما أعدَّه الله عزَّ وجل لمن تركَ الكذبَ، قال : ((‏أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي ‏رَبَضِ الْجَنَّةِ ‏لِمَنْ تَرَكَ ‏الْمِرَاءَ ‏وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ)). ومعنى زعيم أي: ضامنٌ وكفيلٌ، والمرادُ برَبَضِ الجنةِ أي: أدناها. وقال عليه الصلاة والسلام: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ، فإن الصدقَ طمأنينةٌ، وإن الكَذِبَ ريبةٌ)).

وهذا عبدُ الله بنُ سَلام وكان من أحبارِ يهودَ في المدينةِ يقولُ: لما قَدِمَ رسولُ الله المدينةَ انجفلَ الناسُ إليه، وقيلَ: قَدِم رسولُ الله، قَدِم رسولُ الله، فجئتُ في الناسِ لأنظرَ إليه، فلما استَثبَتُّ وجهَ رسولِ الله عرفتُ أنَّ وجههُ ليسَ بوجهِ كذابٍ، وكان أولَ شيء تكلم به أن قالَ: ((أيها الناسُ، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليلِ والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام)). فعلاماتُ الصدقِ البارزةُ في محيا رسولِ الله كانت من أسبابِ إسلامِ هذا العَالم اليهودي عبدِ الله بن سلام رضي الله عنه.

لو لم تكن فيه آيات مبينةٌ ::: كانت بديهتُه تنبيكَ بالخبرِ

ويقولُ النبيُّ داعيًا إلى الصدق: ((عليكم بالصدقِ، فإنَّ الصدقَ يهدي إلى البر، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، ولا يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويَتَحرى الصدقَ حتى يكتبَ عندَ الله صِدِّيقًا))، فبين في هذا الحديثِ أن للصدقِ غايةً، وللصادق مرتبةً، أما غايةُ الصدقِ فهي البرُ والخيرُ ثم الجنةُ، وأما مرتبةُ الصادقِ فهي الصِّدِّيقيةُ، وهي المَرتبةُ التي تلي مَرتبةَ النبوةِ عندِ الله، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا.

واسمعوا لقصةِ الإمامِ الزهريِّ رحمه الله التي رواها يعقوبُ بنُ شيبةَ في مسندِه، قال: دخل سليمانُ بنُ يسار على الخليفةِ الأمويِّ هشامِ بنِ عبدِ الملكِ فقال له: يا سليمانُ، الذي تولى كِبْرَه يعني في قصةِ الإفكِ من هو؟ قال: هو عبدُ الله بنُ أبي، قال: كذبتَ هو عليٌّ، قال: أميرُ المؤمنينَ أعلمُ بما يقولُ، فدخلَ الإمامُ محمدُ بنُ شهابٍ الزهريُّ:

كأنه وهو فردٌ من جلالته ::: في عسكرٍ حين تَلقاهُ وفي حشمِ

دخل فقال له الخليفةُ الأُمويُّ: يا ابنَ شهاب، من الذي تولى كِبَرُه؟ فقال الزهري: هو ابنُ أُبي، قال: كذبتَ هو عليُّ، فغضبَ الإمامُ الزهريُّ وانتفض قائلاً: أنا أكذبُ لا أبا لك؟! والله، لو نادى منادٍ من السماءِ: إنَّ الكذبَ حلالٌ ما كذبتُ، حدثني عروةُ وسعيدُ وعبدُ الله وعلقمةُ كلُّهم عن عائشةَ أن الذي تولى كِبْرَهُ هو عبدُ الله بنُ أبي، فقال الخليفةُ الأمويُّ: يبدو أننا أغضبنا الشيخ. الله أكبر، فهذه طريقُ رسولِكم ، وهذا هديُ سلفِكم الصالحُ رحمهم الله.

عبادَ الله، وصلوا وسلموا عن من أمرتم بالصلاة والسلام، حيث قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...

__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 16-04-2010, 01:47 AM
  #156
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

الجار وحقه على جاره

الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102] واعملوا أن حق الجار على جاره مؤكد بالآيات والأحاديث قال جل وعلا: وبالوالدين إحسانًا .. والجار الجنب ويقول : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه.
معاشر المسلمين: كان العرب في الجاهلية والإسلام يحمون الذمار ويتفاخرون بحسن الجوار وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار.
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي::ولم يعلموا جارًا هناك ينغصُ
فقلت لهـم كفـوا المــلام فإنما::بجيرانها تغلو الديارُ وترخصُ

والإسلام يأمر بحسن المجاورة مع كل إنسان وشر الناس من تركه الناس اتقاء شره، وأسوأ الجيران من يتتبع العثرات ويتطلع إلى العورات في سره وجهره وليس بمأمون على دين ولا نفس ولا أهل ولا مال.
عباد الله:
والمسلم يعترف بما للجار على جاره من حقوق وآداب يجب على كل من المتجاورين بذلها لجاره وإعطاؤها له كاملة:
أولاً: عدم أذيته بقول أو فعل، من الجار أو من أولاده أو من أهله لقوله : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)) [متفق عليه].
وقال عليه الصلاة والسلام: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)) [متفق عليه]. والبوائق هي الدواهي والغوائل والشرور.
ثانيًا: من الحقوق الإحسان إلى الجار وذلك بأن ينصره إذا استنصره، ويعينه إذا استعانه، ويعوده إذا مرض، ويهنئه إذا فرح، ويعزيه إذا أصيب، ويساعده إذا احتاج، يبدؤه بالسلام ويلين له الكلام، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ويرعى جانبه ويحمي حماه ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع إلى عوراته، ولا يضايقه في بناء ولا ممر، ولا يؤذيه بقذر أو وسخ يلقيه أمام منزله، فكل هذا من الإحسان إلى الجار الذي أمرنا الله تعالى به.
ثالثًا: إكرامه بإسداء المعروف والخير إليه قال صلى الله عليه وسلم: ((يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة جارتها ولو فرسن شاة)) [متفق عليه والفرسن من الظلف. ولقوله عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: ((يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك)).
رابعًا: تقديره فلا يمنعه أن يضع خشبة في جداره، ولا يبيع أو يؤجر ما يتصل به أو يقرب منه حتى يعرض ذلك عليه ويستشيره. قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في داره)).
أيها المسلمون: والمسلم يعرف نفسه إذا كان قد أحسن إلى جيرانه أو أساء إليهم ففي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت)).
عباد الله:
وإذا ابتلي المسلم بجار سوء فليصبر عليه، فإن صبره سيكون سبب خلاصه منه فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له: ((اصبر)) ثم قال له في الثالثة أو الرابعة: ((اطرح متاعك في الطريق فطرحه فجعل الناس يمرون به ويقولون ما لك؟ فيقول: آذاني جاري فيلعنون جاره حتى جاءه وقال له: رد متاعك إلى منزلك، فإني والله لا أعود)) [رواه أبو داود].
وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام ـ يعني الحضر ـ فإن جار البادي ـ أي الذي في السفر ـ يتحول عنك)).
جعلني الله وإياكم من خيار خلقه وبارك لي ولكم في الطيبات من رزقه، وأجارني وإياكم من أذية الجار والتهاون بحقه قال سبحانه: إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ %وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلاْمُورِ [الشورى: 42، 43].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...




الخطبة الثانية:
الحمد لله الحليم التواب، أحمد سبحانه يغفر الذنب لمن تاب إليه وأناب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل رسول أنزل الله عليه أفضل كتاب، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وسائر الأصحاب أما بعد:
عباد الله:
للمسلم فضل عظيم في أن يكف عن جاره الأذى، وله الفضل في أن يجيره ويدفع عنه يد السوء، وله الفضل في أن يواصله بالإحسان، وهناك فضل رابع هو أن يتجاوز عن أخطائه ويتغاضى عن هفواته ويتلقى كثيرًا من إساءته بالصفح والحلم لأنه لا ريب في أن الذي يحلم على من جهل عليه ويحسن إلى من أساء إليه ويعفو عمن ظلمه يكون في أعلى مراتب الكرامة وفي أرفع منازل السعادة.
ففي الحديث عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله : ((يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك)).
عباد الله:
وكثيرًا ما يكون الصفح عن المذنب والعفو عن المسيء دواء لسوء خلقه وتقويمًا لانحرافه واعوجاجه كما هو المشاهد فيعود الجفاء إلى ألفة والمناوأة إلى مسالمة، والبغضاء إلى محبة. قال الحق جل وعلا: وَلاَ تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] وبعض الناس لا يبالي بغيره إذا تمت له راحته، ولا يهمه أن يكون المسلمون ساخطين عليه وأن تدنس ساحته مادام ينال قصده ويصل إلى مراده ويتمتع بشهوته، ولو كان في ذلك هلاك غيره، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، فاتقوا الله عباد الله واسلكوا في أخلاقكم خير نهج يوصلكم إلى الله وأحسنوا معاملة جيرانكم تفلحوا، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56]
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 16-04-2010 الساعة 01:49 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 22-04-2010, 10:45 AM
  #157
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

الحياة السعيدة


الخطبة الأولى

الحمد لله أبداً سرمدا، ولا نشرك معه أحد، تبارك فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عضدا، الحمد لله على نعمته، الحمد لله على منته، الحمد لله على حكمته، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه وتواترت بأبرك الخيرات نعماؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته عن الشريك والوزير،وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير، وجل في بقاه وديمومته وغناه وقيمومته عن المطعم والمجير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أعظم رجل عظّم الله، وقدّس الله، وأجلّ الله، وأكبر الله، وهاب الله، وتواضع لله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه

أما بعد: يقول ربنا عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].

أيها المسلمون، إن الحياة السعيدة هي الهدف الأسمى والأمنية العظيمة لكل الناس، وقد اختلف الناس في مفهوم السعادة، فالبعض يرى أنا السعادة هي في جمع الأموال فقط، والبعض الآخر يرى أن السعادة هي في المأكل والمشرب والزوجة والأولاد فقط، والبعض يراها فقط في الجاه والسلطان، وكل إنسان يرى السعادة من زاوية معينة.

والكل يبحث عن السعادة بكل ما أوتي من قوة، وكثير من الناس رغم أن عندهم أسباب السعادة المادية ولكنهم غير سعداء. ولكن ما السعادة يا ترى؟ وكيف نلاقيها؟ فهل السعادة في الملك والسلطان؟! فلقد كان فرعون يبحث عن السعادة في الملك وكان يقول بكل غرور: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف: 51]، ونسي أن الذي أعطاه هو الله جل ثناؤه، وأن الله هو الذي أطعمه وسقاه، قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل: 14]، بل إنه تخطى كل ذلك وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38]، وقال أيضا: أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى [النازعات: 24]، كل ذلك في سبيل البحث عن السعادة، ولكن هل حصل هذا الطاغيه عن السعادة؟! لا والله، إنه ظل وسيظل تعيسا شقيا إلى الأبد، فكان جزاء هذا الانحراف وهذا العتو والتكبر والتمرد على الله أن أخذه الله نكال الآخرة والأولى، فبعد أن كانت الأنهار تجري من تحته جعلها الله تجري من فوقه، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]. لا إله إلا الله، ما أتعسها من نهاية! وما أشقاها من حياة أبديه! وقد يلحق بفرعون أقوام وأقوام، وما فرعون إلا مثل لبعض الطغاة والظالمين الذين استعبدوا شعوبهم وبدلوا نعمه الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار.

والبعض الآخر يرى أن السعادة في جمع الأموال وبناء القصور وكثرة الأولاد والزوجات فقط، فهذا قارون قد منحه الله أموالا وكنوزا ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، ونسي أن الله هو المعطي، وأن الله هو الرزاق، وأن الله هو الوهاب سبحانه وتعالى، فقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: 78]، فكفر بنعمة الله، وتكبر واغتر، وظن أن هذه هي السعادة، فماذا كان جزاؤه؟ وماذا كانت نهايته؟ وكيف كانت تلك النهاية المأساوية؟ لقد خرج على قومه في قمة زينته وغطرسته وغروره، فخسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلل فيها، فما أغنى عنه ماله من الله شيئا، فما أشقاها من نهاية! وما أتعسها من خاتمة! وما قارون إلا رمز ومثل لكل من أعطاه الله مالا فاغتر به وتكبر وظن أنه في السعادة الحقيقية والهنا.

أيها المسلمون، وهناك شريحة من الناس ظنت أن السعادة هي في حياة الملاهي والكسل والتراخي والنوم والبعد عن تكاليف هذا الدين والهروب من مشاكل هذه الحياة ومسؤولياتها، وهذه النوعية من الناس هي في الحقيقة في قمة التعاسة؛ لأنهم ليس لهم هدف في الحياة ولا قيمة في الوجود. وينطبق عليهم قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7، 8]. إنها حياة الشهوات والملذات وحياة الغفلة والحيوانات، فما أتعسها وأتفهها من حياة!

أيها الإخوة الأحبة، إن الكل يبحث عن السعادة، ولكن الكثير يخطئون الطريق إليها ويضلون عن سواء السبيل؛ وذلك بسبب إعراضهم عن السبب الرئيسي للسعادة، بل بسبب إعراضهم عن السعادة نفسها، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124]. ولماذا هو أعمى يوم القيامة؟ إنه أعمى بسبب أنه تعامى عن السعادة الحقيقية في الدنيا، فأعماه الله عن السعادة والجنة في الآخرة، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه: 125، 126].

إن السعادة الحقيقية هي في طاعة الله عز وجل وفي عبادته وامتثال أمره واجتناب نواهيه، ولقد ذاق طعم السعادة إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما حطم الأصنام وقذف في النار، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ [الأنبياء: 69، 70].

وذاق طعم السعادة يوسف عليه الصلاة والسلام عندما قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33]، ذلك السجن الرهيب إلى مدرسة للإيمان والتوحيد.

ووجد تلك السعادة أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، عندما أووا إلى الكهف فنشر لهم ربهم من رحمته وهيأ لهم من أمرهم مرفقا.

ثم بعد ذلك ذاق طعم السعادة خير البشر محمد ، ثم ذاقها أصحابه رضي الله عنهم ومن بعدهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه: 123، 124].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر المبين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.

أما بعد: أيها المسلمون، إن السعادة تنقسم إلى نوعين:

النوع الأول: سعادة وهمية يظن أصحابها أنهم سعداء بسبب الأمور المادية الذي منحهم الله إياها، ولكنهم بعيدون عن الإيمان والصلاة، بعيدون عن الأخوة الإيمانية، بعيدون عن القرآن والدعوة إلى الله والمساجد، بعيدون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن كل ما يقربهم إلى الله، بل إن هذه النوعية من الناس قد يكونون منغمسين في أنواع من المعاصي والملذات المحرمة، فهم واهمون في تلك السعادة التي ليس لها نهاية إلا النار، قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103، 104].

أما النوع الثاني من أنواع السعادة: فهي السعادة الحقيقية التي تكون في الدنيا وتمتد إلى الآخرة، هذه السعادة التي تكون أولا وقبل كل شيء هي الإيمان بالله والعمل الصالح والتمتع بنعم الله في ظل طاعة الله عز وجل، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97]، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28].

إن صانع السعادة الحقيقية ولذتها هو المؤمن الصادق الإيمان الذي إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. هنا تكمن السعادة في الشكر الحقيقي والرضا الدائم بقضاء الله وقدره والعيش في ظل مبادئ هذا الدين العظيم، يقول الرسول الكريم : ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي)).

فيا طلاب السعادة، ويا عشاق السعادة، ويا أيها الباحثون عن السعادة والخلود والراحة، فإنها لن تكون إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام، فمن أراد السعادة فليلتمسها في المسجد ومن المصحف ومن السنة المطهرة وفي الهداية والاستقامة على كتاب الله وسنه رسوله ، فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه: 123].

وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأفضل البشرية محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا...

__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 22-04-2010 الساعة 10:52 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 29-04-2010, 06:09 AM
  #158
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

عنوان الخطبة وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ

الخطبة الاولى
إن الحمد لله نحمده ..........................

............ الوصية بتقوى الله

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
معاشر المسلمين، بات الأبُ المسلم ساهرًا مهتمًا، ينتظر فرج الله تعالى وسلامة زوجته، ويرقب البشارة بالإنجاب ووصول الولد، وما هي إلا ساعات ولحظات حتى بُشّر بمولود جميل، لكنه ليس ذكرًا بل كان أنثى، فتغيّر وجه الأب، وانكمش حاله، ونُغِّصت سعادته، واعترته الكآبة والضيق! لماذا؟! لأن الأب كان يطمع في المولود الذكر، ليقف بجانبه، ويقوم بخدمته، ويساعده على أعباء الحياة؛ لكنه نسي أن هذا رزق ساقه الله إليه، وله فيه الحكمة البالغة، ونسي أن هذا الإنجاب نعمةٌ عظيمةٌ حُرم منها بعض الناس، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68]، ونسي أن كل ما يقضيه الله للمؤمن خيرٌ له وأعظم، فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19].
أيها الإخوة، لقد آلمَ العقلاء ما بدر من بعض المسلمين من التحاف النفسية الجاهلية تجاه إنجاب البنات، فتضايق من ولادتهن، وضاق بالبشارة بهنّ، فكان كما قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل: 88]. وآخر احتوته الغفلة والبلادة، فحلف على زوجته المسكينة: لو أتت ببنات ليُطلقنَّها وليفارقنّها فراق غير وامق. سبحان الله! هل عادت فينا خَصلة الجاهلية الأولى؟! وهل تسلّط علينا الشيطان؟! وهل تردت عقول هؤلاء الأزواج حتى يعتقدوا أن الزوجة سبب في التأنيث؟!
لم يكن يُتَصوَّر أن يُطرق هذا الموضوع في ظل بيئة مسلمة تؤمن بالله وتؤمن بقدرته وحكمته، حتى ترامى إلى مسامع الجميع تغيُّر النفوس من إنجاب البنات، ومشابهة الكفار في التمعّر والغضب والاستياء من ولادة البنات، وتهديد الزوجة بالطلاق مرات ومرات، كأن المرأة هي المسؤولة والضمينة لما يصير ويحدث!
إن المسلم العاقل ليعجب ممن يدّعي الإسلام ويصلي ويصوم ثم يتخلق بأخلاق الكفرة وأهل الجاهلية في كراهية البنات والاشمئزاز بولادتهن، كأن هذا الرجل قد رأى سعادتَه في إنجاب الذكور، ورأى مستقبله في غير البنات، ورأى سلامته وبهجته في البشارة بالغِلمان، وما يدريك أيها الإنسان لعل الله يبارك في البنات، ويصرف عنك لأواء الذكور وما يكون فيهم من طيش وسفاهة.
أيها الإخوة الكرام، ليس عيبًا ولا منكرًا أن يُولد لبعضنا البنات، فإن البنات فيهنّ خير عظيم، والعاقبة منهن حسنة، ويجني الآباء والأمهات منهن فوائد عديدة، ولم يعش للنبي مدة حياته من أولاده إلا البنات، وقد رتَّب على حسن تربيتهنّ وتعليمهن أجرًا كريمًا. ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((من ابتُلي من هذه البنات بشيءٍ كنّ له سِترًا من النار))، والمعنى: إذا صبر على تربيتهن والإحسان إليهن كنّ له حجابًا يحجبه من النار. فأيّ فضل يرجوه المسلم بعد ذلك؛ أن تكون تربية البنات والصبر عليهن مانعًا له من دخول النار ومن ثم مصيره إلى جنات النعيم؟!
يُحكى أن رجلاً كان لا يولد له إلا البنات، فضاق وتضجر من ذلك حتى هدّد زوجته بالطلاق، فحملت المرأة مرة أخرى، فحُملت إلى المستشفى، وأسفر حملها عن بنت حسناء، فرئي عليها الحزن والكآبة من ذلك، فلحظَ الممرضات ذلك، فسألتها إحداهن فذكرت لهن الخبر، فأخبر أحد الدكاترة بالقضية، فقال: دعوا الأمر لي. فلما أتى زوجها سأل الدكتور: ما الخبر؟ فقال الدكتور: هنيئًا، فقد ولد لك مولود ذكر، فاستبشر الأب، فقال الدكتور: لكنه مشوّه الخِلقة، وفيه كذا وكذا، ويشكو من كذا وكذا، ويحتاج إلى إشراف وعناية، فتغيّر وجه الزوج كأنما صُفع صفعة شديدة وأحسّ بابتلاء الله تعالى له، فراجع نفسه وتساءل وقال: إنه ابتلاء الله لي لأنني كرهت البنات وما أحببتهن، فهذا جزائي، فقال له الدكتور: لا عليك بل افرح واستبشر، فقد رزقك الله بنتًا جميلة حسناء، فاستبشر الأب وحمد الله ورضي لقضاء الله وقدره، فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19].
أيها المسلمون، لقد سخِِِط أناسٌ البنات فابتلاهم الله بالمتاعب والأسقام، وعادت عليهم الذرية الذكور بالبلايا والنكبات، فذاك ابنه مع الرفقة الفاسدة، وذلك في عُصبة المخدرات، وذاك تعيسٌ في دينه وخُلُقه؛ جزاء فاقًا. فعلى العبد أن يرضى بحكم الله عليه، ويؤمن بقدَره خيره وشرّه، ويعلم أن الله تبارك وتعالى لا يقضى للمؤمن إلا خيرًا، قال كما في صحيح مسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنّ أمره كلَّه له خير، إنْ أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن))، وقال ربنا تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: 49].
فربنا تعالى هو خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء، وقد جعل سبحانه الناس أربعة أقسام: قسم يرزقه الإناث، وقسم يرزقه الذكور، وقسم يجمع له الذكور والإناث، وقسم عقيم لا يولد له.
وجعل سبحانه القسم الأول في الآية الإناث: يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا [الشورى: 49] تنبيهًا على فضلهنّ وردًا على أهل الجاهلية في صنيعتهم النكراء من كراهتهم البنات ودفنهن أحياء، نعوذ بالله من انتكاس الفطر وموت القلوب.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
استغفروا ربكم عباد الله، وتوبوا إليه، فيا فوز المستغفرين التائبين.



الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)). لقد أنجب لنا التاريخ نساءً صالحات وسيداتٍ مباركات، شيّدن مناراتٍ للعز والشرف، وبنَينَ مساكن للبطولة، عزّ فعلها على كثير من الرجال والأبطال.
آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، عاشت ونشأت في قصر أكبر طاغية عُرف في التاريخ، فلم تخضع لجبروته، ولم تدخل في ألوهيته، ولم تستسلم لدنياه، بل صبرت على دينها وعزت بإيمانها، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم: 11]. وفي الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: ((كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).
وها هي ماشطة بنت فرعون تسجّل لأهل الإيمان موقفًا في الصبر والتضحية والشمَم بإيمانها واستسلامها لله، عندما يراودها فرعون على إيمانها بالله، فيقتل أبناءها أمامها واحدًا تلو الآخر وهي الأم الحنون، فتأبى أن تكفر بالله، بل تصبر وتحتسب.
وتلكم خديجة بنت خويلد زوج رسول الله التي كان لها مقام النصرة والتثبيت لرسول الله عندما نزل عليه الوحي، فقد قالت له كما في الصحيح: كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتعين على نوائب الحق. وروى أحمد والنسائي بسند صحيح أن النبي قال فيها: ((آمنتْ بي إذ كذّبني الناس، وآوتْني إذ رفضني الناس)).
و ما التأنيـث لاسم الشمس عيبٌ و لا التذكيـر فخـرٌ للهـلالِ
ولـو أن النسـاء كمـن فقدنـا لفُضِّلت النسـاء على الرجـالِ
وهل سمعتم بامرأة تزوّجت على الإسلام، كان مهرها الإسلام، لم تطلب سواه، إنها الرُميصاء أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها. ثبت في الصحيحين من حديث جابر أن النبي قال: ((رأيتُني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة)). وعند النسائي بسند صحيح عن أنس قال: تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام. وفي رواية قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: والله، ما مثلك يا أبا طلحة يُرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوّجك، فإنْ تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرًا من أم سليم؛ الإسلام، فدخل بها فولدت له.
وهذه والدة سفيان الثوري رحمه الله، توجهه لطلب العلم، وتعوله بمغزلها، قال وكيع: قالت أم سفيان لسفيان: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمِغزلي، فإذا كتبت عدةَ عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه، وإلا فلا تتعنَّ.
وهل بلغكم ـ يا مسلمون ـ خبر المرأة التي قعدت تعلّم زوجها العلم الحديث؟! إنها بنت سعيد بن المسيّب رحمه الله، التي زوّجها لتلميذه أبي وداعة، وكان فقيرًا، فلما أصبح من ليلته أصبح يريد التوجه لحلقة سعيد بن المسيب، فقالت له: أين تريد؟! فقال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، فقالت له: اجلسْ أعلمك علم سعيد.
الله أكبر، ما أجلهَّا من أخبار! وما ألذها من قصص! أبانت لنا عظم فضل النساء، وأنهن إذا حظين بالتربية الإيمانية والعلمية سجّلن مواقف نادرة وبطولات خارقة، وأخرجن جيلاً فريدًا يطلب العلم ويروم البطولة ويسعى للنُبل والفضيلة
عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
الدعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء


.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-05-2010, 09:42 PM
  #159
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت


ظاهرة سيئة تظهر مرة اخرى بعد اختفاء


الخطبة الأولى
الحمد لله علاّم الغيوب، المطلع إلى أسرار القلوب، البصير بسرائر النيات وخفايا الطَوِيَّات، يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
أيها المسلمون، لقد خلق الله الإنسان في هذه الدنيا وكرّمه أحسن تكريم، وقوّمه أحسن تقويم، ولقد جاءت الشريعة المطهّرة من لدن حكيم عليم، عالم بأسرار الكون وما يصلح النفس البشرية وما ينفعها في معاشها وفي معادها، وهو الذي وعد بقوله جل وعلا، قوله الحق ووعده الصدق: وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3].
عباد الله، لا للمال خلِقنا، ولا لاتخاذه هدفًا أسمى أمرنا، وليس المال خيرًا محضًا فنقصر جلّ تفكيرنا عليه، بل ولا شرًّا محضًا فنجعل قوانا على التخلّص منه، إنما المال يكون خيرًا إذا استُغلّ في أوجه الخير، ويكون شرًّا وأعظم به من شرّ إذا لم يرقب صاحبه في جمعه إلاً ولا ذمّة.
أما شرّ المال إذا دِيس به كرامة الإنسان، فكم وئِد من أجل المال من فضيلة وديس من كرامة. روى الإمام أحمد والترمذي في حديث حسن قول النبي : ((ما ذئبان جائعان أرسِلا في زريبة غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)).
فاتقوا الله يا عباد الله، اتقوا الله في أموالكم، فإن أخذ المكاسب الخبيثة والمصارف المحرّمة شدّة حساب وسوء عقاب.
أيها المسلمون، إن سؤال الناس مذلّة وضعة، والمؤمن عزيز غير ذليل، وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8].
عباد الله، لقد ظهر في مجتمعنا فئة من الناس تسأل الناس إلحافًا، اتخذت ذلك حرفةً ووسيلة لجمع المال، إنه التسوّل الذي يُعتبَر في بعض البلاد جريمة يُعاقب عليها صاحبها، فإذا كان المتسوّل صحيح البدن أصبحت هذه الطريقة عنده وسيلة من وسائل كسب المال، بل هي وسيلة مريحة يجني بها صاحبها المال الكثير دون عناء أو مشقة.
في إحدى الدول عُمِلت إحصائية لهؤلاء الصنفِ من الناس، فماذا خرجت النتيجة؟
خرجت أن دخل بعضهم شهريًا قرابة العشرة آلاف، وأن ما يقرب من تسعين في المائة ليسوا فقراء، لقد أصبح الكثير منهم مبدعًا في التسوّل، كان له تطوير مقنِع، آلات ترى أن أحدهم يحمل أوراقًا طبّية تبيّن للناس أنه يعاني من أمراض مزمِنة، وأنه محتاج فقط إلى قيمة الدواء، وتجد الآخر يجمع تبرّعات لبناء مسجد أو مدرسة أو نحو ذلك.
وإليكم هذه القصة: في شهر رمضان الماضي قام رجل وادعى في المسجد أنه رئيس لجامعة إسلامية في أحدى الدول، يحمل معه مخططات لبناء تلك الجامعة، وأرفق معها خطابات وتزكيات، ومعه أوراق تحدّد تكلفة البناء، ويحمل مستندات، وأن منهج هذه الجامعة سلفيَّ، يدعو إلى التوحيد وإلى محاربة البدع وإلى العناية بالقرآن الكريم، وبعد الإطلاع على هذه الأوراق تبيّن لهذا المطّلع أن هذه الأوراق مزوّرة، وأن القائم على جمع التبرّعات والذي يزعم أنه رئيس لهذه الجامعة يعمل سبّاكًا في إحدى المدن، ليس له أي علاقة في مثل هذه الأعمال الخيرية، ومع الأسف تجد أن بعض الناس يتعاطف مع هؤلاء، ويستغلّون طيبة البعض، تجد من يعطيهم دون تدقيق أو تحقيق أو سؤال.
إن الواجب على الجميع عدم التساهل مع هؤلاء وأن لا نتسامح معهم، بل يجب إبلاغ الجهات المعنية بهم والتأكد من هويّتهم. والله، إن بعضهم يلعب بتلك الأموال القمار، والبعض الآخر يتاجر بها في المخدّرات. وقد يظهر لك أنه محتاج وأنه مسكين، ولو أعطيت أحدهم طعامًا أو شرابًا ما قبله.
عباد الله، إن التسوّل إحدى ظواهر الخلط في المجتمعات، ولا يخلو مجتمع مهما كان تقدّمه حتى في أوربا وأمريكا، لا يخلو مجتمع من هذه الظاهرة، وما علموا أن هذه المهنة تؤثّر على كرامة الإنسان.
إن التسوّل قد يدفع الأطفال إلى التسرّب من المدرسة، ويعرّضهم إلى مظاهر من الاستغلال، بل فيه تعريض لهم إلى مخاطر الانحراف والإجرام.
فلاحظ أنهم يتواجدون في الأسواق وعند أبواب المساجد وعند إشارات المرور، يستخدمون أساليب في استعطاف الناس من ارتداء الملابس البالية أو حمل الأطفال، والغريب أن هؤلاء يتمتعون بصحة جيّدة، ولا أدلّ على ذلك وقوفهم في شدّة الحرّ عند إشارات المرور.
ثم بعد ذلك قامت دراسة ميدانية لهؤلاء ووُجد أن من أهمّ أسباب التسوّل البطالة ثم الحاجة إلى العائد المغري غير المكلِف.
أما حكم التسوّل فقد حرّم العلماء التسوّل وسؤال الناس بغير ضرورة أو حاجة مهمّة، ثم قالوا: إن الأصل فيه التحريم، لأنه لا ينفكّ عن ثلاثة أمور محرّمة:
الأول: إظهار الشكوى من الله تعالى؛ إذ السؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة الله تعالى، وهو عين الشكوى.
والثاني: أن فيه إذلال السائل نفسَه لغير الله تعالى.
والثالث: أنه لا ينفكّ عن إيذاء المسؤول غالبًا.
وقال ابن القيم رحمه الله: "إن المسألة في الأصل حرام، وإنما أبيحَت للحاجة والضرورة؛ لأنه ظلم في حق الربوبية، وظلم في حق المسؤول، وظلم في حق السائل".
إن الإلحاح على السؤال ينافي حال الرضا ووصفه، ولقد أثنى الله عز وجل على الذين لا يسألون الناس إلحافًا فقال جل وعلا: يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ لاَ يَسْـئَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (من كان عنده غداء لا يسأل عشاءً، وإذا كان عنده عشاء لا يسأل غداءً).
والآية الكريمة من سورة البقرة اقتضت ترك السؤال مطلقًا، لأنهم وُصِفوا بالتعفّف والمعرفة بسيماهم دون الإفصاح بالمسألة؛ لأنهم لو أفصحوا بالسؤال لم يحسبهم الجاهل أغنياء.
ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله : ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم))، وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: ((ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي يطوف على الناس، فتردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان))، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يجد غِنى يغنيه، ولا يُفطَن له فيتصدَّق عليه، ولا يسأل الناس شيئًا))، وفي البخاري عن الزبير عن النبي أنه قال: ((لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره، فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه))، إن جمع حزمة من الحطب ـ ممّا رغب عنه الناس ـ أو من كلأ مباح، يحمله الرجل على ظهره، ويبيعه بدرهم أو درهمين، يحفظ بذلك على نفسه كرامتها، ويحفظ عزّها، ويقي وجهه من ذلّ السؤال، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه.
قال فيما رواه ابن مسعود رضي الله أنه قال: ((من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله بالغنى، إما بموت عاجل أو غنى عاجل)) رواه أبو داود، ورواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
لقد سمع عمر رضي الله عنه سائلاً يسأل بعد المغرب فقال لرجل من القوم: قم عشِّ هذا الرجل، فعشاه، ثم سمعه ثانية ثم قال: ألم أقل لك عشِّ الرجل؟! فقال: يا عمر، قد عشيتُه، فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزًا، فقال له عمر: لست سائلاً، ولكنك تاجر، ثم أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصدقة، ثم ضربه بالدرّة وقال له: لا تعُد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي ٱلأرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ لاَ يَسْـئَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، فعن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه، قال: تحمّلتُ حمالة ـ أي: دية أو غرامة يحملها الإنسان بسبب الصلح بين الناس ـ فأتيت رسول الله أسأله فيها، فقال له: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فتأمر لك بها))، ثم قال: ((يا قبيصة، إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالة فحلّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش ـ أو قال: ـ سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش ـ أو قال: ـ سدادًا من عيش، فما سواها من المسألة ـ يا قبيصة ـ سحت يأكلها صاحبها سحتًا)) رواه الإمام مسلم.
ولما جاء حكيم بن حزام رضي الله عنه إلى النبي سأله فأعطاه، ثم قال: سألته فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيم، إن هذه المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارَك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى))، قال حكيم رضي الله عنه: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، وكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم قال عمر: إني أشهدكم ـ أيها المسلمون ـ على حكيم أني أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله حتى توفيّ. حديث متفق على صحته.
أيها المسلمون، إن النصوص الدالة على ذم التسوّل كثيرة، ولا صحّة لما يستدلّ به بعض العوام: "لو صدق السائل ما أفلح من ردَّه".
فلا تحسبنّ الموت موت البلى فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهمـا مـوت ولكـن ذا أشدّ من ذاك لذل السؤال
يكفي ـ يا عباد الله ـ أن التسوّل يورث الذلّ والهوان في الدنيا والآخرة، وأن هذا العمل عمل دنيء تمجّه الأذواق السليمة، وأن فيه دلالة على دناءة النفس وحقارتها.
فعلينا جميعًا ـ يا عباد الله ـ أن تحذّر أنفسنا من هذه، وأن تحارب هذه الظاهرة بجميع ما نملك.
هذا وصلوا على النبي المصطفى والرسول المجتبى فقد أمرنا الله جل وعلا أن نصلي عليه فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء
...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 17-05-2010, 01:04 PM
  #160
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

الخطبة الولى
الحمد لله علاّم الغيوب، المطلع إلى أسرار القلوب، البصير بسرائر النيات وخفايا الطَوِيَّات، يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
معاشر المسلمين، لقد حدا بنا الشوق ليكون الحديث عن رجلٍ عظيم حوى لؤلؤة السيادة، وتملّك زمام القيادة، بهر الناس بشجاعته، وبزَّهم ببيانه، وفاقهم برأيه وحكمته. لقد كان من أعظم الناس جَنانا، وأقومهم سلطانًا، وأصدقهم هدى وإيمانا. كان من جيل القرآن الذين تربَّوا على مأدبته، ينهلون بلا ارتواء، ويعملون بلا انقضاء، ويمضون على اهتداء.
رفع الإسلام من بطولته، وأعلا من كلمته، وزاد من فضله وقيمته. لم يكن ليسعد بلا إيمان، ولا ليعزّ بلا قرآن، فسارع مع المسارعين، وجانب طرائق المخالفين، بل ما إن غمرته السعادة واحتواه الإيمان إلا وقام ينفض غبار الوثنية ويجعل النخوة الجاهلية نخوةً إسلامية، تقيم الحق، وتزهق الباطل، وتصلح الخلل والاعوجاج. فهو في أول أيامه داعية صدّاح وخطيب مصقع، يصبّ الكلمات صبًا، وينشرها أريجًا وحُبا. نادى في قومه أن لا عزّ إلا بالإسلام، ولا حياة إلا بالإيمان، فقال لهم ووجهه مشرق بالإيمان والسعادة: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا، وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبة، قال: فإنّ كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله. لقد شقَّت هذه الكلمات دياجير الظلمات، وأعادت في المدينة البسمة بعد التعاسة والنكبات، فما أمسى فيهم رجلٌ ولا امرأة إلا مسلمًا أو مسلمة سوى رجل واحد.
أيها الناس، ذلكم الرجل هو سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، السيد الكبير والبطل الشهير الذي عقد له المسلمون ولاء المحبة والرضا، وصار وداده شعار أهل الإيمان ومنابذته شعار أهل النفاق من حين سمعوا حديث النبي : ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغضُ الأنصار)) أخرجاه من حديث أنس، وفي الصحيحين أن النبي قال: ((لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم))، وفي الصحيح أيضًا قال لهم: ((أنتم من أحب الناس إليَّ))، وفي المتفق عليه عن البراء أن النبي قال: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)). ذلك الرعيل المؤمن أخرج لنا سعد بن معاذ، الأمير القائد، والبطل المجاهد، فلنستمع لشيء من أخباره، ولْنجْنِ من أزهاره وأعطاره.
في غزوة بدر الكبرى عقد النبي مجلسًا عسكريًا استشاريًا لملاقاة المشركين وصد عدوانهم خارج المدينة، فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر وقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فتكلم وأحسن، فقال النبي بعد سماع هؤلاء القادة الثلاثة: ((أشيروا عليَّ أيها الناس))، ففطِن قائد الأنصار سعد بن معاذ لِما أراد رسول الله ، فقال: والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: ((أجل))، فقال سعد : لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصِل حَبْل من شئت، واقطع حَبْل من شئت، وخُذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذتَ منّا كان أحبَّ إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمرٍ فأمرُنا تبع لأمرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البِركَ من غِمدان لنسيرنَّ معك، والله لئن استعرضتَ بنا هذا البحر فخُضتَه لخضناه معك، فسُرَّ رسول الله لقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: ((سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم)).
لقد وثّق سعد بهذه الكلمات البيعة الصادقة، وزاد من تأكيدها، مقرِّرًا خوض المعركة بالأنفس الباسلة التي تجتاح جموع الشرك في أشد الظروف والأوقات، إنها شعار الإقدام والبسالة وعنوان التضحية والجسارة.
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن علـى أقدامنا تقطر الدما
تأخرتُ أستبقـي الْحياة فلم أجد لنفسـي حيـاةً مثل أن أتقدَّما
نفلِّـق هامًـا مـن أنـاس أعزةٍ علينا وهم كانـوا أعقَّ وأظلما
وفي وقت آخر شديد وساعة نكباء مدلهمة كما قال تعالى: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا [الأحزاب: 10]، في يوم الخندق إذ يشتد الخطب وتضطرب الأنفس وتُطوَّق المدينة يحاول النبي التماس حلٍ للمسلمين، يفك به الحصار، ويزعزع به اجتماع الأحزاب الكافرة، فيعمد إلى سيِّدَي غطفان ليصالحهم على ثلث ثمار المدينة ويرجعوا بجيشهم، فاستشار السعدين في ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما، فقالا: يا رسول الله، إن كان الله أمرك بهذا فسمعًا طاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قِرى ـ أي: ضيافة ـ أو بيعًا، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزّنا بك نعطيهم أموالنا، والله لا نعطيهم إلا السيف، فصوَّب رأيهما، وقال: ((إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة)).
لقد طغت قوة الإيمان على الحسابات العسكرية والخطط الإستراتيجية التي إذا بولغ فيها زعزعت العقيدة وأورثت فزعًا واضطرابًا وجُبنا وانكسارا.
فهذه الكلمات العظام شعّت باليقين الراسخ الذي هدهدَ غطرسة الشرك، وفلَّ جموع الباطل، وأحيا مادة النصر، ورفرف بيارق العز والسعادة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون، وفي ساعة أخرى شديدة إذ تدنو سهام الموت ويتسع البلاء بسعدٍ رضي الله عنه حيث يُصاب بسهم في الخندق، يصُدّ تقدمه، ويوقف جهاده وإصراره، لكنه لا يفقد الأمل، ولا يتذرع بالوجع، بل يصنع الطموح في وقت الجراح، ويولِّد العزيمة أثناء الكروب والشدائد. ففي مسند أحمد بسند حسن قال سعد بعدما أُصيب: (اللهم إن كنتَ أبقيتَ من حرب قريشٍ شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قومَ أحبّ إليَّ من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيّك وكذبوه وأخرجوه. اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تُمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة).
أيها الإخوة، من يجود بمثل تلك الكلمات في موطن البلاء والسقم، أو يعالج في نفسه حب الدعة والارتياح وتشتاق نفسه لميادين الرهب والخوف؟! إنه القلب المؤمن الذي أشرق بالقرآن، وامتلأ بالإيمان، ونُقِّي من حب الدنيا وكراهية الموت. إنه قلب سعد الذي لم يُقم للدنيا وزنًا، ولم يرفع بها رأسًا، ولم يهبها عقلاً ولا بالاً. صانه الله أن يكون من عبيد الدنيا، وحفظه من مفاتنها وألاعيبها، فبات طالبًا للآخرة، ساعيًا للشهادة، راغبًا فيما عند الله، إنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص: 47].
لقد مات سعد من أثر السهم، إذ انفجر جُرحه بعدما حكم في بني قريظة بحكم الله تعالى. نعم، مات جسده في عام الخندق، ولم تمت أخباره البهية ولا آثاره المرضية، لقد مات مفارقًا الدنيا، تاركًا مبادئَ رواها وأخلاقًا أحياها ومُثُلاً أسسها وبناها.
لقد أبقى لنا سعد تراثَ البطولة الصادقة والتضحية الجبارة التي تعيش لتسمو بالإسلام، وتعز لتعلي أهله كالأطواد والأعلام. وخلَّّف سعدٌ لنا عقيدة الإيمان بالله التي لا تخشى النكبات، وتتحدى الرزايا والابتلاءات، وشعّ منها مبدأ الثقة بالله وبوعده ونصره، وأنه لا يتخلف مهما انتفخ الباطل وكثر الأعداء والمنافقون، قال الله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ [الصافات: 171- 173]. وعلّمنا سعد دروس الصبر والعزيمة والاحتمال، وشرح لنا الحزم في المواقف، وشدة البأس في النزال، والفدائية إذا حانت الساعة، ومنهاج السلامة لطلاب السلامة، وطريق الآخرة لمرتجي الثواب العظيم والمقام الكريم.
ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي قال: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض))، وفيه أيضًا عن سمرة في حديثة الطويل قال : ((رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي، فأدخلاني دارًا هي أحسنُ وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قالا: أما هذه الدار فدار الشهداء)).
إن سعدًا قد تبوأ تلك الدار الكريمة التي زانت بأطايب النعم ومباهج المنن، ولقد تواتر الحديث الشريف عن النبي الذي رواه أحمد وابن سعد والحاكم وغيرهم: ((إن العرش اهتز لموت سعد فرحًا به))، وناهيك بها شرفًا وفضلاً. وفي الصحيحين عن أنس قال: أُهدي لرسول الله جُبّة من سندس، وكان ينهى عن الحرير، فتعجب الناس منها فقال: ((والذي نفسي بيده، إن مناديلَ سعد بن معاذ في الجنة أحسنُ منها)).
أيها الآباء والمربون، لكم في هذه السيرة أنبل الدروس وأحسنها، فأفيدوا منها، وانتهجوا رسمها، وقرّبوا للناشئة هذه السيرة وأشباهها، وإياكم وتغييب الأبناء عن سير العظماء من هذه الأمة الذين ماتوا ولم تمت أعطارهم، وما جفت مزاهرهم، بل في كل يوم تجدّد وظهور، لا يعرف الذّوبان والركود.
تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر
أتسأل عن أعمارنـا أنت عمرنـا وأنت لنـا التاريـخ أنت المحرِّرُ
رضي الله عن سعد والصحابة الكرام الذين هم كما وصفهم الله تعالى: صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23].
اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 02:52 AM

سناب المشاهير