الصحراء والمطر ( الجوء الثانى )
حوار حول الا سلام
ا نصرفت ميري وعائلتها ..وهم يحملون قدراً واسعا وإعجابا بثقافة فارس وأسلوبه في الحوار, كما شعر فارس أنه قد أفرغ من ذهنه قدراً كبيراً من الأفكار التي يحملها حول
الديانة المسيحية والتي يود التقريب بينها وبين الديانة الإسلامية ..
كان حمدان صديق فارس قد غادر الندوة حين بدأ الحوار بين فارس وميري فهو لا يميل إلى ذلك النوع من الحوار..
فارس بدأ يتفهم الوضع في لبنان كما شعر بألفة وراحة تجاه عائلة منير, لكن ذلك لم يؤثر على تحصيله الدراسي ..فقد أبدى تفوقاً في الفصل الأول من السنة الدراسية.. وهو الآن في أواخر الفصل الثاني, ومع انغماسه في الدراسة فإنه لم ينقطع عن أهله.. فكان يواصلهم بواسطة الرسائل والهاتف ..
مضت عدة أسابيع قبل أن تحين الفرصة للقاء المرتقب بين فارس وميري لبدء الحوار حول الدين الإسلامي، وكان حمدان دائماً هو الذي يهيئ الفرص .. فقد اقترح على فارس أن يذهبا في عطلة يوم الأحد إلى زيارة عائلة منير في الضيعة.. ولم يكن فارس متردداً هذه المرة ..بل وجد حمدان لديه رغبة واستعدادا, وهناك كانت الأجواء شبه طبيعية ولم تكن كما كانت في الزيارة السابقة التي كان يحيط بها شيء من التحفظ والمجاملات الرسمية .. أما هذه الزيارة فكانت مريحة وخاصة لفارس.. الذي يهوى الحوار ويترقب بدايته مع ميري, لا سيما أن الحوار سيكون عن الإسلام, وقد تهيا فارس ليشرح ويوضح لميري الكثير عن الإسلام ..
كانت الجلسة عائلية.. وحاول حمدان أن يبث فيها المرح (فقام أو لعله طلب من نهلة أن تسمعه شيئاً من الموسيقى والأغاني ..وتأدباً سألت نهلة فارس ماذا تحب أن تسمع؟ وكان فارس يميل إلى سماع وديع الصافي وصباح فطلب أيا منهما, فكان صوت وديع الصافي الجبلي اللبناني الأصيل)
بعد الغداء كان والد ميري منير هو المتحدث فقال: لقد اجتمعنا بأحد رجال الدين وعرضنا عليه آراءك ومقترحاتك فأعجب بها وتمنى أن يجلس معك ..قال فارس: يسرني ذلك وأرجو أن تتاح لي الفرصة للقائه.. قال منير: أما الآن فاعتقد أن بينك وبين ميري موعد للحوار حول ما تريد ميري أن تفهمه عن الإسلام ,
- نعم هذا صحيح أرجو أن تكون ميري جاهزة للحوار كما ارجو انها قد اطلعت على بعض المر اجع عن ا لااسلا م .
- قالت ميري نعم أنا جاهزة وقد أعددت لك حشداً من الأسئلة أرجو أن أسمع إجابتك عليها. تفضلي أنا على استعداد لاستقبال أسئلتك..
- فارس أرجو ألا تغضب من قولي وأسئلتي فأنا مفهومي عن الإسلام تشوبه الظلال ومعلوماتي أن فيه قسوة وفيه تطرفا. ولأبدا بموقف الإسلام من المرأة فقد علمت انه ظا لم لها فهو قد اجاز للر جل ان يتزو ج اثنتين وثلا ثا بل اربعا وربما اكثر في مفهوم آخر
-لا تثريب عليك يا(مريم) واسمحي لي أن أدعوك منذ الآن بهذا الاسم الإسلامي ما دمنا في رحاب الإسلام.. لقد بدأت بالسؤال عن المرأة – وهذا من طبيعتك طبيعة المرأة المتحيزة دائماً لجنسها- ألا تسألين عن الإسلام من حيث العدالة وكيف يدير الحياة ويعالج الأمور ..؟ إن الإسلام سمته السلام والوئام ,أما قولك إن الإسلام قد ظلم المرأة .. إن أول ما أجيبك به هو قول كريم من القرآن الكريم حيث قال الله عز وجل يخاطب مريم البتول ( يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) ماذا تقولين في هذا التكريم الذي يرد في دستور الإسلام ؟.. ويقول الله عز وجل أيضاً
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) وكان للأم فضل على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يوصي بقوله: (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك) أما القول أن الإسلام قد أجاز للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة فا نت بذلك قد فهمت جانباً من سنة الإسلام ولم تدركي الجانب الآخر فالإسلام أجازالتعدد ولم يفرضه. والإسلام مع إجازته للتعدد اشترط أن يكون هناك عدالة في المعاملة بين الزوجات و الزوجة الثانيةلابد ان تكون راضية ومقدمة على مشا ركتها للاخرى أما إذا لم تحدث العدالة أوأرغمت الزوجة على الزواج فإن الإسلام لايجيز ذلك ويمنعه.ثم إن الإسلام ـ حسب اجنهاد ى ـ حين جاء وجد التعدد موجوداً أمامه, ولم يرد الإسلام أن ينزع عادة كانت موجودةوكان وجودهاحينذاك من متطلبات الأحوال الاجتماعية فأحوال الناس في ذلك الحين تعتمد في قوتها ومعاشها على المجهودات الشخصية بحيث كلما زاد عدد الأسرة زاد دخلها .وعلاج آخر قصده الإسلام فقد كانت الحروب في الما ضىتستهلك الرجا لفوجد فائض من النساء وكان الحل أن يكون التعدد بدل أن يكون هناك عيلة وفسا د . وقد حبذ رجال في ألمانياــ حين زاد عدد النساء بعد الحرب ــ هذا الحل, ولكن الديانة المسيحية لم تقبل ذلك والإسلام يا أخت مريم قد كفل للمرأة . زوجة أوبنتاً أوأختاً أوأماً كفل لهن حق الرعاية من حيث المعيشة والكساء والسكن كل ذلك يلتزم به الرجل, ومن معالجة الإسلام لشأن المرأة أيضا أن جعل لها حق طلب الطلاق حين لا تطيق العيش مع الرجل وهذا لا يوجد في الديانة المسيحية.
- لقد أضفيت ببلاغتك هالة من الإنصاف والعدالة على الا سلام وابد يت حججاً لا أدري عن مدى واقعيتها وتطبيقها ولا أدري ماذا يدور في أذهان النساء اللاتي تتحدث عن رضاهن وقبولهن بذلك الواقع. ولكن دعنا نتحول إلى سؤال آخر هل يتاح للمرأة (في بلادكم خاصة) هل يتاح لها العلم والعمل ؟
- سؤال جيد يا مريم وأشكرك عليه, وإجابتي هي نعم ونعم وإليك التفاصيل.فى الواقع.
لقد تأخر تعليم المرأة عندنا بعض الشيء فبلادنا فتية وحديثة النشأة وكانت نشأتها دينية متحفظة, مواردها محدودة حين قامت ثم انشغلت بالحماية والبناء وتأسيس المنشآت ومكونات الدولة و ما أن تم لها ذلك تحت قيادة رجل محنك وعبقري هو عبد العزيز آل سعود. وما كادت الدولة ان تستقر على قواعدها الصحيحة حتى فارقها مؤسسها وخلفه أبناؤه وكان من طلائعهم فيصل الملك المثقف‘ المحنك المخلص الوفي المجتهد ذلك الملك الذي ليس ككل الملوك .ونقتطف من ثمار جهده ما يخص السؤال وهو تعليم المرأة فقد أشعل منارة تعليم المرأة وبذل كل جهد ومال وفتح المدارس في كل بقعة من أنحاء المملكة على سعتهامن هنا انطلق تعليم المرأة ‘.وبعد فترة من الزمن أثمرت الجهود‘ فوجدت المرأة السعودية كطبيبة وأستاذة جامعية ومعلمة ومدرسة.وتلك هي مجالات العمل التي تسألين عنها يا أخت مريم, أما مجالات العمل الأخرى التي فيها اختلاط فإن تقاليدنا وعاداتنا المنبثقة من ديننا لا تجيز ولا تحبذ ذلك . كما أن مما نفضله أن تبقى المرأة في بيتها حافظاً لها وحافظة له ذلك أننا نعول كثيراً على أن تربي الأم طفلها اذ . ليس أفضل من أن تقوم الأم بذلك لأن الطفل يعتبر نواة الأسرة وإذا لقي تربية صالحة فإن ذلك يعود بالصلاح للمجتمع ولا خير في تربية لغير الأم ألم يقل الشاعر الكبير حافظ إبراهيم:
الأم مدرسةإذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
- لقد أجبت وأجدت بما قلته حول المرأة في بلادكم .ولكنني لا زلت أتهم الإسلام ببعض القسوة ,القتل. الإعدام. قطع اليد الجلد العقاب الجسدي.
- ما زلت يا مريملا تفهمين الإسلام ورسالته الاجتماعية وحمايته للعدالة والمجتمع إن موضوع القتل أمر شرعه الله تعالى بقوله: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب مرة أخرى اضرب لك مثالاً لو أن مجرماً قتل والدك عدواناً وظلماً ..ماذا يكون رد فعلك؟ هل ستبقين متحملة للحسرة والألم وغير راضية بأن يلقى المجرم جزاءه؟
- إن هناك دولة ستقوم بمحاسبة المجرم أما نحن فنرجو عقابه من الله.
- إن في هذا استهانة بالدم وبالإنسان، نعم..إن الدولة ستحاكم المجرم بالقانون وليس بحكم الله تعالى وسيتولى المحامون الدفاع عن المجرم وقد يستطيعون بالبلاغة والحيل أن يجعلوه بريئاً, وبعد سجنه عدة سنوات سيخرج من السجن . وربما يغريه الحكم الذي صدر عليه أن يرتكب جريمة أخرى أما أنت فقد خسرت والدك وراح دمه هد را.. هل ترين في هذا عدالة؟ مع العلم إن لدينا في الإسلام استثناءا حول القصاص وهو أن يكون القاتل غير قاصد أو متعمد كحادث سير أو غيره . أو عند تنازل أحد ورثة المقتول عن حقه فان القصاص يسقط ويعطى بدلا منه الدية أي البدل النقدي .
- محام متفوق يا فارس. ترافعت لتبرير القتل . فماذا عن قطع اليد؟ وتشويه خلق الله .؟. إنها قسوة ما بعدها قسوة ..
- أرجو الإصغاء الجيد إلى ما سوف أقوله يا أخت مريم إن الإسلام يعتمد على نظام الهي وليس على نصوص يكتبها البشر الإسلام وجد لينظم حياة البشر به ضوابط وبه روابط .. به عدل وبه حماية يذل الطاغية وينصر الضعيف .. ينصف المظلوم من الظا لم . علم ويعلم نوازع الشر في جانب كبير من البشر. فسن لها التشريعات والأحكام التي تحد من طغيانهم وعدوانيتهم.. سن أحكاما للسارق وأحكاما للزاني وشارب الخمر. وسن أمر المعاملات المالية ونظم مصادرالكسب ومصارف الإنفاق . تلك جوانب من النظام الإسلامي ولا ادعى الإحاطة أما الآن فلنبدأ بالإجابة على سؤالك حول قطع اليد..هل تسلمي أو تقبلي بان استولي على جميع مقتنيات بيتكم هذا؟ واذهب بها ظلما وعدوانا؟ بلا شك لن ترضي أو تقبلي, وبلا شك إنني لن أفعل,ولكن السارق يفعل ذلك ويستولي على أموال الناس الذين يكدون ويكدحون للحصول عليها ليقتاتوا هم وعوائلهم منها ثم يأتي مجرم ويسلب حق الكادح والعامل.؟ ماذا سيفعل به القانون؟ محاكمة عادية يسجن بعدها سنة أو سنتين أو عشرة ثم يخرج, ويبدأ التفكير في سطو آخرأما الإسلام فقد عالج هذا علاجا رادعا وحاسما والا سلا م لايحكم بقطع اليد اذا كان المسروق غير محصن اى غير مخزن و انما يحكم على من كسر محصنا لان في ذلك دلا لة واصرارا على العدوا ن وهناك في الا سلا م سرقة لايعا قب عليها وهي سرقة الجا ئع فا ن له ان يا خذ من اى مال يجده ما يسد رمقه فقط ولا يزيد عليه.هذا هو عقاب السارق,كما افهمها( وحسب اجتها دى) اذ ربما يكو ن هنا ك اجتهادات فقهية اخر ىلكنها لاتختلف كثيراكما اعتقد، اما عقا ب الز اني وقبل ان يمضي فا رستدخلت مريم وقا لت انه الا شد قسوة فهورجم بالحجارة حتى الموت
- قال فا رس :مهلا اخت مريم لاتستبقي الا حداث ان الز اني الذى يرتكب اثما في عر ف كل الا ديا ن ولا تقر ه كل المجتمعا ت المحترمة هذا الزا ني قد فعل فسا دا وخللا في المجتمع
لنفترض أن خاطئا واقع خاطئة ثم فعل ذلك ثان وثالث.. وحدث حمل لتلك الخاطئة, فماذا يكون مصير الطفل؟ ومن سيكون أبوه من أولئك الثلاثة؟ جرم ما بعده جرم وفساد لا حدود له, الإسلام واجه تلك الجريمة وعالجها علاجا هادئا, ولم يتخذ علاجا قاسيا كما قلت يا أخت مريم فان الإسلام يتقي الوقائع بالشبهات, أي انه يجعل للشبهة مكانا حتى يتجنب الحكم القاسي . فإذا ثبت – ومن الصعوبة أن يثبت –فا ن هناك أحكاما تخص الأعزب إذا ثبت عليه أو اقروعقابه هو الجلد العلني, أما عقوبة الرجم فان الإسلام قد وضع لها ضوابط بحيث من الصعوبة أن تطبق أو تنفذ, فمن شروطها أن يأتي الزاني المتزوج أو الزانية المتزوجة ويعترف صراحة وبدون إكراه أمام القاضي وعلى مدى أربع جلسات مختلفات الأمد أو أن يأتي أربعة شهود ويشهدون بأنهم شاهدوا حدوث الواقعة بأدق التفاصيل وهذا من المستحيل.ولم يذكر في تاريخ الإسلام حدوث رجم إلا حادثتين أو ثلاث, وكان حدوثها بناء على اعترا ف الزانى نفسه وطلبه تنفيذ العقاب به لينجوـ حسب اعتقاده ــ من عذاب الآخرة, أما حكم شرب الخمر.. فمعلوم أن الله قد وهب الإنسان عقلا وميزه عن الحيوان, فعندما يتعاطى الإنسان الخمر فانه عند ذلك يفقد عقله, ويكون متساو مع الحيوان أو أدنى درجة منه, وقد سمعنا أن مخمورين فعلوا المنكرات ومنهم من تعدى بالاغتصاب على بعض أقاربه, فأي ظلم اكثر من هذا يظلم الإنسان فيه نفسه؟ لذلك فقد حرمه الإسلام وفرض له عقوبة غير قاسية وهي الجلد العلني, والإسلام قبل أن اختم قولي هذا يا أخت مريم قد عالج موضوع الفقر, فقد فرض على الأغنياء أن يعطوا من أموالهم وهي الزكاة وهذه تنفق على الفقراء.هذه بعض الملامح عن الإسلام ولا أقول أنني أنصفته وذكرت جميع افضاله ومحاسنه فمثلي لا يستطيع ذلك فأنا غير متخصص, ولقد أكون أخطأت أو قصرت, وعندها اقدم اعتذاري لعلماء الدين .
- أخي فارس لقد أشبعتني فهما وارتويت منك علما ولقد فهمت عن الإسلام ما لم افهمه من قبل والفضل في ذلك لبلاغتك وذكائك وحسن أدائك, لقد كان في الإسلام غموض وعدم وضوح, والحق في ذلك على أهل الإسلام الذين لم يشرحوه ويبسطوه ويزيلوا عنه الغمامة, أنني يا أخ فارس في حالات كثيرة اشعر با لخشوع و الرهبة حين استمع إلى موعظة دينية, ولذلك فإنني اعتقد أن أي أمة عندها معتقد ديني فانه لا بد أن يكون وسيلة لتهذيب أخلاقها وسلوكها, كما اعتقد أن الله سيتقبل منها جهدها ما دامت تقصد طاعته والانقياد له, مهما حصل في ذلك الجهد والانقياد من أخطاء غير مقصودة.
- أشكرك يا أخت مريم على تعبيراتك التي تنم عن الأدب والشعور الديني الذي أنهيت به إجابتك, و الآن هل بقي لديك أي سؤال أو استفهام عن الإسلام؟
- لا فقد فهمت منك وأنت طالب طب ما جعلني اعكس تفكير ى ونظرتي للا سلا م فكيف لو حا ورني عا لم دين اسلا مي متخصص اننى معجبة كيف ان شابا مثلك يحمل هذا القدر من الثقافة الا سلامية
حـديث الا ستر احة
اخت مريم ان الثقا فة الدينية تنشا معنا منذ نعو مة أظفارنا, ونتعرف عليها وعلى سلوك مجتمعنا وبيئتنا, لذلك فلا غرابة أن يدرك أي فردعندنا مبا دىء الاسلام أخ فارس.. اعتقد بأننا قدا وفينا حوارنا الديني حقه وحسب قدراتنا, لذا فان علينا أن ننوع الحوار إلى مجال آخر..الثقافة.. الثقافة العامة.. لقد هالني ما تتمتع به من ثقافة عامة, فكيف وأنت قد عشت ردحا من الزمن في الصحراء وفي مجتمع متحفظ متدين متواضع التعليم؟.
- اعتقد أخت مريم أن العقل البشري حين تتكاثر وتزدحم من حوله المعلومات والمؤثرات واللوافت , عندما يوجد العقل في هذا الحيزفانه يكل ويجهد .. وتتشعب من حوله الأهداف والمقاصد.أما في الصحراء ..فان العقل يكون فيه متسع للاستيعاب والتركيز. ويكون الذهن جاهزا لقبول المعلومات والمعارف .. لذا اعتقد أن العقل حين يتمرس على تلك التمارين الأولية فانه سيكون لديه القابلية للتطوير .
- ها أنت تبررالأجواء الصحراوية لتمرين العقل والفهم ما أجدرك بالدفاع عن مرا بعك وأوليات نشأتك.. ولكن لماذا أتيت لمكان وصفته بزحام المؤثرات والمعلومات؟
- أتيت لقناعتي بفائدة تلاقح وتزاوج الثقافات لذا فقد أتت الصحراء إلى المطر حتى يبلها فتنبت ما تختزن من حبات زرع له لون وطعم آخر مميز .
- ربما يتغلب المطر فيغرق الصحراء فتنبت نباتا جديدا غير ما كانت تختزنه.
- طبيعة الصحراء وقابليتها تمتلك القدرة على استيعاب المطر مهما زاد أو طفا ولن يتغير نباتها .
- فارس هل تستمد من اسمك سلاحا وقوة تعطيك مناعة أمام مُحاورِك ولا أقول مقاتلك؟
- لا اعتقد أن للاسم تأثير في قدرة الإنسان ومعرفته ..و إنما هبة من الله يهبها لمن يشاء .. ثم تصوغها الأجواء والممارسات .. وعمق الحوار من المحاور القادر من الجانب الآخر
- فارس دعني انقل الحوار إلى مجال آخر فلعلي الحق بك, فقد أفحمتني فيما مضى, لقد أتيت من بيئة متحفظة متدينة, والنساء هناك لا يختلطن بالرجال, ويلبسن ثيابا فضفاضة ويضعن على رؤوسهن غطاءا, ثم اتيت هنا ورأيت نساء يلبسن ثيابا تظهر بعض أجسادهن ومفاتنهن, ولا يضعن على رؤوسهن أغطية.. ما تقييمك للحالتين ؟.
- أخت مريم سؤالك لم يفاجئني وكنت انتظره بين كل لحظة وأخرى, أنا إنسان عنده مرونة وقابلية, واقر لكل مجتمع تقاليده وعاداته, إن نساء بلادنا وخاصة في البادية لديهن مرونة , وتحفظهن اقل.وذلك من منطلق الثقة بالنفس ووجود الأجواء المفتوحة الخا لية من زحمة الرجال كما انه يمكن ان تقابل المرأ ة الرجل وتتحدث معه من دون وجل أو خوف , والمرأة في البادية تقوم بما يقوم به الرجل أحيانا فهي قد ترعى الغنم والإبل, اقصد أنها تذهب للخلاء وحدها ذلك أن للبادية نظام وتقاليد أخلاقية, فالكل يحترم نساء الآخرين.. أما نساء الحاضرة فهن اقل مخالطة للرجال إلا الأقارب, ولباسهن ساتر, كما يغطين رؤوسهن و أحيانا نصف وجوههن, أما هنا فان المرأة قد نشأت على هذه الحالة ولأنها عامة وشاملة فإنها لا تلفت النظر فهي عادات وتقاليد موروثة لكن الوافد ربما تلفت نظره الحالة لأول وهلة ثم لا يلبث أن يتعود على تلك المظاهر .
- ولكن ماذا يظن هذا البدوي الذي جاء من بيئة متدينة ومتحفظة بأولئك النسوة اللاتي يبدين زينتهن , وهل يشك في سلوكهن ؟؟
- يا أخت مريم أن السلوك والاستقامة لا يقيمان من خلال النظرة الأولى والمظهر والشكل الخارجي, و إنما هناك عوامل أخرى تصوغ وتحكم تلك الصفات ومنها بل وأهمها البيت والبيئة والمؤثرات الدينية .
- إن من حكمتك انك تقول ما هو حق ومنطق وعقل..فليت من هو غيرك ممن يكيل الظنون للبنان جزافا ليته يسمع ويعي ما قلت.
- ان للثقا فة والمعرفة تأثير في صياغة الآراء, فلا يأخذنك الشنآن على من يختلف أو يخالفك الرأي, إنها سمة عائمة في أوساط الكثيرمن البشر اقصد اختلاف الرأي وتطويعه للمفاهيم الخاصة .
- إن الإسلام كما فهمت عندكم يحث ويدعو إلى عدم التسرع في الحكم أو إلقاء التهم جزافا , فلماذا والإسلام يسود لديكم؟ لماذا تطلق الشائعات على لبنان ويقال فيه ما يقال ؟.
- إن بلادنا كما تقولين يسودها الإسلام، ولكن لديه حساسية حين تنتقل إليه الشائعات وبالأخص حين يعلمون بسهولة تعاطي الخمور وأنها تستعمل بشكل عادي ولا سيما لدى الطوائف المسيحية
- هنا دعني أخي فارس أوضح لك شيئا حول المشروبات الروحية.. إن الطوائف المسيحية بالفعل تتعاطى شيئا منها, لان الدين عندهم لم يحرمها, لكن تعاطيها يكون بمقدار.. ولا يجري تناولها بإسراف, وهم ( المسيحيون ) يعتقدون أن في الخمرة منفعة صحية ودوائية, وذلك عند تناولها بحكمة وتعقل.
- أخيرا أخت مريم لقد أوغلنا في حوارنا الديني و الثقافي وقد نكون تخطينا قدرنا وقدراتنا ومعرفتنا في تلك المجا لات وان كان ذلك اجتهادا منا. ويقال أن لكل مجتهد نصيب, فلعل نصيبنا من جهدنا يكون خيرا لنا في سلوكنا وعاداتنا , كما أرجو أن تكون ندوتنا هذه قد أثمرت و أفادت من حولنا .
-
ثمار الحوار
- لقد جعلتنا أخي فارس نتفقه ونتثقف في الدين لدرجة الاكتفاء, لذا أرجو أن يكون لنا حوارات ولقاءات تتناول فيها شتى الأمور الأخرى.
وقبل أن يغادر فارس الضيعة أراد أن يجس ويلمس اثر الحوار الإسلامي على مريم وقال:أخت مريم بعد الحوار وبعد ما عرفت وسمعت شيئا عن الإسلام هل بالإمكان معرفة انطباعك وما هي ملاحظاتك أو تحفظاتك على الإسلام؟
- أخي فارس لقد لاحظت أن الإسلام ليس دينا تعبديا فقط وانمافيه عبا دات وتشريعات لتنطيم الحياة العامة وهذه التشريعات في الحقيقة يوجد بها الكثير من الفوائد الاجتماعية إذ تقوم بضبط الأمورالسلطوية, وتسن القوانين والأحكام التي تقوم مقام القوانين التي يكتبها البشر, كما أنني لاحظت إن الإسلام يكرم المسيح وأمه كثيرا ويعترف بالإنجيل, أما تحفظي فهو حول المرأة وتعدد الزوجات, الذي وضعت له – أنتَ - تبريرات و أسباب كثيرة , قد لا تقنع في الوقت الحاضر, كما أن قطع اليد يشعرني بالقسوة أما القصاص وهو قتل القاتل الذي يقتل عدوانا وظلما وعمدا, فإنني أوافق عليه بصفتي الشخصية.. وليس نيابة عن الديانة المسيحية .
- أشكرك أخت مريم على ما قلته من صراحة ووضوح , و الآن نستأذن يا أخت مريم للانصراف ونشكركم على حسن الضيافة.
كان فارس في بداية تعرفه على أسرة ( منير) متحفظا ومترددا, لكنه بعد سلسلة الحوار مع مريم شعر بأنه قد ألف الأسرة وذهب عنه التحفظ والتردد , وبدا يشعر بان هناك فارق بين كل أسرة و أسرة, كالفارق داخل أي أسرة, فهو قد لاحظ الفارق بين الشقيقتين مريم ونهلة , فمريم تبدو هادئة ورزينة وحتى لباسها كان بسيطا ساترا وغير مبتذل, لذا فانه قد بدأ يميل إلى التعرف عليها اكثر , فكان في الجامعة يتقابل معها ومع شقيقها يوسف, ويتبادلان الأحاديث والمجاملات.. وكثيرا ما كان فارس وصديقه حمدان ومعهم يوسف وشقيقتاه يجتمعون ويجلسون معا أثناء الفترات بين المحاضرات ويتناولون المرطبات , وكان حمدان يمتعهم بتعليقاته وتصرفاته خفيفة الظل والمرحة, حتى مريم أصبحت تالف فارس و الحديث معه ومقابلته قدر الإمكان, فقد أعجبت بشخصيته من حيث الثقافة والاستقامة, وبدت تشعر بأنه محسوب عليها , وداهمها إحساس بان فارس أيضا يشعر بنفس شعورها , ظهر ذلك من حرصه على الالتقاء اليومي بها وتبادل الأحاديث الوديةمعها هو شعو ر من كليهما مبعثه الاحترام المتبادل وروابط المعرفة والصداقة, يزيده الإعجاب المتبادل بالمستوى الثقا في والخلقى .
فارس لم يتعرف على أحد من طلاب وطالبات الجامعة الآخرين,غير صديقه حمدان ويوسف وأختيه , وكان الطلاب يشاهدون هذه المجموعة ( فارس وأصدقائه ) دائما مجتمعين ومنسجمين , وقد أثار هذا الوضع اهتمام إحدى الطالبات اللاتي تعودن على حب الاستطلاع وربما الفضول , فقد ذهبت هذه الطالبة وانضمت إلى المجموعة وجلست بعد أن استأذنت, وعرفتهم على نفسها بقولها: زميلتكم طالبة الطب أمل, و أضافت : لقد رايتكم تجتمعون كل يوم, وأنكم منسجمين مع بعضكم.. فهل تقبلونني عضوا جديدا في مجموعتكم ؟ وردت مريم بقولها:أهلا وسهلا ,كانت أمل جميلة جدا وان كانت لا تفوق مريم في الجمال , وبعد أن تناول الجميع المرطبات وبعد أن حل موعد المحاضرة غادر الجميع المكان وتوزعوا على مدرجات الجامعة , وقد حرصت أمل أن تكون قريبة من فارس في المدرج , وبعد القا ء الدكتورللمحاضرة راحت أمل تقلب صفحات كراس أمامها وتبحث في حقيبتها , ويظهر أنها تبحث عن قلم , فلما لم تجده التفتت واقتربت قليلا من فارس, و أشارت أنها تريد قلما لتكتب بعض الملاحظات عن المحاضرة.. ناولها فارس القلم.. وبعد انتهائها من الكتابة أعادت إليه القلم, لكن فارس قال :أرجو أن تقبليه هدية مني وأصر على ذلك, مما جعل أمل تقبل الهدية وأردف فارس بلطف ـ كعادته ـ: إن القلم رسالة ثقافية, وعنوان تعارف , أليس كذلك ؟
- أشكرك أيها الزميل...ولم تكن تعرف اسمهقال لها : فارس اسمى فارس
- قالت أشكرك يا أخ فارس كما اقدر لك التعبير الراقي عن القلم،واسمح لي أن أزيد بالقول إن للقلم قيما ومعان ٍكثيرة , ألم يرد اسمه في أول سورة أنزلت من القران الكريم؟
- قال فارس: لقد استشهدت بالقران الكريم على قيمة القلم المعنوية وهذا يدل على ان ثقا فتك الد ينية الا سلا مية جيدة جدا .
- نعم أخي فارس..أنا إسلامية المذهب،وأشكرك على ما ذكرته عن ثقافتي الدينية التي افتخربها ا.
- أحييك و أرجو أن يستمر اللقاء والزمالة وان نراك في مجموعتنا دائما.
- سوف افعل أخ فارس فمجموعتكم يبدو أنها على خلق عال ومحترم.
كانت امل قد قصدت من انظمامها الى المجموعة مجرد حب للا ستطلاع لانها قد لاحظت وجود اولئك الطالبين الغريبين فا رادت ان تعرف عنهما بعض الشىء
كانت مريم تشاهد عن بعد ما يجري من حديث بين فارس و أمل, وان كانت لا تسمع الحديث, لكنها شعرت بشيء من القلق لان الحديث قد طال بعض الشيء , يضاف إلى ذلك ما لاحظته مريم من تصرف فضولي حين دست انفها في مجموعتهم , ومريم لا تدري سبب هذا القلق وعدم الارتياح من هذه الفتاة التي اقتحمت مجموعتهم بشكل طفيلي,هل هو حفاظ على فارس واحتواء لصداقته؟ أم أن هناك دافع آخر مجهول؟
عند الانصراف من الجامعة استوقفت مريم فارس و أخذته إلى مكان جانبي وقالت له رايتك على المدرج تتحدث إلى تلك الفتاة التي انضمت إلى مجموعتنا بشكل فضولي, فما الذي حدثتك بشأنه؟ أرجو المعذرة فما أردت إلا أن اوضح لك بعض الا مور
- أشكرك يا أخت مريم , لقد كان حديثا عابرا بدايته أنها قد احتاجت لقلم لتكتب بعض الملاحظات عن المحاضرة , ثم امتد الحديث بعض الشيء عن فضل القلم واستشهدت بان القلم قد فضله القران وذكره فى اول سورة نزلت .وبذلك علمت أنها مسلمة.
- لقد استفزني فضولها وانضمامها إلى جلستنا, وداخلتني الريبة حول سلوكها وأهدافها.
- لا لاتقلقى.إن عندي سياجا من الخلق يحميني من الانزلاق و الخطأ أو تغيير مفاهيمي.
- مع ثقتي بك يا أخ فارس الا انه قد سا ورنى القلق بعد علمي با نها ا من الطائفة الإسلامية فهناك حساسية( أنا ضدها وامقتها ) و أخشى ما أخشاه أن تكون هي ممن يغذون تلك النعرة , وان تغزو ذهنك وتثير حولنا شيئا من الحساسية والشكوك.
- لا لا هي لم تتطرق إلى شىء من ذلك, وأنت تدرين ما مدى رسوخ قنا عاتى وثباتي على مبدئي ثم انه , يبدو أنها ملتزمة و حسنة الأخلاق وقد ظهر ذلك من الحديث واستشهادها بالقران الكريم .
قاربت السنة الدراسية على الانتهاء، وبدأ فارس يستعد للسفر إلى بلاده، وكان متشوقا لرؤية أهله وخاصة أمه وأبيه، فهذه هي المرة الأولى التي يغيب عنهم هذه المدة التي يراها طويلة ، ولكنه قبل ذلك فكر أو لعل صديقه حمدان هو الذي فكر بان عليهما أن يزورا ضيعة منير قبل أن يسافرا فحمدان أيضا سيسافر وقام حمدان برسم الموعد وتحديد الوقت .
وصلا إلى الضيعة ، وكان يوسف وشقيقتاه باستقبالهما، وفد اعد لهما يوسف برنامجا ترفيهيا بمناسبة سفرهما ، فأخذهما إلى مطعم راق يحتوي على مسرح يقدم بعض البرامج التمثيلية من التراث اللبناني، و بعد تناولهم طعام العشاء انتقلوا إلى المسرح وشاهدوا بعض الفقرات الترفيهية ، ثم انتحوا جانبا من المطعم بغية الاستمتاع بالأجواء الهادئة ، وتبادل الأحاديث.. وكان حمدان هو نجم الجلسة بما كان يضفي عليها من تعليقات لطيفة يتناول فيها أحيانا صديقه فارس ، ولا يبتعد فيها كثيرا عن مريم ، وقد قال معلقا على فارس : لماذا لم تحضر قلمك وكراستك لتذاكر ما كتبته وما تقوله أنت ومن يشاركك الميول؟ !! وضحك الجميع.. وكان الرد من مريم.. قالت : إن فارس لا يهدر الوقت ولا يهجر او يعطل الذهن ، انه ينمي ويستثمر العقل والفكر.. وليس كمن يسرف ويهدر الزمن ويعبث بالوقت الثمين ، وأضافت مريم : إن الشباب هو مزرعة المستقبل ونواته.. ومن لم يسع مبكرا للاستفادة منه فانه لن يجني ثمرة عمره في المستقبل ، وردت نهلة بقولها : ما هذه المحاضرة يا أستاذة مريم ؟؟ هل يلزمنا أن نبقى منكبين على القراءة والكتابة ؟؟ متى نتمتع بشبابنا وزهرة عمرنا ؟؟ بعدما نلد وننجب ونحمل هم التربية والتعليم ؟؟! وكان حمدان يستمع إلى حوار الأختين مسرورا، لأنه قد أثار موضوعا ثريا للنقاش ، أما فارس فقد أراد أن يكون رأيه وسطا حتى لا يتهم بالانحياز، قال انه يمكن أن نمزج بين الاستمتاع بالشباب والكتابة والقراءة ، انهما صنوان يقترن بعضهما بالآخر، وتدخل يوسف بالقول : إن نهلة وحمدان لا يشعران بمسؤولية الوقت ويتخذان من الحياة لهوا ولعبا ، ولا ادري كيف يحصلان على درجات عالية في الجامعة، وتصدت نهلة ليوسف وقالت : ها أنت تعترف أننا نحصل على درجات عالية رغم لهونا ولعبنا كما قلت ، و أضاف حمدان قائلا : نحن لدينا عمق في التفكير وسعة في الذهن ، الأمر الذي يحفظ لنا مستوانا الدراسي ، وردت مريم أن المواد الدراسية هي علوم محدودة موزعة على فترات طويلة من الزمن وما على الدارس إلا أن يركز على حفظها ثم يترك ما حفظه خلفه ولا يهتم به ، مثلما تفعلان، و الفارق هنا بيننا وبينكم هو الدائرة الواسعة من المعلومات والثقافة التي نهتم بها مع اهتمامنا بسابق تحصيلنا ، و أراد فارس أن يفض الاشتباك وقال : ألا تهتمون بحاضرنا وتدعون ماضينا ومستقبلنا وشانه ؟؟ ألا ترون أننا بحاجة لما يدخل الد فء إلى صدورنا ؟؟ نريد شرابا ساخنا.
احضر النادل الشراب الساخن ، وانتحى فارس ومريم جانبا من الجلسة ، وراحا يتحدثان بحديث غير مسموع ، ولكن حمدان لم يترك لهما المجال ليكملا حديثهما، بل دس انفه وشاركهما الجلسة ، لكنه كان جادا هذه المرة في حديثه مع الصديقين.. كان حمدان يشعر ويحس بما بين مريم وفارس من تقارب على الأقل من النواحي الفكرية والثقافية، ولكنه أيضا لا يستبعد أن تبلغ العلاقة اكثر من ذلك.
قال حمدان: أيها الصديقان الخصمان.. هل تسمحان لي أن أتطفل عليكما ؟؟
قالت مريم: وهل يلزمك استئذان ؟!! انك كالشمس والهواء اللذين لا يطلبان إذناً بالانتشار.
إسمعا أيها اللدودان: إن حاسة الشم عندي قوية جداً، لذا فأنا اشعر بل أشم نسيماً مشبعاً بمواد روحية تهب فيما بينكما فهلا أشعرتماني أو اعترفتما بتلك المؤثرات لكن أحداً منهما لم يجبه، واستطرد قائلا: لا تخادعاني وتقولا إنها الصداقة والتوافق الفكري، إن هناك ما هو اكثر من ذلك ( وأنا اجزم ) فهلا اعترفتما لي بما لديكما ؟ قال فارس يبدو انك اليوم قد تقمصت شخصية ضاربة الرمل أو قارئة الفنجان و أضافت مريم: إن حمدان شديد الذكاء وقوي الحدس، أليس كذلك يا فارس ؟؟
كانت مريم تحس بشيء قوي يشدها نحو فار س، وكانت تريد أن تكون البداية منه، وقال فارس: إن حمدان بالفعل ذكي، ويستطيع استشعار الأحداث قبل أن تقع، لذا فقد جاء يحقق معنا ويستنطقنا وهو قادر على أن يرغمنا بان نفضح مكتومنا، ويبدو أننا لن نستطيع المقاومة.. وإنه سيحصل على اعترافنا. وقالت مريم لتؤكد مشاركتها بالاعتراف: هكذا يا فارس قد حملنا هذا المتسلط على أن نبوح بمكنوننا. قال فارس: لقد وجدت له صفة مناسبة (المتسلط) لقد استعمل نفوذه علينا وجعلنا نقول ما كنا نداريه، وتساوى حمدان على مقعده.. وبسط يديه يمينا وشمالا مبديا نشوة انتصاره على صديقيه، وقدرته على حصارهما حتى اعترفا له بالمشاعر المتناغمة، قال حمدان: نحن الآن نلقي عليكما القبض بالاعتراف المشهود، و لنبدأ معكما التحقيق.. أنت يا فارس وقد بلغ بك الإعجاب والتوافق الفكري إلى توافق عاطفي تجاه مريم، أليس كذلك ؟؟نعم ولكن ؟ ؟
قال حمدان: دع " لكن" هذه لننظر في أمرها فيما بعد، و أنت يا مريم.ماذا تقولين؟؟
قالت :مريم اعجا ب بفار س منقطع النظير، وتوافق فكري وعاطفي لا أتمنى غيره، ولكن ؟ !! ..
- ماذا بكما ؟!! لقد جعلتما من "لكن" هذه علامة استفهام ً كبرى.. لا ادري ما خلفها فهلا شرحتما وفسر تما ما ورا ء "لكن" هذه؟
قال فارس: أنت يا حمدان تدرك ما وراء "لكن" هذه، وتدرك خلفيتي ومن خلفي، و تعلم بيئتي البدوية المتحفظة، فهل نستطيع أن نقرب بين بيئة متحضرة وبيئة متحفظة جداً ودينان مختلفان وكل منهما يختلف مع الاخر، إنها معضلة كبرى يا أخ حمدان.
حمدان: وما هي "لكن" عندك يا مريم؟ قالت مريم: : ربما تتشابه الموانع عندي مثلما هي عند فارس، دينان مختلفان وبيئتان لا رابط بينهما، و بيئة مجهولة لمحيطي ومجتمعي، فماذا ترى أيها المتسلط ؟هل تستطيع سلطتك أن تذلل تلك الموانع الجسام ؟؟
و مرة اخرى انتصب حمدان على مقعده.. ورفع رأسه إلى الأعلى بعض الشيء ، ثم وضع يديه تحت ذقنه ، وراح يفكر وهو شبه مغمض العينين ، واستغرق في تفكير طويل حتى نسي انه يشارك في جلسة مع آخرين ، وقد تنبه حمدان على وخزة من فارس أعادته للواقع ، ويظهر أن حمدان قد وجد أو اصطاد بعض الأفكار ، وقال : إن لكل مشكلة حل ، ولكل قضية علاج ، واستطرد قائلا : إن التزاوج بين مختلف الأديان أمر واقع ، وقد حدث كثير منه في ثنايا التاريخ.. ولعل ما نستطيع الاقتداء به هي سنة اشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ألم يتزوج هاجر القبطية؟ ألم يتزوج صفية اليهودية؟ هذا هو الحل بالنسبة لك يا فارس.. ونلحق به تعليلاً جوهرياً أخراً، وهوأن عائلة منير يعود نسبها إلى عرب الغساسنة، أما مريم فأنا اعتقد أن لدى الطائفة المسيحية هامشا من الحرية وان لكل فتاة أن تقرر مصيرها بنفسها لا سيما وان الإسلام لا يشترط أن تتحول المسيحية عن دينها، بل تبقى على ملتها ما دامت هي راغبة في ذلك.. وردت مريم قائلة: ما هذا يا حمدان ؟ لقد تجاوزت وظيفة الحكماء والفلاسفة لقد أوجدت حلولا وأنت في مقعدك، إنها حلول كما يبدو للوهلة الأولى معقولة وسهلة التطبيق، لكنني أظن أن تطبيقها سيكون صعبا وشاقا وسيتطلب جهودا كبيرة و شاقة لا ادري هل بالإمكان خوضها والتصدي لها، وعلق فارس بقوله: نحن نشكر صديقنا المتسلط الذي يحاول جاهدا أن يقرب المسافات، إن الأمر كما قالت مريم تحفه المشاق وتعترضه العقبات، ولكن نحن نكل امرنا إلى الله مع السعي الحثيث لتحقيق اهدا فنا
31-01-2009, 07:02 PM
الصحراء والمطر الجزء الثانى
رد : الصحراء والمطر الجزء الثانى
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
