ممكن زيا ده الرواتب
زيادة الرواتب .. مساحة في الممكن
يرى بعض الاقتصاديين أن زيادة رواتب موظفي الدولة سوف تؤدي إلى مزيد من التضخم وتدفع بأسعار السلع والخدمات إلى أعلى، وأن المستهلك في النهاية هو المتضرر من زيادة الأسعار، ولاسيما إذا تجاوزت الزيادة في الأسعار الزيادة في الرواتب. ولذلك تتجنب الحكومات قدر الإمكان الاتجاه نحو زيادة الرواتب.
ولكن الكثير من الحكومات لا تقف مكتوفة الأيدي أمام الزيادة المتواصلة في المستوى العام للأسعار بل تتخذ سياسات التخفيف عن كواهل المواطنين بخفض أسعار بعض الخدمات كالكهرباء والبنزين والمياه.
إن عدم زيادة الرواتب أمام زيادة أسعار السلع والخدمات. يلحق أضراراً بالغة بالمستوى المعيشي للمواطن وبالذات المواطن محدود الدخل. وإذا أخذنا الكادر الوظيفي لموظفي الدولة في المملكة العربية السعودية.
نجد أن سلم الرواتب الذي صدر في عام 1401هـ مازال معمولاً به حتى عام 1426هـ، أي أن رواتب الموظفين ظلت دون زيادة أكثر من ربع قرن. ونستطيع أن نقول إنه لم يعد مقبولاً أن نقول إن زيادة الرواتب سوف تؤدي إلى زيادة ملحوظة في الأسعار، وإنه بناء على ذلك نحرم المواطن من زيادة راتبه ونتركه وحده ضحية ارتفاعات الأسعار. وإذا كانت مؤسسة النقد العربي السعودي تشير في تقريرها السنوي إلى أن نسب التضخم لم تزد على 15 في المائة في السنة أو ما حولها، فإن زيادة الأسعار في تقديرنا بين عام 1400هـ وعام 1426هـ قد تجاوزت في أحسن الأحوال 50 في المائة. وإذا استعرضنا الزيادة التي طرأت على أسعار السكن والتعليم والصحة والكهرباء والبنزين في السنوات القليلة الماضية نجد أنها ارتفعت عن 50 في المائة وتشكل ضغطاً قوياً على دخول الأفراد.
كما أن بعض الظواهر الاجتماعية تحولت من كماليات إلى ضروريات وأصبحت مصروفاً ملحاً عند الأغلبية العظمى من البشر. ونذكر ـ على سبيل المثال ـ أن شراء الهاتف المحمول ودفع فواتيره لم يعدا من الكماليات بل أصبحا ضرورة ملحة لا غنى للفرد عنهما، كما أن اقتناء جهاز كمبيوتر واحد ـ على الأقل ـ في كل بيت وتغطية مصروفات الاشتراك في الشبكة العنكبوتية لم يعدا ترفاً بل أصبحا من الضرورات الثقافية والاقتصادية الحتمية.
كما أنه من الظواهر الاجتماعية التي أصبحت تقليداً راسخاً في سلوكيات المجتمع ظاهرة تبادل الهدايا في الأعياد أو عند الاستشفاء أو في حفلات الزفاف، والعائلات السعودية تتسع أفقياً ورأسياً ومع اتساعها يكبر حجمها وكلما كبر حجم العائلة كلما ازدادت المصروفات على بند الهدايا في ميزانيات الأسر، وليس هذا فحسب بل إن هناك ظواهر اجتماعية لم تعد مجرد ظواهر بل أصبحت عادات لازمة يتم ممارستها بأموال طائلة. في الأسابيع القليلة الماضية أشارت بعض التقارير إلى ارتفاع في الأسعار في الأسواق السعودية في عام 2004م بلغ 7 في المائة، بمعنى أن هذه النسبة مرشحة للزيادة في ظل ظاهرة انخفاض سعر صرف الدولار وزيادة أسعار صرف اليورو والين وتقدر الإحصاءات أن واردات المملكة من أسواق اليورو والين تصل إلى نحو 50 في المائة من حجم الواردات الكلية.
وإذا كانت هذه الظاهرة التضخمية ليست ظاهرة محلية بل هي ظاهرة عالمية تنعكس بالضرورة على الأسواق المحلية، فإن التضخم في الأسواق العالمية سجل نسبة تجاوزت 100 في المائة في ربع القرن الأخير. ولذلك ما يقال إن التضخم يقف عند الـ 8 في المائة في ربع قرن يعتبر قولاً لا يمكن قبوله في ظل حقائـق موجـودة على الأرض وفي ظـل بيانات وأرقـام تصدرها منظمات إقليمية وعالمية موثوق بها. وإذا استقرأنا الظواهر الاجتماعية التي تمخضت عن ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل الفردي للمواطن السعودي طوال الربع قرن الماضي ، نجد أن الكثير من الظواهر الاجتماعية بدأت تتجه إلى ما يشبه المشاكل الاجتماعية، فظاهرة ارتفاع المستوى العام للأسعار أثرت تأثيراً مباشراً في ارتفاع نسب الطلاق، إذ إن بعض الدراسات أشارت إلى أن المسائل المالية هي السبب الرئيسي في ارتفاع نسب الطلاق بين الشباب والشابات المتزوجات حديثاً والتي بلغت في مدينة الرياض نحو 45 في المائة وفي مدينة جدة 50 في المائة. بل أكثر من هذا فإن إحجام الكثير من الشباب عن الزواج سببه عدم كفاية الدخل قياساً بالمستوى العام للأسعار، كما أنه من الثابت أن سن الزواج لدى الشباب والشابات تغيرت من 20عاماً إلى نحو 30 عاماً. ونتيجة للأزمات المالية التي تصعق الشباب فإن نسب الجريمة بين الشباب السعودي وبالذات جرائم السرقة قد زادت بشكل لافت.
ولا شك أن المجتمع السعودي يعاني كثيراً من المشاكل التي ترتبت على انخفاض دخول الأفراد مقابل ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع والخدمات. إن المناخ العام للاقتصاد السعودي، وبالذات في السنتين الأخيرتين، مناخ يشجع على إعادة النظر في سلم رواتب موظفي الدولة، فالزيادة الهائلة في أسعار النفط والتي تجاوزت خمسين دولاراَ للبرميل الواحد أدت إلى زيادة ملحوظة في الدخل الوطني، كما أفرزت انتعاشاً ملموساً في السوق السعودية.
وإذا كان من سؤال لدى الموظف، فإن السؤال هو: ما أثر هذه الزيادة الهائلة في الدخل الوطني في الدخل المتواضع للفرد ؟ وإذا كان المسؤولون في معهد الإدارة العامة يصرحون بأنهم باشروا في تنفيذ مشروع إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وتحقيق إصلاح إداري واسع في النظام البيروقراطي فإننا لا نتصور أن يتم الإصلاح الإداري في أجهزة الدولة دون تعديل حقيقي في سلم رواتب الموظفين يضع في الاعتبار المتغيرات الاقتصادية محلياً وإقليمياً.
صحيح أن باب الرواتب في ميزانيات الدولة مثقل بالأرقام وسوف يثقل أكثر بزيادة الرواتب، ولكن صحيح أيضاً أن رواتب الموظفين تتجه مباشرة نحو السوق السعودية لتساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني وصحيح أكثر أن جزءاً كبيراً من رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص يتجه إلى محافظ الحكومة سواء في شكل رسوم تأشيرات أو رسوم البلديات والتجارة أو استخراج وتجديد الترخيصات والإقامات ورخص السواقة والتصديقات والجوازات.
وفي ضوء ذلك نتصور أن زيادة الرواتب والأجور بعد مرور ربع قرن أصبحت أمراً مطلوباً الآن ولكن وفق ضوابط تتخذها الحكومة منها محاولة توفير السلع الأساسية بالأسعار المقبولة والدخول كمنافس منعاً لجشع بعض التجار، وكذلك يجب على الحكومة أن تشيد بالتجار الذين يراعون ضمائرهم في معاملاتهم مع إخوانهم المواطنين، إضافة إلى ذلك فإن الحكومة يجب أن تتخذ قرارات باتجاه خفض أسعار الكهرباء والبنزين والماء.
ودعونا نفترض أن الحكومة لم تتخذ قراراً بزيادة الرواتب وتركت الأمور على حالها ونتساءل ما الذي سيحدث في الشارع السعودي؟! نتصور أن عدم زيادة الرواتب وفي ظل التوقعات التي تشير إلى أن الدولار سوف يسجل المزيد من الانخفاض مقابل الزيادات المتلاحقة في أسعار صرف اليورو والين، فإن المتوقع زيادة في أسعار الواردات من السوقين الأوربية واليابانية، مما يعني أن السوق السعودية ستشهد موجات جديدة من ارتفاع الأسعار، وسوف تلحق أضراراً بالغة بالمواطن محدود الدخل، والنتيجة الطبيعية أن الموجة الجديدة من ارتفاع الأسعار سوف تؤثر سلباً في حياة المواطن وتزيد معاناته وتحمله تكاليف جديدة.
ولذلك فإن الارتفاع في المستوى العام للأسعار الذي تشهده السوق السعودية والذي بلغ 7 في المائة في عام 2004م والمنتظر أن يبلغ أكثر من 7 في المائة أخرى في عام 2005م سوف يضع الحكومة والمواطن في مواقف حرجة.
ولذلك فإن الحل لن يكون إلاّ بتعديل الكادر الوظيفي وزيادة رواتب موظفي الحكومة والذي سيتبعه بالضرورة زيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص. إن زيادة الإعانات الحكومية من أجل خفض أسعار الكهرباء والماء والتعليم ستكون عاملاً مهماً في تخفيض تكاليف الحياة عن كاهل المواطن، كما أن توسيع حلقات رجال الأعمال الذين يتعاطفون مع أصحاب الدخل المحدود سيكون مجدياً للاستفادة من زيادة الرواتب والأجور.
وآخر كلام نريد أن نقوله عن أهمية النظر في زيادة الرواتب هو إذا أرادت الحكومة أن تضبط إيقاع الأمن والاستقرار، فإن عليها أن تعالج المشاكل الاقتصادية في حياة الناس، لأن الراتب بالنسبة للقاعدة العريضة من سكان المملكة هو اقتصاد الفرد وهو إيراده الذي لا يكفي ومصروفه الذي يتزايد.
د. أمين ساعاتي
__________________
الصقر ما يصيد البغبغا ء
فحيح الحيايا يقابله نقيق الضفادع
الما ل يبني بيوت لاعما د لها ****** والفقر يهدم بيوت العز والشرف
أعرض عن الجاهل السفيه** فكل ما قال فهو فيه** ما ضر نهر الفرات يوما** أن بال بعض الحمير فيه
العلم يجمع ----- والفكر يفرق
لو كلما نبح كلب القمته حجر ... لا صبح الحجر اغلى من الذهب
للمراسله على هذا البريد
mohammed298@gmail.com