مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية


ملتقى الكتاب والمؤلفين خاص بما تخطه اقلام كُتْاب الموقع

إضافة رد
قديم 21-05-2010, 08:50 AM
  #71
منصور العبدالله
مـــراقــــب
 الصورة الرمزية منصور العبدالله
تاريخ التسجيل: Jun 2005
الدولة: أمجاد الرياض
المشاركات: 11,034
منصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

ماشاء الله


لازلت متابع


وراجعت آخر الحلقات ولكني قرأتها بسرعة


اتمنى ان تكون كل حلقة وحلقة بينها عشرة ايام


وجميل ما ارفقته من صور


وفقك الله أخوي نديم الهوى


والله رائع رائع رائع
__________________



اللهم أرحم والدتي ..وأجعل قبرها روضه من رياض الجنه..واسكنها جناتك
منصور العبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 22-05-2010, 09:25 PM
  #72
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

سأكتب الحلقة التالية قريبا

التعديل الأخير تم بواسطة نديم الهوى ; 22-05-2010 الساعة 10:09 PM
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 22-05-2010, 09:33 PM
  #73
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

مرحبا أخ نديم ..

سبق وأن طرحت هذه الحلقة مسبقاً برقم ( 13 ) ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 23-05-2010, 03:55 PM
  #74
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية



الحلقة الخامسة عشر


حلت الساعة الثانية ظهرا التي حددها الدكتور قولدمان لحدوث الوفاة، بيد أن قلب أخي مازال متشبثا بالحياة من خلال قشة منفطرة تكاد أن تنقطع بين لحظة وأخرى. وكان مع الدكتور ممرضتان تساعدانه في ومراقبة الأجهزة الطبية وإعطاء بعض الحقن الذي يطلبها الدكتور من وقت لآخر، وبعد مرور أكثر من ساعة بدأ الدكتور أكثر تفاؤلا وأستدعى طبيباً آخراً اسمه الدكتور واردل للإشراف عليه، وفهمت من حديثهما أنه يعتقد بأن أخي قد مات بالفعل ثم عاد للحياة مرة أخرى، لكن إذا ما مرت الساعات الثلاث القادمة على خير، فمن المحتمل أن يتجاوز المرحلة الحرجة، وأوصاه بمتابعته عن كثب ومن ثم غادر الغرفة. نظرت لأبي وللدكتور عبد الله وسليمان وخالد فشعرت بأن اللحظات العصيبة قد رسمت آثارها على محياهم جميعاً وكأن الدماء جفت في عروقهم جميعاً، فقد كانت وجهوهم شاحبة وشفاهم بيضاء متشققة، أما أمي فقد كانت خائرة القوى ودموعها قد أغرقت نقابها بالكامل وأصبحت تترنح في حركتها في الغرفة من الأسى والقنوط الذي أصابها. قامت أمي بعدما غادر الدكتور قولدمان فسقت أخي ملعقة من ماء زمزم ومسحت به على وجهه ورأسه ودعت الله بأن يشفيه وأن لا يحرمها منه وأن لا تفقده وهو في عز شبابه، بل أنها دعت فقالت "يا رب إحفظه لي حتى لو أنك أبقيته على اغمائته الحالية ما بقي له من عمر، فقد رضيت بذلك، ولكن لا تأخذه من بين يدي، يا رب".

ومرت الساعات الثلاث الحرجة بسلام وبدأت ولله الحمد تتحسن النتائج فاستبشرنا خيرا واستطاع الجميع الاستئذان بالخروج بعد أن أطمأنوا عليه وخاصة أنهم قد قضوا أكثر من 7 ساعات من اللحظات الحرجة التي أنهكتهم، فودعناهم وشكرناهم على حسن صنيعهم وأصالة معدنهم، وبقيت أنا وأبي وأمي والممرضتان. عند الساعة التاسعة مساء طلبت من والداي الذهاب وقلت لهما بأني سأنام معه في نفس الغرفة هذه الليلة، وسأتواصل معهما عبر الهاتف إن استجد شيئاً، فغادرا بعد إصراري على أن ينالا قسطاً من الراحة ويعودانه في الغد الباكر.

استمرت حالته في التحسن مع تقدم الوقت حتى أن الممرضتين استطاعتا مغادرة الغرفة بعد إطفاء الإضاءة وطلبا مني استدعائهما إذا احتجت لأية مساعدة، فشكرتهما واستلقيت على الأريكة الجلدية السوداء أرقبه عن كثب، ثم تناولت المصحف وبدأت بقراءة سورة ياسين وسط الظلام مكتفياً بالنور الصادر عن الأجهزة الطبية المتصلة بأخي. لكني سرعان ما غطيت بنوم عميق بسبب ما كابدت طوال اليوم من نصب وتعب وأنا لم أنهي نصف السورة، فبدأت تخالجني وتتلقفني الأحلام والكوابيس فأستشعرها وكأنها حقيقة وليست كالأحلام العادية التي تمر علي كل يوم. فرأيت نفسي وأنا أسير بنعش أخي فوق عربة سوداء تجرها ستة من الخيول السوداء، ويتبعني جمع غفير من جماعة المركز الإسلامي لمسجد ريجنت ستريت ونحن نسير وسط شارع ريجنت بارك باتجاه شارع بورتلاند ثم نقطع ريجينت ستريت والبيكادلي ونهر التيمز، متجاوزين آلاف المتسوقين الذين يرمقونا بفضول، وآخرين بحزن من داخل الحافلات الحمراء ونحن في طريقنا نحو مقبرة بروك وود في جنوب غرب لندن.



مسجد ريجنت ستريت في لندن




مقبرة بروك وود في لندن






وبعد أن وصلنا المقبرة، صلينا عليه صلاة الميت فنزلت معه القبر نحو مثواه الأخير وسجيت جسده اللحد ووجهته شطر المسجد الحرام، لكن فجأة بدأ تراب القبر ينهال علي من كل الجهات وأنا قابع في وسطه، فحاولت أن أستغيث بأعلى صوتي لمن هم في الأعلى كي لا يحسبون أني أنا الذي سوف أدفن، ولكن لم يكن ليصدر عني أي صوت وكأني فقدت القدرة على النطق، ورأيت فوق سطح القبر، الذي أصبح عميق جداً، سليمان الزنجي وهو ينظر نحوي نظرات تشفي ويدفع الرمال وهو منتشي للغاية ويساعده في ذلك نسيم الجزائري. حاولت القفز للأعلى فأعاقني عمق القبر الذي يصل طوله نحو مترين، وبدأ التراب يغمر جسدي ووصل حتى رأسي وأنا أغوص وسط القبر ويكاد التراب يكتم أنفاسي. وبينما أنا أحاول النجاة بنفسي بعد أن فقدت كل أمل في ذلك، ظهرت لي فجأة من داخل القبر يد أخي فجذبتني بقوة نحو الأسفل، فحاولت التخلص منها بكل ما بقي لدي من قوة، ولكن قواي خارت وأنا أسبح داخل الظلام الدامس ورائحة الطين تحشر أنفاسي، فأغمضت عيناي وسددت أنفي حتى انتهى بي المطاف وسط اللحد.




فوجدت أخي وقد تخلص من كفنه وتقرفص داخل اللحد الذي بدأ لي أنه فسيحاً وأكبر بكثير من الحجم الذي حفرته، ويشرف على منظر خلاب تحيطه حديقة غناء أبهى جمالا من الهايدبارك في أوج الربيع، ويتخللها أنهاراً وأشجاراً تتلألأ وتسبح فيها طيور السنور والبجع والحمام الأبيض. سألت أخي بخوف ورهبة ممزوجان بسعادة، ألم تمت بعد يا أخي؟؟؟ وكيف تخلصت من الكفن، وأين نحن الآن، هل نحن في الحياة الدنيا أم في الآخرة، رد كلا، كلا يا أخي، نحن بين الدنيا والآخرة، ولم أمت أنا ولن تموت أنت، فالله قد كتب لي من العمر بقية ولا بد لي أن أحياها لأني قد دفنت قبل أواني ويجب علينا أن نخرج سوياً من هنا وبأسرع وقت وبأية طريقة لنعيش ما بقي لنا من الحياة، أجبته بخوف وذعر شديدان، كيف يمكننا ذلك ونحن تحت التراب وفوقنا من يتربص بنا إن حاولنا الخروج؟؟، فنظرنا حولنا فوجدنا على يمين اللحد أحد المسلمين متكئاً على سرير ويتناول التين والعنب، فأخبرناه بأنا نريده أن يساعدنا لنخرج من هنا، فابتسم لنا ابتسامة صافية وأخبرنا بأنه يتوجب علينا إذا ما أردنا العودة للحياة الدنيا بأن نقطع تلك المفازة التي تقع فيها قبور الكفار في الجهة المقابلة من اللحد، وهي صحراء قاحلة لا يوجد فيها ماء أو كلاء، وقد يقضى علينا قبل أن نصل طريق الحياة فنعود لنفس هذا المكان الذي نحن فيه الآن، ونصحنا أن نبقى هنا في مكاننا فهو أجمل من الدنيا كما نرى. وبالرغم من جمال المكان إلا أننا تمسكنا بخيار الحياة الدنيا فعدونا فوق الرمال لا نلوي على شيء ونحن نقطع المفازة برمالها الحارقة وجوها اللاهب شديد الحرارة. وبعد أن قطعنا نصف المسافة وتجاوزنا قبور الكفار، دخلنا وسط وادي عميق وضيق جداً وذي صخور كلسيه عالية تتشكل صخوره كوجوه أناس عرفناهم في الدنيا ويمتلئ الوادي بأشجار طلح متشابكة تحمل شوكاً كأنه رؤوس الشياطين. فأسرعنا الخطى أكثر فأكثر وفجأة ظهر خلفنا قطيع من الإبل السوداء ترمقنا بنظرات متوعدة وتعدوا خلفنا تريد أن تفتك بنا، فبدأنا بقراءة المعوذات ونحن نلهث وتكاد تنقطع أنفاسنا من وادي الشياطين المرعب ، فلما دنت منا العير وأوشكت أن تنهش رقابنا نفث عليها أخي فاندثرت كرمال واستوت على الأرض. فأكملنا عدونا نحو خط الحياة الدنيا وقبل أن نصلها بأمتار بسيطة سقط أخي منهكاً من التعب فعدت إليه أرجوه أن يكمل ما بقي من الطريق لأنه لم يبق سوى أمتار قليلة ونعود للحياة، إلا أنه لم يستطيع أن يتحرك من مكانه وبدأ يستغيث ويطلب الماء، ....أريد ماء، نديم لا تدعني أموت من العطش، أريد جرعة من الماء، حتى أنه صرخ بأعلى صوت فأحدث دوياً هائلا تردد صداه في جنبات وادي الشياطين،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فصح وت مذعوراً من النوم على صوت استغاثته أتعوذ بالله من شر الشياطين ومن هذا الكبوس المرعب، وتحسست نفسي وسط ظلام الغرفة وسكونها والذي لا يقطعه سوى صوت قطرات المغذي التي تسقط رويدا رويدا، فاستعدت توازني وحمدت الله أنني ما زلت على قيد الحياة وأنه مجرد كابوس وسوف يهدأ روعي بعد قليل. وبالرغم من أني أدركت أني كنت أحلم طوال الوقت، بيد أن كلمات أخي التي ترددت في الحلم "أريد ماء، نديم سأموت من العطش، اسقني ماء أرجوك" لا زالت تتردد على مسمعي، فأنصت جيداً وإذا بي أسمع أخي هذه المرة يرددها حقيقة وسط الظلام وليس حلماً، فتحول خوفي ووجلي إلى بهجة وأضأت الأنوار وتفحصته وهو شبه نائم وتأكدت أنه الحياة قد دبت فيه من جديد، فهاهو يتمتم دون أن يشعر بتلك الكلمات، ،، فحمدت الله سبحانه الذي يحي العظام وهي رميم، وسقيته بالملعقة قليلا من الماء ثم طلبت الممرضات الذين وصلن على عجل وفحصنه وأخبروني بأنها لمعجزة كبيرة أن يعود للحياة وتظهر علامات الشفاء بسرعة كبيرة هكذا. مبروك يا نديم لقد انتهت الفترة الحرجة، وهذه أول بوادر الخير، فحمدت الله من أعماق قلبي وصليت ركعتين شكرا له عز وجل، وبعد أن أطمأنت أنه بخير عدت للأريكة أرقبه وأنا في غاية السعادة، ومن ثم غطيت في نوم عميق دون أحلام مرعبة هذه المرة.


صورة مصغرة لعيادة هارلي ستريت كلينك في لندن



وبفضل من الله وبعد أيام معدودة بدأ أخي يستعيد وعيه ويفتح عينية ويتعرف على من حوله شيئاً فشيئاً، وكان في البداية يتحدث معنا وكأنه قد فقد بعض من عقله، فأول مرة تحدث فيها معي بعد أن استطاع التعرف علي، أمسك يدي بقوة وشد عليها ونظر لي نظرة غريبة وكأنه يراني لأول مرة ثم قال لي (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون اخي اشدد به ازري)، فأستغربت من طريقته وسألت الطبيب عن ذلك فأخبرني بأنها بسبب المخدر الذي أعطي له لكي يساعده على تخفيف سكرات الموت، والآن سوف يتم تخفيضها حتى تسحب نهائيا ويعود طبيعيا مع مرور الوقت.

تحسن أخي تحسنا كبيرا وبدأ بجلسات العلاج الطبيعي التأهيلي لتقوية عضلات جسمة، فأستعاد قدرته على المشي بعكاز، وعاد فنمى شعر رأسه الذي تساقط بسبب العلاج الكيميائي، ثم استطاع بعد مدة بسيطة التخلص من العكاز والسير بتوازن لمسافات لا بأس بها وزادت مناعته حتى اقتربت من مناعة الانسان الطبيعي.

*****************************
خلال فترة تحسنه، تحسنت كذلك نفسياتنا وعادت لنا بعض البهجة التي فقدناها، ولقيت في أحد الأيام والدتي تتاجذب أطراف الحديث مع سميرة توفيق في صالة المستشفى وكانتا منسجمتان جدا في الحديث، فوالدتي قبل ما يسمى "بالصحوة" كانت مثل غيرها من النساء السعوديات في نهاية الستينات وبداية السبيعنات الميلادية، تحب التمثيليات البدوية وتحفظ أغاني سميرة توفيق الشهيرة كلها والتي كنا نحن كأطفال نحفضها كذلك ودوما نترنم بها جل أوقاتنا، مثل أغنية "لعين موليتين واثنعش مولية جسر الحديد إنقطع من دوس رجليَّ" و "بالله تصبوها القهوه وزيدوها هيل واسقوها للنشامى ع ظهور الخيل" و ” رف الحمام مغرد .. يا دادا مجوز ولا فرداوي .. يا دادا كنك ناوي يا حبيب .. يا دادا ترا انا قليبٌي ناوي وشلك بالعشب المرعي .. وشلك باللي يريدونه". فنادتني والدتي وأخبرتني بأن سميرة كانت ماخذه على خاطرها في أول لقاء لأنا تقريبا تجاهلناها عندما رحبت بنا بحرارة، ويومها كان أخي مريضا ولم نحفل بها، وبالرغم من أن والدتي اعتذرت منها وشرحت لها الظروف وتقبلت سميرة بكل حب ورضا ما قالته والدتي، إلا أن والدتي قالت يجب أن ندعوا سميرة لوليمة عندنا في الشقة لنرضي خاطرها. ويبدو أن والدتي أحبت سميرة الأنسانة قبل الفنانة، فحاولت أن تظهر أن الاعتذار منها هو حق قد ركبنا ويجب أن نقوم بالواجب، فسعدت بذلك لأنه أمر سيفرح والدتي وسيسري عنها ويغير من روتينها اليومي في زيارة المستشفى والتسوق من الأماكن الشعبية التي تعشقها.

تحدثت مع أبي عن دعوة سميرة فوافق بدوره، وبالرغم من أنه رجل متحفظ ووقور ويظهر الكثير من الكياسة أمامنا، بيد أنه يبدو لي بأن خبرات لبنان القديمة ظهرت فجأة "كرمال خاطر سميرة توفيق"، فقال ليس من المناسب يا إبني أن ندعوها لشقتنا المتواضعة، لكن من الأفضل أن نأخذها في جولة سياحية في نهر التيمز ونعمل لها غداء يليق بمقامها أثناء الرحلة. وفعلا لم يخب ظني، فبدلا من أن نحجز طاولة يتيمة في السفينة التي ذكرها أبي، تحجج بأنه يريد أن يكون هنالك خصوصية حتى تأخذ والدتي راحتها وحجز السفينة عن بكرة أبيها وأحضر غداء فخماً وخاصاً من مطعم فخر الدين مع ست مباشرات لبنانيات مثل لهطة القشطة. فكانت رحلة ممتعة حقا، فبجانب الطعام اللذيذ والخدمة الخمسة نجوم وسوالف سميرة البدوية الذربة وطيبتها وانسجام أمي الشديد معها وإعجاب سميرة بالقصائد التي قالتها أمي وقد دونت بعضها، فقد مررنا خلال الرحلة التي أقوم بها لأول مرة على مبنى البرلمان وساعة بيق بن ولندن القديمة "ازيلت الآن وتطورت إلى منطقة الدوكلاند" وأجملها لما رسينا عند الأصيل واتجهنا لكوخ عتيق ذي أضواء خافتة ونار مشتعلة عند مدخلة ويقع على رابية فوق الضفة الجنوبية من النهر. فجلسنا نرقب هدير مياه النهر الخلابة والذي تمخر فيه أنواع شتى من الفلك، وشربنا فيه القهوة قبل أن نعود أدراجنا نحو مبنى البرلمان. وهذا الكوخ كان قد اتخذه الأديب الكبير شكسبير سكنا له في لندن لفترة من الزمن عندما كان يعرض مسرحياته الخالدة في شارع شافتسبري افينيو، في منطقة الفنون والمسارح في الويست اند.




سميرة توفيق
****************************

في ليلة الكريسماس "لاحظوا عدم وجود ترتيب زمني للأحداث، لأني أكتب الحدث عندما أتذكره فقط" كنت ذاهب لزيارة أخي، بعد أن سبقني والداي فركبت الباص رقم 7 من البايزوتر في بداية شارع الكوينز واي، وكنت ألبس بنطلون رياضة، وفي طريق الكوينز واي رأيت شخص ملامحة ليست بغريبة عني يميل للسمرة وشعره منكوش، حسبته انجليزي من أصول أفريقية يجلس في قهوة الفكر العربي ويشرب عصير كبس، تجاوزته ووصلت لمحطة الباصات مقابل حديقة كنجنستون بارك وركبت الباص اللندني العتيق الأحمر ذي الطابقين متجهاً نحو وسط أكسفورد ستريت، لأتوقف هنالك ومن ثم أمشي لمسافة بسيطة نحو المستشفى في هارلي ستريت. ولمن لم يحالفه الحظ ولم يركب باص لندن الأحمر العتيق ذي الطابقين، والذي توقف العمل به في 9 ديسمبر 2004 عند الساعة الواحدة ظهرا، سأشرح له بعض الذكريات الحلوة عنه، فباص لندن الأحمر الشهير ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمدينة لندن مثله مثل أكشاك الهواتف العامة الحمراء منذ أكثر من خمسين سنة، فقد استخدم الباص الأحمر لأول مرة بطرازه العتيق في العام 1954، وأحبه الناس وأقبلوا عليه بشكله الفريد ذي الطابقين. كان باص لندن الأحمر مفتوح تماماً من ركن الجهة الخلفية اليسرى ولا يوجد فيه باب، إنما يوجد درجة بسيطة وعمود في مدخله ليسند الراكب في القفز للداخل والارتكاز على العمود لحفظ توزانه عند استقلال الباص، وكنت دوماً أفضل صعود سلمه الحلزوني وأجلس في الطابق الأعلى لأكتشف معالم الطريق أثناء تنقلي به. وبعد برهة من ركوب الباص كان يمر علينا الكمساري ومعه مكينة تذاكر ويسأل الراكب عن وجهته ومن ثم يعطيه وصل بعد أن يستلم ثمن الرحلة. عندما يرغب أحد بالنزول، هنالك جرس بزر أحمر موجود في الطابق الأول يضغطه الراكب مرة واحدة لطلب النزول، وبعد أن ينزل الراكب يقوم الكمساري بضغطه مرتين ليتحرك السائق، كنت أضغط مرة واحدة للنزول، وعندما أقفز للخارج أقوم بضغطه مرتين ليتحرك الباص فأغيظ بذلك الكمساري لأني أتدخل في عمله . لكن الآن الباصات الآن تعتمد على سائق واحد ويستخدم عادة الركاب بطاقة ذكية الكترونية للتنقل أو يدفع مسبقاً للرحلة من أجهزة أتوماتيكية توجد عند المحطة قبل استقلال الباص خاصة في وسط لندن.
هذه الصورة تم تصغيرها. اضغط هنا لعرض الصورة الكاملة. حجم الصورة الأصلي 800x571 و مساحتها 145كيلوبايت.





باص لندن العتيق

في رحلتي لأخي في تلك الليلة في الباص رقم 7، كنت منشكحا على الآخر وأنا أقرأ الصحيفة في الباص وعندما وصلت اكسفورد سيركس نزلت عند المحطة المقصودة بعد أن ضغطت الزر مرة واحدة للنزول، ومرتين حتى يتحرك الباص، ومن شدة البرد وضعت يداي في جيبي ولكني اكتشفت ويا للهول بأن مفتاح الشقة غير موجود في جيبي ، وأعتقد بأن ذلك حدث بسبب انشكاحي للأخر على مقعد الباص، فصعقت من المصيبة التي وقعت بها لأنه لا يوجد لدي مفتاح احتياطي فعدوت من الخرعة نحو الباص الذي نزلت للتو منه فسبقته وسبقت الذي قبله والذي قبل إلي قبله، لأن هنالك عادة أكثر من باص يحمل الرقم 7، يخدم نفس الخط ويفصل بينهما دقائق معدودة، وتوقفت بعد ذلك عن العدو لأني خفت أن أخرج بسبب ركضي المتواصل عن حدود لندن أو أني من الممكن لو استمريت في العدو أن أغرق في بحر المانش الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا ، فأنتظرت الباصات عند أحد المحطات المتقدمة وبدأت بايقافها بكل قوة عين واحداً تلو الأخر وفتشتها جميعا أمام دهشة الكمساري والسائق وخوف الركاب من البلطجة إلي ما يقدر يقوم بها حتى رجل البوليس الانجليزي، ولكن للأسف لم أجد أثرا للمفتاح. عدت للمستشفى قافلة وياي واتصلت على جوال أبي وأنا في الطريق وأخبرته بالمصيبة الي حصلت وأني ضيعت مفتاح الشقة ولازم نروح فندق حتى الغد لين يحلها ألف حلال،،،،،أووووووووبس ،،،،،لحظة يا شباب، شلون مشت عليكم الشلخة،،، خخخخخخخ "كلمت أبي بالجوال ،،،،إذا أنتم مركزين صح، ترى القصة صايرة في العام 1984، يعني حتى البيجر ما كان موجود!!!!، ،،،، ما عليه واحد صفر عليكم، تصدقون كل شيء، بس الحقيقة إني وصلت المستشفى وأخبرت والدي بما حدث، وكانت موجودة معنا ممرضة اسمها مسز قراث، فقالت بكل بساطة مادمت بالليل ولا يوجد محل مفاتيح اتصل بالمطافيء وسوف يفتحون لك الباب. وفعلا اتصلت بهم وأعطيتهم العنوان وطلبوا من التواجد خلال نصف ساعة وذهبنا هنالك وبكل بساطة فتحوا الباب، ووصلت رسالة لنا بعد أسبوعين بأن الخدمة مجانية بمناسبة أعياد الميلاد،،،،،،واكتشفت إن الماراثون إلي سويته وتفتيش الباصات وتعطيل الأوادم إلي رايحين يحتفلون بأعياد الكريسماس ما كان يسوى علي،،،،والمسالة مافي أبسط منها،،،،،، بس تسلمون والله يا مطافي لندن وشكرا على العيدية الحلوة .


معليش شطحت فيكم شوي، بس برجع وأقولكم عن صاحبنا إلي كان في مقهى الفكر العربي، فقد كنت أسير مرة أخرى في شارع الكوينزواي، بعد نحو خمسة أيام، وكانت تلك الليلة هي ليلة رأس السنة الجديدة ورأني نفس الشخص الموجود في قهوة الفكر العربي الأسمراني أبو كشة، وانتبه لي، لأنه يبدو أنه لم يكثر بعد من عصير الكبس، وناداني بالعربي .....نادم....نديم، لو سمحت يا أخ، إنت اسمك نادم، قلت لا، لا، أنا اسمي نديم، ورحب بي بشدة واكتشفت أثناء الحديث معه بأنه أخ أحد أصدقائي في الدمام وسبق أن تقابلنا بس هو عرفني وأنا ما عرفته، كان اسم الشخص "عباس صخونة" وهو يدرس اللغة الانجليزية ويتصرمح في لندن منذ ستة أشهر، سالني وين رايح، قلت بروح حفل معلاق،، ، قصدي رأس السنة الجديدة في الترافلقار سكوير، قال زين بجي معاك بس تعال خلني أكمل قهوتي. وبدأ الرجال يشرب العصير حتى الثمالة، وبعدين مشينا لمحل الاحتفال في ساحة الحمام زي ما يسمونه العرب، وكان عدد المحتفلين حوالي مئة ألف. كان الكل سعيداً ويغني ويرقص وهم ينتظرون آخر عشرة ثوان من السنة الحالية ليقوموا مع دقات ساعة "بيغ بين" وساعة كنيسة "تشرينق كروس" القريبة من موقع الحفل بحساب تلك الثواني العشر الأخيرة حتى تدق آخر ثانية فيعلن دخول السنة الجديدة ويبدأ الاحتفال والقبلات والأحضان والصخب والهيستيريا الجماعية واختلاط الحابل بالنابل والألعاب النارية والتمنيات بسنة سعيدة. وتذكرت خلال دقات الثواني العشر الأخيرة لساعة "بق بن" التي كانت تعلن من خلال طنينها الهادر اسدال الستار عن العام 1984، ومولد العام الجديد 1985، تذكرت، ولا أعلم لماذا ، تلك الأغنية الخالدة التي كنت أسمعها قسرا من "غصب وان" والتي أصبحت من مراسم كل عيد " مـن الـعـايـديـن .. ومـن الـفـايـزيـن .. إن شـاء الـلـه،،، مـن الـعـايـديـن .. ومـن الـفـايـزيـن .. إن شـاء الـلـه "، فلله درها من أغنية، فمنذ أن ظهرت تغير أكثر من أربعة وزراء إعلام ولم تتغير ولم يتبدل لحنها ولم يودها مطرب آخر ولم يعمل لها فيديو كليب وكأنها من المسلمات التي لا نقاش فيها، فبقيت كاتمة على أنفاسنا ولاحول ولا قوة إلا بالله. ولسوء الطالع أو النازل، لافرق، فإن بعض أصدقائي عندما يأتي العيد يحولها نغمة لجواله. وخلال آخر خمسة ثواني لدقات ساعة "بيق بن" تذكرت كذلك عيدنا المليئ بتصنع الابتسامة وعبارات المحبة والترحيب المككرة، فلا شيء يميز العيد لدينا...سوى الاسهاب بالمجاملات....وكثرة السؤال عن الحال ....، ومظاهر الاحتفال لدينا سيارات محملة بالبطانيات والعفش تجوب الطرق السريعة بين المدن، إلي في الشرق يروح الغرب والشمال للجنوب والعكس، فعيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ, بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ.

وعندما بدأت السنة الجديدة، يبدو أن صاحبنا "عباس صخونة" قد خرج عن طوره تماما مثله مثل بقية الناس من حوله، فقام بكل صفاقة بعمل حركة غريبة للاحتفال بطريقته الخاصة وسط الزحمة، فكان كلما مرينا من جانب حشد من البشر أعطاهم شلوت سريع ومن ثم يلتفت نحوي بخفة وكأنه يتحدث معي وليس له علاقة بمن فعل الشلوت، طبعا محد عرف إنه هو الي يعطي شلوت لأنه يسويها بحركة احترافية رغم انه خارج وعيه، وبصراحة شاركته مرتين أو ثلاث باعطاء الشلاليت بعد ما عجبتني الشغلة، لكن في آخر مرة تصوروا وش سوا "عباس صخونة" وبغباء منقطع النظير شات له واحد عسكري انجليزي عكنف طوله مترين من غير حساب طول الطاقية، ومن هول المفاجأة والصدمة من تصرفه الأرعن صرخت بلهجة دمامية بائسة "بلللللللللللل بللللللل بلللللل"، وانتبه الشرطي لي وأنا أتأسى على ما سيغدو عليه حالنا لا محالة بالرغم من حذر "عباس صخونة" فعرف أننا نحن من أعطاه الشلوت المحترم فقبض علينا من رقابنا وقذف بنا في البقس بتاعهم وعلى طول إلى مركز البوليس إلي في "بادنقتون" وحشرنا لساعات مع السكارى والبلطجية، وهي أول مرة بحياتي أدخل فيها قسم بوليس كمدان. وبسبب كثرة الموقوفين تلك الليلة أخذوا عناويننا وأطلقوا سراحنا، وبعد نحو ثلاثة أسابيع استدعونا للمحكمة وحكموا على بأن أكتب عشرين صفحة، لثلاثة أيام، وفي كل صفحة أكتب" أنا أحترم رجال البوليس"، أما "عباس سخونة" فلأنه الفاعل، فقد حكم عليه بغسل درج ساحة الحمام لمدة ثلاث ساعات ولثلاثة أيام، أختارها عباس لتكون أيام الجمعة والسبت والأحد سحبة واحدة بعد أن اشترى له مكنسة ومساحة وسطل وعلبة تايد.





ساحة الطرف الأغر "الترافلقار سكوير" بعد أن انتهاء الحكم علينا

يتبع

التعديل الأخير تم بواسطة نديم الهوى ; 23-05-2010 الساعة 04:02 PM
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 28-05-2010, 07:46 AM
  #75
منصور العبدالله
مـــراقــــب
 الصورة الرمزية منصور العبدالله
تاريخ التسجيل: Jun 2005
الدولة: أمجاد الرياض
المشاركات: 11,034
منصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

السلام عليكم ورحمة الله

اهلا اخي نديم الهوى


ساعات من الخوف والقلق والتوتر على ماسيئول له أخاك


وبدأت تفرج من اضيق الحدود


ولله الحمد


تابعتها بكابوس اسود وكأن يعكس واقع رأيت بعض منه


والحمد لله ان زال عنة وعفى




واكملها عباس بأفعاله وبانتظار الافراج عنكم في الحلقة القادمة


وفقك الله اخوي نديم الهوى


حقيقة حلقات رائعة موثقة بالمواقف السعيدة والحزينه والصور والاحداث



تابع وفقك الله ايها المبدع



دعواتي لك اخوي الغالي نديم الهوى


في رعايه الله
__________________



اللهم أرحم والدتي ..وأجعل قبرها روضه من رياض الجنه..واسكنها جناتك
منصور العبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 28-05-2010, 09:38 AM
  #76
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

الحلقة السادسة عشر



في أحد ليالي الخريف الباردة والمعتمة كنت عائداً من زيارة أخي سيراً على الأقدام من شارع هارلي ستريت متجهاً إلى شقتنا في شارع الكوينز واي، حيث يبعد المستشفى عن السكن نحو ستة كيلومترات وكنت أقطع المسافة في أقل من 35 من السير الحثيث، وفي أحيان كثيرة كنت أستقل الباص اللندني الأحمر العتيق رقم 23 أو رقم 7 أو رقم 23، المتجه نحو الغرب بإتجاه السكن، وإن كنت مستعجلاً فأركب الأندرقرواند من أكسفورد سيركس واستخدام السنترال لاين ذي اللون الأحمر نحو محطة ماربل آرش ومن ثم محطة لانكستر قيت وأتوقف عند غايتي في محطة الكوينزواي.





شارع الكوينز واي



وشبكة قطارات الأندرقراوند (قطارات تسير تحت الأرض) هي اﻷقدم على مستوى العالم، إذا أستثنينا نفق الدمام بالطبع والذي يقال أنه دخل موسوعة جنيس للأرقام القياسية في مدة بنائه والله المستعان. ويعود تاريخ انشاء الأندرقراوند إلى عام 1863م، ومجموع طول الشبكة يصل 415 كم. وأهم المحطات الرئيسية هي محطة تشارينغ كروس (Charing Cross)، ومحطة أوستون (Euston)ومحطة كنغس كروس (King's Cross) ومحطة ليفربول ستريت (Liverpool Street) ، ومحطة بادينغتون (Paddington)، ومحطة سانت بانكراس (St Pancras)، ومحطة فيكتوريا (Victoria) ومحطة واترلو (Waterloo) ومحطة لندن بريدج (London Bridge)..



.

محطة بادنقتون في لندن


في تلك الليلة كنت قد عزمت الأمر على ركوب الأندرقراوند نظراً لبرودة الجو وكانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف مساءً، سرت حتى وصلت بوابة محطة أكسفورد سيركس، ولكن قبل أن أدخل إلى المحطة غيرت رأيي في آخر لحظة عند العتبة بالضبط، وقلت لنفسي سأسير على قدماي ما دمت ألبس ملابس شتوية مناسبة كي أعرج بطريقي إلى ادجور رود ومن ثم أقرر هل أركب الباص أم أكمل السير على قدماي من هناك. كنت رغم صغر سني أسير لوحدي في الليل وأحب أن أسلك الشوراع الجانبية المعتمة في طريق الذهاب أو العودة للمستشفى وأمر بجوار البارات والنوادي الليلية الخلفية والمواخير الخطرة ولم أفكر يوماً بأن ذلك ليس من الحكمة بشيء من ناحية الأمان، لم أشعر ولو مرة واحدة بالخوف من المكان الذي أنا فيه إلا عندما تواجدت في نوتنقهيل قيت، المنطقة التي يوجد بها منزل بوب مارلي، فتلك المنطقة موحشة بالفعل، وأجسام الزنوج لا يمكن التعامل معها عندما يحمى ا****************س، ولا يمكن كذلك الفرار منهم إذا لزمت الحاجة فهم مشهورين بالسرعة في العدو، فأين المفر؟؟. والشجاعة هذه أو الجرأة لم أكسبها من مدينة الدمام الوادعة، بل اكتسبتها من نشأتي المبكرة في مدينة الطايف، فقد كنا نسكن في حارة اسمها الريان وكان منزلنا مقابل المقبرة تماماً والتي كنا نلهو حولها في الليل ونتحدى بعضنا في الطرق على جدارها الطيني والاختفاء بين القبور أثناء اللعب ، وأهل الطايف شجعان بطبعهم وإن لم تكن ذئباً بينهم أكلتك الأسود هناك. كنت وكان غيري والذين لم تتجاوز أعمارهم الثالثة عشرة في الطايف نحمل السكاكين في طيات ملابسنا طوال الوقت، وإن غلبت الروم نحمل مفكات البراغي . أذكر مرة من المواقف الطريفة عندما كنا صغار في السن لم تكن البقالات تبيع الخبز كما هو حاصل الآن، بل يوجد "تماس" أي خباز في بعض الحارات يتجه له الناس في الصباح والمساء، أما وقت الظهيرة فالعادة تعمل ربة البيت الخبز الخاص بالمنزل. كان "التماس واسمه العم حاتم اليماني" يوجد في الحارة المقابلة لحارتنا وتسمى حارة الجعدة، وهم قبيلة كاملة وكريمة تسكن في حي واحد، وإذا تعاركوا مع أحد يخرج الرجال والنساء والأطفال عن بكرة أبيهم وتشتعل المعركة ويحمى ا****************س فويلاً لمن كان الضحية ، قد تحسبوني أبالغ في نقل الصورة، لكن والله هذا ما كان يحدث في تلك الأيام وقد لحقت على الكثير من تلك المضاربات واشتركت في اثنتين منها على ما أذكر،. كنا عندما نريد شراء الخبز من حارة الجعدة نذهب سوياً مع مجموعة من شباب الريان ومعنا المفكات والسكاكين وجنازير السياكل ونشتري الخبز بكل حذر وعادة يكون وقت شراء الخبز هدنة بين جميع الأطراف وتتوقف أعمال القصف ويقل خرق الهدنة إلا ما ندر ولم يفرض علينا حصار اقتصادي في أية لحظة من قبل قبيلة الجعدة لظروف انسانية على ما يبدو.



صورة قديمة لمدينة الطائف

في يوم من الأيام كان معي أخي الذي يصغرني سنا، وهو الآن تاجر كبير جداً في أمريكا يحصد ملايين الدولارات من عمله في مجال الإنشاءات في ولاية كلورادو وتعدت ثروته ثروت أبي في وقت قياسي، كنا عائدين متأخرين بعض الشيء صباح الجمعة فلاحظ أخي وجود بعض أطفال الجعدة مندسين خلف أحد السيارات فصاح بأعلى صوته "كمممممممممممين " فعدونا للمنطقة الخضراء لننفذ بجلودنا حتى أنا سبقنا ظلنا من سرعة العدو، وأنا أرفع سروالي من الخلف لأني ضعيف جداً وأخي يرفع سراوله من الأمام لأنه بدين بعض الشيء ، وعندما وصلنا لحدود المنطقة الآمنة شاهدنا المرحوم "غازي العشي" فسقط على ظهره من الضحك علينا وفضحنا في الحارة أمام أصدقائنا وقال "كان واحد يرفع سرواله من قدام والثاني من من ورا ومرعوبين وهم يجرون"، "غازي العشي" توفي لاحقاً في حادثة قصر أفراح الطايف الشهير الذي سقط على النساء عندما دخل لإنقاذ الأطفال والنساء وبعد أن أنقذ أكثر من عشرين نفس سقط عليه الجدار وتوفي رحمه الله . كذلك أذكر مرة تعاركت مع واحد اسمه "القرص" مشهور بالقوة والشجاعة والغباء بنفس الوقت، وهو من عائلة الحربي في حارة الريان، وهنالك أكثر من عائلة نسبها الحربي في حارتنا ، جميعهم يتحدثون اللهجة المصرية ، أزيك، أخبار الحقة ايه، يا راقل وإذا قعدت عندهم ساعة أو ساعتين وجيت ماشي يقولن لك "ما تشرب الشاي، الشاي ع النار (والنبي) ع النار" ، يعني كلام مصري مية في المية، بس أصلهم سعوديين عاشوا في مصر أيام العدم وعادوا للسعودية أيام الملك سعود. القرص هذا لم جيت أتخانق معاه طلعت المفك من جيبي و يازعط كنت ناوي أضربه على كتفه، قسم بالله يا جماعة الخير مسك المفك وبيد واحدة من غير ما يستخدم اليد الثانية كسر المفك بين أصابعة وقالي وش رايك الحين يا أبو ندم؟؟؟!!! ، والحمد لله قبل ما يهبدني بيديه الأخرى إلي مثل الصبة طلع أبوه من بيتهم وقال "تعال يا حمار يابن الحمار عامل راقل على عيل صغير ادخل قوى البيت يا ابن الك،،،،،،خخخ". القرص هذا لم يهجده أحد ويكسر عينه سوى ابن عمه عبد المنعم، إلي كان عنده سيارة كورلا غريبة صفراء تفحط من الكفرات الأمامية عكس جميع السيارات وفي البيبان الداخلية يعلق صور جميع الممثلات من فاتن حمامة وسميرة توفيق والهام يونس وشريفة فاضل.

وفي لندن لم أتعرض لمحاولة سرقة أو اعتداء رغم طيشي في السير في الأماكن الخلفية من الشوارع طوال السنة والنصف سوى مرة واحدة، فقد كنت قادماً من عند صديق في شارع اسمه موسكوس رود، يتفرع من عند محل البيتزا إلي في الكوينز واي، مقابل ماكدونالدز الآن (كان برقر كينق في السابق). كنت أسير من الاتجاه المعاكس لماكدونالدز، وخارج البار كان يقف شاب انجليزي أصلع الرأس وأبهص الوجه وأطول مني بقليل وعليه صحة ماشاء الله تبارك الله، سلم علي بلقافة وقال وين رايح، رديت عليه السلام وقلت مهو شغلك وين رايح، وعلى طول تحولت نظرته نحو جيب بنطلوني إلي فيه المحفظة، وقال تعطيني فلوس وإلا ما خليك تمشي من هنا، فلوسك أو حياتك!!!!، وبدون مقدمات أعطيته بقس في وجهه بدل المحفظة وجيت بعطيه بقس ثاني قبل أن أهرب من المكان أو يأتيه المدد من داخل البار، لكنه ترنح بسبب الضربة وبسبب إنه سكران طينة، وحطيت رجلي وما وقفت إلا لما وصلت عند أنوار المطاعم في الكوينز واي.

أعود لكم لحكاية الأندرقرواند في تلك الليلة، فلله الحمد لم أركبه وأكملت طريقي سيراً وأخذت عشاء من مطعم يوناني وأتذكر وجبة العشاء إلى الآن واسمها "كلفتكو". في اليوم التالي قرأت صحيفة الاستندارد، ويا للمفاجئة، فقد اشتعل حريق كبير ليلة البارحة في محطة الأندرقرواند في أكسفورد ستريت في الساعة التاسعة والنصف، وهو نفس الوقت الذي كنت أنوي ركوب الأندرقراوند فيه ومات في تلك الحادثة المأساوية عشرة أشخاص، وكان سبب الحريق هو عقب سجارة أحد الركاب كما بينت التحقيقات اللاحقة، لذلك منع في تلك السنة التدخين في القطارات الأرضية بسبب تلك الحادثة. حمدت الله أن نجاني من ركوب القطار في تلك الليلة المشؤومة وأطلعت أخي على الخبر في الصحيفة وأخبرته كيف أني غيرت رأيي في آخر لحظة وكيف نجاني الله بأن لا أكون معهم أثناء الحريق، فتعجب من ذلك وحمد الله وقال لي يجب أن تشكر الله وتتصدق فقد كتب لك عمر جديد، والإنسان لا يظمن متى يأتي الموت. ولكني وبرغم تقصيري كأي إنسان وسطي، أحس دوماً أن العناية الإلهية تحرسني كما حرستني في هذه المرة ومرات أكثر، ليس لكثرة طاعة والله المستعان ولكن لأمور أخرى الله وحده أعلم بها.

في الأيام التالية آثرت عدم ركوب القطار أو حتى الباص كذلك وكنت أعود للمنزل سيراً على الأقدام وهي الهواية التي أحبها كثيراً وأمنيتي التي تدور في رأسي منذ مدة أن أسير على قدماي من مدينة الخبر حتى أصل إلى لندن يوما ما. وفي أحد الأيام وأنا عائد للشقة من الشوارع الخلفية كالعادة مررت بشارع وقمور ستريت ثمً بورتمان سكوير وتجاوزت فندق تشرشل حتى وصلت لإدجورود، ولم يكن هنالك الكثير من العرب في لندن خاصة في فصل الخريف، وحتى المهاجرين لم يكونوا سوى أقلية قليلة لم تتوالد بعد ولم تكثر من الحرث والنسل، فكان وجود أي عربي يلفت النظر وإن كانت إمرأة عربية فهذه حكاية أخرى يطول شرحها!!، كانت لدي كأي سعودي فاضي ومشفوح رادار متقدم يكشف عن وجود أي فتاة خليجية تسبح في مجاله الجوي ويفرزها عن غيرها حتى لو كانت تسير وسط مبنى الأمم المتحدة . فعندما دخلت شارع ادجورود وقلت يا هادي لاحظت في الجهة المقابلة على بعد خمسمائة متر تقريبا فتاة كعود الخيزرانة تمشي الهوينا بعبائتها المطرزة نحو محل خضار هندي، فاشتغلت جميع أجهزة الإستشعار عن بعد وعن قرب وتوجهت نحو المحل وتظاهرت بأني أنوي شراء كيلو كوسة . أقتربت منها وكانت مشغولة بشراء بعض الحلويات، فلاحظتني وعرفت أني خليجي، فمشت أمامي بدلال وغنج واضح فرميت أبو الكوسة في الفريزر وقلت يا عمي هو أنا بتاع كوسة ، وسلمت عليها وردت بخجل وبصوت كامل الأنوثة، بلعت ريقي وقلت منورة والله لندن كيفك، أنا أخوك نديم من السعودية، ممكن نتعرف عليك،،، صمتت بعض الشيء ثم قالت بهدوء اسمي "شفاء وأنا من دار الحي". سألتها وش جايبكم الحين، أول مرة أشوف ناس جايين لندن في الخريف، ردت قالت حنا نجي نتسوق مرة في الخريف ومرة في الربيع غير الصيف إلي نقضي معظمه هنا في لندن، وأخبرتني بأن لديهم شقة في العمارة التي فوق المحل واسمها "ووتر قاردن". تمنيت لها السلامة وأعطيتها رقمي وقلت لها أنا مرافق أخوي للعلاج وإذا احتجت أي شيء هذا رقم الشقة، في أي وقت (ترقيم الثمانينات). باي شفاء،،،، باي نديم،،،،، .



في عصر اليوم التالي كنت سائر في نفس المكان في ادجوررود وفجأة سمعت من ينادي " نديم،،،نديم""نظرت للأعلى ورأيت فتاتين في الدور الثالث، فسألتني إحداهن على استحياء إنت نديم إلي البارح، قلت نعم أنا نديم، وإنت شفاء صح، قالت ايه،،، تعال اطلع عندنا من خلف العمارة شقة رقم ؟؟؟، طلعت الشقة وعرفتني على أمها "أم خماس" وأختها "شمة" ولم يكن معهم رجل (جميع الأسماء مستعارة هنا)، كانت عائلة طيبة وثرية، بدوية يبدو أن الحضارة فاجأتها على حين غرة فبدت كالغراب الذي قلد الحمامة فضيع مشيته ومشية الحمامة، لهجتهم بدوية، لبسهم بدوي على افرنجي، عباية فوق البنطلون الضيق أو التنورة القصيرة، والأم تلبس بطولة "برقع"، يسرحون ويمروحون في لندن وفي كل سوق ويهيمون
.
في اليوم الأول سوت أمهم أم خماس أكلة شعبية اسمها "الخبيص" وقالت "بنسير عند أخوك ونغديه" قلت وين يا عمي عند أخوي، تبين توديني في داهية، أخوي مطوع بنروح له بيتضايق، خليني آخذ الخبيص وأنا أوصله دليفري له، بس تسلم يدينك والله، رحت لخوي واستانس عليه وقصيت عليه، قلت جيرانا طلعوا من دار الحي وطبخوا لنا من غداهم وهذي ذواقتك.

شفاء كانت فتاة جميلة جمال إيراني، أقصر مني بعض الشيء، شعرها أسود داكن وجميل وتشبه الممثلة اللبنانية الأمريكية سلمى حايك، لا تضع أي نوع من أنواع الميك آب، سوى كحل خفيف على عينيها البراقتان وهي لا تحتاج لأكثر من ذلك كي تبدو جذابة، ابتسامتها رقيقة جداً، تبتسم بهدوء لتظهر أسنان جميلة براقة، وتفكر لبرهة قبل أن تجيب على أي سؤال فيزيد ذلك من سحرها ورقتها، ففيها الكثير من الحلم والتؤدة، ملت إليها كثيراً وأصبحت صورتها لا تغيب عني لحظة واحدة طوال الوقت، وقد تكون هي الحب الأول في حياتي، وهي كذلك سرعان ما بادلتني الحب، كنا نقضي سوياً ساعات كثيرة في التسوق والغداء والعشاء في الخارج وأجمل الأوقات في حديقة جيمس بارك التي تحبها والتي تقع بطريق قصر الملكة اليزابث الثانية.

وفي أحد الأيام قلت لها سوف نذهب لأمباير كلوب والذي يقع في ساحة الليستر سكوير وكانت أم خماس تلبس عبائة وبطولة وتريد أن ترافقنا للكلوب فأخبرتها أن ذلك غير مناسب لها أبداً إذا كانت ترتدي العبائة، فردت "والله ما أعقها، أنا لي عشرين سنة وأنا أجي لندن وماعمري عقيتها" عشرين سنة يا أم خماس، يعني لو نقصناها من عام 84 بنوصل للعام 64، يا الله حسن الخاتمة وبس، وش أسوي معاها هذي، المهم رحنا وجات بالبطولة والعباية. كان كل من كلوب الإمباير وسترينق فالو وكلوب الهيبدروم من الكلوبات الراقية جداً ولا يدخلها كل من هب ودب، فزبائنها تلك الأيام عادة الطبقة الوسطى والعليا، لكن الطبقة ما تحت المتوسطة أو الدنيا نادرة ما يسمح لها بارتياد تلك الأماكن كما هو الحاصل الآن، في المدخل كانت النادلات الجميلات يستقبلن الزبائن بملابس "أرنبية" ونسلم لهن البلوفرات والجاكتات، ثم ننزل لأسفل نحو المطعم وتجمع الزبائن، فأقتربت إحداهن من أم خماس وتوقعت أنها سوف تعطيها هذا اللباس الغريب فكادت أن تحدث معركة بينهن لأن البنت الإنجليزية رأسها وألف سيف ما تنزل أم خماس بالعباية والبطولة لأنها أعتبرتها مثل البلوفر ويسري عليها القانون كغيرها. حلينا المشكلة بعد جهد خرافي قبل ما يقفل الملهى بساعتين فقط. ويا فرحة ما تمت، بعد حوالي نصف ساعة أتت أم خماس تصيح وسط أصوات الموسيقى العالية من رجل انجليزي أعجب ببناجرها وخافت أن يسرقها منها ودعتنا للخروج، خرجنا وأركبناها تكسي أسود مثل حظنا المهبب وشحناها لشقتها وأكملنا السهرة في كلوب آخر في الطابق العشرين في فندق الهيلتون في البارك لين.

مع مرور الأيام أحببت شفاء حباً حقيقياً وهمت بها هيام تمكن من كل سكناتي،،،،،ولن أسترسل هنا لأسباب كثيرة، وهي بدورها بادلتني الحب واستطاعت أن تمدد اجازتهم من ثلاثة أسابيع لخمسة وخمسين يوم كما أذكر، وعندما سافرت إلى بلادها وتركتني وحيداً خلفها اكتئبت لأول مرة في حياتي وأحسست بلوعة الفراق وأصبح في حلقي غصة حقيقية وتغيرت معالم وجهي فأصبحت أكثر شحوباً أسير من غير هدى، وشعرت بأن لندن مدينة أغلقت أبوابها في وجهي وأني أسير والله وحيد رغم زحمة الناس من حولي، أذهب للهايدبارك أرى الأشجار والنهر الذي كنت أحبه فأشعر أنه قد تحول لنهر رتيب ممل والأشجار المتهادية الجميلة الخضراء اليانعة وكأنها أعجاز نخل خاوية، لم أعد أحب شيء، كنت لا أكل حتى الطعام، وعندما يشتد بي الجو ولكي أبقى على قيد الحياة أشتري شاورما من رنوش وأحاول أكلها فتنسد نفسي عن الطعام حينما أشتم رائحته. كنت دوماً أسير وأترنم وحيداً بأغنية عبد الكريم عبد القادر " غريب،،، غريب،،،،، غريب،،،،أمشي وبقلبي حزن، أمشي وبقلبي ألم" والأغنية الأخرى التي كان يغنيها راشد الماجد عندما كنا صغار " راح وخلاني وحيد، راح وخلاني حزين، يا حبيبي أهواك وعمري فداك،،،، ودي أسأل والله أسأل على حبيبي إلي راح". وأخذت القلم وكتب بها قصيدة تقطر حزنا ودموعاً كعادتي عندما تسيطير علي فكرة وتتمكن مني، وأريتها لرئيس تحرير صحيفة عربية قومية تصدر من لندن تسمى"العرب" واسمه رئيس التحرير الحاج أحمد الهويني، وكان يجلس في العصريات مع شلة النصب والاحتيال والأفاكين وأنصاف المثقفين في "قهوة الفكر العربي" فأعجب بالقصيدة، وقال سأنشرها ولكن سوف أغير أي كلمة تشير إلى "دار الحي" لأسباب شرحها لي، فوافقت على نصيحته، وفعلا نشرها بعد أن زينها بالصور والرسومات فظهرت معبرة جداً وأخذت أكثر من نسخة من الجريدة وارسلتها بالبريد إلى شفاء على عنوانها في دار الحي فقرأتها وارسلت لي الجواب رسالة فارغة فيها ق ب ل؟؟؟؟ حمراء فقط.

كانت هذه أول مرة يدق فيها قلبي ويفتح على مصرعية لحب حقيقي، ولكني أذكر عندما كنت صغيراً وأنا في الرابعة ابتدائي في مدينة الطايف، وكان يأتي في الصيف أيام الملك خالد يرحمه الله، وقبله الملك فيصل الكثير من المصطافين الذين كنا نطلق عليه اسم "الشروق" لأنهم يأتون من ناحية الشرق. وسكن في البيت الملاصق لنا أحد هؤلاء الشروق، وبالرغم من أن عمري كان نحو عشرة سنوات فقط، إلا أن قلبي دق على خفيف لبنت رائعة الجمال من بنات الشروق والتي بدورها عطتني وجه فنادتني في صباح يوم باكر وأنا أنظر لها من فوق السطوح، فأتيت عند بابهم وأعطتني "فش فاش، وعلك فلكس واجن وميرندا قزاز، وقالت لا تنس ترجع القارورة"خخخخ، كان هديتها عبارة عن عربون حب وصداقة، رحت بيتنا وأهلي نايمين وفكرت وش أعطيهاهدية، فكيت الثلاجة ما فيه إلا لحم وبامية وأدوية كحة وتحاميل خخخخ، رحت للدور الثاني لقيت أخوي إلي كان يدرس في أمريكا في السبعينات الميلادية جايب عطر حلاقة أولدسبايس old spice، قلت يا ولد ما فيه إلا هذي الهدية إلي بتخليها تموت في حبي، وفعلا أعطيتها الهدية بعد ما حطيتها في كيس مكتوب عليه "محلات بادغيش للملابس النسائية، فرع الطايف" وشكرتني وقالت ما فيه داعي تكلف على نفسك وأعطتني فش فاش ثاني لأنها تأكدت بأني مخلص بالحب، ورجعت لها قارورة الميرندا، خخخخ.

شفاء قابلتها أكثر مرة في لندن بعد ذلك، مرة أخرى أثناء علاج أخي، ومرات أخرى في زيارات مختلفة حتى رأيتها ومعها أحد أطفالها فأبتعدت عنها ونسيتها أو تناسيتها ودارت الأيام والسنوات وبعد أكثر من عشرين سنة كنت أتناول الطعام مع صديق في مطعم الحمراء في الماي فير بجوار السفارة السعودية وكان أمامي صبية جميلة تشبه شفاء ومعاه أمها وتلبس عباية وبطولة، فقلت في نفسي سبحان الله كأنها شفاء وأمها "أم خماس" أيام الثمانينات، وعندما بدأت الأم بتناول الطعام أزاحت البطولة ونظرت نحوها وللمفاجأة كانت هي شفاء وهذي هي بنتها إذن ،!!!فقد كبرت وأصبحت تشبهها في شبابها، لكن شفاء كبرت أسرع من اللازم وقد زاد وزنها وأصبحت "أم خماس" نسخة معدلة واكتفت بالابتسامة لي وأنا كذلك وكأننا لم نلتقي يوما ما،،،،،ولم أستطيع بعد عشرين سنة عندما رايتها أن اكمال طعامي ذلك اليوم، لأني تذكرتها عندما سافرت وتركتني وحيداً خلفها فكنت أمد يدي للطعام حينها فتمنعني لوعة الفراق من ذلك.



ألم الفراق

************************************************** ********************************

وبعيد عن الحب وسنينة سأختم لكم اليوم بقصة طريفة حصلت لي لاحقاً مع القاضي الذي حكم علي بكتابة عشرين صفحة "أنا أحترم رجل البلويس" وحكم على صاحبي "بغسل درج ساحة الحمام لمدة ثلاثة أيام"، فقد رأيت ذلك الرجل الطيب في صيدلية بوتس ولم أعرفه لأنه كان يرتدي في المحكمة باروكة بيضاء، وهي تقليد بريطاني يعمل به منذ نحو 300 سنة لإضافة الهيبة والوقار للقاضي، فتبسم لي وحياني فحييته وعرفني وقال كيفك أيها الشاب الصغير أرجو أن لا أكون قسوت عليك في الحكم، فقلت له كلا الحكم كان جداً بناء ويذكرني دوماً بأن أحترم رجال البوليس. ودعوته لتناول القهوة فوافق وقال ليس بيننا قضية الآن ولا يوجد مانع مهني من أن ألبي دعوتك، وفعلا تشرفت كثيراً بمعرفته واستفدت من طريقة إدارته للحوار ونظرته للأمور وتواضعه، وحدثني أنه يحب الشرق وسحره وقد عمل في كل من العراق وعدن عندما كان شاباً.


وهذ اللقاء الجميل ذكرني بأحد أصدقائي الصعاليك أيام المرحلة المتوسط الذي أصبح لاحقاً شيخاً وقوراً وقاضياً في أحد المحاكم، وقصة هذا الشيخ والذي اسمه "زريق" الذي كان ضعيف البنية في الأيام الخالية ودقيق الملامح وأحمر الخدين كأن به عرق شامي، وكان حقنة بمعنى الكلمة طوال الثلاث سنوات التي قضيناها في مدرسة الفيصل المتوسطة التي تقع في لخطوط الأربع في الدمام. لم نكن نعطيه وجه بالمرة ولا يلعب معنا أبداً، وفي مرة من المرات كنا نلعب كرة قدم وقت الفسحة في ساحة مدرسة الفيصل المتوسط، وهو ماكان يعرف يلعب، وكان غصب يبيي يلعب معنا أو يخرب علينا ، كان قاعد برى الملعب ولما جاته الكورة عنده شاتها برا سور المدرسة انتقاماً منا، رحت له قلت له جيبها يا زريق زي ما شتها برا السور، قال ماني جايبها، جيبها يا ابن الحلال انت إلي شقحتها فوق السور، ماني جايبها، قمت أعطيته كف، وكف ثاني وقلت بروح أجيبها أنا, فجأة قام نقز علي مثل القرد وتعلق في وسطي وحط رجولة حول جسمي ويدينه خلف ظهري، أستنيت بشوف ايش يسوي يمكن بيرد لي الكف أو يعضني أو يجر شعري أو أي شيء!!، لكنه ما سوى شي أبد، واقف كأني غورلا وكأنه أبني على غفلة متعلق في ، قلت أنزل يا حمار، قال ماني نازل، ياابن الحلال أنزل، ،،، اعطيه كف، كفيين، بقس ما فيه فايده، اطيح فوقه في الأرض ما هو راضي يفكني، أدور فيه عشان يدوخ، دخت أنا وطحت وهو متمسك في، كأنه قفل الكتروني، يا زريق عيب عليك انزل، طيب أعطيك الوجبة المدرسية واليخنة (وجبات مدرسية كانت توزع مجانا على الطلاب) ، طيب اعملك اسكان شعبي يا حبيبي، ما نزل، نعن أبوك الفسحة خلصت انزل بروح الفصل، اطيب تعلق من ظهري عشان الاستاذ لا يشوفك لما أجلس في الفصل،،،مانزل لين وصل الخبر لمدير المدرسة "عريج" واستاذ حسنين مدرس الهندسة واستاذ بسيوني مدرس الجغرافيا، والدكتور عبد الله الربيعة وزير الصحة المتخصص في فصل الأطفال السياميين (أمزح) وفكوه مني بعد أن قبل يديه المدير وقال وعد يا زريق إن فكيت نديم بنجحك هذي السنة وبنخليك عريف الفصل بعد، بس فك الولد خخخخخخ، ،،،هذا الزريق دارت الأيام وقابلته لما رحت لمدينة صغيرة بالقرب من الدمام لبيع أرض للوالد، وعندما لم نتفق مع المشتري قرر الوالد عمل توكيل لي بمحكمة نفس المدينة عشان لما يجي زبون ثاني أقوم أنا ببيعها بدل أن يأتي أبي لتلك المدينة مرة أخرى، وجينا مع الشهود ودخلنا المحكمة وتفاجأت بأن "زريقاً" هو القاضي أو كاتب العدل فلما رأني أندهش أكثر مني وكاد أن يبتسم وأن يفز من مكانه ويطير من ثنايا بشته الملكي ، لكنه بجزء من المليون من الثانية سيطر على جميع الأجهزة لأن ذلك سوف يؤثر على هيبته على ما يبدو. كنت سوف أطقه بكفه وأقول كيفك يا أبو الشباب والله زمان عنك يا زرووووووق يا حبيب قلبي، بس لاحظت إن الرجال كاتم مرة، وبدأ يسأل بصوت مسرحي مفخم أين الموكل، أين الوكيل،،،،أين الشهود،،، سلمناه البطاقات وقلت يمكن يعرفني الحين،،،أنزل رأسه وهو يخفي وجهه داخل طيات شماغه كأنه يقرأ البطاقات، وصدر عنه صوت مثل صوت المساحة لما نسحبها على طاولة الفصل "ايييءءء" فتأكدت أن يحاول أن يكتم ضحكة في نفسه وهو يصارع تلك الضحكة بكل ما أوتي من قوة، وقد يكون تذكر عندما نط علي وجثا على صدري مثل الجاثوم في متوسطة الفيصل، فحاولت أن أنظر له من تحت شماغة لأتأكد من حدسي، فأنزل رأسه زيادة مثل الطلاب إلي يغشون في الإمتحانات من البراشيم ، ثم استأذن للذهاب للمختصر، وقلت لزميل الشاهد معنا تركي الهاجري على حكاية زريق فمات أبو شايع من الضحك وقلت أحلق شنبي يا أبو شايع إذا ما كان منسدح الحين على الكنب وفاقع ضحك خخخخخ علينا، قال يا عمي أنتبه لا تستهون في هذا الشيخ، ترى الأسبوع إلي راح صك واحد بستة شهور سجن، قلت هذا زريق يقدر يسجن واحد ستة شهور، قال إيه زريق، انتبه والله ليطلع الطق إلي أعطيته يومنكم صغار بشخطة قلم واحدة ولا أحد يفكك منه، قلت يصير خير. بعد شوي طلع وكان وجهه حمر كأنه فلاح سوري في عز الشتاء، وتأكدكت إن زريق فك الضحكة لربع ساعة في المختصر ورجع بعد ما رجعت له السكينة والوقار المزيف.

زريق إنسان طيب بطبعة ولكن يبدو أنه كان خايف تنقلب الجلسة ضحك أمام المراجعين وإلا إني أفضحة بالحكايات إلي صارت بينا أيام المتوسط ، وآخر مرة شفته في العام 2001 عند بيتي عند أشارة المعهد الصحي في الدمام، كان فيه إشارة في آخر شارعي ومر من جنبي وشافني وكان بيوقف ويسلم لأن ما كان في أحد في الشارع، لكنه غير رأيه وكمل طريقه ووقف عند الإشارة، وأنا أطالعه وهو يناظرني من المراية العاكسة وشكله ميت ضحك وبعدين لما ولعت الإشارة طق هرن لي ولوح لي بيده الكريمة من شباك سيارته الجيب الفي إكس آر التي يفتن بها كل سنة مرة أو مرتان.


يتبع

التعديل الأخير تم بواسطة نديم الهوى ; 28-05-2010 الساعة 09:39 AM
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 28-05-2010, 12:06 PM
  #77
منصور العبدالله
مـــراقــــب
 الصورة الرمزية منصور العبدالله
تاريخ التسجيل: Jun 2005
الدولة: أمجاد الرياض
المشاركات: 11,034
منصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

هلا اخوي نديم الهوى


روعة هذة الحلقة وعن انواع وسائل النقل وتعددها


وكذلك وانتم تجوبون شوارع المدينه


ويحدق بكم الخطر من أطفال الجعدة



وجميل سلسة يومياتك وعلاقاتك ومعاملاتك



واصل وفقك الله



روعة والله روعة اخوي نديم الهوى


واتمنى ان تضع بين الحلقة والحلقة اقل شيء اسبوع لنتمكن من قراءة كل الحلقات



وفقك الله اخوي الغالي نديم الهوى


كم انت فعلا نديم رائعا ومتحدثا لبقاً



وفقك الله يالغالي
__________________



اللهم أرحم والدتي ..وأجعل قبرها روضه من رياض الجنه..واسكنها جناتك
منصور العبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 29-05-2010, 01:14 AM
  #78
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

مرحبا يا نديم ..

حلقة أكثر من رائعة ..

عندي استفسار .. أنت عتيبي ؟؟

لأنك دايم تقول الطايف ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 30-05-2010, 02:45 AM
  #79
فراس سعيد
عضو
تاريخ التسجيل: Apr 2008
المشاركات: 61
فراس سعيد is on a distinguished road
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

كسرب الحمام تتلو بعض نحو قمم الحروف الابجديه الذهبيه

بانتظار ابداعك
فراس سعيد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-06-2010, 09:07 AM
  #80
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

منصور العبدالله ، شكراً لك على التواصل الدائم،،، وسمعت نصيحتك وأسبوع تقريبا عن المشاركة،،، ولا يهمك يا ولد عمي،،،تامر،،،،،مشاري بن نملان الحبابي شكراً لك على التشجيع المستمر،،، وبالنسبة هل أنا عتيبي،،، والله أتشرف أن أكون من عتيبة لكني لست منهم وإن كنت أحبهم،،،،،،،،،،أتكلم عن الطائف لأني ترعرعت فيها حتى أنهيت المرحلة الإبتدائية ولي فيها ذكريات وحكايات وأشجان لا بد أن أخطها يوماً ما،،،،،،،،،،،،،،،،،،قد تكون "مذكراتي الطائفية"""""""""""""""شكراً لك مرة أخرى،،،،،،،،،،،،،فراس سعيد،،، شكراً لك عزيزي على النثر الجميل،،، وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك دوماً....



الحلقة الثامنة عشر

الأستاذ عابد العتيبي، مدرس من مكة المكرمة قوي البنية وفي عنفوان الشباب ويتمتع ظاهرياً بصحة وافرة، وصل مدينة لندن بعدنا مباشرة بحثاً عن العلاج وكان مصاباً كذلك بسرطان الدم، وعندما تعرفنا عليه إعقتدنا بأن الشخص الآخر المرافق له والضعيف البنية كأنه هيكل عضمي أنه هو الشخص المريض وأن الأستاذعابد الصحيح البدن هو من سيتبرع بالنخاع العضمي للصعلوك المرافق له. لم نكن نحن من أعتقد ذلك فقط، بل أن الدكتور قولد مان الطبيب المعالج عندما أستقبلهما ألتبس عليه الأمر في البداية كما حصل معنا. وهذا يوضح مدى خطورة هذا القاتل الصامت الذي قد يصيب الإنسان في أي وقت حتى وإن كان صحيح البدن وفي مقتبل العمر.

سكن عابد العتيبي ومرافقه مرزوق العتيبي في فندق يقع في شارع Gloucester Terrace ويعمل بنظام الشقق ويبعد مائة متر عن فندق لانكستر قيت الشهير والمواجه للهايدبارك، والفندق الأخير معروف للسياح العرب وتقام فيه حفلات غنائية في الصيف لمحمد عبده وراشد الماجد وعبادي الجوهر ورابح صقر ونوال ونجوى كرم وغيرهم، وقد حضرت بعض تلك الحفلات وسكنت فيه لاحقاً مرات عدة. أما الفندق الصغير الذي سكن فيه الأستاذ عابد، والذي يعمل بنظام الشقق فتعود ملكيته لشخص عربي أو عربجي، لا فرق واسمه "شيبة عرعر" وهو شاب متهور وجشع وبلطجي طويل وهبيل أبيض البشرة كريه العشرة ويعشق كرة القدم مثلي لكنه أكثر جنوناً وجنوحاً وصفاقة،

وقد توطدت علاقتنا معه عندما كنا نعود عابد باستمرار في شقته وكونا معه فريق كرة قدم جله من سكان الفندق الخاص به وبعض الإنجليز الصيع من نفس الحي، وكان شيبة عرعر من هوسه باللعب ينقلب إلى تكروني أبيض خاصة إذا أغاضه أحد أثناء اللعب سواءً بعدم تمرير الكرة له دون غيره أو في إضاعة فرصة التهديف في مرمى الخصم، فيقوم بالزعيق والصراخ ويلطم على وجهه الأشلح، بل أنه في كثير من الأحيان يشق قميصه إلى نصفين عندما يهزم. وبالرغم أننا كنا نلعب للتسلية وحباً في رياضة كرة القدم، إلا أنه كان يخبرني أحياناً بأنه في بعض الليال يجافيه النوم بسبب هزيتمة في التمرين وكأنه فقد التأهل لكأس العالم.

عابد وبالرغم من مرضه الخطير، كان إنساناً وسطياً أو أقل من وسطي حبة ونص، وكنت أنا وسطي وعليها بوستين من الناحية الدينية ومتأثراً كثيراً بأخي لدرجة ما خاصة فيما يتعلق ب "طعام أهل الكتاب" فكنت كلما نود أن نأكل طعام ما، أقول لهم "لحظة يا جماعة، لن نأكل هذا الطعام حتى نتأكد بأن ليس به أي من مشتقات الخنزير" فيصبرعلي الأستاذ عابد صبر أيوب حتى أتأكد بأن ex3F16، مثلاً ليست مادة من مشتقات ذيل أو رمش أو عرق الخنزير لا سمح الله،،،،وكان عابد يمشي الأمور ما أستطاع إلى ذلك سبيلاً ويكتم غيضه صابراً على لقافتي وأضنه غير محتسباً لذلك، حتى أتى يوم وقد أبتاع صابونة من النوع الرخيص والرديء من سوق شبردزبوش الشعبي الذي يقع من ناحية الغرب من الهايدبارك، وقد شد للصابونة الرحال مسافة سبعة كيلومترات قطع خلالها خمس محطات أندرقراوند،

سوق شبردز بوش (شجيرة الراعي)

وعاد فرحاً بها هاشاً باشاً واستعد المسكين للإستحمام، فقلت له تمهل ياعابد أفندي، دعني أقرأ المكونات فقد يكون ضمن مكونات الصابونة زيت شحم الخنزير والعياذ بالله، لأني سمعت كثيراً بأنه يستخدم عادة كرغوة للصابون،،،،،،،،،،،،فأكفر وجهه وأحمرت عيناه وأرتعدت فرائصه وسحب الصابونة مني بكل عنف وقال "والله يا نديم يا ولد أبو نديم يا فيلسوف العصر والأوان، لو أني عصرت الصابونة بكلتا يداي هاتين وطلع منها خنزيراً حياً يمشي بشحمه ولحمة لما ترددت أن أستحم بها صباح مساء، أغرب عن وجهي فقد غثيتني بنصائحك وحاصرتني حصار عكا بخنازيرك" ،خخخخخخ، وعندها عرفت أن لقافتي أقد أوصلت عابد إلى حافة جنون الخنازير،فقلت له خلاص روح استحم ولا تزعل وحقك علي يا عم عابد، وعلى ما تخلص استحمام بالصابونة المشبوهة سوف أذهب أنا ومرزوق"المرافق له في العلاج" لإحضار العشاء حتى يطيب خاطرك. وذهبنا لمطعم في شارع Bishop's Bridge والذي تقع فيه محطة بادنقتون ستيشن العتيقة والتاريخية والتي أفتتحت عام 1854 واشتهرت بتصوير الكثير من الأفلام القديمة داخلها نظراً لطرازها الفكتوري الخلاب والملهم لكل المخرجين، ويتفرع شارعها من شارع ادجوررود.


المطاعم التي تعج بها المنطقة

فأحضرنا من أحد المطاعم العتيقة في ذلك الشارع كمية وافرة من الفش آند شبس وبيتزا وبيبسي، كما أني وجدت بيضاً شهياً مغطى بطبقة من السماق المقرمش فأحضرت منه عدد خمس بيضات، وعدنا أدراجنا وقد خرج عابد من حمام الهنا منتعشاً طرباُ ويغني حاملاً بين يديه الصابونة بكل حرص وعناية وكأنه يخشى أن أصادرها على غفلة منه. وبدأنا بتناول العشاء اللذيذ خاصة وأن الجو كان بارداً جداً وفي البرد يحتاج الجسم للطعام أكثر من أيام الدفء، وقبل أن نبدأ الطعام قال لي مازحاً "هاه يا دكتور نديم، فيه خنزير وإلا نسمي بالله" رديت "لا خلاص أنا غيرت الإستراتيجية من الآن فصاعداً، سوف نأكل الطعام أولاً ثم نتأكد، ولكل حادث حديث، فحتى أنا والله طفشت من حكاية الخنزير" خخخخخ، وفعلاً بدأنا بالأكل بشهية مفتوحة، وأتت فجأة خديجة المغربية والتي تعمل في الرسبشن تسأل عن صاحبنا السعودي "فؤاد" الذي يسكن في نفس الفندق ونظرت نحو الطعام الذي نتناوله وصرخت فينا بشدة "تاكـــلوا"حلـــوف"، حرام عليكم، احشموا يامسلمين" قلنا وين "الحلوف" (الخنزير) يا خديجة، ردت"البيض المسلوق إلي بتزطوه، فيه تحت طبقة السماق شرايح لحم حلوف قرف الإنجليز، الله يقرفكم". انصدمنا لما تأكدنا بأنا قد تناولنا الخنزير فعلاً والمصيبة أنني أنا الذي أحضرته بيدي وقد كنت لهم دوماً الناصح الأمين،،،،،،، ورحنا كل واحد أفرغ مافي جوفة من الطعام، وحرمت بعدها أن أكون مصلح اجتماعي ما حييت أبداً.



أما فندق شيبة عرعر الذي يسكن فيه عابد فقد كان فندقاً مريباً جداً، وشيبة عرعر صاحبه كذلك كان شخصاً تدور حوله الكثير من الشبهات باستمرار من قبل السكان وخاصة السعوديين، فقد كان هنالك حوالي خمس شقق مؤجرة لسعوديين، بالإضافة إلى الأستاذ عابد، كان على ما أذكر هنالك طباخ من مكة المكرمة لديه طفل مريض جداً بالإسهال المزمن،عدم المؤاخذة، وكان يصاب جسمه بالجفاف والهزال حتى يقترب من حافة الموت بسبب فقدانه السوائل، ليدخل المشفى فتعود له الحياة بواساطة المغذيات لفترة من الزمن ثم يخرج فسرعان ما ينتكس، فأتى به أباه إلى لندن بحثاً عن العلاج.

وشخصاً آخراً اسمه "مهجع" اسم حقيقي من الشمال، وأخراً اسمه "شوعي" من جيزان، كان ابنه لايسير على رجليه ويركب عربة ولكن لا أذكر الآن ماذا كان نوع مرضة، لكن الذي أذكره أنا كنا في رحلة عربية إلى "ملاهي آلتون تاوزر" وسأله منظم الرحلة خلال مسابقات بين المسافرين للتسلية في الطريق عن هوايته، فأجاب أن هوايته أن يشتري مزرعة، فأعاد السؤال أكثر من مرة بأنه، ليس "ماهي أمنيتك يا شوعي" ولكن "ماهي هوايتك يا شوعي"، وأصر شوعي على شراء المزرعة حتى كادت أن تقوم خناقة بينه وبين منظم الرحلة.

كما كان يسكن في الفندق المشبوه شاب اسمه فؤاد، من جدة وكان في سني ولكن وزنه يصل نحو 200 كيلوغرام وهو يتعالج من داء السمنة، ومشكلة جسمة كما عرفت، بأنه يحتاج يوماً كاملاً لحرق بيضة واحدة فقط، لذلك عمل له البرفسور برنامجاً ممتازاً مع بعض العلاج حتى وصل وزنه 68 وأصبح وسيماً وسعيداً ومقبل على الحياة ويرتدي أجمل الملابس بعد أن كان يمشي في أزقة لندن بثوب سعودي كأنه خيمة يكلفه طاقة كاملة من القماش ويرتدي فوقه جاكيت رصاصي طوال المدة التي عرفته فيها. في أحد المرات طلعت له صورة من الخلف في مجلة المجلة وهو يسير في شارع البيزووتر، وكانت الصورة ضمن تقرير عن استثمارات العرب العقارية في بريطانيا، وكتب تحت صورته (أحد تجار العرب يبحث عن فرصة اسثمارية في لندن)، وكان فؤاد سعيداً بظهور صورته الخلفية بدلاً من أن يقدم شكوى ضد المجلة التي استغلت صورته دون وجه حق. بعد أن نزل وزن فؤاد وأصبح وزنه معقول جداً، بل رائع غادر لندن في إجازة للسعودية لمدة شهرين ليري أهله المفاجأة الجميلة وكيف أصبح إنساناً آخراً وسيما ًتعشقه الفتيات، اللائي كثيراً ما صددن عنه بل ضحكن منه أو أشفقن عليه عندما مر دونهم يوما ما. لكن وللأسف الشديد، فعندما عاد إلى لندن بعد انقضاء اجازته الطويلة نوعاً ما، استقبلته في المطار وصدمت من هول ما رأيت، فقد عاد إلى وزنه البشع القديم بالتمام والكمال وحشر نفسه من جديد في لباسه القديم، ذلك الثوب المنفوش المهلهل والجاكيت الرصاصي الكريه. وعندما عاد كان قلقاً ويوجس في نفسه خيفة أن يراه البرفسور المعالج في صورته الجديدة القديمة، فأخذني معه في اليوم التالي للمشفى وعندما دخلنا على البرفسور وتأكد أنه هو فؤاد، قذف الطبيب بنظارته بعنف على الطاولة وكأنه صعق بتيار كهربائي من محطة توزيع كهرباء رئيسية وبكي بحرقة كالطفل على مجهود سنة كاملة والذي تبخر بسرعة على موائد مطاعم "أرملة البحر الأحمر جدة".



كما أني لا زلت أذكر بأسى شخصاً رابعاً من جدة اسمه "عابر سبيل" ومصاباً بسرطان الرئة، في الخمسينات من عمره، ويهيم دوماً وحيداً على وجه في أزقة لندن بثوب وشماغ دون عقال ويحمل معه أينما ذهب سجادة صلاة عتيقة زرقاء اللون من القطيفة المتموجة يصلي عليها كلما حان وقت الصلاة. وأخبرتني في أحد الأيام الممرضة "مسز قراث" بأن أمام "عابر سبيل" فرصة أقل من شهرين للحياة وبعدها سيموت لا محالة بسبب تطورات المرض الخبيث. فأصبحت أساعده في شراء أغراضه وتوصيله والعناية به وخدمته وتلبية طلباته كأنها أوامر بالنسبة لي، حتى أنه سألني أحد الأيام بعيون حائرة ونظرات حزينة، عن سبب عطفي الزائد عليه، فتوقف الكلام في حلقي ودمعت عيناي وهربت منه دون أن أستطيع أن أرد عليه لأنه على ما يبدوا لي لم يكن يعلم بأنه سيموت بعد أسابيع قليلة. وقد توفي لاحقاً بعد أن نوم في المستشفى لآخر أسبوعين وأصبح خلالها يصاب بنوبات سعال لا تنقطع، لا أبالغ بالقول أنها تستمر نحو 5 ساعات متواصلة، فكنت من حزني عليه أصم أذاني وأنا في غرفة أخي حتى لا أسمعه وهو يسعل والله المستعان.

عابر سبيل مر سريعاً وأختفى عن الحياة


كان يوجد الكثير من العرب في الفندق، ولكن لم أنس أبداً فتاتان يمنيتان تعيشان لوحدهما في الفندق، "اسم المريضة دمعة والأخرى أمل"، كانت دمعة مصابة بسرطان في أحد أعضاء جسمها ولم أكن أذكر كيف وصلتا لندن، ولكن أذكر أنهما أصيبتا بالفاقة وضيق ذات اليد ولم يستطيعا حتى دفع أجرة الفندق، فما بالكم بالعلاج. وكنا في الغربة نعتبرهم مثل أخواتنا، فكفيناهما السكن والطعام والمصروف اليومي، وهذا ما كنا نقدر عليه في تلك الفترة، وعندما نذهب للنزهة في الهايدبارك والذي يقع في خلف الفندق في العصريات الجميلة، كانتا تسيران خلفنا على استحياء، ثم تجلسان في مكان قصي عنا ونحضر لهم المكسرات والبسكويت والكعك وهما تعدان لنا القهوة اليمنية بالقشر والشاي الصنعاني، وقد تجلت بيننا الرحمة والأخوة في الإسلام بكل صفاء وإثار، فأصبح شغلنا الشاغل هو سترهما ومساعدتهما في تدبر أمورهما، لكن بقي مشكلة علاج المريضة منهما مشكلة ليست لها حل، فتكلفة العلاج تقدر بعشرات الألوف من الجنيهات وهو ما يفوق ميزانياتنا جميعاً. وفي يوم من الأيام كان الأستاذ عابد يسير وحيداً في الهايدبارك وجلس بجانبه رجل عربي وقور وتبادلا الحديث معاً، وكان اسم الشخص على ما أذكر "السويدي" وهو من الإمارات العربية المتحدة وكان يعمل مستشاراً لشخصية كبيرة في الامارات فأستغل عابد الفرصة وشرح له مأساة "دمعة وأمل" وعرض عليه إمكانية مساعدتهما، فوافق "السويدي" دون تردد وطلب أن تأتي الفتاتان للسفارة الإماراتية من الغد والتحدث مع السفير الإمارتي حينئذ وأضن اسمه "مهدي التاجر" وتم تحويل "دمعة" للعلاج بكل بسطاة ودون أي روتين أو تعقيد في مشفى Cromwell Hospital، وقد احتفلنا بعابد بعد أسبوع من حصول "دمعة" على العلاج في حديقة "رتشموندز بارك" وحملناه فوق رؤوسنا وقذفنا به في السماء بعد الغداء مثل ما يعمل اللاعبون عندما يحملون مدرب الفريق عند الفوز بالكأس وسط زغاريد "دمعة وأمل".

كل من يذكره،،، يذكره بالخير،،،،،،،،،،،،،السويدي بجانبه


ومع مرور الأيام بدأت تحدث في الفندق المشبوه سرقات متكررة للسكان الخليجين والسعوديين منهم بالذات، فقد تمت سرقة جميع المرضى السعوديين الواحد تلو الآخر باسثتناء شخص واحد فقط، كان كل أسبوع أو أسبوعين يسرق أحد المرضى، فيتم الإستيلاء على ماله كاملاً أو الذهب والمجوهرات، وكان واضحاً للجميع أن السرقة تتم بتواطيء من داخل أصحاب الفندق لأنه لا يوجد عنف أو كسر للغرف، كما أن السرقة تكون خلال خروج السكان للعلاج أو السوق، وكأنهم يعرفون مواعيد دخولهم وخروجهم، ولم ينجو من السرقة سوى "مهجع" الشمالي لأنه كان بدوي بمعنى الكلمة، لا يثق في أحد مطلقاً، حتى نحن لم يكن يثق بنا. وهذا أعتقد أنه هو سر نجاته. فالشيخ "مهجع" إذا جلس معنا لا يخبرنا شيء عن نفسه بتاتاً وكأنه يحمل أسرار خاصة "بالسي آي إي"، ولا يأكل من أي طعام نقدمه له أو حتى يشرب الشاي معنا، وعرفنا بعد ذلك بأنه موصى كويس في السعودية من الحرامية والدجالين، لدرجة أنه أدخلنا في قائمة المشتبه بهم، فقد كان يعتقد بأنا سنضع له الحبوب المنومة في الكأس مثل الأفلام،خخخخخ، وأحلق شنبي إذا ما كان مخبي فلوسة،،،، كل فلوسة في شراريبه أو في طيات ملابسه الداخلية طوال فترة علاجه، وأعتقد بأن من كان يعرف سر مكان فلوس "مهجع بيه" هو فني الأشعة فقط والذي من المؤكد أنه رآى الفلوس واضحة في شرائح الأشعة خاصة المعدنية منها، والله أعلم.


كان السعوديين في تلك الأزمان "مغفلين" ويستغفلهم الناس بكل ما تعنية الكلمة من معنى، فلم يشتك أحد من الضحايا للشرطة لعدم فهم حقوقهم أو لخوفهم من أن يسبب لهم ذلك المتاعب كما كانوا يتصورون. وقد شكينا كثيراً في شيبة عرعر، وما زلت أعتقد إلى الآن أنه هو من كان خلف تلك الجريمة التي تقع أسبوعياً في فندقه، فهو لا يكترث لتلك الجرائم، ولم يتخذ أي إجراء ليحافظ على أموال زبائنه أو سمعة فندقه. وبالرغم من أني لا أسكن في الفندق لكني حنقت عليه بسبب سرقة هؤلاء المرضى المساكين، وقررت الإنتقام منه بطريقتي الخاصة، بالرغم من أني مسالم مع الآخرين وأسامح دوماً كل من يسيء لي، ولكن لم أحتمل أن يسرق ذلك الأخرق الجشع المرضى المساكين.



الإنجليزي ينتظر وقوع كارثة،،،،وش يصلح وش يرقع،،،،الباص جاي طاير،،، يفكرونه خط البلدة بيوقف لهم

فأخبرت "مرزوق مرافق عابد" بما نويت فعله لشيبة عرعر جزءاً وفاقاً لما اقترفت يداه، وفعلا انتظرت إلى أن أتى وقت تمرين فريق كرة القدم (هنالك صورة وضعتها في حلقة سابقة تظهر الفريق) وأختارني شيبة عرعر أن أكون معه في نفس الفريق لسؤ الحظ ولكني طلبت أن أكون في الفريق المضاد، فوافق على مضض، وسرعان ما أتت الفرصة التي انتظرتها طويلاً عندما أتت هجمة علينا وكنت ألعب في الدفاع وكان شيبة عرعر يجري بكل سرعته خلف الكرة كمهاجم ويريد أن يرفع الكرة على مرمانا فعدوت بإتجاهه بكل سرعتي وبدلاً من أن أنقض على الكرة ركزت بدقة على مفصل قدمه وأنا أتذكر الرجل المسكين "عابر سبيل" الذي سرقت كل أموال، فأصطكت رجل شيبة عرعر المندفعة بباطن حذائي المدعم بأصابع صغيرة مدببة، حتى سمعت من قوة الإلتحام صوت قرقعة صادرة عن ثنايا مفصله. فصرخ شيبة عرعر بأعلى صوته صرخة اهتزت لها الأشجار في الهايدبارك وتحدث بها الركبان في باصات هاي ستريت كنجنستون، ثم تلوى في الملعب من شدة الألم، وأخيراً حاول النهوض واللحاق بي لينتقم مني، لكنه عندما ارتكز واقفا هوى مرة أخرى نحو الأرض لأن قدمه انطبقت كانطباق الذراع نحو الساعد بسبب تهشم مفصله، فقلت في نفسي "ذق "يا شيبة عرعر" انك انت العزيز الكريم"يا سارق المرضى والمساكين .

فريق كرة القدم الذي كوناه بتصريح من الأمم المتحدة،، والشاطر يطلع شيبة عرعر

وأصبح شيبة عرعر بعدها يمشي بجبيرة لمدة تزيد عن شهرين، توقفت معها سرقات المرضى طوال وجود الجبيرة في رجله. ولم أعد لزيارة المرضى في الفندق إلا بعد أن هدأ غضب "شيبة عرعر" وتقبل الأمر بأنه مسألة خطاء وليس عن قصد، فعاتبني عندما رأني بعد ذلك بشدة لكني لم أكترث له، وقلت يا عمي "مفصل رجلك هو إلي ضرب باطن رجلي، وباطني رجلي ما ضرب مفصل رجلك" تقدر تعيدها خمس مرات ؟؟؟؟ خخخخ، لكن "شيبة عرعر" الهبيل قال لي بكل صفاقة "كنت سوف أجعلك يا نديم عضواً في لجنة تحكيم ملكة جمال العرب في لندن" لكني ألغيت اسمك تماماً عن ذلك عقاباً لك على ما فعلت بي، ألا تعلم أنك كنت ستعيش أجمل أيام حياتك في تلك اللجنة يا مسكين، فقد كان من الممكن أن يكون لك صلاحيات كبيرة وكل يخطب ودك من المتسابقات الجميلات. ولما استفسرت منه عن ماهية تلك المسابقة الغريبة التي ينوي عملها، شرحها لي بالتفصيل الممل، فقلت، تباً لك، والله لا أتشرف "يا شيبة عرعر" أن أكون معاك في لجنة الفسق والمجون أيها المسكين. لكن لو تعلمون يا قومي من هن ملكات جمال العرب التي قدمهن الأفاك شيبة عرعر في لندن والتي عاصرت أحداثها لاحقاً عندما نظمها في العام 1985، وغطتها الصحافة العربية في المهجر للأسف ومن ضمنها صحيفتنا الخضراء التي تغط الآن في نوم عميق، فإثنتان من المتسابقات كانتا تعملان في غسيل الصحون في مطعم إيراني في Earls Court، وواحدة كانت تعمل في ملهى كيت كات. وملهى كيت كات كان موجود في نهاية شارع الكوينز واي(اندثر الآن)، وبداية البايزوتر أمام موقف الباص المتجه لإكسفورد ستريت. وقد ارتدت ذلك الملهى أيام الصبا والطيش، والذي أثار فضولي الشديد في تلك الأيام وجعلني أخوض تلك التجربة، أنه كان يقف دوماً أمام باب الملهى حارس مصري يلبس طربوش أحمر ونظارة طبية دائرية عتيقة سمكها 7 ملي ووجه قديم كأنه ولد عام الفيل وهو يشبه كثيراً سمكة البراكوده وأسنانة نصفها محطمة والنصف الآخر متداخل مع بعضه. رأني الحارس المنتف وعرف أني عربي وقال "أرب آرب" (أقترب، أقترب)، فأقتربت ونزلت الدرج المظلم وجلست على منضدة في المقدمة وكأني في مغارة علي بابا المضاءة بكل ألوان الطيف وتصدح فيها أغنية "السح الدح أمبوه". ثم أتى لي الجرسون بعصير أناناس وعليه كما أذكر الآن مظلة صغيرة كزينة وقطعة أناناس في طرف الكأس، وحسب الجرسون أني طفل تاه من أهله في لندن وتدحرج من الدرج فسقط على طاولة (البيست) وقال "والله" كما أذكرالآن "طبعاً الشمسية دي تشيلها قبل ما تشرب العصير" يا حلاوة شايفني أهبل ذا الجرسون ،،،،لكني رديت عليه "شكراً نورت المحكمة والله، يعني فاكرني حاشرب العصير بالمظلة، دي تبقى المظلة هي إلي حتمطر علي،،،، هو أنت فاكرني لسا قاي من الترعة يا بسطويطي بيه" خخخخ. وكان يجلس في المنضدة المقابلة لي فتاة جميلة تضع رجل على رجل مثل طريقة الممثلة "ناهد جبر" في مسرحية "شاهد ما شافش حاقة" وتبدو صغيرة وجميلة جمال لا يوصف وعندما تعرفت عليها أخبرتني بأن اسمها "رمال"،،،، لن أكمل هنا، وهذ الفتاة هي أحد المتسابقات التي شاركن في مسابقة "ملكة جمال العرب في لندن". ومتسابقة أخرى كان وجهها مليئ بحب الشباب وعندما تغضب يصبح لونها أحمر والحبوب بيضاء بشعة مقززة، وخليط غريب وعجيب من المغلوبات على أمرهن، وكل واحدة منهن تحمل في طيات قلبها مأساة حزينة تقطع أنياط القلوب بالرغم من فجورهن الظاهر. لكن شيبة عرعر الفهلواني حبك المسرحية بحرفية عالية ووصولية تامة، وكان للتصوير من زوايا معينة وملابس المتسابقات ولمسات الكوافير الفضل في أخراج المسرحية وتغطيتها إعلامياً على أنها مسابقة رصينة لاختيار ملكة جمال العرب في لندن والتي أقامها في الفندق المجاور لوكره، لانقستر قيت هوتيل. وفي اليوم المشهود ارتدى شيبة عرعر ملابس فخمة وذهب للكوافير وظهر بشكل رائع يستحق به منافسة المتسابقات على اللقب. وفاز بلقب ملكة جمال العرب أحد الفتيات التي تعمل في غسل الصحون في مطعم ايرلز كورت وكانت هديتها فديو وثلاثمائة باوند فقط ورحلة إلى ألتون تاورز قيمتها 60 جنيه، وحصل شيبة عرعر على دعم مالي كبير من تلك الصحف العربية أضافها لما سرقه من أموال المرضى.

وصدق الأمير خالد الفيصل عندما قال في قصيدته الجميلة "اتعجب!!! ماعلى الدنيا عجب .. حكمة الرحمن خلاها تدور"، فقد دارت الأيام والسنون وبعد أكثر من 22 سنة، تحجبت بائعة الهوى "رمال" التي كانت تعمل في ملهى "الكيت كات" ولله الحمد، وتابت وحسنت توبتها، وهي تعمل الآن في مدرسة عربية "أحتفظ باسم المدرسة والمدينة"، وقد ازداد وزنها كثيراً وودعها الجمال إلى الأبد وأصبحت أم لثلاثة أبناء، وآخر مرة شاهدتها فيها كان في العام 2006 وكانت تتريض في أحد الحدائق بعد أن أوصلت أبنائها للمدرسة الإنجليزية، وكم كنت سعيداً وأنا أراها وهي تتبدل من حال إلى حال وتحرق المراحل المخجلة من حياتها خلفها، والجميل أنها تتعامل معي وهي تجهل أني أعلم أسرار ماضيها، فلم أكن بحياتها سوى "عابر سبيل" ولم أكن يوماً "عابر سرير".


يتبع

التعديل الأخير تم بواسطة نديم الهوى ; 04-06-2010 الساعة 07:56 AM
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:00 AM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود