رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
لا والف لا لا لدور العجزة (عنوان الخطبة حقوق المسنين)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه........................
اوصيكم ونفسي بتقوى الله ...............
يولد الإنسان ضعيفا عاجزا عن خدمة نفسه، ثم ينمو شيئا فشيئا حتى إذا بلغ الحلم شعر بقوة جسمه وفوران شبابه، فسابق ولاحق وصارع ولاعب، يتحدى الأقران ويهزأ بالمصاعب والمتاعب. فما هي إلا أعوام تمر كالطيف في خيال النائم فيصبح ذلك الشاب المتوقّد بالقوة والنشاط شيخا كبيرا، يقول تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ. إذا به شيخ تصحبه الآلام، وتنغّص عليه الأسقام، حركته ثقيلة، ونفسه منقبضة، يسمع بين الحين والحين بصديق له قد لزم الفراش، وآخر فقد بصره أو سمعه أو حاسة من حواسه الغالية، فيسترجع ذكرياته معهم، وكيف كانوا من القوة هو وإياهم، فقد ذهبت بالنشاط السنون، وأخذت بعض الرفاق المنون.
إن هذه الفئة الغالية ـ أيها الكرام ـ تعيش بيننا الآن، وحقها أن تكرم ويحسن إليها، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! إنه الكبير الذي رق عظمه وكبر سنه وخارت قواه وشاب رأسه، إنه الكبير الذي كم أعطى وبذل من جهده ووقته وشبابه، كان يخرج بالأمس القريب إلى الأصحاب والأحباب والإخوان والخلان, يخرج من عندهم بثغر باسم ونفس مبتهجة، فلا يخرج اليوم إلا بالأشجان والأحزان, يخرج إلى الأحباب والأصحاب يُشيع موتاهم ويعود مرضاهم, فالله أعلم كيف يعود إلى بيته, يعود بالقلب المجروح المنكسر وبالدمع الغزير المنهمر.
وإن عزاء الكبير في فقده لشبابه أن يجد من المجتمع توقيرا واحتراما، فقَدْ فقَدَ عزيزا غاليا وحبيبا ومعينا، وما لنا أن لا نعزّيه وقد بكى الأول على فقده لشبابه قبل أن يفقده بقوله:
ولقد بكيتُ على الشبابِ ولمتي مسودّةٌ ولِمـاءِ وجهي رونقُ
حذرًا عليـه قبلَ يومِ فراقـه حتّى لكدتُ بماءِ جفني أشرقُ
يا معاشر الكبار، الله يرحم ضعفكم, الله يجبر كسركم، في الله عوض عن الفائتين, في الله أنس للمستوحشين.
يا معاشر الكبار، أنتم كبار في قلوبنا, وكبار في نفوسنا, وكبار في عيوننا, كبار بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، أنتم الذين علمتم وربيتم وبنيتم وقدمتم وضحيتم، لئن نسي الكثير فضلكم فإن الله لا ينسى, ولئن جحد الكثير معروفكم فإن المعروف لا يَبْلى, ولئن طال العهد على ما قدمتموه من خيرات وتضحيات فإن الخير يدوم ويبقى، ثم إلى ربك المنتهى, وعنده الجزاء الأوفى، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.
إن القيام بواجب التوقير للكبار واجب الجميع، بل هو مشروع الجميع ذكورا وإناثا، وسيقطفون ثماره فيما يستقبلون من الأيام، فالكبر غاية سيصل إليها من مد الله في عمره ولم تتخطفه المنون، فإن وقروا كبارهم وحفظوا أقدارهم وصانوا أعراضهم وجد من يصل إلى هذه المرحلة العمرية فضل ذلك ونتيجته في نفسه، وفي الأثر: (ما أكرم شاب شيخًا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند كبر سنه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)). فقوله: ((ليس منا)) فيه زجر للإنسان الذي لا يحترم الكبير. وإن الإنسان الذي تربى من صغره على إكرام الكبار فهو عندما يكبر في السن يجد الصغار يكرمونه، يقول تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ.
وإنك لتأسف اليوم لحال كثير من الناس مع المسنين وما آل إليه تعامل الكثير معهم، فتجد بعضهم يسخر من المسنّ، وربما كان ذلك المسن أحد والديه أو أجداده أو من العمومة أو الخؤولة، وأصبح من الدارج اليوم أن يوصف الأب الكبير بالشائب، والوالدة المسنة بالعجوز، ناهيك عن التضاحك على بعض أقوالهم وعدم احترام حديثهم، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: لقد كنت على عهد رسول الله غلامًا، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني. فقد امتنع عن الكلام فيما يعلم توقيرا لمن هم أسن منه رضي الله عنه وأرضاه. وفي هذا تأديب لمن علمه والده وأدخله المدارس حتى إذا اطلع على ما يجهله والده الذي ربما كان أمّيا أو قريبا من الأمية بدأ يردّ عليه بسخرية ولم يترك له خطأ لا يلزمه تصحيحه إلا صحّحه، فمن الأدب أن يُترك الوالد على سجيّته؛ يفصح عما في نفسه، وأن يترك على عفويته دون كثير إنكار.
ولربما ضاق بعضهم من حديث بعض المسنين عن ماضيهم، فإن الماضي يشكل لهم الرصيد الذي يملكونه، ومن المحال أن نطالبهم بنسيانه، وأحدنا يشعر بالبهجة وهو يتذكّر أحداثا جميلة على قلّتها، فكيف وتلك الأحداث تاريخ كامل وتجربة ثرية عاشها إنسان بكل تفاصيلها؟! أوَلما حانت ساعة نقلها للجيل الجديد تبرم هذا الجيل وبحث عن الجدة والحداثة متماشيا مع إيقاع السرعة، لا يريد سواها؟! مع أن الحياة تجارب وفوائد، وعند الأولين ثمار يانعة لو أحسن الاستفادة منها، وليس يُطلب من أحد أن لا يعيش تجربته، ولكن من المفيد أن يستفيد الآخر من الأول ويعرف له فضل القدم.
إن مشروع العناية بالمسنين مشروع تمتد أطرافه لتشمل الفرد وتعامله والمجتمع وأنظمته، فلا بد من احتواء الأنظمة على معاملة خاصة للمسنين، ومن ذلك أن يخصّص لهم موظف يخدمهم على وجه يليق بهم؛ فإن المشاهد اليوم أنهم يقفون مع الشابّ النشيط والكهل القادر دون مراعاة لحالتهم النفسية والجسدية، وكذلك العقلية التي ربما يعتورها بعض الخلل عند بعضهم، ولا بد من تدريب الموظف على التعامل معهم بما يرفع وعيه ويزيد من لباقته في التعامل مع هذه الفئة الغالية.
فنحن في مجتمع مسلم، يعلي من شأن المسنين، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) رواه الترمذي.
وإن من إكرام ذي الشيبة المسلم العمل على إغلاق دور المسنين، وذلك بنشر الوعي بفضل القيام عليهم أولا، ثم مساءلة من يتخلّى عن أحد والديه، وتضييق نطاق هذه الدور، فلا يوضع فيها إلا من لم يكن له ولد. كما أن من إكرامهم عمل أندية خاصة بهم، وعمل هيئة واجبها القيام على شؤون المسنين والمدافعة عن حقوقهم, فإن بخلت الأنظمة بالقيام بسَن قوانين تعلي من شأن المسن وتقوم على خدمته فلا أقل من أن يقوم الفرد برعايته، وأن يقوم الموظف في أي جهة كان بالقيام بحقه، مع مراعاة المراجعين لذلك والتنازل له بحق التقديم؛ فإن دقائق الانتظار التي تؤثره بثمرتها ستؤجر عليها وأنت مطيق لما لا يطيق.
كما أن من إكرامهم مراعاتهم في المشي، لا سيما الوالدين، فلا يعجل بهم من يذهب بهم، وكذلك عدم الإسراع بسيارة يركبونها، فإن ذلك مما يزعجهم، والمحافظة على هدوء المكان الذي يكونون فيه، وعدم إزعاجهم بالأطفال؛ فإن أذن المسنّ تميل إلى الهدوء، فقد ملّ صخب الحياة وأحب هدوءها.
ومن إكرامهم رفع روحهم المعنوية، وإسماعهم كلمات التشجيع، وإشعارهم بأنهم لا زالوا يحتفظون بقدر من الشباب، وأن الله لا يزال يحسن إليهم، ومن ذلك أن مد الله بأعمارهم على الإسلام والطاعة، وفي الحديث: ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله)). إن رقة عظمه يقابلها متانة تجربته، وضعف أعضائه يقابله قوة عقله.
ثم مراعاة المسنين في المأكل والمشرب، والإتيان لهم بما يتوافق مع حالتهم الصحية مما ينبغي التنبيه إليه، فإذا كانوا مرضى فلا بد من تكثيف العناية بهم من إطعام يتوافق مع حميتهم ورفع للأذى وتقليب لهم بين الحين والحين في منامهم، لا سيما عند حالات السنّ المتقدمة أو المرض الشديد، ناهيك عن مراعاتهم في درجة حرارة الجو من البرودة والحرارة، فما يطيقه الشاب قد لا يطيقه المسن. كما أن من المهم أن نراعي وجود المسنين في المجالس بأن نشركهم بأحاديثنا، فلا نتحدث عن رياضة أو سياسة أو اقتصاد إذا كانوا لا يحسنون شيئا منها، مع تلمّس مرغوباتهم وتلافي ما يزعجهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا؛ طمعا فيما عند الله ورجاء ما عنده من الأجر والثواب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
عباد الله، الشيب نذير الآخرة وعلامة السنّ، وقد رُوي عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى: وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ قال: (يعني: الشيب). وقد أعذر الله لمن بلغه الستين، فعن أبي هريرة عن النبي قال: ((أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)). قال الخطابي: "((أعذر إليه)) أي: بلغ به أقصى العذر، ومنه قولهم: قد أعذر من أنذر، أي: أقام عذر نفسه في تقديم نذارته".
فينبغي للمسن أن يحفظ قدر نفسه بتقواه لربه، وأن يكون أهلا لواجب المجتمع تجاهه، وأن يستثمر ما بقي من عمره في التعبد، ولا يلزم من التعبد أن كون في العبادات المعروفة فحسب، وإنما يمكن أن يتعبد المرء لله في نفع الناس، ومن ذلك النفع مشاركته للمجتمع شؤونه، فلا يحسن به إن تقاعد من العمل الوظيفي أن يتقاعد عن الحياة؛ فلا ينتج ولا يبذل، بل يحسن به أن يكون منتجا وطموحا حتى يفارق الحياة ويودع الدنيا، كما يحسن به أن لا يكثر الشكوى إلى المخلوقين، فإنه إن فعل ذلك لم يزد على أن يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم. فإن تألمت فاجعل من ألمك أملا تدّخر ثوابه عند الذي لا تغيب عنه غائبة، قال : ((عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له, وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له)) رواه أحمد والترمذي. وإن تخلى عنك من تخلى فاعلم أن الله بكل شيء عليم، وما عند الله خير وأبقى. وإن عومِلت معاملة لا تليق بك فإن الذي أساء إليك أساء إلى أمته ودينه قبل أن يسيء إليك، والله المستعان وعليه التكلان، وإليه الملتجأ وهو الرحمن الرحيم.
ثم صلوا وسلموا على خير البرية...
__________________