مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية


ملتقى الكتاب والمؤلفين خاص بما تخطه اقلام كُتْاب الموقع

إضافة رد
قديم 15-04-2010, 11:18 PM
  #41
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

في انتظار الحلقة العاشرة ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 17-04-2010, 05:31 PM
  #42
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

ابشر يا بن نملان



الحلقة العاشرة

قابلت الأمير بعد مدة من مغادرتهم المستشفى ولم يكن في معيته بريصة وأخبرني بأنه لم يعد يعمل معه بعد الآن وأنه قد استقر به المقام في مصر وقد تغيرت أحواله بسبب ظروفه عائلية خاصة، ولم أكثر السؤال عن ماهية تلك الظروف أو عن عنوانه ونسيت موضوعة تماما، لكن الظروف تسنت لي للوصول إليه عندما حصلت على دورة متقدمة في الجامعة الأمريكية في القاهرة مع بعض الزملاء وكان عددنا 14 شخص في العام 1994 تحديدا، بعد عشر سنوات بالتمام والكمال من عملية النصب التي قام بها بريصة في هارلي ستريت كلنك.

وللإلتحاق بالدورة في مصر التي بدأت في شهر فبراير سبقني جميع أصدقائي بالسفر بالطائرة، أما أنا فقررت السفر بسيارتي الجديدة البي إم دبليو 740 الكحلية الأنيقة والتي لم يمض على شرائها شهرا لأني حبيت أن أتمتع بقيادتها في شوارع القاهرة. فقمت قبل موعد السفر بشراء الكثير من الملابس الأنيقة والهدايا والعطورات والبخور وجلها أحضرتها لأني كنت متأكد بأني سأجد من أهديها إليه لاحقا. وضعت جميع الأغراض بالسيارة في الليل على أمل أن أبدأ الرحلة في صباح اليوم الباكر. لكن بسبب سعادتي وأنا أفكر في الرحلة القادمة وما ستحبل به الأشهر الطويلة القادمة في قاهرة المعز من مغامرات، لم يأتيني النوم حتى الساعة الثالثة فجرا، فقمت من سريري وغيرت ملابسي وأطلقت العنان للسيارة من مدينة الخبر متجها نحو القاهرة. استمريت في القيادة حتى وصلت منهكا لمدينة بريدة في الساعة الثانية عشر ظهرا، نمت في فندق يمشي الحال حتى المساء ومن ثم واصلت السير إلى أن وصلت مدينة حائل ومنها اتجهت لمدينة تبوك التي بتعد عنها نحو 650 كلم، وهي منطقة صحراوية موحشة وقفراء ذات طريق مفرد ولا توجد به خدمات إلا ما ندر،وتوجد بها مدائن صالح وتشمل عدة كهوف ومقابر منحوتة في الجبال لأقوام حكموا وعاشوا في هذه المنطقة من آشوريين وأنباط ورومان وعرب، وقد قال الله عنهم في القرآن الكريم (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون)، وعند الساعة الواحدة ليلا توقفت عند محطة مظلمة لونها بلون طين الهجير المتفطر ومكائن ضخ البنزين صدئة متهالكة مائلة متمائلة فملئت خزان وقود السيارة وتوجهت للبوفيه داخل بيت طيني وباب خشبي متهالك موجودة في وسط المحطة وطلبت شاي ليساعدني على الاستيقاظ أثناء القيادة. نظرت نحو سيارتي وأنا أنتظر العامل يسكب الشاي من أبريق أصفر نحاسي مطعج من كل الجهات، وإذ بي أشاهد رجلا بالقرب من سيارتي، أشعث أغبر وأحدب الظهر يلمس سيارتي ثم التفت إلي بنظرة مريبة ومخيفة لم أكترث له كثيرا وودت أنه لم يمس السيارة لأنها كانت جديدة وكنت أحافظ عليها كثيرا تلك الأيام، فأخذت الشاي ونظرت مرة أخرى نحوه فلم أجده وتعجبت كيف أختفى بهذه السرعة. ركبت سيارتي وتحركت مسرعا لا ألوي على شيء من هذه المحطة المظلمة كقلب كافر، وأضئت النور الداخلي، وتفحصت المقعد الخلفي بالمرآة العاكسة على سبيل الاحتياط فقط. شغلت شريط أم كلثوم واسترخيت طوال الطريق الطويل والذي يبدو أنه لا نهاية له وأنا أستمع إلى أغنيتها الخالدة التي تصدح بأحلى الكلمات" رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا *** علموني أندم على الماضي وجراحه ***اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه *** عمري ضايع يحسبوه إزاي عليه"، وبعد نحو ساعة وأنا قي قمة الاسترخاء، سرحان وأفكر في المغامرات القادمة التي ستحدث في أزقة وفنادق القاهرة ونيلها وحول الهرم، فأخذني الأفكار حتى تخيلت أني اسير وسط وادي الملوك وأتجول بين قبور الفراعنة في الوادي الصخري المحاط بالتماثيل والتعاويذ التي يعتقد الفراعنة أنها تحمي قبور ملوكهم فتبسمت منتعشا لهذه التخيلات اللذيذة، لكن فجأة ظهر لي شيئا وسط الظلام شل تفكيري ووقف له شعر رأسي وكدت أنحرف بالسيارة من الرعب الذي أصابني، فقد ظهر لي نفس الشخص الذي رأيته قبل ساعة في المحطة الموحشة وهو يقف في نصف الطريق وبدت لحيته الكثة وأسنانه ظاهرة كأنياب ذئب متوحش وعيناه المريبة ازدادت حمرة، كل ذلك حدث في جزء من الثانية لكن صورته انطبعت في مخيلتي بكل تفاصيلها، فأصبني الهلع الشديد وخشيت أن يكون عفريت من الجان لأني كنت قد قطعت إلى الآن نحو 150 كلم ولم أمر على أثر لوجود حياة أو إنسان أو حتى نار مشتعلة، فكيف وصل هذا المسخ إلى هنا ولماذا وقف وسط الطريق، وبسرعة وبفعل الخوف والرهبة أستبدلت شريط أم كلثوم ووضعت بدل منه القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد حتى وصلت لمنطقة جبلية ومنعطفات تلتف كأنها ثعبان ولا أعلم أين تقع على الخريطة التي معي واستمريت بالسير لنحو 10 كلم أخرى ثم أنبسط الطريق مرة أخرى وكنت أتمنى أن أجد أثر للحياة أو محطة وقود أو أي شيء أتوقف عنده حتى يهدأ روعي ويطمئن قلبي. وتذكرت وأنا أستمع للآيات الكريمة وحشة القبر عندما ينقطع الإنسان عن الناس والدنيا وكيف يكون حاله عندما يكون وحيدا ليقابل مصيره الحتمي تحت التراب والظلام الدامس، ولكني بدأت أشعر ببعض الطمأنينة عندما ظهرت في جانبي سيارة عراوي وبها شخصان ويضيئها نور أحمر خافت، فتجاوزاني ونظرت للسرعة لدي فكانت 140 كلم في الساعة، ارتحت بعض الشيء لوجود بشر بالقرب مني ولكن ذلك لم يدم طويلا، فقد اختفت السيارة بعد مدة في الظلام ثم أتت سيارة أخرى شبيهة لها تماما وتجاوزتني فازدادت دقات قلبي أكثر فأكثر وأحسست أن هنالك شيء غير طبيعي في تلك السياراتين، فقررت أن أتجاوزها بدوري فزدت من سرعتي وأنا أنظر إلى من بداخلها لأرى تحت الأضواء الحمراء الخافتة قزمان أجزم أنهما بطول طفل في الرابعة من العمر يضحكان ضحكات شيطانية من كل قلبهما وكأنهما يقولان شاركنا الضحك . فتعجبت كيف يمكنها سياقة السيارة وماهي سر تلك الضحكات التي تخلع القلب من مكانه، فاستبدلت شريط عبد الباسط عبد الصمد ووضعت سورة البقرة بصوت الشيخ العجمي، وتجاوزت السيارة بسرعة قصوى وألقيت عليهم نظرة أخيرة في المرآة العاكسة وقد اختفوا بعيدا عني، ولكن ويا للهول فبعد أكثر من ربع ساعة من تجاوزهم وأنا أقود بسرعة عالية وجدت السيارة الأولى أمامي، فزدت من السرعة حتى اقتربت من 200 كلم وتجاوزتها دون أن أجرأ حتى أن أنظر إليها فسطع ضوئها الأحمر بقوة علي وأضاء قمرة القيادة حتى أني رأيت قدماي واضحتان وعليهما ظلال قرني شيطان، ولكن المفاجأة التي كادت أن تقضي علي وتنهي كل شيئ في تلك اللحظة أن ظهرت سيارة أخرى ثالثة مماثلة أمامي وبها نفس الأشخاص ونفس الضوء الأحمر، فأحسست أني قد دخلت وادي التيه وخرجت من دائرة الزمان. كان قد بقي عن صلاة الفجر نحو ساعة فصرت أدعو الله أن يأتي بنور الصباح حتى تنتهي هذه الليلة المرعبة الطويلة وأنا وحيدا وجلا في قلب هذه البيداء التي لا نهاية لها أردد الأيات مع الشيخ العجمي، لكن ولله الحمد أتى الفرج عندما ظهر على مد البصر بصيص ضوء خافت في نهاية الطريق ففرحت واستبشرت خيرا وعادت الطمأنينة لي شيئا فشيئا وقررت التوجه إلى المكان والبقاء به حتى يشع نور الصباح. كان المحل الذي قصدته هو محطة تقوية للهاتف السعودي السيار الكحيان في تلك الأزمان، فتوقفت بالقرب منه وأطمأننت حينما وجدت عدة سيارات للهاتف وشخص مسلح يقوم بسكب ما بقي من القهوة على الرمال. وقفت في جانبه وكان ينظر إلي بحذر وأنا بدوري أنظر بحذر أكثر منه، سلمت عليه ورد التحية وقلت هل تسمح لي بالجلوس معكم حتى الصباح، رحب بي وقال حياك الله، تفضل صلي معنا الفجر وافطر ثم توكل على بركة الله. جلست معهم وكانوا نحو خمسة أشخاص وذكرت لهم قصتي، فأخبروني أني لست أول شخص يتوقف لديهم بسبب شعوره بالخوف والرهبة، بل في بعض الأحيان يأتي إليهم أكثر من خمسة أشخاص ومعهم سلاح ويطلبون الاستئناس معهم مثلي حتى الصباح. بعد الافطار وخروج الشمس استعدت ثقتي بنفسي وأكملت طريقي ووصلت إلى مدينة حقل على البحر الأحمر قرب الحدود الأردنية في السابعة صباحا، وسرعان ما نسيت العفاريت وشغلت أغنية لعبد الله الرويشد "على ايش نتفاهم وحبل المودة بيننا مقطوع" .

ومن مدينة حقل الصغيرة التي تقع على في شمال البحر الأحمر يستطيع الشخص أن يرى مصر والاردن واسرائيل وهو واقف في نقطة واحدة، فتوجهت منها شطر مدينة العقبة في الأردن وفي الجمارك الأردنية البدائية فتشني كهل أردني يلبس بدلة وعليها شماغ وعقال وطلب مني في العودة أن أحضر له هدية عبارة عن جزمة مقاس 43، صدقوني هذا ما طلب، ويا ليتني وفيت بوعدي له لأني حسيت أنه رجل طيب ويستحق والله التقدير، فهو كبير في السن ويظهر أنه قد عانى كثيرا من شظف العيش. وفي ميناء العقبة التي تنطلق منها البواخر والعبارات نحو مصر كان موعد أول باخرة ستبحر نحو ميناء نويبع في صحراء سيناء عند الساعة الثالثة عصرا، فاستقليتها بعد أن دفعت 1000 ريال فقط رسوم السيارة والتذكرة وكان اسم الباخرة "حقوق الإنسان". عندما ركبت الباخرة كان قد مر علي يومان لم أنم سوى ساعات بسيطة لا تتعدى الخمس ساعات، فأدخلت سيارتي في قعر السفينة وتوجهت للأماكن المخصصة لركاب الدرجة الأولى وأخذت جولة سريعة في عبارة حقوق الإنسان التي يعود تاريخ صناعتها للستينات الميلادية واتجهت للطابق العلوي ودخلت عن طريق سلم قصي يؤدي لسطح آخر فوق دكة العبارة، فرأيت باب يشبه زنزانة السجن تماما وعليه سلسلة عظيمة كالتي تربط بها أرجل الأفيال وقفل في مقاس شنطة مدرسية متوسطة الحجم وخلف الأسوار ينتشر عمال صعايده مسحوقين ومتناثرين فوق سطح السفينة وكأنهم يقضون فترة عقوبة مع الأشغال الشاقة. كان الهدف من سجنهم في الأعلى هو عزلهم عن بقية المسافرين وكأنهم ليسوا بشرا مثلنا، وهذا دليل بأن جنوح السفن والعبارات التي تنقل البشر من وإلى مصر وآخرتها عبارة السلام هو بسبب جشع أصحاب تلك البواخر وعدم وجود من يدافع عن هؤلاء البسطاء المسحوقين.

نمت في الباخرة من الساعة الرابعة عصراً حتى الثانية عشر ليلا، وعندما وصلنا جمارك نويبع تعرفت على شخص من قطر اسمه عبد الهادي ويعمل كاتب عدل في محكمة الدوحة ولديه سيارة موستنج سوداء واتفقنا أن نكمل المشوار سويا، وطالت اجراءات الجمارك والتفتيش والبخشيش الذي لا ينقطع حتى أذان الفجر، كل شيء عليه جمارك، نوعية الاستيريو الفخمة، نوعية جنوط السيارة، فتحة السقف، ما باقي إلا شراريبي ياخذون عليها جمارك، حتى شكيت والله إنهم كميرا خفية، وكله من غير أوراق أو وصولات، إدفع تنجو، تلكأ في الدفع تنام في الجمرك، بعدها انظلقنا وسط صحراء سيناء باتجاه القاهرة دون عفاريت هذه المرة برحلة طولها نحو 500 كلم. في الطريق إلى القاهرة تغيرت المعالم كثيراً، ففي الأمس كنت أرى سيارت الجمس المتروس حريم وبزران وسيارات الكابريس والجيب والليموزين السعودي، وهأنا بعد يوم واحد فقط أتجاوز السيارات من نوع فيات ونصر وتكسي البيجو الأسود والأبيض المصري الشهير والكتابات الجميلة عليه، صلى على النبي، يا ناس يا شر كفاية قر، أبو محمود وسارة، يا تعدي يا تهدي، آكلك منين يا بطة، وناس رايقة وتحب الحياة مش مثلنا رسميين لو تنظر عند الإشارة لأي واحد تراه متجهم وجاحظ العينين وكأنه في طريقه لمستشفى الأمراض العقلية. كنت أعلق المنبه لهم وأحييهم "صباح الورد يا قدعان" وهم يحيوني بفرح ويقولون "نورت مصر يابيه، يا أمير"، فالمصريين أكثر أهل الأرض "عشرية" بل أن مصر هي البلد الوحيد في العالم الذي لا تحتاج أن يرافقك إليها صديق. إذهب إلى أي قهوة شعبية إن كنت وحيدا واسحب بكل ثقة كرسيا وسطها وأسأل أقرب شخص بجانبك، "كم الساعة يا أفندم" واعلم رحمك الله، أن المصري لن يعطيك الجواب بسرعة أو ببساطة كما تتوقع، بل سوف يقول لك "عايزها كم يا أفندم، منور والله مصر، حضرتك من فين" ثم يدخل معك بحوار طويل في السياسة والكورة والاقتصاد والحج وقبر النبي (ص)، طبعا غني عن القول بان المصري موسوعة بكل شيء، خخخخخ ، وبعدين يعزمك على الشاي"واللب والسداني" "فصفص وفول سوداني" واليوم الثاني ممكن يعزمك على بط ووز واليوم الثالث يزعل لو ما مريت عليه أو سألت عن أحوال خالته إلي أخبرك أنها عيانة وكأنك نسيت العشرة إلي بنكم، وعلى النقيض من لندن ومن الانجليز، فلو سألت رجلا انجليزيا عن الساعة، فسوف تسمع إجابة مقتضبة وكأنها رصاصة إنطلقت من فمه ولن يكرر لك الجواب إن لم تسمعه وسوف يختفي من حياتك وسط الزحام ولن تراه مرة أخرى ما حييت أبدا. ومن الأشياء الجميلة التي رأيتها في سيناء هي آثار حرب 73 التي قادها السادات رحمه الله بحنكته ودهائه، فتجد مئات الدبابات الإسرائلية محطمة ومحترقة وصدئة بفعل الزمن، والجميل بأن أغلب فوهاتها متجهة نحو الشمال الشرقي، أي أنها كانت في حالة إنسحاب إلى اسرائيل، مما يرد بعض الثقة للعربي المعاصر بأن خير جند الله في الأرض متى ما توفرت لهم الظروف المناسبة والقيادة الصادقة، فلن تجد أشجع ولا أدهى منهم في الحروب.

وصلنا مع شروق الشمس للقاهرة واتجهت أنا وعبد الهادي لفندق ماريوت وحصلنا على غرفة تطل على حديقة الشاي والمسبح ب 55 دولار فقط، يعني كل واحد يدفع حوالي 27 دولار، لذلك شاركت بشهر كامل هو مدة وجود عبد الهادي من قطر بالرغم من وجود سكن لي في الدورم (سكن طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة).

في اليوم التالي اتجهت لسكن الجامعة الذي يقع في نهاية شارع شجرة الدر في حي المهندسين الحي الذي كان يعد في أربعينات القرن الماضي من أحياء القاهرة الراقية، وأشهر شوارعه شارع جامعة الدول العربية وشارع أحمد عرابي و شارع 26 يوليو، ووجدت جميع رفاقي قد وصلوا بالسلامة على الخطوط المصرية وحكيت لهم ما حصل لي من أهوال في الطريق بين حائل وتبوك وحقل، وأخبرني أحدهم بأنه سيعود معي في نهاية الدورة ولن يدعني أغامر في العودة لوحدي. كان سكن الطلاب جميل بناه كما توضح لوحة الشرف المعلقة في مدخله كل من القصيبي والجريسي وأحمد عبد اللطيف جميل، وهو مكون من جناحين، جناح للطلاب وجناح للطالبات وفي الطابق الأرضي، في أقصى البهو يوجد مطعم جميل خاص بالطلاب المقيمين القادمين من أنحاء العالم.

في البداية "كش" منا جميع الطلاب والطالبات لأنهم لم يستسيغوا هؤلاء الغزاة الجدد الأعراب الأقحاح أحفاد عدنان ومعد وقضاعة وطي ومضر الذين يختلفون عنهم في المظهر والسن والملبس، خاصة أننا احتلينا ركنا مميزا في البهو وقلبناه إلى سوق عكاظ نتباهى فيه بمفاخرنا فتتعالى أصواتنا المتشنجة أثناء أي حديث مهما كان تافها حتى لو أردنا شراء سندوتش فلافل بدون شطة نحدث جلبة وازعاج ونعيق فيسمعنا آخر طالب تعيس الحظ في البهو أكثر مما يسمع للشخص الذي يجلس معاه في نفس الطاولة والذي قد يكون يتحدث معه عن تكنولوجيا النانو. وجل مواضيعنا التي نناقشها مستهلكة وبيزنطية الطابع مثل مواضيع سياقة المرأة وأننا أفضل بشر في العالم وشعب الله المختار وغيرنا يخشى عليه من عذاب النار. لكن بعد مدة تمكن "بعض الخارجين عن الجماعة" وعددهم أربع وأنا كبيرهم بالطبع من كسر الحاجز النفسي الوهمي وتعرفنا على شيرل كندية مسلمة، وسمر سورية، وهيفاء وهبة لبنانيتان شقيقتان، وتبثا سامنثا أمريكية، وسهيل ودانيال سعوديان رغم أن اسم دانيال غير عربي فهما سعوديان من جدة.

كسرنا الحاجز النفسي وسحبنا على الركن السعودي الممل الفوضوي وانضممنا لاصدقئنا الجدد وأصبحنا نذهب للجامعة سويا ونعود فنقضي أجمل الأوقات في ركوب الخيل في صحراء الهرم أواستئجار البواخر النيليلة والسهر في الأماكن الراقية مثل ورلدز ويندو، وهو مطعم راقي في أعلى هلتون رمسيس أو في ماريوت والفنادق الأخرى الراقية. مع مرور الأيام بدأت أميل لهبة اللبناية وجذبني إليها بالاضافة لجمالها ذوقها الرفيع ورزانتها وكذلك ثقافتها العالية. لكني لم أظهر لها شيئا من ذلك بل عزمت أن أحول إعجابي بها إلى نوع من "التلذذ بالحرمان ،،،،، لن أكمل هنا".!!!!..

لذلك قمت بعمل اتفاق مع صاحب محل للورود في بداية شارع شجرة الدر المتفرع من شارع 26 يوليو وقريب من السكن باحضار باقة ورد كل يوم الساعة الثالثة ظهرا ويضعها في الاستقبال باسمها، فكان يرسلها مع "الصبي بلية" على دراجته الرشيقة، وللطرافة كان أحد زملائنا الطيبين والمتبسطين في حياتهم اليومية وهو من الناس الذين أعتز بصدقاتهم، كان قد اتفق مع صاحب محل فراخ بجانب محل الورد بأن يحضر فرختين عليهم القيمة يوميا لعمل كبسة محترمة يوزعها على بعض الشباب من نفس المجموعة. لم يكن الطبخ مسموح به في السكن لأسباب تتعلق بالسلامة ولوجود مطعم في الطابق الأول ولكن حبيبنا أبو عبد الله حصل على استثناء من الظابط برتبة عميد المسؤول عن أمن السكن لطبخ وجبة عشاء فرختين يوميا مع رز المهيدب طويل الحبة على شرط أن يحصل الضابط على صدر أو فخذ فرخة بالرز المعمر يوميا. "الصبي بلية" أصبح يأتي كل يوم بفرختين وبوكيه ورد، يضع على يمين المقود الورد وعلى يساره الفراخ وهو يفرق بينمها في الدريكسو حتى لا تختلط رائحة الورود بزفر الفراخ والله أعلم، فيسلم الفرختين لحراس الأمن لتتجه لأبي عبد الله مباشرة فيشرع بعملية الطبخ بمزاج عالي، بينما يتجه بوكيه الورد إلى الغرفة رقم 242 في قسم البنات. كنت أؤوكد على صاحب محل الورد دوما بأن لا يفشي السر وقد حافظ عليه تماما مع الإكرامية المتواصلة بطبيعة الحال. كنت أصرف كالعادة كل ما لدي من أموال في مقابل أن أتمتع بمباهج الحياة دون زلل لأقصى حد، وبالرغم من أن كل واحد منا كان يستلم في تلك الأيام مبلغ يصل نحو 18 ألف ريال سعودي بالإضافة إلى مبلغ 30 دولار كمصروف جيب يومي وسكن مجاني، إلا أني بسبب تلك التصرفات أصبت بالفلس قبل يومين من نهاية الشهر فإتجهت إلى صديقي العزيزي الذي يسكن معي بالغرفة واسمه سامر، وطلبت منه ألف جنيه ليومين فقط حتى تأتي المهية آخر الشهر، فرد علي يا عمي مجنون أعطيك، إحنا نقول فرصتنا في هذا الكورس بنطلع بأربعين أو خمسين ألف ريال وأنت تفلس من أول شهر، روح يا حبيبي انتبه لفولسك، قلت له لا تعطيني فلوس بس يرضيك ينقطع بوكيه الورد عن هبة، فقفز من مكانه وقال أفا عليك وأنا أخو حصة، والله ما ينقطع الورد عن هبة لين ينقطع نهر النيل، قوم معاي البنك وصرف لي ثلاثة آلاف جنيه وقال لا تنس تختار ورد زين لبكرة والله الله باللون الأحمر، كثر منه، خخخخخخخخ.

كانت البنت اللبنانية تفتخر بالمعجب الخفي أمام جميع البنات وأمامنا نحن الشباب ويبدو أنها لم تدرك أني أنا العاشق الهيمان إلي يستاهل قرص الوذان. ومن غيرة البنات منها قامت بعضهن باهداء انفسهن وردا وادعين أنه من عاشق آخر هيمان وخفي وكمان في حبهم غلبان، فتقاولن مع صاحب الورد حتى امتلاء الرسبشن بالورود فحسب بعض المارة في الشارع أن السكن تحول إلى محل لبيع الورود فقصده العرسان يبحثون عن كوشات وزينات، وزوار المرضى عن بعض الوريدات، ولكن حبل الكذب قصير ولم يمتد سوى اسبوع أو اسبوعين والصبورة من امتد بها الحال لشهر من الخيال، خخخخخ .

كان من ضمن الأشخاص الذين تعرفنا عليهم شاب سوري يدعى باسل وهو ولد معجباني ترعرع وتقرع شعر رأسه في مدينة الخبر، وسيم وجسمه رياضي ويحلق شعره على الصفر يوميا ويدعوه المصريون ب"زلبطة" يعني قرعة بلغتنا. وفي أحد الأيام كنا نتسامر وهبة تضع بوكيه الورد بكل فخر بحظنها ولكنها لما قامت سلمته إلى باسل وقالت خذ هذه الباقة لك فقد امتلئت غرفتي بالورود وأخذها باسل وتوجه بها لغرفته وعاد عندما أوشك وقت العشاء وبدأنا نحضر الطعام اللذيذ من المطعم في الطابق الأرضي. لم يرق لي ما فعلته هبة فقررت أن أقوم بمغامرة مجنونة فتسللت دون أن يشعر بي أحد وكأني ذاهب إلى دورة المياه، وهذه الطريقة استوحيتها كذلك من قصة شورلك هولمز المشوقة "مغامرة إكليل العقيق" التي يقوم خلالها القاتل بالتسلل من طاولة الطعام فيقتل الضحية ويعود لإكمال العشاء وكأنه ذهب لدورة المياه ليكون الجميع شهودا بأن القاتل كان معهم أثناء وقوع الجريمة، ذهبت وكان يفصل بين السكن الخاص بالشباب عن سكن البنات ساحة تتوسطها نافورة جميلة، نظرت فوجدت معظم الشبابيك مفتوحة في الجهتين ومن ضمنها شباك باسل وشباك هبة، فقررت تنفيذ الخطة التي طرأت لي وأقتربت من مواصير تصريف المياه وتسلقتها بخفة ودخلت غرفة باسل ووجدت البوكية فحملته ورأيت بيانو جميل في غرفته ثم وجدت ورقة وقلم فأخذت الورقة وكتبت الجملة التالية "لو أخذت الورد ثاني مرة كسرت البيانو فوق رأسك يا زلبطة، التوقيع زنهم أبودراع، فتوة الحسين "خخخخخخ، وربطت الورد في حزام بنطلوني ونزلت بسرعة بعد أن أخذت في جيبي ورقة أخرى وقلم زلبطة لأكتب رسالة أخرى لهبة واتجهت للجهة المقابلة وتسلقت إلى غرفتها ووضعت الورد على سريرها وكتب "أهديتك أجمل الورود ونسجت لك في قلبي أعذب الشعر، فاحفظي الورد كي أحفظ لكي في قلبي أجمل الأشعار، المتيم نديم الهوى". وعدت سريعا بعد أن نفضت ملابس من أي أثر للجريمة وأكملت العشاء معهم، وعندما عادت هبة لغرفتها رجعت وهي فرحة وخائفة في نفس الوقت تحمل بوكيه الورد والورقة المكتوبة عليها، فقام باسل مسرعا واتجه نحو غرفته وأحضر الورقة الأخرى التي كتبتها له وقرأها علينا جميعا، فاستغليت فرصة شعورهم بالشك والريبة والغموض الذي بدأ يتلبسهم عن سر هذا الشخص الخفي فقلت يا جماعة الخير أجزم أن لدينا جان هنا في السكن وأخبرتهم بالقصة التي حصلت لي في الطريق بين تبوك وحائل، وقلت لهم أني أشك أن الجان قد لحق بي أو أنه قد ركب في المقعد الخلفي معي بالسيارة وبدأ يلعب معنا ويتسلى بحكاية الورد، لكن تطمنوا، يبدو أنه عفريت رومانسي، وإلا حرام العفريت يحب يعني . عندما سمعت هبة ما أقول سقطت على المقعد شبه مغشي عليها وأتت بنت سمراء أخرى من جنوب أفريقيا فسالت ما بها وترجم لها باسل ما حصل وحدثها عن شكنا بالجن فسقطت كذلك مغشيا عليها وقمنا بمساعدتهما وأتى الطبيب بسرعة تسبقه كرشة العظيمة وكشف عليهما وقال أن كل نتائج الفحوصات سليمة ولكنهما تحتاجان لبعض الراحة. في الواقع لم يكن مغمى عليهم ولكنه دلع بنات مع شيء من الرهبة، وعدت المسألة على خير وبصراحة بغيت أعترف على نفسي لما حصل الموقف هذا بس انتظرت ولما تأكدت أن الجميع بخير بلعت العافية وسكت.

إلى هذا اليوم لم تكتشف هبة أني أنا الذي كنت أرسل لها الورد كل يوم، ولم أخبرها بدوري بشيء، ولم يكن يعرف سر الورد سوى صديقي سامر، لكن هبة بالتأكيد شكت في كثيرا، وقد تكون تأكدت من ذلك عندما سافرنا وانقطع عنها الورد، كما انقطعت الفراخ ورز المهيدب طويل الحبة عن السكن.

طولت عليكم، بتقولون بس وين بريصة اليوم، وأطمنكم إنه بخير وقد أخذ إجازة بسبب طول حلقة اليوم وسيعود لكم في الحلقة القادمة إن شاء الله



يتبع
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 12:56 AM
  #43
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

زين أنه ما سقط قلبك ..

نحن في انتظار لقائك ببريصة ..

وفي انتظار قصة عودتك مع نفس الطريق الموحش ..

وهل واجهك من الرعب مثل ما واجهك سابقًا ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 24-04-2010, 07:06 PM
  #44
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

ما زلنا في انتظارك يا أخ نديم ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 26-04-2010, 01:16 PM
  #45
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

رسالة إلى الإخوة في الإدارة

يصلني تنبيه في بريد الخاص بوجود أكثر من رسالة،، وعند طلب فتحها لا أستطيع لأن مشاركاتي يجب أن تكون 50 مشاركة على الأقل،،،أرجو حل هذه المشكلة إذا تكرمتم

شكرا

أخي بن نملان شكراً على المتابعة المستمرة ولك الحلقة الحادية عشر



الحلقة الحادية عشر


زرت معظم دول العالم وتزلجت فوق جبال الألب وركبت الأفيال ونمت في معابد الهندوس في الهند وسكنت في أجمل المنازل المترفة في بيفرلي هيلز وسانتا مونكا، عشت أياما عيشة الملوك وأيام أخرى أطول عيشة الصعاليك، تناولت ألذ أنواع الطعام في أرقى المطاعم، وأردئها من عربات مكشوفة في دليهي بجوار الجامع الكبير "مسجد جهان ناما"، لكن قلبي تعلق بام الدنيا منذ أول مرة زرتها فيها ففضلتها على دنيا رب العالمين. أحببت أزقتها القديمة وشعبها البسيط الطيب وبازراتها ومطاعمها الشعبية والحمام المحشي بالفريك والملوخية والفول والطعمية على ما تقدمه مطاعم لو تراين بلو الفرنسية ومطاعم النايتس برج ومطعم سينيور ساسي. وقد كنت محظوظا عندما تعرفت أثناء الدراسة في الجامعة الأمريكية في القاهرة على "تبثا سمنثا" البنت الأمريكية الكلاس والمتخصصة بالدراسات الشرقية والتي تتقن اللغة العربية كأنها من نسل"يعرب بن قحطان"، وتحب القاهرة كلها على بعضها بحلوها ومرها، وتحب كذلك المشي على الأقدام طوال الليل والنهار لا تتوقف كأنها تكسي الجيزة أو خط البلدة في الرياض. فكنا نمضي أكثر أوقاتنا مشياً وسط الأحياء الشعبية والأزقة الضيقة والمنازل المتلاصقة والحوانيت المتداخلة ببعضها والتي تتميز بكثافة سكانية عالية، وأشكال الناس فيها غريبة عجيبة جدا، فلباسهم عتيق ومتسخ وشعورهم مقروضة قرضا وليس لها ستايل معين، نظراتهم غائرة ونظاراتهم بائرة، إما يكون الشخص فيهم ضخم كأنها ماموث أو صعلوك لدرجة تحسبه أنه يد الشخص الضخم الذي بجانبه، فالدخول لهذه المنطقة كركوب ساعة الزمن التي تأخذك لمئات السنين الغابرة.

لكن كل تلك المثالب كانت هي سر سحر وجاذبية القاهرة لنا، فكنا نقوم باستمرار بالتجول فيها ابتداءً من الساعة الحادية عشر صباحاً من حي الحسين وذلك بعدأن نتانول وجبة الغداء في أحد المطاعم الشعبية والتي يشتهر كل مطعم فيها باجادة نوع معين من الطعام لا يمكن أن تجد مثيله في أي مطعم آخر. فمثلا مطعم الحاتي في الحسين "الكبابجي يسمى الحاتي في مصر" رهيب جدا في عمل الحمام المحشي بالفريك والكباب والكفته، ولن تجد كبابا مثل كباب الحاتي لو أفنيت عمرك كله تلف العالم من أقصها لأقصاه، مستحيل. أو نتناول الرز باللبن في مطعم المالكي، أما الطعمية والفول والمسقعة فألذها التي يعملها مطعم الجحش، خخخخخخ، هذا اسمه والله،وعندما يصل الأمر لطبق الكشري المصري الأصيل فألذه الذي يعده مطعم العمده، بينما يتميز مطعم الشبراوي بأنه أفضل مطعم شعبي يعمل السندوتشات الغنية بالمخللات والشطة الحراقة. كنا كل يوم نجرب أحد تلك المطاعم الشعبية، ثم نذهب فنتربع على مصطبات قهوة الفيشاوي العتيقة في حي الحسين والتي تجاوز عمرها المئة عام فنشرب الشاي الثقيل أو السحلب والعرق سوس أو الزنجبيل أو اليانسون، ونأرجل المعسل العجمي ذي العبق السلطاني والرائحة الزكية، وعندما يروق"دماغ تبثا" ويعتدل مزاجها من المعسل العجمي يحلو لها أن تستعرض ثقافتها عن المقهى فتحكي لي كيف كان يجلس في هذا المكان قبل أكثر من ستين سنة الفنان محمد عبد الوهاب وهو يغني بانشراح وتهادي للسهارى )أمانة عليك ياليل طول.. وهات العمر من الأول)، وتواصل بشوق كيف كان الناس يتحلقون حوله أو حول الكتاب والأدباء والقصاصين الذين تعج بهم القهوة وخاصة في ليالي رمضان المبارك ليستمعوا بشغف منقطع النظير لسيرة أبو زيد الهلالي أوالزير سالم أو عنتر بن شداد وعشيقته عبله أو لقصة تغريبة بني هلال. وبعد هذا الفاصل الزمني، نكمل رحلتنا إلى حي خان الخليلي الملاصق لحي الحسين فنتجول حول مبانية التاريخية والتي تعود لعصر المماليك، أي أنها بنيت قبل 600 سنة، ويتميز الحي بتزاحم بازاراته التي تبيع الحلي والنحاسيات والاكسسوارات والفرعونيات. ثم نعرج بعد ذلك على الأماكن التاريخية الأخرى مثل شارع ما بين القصرين وقهوة الحرافيش التي أستوحى منها الكاتب الكبير نجيب محفوظ معظم قصصه الواقعية ومسلسلاته وأفلامه، وبعدها نكمل السير في القاهرة القديمة فنتجول وسط حارة اليهود والقاهرة الإسلامية والقاهرة القبطية والقاهرة الفاطمية ومسجد عمر بن العاص وقلعة صلاح الدين وحي السيدة زينب، ثم ننهي عادة جوالتنا نحو النقطة التي بدأنا منها في حي الحسين فنقوم بتناول وجبة العشاء عند الساعة الواحدة ليلاً.

في أحد الليالي زرنا منطقة المقابر التي تقع في القاهرة القديمة أسفل قلعة صلاح الدين، وتجولنا وسط القبور والأظرحة ونحن نشعر برهبة شديدة تزيدها ظلمة الليل وعواء الكلاب والقطط من كل مكان، وكنا نستغرب من "أطفال المقابر" الذين يلهون وسطها ويلعبون "الاستغماية، هايد آند سيك" دون وجل أو شيء من الخوف، كما كان الكثير من النساء يقمن بكل أريحية بنشر الغسيل فوق حبل مربوطة بشدة بين الأظرحة.

تعرفنا خلال التجوال وسط المقابر على عائلة تتسامر أمام "بيتها" فدعونا لشرب الشاي لديهم ورؤية المقابر التي تقع داخل فناء منزلهم، فوجدنا من ينام منهم وهو يسند رأسه على طوبة القبر لينام هنيئا في "الطراوة"، بل أن ابنهم الكبير كشف لنا عن قبو داخل فناء المنزل كان يستخدم كقبر لأحد قواد المماليك وأخبرنا أن الجثة قد ازيلت منذ زمن بعيد وأنه ينام داخل القبر في بعض الأحيان وخاصة في الشتاء عندما تشتد برودة الجو.

وفي أحد الأيام الربيعية المعتدلة الجو قررنا ركوب الحنطور فأستأجرناه من قبالة فندق ماريوت وطلبنا من "العربجي" جولة لمدة ساعة حول أزقة القاهرة واتفقنا أن نعطيه 60 جنيها أجرة عن الرحلة، وفعلا بدأنا في التنزه بجوار نهر النيل لنتمتع بمناظره الخلابة والتي تمخر به البواخر السياحية وتصدح منها الموسيقى الراقصة والصاخبة، وآلاف البشر يمشون حول كورنيش النيل تراهم يهيمون في كل ركن وكل زاوية وفي البلكونات وفي الساحات، في كل مكان مئات البشر، كثافة سكانية لا حصر لها، وعادة لا تخلو يد المصري من طعام يأكله أو كوباية شاي تعدل مزاجه، فتراه يأكل سندوتش فلافل أو باذنجان بالطرشي أو حتى خبز حاف أو كوز ذره أو يقزقز لب أو يشرب كازوزه، وإذا غلبت الروم وجدته يشعل سيجارة، وشعب لا يتوقف عن أسباب الحياة أبدا، فقلدناهم واشترينا بليلة من أحد الأكشاك ثم واصلنا الطريق نحو كوبري 26 يوليه وكنا نسير عكس اتجاه السير. وددت في البداية تحذير "العربجي" (العربجي كلمة تركية يعني سائق عربة، عربة جي، وفي السعودية عربجي يعني متخلف) بعدم عكس خط السير ولكني تركته لشأنه ففي القاهرة كل شيء ماشي بالبركة، لكن فجأة ظهر لنا شاويش مختبئ خلف جدار وسط الظلام وقام بتوبيخ "العربجي" وقال له لازم تدفع 100 جنيه غرامة السياقة في الاتجاه المعاكس للسير، ولم أتدخل طوال الوقت بينهم، إلا أن الشاويش التفت إلي في النهاية وقال لي "يرضيك برضه كدا يا بركة " قلت والله ما يرضيني، خذ يا عم 50 جنيه وسامح الراقل الغلبان أصله ما يقصدش، وناولته الفلوس وكملنا المشوار ورحنا شربنا عصير منقة وفخفخينا عند فرغلي في شارع جامعة الدول العربية.

وفي اليوم التالي اتجهنا شرقا في رحلتنا على الأقدام لاكتشاف مدينة القاهرة، فسرنا باتجاه شارع الدول العربية وتناولنا طعام العشاء في مطعم أبو شقرا، وهو من أنظف والذ المطاعم في المشويات في مصر، ثم قفلنا عائدين نحو السكن وكنا نسير بمحاذات مسجد مصطفى محمود والذي يوجد بالقرب منه حراسة أمنية مشددة لوزير مصري سابق، فاستوقفنا جندي جاهل وأحمق يبدو أنه قد خرج بالأمس فقط من الترعة وقال "حضرة الصون عاوزكم"، رديت بكل ثقة مين حضرة الصون يا عمي، إذا الصون عاوزنا يجي هو عندنا، فما كان من الجاهل ابن الأحمق إلا أن رفع الرشاش في وجهي دون مقدمات وقال "الي يقوله حضرة الصون هو الي يمشي قدامي يا غجر"، فأدركت أنني مقدم على مصيبة لا محالة فسلمت أمري لله وتوجهنا للصون الأجهل من جهل الجاهلين، وبدأ لي منذ البداية من سحنة وجه حضرته اللاحم وبريهته العسكرية التي تغطي اذنيه وشنبه المنفوش كأنه برادة حديد جذبها مغناطيس، بأن عقله مقفول بالضبة والمفتاح. بادرني حضرة الصون بالسؤال مباشرة مين دي الي معاك وتعملوا ايه هنا، رديت يا محترم انت إنك عسكري حماية لشخصية مهمة زي ماهو واضح، لكن مش شغلتك تصيد الزباين من الشارع بسنارة وتحقق معاهم، بعدين هذي أمريكية ياعمي بلاش فضايح. أخونا بالله لما سمع انها أمريكية فكر انها ما تعرف عربي ودخل معاي بكلام ساقط عنها وقالي اسئلها كدا "بالامريكاني" وشوف جوابها ايه على الكلام إلي قلته لك!!!، رديت عليه وقلت عيب عليك يا حضرة الصون هذي برضه انسانة محترمة وعندها مباديء ودين وأخلاق إنت فاكر الدعوة سايبة وإلا أيه، رد وقال لي "دي عندها دين!!!! دينها ايه؟"، رديت قلت مسيحية، قام فحرك سبابته مثل مساحة سيارة، يمين شمال وهو يشير نافيا وقال بكل جدية "الأمريكان مش مسيحين، قلت أمال إيه يا حضرة الصون، قال الأمريكان دينهم كفار!!!" (يفكر كلمة كفار ديانة مستقلة خخخخخخ)"، عند هذه النقطة فهمت مدى المصيبة التي وقعنا فيها وأدركت إنه ما فيه غير طريقة واحدة للتفاهم مع هذا العبيط وهي النصب على إلي خلفوه، فقلت كلامك عين العقل يا حضرة الصون، بس لو تعرف جنابك إن "الآنسة فتاكات بنت وزير الداخلية حسن بيه الألفي"، ربنا يقازيها ألف خير كل يوم تديها دروس خصوصية عن الإسلام، أمال يا راجل، مهي صاحبتها الروح بالروح وتدعيلها كل يوم بعد كل فرض صلاة بالهداية، عندها هبط شنب الصون الجاهل وكأن المغناطيس أعطاه سالب هذه المرة وبلع ريقه وقال "يارب ينجح مقاصدها وتسلم على ايديها، أصلو باين ع البنت إنها أمريكانية طيبة قوي قوي قوي يا ولد أبوي، ما تشربوا الشاي معانا يا قماعة؟؟، الشاي ع النار!!!". رديت بسعادة يجعله عامر يا فندم، أنا لازم أروح دي الوقت تلاقي الحجة أم فتكات زمانها بدور علينا، وأنتهت المشكلة وتخلصنا من الصون الجاهل وشتمناه لما غادرنا المكان إلى أن طلع الصباح.

في يوم لاحق أشترينا وجبة كباب من الحاتي في الحسين وركبنا أحد الزوراق النيلية وكان الجو جميل منعش فطلبت من سائق الزورق أن نركب في أعلى الزورق فوق قمرة القيادة في مقدمة الزورق لنتناول وجبة الغداء حيث يمكننا أن نتمتع بمنظر جريان مياه النيل وأشجار البردى على جانبي النيل، فوافق بسعادة وجلسنا وفتحنا الكباب الحار والطرشي والسلطات والطحينية وعلب البيبسي وبدأنا في تناول الطعام بشهية عارمة. فجأة سمعنا بعض من جنود حرس المسطحات المائية يخاطبونا بالميكروفون من زورقهم وباسلوب شوارعجي "أنت يا الي هناك، إنزل يا وله (يا ولد) منك ليها ممنوع تقعد فوق، انزل يا وله، انزلي يا بت"، فقلت سننزل إلى وسط الزورق بدلا من نعيق هذا الجاهل الآخر، فرد علي صاحب الزورق "خليك مكانك، دا القندي داه لو هوب ناحيتك دنا حا أديله بالقزمة على قفاه، ما تعبروش، دنا المعلم حوشة يا راقل" إنت أصلك معذور ما تعرفش مين هو الريس حوشة سبع النيل!!!!، قلت أكيد تقدر تتفاهم معاه يا معلم حوشة، قال عيب عليك، أمال هو حد يقدر يتجرأ يقول ثلت التلاته كم للمعلم حوشة، بعدين ما تخدش بي بالك، دا عسكري غلبان، فأكملنا تناولنا الطعام ونحن فوق قمرة القيادة دون أي اعتبار للعسكري الغلبان، بيد أن العسكري لم يعجبه ذلك فلحق بنا فنبهت المعلم حوشة وقلت يا عم أهو العسكري جاي، جهز بقا جزمتك عشان أول ما يوصل تديله على قفاه. ولما اقترب الجندي المزعج من زورقنا وتحققت من رتبته التي تسطع على كتفيه وإذا هو برتبة عقيد بحري يا للهول"أو يا لهوتي"!!!، فأخبرت صاحب الزورق " العسكري طلع عقيد يا حبيبي، حتمل ايه معاه دا الوقت" اصفر وجه صاحب الزورق واحمر ولما وصل له العقيد وغسل شراعة وسأله لماذا لم لم يستجيب للنداءات المتكررة، رد عليه المعلم "حوشة سبع النيل" بانكسار وتذلل وقال "أبوس معــــــالـــــي جــزمتــك تسامحني يا بيه دنا غلبان" خخخخخخخخخ، معالي جزمتك حته واحدة يا معلم حوشة يا جبان، وين يا عمي سبع النيل الي بيديله بالجزمة على قفاه، والله حلوة منك يا ريس حوشة، وماشي يا بركة،،،،،ذكرتي والله بالعسكري بركة ، خلونا نرجع للبركة مرة ثانية.

اشتقنا لركوب الحنطور مرة أخرى فركبنا مع نفس الشخص من عند فندق ماريوت وذلك بعد مدة اسبوعين من المرة الأولى، ويبدو أن العربجي لم يتعرف علينا، فبعد أن سار بنا نحو برج القاهرة ومايسبيرو "برج التلفزيون" اتجه مرة أخرى نحو كوبري 26 يوليه وبالاتجاه المعاكس مرة أخرى، فنبهتني "تبثا" بأنه سوف يكرر نفس الخطأ ومن الأفضل تحذيره، لكني قلت لها لا، لا، لن نحذره خلينا نشوف آخرتها، وفعلا لم يخطيء حدسي فبعد مدة وأثناء السير عكس الاتجاه فوق كوبري 26 يوليه ظهر الشاويش النصاب المختبئ من نفس المكان وبدأ بمسرحية توبيخ العربجي وطلب منه غرامة 100 جنية، ثم استدار نحوي وقال بصوت يستدعي الشفقة "يرضيك برضه كدا يا بركة ؟". ضحكنا لما كشفنا سر عملية النصب التي اتفق عليها صاحب الحنطور والشاويش الغلبان، وقلنا لهم، لا المرة هذي سامحونا انتم، العرض المسرحي مجاني، حنا زباينكم خلاص، ما يصير تاخذون منا فلوس، فركش يا حبيبي منك له،،،خخخخخ .

وبعيدا عن تبثا سامنثا، سأختصر في النهاية كيف استطعت أن أصل إلى بريصة الأصفهاني بعد أن دوختكم باللفة الطويلة على القاهرة وأيامها الحلوة، فأصل الحكاية يعود لزميلنا العزيز سهيل من مدينة جدة والذي كان يدرس في المرحلة النهائية في الجامعة الأمريكية ويتقلد منصب رئيس نادي الطلبة السعوديين في مصر، ورغب في المشاركة في الحفل السنوي الذي يقيمه الطلاب في الجامعة الأمريكية للتعريف ببلدانهم تحت مسمى "اليوم العالمي". كان يتوفر لدى سهيل ميزانية 6 آلاف جنيه مصري فقط كميزانية للاشتراك في "اليوم العالمي"، وكان يحتاج أكثر من عشرة آلاف جنيه أخرى للحصول على مجسمات ونماذج تمثل البيئة السعودية يعملها عمال مصريون وعلى شراء ملابس سعودية صناعة صينية، وشماغ وطني سعودي صناعة انجليزية ودواليب عتيقة مزينة بمرايات ومعشقة بالدبابيس لحفظ وتطبيق الملابس وسجادات الصلاة صناعه هندية، وزير ماء ووجار للجمر ومهفات صناعة سورية وابريق الشاي القديم الملون بمثلثات متداخلة حمراء أو خضراء يستخدمها عادة أهل البادية وهي صناعة بلغارية. كما تقاول سهيل مع مطعم مصري لعمل "كبسة بخارية" لتوزيعها في اليوم السعودي على الزوار على أنها طبخة سعوديةّ!!!!. وكان عمنا سهيل يحاول أن يجمع المبلغ من أي كان فطرق باب السفارة ولم يجد أكثر من الستة آلاف، وتحدث مرة معي وذكر لي بأن الأمير تركي يقيم بصفة دائمة في "فندق مينا هاوس" ولو استطاع الوصول إليه فسوف يساعده لا محالة فهو مشهور عنه الكرم ويأتي بعد الأمير سلطان بن عبد العزيز في الكرم كما هو معروف. أخبرت سهيل أني من الممكن أن أساعده في هذه الحالة لعلاقتي السابقة بسمو الأمير، فركبنا سيارته السوفت الحمراء واتجهنا لطريق الأسكندرية الصحرواي الذي يوجد في بدايته فندق مينا هاوس. استقبلنا مدير الفندق المناوب وأخبرنا بكل أسف أنه لا يمكن أن يساعدنا في الوصول لسموه لأنه هو وأفراد الفندق لا يمكنهم التواصل مع الأمير الذي يسكن في قسم كامل ومفصول تماما عن الفندق إلا في الحالات الضرورية القصوى، لكني طلبت من المدير المناوب أن يبلغه باسمي ويذكره إذا نسى من أنا عن بعض الأحداث التي حصلت بيننا في لندن. وفعلا عاد المدير المناوب مع حارس شخصي للأمير أمريكي الجنسية طوله نحو متران ويبدو أنه لم يبتسم منذ حرب فيتنام، "أصول الشغلة ياعمي" وقام بكل وقاحة بتفتيشنا دون أن يتحدث بكلمة واحدة، ثم تبعناه وأدخلنا صالة كبيرة يبدو أنها قد أضيفت حديثا في الفندق وتخص الأمير وليس الفندق وانتظرنا فيها قدوم سمو الأمير.

حظر الأمير وابتسامته المعهودة تسبقه وقد بدا لي أنه قد تقدم به السن بعض الشيء وازداد وزنه فرحب بنا ترحيب أخجلنا ولمت نفسي لأني لم آتي فقط للسلام ولكن لطلب دعم النادي السعودي الكحيان. بيد أن سمو الأمير بنبله هو الذي بادر وقال "وش أقدر أسوي لكم، محتاجين مساعدة، ناقصكم فلوس، آمروا، لا يردكم إلا لسانكم". شكرته وأخبرته أولا أني أريد أن أعرف كيف أصل لبريصة وثانيا بأنا نحتاج دعما ماديا لنقيم يوم سعودي في الجامعة وينقصنا 10 آلاف جنيه مصري. أشار الأمير لأحد الحراس ودنا منه فكلمه وذهب في الحال وأحضر ظرفين ذكراني بالظروف التي استلمتها في لندن. وقال خذ هذه للنادي والأخرى لبريصة، وسوف تجد بريصة في مسجد العابد في مدينة الشيخ زايد، فشكرناه من قلبينا وودعناه بمثل ما استقبل به من حفاوة وتقدير،،، وكان في وداعة،،،لا بلاش نطول عليكم.
فتحنا الظروف في سيارة سهيل ووجدناها عشرة آلاف دولار للنادي، وخمسة أخرى لبريصة، فناولت سهيل العشرة آلاف فطار بها فرحا، وقال سوف أطلب تيوس مندية بدل من الدجاج البخاري الله يوفق الأمير بيخلينا نلعب بالورق لعب،خخخخخ.


ركبت في اليوم التالي القطار العتيق المتجه نحو مدينة الشيخ زايد وتعجبت من حالة القطار المزرية وقارنته بالقطار الذي كنت أركبه بين لندن ومانشستر، فالقطار البريطاني أنيق أحمر اللون يلمع كالبلور من الخارج وركابه يلبسون أجمل الملابس وقصات شعر النساء رائعة وجلهن يرتدين نظرات أنيقة وفخمة وعطوراتهن جذابة ويجلسون على كنبات وثيرة ويحمل أكثر الركاب الآي بود أواللاب توب أو يقرأون الكتب ويتحدثون بأصوات تتناغم مع تهادي القطار، أما المناظر الخارجية الخلابة نحو الشمال الأنجليزي ففيها متعة العشاق من أنهار وجداول وشلالات تجري طوال الطريق بين السهول والتلال والأشجار الباسقة الخضراء، والقرى المتناثرة بأكواخها الجميلة وفي كل قرية توجد بعض الحصون أو القلاع التي تذكرني بقصص سندريلا وعشيقها الأمير شارل. أما القطار الحجري الذي ركبته في طريقي لبريصة فكان لونه بلون الصدأ وقبل أن أركبه حسبت أنه مركون كمتحف لقطار من عهد الخديوي إسماعيل، وأقل جماعة من ركاب قطارنا التعيس كانوا عبارة عن أسرة تتكون من عشرة أشخاص، الحاج والحجة وأبنائهم وزوجاتهم وأحفادهم ويحملون في أيديهم وأرجلهم وفوق رؤوسهم وظهورهم الطعام والأقفاص، أما الصعيدي الذي يجلس أمامي ويلف فوق رأسه عمامة ضخمة لو فردتها لغطت سيارة سوبربان، ومن ضخامة شنباته كان من المفترض يقص لها تذكرة، ولو تذكرة أطفال على أقل حال، وكان يحمل بين يديه قفص مليئ بالحمام والوز والبيض ويسمى "الزيارة" أي الهدية التي تهدى عندما يزور أقربائه. أما القطار المتهالك فكان الأجدر تسميته قطار شحن وليس قطار أوادم، لأنا فعلا كنا مشحونين فيه كالبضائع، وزاد الطين بلة من يبيع المية والذره وسندوتشات الكبدة في القطار فأصبحنا في خرابة صاخبة، والذي هالني أكثر هي دورة المياه، كرمتم، يعني لا تزعلون مني لأني سميتها دورة مياه بس عشان تعرفون عن أيش اتكلم، فلقد فتحت الباب الذي سمي بهتانا بحمام الهنا فوجدت حمام عربي فيه فتحة مكشوفة ترى منها الأرض التي يمشي فوقها القطار، يعني عدم المؤاخذة يستطيع صعيدي واحد نقل البلهارسيا لجميع المحافظات في رحلة ذهاب واحدة ومجانا كذلك. طيب تخيلوا لو كان في السكة تحت القطار، مثلا يعني، تنكه حديد طايحة وإلا أسلاك شائكة واقتربت من الفتحة، أترك لكم لتتصورا حجم الكارثة.,,,,,خخخخخ ،،،،،،،،قصدي وووووووووووووووووعععععععععععع.

إن لم تخني الذاكرة فقد مررت بنفس هذه الرحلة، على مدينة "قها" والتي أثارت شجوني لأني عندما كنت صغيرا في مدينة الطايف كنت أحب كثيرا أن أشرب من "منجا قها"، هل تذكرونها؟؟؟، لقد كانت تباع بعلب صغيرة مغلفة بورقة بيضاء يتسوطها رجل يبتسم مرسوم على هيئة منجة وفوق رأسه طاقية طاهي وأمامه كوب من عصير المنقة المصرية اللذيذة. كانت "منجا قها" أفضل هدية تقدم في الطايف للمرضى عند زيارتهم في مستشفى الملك فيصل في الشرقية، أيام حلوة وحياة كانت بسيطة.

وصلت مدينة الشيخ زايد والتي بنيت بمنحة من صندوق أبو ظبي للتنمية، وسألت عن مسجد العابد فوصلته بسهولة، وبحثت عن بريصة، فقال لي أحد الأشخاص هل تقصد العارف بالله الشيخ الزاهد العابد العالم النحرير بريصة الأصفهاني، قلت في قلبي زين ما أضفت "رائد الفضاء" كل هاالأسماء له، وفي رقبته خمسة آلاف باوند يلعن أبو النصب، ورديت على الرجال نعم هو بذاته قدس الله سره وسر جيرانه، فأوصلني إليه في أحد القهاوي فتفجأت لما رأيته للوهلة الأولى، فقد تقدم به السن كثيراً وشاب شعر رأسه وطال حتى وصل كتفيه ويلبس ثوبا أخضرا طويل فضفاض وعمامة على رأسه مربوطة باحكمام وتدلى سلاسل وتعاويذ لاحصر لها من رقبته كما يحمل مسبحة طولها نصف متر. لما رأني فز كأن ثعبان قرصه وصرخ بأعلى صوته، مدد، مدد يا سدنا أحمد الرفاعي مدد ، وأقبل نحوي مرحبا بك يا شيخنا نديم، هذه والله رؤياي التي رأيتها البارحة، أهلا بالكريم أهلا بمن أتى من مكة والمدينة وقبر النبي (ص)، وبادلته التحايا والترحيب وجلسنا سويا في القهوة ثم أخذني لبيته وذبح لي وزه وبطه وعمل كوشري بالسمن والتقلية وملوخية بالطشة وطاجن سمك وفطير مشلتت بالعسل الأسود وحلينا بالمهلبية البيضاء بالقشطة والكنافة وبسبوسة مصرية بقمر الدين والفستق، وسألني عن صحة أخي وعما أفعل في مصر فأعطيته الأخبار بالتفصيل وأخذت منه بدوري أخباره، فأطماننت عليه لما أحسست أنه يعيش في صفاء وايمان جميل بعد أن طلق الدنيا بالثلاث والنصب بالعشرة، واعترف لي بما كنت متأكد منه، بأنه قد لطش الخمسة آلاف جنيه الاسترليني التي طلبت منه أن يرجعها للأمير قبل عشرة سنوات، وطلب مني السماح فسامحته وقلت له لن أسامحك فقط بل لك عندي خمسة آلاف دولار أمانة من سمو الأمير تركي، فقز من مكانه وقال مدددددددددددددددد ، يامانت كريم يا رب، وسلمته الخمسة الآف ثم ودعني بمثل ما استقبلت به من حفاوة وترحيب، وقفلت عائداً نحو لقاهرة في قطار الغرام، لألحق باحتفال اليوم السعودي كي نعرض بضاعتنا أمام الطلاب من ايطاليا وفرنسا وأمريكا ونسألهم السؤال التقليدي ماركة "غصب وان + غصب تو" وش رايك فينا قبل عشر سنوات والآن، وماذا تقول عن أوجه التقدم التي رأيتها اليوم خلال تجوالكم في المعرض، طبعا الإجابة ستكون " لقد دهشت مما رأيت اليوم وكانت فكرتي أن بلدكم عبارة عن صحاري ورمال، ولكن هذا المعرض غير من رأي وسوف أنقل الفكرة إلى أصدقائي عندما أعود لجزر الواق الواق....." شكلي بروح السجن مع القصة هذي، يا عمي خلني أنهي الحلقة هذي، انتهت يا حبايبي.

لكن بقي لدي كلام كثير عن القاهرة، لكني سوف أعود بكم إلى لندن في الحلقة القادمة وأكتب عن محمد الفايد صاحب محل هارودز وعن أول مرة رأيته فيها في العام 1984

التعديل الأخير تم بواسطة نديم الهوى ; 26-04-2010 الساعة 01:17 PM
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 29-04-2010, 12:40 PM
  #46
علي آل جبعان

مراقب
الاقسام الرئيسيه
 الصورة الرمزية علي آل جبعان
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 1,652
علي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond reputeعلي آل جبعان has a reputation beyond repute
Lightbulb رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

شُكْرَا أَخِي الْغَالِي
نَدِيْم الْهَوَى
عَلَى هَذَا الْسَرَد الْمُمْتِع
وَقَد ثَبَت الْمَوْضُوْع لأَسْتِمَرَارِيّة عِرْضَك الْشَّيِّق
؛؛؛
أَخِي الْغَالِي
أَمَل عَدَم تَكْرَار بَعْض الْحَلَقَات
لِكَي يَسْتَمْتِع الْقَارِيِّء وَتَتَسَلْسَل الْأَحَداث ..
؛؛؛
لَا نَزَّلْنَا نَنْتَظِر الْحَلَقَة الْثَّانِيَة عَشَر ..

وَدُمْتُم بِوُدّ

علي آل جبعان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 29-04-2010, 02:31 PM
  #47
ماجد الخليفي
عضو ذهبي
 الصورة الرمزية ماجد الخليفي
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 15,133
ماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

السلام عليكم اخي نديم الهوى

مذكرات جميلة

وحبذا لو ذكرت كاتبها ... احد الاجزاء رأيتها مكتةبة تحت اسماء مختلفة في عدة مواقع

http://www.suhol.com/vb/showthread.php?t=28550&page=3

http://www.brydah.com/ib/showthread.php?t=110708

http://travel.maktoob.com/vb/travel321921/
ماجد الخليفي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 29-04-2010, 04:17 PM
  #48
السيــف
عضو جديد
 الصورة الرمزية السيــف
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 9
السيــف is a jewel in the roughالسيــف is a jewel in the roughالسيــف is a jewel in the roughالسيــف is a jewel in the rough
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

مميز وحلقاتكـ تجعل المتصفح يقف لها أعجاباً
سلمت أناملكـ
السيــف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 29-04-2010, 05:10 PM
  #49
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

ما زلنا في انتظار الحلقة الحادية عشرة ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 29-04-2010, 05:25 PM
  #50
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجد الخليفي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم اخي نديم الهوى

مذكرات جميلة

وحبذا لو ذكرت كاتبها ... احد الاجزاء رأيتها مكتةبة تحت اسماء مختلفة في عدة مواقع

http://www.suhol.com/vb/showthread.php?t=28550&page=3

http://www.brydah.com/ib/showthread.php?t=110708

http://travel.maktoob.com/vb/travel321921/
مرحبا يا بو عصام ..

الرابطين الأولين مجرّد نقل لرواية الأخ نديم الهوى ..

أما الرابط الأخير فهو نفس الكاتب ولكن باسم آخر ..

فسبق وأخبر هنا بأنه قد وصل في موقع مكتوب إلى الحلقة الـ 18 ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:27 AM

سناب المشاهير