رد : دور الامير مترك ابن عشق ابن شفلوت في فتح عسير وفك حصار ابن عفيصان
بسم الله الرحمن الرحيم
أن الكيان السياسي اليزيدي لم تبنه عسير القبيلة وحدها ، وإنما ساهمت فيه أيضاً القبائل المجاوره لعسير (قحطان /شهران/باللحمر /باللسمر /بني شهر) وغيرهم وكان لها الولاء الكامل له .
يشير ابن مسفر في كتابه ( السراج المنير في تاريخ عسير ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ،1398هـ / 1978م ، ص89 ) إلى أن قبيلة قحطان قد ارتجزت بأبيات ترحيبية بالأمير عائض بن مرعي اليزيدي وبجيشه أثناء منصرفه إلى عسير بعد أن أخمد بعض قبائل الريث ، وعاد منها عن طريق سروات قحطان وجاء في بعض أبياتهم ما يلي :
إن قحطان سيفك في يدك مثل شومان ماله عينـة
شومان الوارد في البيت : هو أحد سيوف آل عائض المشهورة .
كما أن قبيلة قحطان كانت لها مواقفها الإيجابية مع الكيان اليزيدي في إخماد الثورات القبلية ضده ، فقبيلة رجال ألمع والتي هي من عسير القبيلة ، وصنو قبيلة عسير السراة عند ثورتها على هذا الكيان في العام 1282هـ كان إخماد هذه الثورة قد تم عن طريق قبائل عسير السراة ورجال الحجر وقحطان ، بل إن قحطان كانت أكثر من تكبد بالخسائر البشرية في ثنايا إخماد هذه الثورة ، وذلك على خلفية حماسة هذه القبيلة وولاءها للأمير محمد بن عائض اليزيدي . ( انظر : هاشم النعمي ، تاريخ عسير في الماضي والحاضر ، ص270 )
فالتاريخ العسيري ليس تاريخ ( قبليا) نكرر فنقول ( ليس تاريخا قبليا) بمعنى أنه تاريخ يبحث عن ( صراعات قبلية ) على الكلأ والماء , بل كان تاريخا ( وطنيا) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ولم يذكر التاريخ أن تم التعامل مع ( اقليم عسير ) بمنظور قبلي سواء من قبل العثمانيين أو غيرهم من القوى الدولية بل الحقيقة أن كل المعارك الكبيرة والمؤثرة سواء ابان العهد اليزيدي الأول أو ابان عهد المتاحمة أو العهد اليزيدي الثاني وخصوصا في فترة توسعه وتوهجه طول أكثر من 80 سنة الى 1288هجرية , تخبر أننا ازاء (دولة) لها منظور وطموحات ومشاركات.. وكان لها نظام فريد في ( الشورى) حيث كانت كل قبيلة تبعث ( مندوبا) يمثلها في أبها وتجهز كل قبيلة عدد معين من ( الجنود)
ضم عسير:
السلطان عبدالعزيز يبعث جيشاً إلى عسير :
كان الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن قد أرسل وفداً مكوناً من محمد بن سلطان والشيخ عبدالله بن راشد والشيخ فيصل آل مبارك والشيخ عبدالله بن جار الله إلى أبها ، واجتمع الوفد بأمير عسير حسن بن عائض ، لكن النتيجة كانت عكسية فعاد الوفد إلى بلاده ، وبعد عودة الوفد السعودي إلى الرياض شرح للسلطان عبدالعزيز الوضع ، وبخاصة الوضع السياسي والتوقعات المستقبلية ، سيما المطامع التي تحاك ضد عسير([131]).
بعث السلطان عبدالعزيز جيشاً من الرياض بقيادة ابن عمه سمو الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي ، أغلبه من أهل الخيل ، وذلك في شعبان عام 1338هـ مصحوباً برسائل من السلطان عبدالعزيز([132]) إلى حسن بن عائض ، ووصل الجيش واحة بيشة عن طريق رنية ، وبعث الرسائل إلى أهلها وكتب أيضا الأمير عبدالعزيز بن مساعد رسائل خاصة من عنده شرح للمسؤولين في عسير أهداف حملته ، وهي تهدف إلى دخول العسيريين فيما دخل فيه الناس من الوحدة والانضواء تحت الشريعة الإسلامية في إطار الوحدة التي يدعو إليها([133]) الإمام عبدالعزيز ، وأن تشملهم الوحدة كما شملت أجدادهم من ذي قبل ، وكان يومها مخيماً في المحل المسمى قاعة ناهس ، فبعث أمير عسير حسن بن عايض وفداً إلى الأمير عبدالعزيز بن مساعد ، يحمل رسالة من الأمير جواباً على رسائل الإمام عبدالعزيز والأمير بن مساعد ولم يحدد موقفه من مطالب الإمام عبدالعزيز ، بينما لم يجعل للوفد حق التفاوض في الأمور المطلوبة ، لهذا رجع الوفد دون نتيجة([134]).
معركـــة حِجْلاَ :
فشلت المفاوضات وتقدم ابن مساعد من القاعة إلى خميس مشيط ، بينما تقدم حسن من أبها إلى حجلا التي تبعد عن مدينة أبها بحوالي أحد عشر كيلاً في الاتجاه الشرقي ، مما يلي خميس مشيط واشتبكت القوتان في معركة شعواء ، بدأت بظهر يوم الأربعاء من النصف من شهر شوال عام 1338هـ وانتهت بيوم الخميس ثاني يوم المعركة، وعلم الأمير عبدالعزيز وهو لا يزال في حجلا على أرض المعركة أن الإخوان ومن لف حولهم من مبتغي المغانم والسلب والنهب زحفوا ليلا إلى مدينة أبها ، فأرسل خلفهم قوة من أهل الخيل تمنعهم من دخول مدينة أبها ليلاً حتى الصباح ، ثم واصل سموه زحفه ليلاً صوب مدينة أبها([135]) خوفاً على السكان ، وعندما وصل مشارف المدينة أرسل كلمته المدوية في الجموع الحاشدة من مبتغي السلب قائلاً : " ليكن لديكم معلوماً أنني ما جئت إلى أبها لقصد إراقة الدماء ، وإنما جئت داعياً إلى الله ، فعليكم لزوم أماكنكم حتى صباح غد ، فإذا وضح النهار وأهل أبها في حالة حرب فالله المستعان ، وإن هم مسالمون فالحمد لله وهذا الذي نبيه" وعندما طلع الصبح من يوم الجمعة ثالث يوم الحرب تم التسليم ، والفضل يعود لله ثم للأمير عبدالعزيز بن مساعد ، ودخل سموه قصر شدا معلناً إنهاء حالة الحرب ، فتوافد الناس إلى أبها معلنين البيعة للإمام عبدالعزيز، وهكذا من تلك اللحظة أصبحت منطقة عسير السراة من ملحقات نجد.
أما عسير تهامة بما فيهم رجال ألمع القبيلة الكبيرة في تهامة فقد بقي الجميع على ولائهم للإدريسي([137]).
وقد سافر الأمير حسن بن علي بن محمد وأقاربه إلى الرياض لتقديم البيعة للإمام عبدالعزيز ، ثم طلبوا العودة إلى أبها فوافقهم الإمام ، وعرض على الأمير حسن إعادته في إمارة عسير فمنع ولكنه وعد بأن يكون عوناً للأمير الذي ينصبه الإمام عبدالعزيز ، وقد بقي الأمير عبدالعزيز بن مساعد في أبها لترتيب أمر البلاد ، وحل مشاكل المنطقة وفقاً للمصلحة ، وفي صفر عام 1339هـ وردت إلى سموه الأوامر من الإمام عبدالعزيز يطلب إليه العودة إلى الرياض بعد أن يكون قد استكمل الترتيبات التي تكفل استقرار الأمن في البلاد([138]).
وفي النصف من عام 1339هـ عاد حسن بن عائض وأقاربه إلى عسير ، واعتصم حسن بن عائض في قصره بالحرملة ، وبقي ابن عمه محمد بن عبدالرحمن آل عائض في أبها ، وكانت سيرته حسنة مع الطارفة السعودية ، أما حسن بن علي آل عائض فقد قاد حملة([139]) عسكرية من أنصاره وهاجم الحامية السعودية في قصر شدا بأبها ، وشدد الحصار عليها حتى استسلمت صلحاً ، وخرجت الحامية السعودية من أبها إلى بلاد شهران ، واستقبلها بن مشيط وأنزلها في قصره ، كما استقبلها عبدالوهاب أبو ملحة وقام بما يلزم للحامية السعودية ، ثم كتب كل من سعيد بن مشيط وعبدالوهاب إلى الإمام عبدالعزيز بحقيقة مصير الحامية ، واستحثاه في إرسال قوة تعيد الأمن إلى نصابه في البلاد([140]).
السلطان عبدالعزيز يبعث جيشاً بقيادة ابنه فيصل لاستكمال تثبيت الأمن في عسير:
وبعد فتح حائل في شوال عام 1340هـ / حزيران عام 1922م بعث الإمام عبدالعزيز نجله الأمير فيصل لإعادة الأمن في عسير ، وزحف الأمير فيصل من الرياض في جيش قوامه ستة آلاف مقاتل عن طريق رنية فبيشة ، وذلك في شوال عام 1340هـ، ثم والى زحفه إلى خميس مشيط ، وكان محمد بن عبدالرحمن آل عائض معسكراً في وادي عتـــــود بالخميس ، فتقهقر إلى أبهــــــا ثم خرج من أبهـــــا ولحق بابن عمه حسن آل عائض الذي كان قد تراجع إلى قصره بالحرملة في أغوار تهامة([141]).
وقد والى الأمير فيصل زحفه إلى أبها ، فدخلها سلماً وأعاد الأمن إلى نصابه ، وذلك في شهر محرم عام 1341هـ ، وقد بقي في أبها ستة أشهر لترتيب أمورها ، واستكمال وسائل الأمن في البلاد ، واستقبال الأهلين الذين توافدوا لتقديم البيعة للإمام عبدالعزيز([142]).
أما الأمير حسن بن عائض فقد سبق أن غادر مدينة أبها ، قبل أن يصل إليها الأمير فيصل معتصماً بمعقله بالحرملة الواقع بأغوار تهامة ، بيد أن الأمير فيصل لم يهمل أمره فقد بعث سرية راجلة لصعوبة الوصول إلى الحرملة ، وكان يقود السرية شيخ بني مغيد في ذات الوقت المدعو علي بن مشببة ، وواصلت السرية سيرها إلى الحرملة بيد أنها لم تجد الأمير حسن في معقله ، حيث غادر الحرملة متجهاً إلى قبيلة بني زيد من رجال ألمع التابعة للإدريسي ، وما أن علم الإدريسي بتواجد الأمير حسن برجال ألمع حتى أصدر أمره على عامله برجال ألمع السيد مصطفى النعمي بإلقاء القبض عليه وتسليمه للأمير فيصل بابها([143]).
إلا أن الأمير حسن تمكن من مغادرة بلاد رجال ألمع في جنح من الليل ، والتحق بالشريف حسين منضماً إلى القوات التي بعثها الشريف الحسين بن علي لإعادته بأبها.
وفي 20 جمادى الأولى عام 1341هـ غادر سموه الأمير فيصل أبها عائداَ إلى الرياض([144]) ، بعد أن أكمل وسائل الأمن في أبها ، وقد عين في إمارة أبها سعد بن عفيصان.
وقد انتهز الأمير حسن فرصة عودة الأمير فيصل إلى الرياض ، وزحف من بارق بالجيش الشريفي الذي كان بقيادة الشريف عبدالله بن حمزة والشريف راجح متجهاً إلى أبها عبر عقبة ساقين فسراة بني شهر تنومة فبللسمر([145]) ثم من بلاد بللحمر ، وعندما علم سعد بن عفيصان أمير أبها بتقدم الجيش الشريفي شكل جيشاً من أخوياه مع بعض القبائل سيما قحطان بقيادة ابنه سليمان وعلي بن دليم من قحطان ، والتقى الجيشان على سطح حضن المسوح شمال شعار ، وجرت بين الطرفين معركة شعواء سقط فيها عدة قتلى من الطرفين كان منهم قائد الجيش السعودي وعلي بن دليم وغيرهما ، وانهزم الجيش السعودي وتقدم الجيش الحجازي صوب أبها ، وأحاط أبها من التلال المحيطة بالمدينة ، ولم تقاوم المدينة ونصب الجيش الحجازي([146]) مدافعه على رؤوس التلال ، وأخذ يقصف قصر شدا بشدة ، ودام الحصار مدة عشرين يوماً ، وأوشك المحاصرون على الاستسلام لولا أن جيشاً سعودياً وصل خميس مشيط بقيادة خالد بن جامع العتيبي ومحمد بن جيفان ، ويقال أن حقيقة الأمر أن الشريف حسين أمر قواته التي تحاصر القوة السعودية بالعودة للدفاع عن الطائف من هجوم القوات السعودية الممثلة في الإخوان ، والتي بات دخولها الطائف وشيكاً([147]).
وتراجع الجيش الحجازي عن أبها من حيث أتى ، وبعد فترة توفي أمير أبها سعد بن عفيصان فَعُيّنَ بدلاً عنه عبدالعزيز بن إبراهيم ، وكان لا يزال حسن بن عائض معتصماً في قصره الحرملة وتمكن أمير أبها عبدالعزيز بن إبراهيم([148]) من إقناعه بالتوجه إلى الإمام عبدالعزيز ، فتم له ذلك وبعثه وبني عمه في سرية من أخوياه إلى الرياض ، وقد حلوا ضيوفاً([149]) مكرمين على الإمام عبدالعزيز ، وفي عام 1357هـ توفي حسن بن علي بن محمد بن عائض بالرياض عن عمر يناهز 55 عاماً150 تقريباً يرحمه الله.
هذا ما ورد عن رواية الشيخ هاشم النعمي (تاريخ عسير في الماضي والحاضر)
وفي الحقيقه لم يرد ذكر الامير مترك ابن عشق ابن شفلوت في هذه الروايه