رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية
الحلقةالسابعة
كما أن لندن جميلة وتتنوع فيها مباهج الحياة، إلا أنها تعج بالنصابين والأفاقين وبعضهم حرام والله يكونون فيها، فهم يشوهون ديكور لندن الجميل ويسيئون للذوق العام. في أحد الأيام وأنا أتناول إفطار الصباح مع صديق يمني شمالي اسمه قاسم يدرس الطيران الحربي "أيام اليمن يمنين ونص" في محل شاورما بالكوينز واي الموجود بجانب محل التزلج على الثلج، وجلس بركن غير قصي عنا رجل بطيني ضخم يلبس ثوبا بني اللون وشبشب حمام وأنتم الكرامة، شكله كأنه طفل ضاع من أمه فكبر في مكانه ومع الزمن انتفخ حتى شاب شعره. أثناء تناول الشاورما الساخنة الملفوفة بالخبز العربي الحار والطازج ذي العبق الشهي والمحشو بمخلل الفلفل التفاحي اللون، لاحظت وأنا أتحدث مع قاسم عن فوز المنتخب السعودي لأول مرة بكأس آسيا، أن ذلك الشخص الغريب الشكل والأطوار والشبيه بشدة بالممثل الراحل محمد رضا مشغولا باستراق السمع منا ويرقب كل كلمة نتفوه بها، بل أنه عيناه جحظتا عندما قلت بأن شريط فيدو مباراة كأس آسيا والتي فاز فيها منتخبنا عام 84 سوف يصلني غدا من السعودية مع شحنة الطائرة العسكرية التي تأتي تباعاً للملحقية العسكرية في لندن. لم يكن هنالك قنوات فضائية ولا انترنت وكان المتداول في تلك الأيام الغابرة المغبرة هي أشرطة الفيديو من نوعي JVC و VHS، لذا لم يعد مسترق السمع يكتفي بالتلصص بل قفز من منضدته وهو يرفع طرف ثوبه تماما مثل الفنان محمد رضا، ودخل بكل ما أوتي من دفاشة معنا في الحديث وبدأ بتعريف نفسه أخوكم محمد رضا السكرتير الثاني في السفارة السعودية، منورين والله، مبروك فوز المنتخب، أنا وأنا وأنا ...وأخذ يعدد مناقبه وبطولاته التي خاضها في الأحلام لما صدع رأسي. وفي نهاية المطاف سأل عن شريط الفيديو وقال ممكن نشوفه سوا، قلت ممكن جدا، بس أنا أحتاج أن أشتري جهاز فيديو أولا لكي نتفرج عليه، رد قال أنا عندي فيدو، قلت حلو، أتيت بالشريط لاحقا حسب الاتفاق وأخذه مني وقال خلاص تجون في الليل الساعة 8 نتفرج. جات الساعة ثمان وطرقنا عليه باب شقته، كان يسكن العمارة التي فيها محل الشاورما فوق الاسكيتنق، لكن للأسف لم نجد إجابة، وراح اليوم الأول والثاني وما لقينا الأخ، أخيرا رأيته في المطعم وقلت وين يا عمي اختفيت، رد علي بكلام ما له علاقة بموضوعنا أبدا " أنت شفت أحد أطيب مني؟، آذيتك بشئ؟، وأضاف أنا خطيبتي في جدة ردت لي الساعة إلي أرسلتها في البريد هدية لها، وأظهر لي الساعة من جيبه حسبتها شباصة شعر من أبو ريالين،"، والله خلاني أنسى موضوع شريط الفيديو وقلت يا أخي هذي ساعة واحد يرسلها من لندن لخطيبته، المفروض تروح بوند ستريت، وإلا هارودز وتأخذ شيء مميز، وش ذي، نعن أبوك لو جدتي شرتها من سوق الصورايخ في جدة كان ما ركبتها سيارتي، هو ما صدق إنه ضيعني بالكلام، وقال خلاص بسمع نصيحتك وأروح اشتري لها ساعة الآن من بوند ستريت، مع السلامة. لكني استدركت إنه ما رد لي الشريط، وتأكدت انه أفاك أثيم، قلت كلمة واحدة بترد الشريط وإلا لا يا محمد يا رضا، قال "أصله علق في الجهاز والجهاز عند المصلح" ما خليته يكمل، وتركته يذلف وهو رافع ثوبه كأنه كرته ، بس عرفت وش دواه هالخرتيت.
في اليوم الثاني رحت للسفارة السعودية وقابلت السفير وقلت له على حكاية السكرتير الثاني وكيف شلح علينا شريط مباراة المنتخب، وأنه لم يعيد الشريط، تعجب السفير كيف من الممكن لسكرتير السفارة أن ينزل لهذا المستوى من التعامل مع الناس، لكن بحنكته وخبرته قال لي لا تنبس بشفة واتبعني نذهب لمكتبه، دلفنا لمكتب السكرتير الثاني المزعوم ورأيت إنسان يختلف تماما عن محمد رضا المأفون، رأيت إنسان محترم ومهذب اسمه سليمان المتروك، وقدمه السفير لي وقال، هذا الأستاذ سليمان سكرتير السفارة الثاني وهذا نديم ولد أبو نديم، تعارفنا وتبادلنا المجاملات ثم ما لبثنا أن عدنا لمكتب السفير، وقال لي بابتسامة تعلوها الشفقة علي، أكيد ليس الشخص الذي تبحث عنه، قلت طبعا وش جاب الثرى للثريا، هذا شكله محترم هذاك أصالا استغربت يكون سكرتير ثاني أو سكرتير في مدرسة، سألني ما عرفت اسمه أو أي شي يدل عليه، قلت اسمه محمد رضا، رد اش قلت، محمد رضا، الله لا يعطيه العافية، روح يا ابني انزل تحت في القبو وناده لي، نزلت وتحت الدرج لقيت محمد رضا لابس طاقية لها أذنين وفي أعلى الأذنين كرة صوف منتفة كي تقيه من قسوة البرد في القبو، وسرعان ما حاول الهروب مني عندما لمحني قادم إليه واتجه نحو حمام صغير يصنعه الانجليز عادة تحت الدرج أو يستخدم أحيانا كمخزن، تبسمت من شكله وهو يحاول الفرار وقلت تعال يا سكرتير الغفلة وكلم السفير يبيك ضروري، طلع ويقول أنت وش سويت، شكلك خربت بيتي، في ستين داهية المنتخب والشريط ووو، دخل على السفير وقال له جملتين فقط، نقلناك للعمل في غينيا بيساو بعد شهر جهز حالك، بس لا تنس ترجع الشريط لنديم قبل ما تسافر،،، ورجع الشريط لي في نفس اليوم مساءً، وأصبح محمد رضا يلطم ويولول ودعاني للعشاء في مطعم إيراني في أيرلز كورت وهي منطقة يسكن بها ويملكها الكثير من أخواننا من دولة قطر الحبيبة لقلبي، وطلب مني أن اشفع له عند السفير، كسر خاطري الصراحة ما كنت ناوي أسبب له أي أذية بس هو السبب. رحت للسفير بعد يومين وقلت له سامحه عشان خاطري، رد علي إلي سواه انتحال شخصية مهمة في السفارة وأنا ماني رايح أنقلة أنا عندي عجز في الموظفين، بس خليه يخاف شوي عشان يتوب، رحت بسرعة بشرته، وهو ما صدق راح لكبينة تلفونا لندن الحمراء واتصل على أمه الست فتو وقال يا ماما باركيلي، ماني رايح أكون سفير في غنيا، أنا بكمل سكرتير أول في السفارة في لندن!!!!!.[/size]