رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
جزاك الله خيرا اخي محمد وجلعني الله واياك وجميع المسلمين من المقبولين
__________________________________________________ _____________
ابشر ايها الصائم
الخطبة الأولى
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم سابغة وأسدى، نحمده سبحانه وهو الولي الحميد، ونتوب إليه جل شأنه، وهو التواب الرشيد . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع به نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحق شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فالتقوى زادٌ لدار القرار، وعون على شكر نعم الباري الغزار
ابشر ايها الصائم ابشر ايها المقبل على الله ابشر ايها التائب ابشر ايها الساجد الراكع ابشر فإن الله لن يضيع عملك
قال تعالى : ( افنجعل المسلمين كالمجرمين)
انت عبد لله انت حبيب الله انت محبوب في السماء وفي الارض انت الذي تتزين لك الجنة الآن لأنك عبد الله لأنك صمت من أجل الله لأنك تركت شهوتك من اجل الله لأنك امتثلت لأمر الله انت الغالي انت الموفق حينما تركت السمر والسهر على القنوات وعلى القيل والقال وصفيت مع اخوانك كما تصف الملائكة تستمع لكلام الله وتركع وتسجد في صلاة التراويح وتسابق الى الصف الأول وكتاب الله بين يديك قبل وبعد كل صلاة فمن على هذا المنبر اهنئك وأسأل الله ان يرزقني واياك وجميع المسلمين الاخلاص في الاقوال والاعمال
ايها الغالي من عرف الجنة ونعيمها رغب فيها وزهد في الدنيا ومتاعها الزائل.
عباد الله، هلموا إلى دار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبابها، ولا يتغير حسنها, هواؤها النسيم، وماؤها التسنيم, يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين, ويتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، دعواهم: سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها: سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
يا أمة محمد , يا عباد الله، أبشروا برحمة الله وفضله وجوده وإحسانه، ها هو شهر رمضان قد أقبل, شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران, ذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: "إذا حضر رمضان فابسطوا فيه بالنفقة، إن النفقة فيه مضاعفة". قال الحافظ ابن رجب غفر الله له: "الصائم في ليله ونهاره في عبادة، ويستجاب دعاؤه في صيامه وعند فطره, فهو في صيامه صائم صابر, وفي ليله طاعم شاكر". قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
في رمضان تقبل القلوب إلى بارئها جل وعلا, وفي الصيام تذل النفوس لربها وتسهل عليها الطاعات والقربات. كان بعض السلف صائما فوضع فطوره بين يديه، فسمع سائلا يقول: من يقرض المليء الوفي الغني جل جلاله؟ فقال ذاك الصائم: أنا أنا العبد المعدِم من الحسنات، فقام فأخذ الإناء فخرج به إلى السائل وبات وهو جائع. سلام من الله ورحمات على تلك النفوس المؤمنة المخبتة.
الصيام يشفع عند ربه فيقول: يا رب، منعته عن شهواته فشفعني فيه. وهذا لمن حفظ صومه وخاف ربه, وأما من ضيع صومه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فجدير أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني.
أبشروا معاشر المؤمنين المخبتين، فهذه أبواب الجنة الثمانية في هذا الشهر لأجلكم قد فتحت، ونسماتها على قلوب المؤمنين قد نفحت, وأبواب الجحيم كلها لأجلكم مغلقة، وأقدام إبليس وذريته من أجلكم موثقة. في هذا الشهر يفك الله من أسَرَه إبليس, قال الحسن البصري غفر الله له: "قال إبليس: أهلكت أمة محمد بالمعاصي، فقطعوا ظهري بالاستغفار، فأنيبوا إلى ربكم واستغفروا".
عباد الله، استقبلوا هذا الشهر بالتوبة والندم والانكسار والاستغفار، حاسبوا أنفسكم وتفكروا في حالكم ومآلكم, أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت. كان السلف يجتهدون في إتمام العمل وإتقانه, ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله يخافون أن يرد، هؤلاء هم الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة, قال علي : (كونوا لقبول العمل أشد اهتماما من منكم بالعمل؛ ألم تسمعوا قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]؟!)، قال عبد العزيز بن أبي رواد: "أدركتهم يجتهدون بالعمل الصالح, وإذا فعلوه وقع عليهم الهم؛ أيقبل منهم أم لا؟!".
يا أرباب الذنوب العظيمة، التوبة التوبة في هذه الأيام الكريمة, فما من واعظ ولا لها من قيمة، من يعتق فيها من النار فقد فاز فوزًا عظيمًا. ينبغي لمن يرجو العتق في شهر رمضان من نار جهنم بأن يأتي بأسباب توجب العتق من النيران, وهي ميسرة في هذا الشهر ولله الحمد والمنة, ومنها التوبة والاستغفار. قال الحسن البصري: "أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة", وقال لقمان لابنه: "يا بني، عود لسانك الاستغفار، فإن لله ساعات لا يرد فيه سائلا", قال عمر بن عبد العزيز: "قولوا كما قال أبوكم آدم: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] .وقولوا كما قال نوح عليه السلام: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ [هود:47]، وقولوا كما قال موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص:16], وقولوا كما قال ذو نون: لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]". كان بعض السلف إذا صلى صلاة كان يستغفر من تقصير فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه.
عباد الله، أنفع الاستغفار ما قارنته التوبة, فمن استغفر بلسانه وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد هذا الشهر المبارك فصومه عليه مردود، وباب التوبة عنه مسدود، إلا أن يشاء ربي شيئا, قال كعب: "من صام رمضان وهو يحدث نفسه إن فرغ من رمضان أنه لا يعود إلى العصيان دخل الجنة بغير مسألة".
عباد الله، لا تتعلق قلوبكم بشيء من المعاصي، واعلموا أن من ترك شيئًا لله عوضه خير منه، إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:70]. فوا أسفاه على زمان ضاع في غير طاعة الله، وا حسرتاه على تفريط في جنب الله عز وجل. الله أكبر، يقال لأهل الصيام والقيام يوم القيامة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24]. طالما تعبت أبدانهم من الجوع والقيام بين يدي الله جل جلاله، كَفّوا جوارحهم عن معصيته, ورتَّلوا كتابه ترتيلا, واستَعَدوا لما أمامهم، كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17، 18]. صيام بالنهار وقيام بالليل وتصبر على طاعة الله في أيام قلائل, فإذا هم أمنوا مما كانوا يخافون, وبحور الحسان في خيام اللؤلؤ يتنعمون, كانوا يفرحون بالليل إذا أقبل ليفوزوا بمناجاة الملك العلام، وبالنهار إذا جاء لأن الصيام لله وهو الذي يجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه, ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فيا أيها الغافل المفرط، ربح القوم وخسرت, وساروا إلى الله مسرعين وما سرت, وقاموا بالأوامر وضيعت ما به أمرت, تذكر قول ربنا عز وجل: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:68-71]. إذا اشتد خوف جميع الخلائق يوم القيامة نودوا بهذه الآية، فيرفع الناس رؤوسهم، فيقوم الذين آمنوا وكانوا مسلمين, وينكس الكفار رؤوسهم، ثم يقال للمؤمنين: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون. اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.
وعظ كعب عمر بن الخطاب فقال: "والذي نفسي بيده، إن لجهنم يوم القيامة زفرة، ولزفرتها لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيًا على ركبتيه يقول: نفسي نفسي، لا أملك إلا نفسي".
عباد الله، أبشروا وأملوا خيرا, جدوا واجتهدوا في طاعة الله في هذا الشهر الكريم. واعلموا أن ربنا رؤوف رحيم يقبل توبة المذنبين ويعظم الأجر للمحسنين, يفرح بتوبة عبده إذا أناب إليه, سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة, البشائر في هذا الموسم العظيم كثيرة.
فأبشروا ـ عباد الله ـ بمغفرة الذنوب، إن من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. أبشروا بالعتق من النيران، فإن لله عتقاء من النار في رمضان, فنسأله أن يعتق رقابنا من النيران. أبشروا بالأجر العظيم من الرب الكريم, فإن القيام من الصبر والله عز وجل يقول: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]. أبشروا فإن الرسول يقول: ((من ختم له بصيام يوم دخل الجنة)). أبشروا بفضل وأجر القيام في رمضان، يقول رسول الله : ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)). وأبشروا بليلة خير من ألف شهر, يقول الخليل المصطفى : ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)). أبشروا فإن من فطر صائمًا فله مثل أجره، وعمرة في رمضان تعدل حجة مع رسول الله . فأملوا خيرًا، واجتهدوا في طاعة الله عز وجل، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له، واغتنموا الليل والنهار قبل حلول الأجل ومفارقة دار العمل، وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10، 11].
ومع هذا الفضل العظيم من الكريم المنان فليحذر العبد من أن يكون من المبعدين المطرودين عن رحمة الله. في ذلك الشهر الكريم أناس حل بهم سخط ربنا جل وعلا, ألم تسمعوا قول رسول الله : ((رغم أنف رجل أدرك رمضان ولم يغفر له)). آه أنت في شهر رمضان ما تبت ولا أنبت, ولا ندمت ولا استغفرت، ولا تعرضت لنفحات الله جل وعلا, ذنوبك هي هي، بل قد زادت في شهر العتق من النيران, فأين الحياء والخوف من الله عند ذاك الذي يسمع ما حرمه ربه عليه في شهر رمضان أو يطلق بصره في اللذات المستقذرة أو يلبس ويبيع الحرام في شهر رمضان؟! أقوام لا خافت ولا وجلت قلوبهم، يمني أحدهم نفسه بالعصيان بعد انقضاء رمضان, يصوم أحدهم عما أحل الله من المآكل والمشارب، ثم يقدم على حرمات الله، فأي تناقض هذا؟! والله ما شرع الصيام إلا لحكم عظيمة، منها ما ذكره الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
اعلم ـ أخي ـ أنك ميت وتنتقل من هذه الدنيا الفانية إلى حفرة موحشة، لا ينجيك من أهوالها إلا رحمة الله والعمل الصالح والإقبال على طاعة الله جل وعلا, أترضى أن تكون من أهل جهنم من قال الله فيهم: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون:104]؟! أترضى أن تكون جبارًا عنيدًا مبارزًا لله بالعصيان؟! وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:15-17]. إن كنت لا ترضى ـ وهذا الظن بك ـ فلا تمكن الهوى ولا تمكن عدو الله إبليس من نفسك، وحاسب نفسك، وتخيل موقفك بين يدي الله جل وعلا وحيدًا فريدًا عريانًا حافيًا، فتنظر عن يمينك فلا ترى إلا ما قدمت، وتنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت، وتنظر بين يديك فإذا جهنم تحطم بعضها بعضا، وفي هذه اللحظات المفزعة طرق سمعك صوت الجبار جل جلاله, وسألك عما قدمت يداك، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:23-26]. فإلى متى الغفلة؟! إلى متى؟! إلى أن يحضر الأجل وعندها تقول: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99، 100]. في هذه اللحظة لا تقبل التوبة، وأنى لك الأوبة؟! أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ [فاطر:37].
فيا أمة محمد ، إن باب التوبة مفتوح، من تاب تاب الله عليه وقربه, ومن تبع هواه فلا يلومن إلا نفسه، يقول الله جل وعلا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126].
وكان أبو ذر يقول: (أيها الناس، إني لكم ناصح، وإني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا في الدنيا لحشر يوم النشور, وتصدقوا مخافة يوم عسير). وكان الأسود بن يزيد يكثر الصوم حتى ذهبت إحدى عينيه من ذلك, فإذا قيل له: لم تعذب جسدك؟! يقول: إنما أريد راحته. ولما حضر الموت عامر بن عبد قيس جعل يبكي، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وعلى قيام الليل في الشتاء. وحضرت الوفاة أحد الصالحين فجزع جزعًا شديدًا وبكى بكاءً شديدًا, فقيل له في ذلك فقال: ما أبكي إلا على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم, ويصلي المصلون لله ولست فيهم, ويذكره الذاكرون ولست فيهم، فذالك الذي أبكاني. ودعا قوم رجلا إلى طعام فقال: إني صائم، فقالوا: أفطر اليوم وصم غدًا، فقال: من يضمن لي أن أدرك غدًا؟! وكان علي يقول: (ألا إن الصيام ليس من الطعام والشراب، ولكن من الكذب واللغو الباطل). وقال جابر بن عبد الله: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك من الكذب والمحارم, ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك). ولقد روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله أنه قال: ((كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر))، وخرجه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
معاشر المؤمنين، يستحب للصائم الإكثار من العبادات في هذا الشهر الكريم, فإنه موسم فاضل, قال ابن القيم غفر الله له: "وكان من هديه في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات, فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان, وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة, وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف", صلوات الله عليه وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار.
اللهم نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
عباد الله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم احاديث عدة في فضل الصيام وعِظم أجر أهله، فمن ذلك أن الله خصّ الصائمين بابا من أبواب الجنة لا يدخل منه غيرهم, ولقد خرج الشيخان في صحيحيهما من حديث سهل عن النبي قال: ((إن في الجنة باب يقال له: الريان، يدخل فيه الصائمون يوم القيامة, لا يدخل منه أحد غيرهم, يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فلا يدخله أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد))، وزاد النسائي في آخره: ((ومن دخل فيه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا)).
ومن فضائله أن الصوم جنة من الشهوات، لقول النبي : ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) متفق عليه.
ومنها أن الصوم جنة من النار، لقوله : ((قال ربنا عز وجل: الصيام جنة، يستجن بها العبد من النار، وهو لي وأنا أجزي به)) قال المنذري: "رواه أحمد بإسناد حسن". وقال : ((من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا)) خرجاه في الصحيحين.
ومنها أن الصوم سبيل إلى الجنة، لحديث جابر أن رجلاً سأل رسول الله فقال: أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك أأدخل الجنة؟ قال: ((نعم)), فقال الرجل: فوالله، لا أزيد على ذلك شيئًا. خرجه مسلم.
ومنها أن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، لقول النبي : ((الصيام والقرآن يشفعان عن العبد يوم القيامة, يقول الصيام: أي ربي، منعته الطعام والشهوات في النهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)) خرجه الإمام أحمد.
ومنها أن أجر الصائم بغير حساب، وخلوف فمه أطيب عند الله من ريح المسك، لقوله : ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: أني امرؤٌ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) متفق عليه.
ومنها أن الصوم كفارة للذنوب، لقوله : ((فتنة الرجل في أهله وماله وجاره يكفرها الصلاة والصيام والصدقة)) متفق عليه، وفي صحيح مسلم مرفوعًا: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)). فالله الحمد والمنة.
أما شهر رمضان فله فضائل كثيرة ولله الحمد، منها أنه شهر القرآن، فإنه أنزل فيه، كما قال ربنا جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
ومنها فتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران وتصفيد الشياطين، كل ذلك في هذا الشهر المبارك, قال رسول الله : ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء))، وفي رواية: ((فتحت أبواب الجنة))، وفي أخرى: ((أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)) خرجه الإمام مسلم، وعند الترمذي: ((وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة)).
ومنها أن فيه ليلة هي خير من ألف شهر، يقول رسول الله : ((أتاكم شهر رمضان مبارك, فرض الله عليكم صيامه, تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين, فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها قد حرم)) خرجه الإمام أحمد في مسنده.
ومنها غفران الذنوب، لقوله : ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه، وقال : ((رغم أنف رجل ذكرت عنده ولم يصل علي, ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له)) خرجه الإمام الترمذي.
ومن فضائله العتق من النيران أجارنا الله منها، لقوله : ((إن لله عند كل فطر عتقاء, وذلك في كل ليلة)) رواه ابن ماجه.
يا أمة محمد ، إن من الذنوب العظام الفطر في رمضان بدون عذر، فإنه من كبائر الذنوب، وصاحبه متوعد بالعذاب الأليم، قال أبو أمامه : سمعت رسول الله يقول: ((بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي ـ أي: عضدي ـ، فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا: اصعد، حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا بي بصوت شديد فقلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشقّقة أشداقهم ـ الشدق: جانب الفم ـ تسيل أشداقهم دمًا، قلت: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلّةِ صَومِهم)) رواه النسائي في الكبرى والحاكم
اللهم تقبل منا الصيام والقيام واختم لنا هذا الشهر بالغفران
عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه00000000000 الدعاء
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 27-08-2009 الساعة 03:00 PM