مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية


ملتقى الكتاب والمؤلفين خاص بما تخطه اقلام كُتْاب الموقع

إضافة رد
قديم 16-07-2010, 05:06 PM
  #91
منصور العبدالله
مـــراقــــب
 الصورة الرمزية منصور العبدالله
تاريخ التسجيل: Jun 2005
الدولة: أمجاد الرياض
المشاركات: 11,034
منصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

اشكرك اخوي مشاري بن نملان


على حرصك ومتابعتك الدائمة


مشرف رائع ويعمل رائع ويكتب روائع


وفقك الله
__________________



اللهم أرحم والدتي ..وأجعل قبرها روضه من رياض الجنه..واسكنها جناتك
منصور العبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-08-2010, 08:24 AM
  #92
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

الحلقة العشرون

وبعد أن نجحت خطتي في مع الشريرة مليكة وتمكنت بمساعدة قاسم وفارس وحمدي انقاذ تاجر الشعير المتهور "معاشي" من براثن تلك الساحرة الشمطاء، دخلت مزاجي شغلة "الهيئة" وعرفت إنها شغلة مسلية وبسيطة لا تحتاج إلى High Tech أو أية مؤهلات،،، فأصبحت"والله وتالله وبالله " ،،،،، لا ،،،لا،،، صدق والله ما أكذب عليكم،،، أصبحت، بل أني أمسيت كذلك آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر في مدينة الضباب لندن ،،، وركزت في البداية عمليات المداهمة في الفترة الصباحية في شارع الكوينز واي الشارع الذي أسكن فيه، وخاصة عند بار "برنس الفرد" المقابل لسوق "الوايت ليز" الذي كان مغلقاً تلك الأيام وحيث يكثر الإختلاط والخلوة المشبوهة،



،، ،،، أما فترة المساء فركزت أكثر على شارع الإدجوررود في طريق عودتي من زيارة أخي اليومية ولوجود الكثير من العرب يتجولون بثيابهم البالية وهم صيد ثمين للغواني،،،،،. والذي شجعني لذلك هو عدة عوامل ،، دينية في أساسها plus، لقافة،، وشباب،،وحب التسلط،،، وقد كنت محظوظاً "كرجل حسبة تحت التمرين" عندما تزامنت مبادرتي مع ظهور مرض خطير وفتاك في تلك الحقبة من الزمان الغابر،،، ألا وهو إكتشاف مرض "الإيدز" لأول مرة وانتشاره كوباء مع بداية العام 1985، حيث أصبح المرض الشغل للصحافة البريطانية والعربية ،،، وحديث الساعة لكل إثنين إجتمعا صدفة أو على ميعاد في لندن



وللحقيقة وللتاريخ، فقد كنت محتسباً واقعياً في فرض تلك الشعيرة المهمة،،، فطبقتها على العرب والمسلمين،، ولم أكره اليهود ومن هاودهم والنصارى ومن ناصرهم،،،ولا أصحاب الديانات الوثنية الأخرى كالبوذية والهندوسية والتوسيمية التي تعج بها لندن ،،،،،، فقد كنت في جولاتي الميدانية أسير راجلاً وبدون "الجمس" في إدجوررود مثلاً،، ،،،وعندما أرى غانية تتحدث مع خليجي أبله،،،،، أختلي بالخليجي فأخبره بأن هذه الفتاة مريضة بالإيدز ومن الأفضل له أن يبتعد عنها ليحفظ نفسه من الهلاك وغضب الله عليه أيضاً،،،، فيكفهر وجه الأبله ويشكرني من أعماق قلبه،،، ويتوارى سريعاً من المكان،،،، أما الفتاة فإن تلكأت،، وحاولت الاستفسار عن سبب لقافتي، وتطفيش الزبون،،، فأخبرها بكل ثقة بأني قد خدمتها من حيث لا تدري،،، فالشخص الذي كان في معيتها قبل قليل، ماهو إلا رجل يعاني من إنفصام الشخصية وسفاح هارب من حكم صادر غيابياً ضده في بلاده وقد يتحول من شخص وديع إلى وحش كاسر في أية لحظة معاها،،،وقد أخبرته بأنك أنت من الشرطة السرية البريطانية لكي يدعك وشأنك،،، وهذا يفسر فراره السريع منك،،،،،..............وكما أذكر الآن،،، فقد نجحت هذه الفكرة لدرجة لا بأس بها في بدايتها وحميت الفضيلة ما استطعت لذلك سبيلاً في "زون وان،،،منطقة رقم واحد في لندن"،،،،،ولكن بعد مدة قصيرة، أقل من أسبوعين فقط وللأسف الشديد،، انكشف أمري،،،وتأكد الجميع بأني لست بعضو رسمي في الهيئة ولكني متعاون غير شرعي معها،،،ولا أتبع لأي من المراكز الرسمية ،، ولا حتى هيئة حفر الباطن،، أو هيئة طبرجل ،،،فطفقت الغانيات يحذرني من التدخل في شؤونهن وتطفيش الزبائن،، وإلا فإن عقابي سيكون قاسي جداً،،،،،،،،،،،،،، وفي الحقيقة أذكر أني في محاولة يائسة للمضي قدماً في المشروع النبيل،، أن جربت تغيير في الخطة وتحسين نوعية الخدمات التي أقدمها بالمجان،،لتكون الجودة أشمل،،،فأدخلت بعض التعديلات فأضفت إلى نشاطي الحسبوي،، مهمة أخرى وهي مكافحة التسول ،،، "والله ما أكذب عليكم "، فكنت أصد جميع من يحاول من الشحاتين العرب أن ينصب على الخليجين ويطلبون منهم أموال كمساعدة بحجة ضيق ذات اليد والرجل،،،،، وقد كان جل الشحاتين الذين لاحقتهم بلا هوادة،،وأصبحت حقنة لهم بمعنى الكلمة،،،، وأطلع لهم من تحت الأرض قبل أن يخرج الخليجي يده من جيبه فيمد لهم الدراهم،،، فهم شاحتين دجالين ونصابين درجة أولى،،، ينصبون على الخليجي الغشيم الذي يسير عادة كالفقمة في شوارع لندن،،، خليجي بداية الثمانينات التعيس الأبله،، الذي هبطت عليه الثروة فجأة فوجد نفسه بين ليلة وضحاها في فندق الدروشستر الوثير يتنعم بالحياة الباذخة ،،،،،،أذكر مرة حكاية خليجي قديمة،،وصل لندن عام 85،،ونظراً لإسلوبه الدفش وقلة ثقافته بأن عاملة موظفي الفندق بقليل من الإحترام ،،،بل بالإحتقار الشديد،،،،فقام من شدة غيضة فأشترى الفندق ليس لأن الصفقة مربحة ولكن عناد ونكاية بالعاملين الذين لم يعطوه وجه،،،واحتقروه،،، وقد كتبت الصحافة البريطانية في حينه الكثير عن ذلك الخليجي محدث النعمة،،،،،ما علينا،،،نرجع للشحاتين،،،،،،، فقد كنت أرى هؤلاء الشحاتين لاحقاً،،، وبعد ساعات دوامهم الرسمية،،، من خلال حياتي اليومية وهم يتسوقون من نفس المحلات التي أتسوق منها،،، ويأكلون من نفس المطاعم الجميلة التي آكل فيها، بس الفرق أنهم يأخذون الطلب سفري،،، مستعجلين حسبي الله عليهم عشان لا يطيرون الزباين،،،،،،،،،،،لذلك كنت متأكد بأنهم نصابين،،، فكنت أحذر الخليجين منهم في كل شارع،، وعند كل مطعم أو مقهى،،،...............ولكن عندما طفح الكيل بغانيات لندن وشحاتيها من العرب المستعربة،،، اتحدوا جميعاً وكونوا "حلف الفجار" ضدي،،، فأحاطوا بي يوماً ما بجوار "ملهى الرمال" في ادجورروود،، والذي كان يعود ملكيته للفنانة الكويتية المعتزلة "ليلى عبد العزيز"،، ومن أشهر أغانيها القديمة الجميلة ،،،"وش علامك يالاسمرانيه، وأغنية يامسافر سلملي على الكويت ، وكذلك، أستحلفك بالله ما تسيبني بحالي" وكانت تعلق صورتها أمام الملهى طول مدة بقائي في لندن وهي ترتدي "الهامة"،، وهو الذهب الخليجي الذي يوضع فوق الرأس ويتدلى مثل خصلات الشعر"،،، الفنانة ليلى اعتزلت الغناء الآن وهي تعيش في جدة مع ابنتها،،، والكزينو اندثر الآن وتحول إلى "كازينو رنوش"،،، بجوار مطعم رنوش كذلك،،، الملاصق للكوافير النسائي اللبناني حالياً,,,, المهم يا أحبتي،،،،،، تحلق حولي الشحاتين من كل صنف والغانيات من كل لون،،، فإذا نظرت نحو اليمين،،نحو الشحاتين،،، فتنسد نفسي من الوجيه الكالحة القذرة والشعور المنكوشة والملابس الممزقة،،كأنهم خاريجين من تحت أنقاض عمارة هوت على رؤوسهم،،، لكن إن نظرت ناحية الشمال،، فأشاهد أحلى الخصوم بعيون كحيلة وجمال مغربي آسر وفتان،،، وفساتين سهرة براقة وروائح عطرية جذابة،،، فأسقط بيدي كيف يمكن أن أتعامل مع نقيضين في وقت واحد،، وأية لغة يمكن أن تحاجج وتلاجج هذا الجمع المتنافر،،،،،،،، وأدركت أني في معضلة وورطة لايمكن حلها ،،، وعذرت والله رجال الحسبة عندما يقعون في مواقف لا يحسدون عليها،، كما رأيت لاحقاً ً في الملاهي والمنتزهات عندما يتعارك رجال الحسبة وتدخل النساء والولدان في المناوشات الدائرة ويحمى وطيس الصولة الجهادية،،،،،،،،، بيد أن إحدى الغانيات إنبرت فقالت لي بكل وقاحة،،،،يا أخي "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق،،،، بتتركنا نشوف رزقنا وإلا بنتصرف معاك تصرف ثاني"،،، صمت لبرهة ثم أطلقت ضحكة بلهاء وصفراء،، لا معنى لها وأكدت لهم بأنني كنت أتسلى فقط بالتخريب عليهم،،، وتماديت بفعلتي التي فعلت عندما أعجبتني التجربة،،، خاصة وأن الجميع كان ينصاع لأوامري بطريقة غريبة،،، بس خلاص،، توبة،،،، والله توبة ما عاد أعودها مرة ثانية،،، وقررت الإنساحب وتوديع المهنة إلى مالا رجعة واعتذرت من الغانيات بأدب جم والدعاء لهم بالستر وأن يتوب الله عليهم،،، ثم أدرت بصري نحو الشحاتين وبصقت في وجيهم،،، لأن الغانيات أشرف منهم ألف مرة،،، وسرعان ما قدمت استقالتي من فوري إلى نفسي وقبلتها دون تردد،،،،وبناءً على طلبي كما جرت العادة،،، وتركت اللقافة التي لم أجني منها سوى التسلية ومضيعة الوقت ،،،،،. ولكن بقي شيء واحد مهم للغاية،،وذلك لحفظ الحقوق الأدبية الخاصة بي،،، وهو أنه إذا ما قدر الله عز وجل،،،ودخلت جحافل القوات السلفية المؤزة إلى لندن وافتتحتها وضمتها كولاية تابعة لأمة الإسلام،،، بمساندة من الطابور الإسلامي الخامس الذي تغلغل وعشعش في بريطانيا منذ زمن،،،،، ولا أستبعد أن يكون عام الحسم بحدود العام 2040 على أبعد تقدير، أن تنسب لي وبكل تواضع أنا محدثكم "نديم الهوى" بأني أنا أول من أقام شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عقر دار الإمبريالية الغربية ،،لندن،،،،،على أن يسجل اسمي بالمحتسب الأول في سجلات "المملكة المتحدة الإسلامية"،، وحبذا لو كرمت بتمثال بسيط لن يكلف خزينة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،،فرع نايتس بردج" الكثير من المال،،، نظراً لوجود الأساس مبني وجاهز في ميدان الطرف الأغر "Trafalgar Square" ،،،، فيمكن فقط تحطيم تمثال الأدميرال اللورد نيلسون الذي يقع في أعلى السارية في ساحة الحمام أو سحبه بسلسة تربط في طرف صدام "جمس الهيئة الخلفي" لكي يهوى نحوى الأرض، ويستبدل بتمثال لي شخصياً وأنا أتمنطق بالبشت الملكي بدل جاكيت نلسون الكالح، وأستعيض بخيزرانة عليها القيمة،،،بدلاً من سيف الولد نيلسون الصديء المعقوف.



************************************************** *************************

في أحد الأيام كنت أعود أخي بعد أن أعددت له وجبة برياني أصفهاني تعلمتها من حمدي المصري الذي يعمل في مطعم رمضان،، كان الإنجليز يشمون رائحتها الشهية وأنا في طريقي إليه في قطار الأندرقراوند،،،،سالكاً خط السنترال لاين ذي اللون الأحمر،، من محطة كوينز واي، إلى محطة لانكستر قيت، ثم محطة ماربل آرش وأخيراً محطة أكسفورد ستريت التي تقع عند مفترق ريجنت ستريت واكسفورد ستريت، ومنها أكملت طريقي مشيا نحو هارلي ستريت كلنك،،وهي رحلة جميلة أحببتها لأنها أقرب للنزهة وفيها اشاهد يومياً أطياف غريبة وجميلة من البشر كل منهم ماضي لغايته ويبحر بهدوء في عالمه الخاص،،، وكان ركاب الأندرقراوند الإنجليز البيض في تلك الأيام يشكلون أكثر من 90% من عامة الركاب،،مع وجود القليل من الإنجليز السود من أصول أفريقية،،،، ولكن الآن عندما أركب الأندرقراوند أجد ان نسبة الإنجليز لا تصل حتى خمسين في المئة خاصة في منطقة السنتر،، فقد زاد الأسيوين بشدة،، والأفريقين والعرب الصينين وكل الملل،،،،...



عندما دخلت على أخي وجدت عنده شخص غريب الشكل واللباس،، فقد كان بدينا بالمرة وجاحظ العينين وشنباته مفتولة وفيه حمرة وترهقه سمرة،،، ويرتدي ثياب عربية لم أعتد رؤيتها من قبل،،، عرفت لاحقاً أنها عراقية،،، فثوبة رصاصي ذي لمعة،، مطرز عند الأكمام وعند الأزرار كمخدة قديمة،،، وعقاله سميك وشماغه أسود وأبيض،،، ويلبس بشت يسمى "خاجية"،،فحييته وتعرفت عليه وعرفني باسمه "طلفاح" وأخبرني أخي بأنه قريب لصدام حسين حاكم العراق السابق وأنه في زيارة لأحد أفراد عائلته الذين يتلقون العلاج في لندن،،،،كان الرجل ثرثاراً مهذاراً ويلهث طوال الوقت دون أن يحمل أحد على عاتقه شيء،، ويكثر الحديث في السياسة طوال الوقت الذي جالسته فيه،،، وذكر لنا قصص وحكايات طويلة عريضة،،،وأسماء لم أكن أعرفها في حينها،،،مثل ،،، نوري السعيد،، وعبد الكريم قاسم،،،،وشكري القوتلي،،،، ولكن أغرب شيء سمعته منه، لا فض فوه، بأن الرئيس جمال عبد الناصر، رحمه الله، أصله يهودي من جهة أمه،،،،. لذا لم أعره إهتماماً يذكر خاصة أنه أزعجني بصوته الجهوري ووقاحته وهذرته وكأنا في محاضرة سياسية،،، والي سد نفسي أكثر وجود غمص في كلتا عينية زاده دمامة على دمامته،، وأضنه مرض وليس غمص عادي يمكن أن يزول بغسل الوجه. وكان قد وصل لندن في نفس الفترة التي وصل فيها طلفاح،،كهل كويتي للعلاج يرافقه كهل آخر أكهل منه،،، المريض الكهل اسمه "فهيد" والمرافق "سعدون" انضما إلينا عند أخي وكانا سعيدين جداً بحديث السعدان "طلفاح" وهو يسرد عليهم بطولاته وتحليلاته السياسية لتاريخ كفاح العرب الحديث،،، "فهيد" المريض الكويتي أخبرنا طبيبه المعالج،،بأنه يحتاج فترة علاج لمدة 15 يوم فقط ثم يعود للكويت بسلامة الله،،، "سعدون" المرافق كان متقاعد من الجيش الكويتي،،، وكان يقول لنا كما أذكر،،،،"والله يا جماعة الخير إني دخلت العسكرية في الكويت وخدمت فيها ثلاثين سنة،،، وتقاعدت ولا أدري وش السالفة ولا عرفت شيء عن العسكرية" خخخخخخ ، والله ما ظلمته هذا كلامه بنفسه "الشاويش سعدون"،،،،،،،،، "...أما طلفاح" فكان فقد واصل حديثة حتى بدأ بالحديث عن اليهود،،فأخذ يشتمهم،،ويؤكد لنا بأن اليهود جبناء رعاديد،،، وأنهم يخشون مواجهة العرب كخشيتهم مواجة الأسود،،، فتدخلت بعد أن طفح بي الكيل من جهله المركب ،،، وبينت له أن الإنتقاص من الآخرين والنفخة الكذابة هي أهم أسباب هزائمنا المنكرة المتكررة ،،، واننا شعوب فالحة بس بالكلام،، وقد صدق من قال بأن "العرب ظاهرة صوتية" وعالة على الأمم،،،،،واسترسلت مستهزءاً ،،والله واضح إن كلامك صحيح يا شيخ طلفاح،،، والدليل حرب 48 إلي شردت نصف الفلسطينين وبعثرتهم بين دول العالم كلاجيئين إلى يوم الدين،،، و لا تنس ياحبي النكسة ،، وحرب الأيام الستة، ،، وأننا ونحن22 دولة ما عندنا غير الزعيق والنعيق الفاضي ولم نستطيع يوماً تركيع إسرائيل،،،،،،،،،،،،،،،فأحمرت عينا طلفاح وكادت تنفتق أزراره القيطان التي تكتم أنفاسه وتشد معدته المنتفخة،،،،،وقال بلهجة محذرة وبطريقة استعلائية وهو يشير بسبابته نحوي مهدداً ومتوعداً "ولك غاتي أنتبه على روحك هاالساع"،،،،، (غاتي كلمة عراقية أصلها تركي ومعناه يا باشا أو يا أمير)،،،، ،،،، يعني بالعربي "سكر فمك يا نديم إنت ما أنت قدي"،،، وهذي الجملة هي الشيء الوحيد الي استفدته من "طلفاح" في ذلك اليوم التعيس،،، وما زلت أرددها حتى اليوم عند المزاح مع أصدقائي... ،،لذا سحبت على طلفاح واستأذنت من أخي لأخرج من الجو الكئيبت واتجهت نحو غرفة الممرضات واستخدمت هاتف الممرضات واتصلت على جاكو وواعدتها في منطقة الليستر سكوير لنتانول طعام العشاء ومن ثم ذهبنا لمشاهدة فلم كانت دعايته في كل شارع وكل اندرقراوند وباص في تلك الأيام،،، واسمه The Woman in Red..أثناء العشاء وقبل مشاهدة الفيلم،،،،تحدثت مع جاكو عن طلفاح وعن نزقه وعنجهيته،،،، فلم تلق بالاً لما أقول،،،،،، ولم تشاركني الحماس في الحش فيه،،،،،،،،،،وبعد أن شاهدنا الفيلم الجميل خرجنا من السينما وكانت الساعة تشير للثانية صباحاً فبحثنا عن تاكسي لإيصال كل منا إلى شقته،،، فلم نجد تكسياً واحداً متوفراً ،،فكلها مشغولة بالزبائن السهارى،،،، فسرنا من شارع الهاي ماركت باتجاه البيكادلي سيركس،، ومن ثم إلى بيكاديلي ستريت،،،،، ونحن ما زلنا نتمنى أن نجد تاكسي فاضي من تكاسي لندن السوداء العتيقة التي حافظت على شكلها لمدة 75 سنة،،،قبل أن تبدأ بالتنازل عن لونها الأسود أولا،،، ومن ثم شكلها الخارجي،،، وأخيراً بتصديرها لمدن عالمية أخرى،،، وعادة إذا كان النور الذي يوجد فوق التاكسي مضاءً فذلك يعني بأن التاكسي متوفر للخدمة،،، وإن كان غير مضيء فذلك يعني أن التكسي محجوز أو خارج الخدمة،،،،، وهو ما حصل للأسف طوال الطريق معنا،،، فلم نجد تكسي واحد مضيء نوره تلك الليلة،،،،،،،ومن كثرة ما سرنا على أقدامنا باتجاه السكن في الكوينز واي،،، مررنا على "فندق ريتز" الفخم،،،


وكانت جاكو تلبس رداء أبيض كامل، بنطلون بقميص يظهر جمالها الفتان،، وتجذب أنظار كل المارة،،،حتى شباب الإنجليز،،،،وتذكرني رشاقتها الآن برشاقة الفنانة مريام فارس،،،، غير أن شعرها كان جميلاً وناعماً يغطي معظم جسدها وكأنها حورية بشعرها الطويل الذي ما يلبث أن يتطاير مع كل نسمة هواء لندنية باردة تداعبه،،،،،،،، وعندما اقتربنا من الفندق وصلت سيارتان فخمتان عند الباب الرئيسي ونزل منهما للمفاجأة "طلفاح" وكان لديه على ما يبدو حراسة ،،، فأخبرت جاكو بأن هذا هو طلفاح الذي حدثتها عنه أثناء العشاء،،،، فردت بصوت خافت،،،،،"يي دخيلك نديمو،،، شو مزوق هي "التفاح" رفيقك،،،شو عامل بحاله،، تجاهلت ما قالت خشية أن يسمعنا، وعند إقترابنا منه حييته بابتسامة عريضة ومتفائلة،،،، ولكن بحلق في جاكو وسالت سعابيلة،،،، ولو تعلمون ما ذا رد علي السخيف طلافيحو،،،،رد والله بأعلى صوته،،، "حي الله ها الطوايف" ودخل الفندق بعد أن ستر بطنه ببشته الأشلح،،،،،، تبا لك يا طلفاح،،، أهكذا ترد التحية،،، تابعت سيري وأنا قافلة معي من المشي والتكسي الذي نبحث عنه دون جدوى،،، وزاد البلة طينة الإهانة الموجهة من طلفاح،،، وكدت أعود له فأبصق في وجهة المغمص،،، ولكن جاكو منعتني وقالت ألا ترى البودي قاردز الذين حوله،،، عراقيين والله ليبسطونك في الأرض قبل أن تقدر أن تمس شعره من رأسه،،،،،،،،زعلت بالمرة،،، وأيقنت أن طلفاح قد رد لي الصاع صاعين،،، لأني لم أوافقه على أحاديثه السخيفة ظهر ذلك اليوم عند أخي في المستشفى،،،،،،،،طز فيك يا طلفاح وفي الليلة المهببة إلي شفتك فيها،،، وواصلنا سيرنا بعد ذلك لمدة ساعة ونصف حتى وصلنا عند الفجر للكوينز واي وودعت جاكو،،،ودخلت شقتي فصليت الفجر وسرعان ثم غطيت في نوم عميق حتى ظهر اليوم التالي.

وصلت لأخي في اليوم التالي وكان يوجد عنده الأستاذ عابد الذي يتعالج هو الآخر من سرطان الدم،،،،لكني أحسست أنهما ليس على ما يرام ،،، فأستفسرت من عابد ما الخطب،،،،،،فقال لي "فهيد يطلبك السماح"،،، لم أفهم معنى قوله،،، ولماذا فهيد الكويتي يطلبني السماح،،،،،فلا شيء بيني وبينه سوى الإحترام المتبادل،،،، ولكني استدركت وقلت تقصد "طلفاح" يطلبني السماح،،، أكيد خبركم عما حدث البارح وكيف جرحني برده الماصل،،،،،،خلاص مسامحة بس خليه يحل عني الله يرحم والديه،،،،لكن أخي قال لي "فهيد هو إلي يطلبك السماح مهو طلفاح،، إنت وش فيك مفهي،!!!!،،،،يعني فهيد توفي إلى رحمة الله،،، ويطلبك السماح،،، أي أنه في أمس الحاجة الآن من أي إنسان أن يسامحه" ،،،صدمت من هذا الخبر المفجع على بداية اليوم المهبب،،، فالرجل كان يجلس معنا بالأمس وهو في صحة جيدة وكان سعيداً وهو يحدثنا عن رحلات القنص التي قام بها في السودان وباكستان،،، وقد حدد الدكتور فترة علاجة لمدة 15 يوم ثم يعود بعدها للكويت،،،،،سبحان الله ،،، الله يرحمك يا فهيد ويغفر لك،،،،،،، ولما سألت أين هو الآن،،،قال لي عابد،،، في غرفته مغطى بالشرشف لأنها مات قبل أقل من ساعة،،،حتى مرافقه "لشاويش سعدون" لم يأت بعد ولا نعلم رقم هاتفه،،،، لاحول ولا قوة إلا بالله،،،،، ذهبت لغرفته المقابلة لنا ودخلتها وكانت خاوية إلا من سريرة وجسده مسجى ومغطى بالكامل بالشرشف،،،،اقتربت منه وجلاً فهذه أول مرة في حياتي أدخل على إنسان ميت وجثة مغطاة لا حياة فيها،،،، أزحت الغطاء بكل فضول وظهر وجهة النحيل وعيناه تحلقان في سقف الغرفة وهو صامت صمت سرمدي،،، فطفقت أدعو له بالرحمة وكنت أتمنى من أعماق قلبي أن يفيق وأن الأطباء قد أخطأوا في أنه قد مات،،،لكن لا شيء يقطع هدوءه التام وبرودة جسمه المتناهية،،،، وفجأة قطع سكون الغرفة صرير الباب الذي فتح بقوة ،، فزادت معه دقات قلبي،،،وظهرت الممرضة مسز قراث،،،،التي ضايقها وجودي مع الجثة،،،وأخبرتني أنه يتوجب علي ن أغادر الغرفة في الحال قبل أن يأتي المختصين لنقله لثلاجة المستشفى،،،،عدت لأخي فوجدت طلفاح قد وصل،، فقلت والله كملت القصة الحزينة،،، أصلا من يوم شفته وكل شيء متردي،،،،،لكن طلفاح أظهر لي شهامة ومواقف رجولية غيرت من نظرتي إليه للأبد،،،، فقد قام هو ومرافقيه البودي قاردز بإنهاء جميع الإجراءات المطلوبة من المستشفى الخاصة بالمرحوم فهيد،،، وقام بدفع المصاريف المترتبة لنقل جثته للثلاجة ودفع فاتورة المستشفى قبل وصول " الشاويش سعدون" الذي كان يغط في نوم عميق في شقته ايرلز كورت،،،. ولما وصل "الشاويش سعدون" صدم صدمة قوية هزته وأثرت على توازنه كما ظهر لنا،،، وحزن حزنا شديدا على فهيد،،، ،،لأنه لم يكن يتوقع أن يتوفى مرافقه بهذه السرعة ودون أية مقدمات،،،،،،،،،وبالرغم من أنه لا يعرف أية كلمة انجليزية،،، ولكن بسبب الصدمة بدأ يتكلم معهم بالعربي ويلعلع بأعلى صوته لمدة طويلة، احتجاجا ً وحزنا،، بل يأساً،،،وقد فهم الإنجليز كل ما قاله بسبب تعابيره الحزينة ،،،وليس بسبب ماقاله بالعربي الفصيح.

عند المساء،،، وبعد أن هدأت الأمور ودعت طلفاح وشكرته على حسن صنيعه وشهامته،،،،بيد أني توقفت قليلاً وسألته عن ليلة البارحة،،،، وقلت له لقد عدت يا طلفاح باشا متأخراً البارحة فأين قضيت ليلتك،،،، فأخبرني أنه قضاها في كزينو فكتوريا،،، وهو محل قمار شهير يلعب في العرب بالورق لعب،،، بالخمسين ألف باوند وبعضهم بأكثر من ذلك،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،بيد أنه عاود فسألني "كيف عرفت بأنه كان ساهراً ليلة البارحة"،،،، فأخبرته أني رأيته وهو ينزل نحو فندق ريتز،،، وأردفت،، يا شيخ طلفاح،،،أنا سلمت عليك البارحة ورديت على برد غريب زعلت منه بصراحة عندما قلت "حي الله ها الطوايف"،،،،،،،،،،،،عندها ضحك طلفاح بصوت جهوري وكح عشرين كحة وهو يلف سجارته العراقية عند باب المستشفى،، وقال " والله ما انتبهت لك يا نديم" خطية أنا كنت أباوع "أطالع" الفرس الأسمراني إلي كان وياك،،، حقك علي"،،،،،،،،،،،،،،،،وعندها عذرت طلفاح وأدركت أني ظلمته واستعجلت بالحكم عليه،،، لأنه لم يكن يقصد إهانتي،،،، فقد حسب أنني شخص غريب،، ،،،،،،،فتذكرت نكتة جاكو عندما رأته البارحة وقلت له هل تعلم ماذا سمتك جاكو السيدة التي كانت تسير معي البارحة،،،، قال ماذا سمتني،،، قلت تحسب أن اسمك "تفاح" وليس "طلفاح"،،،،،،،،فغضب طلفاح وأشار بسبابته نحوي مهدداً ومتوعداً "ولك غاتي أنتبه على روحك هاالساع"،،،،،
يتبع
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-08-2010, 05:58 AM
  #93
منصور العبدالله
مـــراقــــب
 الصورة الرمزية منصور العبدالله
تاريخ التسجيل: Jun 2005
الدولة: أمجاد الرياض
المشاركات: 11,034
منصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

السلام عليكم ورحمه الله


اهلا بك استاذنا الغالي نديم الهوى في حلقة من مذكراتة الشيقة


ونعرف من خلالها ان كاتبنا يحسن الطهي وبإتقان



اهلا بك كاتبنا نديم الهوى


وفقك الله ورعاك على سلسلة هذة المذكرات


استودعك الله استاذي الغالي



--------------------------------------------------------------------------------------------

أخوك / منصور العبدالله ( واااادي الغلاااااا )
__________________



اللهم أرحم والدتي ..وأجعل قبرها روضه من رياض الجنه..واسكنها جناتك
منصور العبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-08-2010, 12:04 AM
  #94
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

مرحبا يا أستاذ نديم الهوى ..

حلقة مميزة وأكثر من رائعة ..

رحم الله فهيد وغفر له ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-08-2010, 02:31 AM
  #95
شامانـ العاطفي
مـــراقــــب
 الصورة الرمزية شامانـ العاطفي
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: مثلث برمـودة
المشاركات: 5,176
شامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond reputeشامانـ العاطفي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

العضو المبدع نديم الهوى

يعطيك الف عافية على سرد مذكراتك الرائعة وأسلوبك الشيق

واستمر ومتابعين لك .
شامانـ العاطفي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 19-08-2010, 12:16 PM
  #96
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

الحلقة الواحد والعشرين

رغم مرور سنوات طويلة منذ أن وطئت قدماي لندن لأول مرة في العام 1984، وزياراتي المتعددة لها لاحقاً،،، وكذلك دراستي الجامعية فيها لنحو خمس سنوات متواصلة،،،، إلا أن الحنين إلى تلك الأيام الخوالي لازال متمكناً مني حتى هذه اللحظة،،،، ودوماً ما استسلم لأحلام اليقظة واستعيد شريط ذكرياتي وأنا أتجول في شوارعها العتيقة وحدائقها ومتاحفها،،،،،،وحاناتها ذات الطراز الفكتوري الذي يأسر الألباب،، والأماكن المتعددة في كل زاوية وشارع من منطقة وسط لندن والتي تعني لي شخصياً الشيء الكثير،،، لأني قد أكون تعرفت فيها على إنسان عزيز في ذاك المطعم،،، أو لهوت وتناجيت مع حبيب على شاطئ ذلك النهر الجاري،،،،أو ضحكت بجنون مرة،،،،وبكيت مرات بأنين وألم من لوعة فراق كوى أضلعي وأنا أسير وحيداً في ظلال أشجار الهايدبارك،،،، ففي تلك الفترة التي امتدت نحو سنة وأربعة أشهر وأنا أودع فيها آخر سنة من سنين المراهقة،،، تعلمت فيها ما ألم أتعلمه طوال سبعة عشر عاماً خلين من عمري غير المحسوب في السعودية،،،،،،فقد خرجت من مدينة الدمام ذات يوم صيفي مغبراً مصفراً ورأس مالي ومبلغ علمي ذكريات هشة هي مجموع ما سمعته في بوفية الميناء التي تجمع السلنتح أو بوفية عزيز التي تجمع لاعبي كرة القدم،،، وقبلها استراحة ريم في العدامة،،،أو استراحة سقراط في الخبر،،،، لم أذكر مدرستي هنا،، لأني لم أتعلم منها شيء قط،،، ولم تضف لي شيء لولا أني كنت ميالاً بطبعي للقراءة وعقلي يتساءل دوماً عن طبيعة الأشياء،،،،،،ولم أذكر أني استفدت من مدرسة الفيصل المتوسطة بالذات شيئاً أبداً سوى قصتين مأساويتان لم أنسهما أبداً،،، أولهما عندما ضحك علينا المدرسين النصابين وأكلونا مقلب وأخبرونا بأنه سيكون هنالك يوم مفتوح في أحد أيام الخميس لتنظيف المدرسة وزراعتها وتجميل مداخلها،،،،،وسوف يكرم الطلاب المشاركين والمميزين في الحفل بجوائز قيمة ودرجات إضافية نهاية السنة الدراسية،،،،،،،،،لم أكذب خبراً مع مجموعة من أصدقائي المقربين وحضرنا صباح الخميس مبكرين قبل حضور فرقة حسب الله للتدريس أو التدليس ،،لا فرق،،،، وبدأنا العمل مبكراً ننظف الأرض ونزيل الأحجار ونردم جحور الزواحف والعقارب ،،،ونزرع الأشجار وأكثرها فسائل نخل،،،، ويا له من نخل لم يقم له قائمة حتى يومنا هذا،،فما زال طوله نحو متر ونصف منذ ثلاثون سنة،،،،،،،واصلنا العمل خلال الضحى وحتى الظهيرة الحارقة عندما وصلنا لصخرة كبيرة جداً تتوسط فناء المدرسة،،،وطلب منا الأستاذ فرغلي الحفر تحتها لإخراجها من القاع وإزاحتها لأخر السور،، ،،،،،،حفرت حتى كل متني وجلست من الإرهاق والتعب وأنا مصمم على متابعة الحفر مع زملاء سذج مثلي،،،،وأثناء الحفر مر بعض رفاقنا الماصلين وقاموا بالانتقاص منا والضحك على إخلاصنا الذي لا طائل منه،،،،، وتوجهوا لقيلولة طويلة حتى آذان العصر داخل الفصول المكيفة يتقدمهم أحدهم وكانت عيارته "فسيو" عدم المؤاخذة،،، ،،،،،،وكنا في هذه الأثناء قد تمكنا بشق الأنفس من إزاحة الصخرة الضخمة إلى آخر سور المدرسة،،، واستعدينا للحصول على الجوائز والتكريم من قبل مدير المدرسة "عريج" وهيئة التدليس،،،،،وتفاجئنا والله العظيم بأن فسيوً "مدري يصلح منصوب الاسم بالتنوين دون الألف بسبب دخول إن أم لا" وشلته الماصلة هم من حصل على الجوائز والتكريم،،،فكل دقيقة ينادي الأستاذ فرغلي،،،،،،،الطالب المثالي "فسيو""" "تصفيق،،، وتهليل"""،، ثم الطالب صاحب الروح الرياضية "فسيو" ،،فرجل العام "فسيو"،،تصفيق،،، الله أكبر،،،،،تهليل،، والغريبة أن فسيواً "يمكن كذا منصوبة أدق"،،،لم يكتف بسرقة عرق الغلابة أمثالنا بل أنه في نهاية الحفل امسك الميكرفون وبدأ بالاستهزاء بنا نحن الملطخون بالطين المنتفين وأشكالنا كالمشردين أمام المدرسين الذين أبدوا إعجاباً بموهبته بالتنكيت علينا حنا عيال،،،،الكـلـــ،،،،،،،،وقد أعطي فسيواً كل ذلك لأنه كانت لدى والده محطة بانزين وكان يوزع لهم طوال السنة كوبونات مجانية لتعبئة سياراتهم الكحيانة،،،،،،،،،،،،،،،،،عندها حلفت وأقسمت بيني وبين نفسي بأني "لن أخلص في عمل سوف أؤديه ما حييت أبداً" بعد هذه الصدمة القوية في حياتي،،،،،ولكن مع مرور الزمن نسيت فسيو والمدلس فرغلي الذي كان دوماً يستلف القلم ولا يرده أبداً،،، ويجمع الوجبات المدرسية من الطلاب ويأكلها في عزبته،،، ودفعت كفارة يمين واستغفرت الله وعدت لطبعي الإخلاص وحب إتقان العمل حتى أتى يوماً وأخبرنا فرغلي بزهو كعادته في النصب بأن هنالك مسابقة جديدة لأجمل وأنظف فصل وسيكون "البرايم" تبعها بعد ثلاثة أشهر،،،،فطفقنا بتنظيف الفصل وعمل اللوحات الجميلة والديكورات الرائعة وأحضرت من وكالة أبي لتموين شركة هونداي بعض اللوحات والتحف المناسبة للفصل ووضعنها في كل ركن من الفصل حتى بدأ الفصل كأنه مدرسة انجليزية وبقية الفصول كعنابر مجانين،، ومن حين لآخر يأتي طلاب الفصول الأخرى وقت الاستراحة وينظرون من الباب بذهول نحو فصلنا،،،،بل أن أحدهم وعيارته "قرش قريش" قام عند الباب بخلع نعاله خارج الفصل ودخل حافياً...:"قرش قريش" كان مجنون بجد ولم يكتشف أنه مجنون حتى وصل مرحلة الثانوية وهذا يدل على أن المدرسة أصلاً لا تفرق بين إنشتاين أو إسماعيل ياسين،،،، ما علينا،،،فبعد ثلاثة أشهر إلا يوماً انصرفنا من المدرسة وكنا واثقين بأنا نحن الفائزون لأنه لغاية آخر يوم لم يهتم فصل من الفصول الأخرى بهذه المسابقة التي لا تعني لهم شيئاً،،،،ولكن عندما أتى اليوم المشهود يوم "البرايم" وكان يوماً مشئوما كذلك لأنه نفس اليوم الذي دخل فيه جهيمان واستحل الحرم المكي الشريف،،،،،،،،،،،،،،،،،ما قلت لكم ذكريات المدرسة كلها ماصلة،،،،،،، وفجأة في طابور الصباح صعد مدرس صعلوك كذاب اسمه بسيوني الحدق،،، فوق الدرج وأمسك الميكرفون وتمايل ذات اليمين والشمال وهز وسطه على صدى الميكرفون وهو يعلن بحبور وانشكاح ،،، بأن الصف الفائز بجائزة الأوسكار للنظافة والنظام والفصل المثالي هو فصل ثاني "ب"،،،،،نعم،،،،،نعم،يا ابن الكــ،،،، كيف ثاني "ب" يا صعلوك وحنا تركناه خرابة عند "الصرفه" في الأمس،،،،لكنه قدس الله سره أخبرنا بأن طلاب ثاني "ب" قد سهروا طوال الليل يعملون على تنظيم وتنظيف الفصل حتى الساعة الثانية ليلاً وبذلك تذهب الجائزة إليهم بالتزكية من مجموعة المدلسين الأفاكين خريجي خطة طه حسين "كيف تحصل على مدرس في خمسة أسابيع"،،،،،صدمت مرة أخرى وأنا لم أفق بعد من صدمة فسيو،،،فهؤلاء الأوغاد عملوا في آخر لحظة للفوز بالجائزة وليس بهدف جعل الفصل جميلاً طوال السنة كما هو مطلوب،،،،،،،،،،،،لكن ما زاد الطين بلة وزاد حنقي على هذه المدرسة التعيسة عندما وصلنا فصلنا "ثاني أ" بأن وجدنا أن اللوحات التي وضعنها لتزيين فصلنا والله قد سرقت بالإضافة للكثير من التحف وصحف الحائط،،، وألقي هنا وهناك بعض من القمامة،،،،،،،،،،،،،،،،والله حرام،،،،يعني اليهود ما يسون كذا،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وندمت على الكفارة التي دفعتها في المرة الأولى ،،،،،،،،،،،،فهل هذه مدرسة ممكن أن يستفيد منها أحد،،،،،،،،،الرأي لكم،،،،،،،،،،،،،،،،،، كما أني لم أذكر قبل مغادرتي مدينة الدمام سوى الحفريات التي تنتشر في كل شوارعها من حارة الدوغة، والعمامرة وسوق الحب،، والقزاز وعبد الله فؤاد،،،،والعدامة والناصرية،،، وش الناصرية،،، خمس بيوت والباقي مخازن شركات ،،،،،،،،،،،،،،كذلك لا أنس جريدة اليوم المليئة بإعلانات هروب العمال والتحذير شديد اللهجة من إيوائهم أو التستر عليهم،،، أو المواضيع التي تتحدث عن عمتكم النخلة،،وتطورات الحرب العراقية الإيرانية،،،،،،،،بالإضافة للحر طوال فصلين فقط في السنة لا يفرقهما سوى درجات الحرارة دون تغيير ملموس على البيئة المحيطة،،،،فحر حارق في الصيف أو برد قارص في الشتاء وكان الله غفوراً رحيماً ،،،،،وكل واحد يصلح سيارته،،،،،، وعندما يجن الليل يبدأ الشاب الوسيم سليمان العيسى بقراءة نشرة الأخبار المليئة بالاستقبالات، وكذلك "نفى مصدر مسئول ما أوردته وكالة رويتر بأن المملكة اشترت فاصوليا من الكيان الصهيوني!!!!!"،،، ثم تأتي درجات الحرارة ومقدمها التعيس العابس،،ليخبرنا عن درجات الحرارة آخر همنا في العبيلة،،، شواله،،، عرعر ،،،، ثم يعود الشاب الوسيم مرة أخرى سليمان العيسى بطلته البهية ليظهر متنكراً بأنه مع المواطن في برنامج "مع الناس"،، ويختم التلفاز برامجه بتقديم أسماء الصيدليات المناوبة لهذه الليلة ، فيغلق التلفاز باليد المجردة،،، لعدم وجود جهاز تحكم عن بعد،،،،،، فأعيش 17 عشر عاماً رتيبة مملة، بل عاماً واحد مكرر 17 مرة ،،،فلا يوم يفرق عن آخر،،،صورة كربونية مكررة وكئيبة.....،،،،،،،،،،،،،،لكن تلك الصورة اختلفت كلياً من الوهلة الأولى التي وصلت فيها لندن في نهاية صيف وبداية خريف العام 1984،،، فلقد رأيت لأول مرة الفصول الأربعة التي طالما قرأت عنها في الكتب التي كنت أقتنيها من مكتبة الحجاز أو مكتبة المتنبي،،،، فبعد أيام قليلة من وصولي لآخر يومين من شهر أغسطس،،،،،، أستدل الصيف اللندني ستارة وانفض سامره،،،، وبدأت رياح الخريف الموحشة تهب سريعاً كأنها تستقبلني بصفيرها الشجي الحزين ،،،،،فكنت أتعمد أن أسير وسط الرياح المتقلبة في حديقة كنجنستون بارك الملاصقة لشقة أخي لأتمتع بحفيف الأشجار الذي كان يسري في جسمي قشعريرة تكسب وجهي حيرة غريبة،،،،خاصة عندما اعتدت أن أعرج على فتاة غجرية غاية في الجمال تقف عند شجرة باسقة تحت نوافذ قصر الأميرة الراحلة دايانا الموجود في نفس الحديقة وتعزف على القيثارة سيمفونية "المونامور"،،، والتي عرفت لاحقاً أنها للمغني الفرنسي رتشرد أنتنيو،، كانت الفتاة الشقراء تربط رأسها بخيط ذهبي كذلك وتلبس لباس أبيض قصير رغم برودة الجو،،،،، تعزف بهدوء وسكينة في أجواء حالمة،،، وأوراق الأشجار التي تحولت إلى اللون الذهبي في الخريف تتساقط حولها قدميها فتحملها الرياح على أنغام موسيقاها نحو نهر السربنتاين أو تطير في الهواء فتحملها نسائم الخريف فتسافر بها نحو الريف الإنجليزي تاركة الأشجار خلفها جرداء وأشباح شامخة وسط عتمة الضباب،،،،،



خريف لندن


وبعد الخريف يأتي الشتاء متسللاً فيقصر النهار لخمس ساعات فقط وتهاجر الطيور الجزيرة البريطانية نحو جنوب الكرة الأرضية تاركة أعشاشها حول الأنهار وفوق الأشجار،،،قبل أن تهطل الثلوج فتكسي تلك الأشجار العارية والبيوت والأكواخ العتيقة ثلوجاً بيضاء صقيلة فتتحول الدنيا جلها بيضاء لا لون آخر فيها سوى زينة وأزياء الحسناوات الإنجليزيات من كنزات واشاربات وقلنسوات مزركشة وأبوات طويلة جذابة،،،،فتصبح الدنيا لوحة كبيرة متحركة صورها رسام عاشق للجمال والحياة،،،،،،،. عندما حل الشتاء أول مرة كنت قد انكفيت في الشقة بجوار جهاز التدفئة العتيق عندما رأيت الثلوج أول مرة وكأني كهل متقاعد من "مكتب مكافحة التسول" في انتظار الموت وبجانبي خير صديق للمتقاعدين "الوجار المليء بالجمر المتقد"،،، ولكني عند الصباح،،، رأيت الأطفال والكبار والنساء،،، بل حتى رجال البوليس يلهون بالثلوج ويتقاذفونه فيما بينهم،،،فتشجعت ونزلت وشاركتهم اللهو واللعب بالثلوج،،، ولم أعد للشقة إلا عندما أصبح جسمي في برودة دجاج الأخوين.
بعد الشتاء الرومانسي وفصل الأناقة للنساء الإنجليزيات،،،، يأتي الربيع مبشراً بالهواء الطلق العليل ،،، ولا تسألني عن ربيع لندن،،،لكن إن استطعت يوماً ما فأسل عينيك إن كنت تريد جواباً شافياً،،، فلو قدر لك وزرت لندن في الربيع ونظرت لشارع ساسكس قاردن المتفرع من ادجوررود والمتجه إلى بادنقتون ستيشن،،بعد الشتاء مباشرة وعند دخول فصل الربيع فسترى شارعاً أخراً لا علاقة له بالشارع أيام الشتاء،،، فهو قد تغير من ركن الإدجور رود وعلى مدى البصر،،،، لتبدو أطراف الأشجار مستدلة نحو الشارع بألوان زهرية ثم كحلية فحمراء فأقحوانية وبيضاء وصفراء،،،،،،،،،،،،،،،،وأشجار بكل ألوان الطيف مصطفة كعارضات أزياء سرياليات في الهواء الطلق،،،،،،،،،،،،كما تكون أوراقها الأخرى قد اكتست حلة خضراء يانعة وكأنها لمعت في "زيبارت لتلميع السيارات"،،،،




الأمير سلطان بسبب توقيع من يده الكريمة حصلت لي كل هذه الأحداث وتهت في لندن السبع توهات

أما صيفك يا لندن فكان قصة من قصص ألف ليلة وليلة وهو يحمل البشرى بقدوم خير أوان وأحلى الأيام ولقاء حبيب قبل الفراق،،،،،وياليت الدنيا كلها صيف لندن. فعندما يقرع الصيف اللندني أجراسه يطول النهار، فتشرق الشمس عند الثالثة صباحاً وتغرب عند الساعة العاشرة والنصف مساءً فتتهيأ للجميع ظروف استثنائية لمن أراد أن يتمتع بمقاهي لندن وحاناتها ومطاعمها وأنهارها وغاباتها والريف المحيط بها ورحلات اليوم الواحد إلى الضواحي المجاورة،،،ورؤية السياح الخليجين وجلهم من علية القوم تلك الأيام الذين اعتدت أن أراهم دوماً في وسائل الإعلام فقط،،،،وكلما سرت في الحدائق ترى الأطفال المرحين يلهون في الأراجيح والزحليقات والألعاب ،،، وآبائهم يجلسون بالقرب منهم بأناقة فوق سجادات مقلمة وبجانبهم حقيبة رحلات وبها عادة أجبان فرنسية ومربى وأنواع شتى من الخبز وعصائر مختلفة....
هذه الأجواء الجميلة والفصول المتغيرة بتباين واضح هي بيئة صحية للتأمل والهدوء واستقراء الحياة والتفاعل الإيجابي معها،،،،،،،،،،،كل تلك الفصول عشتها وأدركتها بحواسي الخمس لأول مرة في حياتي،، وغبطت الإنجليز على النعمة التي يرفلون بها وعلى جمالها ،، ولا عزاء لمن بكى من الفرحة عندما وجد فقعة عجفاء في ربيع النعيرية أو عرعر،،،أو ضاع عمره في مطاردة الجرابيع.
*****

وعندما حل صيف العام 1985، وقد مر على وجودي الآن نحو سنة في لندن،،،، كانت الأجواء منعشة ودافئة ومشجعة على الخروج والاستمتاع برؤية السياح يسيرون كالأمواج في الشوارع ويأتون من كل حدب وصوب،،، أو يتناولون الطعام ويكرعون الجعة خارج الحانات على طاولات صيفية رصت بكثرة خارج المحلات،،،،. سرت في غرة أغسطس وبرفقتي جاكو من منطقة الكوينز واي حتى ماربل آرتش ثم إستقلينا الأتوبيس الأحمر ذي الطابقين إلى منطقة الليستر سكوير والتي يوجد فيها سينما أوديون وكانت غايتنا هي مشاهدة فلم جمس بوند واسمه A View to a Kill، أو" نظرة للقتل"،،،،الذي بدأ عرضه للتو،،،،،،،في ذلك اليوم ذهبنا مبكراً في الظهر أو العصر،،،لا أعرف تحديداً أي وقت،،،لأن الظهر يؤذن نحو الساعة الثالثة والعصر 6:30 وكان الوقت نحو الرابعة،،، شاهدنا الفلم الذي صورت أكثر معالمه في باريس وشاركته البطولة الفنانة والمغنية وعارضة الأزياء المتوحشة Grace Jones،،، استمتعنا بالفلم ونحن نتناول الفشار والكولا بالثلج ثم خرجنا ومازلنا في وقت الظهيرة فاقترحت جاكو أن نعرج لنتنزه في منطقة "سوهو" التي تقع في الجهة الشمالية من "الليستر سكوير،،،وهي منطقة تعج بالحانات والمقاهي والملاهي والمواخير المتلاصقة،،، فلا يوجد بها مسكن أرضي واحد ، ،،،كما يوجد فيها المدينة الصينية القذرة كالعادة (شاينا تاون)........لكن الذي يميزها أكثر عن غيرها هو سمعة محلاتها السيئة وعصابات المافيا والمخدرات،،،،، فكثير من المحلات التي توجد فيها هي محلات نصب واحتيال وسرقة وبلطجة...سرنا بين المحلات الفاجرة وكان"الدلالين" يشجعوننا على الدخول لمحلاتهم وهم يخبرونا بأن المشاهدة لا تكلف أكثر من 50 بنساً،،،،كنت أجهل عما في الداخل،،،،،ولكن لأن "الولد الشقي نديم" كان دوماً محباً للمغامرة وذي فضول لا حدود له ،،سألت جاكو إذا كان بالإمكان أن نجرب ونرى بأنفسنا ماذا يمكن أن نجد خلف تلك الكواليس ،،،وافقت بعد تردد وقالت لي"بس دير بالك علي" ،،،،أجبتها بابتسامة مطمئنة "ولو جاكو،،،مادمت معي فأنت دوماً في حمايتي"،،،،،ودخلنا بسرعة ووضعنا الخمسين بنساً في فتحة مثل فتحة التلفون فتمكن كل منا أن يرى صندوق الدنيا لأول مرة وآخر مرة في حياته،،،ولمدة دقيقة واحدة،،،،،،،،،بعد أن انتهى العرض،،، لم ننظر لبعض وخرجنا في الشارع وارتدت جاكو نظراتها الأنيقة "شانيل"،،، وما لبثت أن خلعتها وهي غاضبة،،، ورمتها في السماء ثم ركلتها بقدمها محتجة على ما وصلت إليه الأمور،،،وتعبيراً عن الغضب مني شخصياً،،، بالرغم من أني كنت أجهل مثلها عن ماذا في الداخل،،،،،،،اتجهت نحو نظارتها وأردت أن أعيدها لها وأعتذر منها،،،، بيد أنها سبقتني وأوقفت تكسي واستقلته وسارت مبتعدة عني في نفس الوقت الذي حملت فيه نظارتها من الأرض ،،،ولكني استطعت في آخر لحظة أن أقذف بالنظارة داخل التاكسي،،،،،تسمرت في مكاني وأنا ألوم نفسي على الحماقة التي ارتكبتها،،،،،وكنت أتمنى أن تعطيني الفرصة لأشرح لها أني لم أقصد شيئاً يجرحها،،،، وبينما أنا كذلك وإذا بشخص بدأ لي مهذباً جداً يدعوني للدخول إلى داخل المحل وتناول القهوة والكعك الإيطالي الذي لا مثيل له في لندن بعد أن رأى خصامي مع جاكو،،،،،،،،،،،هززت رأسي بالموافقة فأكثر ما أحتاج إليه الآن هو كوباً من القهوة يعيد لعقلي التوازن والهدوء،،،،دخلت بسرعة دون تفكير ولم أقرأ حتى اسم المحل،،،،،فكان المحل من الداخل مطلياً بالكامل بالسواد ولا يضيئه سوى النور القادم من الباب المفتوح،،،جلست على منضدة مواجهة للباب وطلبت القهوة،،، من النادلة التي بادلتني بابتسامة رقيقة،،،،،،،،،لكن سرعان ما أغلق الباب وحل الظلام،،،،فردت حينها علي بصلف "لا يوجد قهوة"،،،يجب أن تطلب شراباً مسكراً،،،،وحددت لي الأنواع التي يمكنني الاختيار من بينها،،،،،،،،أحست عندها أني دخلت في مأزق ويجب أن أتحلى بالحكمة للخروج منه،، فنظرت نحو الباب وإذا بالشخص الذي كان يتظاهر بالأدب يقف كأنه حارس على الباب ويبتسم بسخرية،،،،،قمت واقفا وقلت يجب أن اضرب هذا الصعلوك على حين غرة،،، وعندما أطرحة سأفتح الباب لأخرج للحرية وأنفذ بحياتي،،،،،،،كنت واثقاً من أني سوف أتغلب عليه،،،فرغم ضعفي جسدي في ذلك الوقت إلا أني كنت قبل قدومي للندن أمارس رياضة التايكوندو في نادي الاتفاق وقد حصلت على الحزام الأسود قبل أن أتوقف عن ممارستها بسبب حصول كسر لي أثنا مباراتنا مع نادي القادسية ومن كسر يدي اسمه "عادل الحواج" ،،،لعله يقرأ قصتي ويتذكرني،،،،،،،،،،،،،أذكر مرة أنا قمنا باستعراض بين مبارتي الاتفاق والأهلي التي حضرها نحو 25 ألف متفرج،،،،وكان دوري بين الشوطين أن أقوم بالعدو والقفز من وسط دائرة مشتعلة ناراً ومن خلفها نحو خمسة من لاعبي التيكونود يحملون عدد خمس من الطوب الرصاصي الذي يرصف به الشارع،،،،،فعندما أقفز من وسط النار،،،،أضرب تلك الطابوقات الخمس فأحطمها وسط تشجيع وحماس الجمهور للقوة الخارقة التي أملكها،،،،،،،،،هيء هيء هيء،،،،،،،بس لحظة من فضلكم،،،، لا تحسبوني أكذب عليكم،،،فهنالك سر أكشفه لكم لتعرفوا سر الصنعة،،،،،فالطابوق هذا الذي قمت بتكسيره إرباً إرباً أو إلى شظايا،، ما هو إلا طوب منقوع في الماء لمدة أربع وعشرين ساعة متواصلة،،،،بل أن المشكلة التي كنا نواجهها هي حمل الطابوق بعناية فائقة حتى لا ينكسر بسبب لمسه باليد المجردة،،،،،هذه هي الحكاية وهذا هو السر،،، فلو أن إذني وليس قدمي هي التي لمست الطابوق لتناثر في وجوه اللاعبين الآخرين،،،،لكن بالرغم من ذلك كانت لدي لياقة وبعض من القوة والخفة،،،،،،،،،،،،،أذكر كذلك أيام ممارسة رياضة التايكوندو أن كان معنا شاب اسمه تبارك،،،،،مطوع متهور وعقله ملحوس ،، وكان شجاعاً ومهووساً وحاد الطباع،،،،ومدربنا ياباني يكسر الحديد والطابوق غير المنقوع والأخشاب الغليظة،،،، لكن عندما أختلف المدرب الخارق يوماً ما مع تبارك المهووس،،،، حسب أن تبارك سيكون لقمة سائغة بين يديه،،فصرخ في وجهه بقوة وعندما استدار تبارك عائداً إلينا،،،،أعطاه المدرب شلوت محترم،،،،،،الأمر الذي جعل تبارك يسود ويحمر ويكفهر وجهه ثم يرتد فيحمل المدرب ويقذف به على الأرض ويمرغ أنفه بالتراب ويضع قدمه على رقبته حتى كاد أن يدق عنقه،،، وقد أثر هذا المنظر على ثقتنا في المدرب ولم نعد نحترمه بعدها البتة،،،،ولم ينقذه من "تبارك" إلا نحن عندما ترجيناه وقلنا له "امسحها بوجيهنا يا تبارك،،،،طالبينك تفك الياباني ترى عنده عيال صغنونين ينتظرونه في البيت"،،،،خخخ،،،. تبارك واصل نشاطه وهوسه في حياته لاحقاً،،، وأخر قصة سمعته عنها أنها عندما ذهب لإكمال الدراسة الجامعية في الرياض وبالرغم من أن شكله يوحي بأنه مطوع تقليدي،،،، فقد خطط لسرقة أسئلة الامتحانات من الجامعة التي كان يدرس فيها،،،، وكانت خطته الجهنمية تقضي بالدخول للغرفة التي كان يعتقد أن فيها الأسئلة عن طريق فتحات التكيف المركزي ،،، وفعلاً حشر نفسه وسار في متاهات فتحات التبريد،،،يمينا وشمالاً وشرقاً وغرباً حتى تاه من كثرة ما دخل من تحويلات إجبارية،،، فظل الطريق في آخر الأمر ولم يعرف حتى خط العودة ،،،ومما زاد الطين بلة بأنه أصيب بالإعياء بسبب البرودة الزائدة فوصل فوق غرفة الفراشين وسقط من الفتحة بالقرب من فنجاين القهوة وأباريق الشاي مستغيثاً بهم من البرد وقال لهم "دثروني سأموت من البرد"،،،، وبعد التحقيق معه طرد من الجامعة شر طرده،،،،ومؤخراً قبل شهر فقط،،،كنت مع زميل في رحلة وأخبرني بأن تبارك بدأ بتعلم الملاكمة بعد أن بلغ من العمر عتياً،،،خخخخ

معليش شطحت بكم بعيداً،،، المهم نرجع لمدعي الطيبة الذي كان يقف عند الباب،،،،قمت بعمل حركة سريعة وكأني فريد شوقي وقلبت الطاولة وقفزت في الهواء نحوه وأنا أحسبه والله حسيبة بأنه طابوقة منقوعة في الماء وضربته ضربة موجعة في بطنه ترنح للخلف فأكملت خطتي لفتح الباب والهروب ولكن الباب كان مقفولاً ولا يمكن فتحه،،،،،،،،تباً لكم أيها المجرمين،،،أين المفر منكم،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وفي هذه الأثناء سمعت البنت الشريرة تنادي بأعلى صوتها "غوريلا"،،،"غوريلا" لدينا زبون يريد أن يقابلك،،،،وفعلاً ظهر لي من خلف أشرطة سوداء معلقة على كوة "فتحة" رجل أسود أفطس جرم عكنف أجزم أنه لو تزوج بغوريلا لطلبت منه الطلاق في الصبحية غير المباركة،،،،،تقدم مني الغوريلا وبعد أن شتمني بحرف الإف نزل بيده على رأسي بضربة رأيت معها شرراً وبرقاً يومض أمام عيني،،،فسقطت على الأرض،،، وجسمي كلها يهتز من قوة الضربة،،،،،،،،وعندما استويت على الأرض،،،رأيت من خلف الأشرطة السوداء المعلقة لوحة "مخرج الطوارئ" وهي ما تلزم بها جميع المحلات في لندن ولكنها مخبأة بشكل جيد خلف الأشرطة ولولا أن سقطت لما رأيتها أبداً ،،،،فقررت عمل أي شيء للهروب من باب الطوارئ،،،،فأظهرت لهم بأني سوف أنفذ كل ما يريدون لكن يجب أن يتوقف مسلسل الإهانات والضرب،،، وعندما ادعيت بأني سوف أقف فررت بسرعة البرق من تحت الأشرطة المدلاة وقفزت على باب الطوارئ الذي فتح بسرعة مقروناً بصوت جهاز الإنذار ومن سرعتي في الهروب اصطدمت بعامود إنارة خلف باب الطوارئ في نفس المكان الذي ضربني فيه الغوريلا،،،،،،،،،،،،،،،يعني جات الطوبة في المعطوبة،،،،،،،،،،،،،تحسست نفسي وأنا أبتعد والناس ينظرون إلي بفضول فلم أجد أثر لدماء فتوقعت أنه أمر بسيط وسيزول خلال أيام رغم الألم والصداع الشديدين الذي أحسست به.
سرت نحو اللستر سكوير،،،وفي منتصف الطريق نادني شخص مصري سائق تكسي خاص عرفته سابقاً واسمه عبد المنعم،،، وهو مصري قح تعرف أنه مصري لو رأيته في الإسكيمو،،،،كنا نسميه "شفاط النمل" لأن له بوز طويل ضارب املط مثل محمود ياسين،،،لكن بدلاً من النمل كان دوماً يأكل الفص فص،،،،وبالرغم من أنه متزوج من انجليزية وعايش في لندن إلا أن كل ملابسه من مصنع "غزل المحلة" في مصر كما أخبرنا هو بذلك بفخر شديد،،،"صنع في مصر" على قولته،،،،لكنها كانت صناعة رديئة تلك الأيام وتظهر صاحبها وكأنها متأخر قرناً من الزمان عما يلبس الناس من حوله،،، بادرني عبد المنعم،،،،مالك يا نديم أنت مش على بعضك،،،،تخانقت،،،،رديت بالإيجاب وقصصت له القصة،،،،،فأخذني بدون مقابل كما أذكر وأوصلني للشقة وأعطاني نصيحة بأن أضع ثلج مكان الإصابة وأخذ مسكن للألم وغداً حكون زي الحصان،،،،،،،صعدت الشقة واستلقيت على السرير وأحسست بالنصب والآلام الشديدة وثقل شديد في رأسي وعدم القدرة على التركيز وأحسست بالضعف الشديد والوهن،،،،،وكأني طفل صغير لا حول لي ولا قوة،،، وبالرغم من وجود الهاتف بجانبي وبإمكاني الاتصال بهاتف الطوارئ المتطور في بريطانيا والذي يحضر في معدل خمس دقائق لإسعاف المريض،، أو الاتصال بالملحق العسكري أو السفارة التي كانت أرقامها متوفرة لدي إلا أني أحسست أني محتاج في تلك الفترة الحرجة إلى أمي فهي الوحيدة التي كنت أعتقد أنها ستحس بآلامي التي تكاد تقضي علي وينفجر رأسي بسببها،،،، فأختلطت آلامي،، بحاجتي لحنان أمي،،، فأمسكت الهاتف وضغطت على الأزرار 0096638،، وكانت أمي هي من ردت علي في الطرف الآخر من الكون،،،،، وعندما سمعت صوتها أجهشت بالبكاء،،،،،،،،وقلت لها فقط أني أحبها،،،،،ولم أستطيع أن أكمل فقد بدأت أدخل مرحلة بين الغيبوبة والصحوة،،،،،،،،وطاف في مخيلتي ولا أعلم لماذا لحد الآن وأنا أتحدث معها "زحليقة قديرة"،،، وهي صخرة ملساء كبيرة جداً بحجم منزل من ثلاثة أدوار موجودة في الطائف،، في منطقة كانت برية يوما ما وهي من ضواحي الطائف واسمها قديرة،،،كنا نذهب للتنزه عندها عندما كنا أطفال مبهذلين حفاة،،شبه عراة،،،وكان يأتي إليها في الصيف الأميرات الصغار في السن ومعهن العبيد ونحن نبتعد عنهن حتى ينهين لعبهن وكنا مشدوهين من الحمرة التي يضعنها لأنه في تلك الأيام لم تكن حتى النساء الكبار في حارتنا يضعن الحمرة ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وبعد أن ذكرت لأمي "عن شوقي للزحليقة" لم أعد أعي شيئاً وأذكر فقط بكاء أمي على الهاتف ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ً.
بعد أن أسقط في يد أمي ولم تفهم ماذا وراء هذا الاتصال الغريب،،، قامت للتو بالاتصال بأخي لتطمئن عليه بعد أن التبست عليها الأمور وأخذتها الظنون،،، فأكد لها أخي أنه هو بخير،،، ولكنه لم يرني طوال اليوم على غير العادة،،،،،ثم اتصل أخي بدوره بي فوجد الخط مشغول،،،،،،،،،،،فأخذ بيده مفتاح الشقة الاحتياطي وطلب من الممرضة فصل أجهزة التغذية والأدوية الموصلة به وأخبرها أنه سيذهب لزيارة مريض في غرفة أخرى حتى لا تمنعه من القدوم إلي نظراً لخطورة وضعه،،،،،،وصل أخي للشقة وعندما نظر إلي تفاجأ بأني مسجي بلا حراك فوق السرير،،، ورأسي كان ضعف حجمه الطبيعي بسب الورم الذي ألم بي نتيجة معركتي الخاسرة مع الغوريلا،،،، وبخبرة أخي الطبية البسيطة عرف أنه نزيف في الرأس فأتصل من فوره بالإسعاف والذي وصل بسرعة ونقلني نحو مستشفى كروميل والمملوك للشيخ المحبوب زايد رحمه الله ويقع في جنوب الهايدبارك بشارع كروميل روود،،،،،،،،وصلت للطوارئ وشخصت حالتي بأنها نزيف بسيط في الرأس من شدة الضربة،،وتم عمل عملية بسيطة في مقدمة الجمجمة وسحب الدم المتجمد وتم تنويمي وأنا غائب عن الوعي لمدة ثمانية أيام،،،،، كانت كلها أحلام بأيام الطفولة والصبا،،، ولم تخرج عن مدينة الطائف أبداً،،،،علقت الأحلام كثيراً ب "زحليقة قديرة" ولا أعلم هل ذلك بسبب أنه آخر شيء قلته قبل أن يغمى علي،،،كذلك حلمت بقصة طريفة عندما كنت ألهو في الشارع الرملي في حارتنا وقدمت سيارة مرسيدس من النوع القديم يركبها "خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله" ولم يكن قد أصبح حتى ولي للعهد آنذاك،،،،،،،،،،نظرت لذلك الشخص المهيب المنكس عقاله على الآخر وبجانبه سائق أسود البشرة،،،،،،،،وسيارته تتجه ببطء نحوي ،،،فالشارع ضيق ورملي،،،،وعرفت أنه أمير ولكن لم أعرف من هو وصرخت نحوه يا أممممممممممممممير،،،،نظر لي بابتسامة رائعة،،،،لكن جارنا الشاويش "محمد الأحمري" الذي كان يراقب المنظر ويعمل عسكري في الصيانة في الطائف قدم إلي وأعطاني كف على قفاي،،،وقال "تدري لو رجع لك كان قص لسانك على لقافتك"،،،،صدقته والله،،،،فقد كان لدى كبار السن في تلك الأيام خوف وهلع غير مبرر من الأمراء،،،،هذه والله قصة حقيقية تذكرتها كثيراً في غيبوبتي وأنا مسئول عن صحتها،،،حتى لو استدعيت من قبل الديوان للتحقيق فيها،،،،،،،،،،،خخخخ،،،
بعد ثمانية أيام أفقت من غيبوبتي وأنا أسمع صوت مريض آخر جار لي في الغرفة وهو يخبرني بأن خالي كان هنا قبل قليل لزيارتي وقد غادر قبل قليل،،،،لم أستوعب ما قال جيداً فأنا لم أزل بين الغيبوبة والحياة،،،،،لكن بعد مرور بعض الوقت بدأت أعرف أني في مستشفى وأحسست بالألم برأسي وبدأت باستدراك الكثير من الأمور وتحسست أعضاء جسمي كلها خوفاً أن يكون قد بتر أحدها،،،،شعور غريب لأني لم أكن أعرف ما الذي يجري،،، هل أصبت بحادث أو انفجار قنبلة أم ماذا؟؟؟،، ومن الذي أتى بخالي إلى لندن وفي المستشفى ومتى حدث كل هذا،،،،ولكن المريض الذي عرفت أن اسمه "باري" قد انبرى بالحديث معي عن إصابته وأخبرني بأنه ذهب برحلة استجمام هو وثلاثة من أخوته إلى مدينة برايتون الساحلية وكانوا يلهون في البحر وركبوا ثلاثتهم حماراً لئيماً في ذلك اليوم،،، فصعدوا بهم تلة مرتفعة،،وعندما قرروا العودة نحو الشاطئ،،، انتقم الحمار اللئيم منهم ومن حملهم الثقيل بطريقته الخاصة’’’’فجرى بهم بسرعة نحو أسفل التل،، وما أن بلغت سرعته أقصاها،،، توقف فجأة فسقطوا جميعاً من فوقه ما عدا "باري" الذي تعلق بذيل الحمار،،، لكن الحمار طلع أشطر من باري ،،فقام برفسه فوق رأسه،،،فسقط مغمى عليه،،،،،،،،،،
عندما ذكر باري ذلك تذكرت كل شيء،،،،،وقلت له حمار؟؟؟،،،،،،،،،،،حمار يا "باري"،هذي آخرتها،،،،،،،،،،أنت خصمك حمار،،،،أنا أفضل منك،،،،،،،،،،،،،،أنا خصمي "غوريلا" ولا فخر،،،،،،،،،،،،خخخخ

الآن تذكرت كل شيء ،،،وأخذت الهاتف واتصلت بأخي في مستشفى هارلي ستريت كلينك وتفاجأت بأن والدتي هي من ردت علي ،،،وبكت من شدة الفرحة،،،،،،،،،،وكان فعلاً معها خالي وأبي وأخي الذي كشفت خطة هروبه من المستشفى فأصبحت الحراسة مشددة عليه هذه المرة،،،خخخخ.

لم أخبر أحداً عن سبب إصابتي وادعيت أني كنت ألعب بالزلاجات في الهايدبارك وسقطت على الأرض وهذه هي الحكاية،،،،،،،،،،،،،،وقد أكدت على "باري" بعدم إفشاء السر وهو الذي أخبرني بأن من حقي رفع دعوة وسوف أكسب الكثير من المال عن طريق محامي يأخذ أتعابه من الغرماء،،،،،،،،،ولكني أضمرت للغوريلا شراً ستعرفونه في حلقة قادمة..................

بعد نحو ثمانية أيام من تنويمي في المستشفى خرجت في تاريخ 11 أو 12 أغسطس على ما أعتقد،،،، وذهبت في البداية لزيارة أخي وشكره على مجازفته بالخروج من المستشفى وإنقاذي من موت محقق، فلو استمر النزيف والإغماء لخمس ساعات لاحقة لفارقت الحياة كما أخبرني طبيبي الدكتور "هورنر" الدمث الأخلاق،،،،،،،،،،،،،،،،،عانقت أمي وخالي،،،أمي التي كانت في البداية تخشى أن تفقد ابنها المريض مرض عضال،،، وهاهي تكاد أن تخسر الاثنين معاً،،،،ولكن الله سلم وعمر الشقي بقي.
بعد أن استقرت الأمور أخبرني أخي بأن هنالك موظفة تدعي بأنها من سفارة "دار الحي" قد اتصلت مراراً تسأل عني وقد أخبرها بأني منوم بمستشفى "كروميل"،،فردت على أخي بأنها سوف تزورني في 15 أغسطس لأمر هام،،،،وقد استفسر أخي مني عن تلك الموظفة،،،رغم أنه أبدى شكوكه من أنها تتصل من لندن،،لأن خطوط الاتصالات الدولية كانت غير واضحة مثل الآن،،،،،لم أتمكن من التهرب من جواب أخي وادعيت أني لا أعلم عن الأمر شيئاً ،،بيد أني كنت في داخلي سعيد جداً باتصالها في المستشفى على أخي،،،،،لكن كيف عرفت رقم أخي،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،عدت للشقة وأدرت رقم الاتصال بدار الحي 00971، وسمعت صوت شفاء فسرت في جسدي قشعريرة عندما قالت "وا عني يا نديم" وش صار فيك يا حيا..،،، ليته فيني ولا فيك،،،،،،،،،،،،،. كلمة "واعني" أي فديتك بروحي،،،،كانت بلسماً شافياً أفرزت في جسمي مادة "الأدريانيل" التي تولد للإنسان الشعور بالمتعة والثقة وتزيل الشعور بكل الآلام،،،، تبادلت معها الأخبار،،،وقلت لها بأن لك يا شفاء والله من اسمك نصيب،،،فما بقي بي من آلام قد تلاشت تماماً عندما سمعت صوتك،،،،ردت بسعادة،،، إذن انتظر لتراني بعد يومين،،،فأنا قادمة في رحلتي الصيفية إلى لندن،،،،وسوف أرى ماذا سيحل بك عندما تراني،،،،،،،،،رددت سوف يغمى علي مرة أخرى،،،وضربتان في القلب توجع يا شفاء،،،،،،،،،،،،،لكني على كل حال في انتظارك على أحر من الجمر مهما يكن الأمر،،، وذلك في مطار هيثرو بعد يومين،،،،،،،إلى اللقاء،،

ذهبت من فوري لوكالة عربية في لندن اسمها نفرتيتي تنظم رحلات في ادجوررود وحجزت رحلة لثلاثة أيام من موعد وصول شفاء لمدينة بلاك بول الترفيهية وحجز غرفتين منفصلتين في فندق إمبريال هوتيل IMPERIAL HOTEL BLACKPOOL. استقبلتها في المطار في الصباح الباكر،،، وقدمت لها باقة ورود بيضاء ،،،واستقلينا التاكسي حتى ادجوررود ووضعنا الحقائب في شقتها ،،،لكن للأسف فالحافلة المتجه إلى بلاك بول قد غادرت لندن إلى بلاك بول منذ أن كنت في المطار،،، فاستقلينا القطار من محطة يوستن حتى بلاك بول ووصلنا إلى الفندق قبل أن تصل الحافلة بنحو ساعة ووجدنا أسمائنا ضمن الحجوزات في غرفتين متقابلتين،،،،،،،،،.

كان الجو منعشاَ وصيفياً جميلاً في بلاك بول،،،،المدينة الشاطئية التي تقع في الشمال الغربي مقابلة للبحر الأيرلندي أو بداية المحيط الأطلسي،،،،وتتميز بوجود الملاهي والألعاب على طول الشاطئ الذهبي الجميل،،،،،،،،،،،،،

ذهبنا من فورنا إلى الملاهي الرئيسية في بلاك بول وهي نسخة مصغرة عن والت ديزني،،،ولم أركب الألعاب الخطرة لعدم ثقتي بشفاء إصابتي تماماً بعكس شفاء التي كانت تسرح وتمرح في كل لعبة وهي تضحك علي بأني لا أستطيع أن أجاريها اللعب،،،،والحمد لله أنها لم تستطع أن تستفزني لأنها عندما عادت من لعبة قطار الموت،،،، عادت وهي تبكي من الخوف،،،، وكحلها البدوي يملأ وجنتيها وشعرها منكوش وقد طارت "شيلتها" في السماء،،،،نحو أيرلندا الشمالية،،،خخخ،،، ولو أني طاوعتها وركبت معها لطار الشاش الأبيض الذي يلف رأسي،،،،لكني كنت متأكداً بأن الشاش لو طار فهو لن يطير لوحده،،،بل سيحلق في السماء بحثاً عن شيلتها ليعانقها ويطير بها بعيداً في غياهب بحر الظلمات،،،،،.
أخذنا راحة قصيرة بعد ذلك عندما حل وقت الغداء في مطعم وسط الهواء الطلق وطلبنا فش آند شبس ونحن نراقب أحد المحلات التي تعمل قوارير فيها رمال ملونة وأخرى لعمل ساعات رملية جميلة تنقلب بعد مرور ساعة كاملة،،لتبدأ بالانسكاب لساعة أخرى،،، ومكتوب عليها ساعات "بلاك بول الرملية" عشرة جنيهات للواحدة،،،،،،،،،،،،،،،،انتهينا من الغداء وخرجنا نحو الشاطئ الرملي الجميل وبدأت لي شفاء بروح معنوية عالية فتخلصت من حذائها وجرت حافية كسندريلا على الرمال الذهبية وأنا أنظر بافتتان لقدميها الجميلتين التي تزينها نقوش الحناء الغاية في الروعة والأنوثة،،،،فدنوت منها وأخذت كيساً فارغاً وجمعت فيه الرمل الذي وطئتها بقدميها وهي ترقبني بحيرة،،،،،،،،،وقالت نديم "ما بك" هل تريد أن تسحرني،،،لن تستفيد شيئاً فقد تمكنت من روحي بدون سحر،،،،،،،،،،،رديت عليها ،،لو كان الأمر بيدي لسحرتك سحر تفريق،،،،لأني في هواك أصبحت كالغريق،،،،وأخذت الرمل الذي فيه أثرها وعدت معها إلى صاحب الساعات الرملية وطلبت منه أن يعمل لي ساعة تحمل الرمال الذي وطئتها قدميها،،،،فأبتسم الثعلب الإنجليزي بمكر،،، وقال سوف يكلفك ذلك خمسون جنيهاً يا سيدي،،،،تعال في الغد وستكون الساعة جاهزة بين يديك،،،،،،،،،،قلت له بل اصنعها الآن أمامي كي يطمئن قلبي أنك لن تغير "الرمال التي وطئتها شفاء" وخذ مئة جنيه،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الساعة لا زالت تتقلب في مكان آمن في "مغارات تورا بورا" منذ سنوات عدة عندما ذهبت للجهاد في أفغانستان ولم أتخلى عنها وكنت أتمنى أن تدفن معي،،،،،،،،،،،،،ولم تهتز يوما من قنابل زنتها 20 طناً،،، وعدت من دونها والله وقاني من اسباب المنيه

التعديل الأخير تم بواسطة نديم الهوى ; 19-08-2010 الساعة 12:17 PM
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 28-08-2010, 05:27 AM
  #97
منصور العبدالله
مـــراقــــب
 الصورة الرمزية منصور العبدالله
تاريخ التسجيل: Jun 2005
الدولة: أمجاد الرياض
المشاركات: 11,034
منصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond reputeمنصور العبدالله has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

السلام عليكم ورحمه الله


اهلا بالكاتب المبدع في مذكراتة


في حلقة جديدة


الواحد والعشرون



صورة رائعة لحديقة كنجنستون بارك


في خريفها وتساقط أوراقها



اشكرك اخوي نديم الهوى


واشكر حرصك على إكمال هذة السلسة بنجاح وبدون توقف


منتهى الإبداع يالغالي


حفظك الله ورعاك وسدد خطاك


أستودعك الله يالغالي
__________________



اللهم أرحم والدتي ..وأجعل قبرها روضه من رياض الجنه..واسكنها جناتك
منصور العبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 01-09-2010, 06:21 AM
  #98
مشاري بن نملان الحبابي
مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
 الصورة الرمزية مشاري بن نملان الحبابي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960
مشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond reputeمشاري بن نملان الحبابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

مرحبا يا نديم ..

حلقة أكثر من رائعة .. والصراحة أني قد استمتعت بها ..

وأنت ستجشعني على زيارة لندن خاصة وأن أخي يدرس هناك ..

في انتظار الحلقات القادمة على أحر من الجمر ..
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::

شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *

../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..
مشاري بن نملان الحبابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 01-09-2010, 09:55 AM
  #99
حمد آل سويدان
عضو نشيط
 الصورة الرمزية حمد آل سويدان
تاريخ التسجيل: Jun 2008
الدولة: كندا
المشاركات: 296
حمد آل سويدان is a splendid one to beholdحمد آل سويدان is a splendid one to beholdحمد آل سويدان is a splendid one to beholdحمد آل سويدان is a splendid one to beholdحمد آل سويدان is a splendid one to beholdحمد آل سويدان is a splendid one to beholdحمد آل سويدان is a splendid one to behold
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

أخ نديم الهوى

رواياتك المفروض تكتب وتسطر بماء الذهب ^_^


متابع معك الى النهاية


اعجبنتني مواقف ونقاط عديدة سوف اذكرها لاحقاً

لي عودة إن شاء الله


تحياتي
مبتعث كندا
__________________
راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعال

راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات

راقب عاداتك لأنها ستصبح طباع

راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك

للتواصل

HHL505@hotmail.com
حمد آل سويدان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-09-2010, 02:52 PM
  #100
نديم الهوى
عضو
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 77
نديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant futureنديم الهوى has a brilliant future
افتراضي رد : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية

شكراً للجميع على الكلمات المشجعة والجميلة والتي تعني لي الشيء الكثير،،،،،،،،،،،،وكل عام وأنتم وقبيلتكم الكريمة بألف خير


الحلقة الثانية والعشرين


في آخر شارع الكوينز واي تقع الشقة رقم 41 رالف كورت التي كنت أقطن فيها، وهي مكونة من مدخل صغير طوله نحو مترين في مترين وعلى اليمين تقع دورة مياه، وعلى اليسار يوجد مطبخ صغير وفي الأمام غرفتي نوم،،،وعلى اليسار كذلك بجوار المطبخ يوجد صالة استقبال منيفة بها مدخنة عتيقة ونافذة عريضة وتطل على شارع الكوينز واي الجميل الذي لا ينام أبداً. ويعتبر موقعها رائعاً للغاية فهي في منطقة "الوستمنستر" والتي تسمى المنطقة رقم 2 من وسط لندن. في تلك الأيام، ومازلت حتى الآن، كنت أحب أن أقضى جل أوقاتي ليلاً ونهاراً بصحبة الأصدقاء لأني أقدس تلك اللحظات التي لا تقدر بثمن ،، ولا يعتقد أي صديق عرفته يوماً ولو فترة بسيطة بأني قد نسيته حتى لو أبدت له الأيام ذلك،،،فلكل إنسان مكانة في قلبي مهما طال الزمن وتعاقبت السنين،،،،وفي لندن سبب لي ذلك الطبع بعض الإحراجات من وقت لآخر نظراً لصغر مساحة الشقة،،،فقد كنت أعزم أي شخص أراه وأتعرف عليه لزيارتي في الشقة،،، وأقدم له دوماً واجب الضيافة وهي عادة اكتسبتها من أخوالي البدو،،،،ففي إحدى عطل نهاية الأسبوع اجتمع في الشقة ثلاثة أشخاص من الرياض اسمهم "سعد وفهد وناصر"، يدرسون في مدينة بورتسمث جنوب لندن،،،وقد تعرفت عليهم في فندق بارك لودج عند سامح حنا بتاع "تلات أربع مليون جنيه"،،،كذلك وصل في نفس الوقت إنسان مثقف من سكان شارع أبو مية في الدمام واسمه برجس "وهو متابع لهذه المذكرات ويحبها" وكان وجوده هادئاً كشخصيته،،،،وآخر اسمه عادل النصر شاب متأنق يرتدي ملابس عصرية وبريهة ايطالية جميلة ومظلة فخمة يتكأ عليها وهو يتمخطر بزهو في شوارع لندن الرئيسية ويهش بها على من يقترب منه وكأنه لورد انجليزي عريق،،،،بالرغم من أنه يعمل في أرامكو في منطقة نائية اسمها السفانية،،، وعرفني عن طريق توصية من شخص آخر،،،وقد سعدت جداً بمعرفته والتنزه برفقته في لندن،،،، فقد تجولنا كثيراً في حدائقها وحاناتها وشوارعها الخلفية وخاصة منطقة المقاهي الراقية والمسارح في كوفنت قاردن التي تناسب أسلوب حياته المتأنق،،، وأذكر أن لغته الإنجليزية جداً قوية،،، أقوى مني بمراحل في تلك الفترة،،،،لكن ما أذكره كذلك بأنه قد غضب مني وبقوة في أحد الأيام،،،لأنا كنا نلهو مع بعض الأحباب في كلوب الإمباير الذي مازال ليومنا هذا يتوسط ساحة اللستر سكوير ،،، ومن الحماس والميانة سحبت بريهته الإيطالية وقذفت بها نحو السقف فظهرت صلعتة اللامعة التي كان يخيفها بعناية فائقة عنا تحت الأضواء العاكسة،،،، فسرعان ما جلس القرفصاء في محاولة يائسة للاختباء تحت أرجل المتراقصين مغطياً صلعته بكلتا يديه وكأنه قد تعرى ،،،ثم قرر الانتقام مني،،، ففررت منه للدور الثاني وبدأت مطاردة توم آند جيري وسط الظلام فكنت أتحاشاه بسهولة وسط حشد من الإنجليز الذين شاركوني اللعبة فقد كنا نرى بوضوح انسطاع الأضواء على صلعته اللامعة وهو قادم نحونا.
ووصل أيضاً لشقة الحرية محمد الماجد وهو شاب دمث الأخلاق من الرياض،،، أذكر أنه عندما رأى الزحمة في الشقة، أقترح إبقاء المفتاح الوحيد الخاص بباب الشقة معه لئلا يضطر للانتظار عند عتبة العمارة عندما يكون الجميع في الخارج،،،(العب غيرها يا حمودي والله لو أنك جاكو يا عمي)،،، كما حشر معنا في الشقة الدكتور عادل الكيلاني من سوريا،، وكان يدرس تخصصاً طبياً دقيقاً في أدنبره،،،،،،،،،،،ونعرفه عن طريق أخوه الذي كان يدرس المرحلة الثانوية في الدمام والذي سبق وأن حصل على مرتبة الطالب الأول على مستوى المملكة في العام 1980 ولكنه زحزح للمركز الخامس حتى يكون السعودي دوماً في المقدمة ولو بالتزوير والضحك على الذقون..،،،الدكتور عادل الكيلاني عندما كان يريد مراجعة سفارة بلاده السورية في لندن يقوم بتفتيش شنطته فيسلمني المصحف الشريف ويقول لو رأته السفارة لدي لاتهموني بأني من الإخوان المسلمين وداعمي الإرهاب،،وقد ينهون بعثتي الدراسية بسبب وجود المصحف،،،، وما أذكره عن هذا الرجل الطيب هو نصائحه المهذبة لي طوال فترة معرفته في لندن،،، فقد كنت في تلك الفترة الولد الشقي الغر الذي يهوى المشاكسة والتسكع واللعب والسهر وكثرة الحركة،،،،فكان يلاحظ ذلك فينصحني نصائح أبوية وهو خجل مني وكأنه هو المذنب،،... في إحدى المرات عندما كان يزورني ذهبت للمطبخ لعمل العشاء،،، وكان يوجد على المنضدة الشريط السلبي (النيجتف) لصور التقطها أنا وجاكو على شاطئ جزيرة "آيل أوف وايت" الإنجليزية التي تقع على بحر المانش بين بريطانيا وفرنسا ، فتفحصها جيداً تحت الضوء، فلم ترق له،، فبدأ بسلسلة من النصائح الهادئة حتى أني نسيت العشاء على الفرن إلى أن أحترق،،،،فقدمته له محروقاً وقلت له هذا ما جنيته على نفسك الليلة يا دكتور عادل عشاء محروق،،،،، ولم أذكر للأسف بأني عملت بأي من نصائحه يوما ما،،ولكن بقي له مكانة عظيمة في قلبي وأتمنى أن أزوره في سورياً وأرى كيف أصبحت أحواله بعد كل تلك السنين.


وكذلك وصل من السعودية في نفس الوقت "بن خميس" وهو رجل في الخمسينات من العمر أسمر البشرة ويعمل ميكانيكي في قسم صيانة السيارات في أرامكو وكان يشكو من العقم وأتى إلى لندن طلباً للعلاج بفيزة سياحة،،،، ويتميز بطيبته وجزالة أحاديثه وقصصه الطويلة الشيقة التي تمتد لساعات وساعات دون أن نمل من الإصغاء إليها وكأنه حكواتي سوري يحكي في ليالي رمضان في سوق الحميدية العتيق،،،ومن شغفنا بقصصه كنا نتحلق حوله كطلاب كتاتيب لسماعها مفضليها على السهر أو مشاهدة الأفلام في السينما أو التسكع في شوارع لندن،،، وقد تاه بن خميس أيما تيه في لندن بين الأطباء العرب النصابين الذين طلبوا منه عمل عشرات التحاليل والأشعات والفحوصات دون فائدة ترجى،،،،،،،،كما أنه طوال مدة مكوثه في لندن كان يلبس ثوباً خربزي اللون من الجرسيه ذي لمعة خفيفة،، ينام فيه ويقوم دون أن يتجعلك،،،فلم يحتاج لكيه أبداً،،،. أول يوم وصل فيه لنا قطع لي لحمة من فوق صحن الرز أثناء العشاء وقذفها باتجاهي وقال "منقولة" أي تفضل،،، أخذتها وازدرتها فشعرت أني قد أكلت لحمة مغموسة في بنزين 91،،،ويبدو أن يديه لا زالتا مخضبتان بالبنزين من آثار عمله في صيانة السيارات ،، وبسبب تلك اللحمة المليئة بالمادة المشتعلة ابتعدت عن أي مصدر لشرر لأيام عدة خشية أن "يقب" حلقي فأحترق بداءً من معدتي ،،،،،،،بن خميس كان دوماً يصحو مبكراً فيذهب من فوره وقبل أن تقوم الشلة إلى البقال الهندي المجاور فيعود حاملاً فوق رأسه، كأهل مكة، كرتوناً به أنواع شتى من الخبز والجبن والخيار والطماطم والمخلل وعلب الفول المدمس والبيض والبسطرمة والزيتون،،، ليبدأ هوايته كهبة ريح بالتفنن بعمل فطوراً ملكياً شهياً يبدأ بما يسميه مقبلات الفطور وهي الخبز المحمص والزبدة اللندنية اللذيذة والشاي المنعنش. عندما أيقظني وهو عائد من البقالة لأول مرة كان يترنم بصوته الأجش بقصيدة بدوية بأعلى صوته وهو يدلف وسط الشقة حاملاً كرتونته على متنه هذه المرة،،، فرحبت به واتجهت معه نحو المطبخ لمساعدته في إعداد وجبة الإفطار،،،فتفاجئنا أن سليمان الزنجي ينام على بلاط المطبخ،، بينما خالد اليماني كان قد أغلق غطاء الموقد ووضع فوقه بطانية ومد جسمه عليه وشخيره يصل لساعة البيق بين،،،،،،،،،،فقمت بمعاونة بن خميس بسحب خالد وقذفت به في الصالة في مكاني وسليمان في مكان بن خميس اللذين أصبحا شاغرين الآن ولله الحمد والمنة.
لسوء الحظ لم يستفد بن خميس من العلاج في لندن شيئاً فكانت زيارته سياحية كفيزته،،،بل أنه للأسف أصيب بعرج دائم في ركبته قبل العودة من كثرة مشاوير لندن الكعابية وبسبب وزنه الزائد،،،،، والقشة التي قصمت ركبة البعير هي أني محطته يوماً سيراً على الأقدام من الكوينز واي مروراً بالماي فير ثم منطقة البيكاديلي ولم أراعي سنه أو وزنه وكانت غايتنا شراء فاكهة من سوق الخضار الشعبي في البيكاديلي،،، بيد أن فيوز ركبته اليسرى ضربت بسبب هذا المشوار الطويل الذي أمتد أكثر من 4 ساعات ذهاباً وإياباً،،، فعاد للسعودية بعدها متأبطاً عكازاً يتهادى به ذات اليمين وذات الشمال،،،وأجزم بأن مشكلة العقم لديه قد تعقدت أكثر فأكثر، فالركبة لها دور لا يستهان به حسب معلوماتي المتواضعة من الناحية الفيزيائية.
لم يستمر حال الزحام طويلاً فبعد أسبوعين بدأ الجميع بالرحيل فأخذت عهداً على نفسي ألا أعزم من هب ودب فالشقة أصبحت كحراج بن قاسم ،،،وطال الإزعاج حتى الجيران الذين بدئوا بالتذمر من الأصوات العالية والجلبة التي نحدثها في تلك الفترة،،،، لكنها سرعان ما خلت الشقة إلا من الثلاث الذين خلفوا وهم "سعد وفهد وناصر" ،،،وكان قد مر على معرفتي بهم نحو 15 يوماً،،،لكني اكتشفت للأسف بعد أن هدأت الأجواء وأصبحنا لوحدنا في الشقة،،،وحين عودتي من زيارة أخي يوماً من الأيام منظراً أزعجني جداً،،،،فقد قام الشباب باستقبال بعض الغانيات المغربيات داخل الشقة وتفاجأت عندما رأيتهن وهن منهمكات بتقطيع البصل وفرم الثوم والبقدونس والطماطم وتقطيع اللحم استعداداً لعمل وجبة الكسكسي في المطبخ بكل أريحية،،، بل أن إحداهن كانت قد أحضرت معها ملابسها لتكويها في شقتي ريثما يجهز الطعام وهي تثرثر مع الشباب في لباس غير محتشم وضحكاتها الماجنة لا تبشر بخير،،،، وأبو الشباب "سعد" كان غائباً عن الوعي تماماً بسبب عصير العنب الذي يكرعه وعجاج دخانه يملأ جنبات الشقة وخديجة تتمايل أمامه على أنغام أغنية طلال المداح " مر بي مر بي... مايس الأعطاف قده لولبي. ". لم أستسغ ذلك المنظر المخزي،، فمهما كان فللبيت حرمته،،، ولو أن تلك الفتيات لسن بغانيات فلا بأس من وجودهن،،،بل على الرحب والسعة،،، لكنهن كن في الأساس مجموعة فتيات يصل عددهن نحو 7 ويسكن في الطابق الخامس في نفس العمارة،،،،واعتدت رؤيتهن باستمرار أثناء خروجي ودخولي للعمارة،،،ولم أعرهن يوماً أي اهتمام ، بل أني كنت أزدريهن بنظراتي،،،ففي النهار كنت أشاهدهن في حالة يرثى لها وهن يلطخن رؤوسهن بالحناء ويربطنه بحجاب رخيص منتف ويصبغن حواجبهن بطريقة غريبة ويضعن حوله شريط لاصق لتثبيت الصبغة على ما يبدو،،،فيظهرن كغجر أوربا خاصة عندما يحملن الغسيل أثناء لنهار ويذهبن نحو مغسلة تقع خلف العمارة تعمل بتعبئة النقود. لكن عندما يأتي الليل يتبدلن مائة وثمانون درجة،،، فيرتدين أبهى الفساتين الفاضحة والعارية،،،ويتبرجن بماكياج صارخ،،،وكثيراً ما سببن الحساسية لي عندما أركب المصعد من قوة عطرهن النفاذ. وللأسف الشديد كانت أسمائهن خديجة،،،فاطمة،،، طاهرة ،،،الخ..
أعربت لسعد عن استيائي من وجود هؤلاء النسوة وأنه لم يستأذنني بإدخال العصير الذي يكرعه في شقتي،،،، فنظر إلي بعيون حمراء مثقلة وهو في قمة الباي باي،،وقال "كم حسابك يا نديم"،،،، صدمني أكثر ذلك المنسم برده الماصل،،وقلت له أنت ضيف عندي يا سعد،، ولم أطلب منك مقابل نظير إقامتك معي ،،،لكني لا أوافق أن تأتي بغانيات وتقلب الشقة إلى ماخور مهما يكن الأمر،،،، ودخلت غرفتي لتغيير ملابسي غضبانا آسفاً من هذه المصيبة السوداء،، وعندما خرجت وجدت الشباب قد استعدوا بالخروج بعد أن حزموا شناطهم احتجاجاً على توبيخي لسعد،،،،،فودعتهم وطلبت منهم السماح عن أي تقصير وطلبت من الغانيات أن يحملن الكسكسي معهن إلى شقتهن وأغريتهن بالاستعجال بتقديم علبة شطة مجانية لهن. كح كح كح،،،،،،،،هذه كحة بسبب ما بقي من الدخان الذي كان يملأ الشقة...........وعندما أخبرت لاحقاً "سامح حنا" بما حصل،وكيف أني لمت نفسي على طريقة نهاية العلاقة مع الشباب،،،،،،قال لي "سيبك منهم يا نديم أنت عملت الصح،،بس بيني وبينك دول عيال صيع،،،،طلعوا من الشقة عشان كان هو كدا وإلا كدا كان آخر يوم ليهم في لندن،،،وكانوا حاقزين على القطر في نفس اليوم لبورتسمث"،،،،،،خخخخ
***************
وما دمت قد حدثتكم عن ذكرياتي في الشقة،،فلا بد من النزول نحو الشارع الذي عشت فيه أحلى الأيام وهو شارع الكوينز واي الذي تردد ذكره في الحلقات كثيراً،،،فهذا الشارع الجميل يقع في الجهة الغربية من وسط لندن وجل سكانه من العرب والبرازيليين والأمريكان المهاجرين إلى لندن...ويشتهر بأشياء عديدة يشد لها الرحال من جميع أنحاء لندن مثل الحمام التركي الواقع في نهايته، تحت العمارة مباشرة،،،،كما يوجد بها سوق الوايتليز المشهور للسياح العرب وقد كان مهجوراً ومغلقاً تلك الأيام وافتتح لاحقاً في بداية التسعينات الميلادية،،، ويوجد في الشارع محطتي أندرقراوند رئيسيتان هما الكوينز اي ستيشن وكذلك بيزووتر ستيشن،،ومقهى "الفكر العربي" ،،،،،وصالة التزلج على الجليد تحت العمارة التي تسكن فيها الشريرة مليكة المغربية،،،،كما يجد الكثير من المطاعم العربية والصينية والهندية والمقاهي الراقية والبوبز وكنيسة أور ليدي،،،،وقد سمي الشارع بكوينز واي،، أي "طريق الملكة" لأن الملكة فيكتوريا ولدت في طرفه الجنوبي في 24 مايو 1819، وتحديداً في قصر كنجنستون بارك المقابل للشارع والذي أخبرتكم سابقاً بأن الأميرة ديانا اتخذته بيتاً لها،،،،فكان بيتاً أوهن من بيت العنكبوت،،، والعن.. كبوت هنا هو أبو عين زايغة تشارلز زوجها عليه من الله ما يستحق،، فقد فرط بهذه الإنسانة الرقيقة، أيقونة الصفاء والحب بعجوز شمطاء لا تسر الناظرين.
في هذا الشارع تعرفت على أصناف شتى من البشر في العديد من المناسبات،،وكان لي في مقهى "الفكر العربي" مناكفات ومنافحات،،،،لكن يبقى الشجي منها هو ذكريات اللقاء السريع الذي غالباً ما يعقبه الفراق،،،وأقساها على الفؤاد التي لا يكون بعده وصال. وقد خبرت تجربة اللقاء السريع ثم الفراق السرمدي أكثر من مرة في هذا الشارع الونيس،،،لكن أكثر ما زال راسخاً في داخلي،،،، كلما زرت لندن ومررت في الكوينز واي،، هو لقائي السريع ثم فراقي بملاك الفتاة الجميلة القادمة من شمال العراق،، وتحديداً من أرض صلاح الدين الأيوبي،،،، فقد أعتدت في غدوتي ورواحي فيه أن أعرج على محل ورود صغير لأحضر كل بضعة أيام باقة ورود أزين بها غرفة أخي في المشفى، وكنت أبتاع تلك الورود من محل صغير ملاصق تماماً لمدخل محطة البيزووتر واسمه "ورود اللحظات الأخيرة" لصاحبه أندرو. إلى أن أتى يوماً وكانت غايتي شراء باقة ورود كالعادة،، قبل أن أتسمر حينها في مكاني عند مدخل المحل وأنا أشاهد لأول مرة "بائعة الورود" الجميلة بدلاً من أندرو الجلف وهي تنسق بعض الأزهار البيضاء في مزهرية أنيقة...نظرت لها مشدوها من جمالها الذي يأسر الألباب،، فقد كان مياساً قدها،، وشعر أسود منسدل حتى جنبها،،، وعيناها بحر عميق من وقع فيه لا محالة غريق،، فلما سلهمت بسكينة وأمان، خلت رمشيها جناحي يمامه تهم بالطيران. ،،، فسميت عليها في قلبي سبع مرات،،، ورجعت القهقرى خجلاً ومتظاهراً بأني كنت أنوي دخول المحطة لا محل الورود، بيد أنها عاجلتني بتحية عربية وبلهجة عراقية ناعمة لا أكاد من نعومتها اسمعها "الله بالخير"،،،،رددت "الله بالخير"،،،يا،، يا،،،فأجابت بابتسامة رقيقة،، اسمي ملاك،، ..أهلاً بك يا ملاك ،، أنا ،،، أنا،،،،اسمي،،،،،اسمي،،،نسيت اسمي والله،،،،،،،،،آه تذكرت اسمي نديم،،،أعطني هذا البوكيه من فضلك،،،،،،،،،،أخذته وسرعان ما انصرفت لا ألوي على شيء.
هذا هو اللقاء الأول مع ملاك،،، ولكن لأن نديم الرومانسي دوماً كان قلبه مفتوحاً على مصراعيه في تلك الأيام وأن الحب داء قد أصابه، فقد أقترب كثيراً من ملاك وبسرعة تحسب له،،، ودون الخوض في تلك التفاصيل،،، ذهبت برفقتها بعد أن توطدت العلاقة بيننا برحلة نحو منطقة البحيرات بالقرب من اسكتلندا في شمال بريطانيا والتي تسمى (Lake District). وهي منطقة تتميز بجمالها الساحر وطبيعتها الخلابة وتصب فيها الأنهر من بين الجبال لتكون ثلاث بحيرات رائعة الجمال ,وتحيطها التلال والهضاب التي يكسوها بساط اخضر فاقع اللون يسر الناظرين،،، وتشبه كثيراً خشم العان في السعودية،، والبعض الآخر يشبهها بالخرخير والله أعلم. من الذكريات الجملية التي لا تغيب عن مخيلتي في تلك الرحلة، أنا استأجرنا قارباً صغيراً وبدأت أجدف فيه نحو شلال هادر يتوسط "بحيرة وندرمير" ،،، وكانت أثنائها ملاك تحتسي القهوة باسترخاء وهي جالسة أمامي والضباب الكثيف يلفها متسللاً من خلفها ومختلطاً بالرذاذ الذي يتطاير من الشلال ليداعب وجنتيها القانيتين كحبات الكرز، فلم أكد أتبينها جيداً من كثافة الضباب، فبدت لي فعلاً كملاك قادم من خلف الغيوم ،، خاصة وأنا أنظر نحو شعرها وهو منسدل خارج القارب وتلامس أطرافه الحريرية سطح الماء لتعزف خصلاته أحلى لحن مائي يتهادى مع سير القارب البطيء،،،،،،،،،وعندما مررنا ببعض الصيادين في منتصف البحيرة، سمعتهم يتناجون فيما بينهم ويقولون "حاشا لله،، إن هي إلا حورية وليست بشراً". بيد أن سعادتي كانت يتيمة في هذه الرحلة الجميلة ،،،،ولم تكتمل فصول الفرحة فيها ،،فقد أخبرتني ملاك بعد أن عدنا للشاطئ وأثناء تناولنا وجبة الغداء، بأن ما بقي لها من إقامتها في لندن هو أسبوعان فقط،،،،فمكوثها وعملها فيها، كان بسب إجازتها القصيرة من دراستها للطب في أيرلندا.........فحزنت أيما حزن مما قالته وأخبرتها أنه كان من الأفضل لو أنها أجلت هذا الخبر حتى نعود من الرحلة لكي لا تفسد جو السعادة الذي يغمرنا،،،، وأشحت عنها بوجهي الحزين وترنمت دون أن أشعر بأبيات لخالد الفيصل،، "تعلقت بك والله كتبي لي على فرقاك،،،،حسبي على حظي الردي كانه أشقاني"،،،،،،،،،،،،،،،فتبسمت بنشوة لما قلت وتساءلت "أهذه الأبيات لك يا نديم"،،،،،،،فأجبت بالنفي،،، ولكن إن عدنا إلى لندن فأعدك بأني سأكتب أبياتاً خاصة لك دون سواك.
في اليوم التالي في لندن،،،خطيت لها القصيدة والله بأقل من نصف ساعة،،،،ولكني لم أنهيها حتى يومنا هذا،،، وبقيت القصيدة مبتورة وليس لدي نية لإكمالها أبداً،،،لأني أحس أنها طالما بقيت معلقة فسأبقى دوماً معلقاً بتلك الذكرى الجميلة. والذي قطع حبل أفكاري وأنا أنسج أبياتها، هو أني عندما كنت منسجماً في بحرها، دق باب الشقة فجأة ومن غير ميعاد،،،وعندما فتحته، ظهرت لي ملاك من طرف الباب تقف على استحياء، وكانت تضع يومها اسكارف كريب أسود مليء بنقاط فضية حول شعرها،،فبدا الإسكارف الأسود كسماء سوداء مظلمة والنقاط الفضية كنجوم متلألئة فوقه ،،بينما تجلى وجهها المشرب بحمرة وهو مضيء كالقمر في تمامه،،،، فتبسمت لها وقلت "مرحباً ملاك ما الذي جاء بك"،،،،،،،،،ردت بوجل،،"لا أعلم ماذا أقول لك يا نديم،،،،،أنا مسافرة غداً في الصباح الباكر،، لن أنتظر لمدة أسبوعين كما أخبرتك سابقاً،، يجب أن أعود لظروف خارجة عن إرادتي،،وجئت لأودعك وأشكرك على اللحظات الجميلة التي قضيناها سوياً والتي لن أنساها ما حييت أبداً"،،،،،صدمت من هذه المفاجأة الغير منتظرة وأسقط بيدي،،،فماذا عساي أن أقول لها الآن وهي لا تعلم مدى ميلي نحوها،،، بيد أن تظاهرت برباطة الجأش وودعتها بحزن وألم شديدين يعتصران فؤادي وبذلت جهداً كبيراً لكي لا أبدي لها ذلك،،،،،فقد كانا حزن وألم ممزوجاً بامتنان لها لأنها عجلت بالرحيل، فقد خشيت والله أن أكون ضحية عشقها لو أنها أطالت البقاء في لندن..فقد كنت في أعماقي أتمنى أني لم أراها يوماً ما،،،،,لأني كنت متأكد بأن حبها سيكون داء لا ترياق له،،،،وهذه هي أبيات القصيدة التي لم تكتمل إلى هذا اليوم،،،،


أرجوك عجل بالرحيل
يا ناعم الصوت ويا كحيل العين******يا بو رمش فتان والقد النحيل

يا نسمة الطفولة وذكريات كلها حنين** وريحة ورد دجلة وخزامى وادي بعد سيل

ليه ذكرتني بأيام مضت من عمري وسنين***وهيضت شجوني وعلقتني فيك بالحيل

وأنت عابر سبيل بقالك في لندن يومين ****ثم تسافر بعيد وتتركني مكسور وعليل

ألا يا شيب عيني بعدك وآه ياقلبي المسكين***مكتوب عليه الفرقا والسهر ليل ورا ليل

يا أغلى من الغلا طالبك ترأف بالمتيم المسكين***إنك تعجل بالهجر اليوم ولاّ باكر وتعزم بالرحيل




***********************************
تتوسط قهوة الفكر العربي شارع الكوينز واي وتقع أمام محطة البايزوتر وتقدم معظم خدماتها للزبائن في الهواء الطلق مثل المقاهي الفرنسية،، وقد أعتاد أن يجتمع بها خليط غير متجانس من كتاب الصحف العربية المهاجرة التي تصدر في لندن في أيام الثمانينات، وكذلك ثلة من المرتزقة والمعارضين السياسيين والقتلة الفارين من أحكام صادرة ضدهم. وكما أخبرتكم فقد كنت أرتادها أحياناً لتناول القهوة، بالإضافة لوجود فضول غريب لدي في تلك الأيام للدخول في مناظرات ومماحكات ومهاترات مع أنصاف المثقفين وعديمي الضمير والإحساس من كتاب وصحفيين وبتوع الثلاث ورقات. إلى أن أتى يوماً وكان النقاش يدور حول الرئيس جمال عبد الناصر وكان جل المتواجدين يمجدونه ويثنون عليه،،،فدلوت بدلوي القاصر منتقصاً منه وأكدت أنه قام بتعذيب الإخوان المسلمين وقتلهم وسجنهم،،،وبقية الكلام الطويل،،،وجله أو مجملة سمعته من أخي بطريقة التلقين دون معرفة الأسباب التي أدت لذلك،،،،فألتفت نحوي بغضب شخص مغاربي اسمه "برقوق أبو شوشة" وهو شاب شيوعي من جبهة البوليساريو، الحركة المسلحة التي كانت تسعى إلى انفصال الصحراء الغربية عن المغرب العربي،،،فانبرى منافحاً عن جمال مقدماً كل الحجج والبراهين وكأنه مكينة للكلام،،،،فقلت له خلاص صدعتني بكلامك المتواصل،، ترى توني مسوي عملية في رأسي وما أستحمل كثر الكلام،،،،،، ضحك مني "برقوق أبو شوشة" واستفسر عن سبب العملية وآلام رأسي،، فأخبرته بقصة الإصابة التي لحقت بي بسبب الغوريلا الذي يعمل في أحد المحلات في سوهو،،،وأستغرب مني لأني لم أنتقم منه وآخذ حقي لحد الآن. فأخبرته أني لم أنسه للحظة ولكني أنتظر أن أصل يوماً لطريقة تمكنني من النيل منه. فرد بابتسامة واثقة بأنه يستطيع مساعدتي بذلك إن أردت،،،،صمت لبرهة وقلت في نفسي بأن هذا الثوري المجنون أبو شوشة وسن مفروقة هو أنسب شخص يمكنه مساعدتي بخبرته في المقاومة في الصحراء المغاربية وحرب العصابات، فاتفقنا على اللقاء غداً في حانة The Red Lion بالقرب من الوايتهول عند العاشرة صباحاً.
خلدت للنوم في الليلة السابقة للموعد وأنا أفكر ما الذي سيحبل به الغد من مفاجئات وماذا سيقدم لي "برقوق أبو شوشة" من أفكار للانتقام من عدوي اللدود "غوريلا"،، وسرعان ما نهضت مبكراً وتناولت فطوراً سريعاً في برقر كينق وتوجهت إلى حانة الأسد الأحمر في الوايتهول، الشارع الذي يوجد به مبنى رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك "مارقريت تاتشر" 10 دوانينق ستريت. وعند العاشرة تماماً حضر "برقوق أبو شوشة" وبمعيته رجل قروي يرتدي ملابس مهلهلة كأنه درويش انجليزي لا حياة في وجهة، بل أن أقرب وصف له هو أن ينعت ب "المتوفى". قدمه لي بأن اسمه "جيري" وهو من منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي وهي منظمة شبه عسكرية تسعى هي الأخرى لتحرير أيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني وإعادة توحيدها مع الجمهورية الايرلندية. وبعد أن عرف "جيري" خلفيات المشكلة، أخبرني بأن الطريقة المتبعة في أساليب المنظمة هي عمليات التفجير المحدودة، ولكنهم يعطون تحذير للعامة ولرجال البوليس لمدة ساعة قبل وقوع الانفجار في كل عملية يقومون بها،، ولذلك فمن المستبعد أن يصاب الغوريلا بأدنى ضرر،،،فأعربت له عن عدم فائدة ذلك، وتساءلت عن حل آخر وإن كان بالإمكان مثلاً حرق المحل من جميع الجهات وبذلك لا يصاب سوى الغوريلا ومن معه في المحل،، فرد أن ذلك ممكن جداً وسوف يزودني بالمادة الحارقة في غضون أسبوع. وبعد أن اتفقنا على تفاصيل العلمية، غادرت الحانة وبدأت بإتباع تعليمات "جيري"، فكنت خلال الأسبوع اللاحق أزور المكان يومياً وأجلس في مطعم يقع في Trocadero ويطل من الأعلى على المحل،،، فلاحظت بأن "غوريلا" يأتي له في تمام الساعة الرابعة عصراً ويتناول النبيذ في الخارج لمدة ساعة وهو يتجاذب أطراف الحديث مع الفتيات الساقطات اللائي يعملن معه في الماخور، ثم يدخل فلا يخرج إلا إذا ظهرت مشكلة ما مع ضحية جديدة،، وكل الزبائن يدخلون من نفس الباب الذي دخلت منه،،ثم يغلق الباب مرة أخرى،،،ولم أرى أحداً يخرج أو يهرب مثلي من باب الطوارئ.
وقبل اليوم الموعود زارني "جيري" و " برقوق أبو شوشة" في الشقة وأحضرا معهما حافظة بها نحو أربعة لترات من مادة سريعة الاشتعال، بالإضافة إلى مادة أمونية مسحوقة،،، وأخذ "جيري" يشرح لي بالتفاصيل طريقة عملها وما هي الاحتياطات اللازم اتخاذها لإنجاح العملية وتفادي الوقوع في أدنى خطأ.
وفي الليلة الموعودة للانتقام من "غوريلا" والقضاء عليه، التي خططت لأن تكون أحد ليال السبت الصاخبة، قمت بإتباع خطوات الجريمة جيداً، فارتديت بالطو طويل وقبعة ويلزيه تخفي معالم وجهي أكثر مما تبديه ، وحملت معي المادة التي سأسكبها على المحل والأخرى التي سأرشها فوقها،،، لكي تتفاعل معها وتشعل النار فيها بعد نحو خمسة عشر دقيقة من رشها. سرت سيراً على الأقدام نحو شارع هولاند بارك، وهو شارع معاكس لطريق السير نحو البيكاديلي "مسرح الجريمة" واستلقيت تكسي من تلك المنطقة. وكان ذلك من ضمن الخطة حتى أبعد الشبهة عني لو حصل تحقيق لاحق لا سمح الله،،، أو عندما يسأل أي سائقي التاكسي عما إذا كان قد قام بنقل شخص بمواصفاتي من عند شقتي واتجه به نحو البيكاديلي. وصلت عند محطة اللستر سكوير في حدود العاشرة والنصف مساءً، وتوجهت للمحل الذي أنوي حرقه وأخذت دورة كاملة على البلك الذي يوجد فيه، وعندما تأكدت بأن الأمور على ما يرام ولا يوجد أحداً في الخارج يمكن أن يلحظني،،صببت المادة السائلة على الباب الرئيسي وعلى الشبابيك وعلى باب الطوارئ كذلك،، ثم ابتعدت بعيداً وتخلصت من القبعة والبالطو وأعطيتها لأحد المشردين الذي كان يتدفأ بنار مشتعلة في ميدان سوهو،،، ثم عدت لنفس المكان بشكل مغاير عن المرة الأولى ونثرت المادة المسحوقة بسرعة ودقات قلبي تكاد تطغى على جلبة الموسيقى الصادرة من داخل المحل،، فهذه أول مرة أقوم بعمل سيؤدي لقتل إنسان وينهي حياته،،وبسرعة وببعض رباطة الجأش التي بقيت لدي، اتجهت للمطعم الذي يقع في أعلى Trocadero وقررت أن أنتظر فيه للتمتع بمشاهدة "غوريلا" يشوى كالدجاجة عكس ما طلب مني "جيري" العقل المدبر للجريمة. فقد طلب مني حين الانتهاء من رش المادة التي ستشعل النار بأن أتجه إلى "ملهى الهيبدورم" ولا أخرج منه حتى الصباح، نظراً لوجود كميرات مراقبة تسجل رواده،،، وهو دليل بأني بعيد عن مسرح الجريمة. أخذت مكاني بجانب النافذة وطلبت وجبة خفيفة وأنا أنظر للساعة وقد بقي أربع دقائق وتبدأ الجريمة التي خططت لها مدة طويلة،،، وفي أثناء انتظاري بلهفة وشوق سقطت فجأة على يدي نقاط حمراء لزجة حارة مصدرها فمي،، فقمت بسرعة نحو المرآة في الحمام ولاحظت وجود دم يخرج كينبوع من بين أسناني وقد غطى أطراف فمي وشفاهي،، فسرت وفي نفسي نشوة لذيذة وشعوراً بالسادية لم أعهده من قبل، وأدركت حينها كيف يتلذذ السفاحون بقتل ضحاياهم ،، وكيف تزداد تلك السعادة كلما تألمت الضحية وتعذبت،،، إذاً هاهو سر السعادة الغامرة في القتل التي أعيشها لحظاتها الآن والذي أتمنى أن تستمر معي دوماً. جففت أسناني وفمي بسرعة من آثار الدماء واحتفظت بالمنديل في جيبي واتجهت مسرعاً نحو المنضدة فقد بقي أقل من دقيقة وتشتعل النار الحارقة لتبرد على قلبي الذي امتلأ بالحقد والضغينة على "غوريلا". وفعلاً فما هي سو لحظات، انتشرت بعدها النيران بشكل سريع أكثر مما توقعت وغطت المحل بكامله من جميع النواحي وخاصة باب الطوارئ وبدأت حينها بتناول الطعام بشهية مفتوحة "ولم أحتج لكاتشب،، وأنتم تعلمون لماذا" وأنا أتخيل الجميع وهم يستغيثون والنار تحرق أجسادهم وعظامهم. وسرعان ما تجمهر الناس حول المكان في لحظات ورأيت النادلة الفضولية تتصل في المطافئ ولولا خوفي من أن أجلب الشبهة لنفسي لقطعت أسلاك الهاتف عنها أو وجهت لها ضربة على رأسها ليغمى عليها فيتأخر وصول رجال الإطفاء.
لكن فجأة حصل ما لم يكن في الحسبان أبداً،، وهالني ما رأيت،،، فمن وسط اللهب المتطاير، بدأ بعض من في داخل المحل بالقفز من نوافذ الدور الثاني والتعلق بعمود الكهرباء الواقع خارج باب الطوارئ والذي سبق أن أصدمت به، وهم ينزلون واحداً تلو الآخر بمساعدة من تجمهر من الناس،، الذين طفقوا بسحبهم بعيداً عن مصدر النيران،، ثم ظهر فجأة خصمي اللدود غوريلا وأنا أرقبه يقفز من الشباك ليحاول أن يمسك بالعامود وينزل بسلام نحو الأرض لينجو بنفسه كالآخرين،،،، ولكنه بسبب ضخامة وزنه وبعض النار التي لحقت به، سقط على الأرض قبل أن يتمكن من التمسك بالعامود، وبدأ يتلوى من شدة الألم وهو مسجى على الإسفلت الصلب. تملكني الغضب الشديد من فشل الخطة التي عكفنا على رسمها بدقة لمدة طويلة، وأصابني كذلك خوف وهلع شديدين من أن يقبض علي رجال البوليس أو يتعرف علي أحد. وبدأت تتقاذفنني الوساوس ويقتلني الخوف من أن أتفاجأ برجال البوليس يقبضون علي بتهمة القتل المتعمد من الدرجة الأولى. وصرت ألوم نفسي بقسوة،،،،،يا الله ماذا فعلت،،،،لماذا تسرعت،،،،وماذا جنيت من محاولة إزهاق أرواح بريئة،،،،وهل مات أحد،،، وكم عدد من ماتوا؟. ولم أعد أحتمل كمية الإحساس بالخوف وعدم الأمان في هذا المكان الذي يكاد أن يصبني بالاختناق،،،فقررت الهروب بعيداً نحو الشقة ،،،،ومن شدة هلعي ووجلي، طلبت الفاتورة من النادلة وأنا لا أجرأ النظر نحوها خشية أن تقرأ القلق والخوف في عيني،،، فوضعت عشرة جنيهات بجانب الفاتورة وسقط بجانبها المنديل المليء بالدماء دون أن أتنبه لذلك، وغادرت البيكاديلي.

يتبع

التعديل الأخير تم بواسطة نديم الهوى ; 08-09-2010 الساعة 02:54 PM
نديم الهوى غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:17 AM

سناب المشاهير