عند الشدائد تظهر المعادن!
روي أنَّ سائلاً سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عندما تولى الخلافة فقال : كم عدد أصدقائك يا أمير المؤمنين ؟
قال علي رضي الله تعالى عنه : لا أدري لأنَّ الدنيا مقبلة عليَّ والناس كلهم أصدقائي وإنما أعرف ذلك إذا أدبرت الدنيا عنيّ فخير الأصدقاء من أقبل إذا أدبر الزمان .
قال إبن الأحنف رحمه الله تعالى :
يمشي الفقير وكل شيءٍ ضدهُ ... والناس تـُغلق دونهُ أبوابها
وتراه مبغوضاً وليس بمذنبٍ ... ويرى العداوةَ لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروةٍ ... خضعت لديهِ وحركت أذنابها
وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً ... نبحت عليهِ وكشّرت أنيابها
قلتُ : هذا واقع كثير من الناس ولا يخرج من هذا الواقع إلا من تحلى بالإنصاف وتخلى عن الإسفاف ونظر إلى المخبر ولم يـُغره المظهر , ولله در الإمام ابن الوردي رحمه الله تعالى حين قال :
خذ بحد السيف واترك غمدهُ ... واعتبر فضل الفتى دون الحلل
فعند الشدائد تتبين معادن الرجال وينكشف الزيف وينفى الخبث ويعلم المرء مكان صديقه ويعرف عدوه , ورحم الله تعالى القائل :
جزى اللهُ الشدائدَ كل خيرٍ ... وإن كانت تغصصّني بريقي
وما شكري لها حمداً ولكن ... عرفتُ بها عدويّ من صديقي
وهذا الأمر لا يقتصر على الأفراد بل يشمل الجماعات ويتعدى للدول فتأمل حولك تجد الشعب السوري يباد وأهل السنة في دماج يحاصرون ويقتلون , ولم يتحرك المجتمع الدولي لنصرته بل يتابعون المهلة تلو المهلة ولم نسمع إلا بتصريحات على استحياء , كلام لم يصدقه فعل , قال المتنبي رحمه الله تعالى :
جودُ الرجالِ من الأيدي وجودهمُ ... من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ
ما يقبض الموتُ نفساً من نفوسهم ... إلا وفي يدهِ من نتنها عودُ
وما ذاك إلا لأن سوريا ليست من الدول النفطية وأهل السنة في دماج لا يملكون شيئاً وإلا لهّبَّ المجتمع الدولي كما هبوا لأجل نفط ليبيا !
فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ لمن استطاع نصر مظلوم فلم ينصره ويلٌ لمن كان قادراً فتخاذل عن نصرة المستضعفين .
أخرج الإمام أبو داوود رحمه الله تعالى عن جابر وأبي طلحة رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من امريء يخذل امرأً مسلماَ في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه , إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته , وما من امريء ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته , إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته " .
كان هذا إستطراداً يسيراً , وأعود إلى الشدائد فحين يصاب المرء بشدة لا يبقى معه إلا الصديق الصدوق يواسيه ويخفف عنه .
أما أؤلئك الذين كانوا حوله يظهرون الصداقة ويبطنون العداوة فقد نفتهم الشدة كما تنفي النار خبث الحديد , وما أحسن قول المتنبي رحمه الله تعالى :
وآنفُ من أخي لأبي وأمي ... إذا ما لم أجده من الكرامِ
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً ... كنقص القادرين على التمامِ
وفي كثير من الأحيان تجد الكثيرين بعد وقوع الشدة يظهرون النصيحة وغرضهم الفضيحة تنعدم فيهم النخوة وتنفر منهم المروءة , قال المتنبي :
أرى رجالاً ومحصولي على غنمٍ ... وذكرَ جودٍ ومحصولي على الكلمِ
وربَّ مالٍ فقيراً من مروّتهِ ... لم يـُثر منها كما أثرى من العدمِ
لكن إذا لم يبقَ للمرء صديقٌ يواسيهِ وحبيبٌ يصافيه فكيف يصنع ؟
كما قال الطغراني رحمه الله تعالى :
فيمَ الإقامةُ بالزوراء لا سكني ... بها ولا ناقتي فيها ولا جملي
ناءٍ عن الأهل صفر الكفِ منفردٌ ... كالسيف عرّي متناهُ عن الخللِ
فلا صديقٌ إليهِ مـُنتهى حزني ... ولا أنيسٌ إليهِ منتهى جذلي
الجواب ما قاله المتنبي :
لا تشكونَّ إلى خلقٍ فتشتمه ... شكوى الجريحِ إلى الغربانِ والرخمِ
وكن على حذرٍ للناس تسترهُ ... ولا يغرنك منهم ثغر مبتسمِ
فلا يزيل الشدة إلا الله تبارك وتعالى وسله وحده فهو القابض والباسط سبحانه وتعالى وسيسخر لك من عباده من يعينك بفضل الله وحده .
وقل لمن يتباكى عليك بعد موتك ما قاله الأول :
لا ألفينّك بعد الموتِ تندبني ... وفي حياتيَّ ما زودتني زادي
قال الله تبارك اسمه :
" وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُواْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ " .
رقم : سعيد بن صالح بن علي الحمدان
منقول