فضل الله عز وجل
كثيراً ما أقف عند آياتٍ كريمات ومنها :
قال الله تبارك اسمه :
“ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُوَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا “
وقال سبحانه وبحمده :
” إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا “
وقال عز وجل :
“ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ “
وبالمثل أقف عند هذا الحديث الشريف :
قال أبو ذر رضي الله عنه : خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده وليس معه إنسان .
قال : فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، فجعلت أمشي في ظل القمر, فالتفتَ فرآني فقال : من ؟ قلت: أبو ذر جعلني الله فداءك قال : يا أبا ذر تعاله .
قال: فمشيت معه ساعة فقال :
“ إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيراً فنفح فيه يمينه وشماله و بين يديه و وراءه وعمل فيه خيراً “
قال فمشيت معه ساعة فقال : أجلس هاهنا فأجلسني في قاع حوله حجارة فقال لي إجلس هاهنا حتى أرجع إليك .
قال فانطلق في الحرة حتى لا أراه فلبث عني فأطال اللبث ثم إني سمعته وهو مقبل وهو يقول :” وإن سرق وإن زنى ”
قال : فلما جاء لم أصبر حتى قلت يا نبي الله جعلني الله فداءك من تكلم في جانب الحرة ؟ ما سمعت أحداً يرجع إليك شيئاً .
قال: ذلك جبريل عليه السلام عرض لي في جانب الحرة فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ،
قلت: يا جبريل وإن سرق وإن زنى قال: نعم ، قال : قلت: وإن سرق وإن زنى
قال : نعم وإن شرب الخمر “
أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى .
فأنظر إلى هذا الفضل العظيم والأجر الكبير لمَن حقق التوحيد ولقي الله تعالى مؤمناً لا يشرك به شيئاً.
وهنا لابد من تنبيه : الذي نفهمه من هذه الآيات ومن الحديث أنَّ من حقق التوحيد كان مآله الجنة وليس في هذا
تهوين للكبائر التي هي دون الشرك أو الكفر ولكنه تعظيم لمقام التوحيد وشرف الشهادتين .
أما مرتكب الكبيرة ” وأعني بالكبيرة هنا الكبائر التي هي دون الشرك أو الكفر “ فله حالان :
أولاً : مَن يرتكب الكبيرة إستحلالاً لها فهذا كافر خارج عن ملة الإسلام .
ثانياً : من يرتكب الكبيرة وهو مقرٌ أنها من كبائر الذنوب فهنا حالتان :
الأولى : من إرتكب الكبيرة ثم تاب إلى الله توبة صادقة فهنا يقبل الله توبته ويبدل سيئاته حسنات كرماً من الله تعالى وفضلا حتى وإن تكرر فعل الكبيرة وتكررت التوبة .
الثانية : من إرتكب الكبيرة ولم يتب منها فهنا ثلاثة أقوال :
الأول : قول الخوارج وهو : أن مرتكب الكبيرة الذي لم يتب كافر في الدنيا خالد في النار وعليه فمرتكب الكبيرة الذي لم يتب منها لا تنفعه طاعة .
وهذا قول مردود لكثرة النصوص التي ترده وتبطله .
والشيء بالشيء يذكر عندما اعتمدت الخوارج هذا الأصل ترتب عليه إستباحتهم لدماء المعصومين من المسلمين ونهب أموالهم ولا حول ولا قوة الإ بالله .
الثاني : قول المرجئة وهو أنَّ الكبائر لا تنقص من الإيمان شيئاً وعليه فمرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان لا يضره معصية .
وهذا القول أيضاً قول مردود لكثرة النصوص التي ترده وتبطله .
الثالث : القول الوسط قول أهل السنة والجماعة وهو أنّ مرتكب الكبيرة الذي لم يتب يكون مستحقاً للعذاب ولكنه تحت مشيئة الله تعالى
إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له وهذا هو القول الحق الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة .
ويقولون مرتكب الكبيرة مؤمن بما فيه من إيمان فاسق بكبيرته .
والإيمان عند أهل السنة والجماعة يتفاضل ويتفاوت ويزيد وينقص .
وهنا لابد من ذكر فائدة وهي : أنَّ ترك أركان الإسلام أكبر إثماً وأشد خطراً وأعظم جرماً من فعل المحرمات من الكبائر .
فترك الصلوات الخمس أو صيام رمضان أو أداء الزكاة أو الحج لمن إستطاع أكبر إثماً من فعل الزنى أو شرب الخمر وغيرها من المحرمات من الكبائر .
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الشرك والكفر والكبائر وأن يمن علينا بتوبة صادقة قبل لقائه .
قال الشاعر الحكيم أبو تمام رحمه الله تعالى :
فيا ليتني من بعد موتي ومبعثي … أكون رفاتاً لا عليّ ولا ليّـا
أخاف إلهي ثم أرجو نواله … ولكنّ خوفي قاهرٌ لرجائيا !
ولولا رجائي واتكالي على الذي… توحّد لي بالصّنع كهلاً وناشيا
لما ساغ لي عذبٌ من الماء باردٌ … ولا طاب لي عيشٌ ولا زلتُ باكيا
على إثر ما قد كان مني صبابةً …ليالي فيها كنتُ لله عاصيا
فإني جدير أن أخاف وأتقي … وإن كنتُ لم أشرك بذي العرش ثانيا
وأدّخرُ التقوى بمجهود طاقتي … وأركبُ في رشدي خلاف هوائيا
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى :
ألا ليــت شعـري أي دار أزورهـــا … فقـد طـال فكـري في الوعيد وفي الوعد
إذا مـا ذكـرت الذنـب خفـت جهنمـاً … فقـال الرجـا بـل غيـر هـذا ترى عندي
أليـس رحيمـاً بالعبــاد وغافـــراً … لمـا ليـس شـركاً قالـه الرب ذو المجد
فقلــت نعــم لكــن أتانـا مقيـداً …بمـا شــاءه فافهـم وعَضَّ هنـا الأيدي
فهـل أنا ممـن شـاء غفـران ذنبـه ….فيـا حبـذا أم لســت مــن ذلك الـورد
هنـا قطـع الخوف القلوب و أسبل الـ …. دمـوع مـن الأبــرار في ساحـة الخلـد
فأسألـه حسـن الختــــام فإنــه …إليـه انقـلابي فــي الرحيـل إلى اللحد
ومغفـرة منــه ولطفــاً ورحمــة … إذا مــا نـزلت القبـر منفـرداً وحـدي
و أرجــوه يعفــو كل ذنـب أتيتـه …. ويغفـر لي مـا كـان فـي الهـزل والجد
والحمد لله رب العالمين
رقم : سعيد بن صالح بن علي الحمدان
منقول
__________________
اللهم ربنا وسيدنا ومولانا صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك أبي القاسم محمد بن عبدالله وعلى أبويه إبراهيم ونوح وعلى أخويه موسى وعيسى وعلى أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين وعلى الصحابة أجمعين ومن سار على أثرهم إلى يوم الدين .