أَتَعـرِفُ أَطـلالاً وَنُؤيـاً مُهَدَّمـا
كَخَطِّـكَ فِي رَقٍّ كِتابـاً مُنَمنَمـا
أَذاعَت بِـهِ الأَرواحُ بَعـدَ أَنِيسِهـا
شُهوراً وَأَيّامـاً وَحَـولاً مُجَرَّمـا
دَوارِجَ قَـد غَيَّـرنَ ظاهِـرَ تُربِـهِ
وَغَيَّرَتِ الأَيّـامُ ما كَـانَ مُعلَمـا
وَغَيَّرَها طـولُ التَقـادُمِ وَالبِلـى
فَما أَعـرِفُ الأَطـلالَ إِلاَّ تَوَهُّمـا
تَهادى عَلَيها حَليُهـا ذاتَ بَهجَـةٍ
وَكَشحاً كَطَيِّ السابِرِيَّـةِ أَهضَمـا
وَنَحراً كَفى نـورَ الجَبيـنِ يَزينُـهُ
تَوَقُّـدُ ياقـوتٍ وَشَـذرٌ مُنَظَّمـا
كَجَمرِ الغَضا هَبَّت بِهِ بَعدَ هَجعَـةٍ
مِنَ اللَيـلِ أَرواحُ الصِبـا فَتَنَسَّمـا
يُضيءُ لَنا البَيتُ الظَليـلُ خَصاصَـةً
إِذا هِيَ لَيـلاً حاوَلَـت أَن تَبَسَّمـا
إِذا اِنقَلَبَت فَـوقَ الحَشِيَّـةِ مَـرَّةً
تَـرَنَّـمَ وَسـواسُ الحُلِـيُّ تَرَنُّمـا
وَعـاذِلَتَيـنِ هَبَّتـا بَعـدَ هَجعَـةٍ
تَلومـانِ مِتلافـاً مُفيـداً مُلَوَّمـا
تَلومانِ لَمَّـا غَـوَّرَ النَجـمُ ضِلَّـةً
فَتَىً لا يَرَى الإِتلافَ فِي الحَمدِ مَغرَما
فَقُلتُ وَقَد طالَ العِتـابُ عَلَيهِمـا
وَلَو عَذَرانِـي أَن تَبينـا وَتُصرَمـا
أَلا لا تَلومانِـي عَلـى ما تَقَدَّمـا
كَفى بِصُروفِ الدَّهرِ لِلمَرءِ مُحكِما
فَإِنَّكُما لا ما مَضـى تُـدرِكانِـهِ
وَلَسـتُ عَلى مَا فاتَنِـي مُتَنَدِّمـا
فَنَفسَكَ أَكرِمهـا فَإِنَّـكَ إِن تَهُـن
عَلَيكَ فَلَن تُلفي لَكَ الدَّهرَ مُكرِمـا
أَهِن لِلَّذي تَهـوى التِـلادَ فَإِنَّـهُ
إِذا مُتَّ كانَ المـالُ نَهبـاً مُقَسَّمـا
وَلا تَشقَيَـن فيـهِ فَيَسعَـدَ وارِثٌ
بِهِ حينَ تَخشى أَغبَرَ اللَونِ مُظلِمـا
يُقَسِّمُهُ غُنماً وَيَشري كَرامَـةً وَقَـد
صِرتَ فِي خَطٍّ مِنَ الأَرضِ أَعظُمـا
قَليـلٌ بِـهِ مـا يَحمَدَنَّـكَ وارِثٌ
إِذا ساقَ مِمّا كُنتَ تَجمَـعُ مَغنَمـا
تَحَمَّل عَنِ الأَدنَينَ وَاِستَبـقِ وُدَّهُـم
وَلَن تَستَطيعَ الحِلمَ حَتّـى تَحَلَّمـا
مَتَى تَرقِ أَضغـانَ العَشيـرَةِ بِالأَنـا
وَكَفَّ الأَذى يُحسَم لَكَ الداءُ مَحسَما
وَمَا اِبتَعَثَتنِـي فِي هَـوايَ لُجاجَـةٌ
إِذا لَم أَجِد فِيهَـا إِمامـي مُقَدَّمـا
إِذا شِئتَ ناوَيتَ اِمرَأَ السوءِ مَا نَـزَا
إِلَيكَ وَلاطَمـتَ اللَئيـمَ المُلَطَّمـا
وَذو اللُبِّ وَالتَقوى حَقيـقٌ إِذا رَأى
ذَوي طَبَعِ الأَخـلاقِ أَن يَتَكَرَّمـا
فَجاوِر كَريماً وَاِقتَـدِح مِن زِنـادِهِ
وَأَسنِـد إِلَيـهِ إِن تَطـاوَلَ سُلَّمـا
وَعَوراءَ قَد أَعرَضـتُ عَنهـا فَلَـم
يَضِـر وَذي أَوَدٍ قَوَّمتُـهُ فَتَقَـوَّمـا
وَأَغفِرُ عَـوراءَ الكَريـمِ اِدِّخـارَهُ
وَأَصفَحُ مِن شَتـمِ اللَئيـمِ تَكَرُّمـا
وَلا أَخذِلُ المَولَى وَإِن كَانَ خـاذِلاً
وَلا أَشتُمُ اِبنَ العَمِّ إِن كَانَ مُفحَمـا
وَلا زادَنِـي عَنـهُ غِنائـي تَباعُـداً
وَإِن كانَ ذا نَقصٍ مِنَ المالِ مُصرِمـا
وَلَيلٍ بَهيمٍ قَـد تَسَربَلـتُ هَولَـهُ
إِذا اللَيلُ بِالنَكسِ الضَعيفِ تَجَهَّمـا
وَلَن يَكسِبَ الصُعلوكُ حَمداً وَلا غِنَىً
إِذا هُوَ لَم يَركَب مِنَ الأَمرِ مُعظَمـا
يَرى الخَمصَ تَعذيباً وَإِن يَلقَ شَبعَـةً
يَبِت قَلبُهُ مِن قِلَّـةِ الـهَمِّ مُبهَمـا
لَحَى اللهُ صُعلوكـاً مُنـاهُ وَهَمُّـهُ
مِنَ العَيشِ أَن يَلقى لَبوساً وَمَطعَمـا
يَنامُ الضُحى حَتّى إِذا لَيلُهُ اِستَـوى
تَنَبَّـهَ مَثلـوجَ الفُـؤادِ مُـوَرَّمـا
مُقيماً مَعَ المُثريـنَ لَيـسَ بِبـارِحٍ
إِذا كَانَ جَدوى مِن طَعامٍ وَمَجثِمـا
وَللهِ صُعلوكٌ يُساوِرُ هَمَّهُ وَيَمضـي
عَلى الأَحـداثِ وَالدَّهـرِ مُقدِمـا
فَتَى طَلِباتٍ لا يَرَى الخَمصَ تَرحَـةً
وَلا شَبعَةً إِن نَالَهَـا عَـدَّ مَغنَمـا
إِذَا مَا رَأى يَوماً مَكـارِمَ أَعرَضَـت
تَيَمَّـمَ كُبـراهُنَّ ثُمَّـتَ صَمَّمـا
تَـرى رُمـحَـهُ وَنَبلَـهُ وَمِجَنَّـهُ
وَذا شُطَبٍ عَضبَ الضَريبَةِ مِخذَمـا
وَأَحنـاءَ سَـرجٍ فاتِـرٍ وَلِجامَـهُ
عَتادَ فَتَىً هَيجـاً وَطِرفـاً مُسَوَّمـا
(( حاتم الطائي))