( ليلـة الأنـوار المعطـرة ...! )



أغرانا ملمسُ الدنيا الناعم ، غيرَ أنه كان خادعاً كالسرابِ
يحسبهُ الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءهُ لم يجدهُ شيئاً !..

فما إن لمسنا نعومتها حتى خضنا إلى الركبِ في كدرها ،
فتعكرت قلوبنا ، وتغيرت نفوسنا ، وترنحت أرواحنا ،
وحُجبنا عن أنوار السماء وبركاتها ..!
وذلك هو العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر !!

ومن ثم فقد أصبحنا في أمسِ الحاجة إلى عملية غسيل ،
نصقل بها هذه القلوب ، ونزكي بها هذه نفوسنا ، ونجلو بها هذه الأرواح ..


وأخذت أرواحنا تتطلع إلى الأفق البعيد ، وتقلب عيونها في كل سماء ،
وتشرئب إلى أمل يطل عليها ، لعله يغير أحوالها المتردية ،
ويعيد مجاريها إلى مصدرها السماوي ،
قبل أن يفوت الفوت ، ولا ينفع الصوت ..!!

ولما علم الله سبحانه طبيعة هذا الإنسان وما يعتريه من أحوال ،
وما يمر به من ظروف ، وما يتأثر به قلبه من مؤثرات كثيرة ،
أكرمه سبحانه بمناسبات شتى ، تهب فيها أنسام الجنة على القلوب ،
المتعطشة للطل إن لم يكن وابلاً ، فإذا هزتها تلك النسائم عطرتها وأحيتها ،
ففيها تجد بغيتها ، وتنعم معها الأرواح بروح وريحان ، ورب راضٍ غير غضبان ..

وكان من تلك المناسبات ، هذا الشهر الكريم الذي يفيض بالخيرات
والأنوار والبركات ، والأمداد السماوية ، والرحمات المترادفة ..

وتجلى كرم الله سبحانه على هذا الإنسان في أيام هذا الشهر ،
ومن ثم رأينا هذا الإنسان _ خلال أيام هذا الشهر _
قادراً على أن يسيطرَ على أهوائه ، ويقيد غرائزه ، ويضبط جوارحه ،
ويجد نفسه خفيف الروح ، رقيق القلب ، فياض المشاعر ،
عالي الهمة مع الله ، مشدوداً إلى السماء ، مشتاقاً إلى ربه ،
متعلقا بنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، متشبهاً بالملائكة الكرام ..!

ثم يتجلى هذا الفيض أكثر فأكثر ،
حين تدخل العشر الأواخر من رمضان ، التي تتزين لياليها
بليلة هي خير من ألف شهر ، كما قال تعالى :

(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)

ليلة يفيض فيها الخير فيضاناً ، ويغمر الدنيا سنا برقه ،
ويعطر الحياة نسيم الجنات ، وتبتهج معها الأرض ، تفاخر بها السماء ،
وتتهلل خلالها الملائكة وتغدو الدنيا وكأنها في عرس مبهر ، ومباهج ملونة ،
ويمسي الكون أنشودة قدسية تموج بألوان من التسابيح والتحميد لله رب العالمين ..!

ألا ما اشد عطش قلوبنا لأنوار هذه الليلة !
وما اشد حرقة ظمأ أرواحنا إلى فيوضاتها السماوية !

قلوبنا الخاوية سترويها شلالات الأنس في هذه الليلة ..
نفوسنا المُتعبة ستداويها بركات هذه الليلة ..
عقولنا المشوشة ستضيئها أنوار هذه الليلة ..

هذه الليلة التي تموج فيها أعراس السماء ،
وتكاد أفواج الحور العين يطللن في بوابات السماء باسمات فرحات متهللات ،
يستخفهن الطرب وهن يرين عباد الله الصادقين ، قد أحيوا ليلهم سجدا وركعا لله سبحانه ،
وتكاد أصواتهن الشجية الساحرة ، تختلط مع أصوات الملائكة
التي تغمر الكون علوه وسفله بألوان من التسبيح لله رب العالمين ..!

هذه الليلة التي يرتوي فيها كل قلب صدي ،
وترفرف فيها الأرواح وتحلق ، تشتاق إلى منازلها الأولى
في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..وتتناثر على أجواء القلوب خلالها
ألوان من الخيرات والبركات والأنوار والمباهج ،
التي لم تسمع بها أذن ، ولا خطرت على قلب بشر !

هذه الليلة التي تتقزم فيها محيطات العالم على عظم اتساعها ،
وهي ترى أمواج الأنوار النازلة من السماء على القلوب المقبلة المتعطشة ..!

ولكن ... أين قلوبنا من التهيؤ لهذه الليلة !؟

هل هيأنا قلوبنا كما ينبغي لاستقبال هذه الليلة ؟
هل استعدت أرواحنا لتلقي فيوضاتها ؟؟
هل أنخنا مطايانا حقاً على بابها !؟
هل اشتاقت لها نفوسنا على الوجه الذي يجعلها مشبوبة ..؟!
وهل ، وهل ...

إن الصادقين في طلب هذه الليلة ، المشتاقين لها حقاً وصدقاً ،
تجدهم قد أعدوا لها العدة ، وهيأوا لها المركب ، ونفضوا عن عيونهم النعاس ،
وأوقدوا مجامر القلوب بنار الحب ، ولسان حالهم مع ربهم فيها :

إذا كان رضاكم في سهري ** فسلامُ على الله على وسني !

فشمروا لها كل التشمير ، ووطنوا أنفسهم على تعب أجسامهم ، لتحصيل لذات لا تنقطع ، ورضوان من الله أكبر ..!

لقد علموا إنما هي أيام قلائل ، وأنفاس تتردد ، كلما خرج نفس
لا يرجع أبداً ، وكلما مضت ساعة ، انطوى جزء من العمر ،
وقربت الرحلة على النهاية ..!

دقات قلب المرء قائلة له ** إن الحياة دقائقٌ وثواني

ومن ثم أيقن هؤلاء أن العمر كله سيمضي أشبه ما يكون بحلم ليلة شاتية
، وسيصبح تعب اليوم مجرد ذكرى في الغد ! ،
وعند الصباح سيحمد القوم السرى !!

ولذا رأينا وسمعنا وقرأنا كثيراً ،
كيف أن ليل هؤلاء في مثل هذه الليالي _وهم يبحثون عن تلك الليلة السماوية ،
ويترقبون أنوارها ، وتشوفون إلى بركاتها _

وجدناهم على خطى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، قد شدوا المئزر ،
وأحيوا ليلهم ، وقطعوا ساعات هذا الليل في رحاب محبوبهم ،
يتملقون له ، ويبتهلون إليه ، ويتضرعون على أعتابه ، ويناجونه ،

ويشكون إليه همومهم ، ويعرضون عليه أحوال قلوبهم ، ويرفعون إليه
مصاب أمتهم ، وربما فاضت أعينهم بالدموع ، وتقلقلت أرواحهم بالحنين ،
وأنّت نفوسهم بالشكوى ، وطاب لهم الركوع والسجود وطول القيام ،
وتلذذوا بترجيع كلام مولاهم يعطرون به قلوبهم ، وينعشون به أرواحهم
، ويحركون به نسائم الجنة على نفوسهم ...!

وقد يعجب كثيرون من هؤلاء ، وربما استخف بهم بعض النوكى والسفهاء ،
ولكن هل يضر البحر أن رمى فيه غلامٌ بحجر !! شاهت الوجوه ..!!

إن هؤلاء المتميزين هم شامة الدنيا وبهم تحلو ، وبهم تبقى ،
ولهم يمسك الله الكون ، ولولاهم وأمثالهم لقامت القيامة ..!

إن قلوب هؤلاء محلقة في الأعالي ، ولا أحسبها تسمع ما يهرف به السفهاء
، ولا ترى ما يفعله أهل الأهواء من عبثٍ في ليلهم ،
لسان حالهم يقول :
يا قوم أنتم في واد ، ونحن في واد !!

وتترنم قلوبهم بين يدي مولاهم بقول القائل :

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ*** وبيني وبين العالمينَ خرابُ
إذا صحَ منك الود فالكل هينٌ*** وكل الذي فوق الترابِ ترابُ

ومن هنا لا عجب أن صاح أحدهم في نشوة :

إلهي .. وعزتك وجلالك :
ما طابت الحياة .. إلا بالإقبال عليك ..
ولا طاب النهار .. إلا بطاعتك ..
ولا طاب الليل .. إلا بمناجاتك ..
ولا طاب الموت .. إلا للقائك ..
ولا طابت الجنة .. إلا لرؤيتك
سبحانك جل شأنك وتبارك اسمك ..

اللهم لا تحرمنا من رضاك عنا ، يا رب ،
فقد اشتاقت أرواحنا للقائك .. فلقاؤك يوم عرسنا الأكبر !

.... اللهم إنا قد أحببنا هؤلاء فيك ومن أجلك وإن لم نكن مثلهم ،
غير أنا نسألك بكرمك أن تحشرنا معهم ، تحت لواء حبيبك محمد
صلى الله عليه وسلم .
فقد أخبرنا حبيبك أن المرء يحشر مع من أحب ، وإن لم يكن مثله في العمل !

__________________
ـــــــــــ التوقيع ــــــــــــ
أخوكم في الله / سعد بن حسين الشهري

أخي سعد بن حسين
رمضان غيث يقبل غدير الأنهار.. ابتسم الكون كله وتفتحت الأزهار.. وتعانق الحب بنسمة فاخضرت الأشجار.. نزل الغيث بنغمة وبسمة فأينعت الأثمار.. تلا المؤمن القرآن فانكشفت له الأسرار.. من مات قبل هذا اليوم فقد سبقت له الأقدار.. ومن صام رمضان في غفلة فوقفة في اعتبار.. رمضان جنة وروضة وبستان في اخضرار.. من عصى الرحمن فهو مع الفُسّاقِ الأشرار.. ومن صام رمضان إيماناً فهو مع الصحابة الأبرار.. ومن قام ليلة القدر احتساباً فمع الملائكة بالجوار.. ومن أعتق رقبته من النار فهو من الأحرار.. فصل اللهم على محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار..
يقول ابن القيم رحمه الله: الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن.
في ليلة ضاقت سماؤها بكثرة نزول الملائكة، وعمت أنوارها الأفق، وعم الأمن والسلام، وشاركت الملائكة المصلين صلاتهم وقيامهم في محرابهم، فاجتمعت عبادة ملائكة السماء بعبادة أهل الأرض، ولم يكن نزول الملائكة، إلا بإذن الله وصعود العمل الصالح لابن آدم إلا بإذن الله، فمن نال شرف هذه الليلة أذن له بالنزول، ومن قام هذه الليلة إيماناً واحتساباً نال شرف هذه الليلة.
فجزاك الله خيراً أخي الفاضل وصاحب القلم الذهبي المعطر بالحب ، والمغلف برائحة الورد والعنبر

__________________

أخي الحبيب الجليل /ابن رشد
..... رحـم الله والديك الكـريمين ورفع الله قـدرك في الدارين

أما أنت فـلا أدري كـيف أكـافئك ..

ليس بيدي إلا الدعـاء لك بظهـر الغيب

أن يحفـظك ويرعاك ويرضى عـنك ويبارك فيك

ويجعـلك مباركا أينما كـنت ...

كمـا اسأله سبحـانه أن يغفـر لك ما تقدم من ذنـبك وما تأخـر

وأن يجعـلك من أوليائه الـذين يحبهم ويحـبونه

ويرضى عنـهم ويرضون عـنه .... اللهـم آمين .. اللهـم آمين

إن متابعـتك الدائمـة ..

وكلـماتك الطيبة المعطـرة

ودعـواتك الكـريمة ..

لها بالـغ الأثر على نفـس أخيك ،

وقد تعلـمنا أن جـزاء الإحسان لا يكـون إلا إحسـانا مضـاعفا

فاعـذرني على عجـزي على أن اقـابل إحـسانك بإحسـان مضـاعف

فهـذا جهد المـقل ..

يبقـى أني أنتظـر أن تواصـل رحـلتك الكـريمة التي بدأتها مـعي

لـعل الله يرحمـني وإياك ..

ويرضـى عـنا ..

ويجعـلنا من أوليائه المـقربين ...

اللهـم آمين .. اللهـم آمين ..

وأخـيرا ..

تقـبل الله مـنا ومنك .. الـصيام والقـيام

وسـائر أعمـالنا في هذا الشـهر المبارك
..
ولا تنسـني من دعـوة مباركـة عند السـحر ... وعنـد الإفطـار
- -

__________________
ـــــــــــ التوقيع ــــــــــــ
أخوكم في الله / سعد بن حسين الشهري

جزاك الله خير

__________________

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الحبيب / ابن طرخم
أشكرك على مرورك الكريم ودعاك المبارك
جزاك الله خير برفع الموضوع
دمت بخير

__________________
ـــــــــــ التوقيع ــــــــــــ
أخوكم في الله / سعد بن حسين الشهري