عـيـد الأضـحـى .. وذكــريــات الـتــضــحــيــات (1)
أخي المسلم
نحن نعيش مناسبة عظيمة
تلك هي مناسبة عيد الأضحى المبارك
نعيشه بلحظاته وخطراته وحلاوته وطعمه
يوم عظيم فيه العج والثج
وفيه الصلاة والنحر
يوم سماه الله يوم الحج الأكبر
يوم له ميزان عند الله وعند رسوله والمؤمنين
هذا اليوم يوم عيد وفرح
ويوم طاعة وزيارة
ويوم لباس وتطيب وزينة
ويوم أكل وشرب
ويوم أضحية وتضحيات وذكريات
أخي المسلم: ما أحوجنا ونحن نعيش هذه المناسبة أن نتذكر الذكريات والتضحيات التي ضحاها
الأنبياء والمرسلون والصحابة والتابعون والعلماء والمجاهدون
لقد قدموا النصرة لهذا الدين
والتضحية بالمال والنفس والأهل والأوطان
فهذا أبو الأنبياء إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي قال الله عنه
{ وإبراهيم الذي وفى }
وفى وفاء مطلقا حتى استحق به هذا الوصف المطلق
لقد قام بكل ما أمره الله به من الشرائع وأصول الدين وفروعه وصبر على ما ابتلاه الله به
وفى حتى ضحى بنفسه وأهله في سبيل نشر التوحيد والدعوة إليه ونبذ الشرك والبراءة من أهله
كل ذلك محتسبا صابرا على كل تهديد حين قالوا بينهم
{ اقتلوه أو أحرقوه }
حتى أبوه وهو أقرب الناس إليه نسبا يشارك في التهديد
{ يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا }
ويجيء الرد على الوالد بكل أدب وبر من الابن
{ سلام عليك سأستغفر لك ربي }
وبعد ما تبين لإبراهيم أن أباه
{ عدو لله تبرأ منه }
لأن العقيدة هي العروة الوثقى التي تلتقي فيها سائر الأواصر البشرية والعلاقات الإنسانية ، فإذا انقطعت
العلاقة العقدية انقطعت العلاقات الأخرى من جذورها
فلا لقاء بعد ذلك في نسب ، ولا في صهر ، ولا في قوم ، ولا في أرض
فإما إيمان بالله يربط كل علاقة وإلا فلا إيمان
ألا فلينظر كل منا في علاقاته ، أهي مبنية على حب لله وولاء وبراء وتوحيد؟
أم علاقات دنيوية ومصالح شخصية وأهواء متبعة؟
تأمل ـ أخي الحبيب ـ في قوله عز وجل
{ فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه }
وماذا عن عبده الأصنام من قومه؟
لقد كان لهم الموقف الحاسم والقرار الجازم ، فقد قال لهم بكل قوة وجرأة وثبات وعزة
{ أف لكم ولما تعبدون من دون الله }
سبحان الله! ما أضلكم وأخسر صفقتكم
وما أخسكم أنتم وما عبدتم من دون الله
{ أفلا تعقلون }
أين العقل الذي ميزكم الله به؟
حكموا عقولكم ، فأنتم تعبدون
{ ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم }
فلما أفحمهم بالحجة والعقل ، اتبعوا أهوائهم واستعملوا قوتهم لمعاقبته
{ قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم أن كنتم فاعلين }
وهذه طريقة أعداء الدعوة والدعاة دائما ، لكنه واجه القوة بالقوة
{ قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين }
هذا هو صاحب التوحيد الخالص لا يهن ولا يذل ولا يجبن ولا يخاف ، لقد توعدهم وتوعد آلهتهم فقال
{ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون}
هذا هو إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ
يضحي بالشرك والمشركين ، ليبقى عزيزا بدينه وتوحيده ومنهجه
وهم الأخسرين الأسفلين
{ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين }
لقد صار هذا ووقع ، وكان حقيقة لا شك فيها ، ولا يزال الوعيد:
بالخسران والسفل والتردي والخيبة والانتكاسة لمن عادى أولياء الله وما يقومون به إلى يوم القيامة
أخي الحبيب: وماذا عن الذين كانوا معه؟
إنهم يضحون بالبراءة من الشرك والمشركين أيضا
{ إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء
أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده }
لقد نجحوا في هذه القضية لما كان بنيانها على توحيد خالص
وستبقى عداوة وبغضاء مستمرة , ومفاصله حاسمة جازمة حتى يؤمن القوم بالله وحده
فأين الذين يضحون ببهيمة الأنعام؟
أين هم لا يضحون بالبراءة من الشرك والمشركين؟
لقد صدر الله سورة عظيمة بدون بسملة بالبراءة من المشركين ، فقال
{ براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين }
فلا صلة تبقى لمؤمن مع قوم يبرأ الله ويبرأ رسوله منهم ، ثم كرر البراءة أخرى فقال
{ وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله }
لقد أعلنت هذه البراءة في يوم عظيم لتبقى ذكرياتها ورسوخها كلما فرح الناس بالعيد
وكلما نحروا وذبحوا يوم النحر تذكر أهل الإيمان تلك التضحيات
وأهل الشرك والكفر والإلحاد من يهود ونصارى وأصحاب بدع ودعاة ضلالة , يعلمون أننا
على ملة إبراهيم ، وعلى سنة نبينا محمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ وهذا لا يرضيهم ولا يطيب لهم
{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى }
وقال أناس من بني جلتنا ويتكلمون بألسنتنا
{ ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما }
أمثال المنافقين والعلمانيين تراهم ينادون باسم التقريب وزمالة وحدة الأديان ، وبالمساواة وحقوق الإنسان
وبتطوير الإسلام وحرية الفكر والتعايش والتآخي والحوار مع الآخر ـ لا يقصدون الحوار الشرعي ـ ينادون
بألفاظ أو بأسماء ودعاوى متنوعة , وهذه الدعاوي يعقد لها:
اللقاءات والحوارات والمؤتمرات
تحت شعارات ومسميات
يقولون: حوار الحضارات , كل ذلك لتسقط قواعد الدين وأصوله ومسلماته ، ولتذوب أوثق
عري الأيمان التي أخبر عنها نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" الحب في الله والبغض في الله "
فلا يبقى معاداة ولا موالاة ، وهذا الذي نراه اليوم وللأسف قد لبس على كثير من المسلمين بهذه الدعاوى
فانغر بها من أخذ من الدين اسمه فقط ، بل آمن بها من لا يعرف أصول وقواعد عقيدة أهل السنة والجماعة
ولعلك ـ أخي المسلم ـ سمعت وشاهدت أو عايشت ممن تعرف ، كيف تغيرت فكرته ونظرته وتوجهاته
الشرعية والعقلية ، بعد ما كانت عنده ثوابت ومسلمات.
أستودعك الله ... ولعله يكن للحديث بقية.