مـسـائـل وفـوائـد ... فـي أحـاديـث الـدجـال ( 3 )
ومن الفوائد والمسائل:
الحذر والتحذير من الفتن قبل وقوعها
وهذا ظاهر في كل الأحاديث التي تحدثت عن الدجال
بل إن الأنبياء كلهم حذروا أممهم منه كما أخبر بذلك نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال:
" ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب.."
وإن من يتأمل سنة الله في الأمم الماضية ، ويقرأ تاريخ هذه الأمة المسلمة يصل إلى حقيقة
واحدة هي أنه:
كلما ضلت أمة من الأمم عن الحق ، وابتعدت عن الهدى ، وقادها أهل الزيغ والضلال ، وتحكم في
شؤونها المفسدون ، فإن من سنة الله أن يبعث فيها نبياً من الأنبياء يبين الحق للناس ، ويكشف
الباطل وأهله ويحمل راية الإصلاح والجهاد ، صابراً على ما يصيبه من الأذى
لذا كان الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ
يدعون أقوامهم إلى الحق ويطالبون رؤساءهم من الملأ بالإذعان والطاعة لأمر الله وحكمه
وتحكيم شرعه في كل شؤون الحياة
ويكشفون للناس الباطل القائم
وخذ مثلاً لذلك قصة شعيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع قومه حيث ذكر الله عنه بأنه دعا قومه إلى
الالتزام بشرع الله ، ونهاهم عن البغي والفساد ، قال تعالى
{ وإلى مدين أخاهم شعيباْ ، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال
والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان
بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين }
فجمع عليه الصلاة والسلام ـ في دعوته بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يقتصر على
العبادة الفردية ، بل دعاهم إلى إصلاح شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية
وهذا معلم واضح من معالم دعوة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ الدعوة المتكاملة التي تقتضي
التغيير الشامل لجميع جوانب الحياة
السياسية
والاقتصادية
والاجتماعية
والثقافية
ليكون الدين كله لله ، فلم يكن أنبياء الله بمعزل عن واقع قومهم ، ولم ينشغلوا بقضية الأفراد عن
قضايا الملأ وعن مظالم المجتمع
ولما بعث الله محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنزل الله عليه القرآن ليكون
بشيراً ونذيراً
وهادياً إلى ما ارتضى له من دينه
وسلطاناً أوضح به وجهة دينه
ودليلاً على وحدانيته
ومرشداً إلى معرفة عزته وجبروته
ومفصحاً عن صفات جلاله وعلو شأنه وعظيم سلطانه
وحجة لرسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أرسله به عَلَماً على صدقه
وبيِّنة على أنه أمينه على وحيه والصادع بأمره
فما أشرفه من كتاب يتضمن صدق متحمله ، بيَّن فيه سبحانه أن حجته كافية هادية ، لا يحتاج
مع وضوحها إلى بينة تعدوها أو حجة تتلوها
والقرآن والسنة وسيلة التثبيت الأولى للمؤمنين من كل فتنة
بل إن الله ـ عز وجل ـ جعل الغاية منهما هي التثبيت للقلب قال تعالى
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }
إن القرآن يبشر وينذر فهو المصدر الأول للتثبيت وزرع الإيمان
وهو الذي يقوي الصلة بالله
كما أنه العاصم من الفتن وكيد الشيطان وغوايته
كما أنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع على ضوئها أن يُقوِّم الأوضاع
التي من حوله ، تقييماً صحيحاً
كما أن القرآن بما اشتمل عليه من أحكام وأصول وقواعد وحكم وقصص
يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين ومن سار على دربهم
فإن عُلم ذلك كله لزم على من أراد السلامة من الفتن والثبات في الدنيا والآخرة
والفوز بالنعيم المقيم ، فالسلامة لك ـ أخي المسلم ـ من الفتن أن يتخذ القرآن والسنة وهدي
السلف الصالح سميرك وأنيسك ، وأن تجعله رفيقك وجليسك على مر الليالي
وتتابع الأيام ، فلا تقتصر على النظر فيه ، بل تحمل نفسك على العمل به ، والدعوة إليه
وحيث إن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو خاتم الأنبياء إذ لا نبي بعده
فقد حمل المسؤولية بعده العلماء الصادقون كما ورد بذلك الأثر
" وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل
العالم على العامة كفضل القمر على سائر الكواكب والعلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم
يورثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر "
فالمسؤولية التي يحملها علماء الأمة الربانيون طوال تاريخ الإسلام كانت بمثابة السور الآمن
الذي حمى الأمة من عواصف الانحلال والفساد ، ولا شك أن الناس بدون العلماء جهال
تتخطفهم شياطين الإنس والجن ، من كل حدب وصوب ، وتعصف بهم الضلالات والأهواء
من كل جانب ، ومن هنا كان العلماء من نعمة الله على أهل الأرض
فهم مصابيح الدجى
وأئمة الهدى
والعلماء الذين أعنيهم هم العلماء الربانيون الجريئون في قول الحق المحبون الخير للأمة
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
والمحبون للولاة والناصحون لهم بالحق
الذين اتصفوا بخلق المرسلين
الذين يقولون للظالمين ظلمتم وللمفسدين أفسدتم
فلا يخشون أحداً إلا الله سبحانه
ولا يسكتون عن حق واجب إذاعته
ولا يكتمون حكماً شرعياً في قضية أو مشكلة سواء أكانت متعلقة بشؤون الأمة
أم بعلاقات الدولة ، إذ صلاح الأمة منوط بصلاح العلماء وقيامهم بواجبهم ،
ومن أهم واجباتهم التحذير من الفتن والرد على شبهات أهل الزيغ والضلال وإنكار
المنكرات المعلنة الظاهرة وبيان خطرها ، وإعلام الأمة بذلك
فيا ـ أخي الحبيب ـ لا بد أن:
نحترمهم
ونقدرهم
ونرعى حقوقهم
وأن نلتف حولهم
ولا نخرج عن آرائهم وعلمهم ونصحهم.
أسأل الله أن يجعلني وإياك من الصالحين الناصحين
وأن يحفظ علمائنا وولاة أمرنا وبلادنا من كل سوء