هناك وظيفة اسمها الحرية!

بسم الله الرحمن الرحيم
في زمن من الأزمنة لا بد وأن كان لفكر وللتأمل دور كبير في الحياة ، كان فيه المفكر والمتأمل إنساناً محبوباً من المجتمع ومرغوباً فيه ، يحتويه المجتمع ويحتضنه ويلتف حوله ، يشعره بالراحة والدفء والاطمئنان.
ولابد أن بيئة كتلك تمهد للفكر أن يبحر في أعماق الحياة ومعانيها ، وأن يعود بجواهر ثمينة ، ولقد تمخض الفكر الإنساني الحر عن أكثر من درّة في مجالات العلم والأدب والفكر والفن.
في زمن من الأزمنة كانت تولد روائع فكرية ، وروائع فنية ، وروائع علمية ، أما الآن فلا بيت للمفكر أو المتأمل ، الآن أصبح زمن النفع والمنفعة ، نقيّم الإنسان كما نقيّم الأشياء ، من حيث درجة النفع المباشر والسريع التي ستعود علينا منهم.
ولهذا أصبح السباك كظاهرة عصرية إنسانً له من المكانة والأهمية ما يفوق مكانة وأهمية من بإمكانه أن يخدم المجتمع بالفكرة والرأي والحس ، ربما لذلك ضعفت في الإنسان المعاصر القدرة على الابتكار واستكانت قدراته الإبداعية.
لقد مرت تلك الخواطر في رأسي وأنا أقرأ قصة قصيرة ، كُتبت بهدف الإعلان عن محاولات الشركة المعلنة في تصعيد فكرة مبتكرة ، وهي تقول :
أراد المليونير هنري فورد صاحب الأعمال الأمريكي الشهير ، أن يتوقف على معرفة ما إذا كان هناك خلل في الجهاز الإداري لأعماله ، فعين واحداً من أكبر المختصين في تقييم الأعمال الإدارية ، وقلّده كل ما يحتاج إليه من صلاحيات ، وبعد إنهاء الخبير من مهمته ، كتب تقريره الخاص وجاء فيه ما يلي : " إن كل عمليات هذا الجهاز الإداري تسير على أفضل ما يكون فيما عدا شيء واحد ، يعتقد الخبير أنه يسبب خسارة كبيرة للشركة ، لقد لاحظ الخبير بصفة متكررة وجود أحد الموظفين العاطلين ، الذي كلما دخل عليه وجده جالساً رافعاً قدميه إلى أعلى ، ولا يراه يفعل شيئاً غير التأمل . لهذا اقترح الخبير أن تعمل الشركة على فصل هذا الموظف الذي يسبب خسائر كبيرة لها.
وبعد إطلاع هنري فورد على التقرير أجاب الخبير بمذكرة يشرح فيها بأن الرجل الذي لا عمل له إنما هو أحد عباقرة الشركة ، وهو واحد من خمسين عبقرياً آخرين عينتهم الشركة لا لشيء سوى التأمل والتفكير من أجل إمدادها بأفكار جديدة مبتكرة ، واستطرد هنري فورد يوضح للخبير بأن هؤلاء العباقرة لا يقومون بأعمال الموظفين الروتينية ، ولا يخضعون للروتين الإداري ، فهم يحضرون وينصرفون متى شاءوا حتى أن أسم وظيفة كل منهم خرج عن المسميات الاعتيادية... فأصبح الاسم المبتكر هو : وظيفة الحرية "