..::قلم من ذهب::.
.:: روائـــــي ::.
تاريخ التسجيل: Apr 2007
المشاركات: 224
عادل و عادله روايه الجزء الا ول
وعادله الجزء الا ول
( روايه ) بقلم : سعد ابو حيمد
1 من 2
عند المساء مجهد الجسم ومرهق الفكر،عاد وهو يحمل هما يثقل كاهله..فقد أصبحت المزرعة التي يملكها ويتكفي مواردها لاطعام أسرته المكونة من ثلاثة أبناء وثلا ث بنات و امهم وضاقت الدنبا بسعيد الجرهمي وبقي في دوامة من التفكير،ودار في ذهنه الكثير من الأفكار والهواجس،وراح يستعرض عددا من الأمور والخطوات التي يمكن أن يلجأ إليها ليزيد من دخله،فهناك أعمال البناء وهي شاقة وقد لا يتحملها،وهناك البيع والشراء في الأغنام التي له خبرة فيها،ولكن هذا مشروع يحتاج إلى راس مال و ا خيرا..فكر في (الغربه ) السفر البعيد..خارج قريته،ولكنه تساءل في داخله..إلى أين ؟؟ إلى أين اذهب؟؟ أنا لا اعرف أي مكان اذهب أليه،وعاد يحدث نفسه..إن الكثيرين من اهل قريته سافروا وهم مثله لا يعرفون أين يذهبون ،وعادوا وهم يحملون مظاهر الغنى والثراء..واحتار سعيد ماذا عليه أن يعمل..و لانه رجل متدين وله خلفية إيمانية قوية ،فقدلجأ إلى ربه ليطلب التوجيه من قبله ،قام وصلى صلاة الاستخارة ودعا ربه بان يهديه إلى ما فيه الخير والصواب ،فرغ من صلاته وشعر أن كفة السفر قد مالت وغلبت ،ومرة أخرى تساءل..إلى أين يتوجه؟؟والى أي مدينة؟،والى من يقيم عنده في الغربة ،ولم تغب عنه ظروفه العائلية،زوجته و أولاده الصغار..من يقوم بشؤونهم؟ من يحميهم؟من يطعمهم ؟ صحيح هم في قرية من عادات أهلها التعاون والتضامن ولديهم نخوة ،وانهم لا خوف عليهم حتى وان كان لكل من أهل القرية بيت و أسرة ويكاد لا يفي بواجباته المعاشية ،وعدا عن ذلك..فان سعيدا يلزمه تكاليف سفر،وتكاليف ومصاريف أسرته أثناء غيابه ،الغياب الذي لا يعلم سوى الله وحده كم سيدوم وما مدى نجاحه،وأمضى سعيد ليلته دون نوم،وشعرت زوجته أم عبدالله بقلقه وعدم نومه،وسألته قائلة:
- ماذا بك يا ابا عبدالله؟ أراك قلقا ..فما الذي يشغل بالك؟
وتردد أبو عبدالله قبل ان يفضي لزوجته بما يشغل باله او يدور في ذهنه،لكنه كان يدرك ان زوجته هي الشريك الوحيد معه في همومه،وانه لا بد ان تحس بما يحس به،
- قال : يا سارة.أنت تعلمين ما هي حالتنا..وان المزرعة لم تعد تكفي للإنفاق على اأولادنابعد أن تناموا وكبروا،لذلك فقد فكرت أن أسعى وابحث عن مورد رزق آخر،ولم أجد غير السفر..للبلاد البعيدة،فماذا ترين؟
- قالت ساره : والله يا أبو عبدالله إنني اشعر بما تشعر به ،ولكن ما باليد حيلة..أما السفر فأنا أخاف عليك من سفر مجهول..فإلى أين ستسافر؟ وأي نصيب سيكون في انتظارك ؟ وماذا ستعمل هناك إذا سافرت ؟ أنت رجّال( فلاح )..ولا عندك مهنة ولا صنعة ؟ ولكن ما دمت قد اخترت السفرفأ ن.الخيرة فيما اختاره الله،وربنا كريم وسيوفقك ويرزقك ويسهل أمركلأنك رجل صالح ومخلص لربك ودينك .
- الحقيقة يا أم عبدالله إنني متهيب من هذا السفر..وخائف عليكم أنت والعيا ل ولآ مر الأهم..كيف أدبر مصاريف السفر ومصاريفكم انتم بعد غيبتي؟ حتى اخوي سالم رحت أدورعنده سلف وحلف لي يمين ان ما عنده ما يمدني به وهو في الحقيقة صادقلان عنده عيال وعليه مصاريف،ومدخوله سهل.
- :ما هو الحل يا أبو عبدالله..أنت محتاج حوالي مائة ريال،خمسين مصاريف السفر.وخمسين تبقى عندنا لمصاريفنا..مع ما يجينا من منتوج المزرعة،حيث أنني أنا والعيال بنقوم إنشاء الله با لعمل في المزرعةعلى قدر جهدنا ،وهناك ايضا منتوج البقروالغنم،لكن مشكلة المبلغ لا زالت.فخطر على بال أبو عبدالله فكرة
- وقال : يا أم عبدالله.وش رأيك لو نبيع واحدة من البقر واثنتين من الغنم يمكن تسد لزومنا؟
- والله يا أبو عبدالله الحلال حلالك..وما يسد لزومنا هو المبارك
سافر سعيد ولم يكن ا مامه بلد أو هدف معين،لكن السيارة التي ركبها أوصلته إلى مدينة جدة،وتصادف انه حين نزل من السيارة كا ن بجوار أحد المساجد،وكان الوقت قبيل العصر ..وحين حلت الصلاة دخل إلى المسجد ليصلي،وقد وضع متاعه البسيط الذي يحمله في أحد جوانب المسجد،وبعد انتهاء الصلاة..خرج ومعه متاعه،ولم تكن له وجهة يتوجه إليها،فقام بالجلوس على رصيف المسجد الخارجي ،جلس وهو حائر الفكر ومشغول البال،ولا يدري ماذا يفعل والى أين يذهب،وكيف يجد مأوى يلجأ إليه..وفيما هو غارق في تلك الهموم اذا بشيخ وقور يقف أمامه ويسأ له يا هذا هل انت غريب عن هذا البلد؟ قال سعيد :أ ى والله يا شيخ انا غريب وقد وصلت من بلا دى البعيدة هذا اليوم را غبا في العمل و باحثا عن الرزق وانا لا اعرف احدا وليس لى مكان آ وى اليه كان الشيخ ابراهيم امام المسجدقد لا حظ بعد مغا درته المسجدوجود هذا الرجل الذى يبدو انه غريب وليس من سكان المنطقة ظهر ذلك من ملا بسه ومتاعه البسيط الذى بجا نبه وقد رق قلب الشيخ لهذا الغريب وقال له تعا ل معيي
و كان هناك غرفة تابعة للمسجد يوضع بها بعض شؤنه،ولكن بها متسع.قال له الشيخ:يمكنك ان تقيم هنا ، ولكن عليك ان تحا فظ على مابها قال سعيد : اولا اقول جزاك الله خيرا ورحم والديك فقد حللت ضا ئقتي وتفضلت على وازلت همومي ثا نيا ثق بالله بانني سأ كون امينا على ما في الغرفة وسوف اكون عند حسن ظنك كما انني على استعداد لا ى خدمة تكلفني بها
وشعر سعيد بالسرور والارتياح لانه قد وجد السكن وهي المشكلة الاولى:وكان الشيخ في الواقع محتاج إلى من يقوم بأعمال المسجد البسيطة لذا فقد رأى في هذا القروي الرجل المناسب ، وكان سعيد قد تجاوز الأربعين من عمره وفى اليوم التالي فاتح الشيخ إبراهيم سعيدا وعرض عليه أن يقوم بخدمة المسجد مقابل راتب شهري مقداره مائة وخمسون ريالا { كان الزمن السبعينات من القرن الرابع عشر الهجرى } وهذا مبلغ جيد لرجل في حاجة للعمل في ذلك الوقت ، قال سعيد: يا شيخ إبراهيم أنا في طاعة الله ثم في طاعتك ، وأنا موافق على ما قلتهوحينها ا حس سعيد بالراحة والهدوء ، حيث وجد سكنا وراتبا ورجلا طيبا يعتني به ويعطف عليه ، وتذكر سعيد دعوات زوجته وكأنها قد استجيبت من الله عز وجل ، باشر سعيد العمل وهو في غبطة وارتياح ، وكان الشيخ يمده بين فترة وأخرى بشيء من الطعام والملابس ، بعد ثلاثة شهور تسلم سعيد رواتبه ، وكان مبلغا مريحا، ومفرحا وفكر سعيد أول ما فكرأن يكتب إلى أهله في القرية ويرسل إليهم بعض المال ، لكن سعيدا لا يحسن الكتابة، فلجأ إلى الشيخ إبراهيم ليكتب رسالته لكن المشكلة كيف يرسل هذه الرسالة ومع من يرسلها ويكون أمينا عليها وعلى المبلغ، وفكر أن يذهب إلى السوق فلعله يجد أحدا من قريته ، ولكنه عاد دون أن يجد أحدا ، وفكر أيضا أن يذهب إلى مواقف السيارات التي تذهب إلى الجهات التي فيها قريته ، وسأل أحدهم لانه لا يعرف الموقف ، وذهب إلى هناك وراح يتلفت يمنة ويسرة فلعله يجد أحدا يعرفه لكن أحدا من قرينه غير موجود ودب اليأس في نفسه وهم بمغادرة الموقف ، وعند انصرافه أحس بان هناك من يمسك بكتفه من الخلف وينادى عليه ...سعيد ..سعيد..أبو عبد الله وحين التفت فوجئ، وأسكتته المفا جأ ة ولم ينطق بكلمة بل امسك بذلك الرجل الذي كان يناديه و أحاطه بكلتا يديه وضمه إليه وراح يجهش بالبكاء ويردد ..يا مرحبا..يا مرحبا..{ بطارفة بلدنا }متى جيت يا عا يض ؟ .كيف أهل القرية وكيف ام عبد الله وعيالها ؟
- قال عايض : { أبشرك ان اهلك كلهم بخير ويسلمون عليك وتراهم وصونى انشد عنك وعن أخبارك والحمد لله اللي وفقني وواجهتك } واخذ سعيد صديقه إلى غرفته وجاء له بغداء دسم ،وبقيا طوال الليل يتسامران ، ويتحدثان عن القريه وأحوالها ، وعند الصباح ودع سعيد صديقه عائض وسلمه الامانه {الرسالة والنقود } لإيصالها إلى عائلته ، عاد عائض إلى القريه ،وقد حلت الفرحة العارمة بأم عبد الله وأولادها بعد ما بلغتهم الرسالة ،وعلموا بأحوال أبى عبد الله وما وفقه الله إليه . وكانت سارة ام عبد الله قد قامت بالعممل في المزرعة بمساعدة أولادها الكبارعبد الله { عشر سنوات } وسالم { ثمان سنوات } وقد ساعدهم نزول المطر الذي نمت ونشطت معه المزروعات ، كما نمت المواشي أيضا .
- اطمأ ن الشيخ ووثق با ما نة واستقامة الحارس سعيد الجرهمى فزاد من عطفه عليه وكان يمده بعض الاحيان بشيء من الصدقات والزكوات التى يضعها الموسرون عنده لتوزيعها بمعرفته على مستحقيها ، وقد شعر سعيد الذى لم يتعود على وفرة النقود لديه ان مد خره قد بلغ ، اكثر من الف وخمسمائه ريالا ، وقد اصابه القلق على هذا المبلغ ، اذ كيف يحفظه ويحافظ عليه ، حتى غرفته لا يأمن ان يبقى المبلغ بها وذلك خشيه من السطو عليه ، فهو يتصور ان كل الناس يعرفون ان معه مبلغا كبيرا (هكذا كان يظن ) واحتار ماذا يفعل ،فهو لا يحسن التعامل مع البنوك وحتى لايثق بها ، لذلك فهو دائما يحمل المبلغ معه داخل ملابسه ، وكان يخشى فقدان المبلغ حتى وهو داخل ملابسه ، ماذا عليه ان يعمل ؟ لا يوجد سوى حل واحد انه الشيخ ابراهيم { ابو محمد } هو الذى سيحفظ له نقودة ، وتحدث مع الشيح واخبره عن قلقه على نقوده وطلب منه الاحتفاظ بها لديه وضحك الشيخ وقال: يا أبا عبد الله الدنيا أمان فلا تخاف ولم يقتنع ابو عبد الله ، وقام بمناولة الشيخ لفافة من القماش المطوية عد ت طويات وبداخلها النقود ، تسلم الشيخ المبلغ ليريح ابا عبدالله ويزيل عنه القلق ، وقبل ان ينصرف ابو عبد الله قال له الشيخ: ( ويش رأيك لو اشترينا لك بهذ ه االفلوس قطعة ارض تر ى الا را ضى تزيد قيمتها ولا تنقص) ؟
- قال ابو عبد الله : يا ابا محمد انا مثل أخوك واللى تشوفه أنا را ض به ،
واختار ابو محمد قطعة ارض قيمتها ألفى ريال وزاد من عنده خمسمائة ريال سلفة على راتب أبى عبد الله ، الأرض بعيدة بعض الشيء ، لكن مستقبلها جيد ، وجاء أبو محمد بصك الأرض ليسلمه لأبى عبد الله ، لكنه قال:
خله عندك يا ابا محمد فانا لا اقرا ولا اكتب ولا ادري عن الأرض ولا مكانها ..
أمضى أبو عبد الله سنه كامله فى عمله حارسا للمسجد ، وبدون شك أنه ، كان يراوده دائما الحنين إلى أهله وقريته ، وفكر أن يطلب من الشيخ {رخصه } إجازة لمدة أسبوعين يزور بها أهله ، وداعبه الشيخ بمثل محلي { حنت الابل لديارها } قال ابو عبد الله :
مثلك عارف يابو محمد هذه اول مرة افارق فيها عيالى وقريتى لمدة طويله..
قال الشيخ مداعبا ايضا : المسجد ما يغتنى عنك يابو عبد الله ..
وارتبك أبو عبد الله وظن ان الشيخ لن يسمح له بالسفر، فاطرق مفكرا يسائل نفسه.. هل الشيخ جاد في قوله ؟ ولم يترك الشيخ للحزن ان يتمادى فى خاطر ابي عبد الله وقال له :
يا ابا عبد الله لك ثلاثه اسابيع وليس اسبوعان ..
وتهللت اسارير ابى عبد الله وشكر الشيخ ودعا له ، وقبل ان يسافر زوده الشيخ ببعض الهبات وقال له : اذهب الى عائلتك للاطمئنان عليهم ، واننى انصحك واشير عليك بان تحضر عائلتك الى هنا ، حيث ان الحياة في المدينه افضل من القريه ، فاولادك سيدخلون المدارس وانت وزوجتك يمكن ان يتهيأ لكما وظيفه في مدارس البنات ، ففي هذه الايام يتم فتح مدارس كثيرة للبنات ، وهم فى حاجة الى رجل موثوق مثلك ومعه زوجته .
ورد سعيد بقوله : والله يا ابو محمد ان فضلك علينا واسع ، اما احضار العائله فانا ما ادرى ويش رأى ام العيال ، انا بشاورها وان شاء الله انها تقبل المجى معي .
وصل ابو عبد الله الى القريه وسط فرحه اهله وجيرانه ولقي تكريما واسعا من اهله وجيرانه ، جلس سعيد مع زوجته ام عبد الله وراح يسألها عن اخبار المزرعه والمواشى.. قالت :
- (ابشرك ان المزرعه قد اثمرت ثمرا جيدا اما الحلال فان البقرة الحمراء قدانتجت عجله ، والغنم كلها توالدت وصار الخير عندنا واجد ولله الحمد ).
- قال ابو عبد الله ( الحمد لله على نعمائه ، اما انا يا ام عبد الله فقد وفقنى الله برجل . بل انسان طيب وصاحب طاعة و علم واسع ،ا سمه الشيخ ابراهيم بن محمد التميمى ، وهو امام مسجد وقاضي سابق ، فقد استقبلني وكرمني من اول يوم وصولي الى جدة فى الوقت الذى لا اعرف فيه احدا ولا يعرفنى احد ، ثم وظفني حارسا للمسجد ، وعطاني راتب قدره مائه وخمسين ريالا كل شهر، وكان لايحرمنى من افضا له ، وكا ن يعطينى من الصدقات والزكوات التى يضعها عنده الموسرون لتوزيعها على المستحقين ، وتوفر عندى يا ام عبد الله مبلغ الف وخمسما ئة ريال غير اللى ارسلتها لكم ، وخفت على الدراهم ، ورحت لابى محمد اودعها عند ه لكنه قال بشترى لك بها ارض ، لان الاراضى فيها فايده وتحفظ الد راهم ، قلت للشيخ: الراى رايك وقام جزاه الله خير واشترى لى ارض بالفين ريال وحط من عنده خمسمابة ريال سلف ، وحتى يوم جيت امشى سلفنى مايتين ريال) .
- قالت ام عبد الله (: انت رجال تخا ف الله وايمانك قوى. وقد وفقك الله إلى هذا الرجال الطيب الذ ى ندعى له بكل ما نقدر عليه ، بس يا ليتك يا ابو عبد الله ما شريت الأرض حيث انها في بلاد بعيدة ولا نعرفها،ودنا كان نشتري ارض جارنا جابر.فهو طالب فيها الف ريال )
قال ابو عبدالله (: والله يا ام عبدالله اللي صار صار.ولا ندري ويش الخيرة فيه واضاف بقوله : يا ام عبد الله ا نا عندى علم ود ىاقوله لك الشيخ يوم جيت امشي نصحني وقال اشور عليك انك تجيب عيالك الى المدينه لان فيها مصا لح واهمها تعليم العيال ويقول ابو محمد انه يمكن يحصل لنا وظيفه انا وانتي واليوم ويش رايك ؟)
- وضحكت ام عبدالله وقالت( : كيف نترك ديرتنا ومزرعتنا وحلالنا ( المواشي ) ونروح لديرة ما نعرفها ولا نعرف اهلها ،لكن ويش تعني يوم تقول انه يمكن يصير لنا وظيفه انا وياك كيف يا ابو عبد الله النسو ان يتو ظفن وهن ما يقرن ؟.. ويش بيكون عملهن اللى بيقومن به )
- يا ام عبدالله( الناس هناك طيبين ومعاملتهم حسنة ولا عندهم حسد ولا نكد،اما الو ظيفه يقول ابو محمد ان مدا رس البنات تحتاج الى رجا ل هو ومرته يكونون حرا س على باب المدرسة الر جا ل في الخارج والمره في الدا خل اما المزرعة بنخلي اخوي سالم يزرعها ويعطينا نصيبنا منها ..والحلال نبيعه.)
- كيف يا ابو عبدالله ( ..الغنم ما نصبر عنها..منين نجيب الحليب والزبد والسمن ) ، يا ام عبدالله ( المدينة فيها كل شيء..ان بغيتي بقر او غنم اشترينالك..والا ترى الحليب والسمن يباع هناك)
- .والله يا ابو عبدالله ( ما ادري ويش تقول،لكن الامر امرك..والدبرة عندك..وانا عصاك اللي ما تعصاك.)
وصل أبو عبدالله إلى المدينة ومعه عائلته زوجته واولاده الثلا ثه عبد الله وسالم وربيع وبناته الثلاث سمية ومنيرة وهيله واستأجر بيتا بقرب المسجد،وقد سر الشيخ بوصول أبو عبدالله وعائلته لان ذلك من علامات استقراره ومواصلة خدمته للمسجد،وبعد أن استقر أبو عبدالله طلب منه الشيخ ادخال ابنائه وبناته الى المدارس، وتردد ابو عبدالله بعض الشيء قبل ان يجيب الشيخ حول تدريس الاولاد،ذلك ان تدريس البنين هو تحصيل حاصل لانهم كانوا يدرسون هناك في مدارس القرية ،اما تدريس البنات الذى اشار اليه الشيخ فقد توقف ابو عبدالله حوله فلاحظ الشيخ تردده وقال له :
مالي اراك مترددا بعض الشيئ؟الا ترغب في تدريس اولادك؟
قال ابو عبدالله:يا ابا محمد. تدريس الاولاد لا مانع،اما البنات فانني اخشى ان يعيبوا علينا اهل قريتنا وجماعتنا اذا درسنا البنات .
لكن الشيخ الح عليه ولم يكن ليرفض للشيخ طلبا او مشورة..وعاد ابو عبدالله للبيت واخبر زوجته بما طلبه منه الشيخ حول تدريس البنات وفوجئت ام عبدالله واستنكرت وقالت:
كيف ندرس بناتنا ( ،هذا عيب وفضيحة عند ربعنا وأهل ديرتنا ويش بيقولون عنا ومن سيتزوج بناتنا اذا تعلمن وصارن يقرأن ويكتبن؟البنت يا ابو عبدالله تعليمها بيت زوجها
وحاول أبو عبدالله إقناع زوجته ليس لانه هو مقتنع بل إرضاء للشيخ إبراهيم،ومما قال لها:
يا ام عبدالله ( الشيخ ابراهيم عالم كبير ويفهم في امور الدين اكثر منا، ويش رأيك نسأله وأنت تسمعين عن العلم هو حلال ولا حرام؟)
ولم يدع لزوجته عذرا بعدما جعل الشيخ هو الحكم،وراح أبوعبدالله وزوجته للشيخ وسألاه عن تعليم البنات هل هو حلال ام حرام،وتجرأت ام عبدالله وسالت الشيخ وقالت :
يا شيخ إبراهيم.( .أهل ديرتنا ما بحبون تدريس البنات ويمكن يظنون انه حرام حيث انه ما أحد من أهل ديرتنا درس بناته واليوم اخبرنا جزاك الله خير ويش يقول الدين.)
وضحك الشيخ إبراهيم كثيرا واستغرب كيف أن هناك من يظن ان تدريس البنات حرام،وتعجب أيضا من عفوية وبساطة أبو عبدالله وزوجته وقال لهما:
- ان ديننا الإسلا مي يحض على التعليم للرجل والمرأة فعليكما أن تطمئنا فتعليم البنات حلال وليس حراما وتأكدا ان بناتكما اذا تعلمن فسيجدن أزواجا ربما خيرا من ازواج القرية ،ان كان هذا هو كل ما يهم ام عبدالله،وتمت القناعة وادخل البنين والبنات الى المدارس.
استقر ابو عبدالله وعائلته ونعموا بقرب ورعاية الشيخ إبراهيم ولان الشيخ إبراهيم شخصية هامة في قصتنا هذه فلا بد من أن نتعرف عليه اكثر.فهو إبراهيم ابن محمد التميميمن مواليد نجد عاش وتربى هناك وتلقى علومه الدينية بفرعيها العقدية والفقهيه على أيدي مشايخ وعلماء كبار و مشهورين وتبوء مناصب قضائية في أماكن متعددة ثم تقاعد من القضاء وقام ببناء هذا المسجدعلى نفقته الخاصة وعمل إماما متطوعا لهله ابن واحد هو محمد..وبنت واحدة هي زينب.
سعيد بعد أن ادخل أبنائه الستة إلى المدارس شعر بضغط المصاريف عليهحيث زادت متطلبات المدارس المتنوعةوذلك بالرغم من انه قد مارس البيع والشراء في سوق الغنم( وان كان على نطاق محدود) بالاضافة الى ما كان يأتيه من الصدقات والزكوات الا ان ذلك لم يعد يكفي لمصروفاته وشعر الشيخ إبراهيم بذلكفسعى للحصول على وظيفة له ولزوجته في مدارس البنات،ولما للشيخ من مكانة وتقدير فقد استطاع إيجاد وظيفة لأبى عبدالله وزوجته في إحدى المدارس ،أحس أبو عبدالله بالفرج ومضى سنتين او ثلاث وهم في حالة مستقرة ولكن الأولاد كبروا واصبح لهم متطلبات أخرى تزيد عن إمكانياتهوراح يفكر في بعض الحلولومنها بيع الأرض التي اشتراها له الشيخ فقيمتها في الوقت الحاضر قد زادت أضعافا عن قيمة شرائها، وفكر ابنه عبدالله أن يبحث عن عمل بعد تخرجه من الثانويةلمساعدة الأسرة،و أبدى لوالده رغبته تلك لكن والده استمهله لانه لا يريد التضحية بمستقبل ابنه البكر ويفضل أن يواصل دراسته الجامعية ورأى أن الحل هو بيع الأرض واستشار ابنه عبدالله في ذلك فنصح بعدم بيع الارض وكان رأي ام عبدالله أيضا عدم بيع الأرض،وكان هناك بعض الالتزامات التي تلح على أبى عبدالله ويرى انها ضرورية ولا بد من تامينها مثل شراء سيارة للأولاد وبعض الأدوات المنزلية مثل ثلاجة وغاز وبعض المفروشات لذا فقد قرر أبو عبدالله بشكل نهائي ان يبيع الأرض، وذهب إلى الشيخ إبراهيم ليعرض عليه الأمر.. لكن الشيخ الذي يتطلع إلى ابعد مما يتطلع إليه أبو عبدالله رفض بيع الأرض، ولكي يقطع أمل أبو عبدالله في البيع قال :
- إن أوراق الأرض مفقودة الآن والعمل على إخراج بديلا عنها يحتاج إلى وقت وإجراءات طويلة. وعاد ابو عبدالله يائسا لكن عبدالله اقنع والده بخيار البحث عن عمل ،وراح عبدالله يفتش عن عمل ولم يكن العمل ميسورا لشاب لا يحمل صنعة ولا مهنة وقد قرر عبدالله ان يقبل أي عمل يجده ،فعمل أول ما عمل ـ نادلا ـ في مقهى،ثم معاون سائق شاحنة..ثم في أعمال البناء ،وكان لهذه الأعمال الشاقة مردود عند عبدالله فقد منحته خبرة وصبرا واحتمالا للمشاق ومردودا ماليا ايضا دعم به نفقات الأسرة ،عبدالله لم يكن مقتنعا بتلك الأعمال الدونية التي ما رسها وكان فكره وذهنه ينطويان على طموح وتطلع لم يستطع الوصول إليه بعد.
كان محمد ابن الشيخ إبراهيم قد تخرج من الجامعة تخصص إعلام،واصبح نائبا لرئيس تحرير جريدة ( الأحوال )،وكان الشيخ قد علم بالصعوبات التي يلاقيها عبدالله في البحث عن عمل،و لانه يعرف أخلاقه وحسن سلوكه فقد أشار على ابنه محمد ان يضمه إلى الجريدةفي اى عمل ولو كان بسيطا ،وباشر عبدالله عمله في الجريدة وخصص له عمل يتناسب مع إمكانياته ،وهنا تهيا لعبدالله السبيل الذي يمكن ان يصل به الى طموحاته ،هنا ميدان تتاح وتتهيأ به مجالات العلم و الثقافة والخبرة والممارسة ،كانت طبيعة وظيفة عبدالله بسيطة ولا تستغرق كل وقته لذا فقد وجد لديه فراغا فراح بما لديه من طموح وتطلع للمعرفة راح يقرا الجريدة من ألفها إلى يائها ،ثم تطورت قراءاته فصرفها وخصصها لبعض المواضيع الأدبية والفكرية ولم يكتف بالجريدة فقط بل اتجه الى مكتبة الجريدة وانغمس بين احضانها وراح ينهل من مضامينها ولم يمض طويل وقت حتى صار لديه حصيلة وافرة من المعارف والمعلومات الثقافيةالتي تراكمت وتواترت على ذهنه وفكره، الامر الذي شعر فيه بان لديه ما يقوله ويعبر عنه،ولم تكن لديه وسيلة الا ان يكتب ويكتب ولكن دون ان يفرج عما يكتبه،وامتلا مكتبه بقصاصات مملوءة بشتى المواضيع،وفكر ان ينشر شيئا من كتاباته ولكن مكانته الوظيفية ودرجته التعليمية وعدم خبرته وممارسته للكتابة والنشر كل ذلك جعله يتردد ويحجم عن محاولة النشر،غير ان هناك امل يتطلع نحوه ذلك هو أمله في الأستاذ محمد نائب رئيس التحرير،فقد كان عبدالله يلمس منه المعاملة الحسنة والتقد ير ،ومحمد الآن هو نائب رئيس التحرير.ويتولى غالبا رئاسة التحرير حين غياب رئيس التحرير،لذا فقد فكر عبدالله أن يجرب حظه ويعرض على محمد شيئا من كتاباتهفلربما اذن بنشرها..واختار من بين ما كتب موضوعا تحت عنوان { الإنسان .. واجباته ومتطلباته }، دخل الى مكتب الاستاذ محمد واستقبله استقبالا طيبا و اذن له بالجلوس،وكان عبد الله مترددا بعض الشىء حول ما يريد قوله لكن محمدبادره بابتسامة لطيفة وقال:ماذا لديك يا عبدالله هل يلزمك أي خدمة..؟
- قال عبداللهنعم :والله يا أستاذ محمد نتيجة لتشرفي بالعمل تحت ادارتك وفي هذا الميدان الرحب الذي يزخر بالثقافة والمعرفة فإنني اشعر بان ذلك الميدان قد منحني شيئا من المعارف والمعلومات وانه قد اصبح عندي قدرة على الكتابة في شتى المواضيع،لذلك فانني قد احضرت موضوعا أتشرف بتقديمه إليك لتطلع عليه وتقرر ما إذا كان يستحق النشر.و تسلم محمد الورقة من عبدالله باسما وهو يقول:
لم لا يا أخ عبدالله ؟ إن الجريدة ميدان رحب وير حب بكل فكرة او قول فيه ما يفيد،وغالبا سينشر ان شاء الله.
انصرف عبدالله وشيء من القلق والخوف وحتى الأمل يسيطر على ذهنه حول ماذا سيقرر محمدهل تستحق المقالة النشر؟؟هل فيها ما يستفاد منه؟ اطلع محمد على الموضوع واعجب به،فهو يتطرق او يستعرض واجبات الإنسان تجاه دينه ووطنه ومواطنيه،وأيضا يذكر متطلبات الإنسان وما يجب له على وطنه ومواطنيهتلك كانت فكرة الموضوع مع التوسع بالطرح..وتم نشر المقالة وان كانت قد نشرت في الصفحات الدا خلية للجر يدة ،الا أن عبدالله قد فرح وسر جدا ،وراح يعد لسلسلة من المقالات التي يريد نشرها،ولم يكن عبدالله يظن ان تلفت مقالته نظر أحد من القراء لان كاتبها غير معروف أولا ولان موقع المقالة في مكان داخلي ومنزو ثانيا، وقد لا يستدل عليه الا من هو مدقق وعميق الملاحظة الا انه كان هناك قارئ – ما - قد قرا المقالة وتوقف عندها وقرر أن يكتب ملاحظاته عليها وينقدها ،وبعد يومين وصل إلى إدارة التحرير خطاب يحمل تعقيبا على مقالة الكاتب عبدالله، الجرهمي وأحيل الخطاب إلى عبدالله للاطلاع والرد إذا رغب..كان التعقيب تحت توقيع ـ عادل ـ و يظهر انه توقيع رمزي – وكان قاسيا ولاذعا بعض الشيء،غير انه لم يزعج عبدالله بل انه قد سر به لان هناك من قرا واطلع على مقالته واهتم بموضوعهاويرى ان النقد مشروع وان لديه ما يرد به،فكتب ردا قصيرا قال فيه:
توقعت أن تكون عادلا يا – عادل – لا سيما وان توقيعك يحمل معنى العدالة،وتابع القول : لقد قسوت يا عادل على كاتب مبتدئ وكان املى ان تكون رفيقا بملاحظاتك ونقدك، لان الموضوع الذي طرقته او طرحته بحر واسع وزورقي غير مؤهل لخوضه،وما قلته ليس الا قطرات من البحرالواسع ،وأنني آمل إن كان قلمي قد قصر أن يفيض قلمك وفكرك ليسد ما نقص من جهدي..وأرجو أن تكون في موقع ينأى بك عن القول ( فاقد الشيء لا يعطيه )،اطلع عادل على رد عبدالله وكان اشد ما أثاره تلك العبارة التي ختم بها عبدالله رده متهما فيها عادل بشكل غير مباشر وجرت مساجلات طويلة بين عبدالله وعادل لنتجاوزها مؤقتا ونذهب الى حدث مثيرو غير متوقع قد جرى في سياق قصتنا هذه فبعد مضي عشر سنوات من عمل سعيد وزوجته في تعليم البنات وبعد عمل عبدالله في الجريدة شعرت الأسرة أن لديها شيئا من الوفرة المالية لذلك فكر سعيد ان يبدا في تعمير جزء من الارض ليسكن فيه هو وعائلته ،ويوفر الإيجار.وذهب إلى أبى محمد،و أبدى له هذه الرغبة حيث قال:
يا ا بامجمد لقد توفر عندي بعض المال وارغب في تعمير جزء من الارض لنسكن فيه انا وعيالي فما رايك يا شيخ ابراهيم؟
- قال الشيخ :انا لا أوافق على البناء..
وفوجيء ابو عبدالله كيف يعترض الشيخ على البناء وهو اشد الناصحين له؟وبقي سعيد ساهما ولا يدري ماذا يقول للشيخ الذي لا يمكن ان يعصي له امرا ،كان الشيخ وهو يحب لابي عبدالله مثلما يحب لنفسه قد علم بان مشروعا حكوميا سيقام في المنطقة التي بها ارض سعيد وان الأرض ستنزع وسيجري تقديرها بثمن غالي..لذا فقد اعترض على البناء ولم يرد إخبار سعيد بما لديه من معلومات.
عاد أبو عبدالله للبيت واخبرأم عبدالله بالأمر فقالت:
- ان الشيخ لا يمكن ان يمنعك من البناء ما لم ير ان هذا المنع فيه مصلحة لنا .فلا تتعجل ،ولا بد ان الشيخ عنده دبرة أخرى فيها الخير لنا.
المفا جأ ة المذ هلــه
بعد فترة تم تنفيذ المشروع الحكومي وقدر ثمن الأرض بمليوني ريال، - مبلغ لم يكن يحلم به أبو عبدالله..وربما يلحق به خلل عقلي لو علم به دون تمهيد – وكان لدى الشيخ وكالة عامة من ابي عبدالله،وراح لكتابة العدل، وافرغ الأرض لصالح الدولة وتسلم المبلغ باسم سعيد سالم الجرهمي،كل هذا وسعيد لا يعلم،لكن الشيخ كان قد ابلغ عبداللهبالموضوع ،وحذره من ابلاغ والده بذلك،ثم اتفق الشيخ وعبدالله واشتريا عمارة بهذا المبلغ من ثلاثة أدوار و بها اثنا عشر شقة باسم سعيد.ثم جاء الشيخ وعبدالله وابلغا سعيد بأنهما قد استأجرا له شقة واسعة في عمارة وطلبا منه وعائلته الانتقال إليهاولم يدرك سعيد ماذا يحدث،وقال في نفسه..كيف يمنعه الشيخ من البناء ثم يستأجر له شقة بايجار مرتفع ؟ كان الشيخ قد طلب من عبدالله أن يفتح حسابا في البنك باسم والده وان يتولى تأجير باقي الشقق وإيداع الإيجار في البنك،بقي ان يقوم الشيخ وعبدالله بإبلاغ سعيد بالأمر..ولكن كيف ؟ قال الشيخ لسعيد:
ويش رايك يا سعيد؟ الأرض مسيومة بخمسين الف ريال .هل توافق على بيعها ؟
واستغرب أبو عبدالله كيف يريد الشيخ بيع الأرض بهذا المبلغ القليل؟ وقال :و الله يا ابو محمد هذا الثمن اظنه قليل وانت اعرف منى با سعار الا راضى
قال الشيخ كم تقدر ثمن الأرض؟
قال سعيد :والله يا أبو محمد انا ما اعرف أسعار الأراضي،ولكن يقولون الناس أنها غالية في المنطقة اللى فيها أرضنا،وسال الشيخ مرة ثانية..كم تقدر ثمنها؟ قال : يمكن سبعين أو ثمانين ألفا، وأنت اعرف مني يا ابو محمد.
قال الشيخ:طيب لو بعناها بمائتي ألف ريال .ويش تقول؟ والله القول قولك يا ابو محمد .أنت ما تريد لنا الا الخير.:
قال الشيخ الأرض بعناها بثمن معلوم بيني وبين عبدالله وشرينا العمارةاللى انت ساكن فيها بالتقسيطودفعنا ثمن الأرض من ثمنها،والباقي تكفلت فيه انا وعبدالله وسيؤ جر عبد الله الشقق ويسدد راعي العمارة.
كان أبو عبدالله يسمع هذا الكلام وكأنه في غيبوبة او في حلم وبقي ساهما لا ينطق ثم أجهش بالبكاء،وراح يتلمس يدي الشيخ ويقبلها ويقول:هذا كثير هذا كثير ياشيخ..الحمد لله الحمدلله.. الله يجزاك عنابالخيرو.الله يوفقك ويرحم والديك..هذه نعمة..وفضل من الله ثم فضل منك يا أبو محمد.
الحو ار مع المجهول
ونترك أبو عبدالله و أسرته يتمتعون بما رزقهم الله به، ونعود لنتابع الصحفي عبدالله الذي برع وتقدم في مهنته واصبح قلمه وكتاباته مشهورة وكان له نقد لاذع وحاد لبعض الدوائر الخدمية التي لا تفي بواجباتها حتى أن بعض هذه الدوائر قد تضجرت وتضررت من كتاباته مما حدى بها أن تكتب للجريدة ولرئيس التحرير بالذات ،وكان محمد ابن الشيخ إبراهيم قد اصبح رئيسا للتحرير وهو من شجع ودعم عبدالله بكتاباته ـ ،وكان عبدالله لم يزل يعاني من ذلك الكاتب المتستر وراء الاسم المستعارـ عادل والذي لم يستطع التعرف عليه ، وكان عادل هذا قد اتخذ وسيلة للتحاورمع عبدالله ليتجنب فيها التر اسل المباشر او غير المظمون ،وقد اختار طريقة لا تخطر على بال عبدالله ، ولان عادل ليس في الحقيقة سوى زينب بنت الشيخ إبراهيم..وهي جامعية تخصص دراسات اسلامية لكن لها ميول ادبية وتتابع الصحافة عن كثب لا سيما وان اخيها رئيس تحرير جريدة الاحوال،عادل او زينب قررت ان تمضي في الاتقاء خلف اسم عادل ،و لكن كيف تواصل التحاور معه دون ان يكتشفها ؟ فكرت زينب ان تغزو عبدالله من اقرب الناس اليه،فقد استدعت سعيد ابو عبدالله وهو قد اصبح صديقا مخلصا لعائلة الشيخ،وقالت له:
هل تؤدي الأمانة يا أبا عبدالله وتحافظ عليها؟
وانتصب أبو عبدالله و – انتخى- وقال..من غيري يحمل الأمانة ولا سيما عندما تطلب ذلك ابنة الشيخ الأعزعندي بعد الله!!
قالت زينب..شوف يا أبا عبدالله ..إن ابنك عبدالله قد اصبح كاتبا بارعا في الجريدة،وأنا أتابع مقالاته واكتب اليه ولكن باسم مستعار هوـ عادل ـ ،وكانت رسائلي اليه عن طريق البريد لكنها قد تتعرض للضياع او الاهمال..لذا فقد قررت أن أحملك أمانة حمل رسائلي إليه،وتأتيني منه بالرد..وأنا لا أريد أن يعرف من قريب او من بعيد من أنا.فهل أنت مستعد لان تحمل رسائلي وتكتم سر شخصي ولا تخبر عبدالله مهما ضغط عليك او استمالك او تحايل عليك؟
..قال سعيد:..أنا على قدرالأمانة،وثقي وتأكدي بان سرك في بئر ولن يعلم هو او غيره بسرك قالت زينب : اسمع يا عم سعيد بما انك قد تعودت ان تاتيني بالجر ائد والكتب التى احتاجها فستكون رسائلى تسلك هذاالطريق
كان عبدالله قد تلقى من عادل ردا على رده الذي نشر في الجريدة وكان الرد به شيء من الحدة واللوم وكان مما قاله عادل لعبد الله اذا كنت لا تحسن ركوب الخيل فلماذا تعتليها واشار عادل بأنه سيبعث رسائله الحوارية في المستقبل بطريقة تختلف عن المتبع و،أضاف أن نشر الحوارمسئولية تخصك وانت من يقرر ذلك واردف قا ئلا اذا كنت موافقافسنمضي في الحوار وسيأتيك رسولي بر سائلى و يستلم ردك وإجاباتك
،وازداد عبدالله توترا..ما هذا الذي يتلاعب بمشاعرى ؟ ويرسم ويخطط ويحدد اسلوب الحوار وطريقته،ومساره و التواصل أيضا يحدده ؟ وبقي عبدالله ينتظر الرسول،مضى يومان وثلاثة
وأربعة ولم يصل الرسول،وساور عبدالله ا لقلقفي اليوم الخامس جاء والد عبدالله إلى مكتب ابنه في الجريدة ونهض عبدالله ليحيي والده الذي لم يتعود زيارته.جلس سعيد وقال لابنه:
يا ولدي..لقد حملت امانة لاصل بها إليك..فهاهي ولا تسلني من الذي أرسلها،فلن تسمع مني قط اسمه الا انه عادل فقط.وفوجئ عبدالله وتصبب عرقا وقال :.كيف لهذا العادل الذي غزاني من اقرب الناس إلى ؟انها مبالغة من هذا المدعى لا جهادى هنيا وفكريا
قال عبدالله:أشكرك يا والدي.ولكن أرجوك أن تشير إليه،هل هو قريب أم بعيد..اعرفه ام لا اعرفه ؟ إن هذا الإنسان قد تغلب علي وجعلني اشعر بقلق وحيرة، إذ كيف يخاطبني إنسان ويحاورني و انا لا اعرف من هو؟
قال سعيد:لا تحاول..فلن تسمع مني شيئا مما تريد.لقد قطعت عهدا.وأنت تعرف عهد ابا ك
قبل أن ينصرف والد عبدالله قال :سامر عليك غدا لاستلم الرد إن كان لديك رد،وغادرالمكان تاركا عبدالله في ذهول وحيرة.
كتب عبدالله رده الذي سيسلمه لوالده قال: متخذا من تشبيه عادل مثالا:إن الخيال او الفارس الذي يجيد ركوب الخيل لم تلده أمه خيالا بل أكتسب ذلك من خلال الممارسة،وفعل الخطا والصواب اما شروطك واملا ءاتك وغزوك لى من اقرب الناس لى فا نها قدرة بل سلطة تخيفنىويعلم الله ما ذاينتظرنى على يديك ،كان ذلك هو الرد الذي تعمد ان يجعله مقتضبا مختصرا،وهو في الواقع يتضمن تحليلا وتفسيرا لو عمد إلى ذلك وجاء والده واستلم الرسالة
وكان رد عادل يشبه رد عبدالله مقتضبا ايضا حيث قال:
إن من يريد تعلم ركوب الخيل ليس من حقه أن يمارس تجاربه في أوساط الجماهيربل عليه ان يحترم ويصون سلا مة الجميعواضا ف عادل لاتخف يا عبد الله فلن يلحق بك مكروه في صحبتى
ورد عبدالله :إن المهارة والمعرفة التي تلزم لكل إنسان هي من متطلباته عند مجتمعه،وعلى مجتمعه ان يتحمل مسئو ليته قال عادل:نعم ..للإنسان متطلبات مستحقة عند مجتمعه..ولكن متطلباته تلك لا تبيح له أن يخالف القو انين و الو اجبات ويمارس المهنة دون اتقانها
قال عبدالله: هل لديك يا عادل إحصائية موثقة بان جميع من يمارسون المهن قد مارسوها بعد اتقانهم التام لمتطلباتها ؟ وان افترضنا جدلا وجود هذه الإحصائية..فإنها ستكون متدنية. جدا - عادل:هذا لا يعطيك المبرر بان تتجاوز الأصول والقوانين يا عبد الله
عبدالله:لا ادري ما الذي تعنيه من القوانين..هل هي تلك التي يعترف بها الضعفاء؟ ام التي يعبث بها الاقوياء؟-
عادل المهم انه :يوجد أنواع كثيرة من القوانين طبقت ام لم تطبق.فهل لديك الاحاطة بشيء منها؟ ا م تريد الإشارة إلى بعضها؟
- عبدالله :مالفائدة من كثرة القوانين إذا لم يتقيد بها الجميع..كيف نلتزم بها وغيرنا لا يلتزم؟
- عادل:إذا انتهك الآخرون القوانين وارتكبوا أخطاءا وجرائم فهل تجيز لنفسك أن تفعل مثلهم؟
- عبدالله:لا :ولكن إذا كان الآخرون قد طالني ظلمهم أفلا يجوز لي أن أرد الخطا ؟
- عادل ان العدالة والقوانين تجيز الدفاع عن النفس ولا تجيز العدوان.او التعدى
- عبدالله: لقد قلت ان هناك الكثير من القوانين فهلا ذكرت ما يهمنا منها؟-
عادل :أهم القوانين اثنان..الأول والاهم هو القانون الذاتي المنبثق من داخل الإنسان وما يحمله من قيم وأمانة و أخلاق ودينوهذا أكثرها اهمية لانه قد رسم وقرر من قبل الخالق العزيزأما الثاني..فهو قانون دولي وضعي تصوغه غالبا قوى متنفذة وتضع هذه القوى بين ثناياه - وبشكل غامض – ما تستطيع به التحلل منه والاحتلال باسمه ،وهناك قوانين أخرى يسمونها حقوق الإنسان وهي أيضا لا يلتزم بها الكثير من الجهات المتنفذة.
- عبدالله :يا عادل..لقد أخذتنا إلى متاهة واسعة وموغلة في القوانين التي لسنا بصددها،ولا تعنينا كثيرا..وكنا نود ان نبقى في حدود مهمتنا الأساسية وهي الإنسان واجباته وحقوقه.
- عادل :ما ذهبنا إليه سياق للموضوع وله علاقة وثيقة به.
- عبدالله :يبدو انك يا عادل تميل إلى الجدل واطالة الحوار.
- عادل :ليس هذا جدلا..فالجدل في العرف يعني نوعا من الخصومة..وأنا لا خصومة بيني وبينك هو حوار.حوار له مردود معرفي .
- عبدالله: انك تبهرني يا عادل.و أخشى من أن يظهر عجزي عن فهمك. فمن أنت يا هذا الذي اعترف له؟ اعترف لي.. وإلا فدعني وسبيلي.
- عادل:ها أنت تحاول الهرب أو الهروب..أو تتلمس الأعذار إليه..أما من أنا..فأنا أمر محذور معرفته ودونه ا سوار من حديد.
- عبدالله :ما هذه الصاعقة التي أرسلتها ؟ كيف؟ أيوجد أسوار من حديد تمنع المعرفة والحقيقة؟ انك تلقي بي في المتاهة.-
عادل:نعم يوجد أسوار.فأنت لا تعلم الغيب ولا تدري ما هنالك من حقيقة وموانع.
- عبدالله :ماذااسمع و..ماذا ارى والمس و أحس.؟.من يدعي العدالة والقانون الخلقي ويجادل بل يتباحث مع الآخرين.ها هويصر على الاختفا ء و يوغل في التهرب. من المواجهة ويبقى متمترسا خلف ذاك الاسم البراق.ـ عادل
- عادل :يبدو انك – عبدالله - تريد أن تطوع الأمور- التي لا تعلم خفاياها - كما تريد،وكما تهوى..لا تتمادى..وقف عند حدك .
- عبدالله :انك عادل تذهلني..بل تذلني..فعندما تأكد لديك انك قد جعلتني أسيرخلفك واعترف بمنهجك ،ها أنت تتخلى عني وتوغل في تكديس القلق في نفسي.
- عادل:لا..لن أتخلى عنك،و ما د مت قد اعترفت بالمنهج الخلقي وقررت السير فيه،سوف ابقى على اتصال و حوار معك،ولكن دون ان اكشف أوراقي..اقصد شخصي.
- عبدالله:أنت تسلط علي الإحباط وتثير في نفسي الشكوك حول شخصيتك،مما يزيد عندي الاصرار للوصول إليك،فعليك يا عادل إن كنت عادلا ان تخفف عني هذا القلق..وهذا الوهم الذي تكيله لي كيلا..أرحني بالله عليك.
- عادل:ينبغي أن تكون اكثر اتزانا واكثر تعقلا،فأنت الآن ممن يعملون في قيادة الرأي العام – صحفي – ومعرفتك لشخصي لا تقدم ولا تؤخر..فتمهل إذ ـ ربما ـ يحدث ما لم تحط به أو تظن بحدوثه،أو لا يخطرعلى بالك.-
عبدالله:لا زلت يا عادل المجهول تتمادى في الغموض وعدم الوضوح،إنني اشعر بميل يدفعني إلى الامتناع عن التعامل معك..فقد أصبحت وهما وسرابا ، و- ربما - تلك التي زرعتها في حقل الشوك قد لا تقنعني..ولا أرجو من ورائها انفراجا.
-
مهنة المتا عب وحصادها
عا دل :لا أظنك جادا في تهديدك هذا- الامتناع -، وأنا متأكد من انك ستمضي في مسيرتك معي الى النهاية.
- عبد الله : عادل اننى استوقفك عن الحوار- طلب وقف وليس انقطاع - ذلك أن مهنتي او مسئولية مهنتى قد دعتنى اواستدعتنى ، ولا ادرى ما وراء هذا الاستدعاء ، ارجو ان يكون خيرا واعدك با ن الاتصال بك سيمتد بعد العودة ان هى حصلت .كان عبد الله قد واصل تعليقاته ونقده اللاذع لبعض الدوائر الخدمية لد رجة ان بعضها قد كتبت للدوائر الامنية المختصة حول ما يكتبه الصحفي عبدالله بجر يدة الأحوال، وان ما يكتبه فيه تجاوز و خروج على اختصاصات تلك الدوائر وصلاحياتها ، وحين تواترت تلك الكتابات الى الجهات الامنية ، فقد تصرفت واستدعت الصحفي عبد الله ، وكان ان مثل امام احد الضباط المختصين { ولنسمه تجاوزا زيد }.. ودار الحديث - ولا أقول التحقيق – التالي:
الضابط زيد :عبد الله انت متهم من بعض الدوائر بانك قد تطاولت على صلاحياتها وواجباتها.. فبماذا ترد ؟
- عبد الله : هذه تهمة اشعر و اتو قع حدوثها ، ولكن عندي ما ارد به عليها.. ان ما اقوله ليس تطاولا ، وانما هو نقر على اجراس الابو اب المغلقة وتذكير من بداخلها بالامانة التى عهد بها اليهم من قبل ولى الا مر ، فا لكثير منهم لم يفوا بوا جباتهم ولم يؤدوا الامانة .
- زيد: هل تستند فى كتاباتك واتهاماتك على معلو مات صحيحة ووثيقة ؟ ام تعتمد على الإشاعات والاقوال العامة ؟
- عبد الله : ان المعلومات الصحيحة والوثيقة من المستحيل الحصول عليها ،لان من لديهم تلك المعلومات .. يعتبرونها اسرارا.. و انها ملك لهم وحدهم وانه لايجوز لغيرهم الاطلاع عليها .
ـ زيد اذا كيف تكتب وانت ليس لديك ما تستند عليه
- عبدالله: اننى اكتب بناء على المعطيات التاليه .مما لاشك فيه ان الدولة اعزها الله ، تعتمد فى كل عام ميزانيات وافية وكافية لشتى المشاريع و الخدما ت وهذه الميزانيات تعلن وتنشر من قبل الدولة ويطلع عليها سائر المواطنون ، وعند ما يخصص لمدينة- ما - ميزانية للخدمات فذ لك يعنى ان لي و لك ولسائر سكان المدينة حق في الانتفاع بتلك الميزانية ، وانه يحق لكل مواطن ان يشعرويحس ويرى كيف صرفت هذ ه الميزانية من هنا كانت منا شد دتي للمتنفذ ين فى تلك الدوائر. -
ـ زيد : وما دليلك ان تلك المدينة لم تنتفع بالميزانية المخصصة لها ؟ - عبدالله: الادلة كثير ة ، ومجملها ان ترى المدينة بعد نهاية السنة المالية.. ولم ينفذ بها الا مشاريع بسيطة لا ترقى الى مستوى الاعتمادات التى اعتمدتها الدوله، ولعل اهم ما يلفت النظرهو التر كيز على تنفيذ الا شكال الجمالية التى يصرف عليها الكثير من الميزانية وبشكل يثير الشبهة ، فى حين انها لاتمس مصلحة المواطن ولا منفعته المواطن ، الذى يريد شا رعا مسفلتا خال من الحفر والمطبات.. يريد احياء نظيفة وشوارع غير طافحة بميا ه المجاري لعدم وجود صرف صحي-
زيد: لما ذا لم نسمع او نرى نقدا لاذعا من غيرك ؟، الا يعنى هذا ان الامور تسير على مايرام
- عبدا لله: المواطن هنا اتكالى وقد اقول سلبيا ، فالمنفعة العامة لاتشغله بقدر ما هو مشغول بشئونه الخاصة ، وان وجد قلة منهم فان الدوائر لاتلتفت اليهم ولا تهتم بهم ، وان ألح أحدهم وبالغ فى الحاحه فا ن هناك بحر من البيرقراطية والروتينية سيغر ق فيها هو وإلحاحه ومتابعته
- زيد: لما ذا لايوجد فى وسائل النشر الاخرى من يدعي مثل ما تدعى و ينقد كما تنقد وبشكل لاذع
- عبدالله: ان و سائل الاعلام الاخرى لم تهمل التذكير والنقد ، ولكن ربما كلت او يئست فتراجع تذكيرها و لا اقول توقف
- زيد: هذا يعنى انك قد تسلمت مهمة النقد وتصديت لها ، وتخيلت انك القاد ر الوحيد ؟.
- عبدالله: لايا سيدى لست القادر الوحيد ، بل هناك من هو اقدر منى قولا وحجة وبلاغة ووطنية ايضا .. فمن اكون انا ؟ سوى مواطن بسيط دفع به حب بلاده لان يشقى نفسه ويعرضها للمخاطر،فماذا سيكون هدفي الا ذلك الهدف
ـ زيد : ما لذى تقصده ومالذى تريد ان تصل اليه..وما هي وجهة نظرك ؟ . - عبدالله: سؤال كبير يا سيدى قد لا اكون في مستواه . ولكن سوف اجيب بما استطيع ، انما اريده هو ان يشعركل موظف – صغير ام كبير – ان امانه قد وضعت في عنقه وانه مسؤول امام الله اولا ، وثانيا امام ضميره ووطنه ، وما اريد ه ايضا ان تجرى محاسبه كل متهاون وكل متواطىء وكل منحرف ، اريد ان يسن نظام الثواب والعقاب ، اننا لم نسمع ان موظفا قد حوكم او حوسب على اخطائه وخاصة الكبار، ربما وجد ت محاسبه ولكنها بشكل غير علني ، وحبذا لو كانت علنية لتكون عبرة وتحذيرا للآخرين
- زيد:تكاد ان تشرع يا عبد الله او تامر بسن قوانين
- عبدالله: ابدا سيدى انا لا اشرع ، ولكنهاوجهة نظر و جهد مواطن غيور على بلده ودولته لا نه يشعر ان بلده ودولته لم تأل جهدا في البذل والعطاء ،لكن بعضا ممن يوكل إليهم الامر قد لا يكونون عند حسن الظن أو على مستوى المسؤولية .
- زيد: يبدو أننا يا عبدالله قد وصلنا إلى نهاية الحديث ، وانه من طبيعة الأمورومن مقتضيات الأوامر؛ اننا سنستضيفك لبعض الوقت حتى تتضح وتنجلي الأمور‘ ونبلغ الأمر لمن له الأمر، فنرجو أن لا تجزع وأن لا تفاجأ .
- عبدالله: لن أجزع يا أخي زيد،فأنا لم أحل في هذه الضيافة – التي لا يهواها الضيوف – لأنني قد ارتكبت أمرا مخلا بالشرف أو قمت بخيانة، وإنما أشعر بأن حلولي في هذه الضيافة أمر يقوي من عزيمتي على المسير في سبيل خدمة بلدي ، الذي من أجله وصلت إلى دار أبي سفيان.
- زيد: تعني أنك ستواصل الكتابة والنقد على طريقتك السابقة .
- عبدالله: هذا إذا لم يجفف مداد قلمي اخى زيد
كان الضابط زيد من الضباط المثقفين الواعين الذين يحملون مسؤولية وطنهم في أمانة وإخلاص ويدركون ما يضره وما ينفعه،وقد لمس زيد بان الشاب عبدالله متحمس ودوافعه اجتهادية ووطنيه وإنه لا يهدف إلى نوايا سيئة وأنه سليم الطوية ، كتب زيد تقريره للدوائر العليا وضمنه رأيه ، واقتر ح أن يطلق سراحه مع نصحه بعدم الإندفاع الشديد ،واتباع النقد الهادئ والموضوعي وأن يستند على معلومات موثقة قدرالمصتطاع .