عصامي شق حياته من قرية الوادي الأبيض ليسطع اسمه في جامعة هارفرد أعرق الجامعات الأمريكية وكُلف قبل 3 اشهر برئاسة واحدة من أعرق المجلات الاقتصادية "مجلة فوربس"في نستخها العربية لتصدر من "دبي" لم يكن يعلم ذلك الفتى الصغير الذي يشق الجبال والصحراء ذهابا وإيابا، ويكتب بأصابعه على الهضاب والرمال التي تتحرك ببطء تحته، أنه سيكتب بذات الأنامل في صحيفة نيويورك تايمز، سيحمل ذات الجسد الذي يتهادى خلف الأغنام التي يرعاها بين قريته وقرية آل بلحي وقرى أودية عبيدة إلى جامعة هارفارد العريقة التي أصبح أحد باحثيها.
" إختطف السعوديون طائراتنا و هاهم يختطفون صحافتنا". بهذه العبارات المناوئة استقبله أميركيون عندما انتشر اسمه في صحفهم. مازال يتذكر الدكتور سليمان الهتلان بيت الطين والرقف والملهب في قرية"الوادي الأبيض" يصعدها ليلا لينشد قصائده على مسامع حبيبته التي لم يرها حتى اللحظة ، صور جده ( جبران ) تجول بحبور في ذاكرته هي و ( الرشاش ) الذي كان يحمله في الأعراس و ( الجنبية ) التي يحزمها بإخلاص على جسده، جادلته في قريته حينما زار والده الصيف الماضي ووالدته التي أحبها كثيرا ورعاها أكثر وتناولنا طعام العشاء سوية في فندق قصر أبها، يعترف بجذوره ويعشق قريته ويحب أهل محافظته ، الهتلان ذلك الشاب الرائع تذكرته مع كتابة الرائع الدكتور علي الموسى فعمل حراكاً أجبرني على أن أواكبه في كتابة الحدث الأبرز في محافظتنا ، كنت ساكتب عنه لكم يوما ما ولكن أبو "مازن " حرك الشجون وأجبرني أن أقول بعض ما أعرفه عن سليمان.
وتحدث الأستاذ في جامعة الملك خالد بأبها الدكتور على بن سعد الموسى في زاويته اليومية بصحيفة الوطن هذا اليوم عن رجل
فقال: أستمتع الآن بقراءة الإصدار الأخير لمجلة - فوربس - في نسختها العربية تحت إشراف رئيس تحريرها الأنيق الدكتور, سليمان الهتلان. للاثنين, المجلة ورئيس التحرير, معي قصص لذيذة بدأت ذات يوم بعيد عندما طلبت مني أستاذة علم الإنسان والأديان بجامعة كلورادو الأمريكية, كارول كاتشوي, أن أكتب تعليقاً مختصراً عن موضوع غلاف المجلة الذي كان يومها عن التسامح العرقي للمجتمع الاقتصادي السعودي في نهاية الثمانينات الميلادية بوصف هذا المجتمع واحداً من أكثر المستقبلين لجنسيات الكون وقواه العاملة التي تأتي من كل حدب وصوب للعمل في المملكة. كانت مجلة فوربس ومازالت واحدة من رواد العمل الإعلامي الاقتصادي الرزين, وكان جمالها أنها تقدم المنشط الاقتصادي من زاويته الاجتماعية, ما يجعل تصفحها متعة بعيدة عن جفاف الأرقام وصلابة المعادلة.
كان المجتمع السعودي, على واحد من أغلفتها القديمة, مثالاً للقبول والتسامح مع الآخر, ولا أدري اليوم هل تغير الحال أم إن المراسل, صاحب التحقيق الجميل كان مخدوعاً, فلم يستطع استكشاف ما تحت السطح من كوامن فجرتها أزماتنا الراهنة. كنت أحلم يومها أن أجد في عالمنا العربي نماذج إعلامية على غرار فوربس وفورتشن وفيشن ونيو ستيت مان, لأن هذا الإعلام الموزون الرصين هو جوهر تشكيل العقول بعيداً عن الأدلجة وفرض الآراء والثقافات. كنت أحلم بنسخة عربية على الأقل حتى حققت فوربس هذا الحلم, ثم اختارت, وياللمصادفة المذهلة, رفيق القبيلة والمحافظة والمدرسة, سليمان الهتلان, ليرأس المهمة. كنت فيما أتذكر, أكبر سليمان بعام دراسي واحد في الثانوية الوحيدة آنذاك بمحافظة سراة عبيدة. كنا نتسابق كل في صفه على كلمات الصباح ونزهو حين نجد اسمينا على لوحة الشرف دون أن نعلم أن تفوقنا المزعوم كان على فصول لا يتعدى طلابها عدد أصابع الجسد, ولا ندري اليوم على أي لوحة كنا سنكون لو أن السباق كان مع طفرة اليوم السكانية. كنت ومازلت أقول له إننا جيل طفرة وجد المائدة متخمة وحولها ملاعق من ذهب ولو أننا ننافس على ذات الفرص اليوم لكنا, بكل شرف, في لوحة المجهولين.
ذهبت للغرب للدراسة على منحة كاملة وذهب سليمان عصامياً بعد أن جمع رواتبه من صحيفة سعودية نشرت كل أتعابه الطويلة لديها على صفحة كاملة وكأنها منّة منها لعجوز في الضمان الاجتماعي. عاد سليمان فوجد نفسه غريباً وأخضعته جامعة سعودية لجلسات اعتراف كي تمنحه وظيفة أستاذ وهو الذي يدرس بعد الدكتوراة على منحة دراسية من جامعة هارفارد, أم الجامعات العالمية. عاد غريباً على قبيلته لمجرد تفاصيل الوجه التي لا تخضع لمقاسات القبيلة وقياساتها الاجتماعية. لم تحاسبه القبيلة على أفكاره فحسب, بل على عزوبيته الطويلة وسط قبيلة كانت تظن أنه من العيب أن يبلغ الرجل الأربعين ولم يهم بالرابعة. تزوج النسخة العربية, والعربية تحديداً, من فوربس وهو أهلٌ لأن يتزوج النسخة الأمريكية - فانتظروه لسبب بسيط: لأنه عصامي مبدع ومن سراة عبيدة.