مسن من سراة عبيدة طاف بالبيت العتيق سباحة وأدمت الثلوج جسده في الجمرات
كبار سن يروون ذكرياتهم ويؤكدون أن الماضي كان أجمل
مسن طاف بالبيت العتيق سباحة وأدمت الثلوج جسده في الجمرات
أجمع عدد من كبار السن في سراة عبيدة على أنهم لم يغادروا السعودية إلى أي بقعة في الأرض، وأوصى بعضهم أبناءه أنه لو مات وهو في علاج بالخارج ألا يدفن إلا في المملكة، وذكروا أنهم عانوا كثيراً في بداية تأسيس الدولة، حيث سار بعضهم للحج على أرجلهم أو دوابهم التي كانت نادرا ما تتوفر، وكانوا يتكبدون عناء السفر في طريق الحج، وكان ذلك يتزامن مع الخوف والقلق من مثلث عين اللوي، حيث كان السلب والنهب على أشده، وأجمع المسنون أنهم شعروا بحياتهم الحقيقية منذ استتباب الأمن في السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز.
وقال فهد بن مسفر آل حيان (93 عالما) إنه لم يعرف في حياته التي تجاوزت التسعين عاماً سوى الطريق المؤدي إلى البقاع المقدسة، وأنه كان يستغرق شهراً للوصول إلى مكة المكرمة سيراً على الأقدام، متزوداً بما تجود به نفس المواطنين الساكنين قرى بني شهر وبني عمر وبلقرن وشمران وخثعم، وأن طريق الهدا في الطائف أخذ منه يوماً كاملاً سيرا حافي القدمين، مشيرا إلى أنه لن ينسى الموقف الذي تعرض له في الجمرات حين هطلت الأمطار بغزارة مصحوبة بزخات من البرد أدمت جسمه النحيل.
ويتذكر آل حيان أن المسعى بين الصفا والمروة كان في الماضي لا يتسع إلا لأعداد قليلة لا تتجاوز 400 حاج، وكانت تعبر إلى جانبهم أثناء سيرهم على طريق الحج شاحنات كبيرة تسير وسط الوحل لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، كان يستخدمها كبار الحجاج، ويتذكر أنه طاف حول الكعبة في إحدى المرات سباحة، وأنه بنى بئرا في منطقة الحوية بمحافظة الطائف، وأن سمو الأمير عبدالله الفيصل كان يساعدهم، ويشد من أزرهم، وكان يتسامر معهم ليلاً، وذات مساء حضر إليهم الملك فيصل رحمه الله وأخذ يداعبهم، ويتبادل معهم بعض القصيد والأشعار الشعبية.
وقال آل حيان إنه يكره ما أسماه بالصحن الكبير، ويقصد صحن التقاط الفضائيات "الدش"، لأنه يأخذ وقت الشباب بغير فائدة، ويلهيهم عن أداء الصلوات، وبه الكثير من التجاوزات، سواء في الطرح أو المضمون.
وعن التجارة قديماً قال: "كان الدكان الشعبي هو الوحيد الذي تمارس منه أنشطة المقايضة، فكان البدو من تهامة والسراة يصلون إلى خميس عبيدة بأغنامهم، حيث كانت تتم مقايض الأغنام ببعض الحبوب من بر وشعير وذرة، وكان وجود الأرز نادرا، وإن وجد فنوعية رديئة لها رائحة غير طيبة، وكان النوع المشهور منه يسمى "أبو بكة"، وأشار آل حيان إلى أنه كان يستخدم جمالاً في نقل البضاعة بين مختلف الأسواق في عسير، وكانت كل منطقة مشهورة بصنف معين، فتتم المقايضة بين المحاصيل لتحقيق الاكتفاء.
ويصف محمد علي مفرح (72 عاما) حياة اليوم بأنها مثالية لتوفر كل المتطلبات التي يريدها الإنسان، إلا أن كثيرا من المظاهر الحضارية طغت على الناس، فنغصت عيشهم، وأوجدت فوارق اجتماعية، ولم يعد بين الناس ذلك التلاحم الذي كان في الماضي، ويعبر عن الحنين لحياة الماضي وعاداته، وخاصة المشي والسير الطويل، يقول: "بالأمس لم تكن لنا كروش، لأن المشي كان عدوها الأول، وكانت لنا سيقان مفتولة وكنا نعتمد على أنفسنا في كل شيء".
ويضيف محمد بن ظافر آل قريش (87 عاما) أنه يسمع بالإنترنت من خلال أحفاده، ويذكرون له التجاوزات التي تحدث من خلاله، ويطمع أن توظف لخدمة البشرية، بينما يؤكد سعد بن ناصر البسامي (79 عاما) أنه يتابع من خلال المذياع الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، وأن أمريكا تساعد المحتل وتمده بالعون والسلاح.
أما عبدالرحمن علي الفقاعيس (75 عاما) فيذهب إلى أن العرب هم المسؤولون عن ضياع الدولة الفلسطينية، وأن الحياة كانت في الماضي أبسط، وكان يتمنى أن توجد السيارات والطائرات في زمنهم، ليتمكن من التعرف على العالم الذي لا يعرفه إلا من خلال ما يشاهده في القناة السعودية الأولى.
المصدر