معلقة أمروء القيس.. مع شرحها.. والتعريف بالشاعر


مجلس عذب الكلام مختارات الأعضاء والقصائد المنقوله

 
قديم 01-06-2007, 03:16 AM
  #1
عبدالله الوهابي
مراقب سابق
تاريخ التسجيل: Apr 2005
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 5,988
عبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond repute
Read معلقة أمروء القيس.. مع شرحها.. والتعريف بالشاعر

هذه معلقة أمرؤ القيس وفيها شرح القصيدة والتعريف بالشاعر ..

معلقة امرؤ القــيس

[poem=font="Simplified Arabic,4,darkred,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,limegreen" type=4 line=0 align=center use=sp num="0,black"]
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ = بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها = لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَـا = وَقِيْعَـانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُــلِ
كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُـوا = لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفاً بِهَا صَحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُـمُ = يَقُوْلُوْنَ لاَ تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّـلِ
وإِنَّ شِفـَائِي عَبْـرَةٌ مُهْرَاقَـةٌ = فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَـا = وَجَـارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَـلِ
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَـا = نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً = عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي مِحْمَلِي
ألاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِـحٍ = وَلاَ سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُـلِ
ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَي مَطِيَّتِـي = فَيَا عَجَباً مِنْ كُوْرِهَا المُتَحَمَّـلِ
فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَـا = وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّـلِ
ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْـزَةٍ = فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلاَتُ إنَّكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعـاً = عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
فَقُلْتُ لَهَا سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَـهُ = ولاَ تُبْعـِدِيْنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّـلِ
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِـعٍ = فَأَلْهَيْتُهَـا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْـوِلِ
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ = بِشَـقٍّ وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَـوَّلِ
ويَوْماً عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَـذَّرَتْ = عَلَـيَّ وَآلَـتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّـلِ
أفاطِـمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ = وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي = وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ
وإِنْ تَكُ قَدْ سَـاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَـةٌ = فَسُلِّـي ثِيَـابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُـلِ
وَمَا ذَرَفَـتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِـي = بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّـلِ
وبَيْضَـةِ خِدْرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَـا = تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَـلِ
تَجَاوَزْتُ أحْرَاساً إِلَيْهَا وَمَعْشَـراً = عَلَّي حِرَاصاً لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْتَلِـي
إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ = تَعَـرُّضَ أَثْنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّـلِ
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَـا = لَـدَى السِّتْرِ إلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّـلِ
فَقَالـَتْ : يَمِيْنَ اللهِ مَا لَكَ حِيْلَةٌ = وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِـي
خَرَجْتُ بِهَا أَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَـا = عَلَـى أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّـلِ
فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَـى = بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
هَصَرْتُ بِفَوْدَي رَأْسِهَا فَتَمَايَلَـتْ = عَليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَـلِ
مُهَفْهَفَـةٌ بَيْضَـاءُ غَيْرُ مُفَاضَــةٍ = تَرَائِبُهَـا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَــلِ
كَبِكْرِ المُقَـانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْــرَةٍ = غَـذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ المُحَلَّــلِ
تَـصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أسِيْلٍ وَتَتَّقــِي = بِـنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِـلِ
وجِـيْدٍ كَجِيْدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِـشٍ = إِذَا هِـيَ نَصَّتْـهُ وَلاَ بِمُعَطَّــلِ
وفَـرْعٍ يَزِيْنُ المَتْنَ أسْوَدَ فَاحِــمٍ = أثِيْـثٍ كَقِـنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِــلِ
غَـدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُــلاَ = تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَــلِ
وكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّــرٍ = وسَـاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّــلِ
وتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَـا = نَئُوْمُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّـلِ
وتَعْطُـو بِرَخْصٍ غَيْرَ شَثْنٍ كَأَنَّــهُ = أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاويْكُ إِسْحِـلِ
تُضِـيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَــا = مَنَـارَةُ مُمْسَى رَاهِـبٍ مُتَبَتِّــلِ
إِلَى مِثْلِهَـا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَــةً = إِذَا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْـوَلِ
تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنْ الصِّبَـا = ولَيْـسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاكِ بِمُنْسَـلِ
ألاَّ رُبَّ خَصْمٍ فِيْكِ أَلْوَى رَدَدْتُـهُ = نَصِيْـحٍ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَــلِ
ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَــهُ = عَلَيَّ بِأَنْـوَاعِ الهُـمُوْمِ لِيَبْتَلِــي
فَقُلْـتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّـى بِصُلْبِــهِ = وأَرْدَفَ أَعْجَـازاً وَنَاءَ بِكَلْكَــلِ
ألاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألاَ انْجَلِــي = بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَــلِ
فَيَــا لَكَ مَنْ لَيْلٍ كَأنَّ نُجُومَـهُ = بِـأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْــدَلِ
وقِـرْبَةِ أَقْـوَامٍ جَعَلْتُ عِصَامَهَــا = عَلَى كَاهِـلٍ مِنِّي ذَلُوْلٍ مُرَحَّــلِ
وَوَادٍ كَجَـوْفِ العَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُــهُ = بِـهِ الذِّئْبُ يَعْوِي كَالخَلِيْعِ المُعَيَّــلِ
فَقُلْـتُ لَهُ لَمَّا عَوَى : إِنَّ شَأْنَنَــا = قَلِيْلُ الغِنَى إِنْ كُنْتَ لَمَّا تَمَــوَّلِ
كِــلاَنَا إِذَا مَا نَالَ شَيْئَـاً أَفَاتَـهُ = ومَنْ يَحْتَرِثْ حَرْثِي وحَرْثَكَ يَهْـزَلِ
وَقَـدْ أغْتَدِي والطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَـا = بِمُنْجَـرِدٍ قَيْـدِ الأَوَابِدِ هَيْكَــلِ
مِكَـرٍّ مِفَـرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِـرٍ مَعــاً = كَجُلْمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
كَمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْـدُ عَنْ حَالِ مَتْنِـهِ = كَمَا زَلَّـتِ الصَّفْـوَاءُ بِالمُتَنَـزَّلِ
عَلَى الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كأنَّ اهْتِـزَامَهُ = إِذَا جَاشَ فِيْهِ حَمْيُهُ غَلْيُ مِرْجَـلِ
مَسْحٍ إِذَا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الوَنَى = أَثَرْنَ الغُبَـارَ بِالكَـدِيْدِ المُرَكَّـلِ
يُزِلُّ الغُـلاَمُ الخِفَّ عَنْ صَهَـوَاتِهِ = وَيُلْوِي بِأَثْوَابِ العَنِيْـفِ المُثَقَّـلِ
دَرِيْرٍ كَخُـذْرُوفِ الوَلِيْـدِ أمَرَّهُ = تَتَابُعُ كَفَّيْـهِ بِخَيْـطٍ مُوَصَّـلِ
لَهُ أيْطَـلا ظَبْـيٍ وَسَاقَا نَعَـامَةٍ = وإِرْخَاءُ سَرْحَانٍ وَتَقْرِيْبُ تَتْفُـلِ
ضَلِيْعٍ إِذَا اسْتَـدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَـهُ = بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْضِ لَيْسَ بِأَعْزَلِ
كَأَنَّ عَلَى المَتْنَيْنِ مِنْهُ إِذَا انْتَحَـى = مَدَاكَ عَرُوسٍ أَوْ صَلايَةَ حَنْظَـلِ
كَأَنَّ دِمَاءَ الهَـادِيَاتِ بِنَحْـرِهِ = عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بِشَيْـبٍ مُرَجَّـلِ
فَعَـنَّ لَنَا سِـرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَـهُ = عَـذَارَى دَوَارٍ فِي مُلاءٍ مُذَبَّـلِ
فَأَدْبَرْنَ كَالجِزْعِ المُفَصَّـلِ بَيْنَـهُ = بِجِيْدٍ مُعَمٍّ فِي العَشِيْرَةِ مُخْـوَلِ
فَأَلْحَقَنَـا بِالهَـادِيَاتِ ودُوْنَـهُ = جَوَاحِـرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تُزَيَّـلِ
فَعَـادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجَـةٍ = دِرَاكاً وَلَمْ يَنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَـلِ
فَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِن بَيْنِ مُنْضِجٍ = صَفِيـفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيْرٍ مُعَجَّـلِ
ورُحْنَا يَكَادُ الطَّرْفُ يَقْصُرُ دُوْنَـهُ = مَتَى تَـرَقَّ العَيْـنُ فِيْهِ تَسَفَّـلِ
فَبَـاتَ عَلَيْـهِ سَرْجُهُ ولِجَامُـهُ = وَبَاتَ بِعَيْنِـي قَائِماً غَيْرَ مُرْسَـلِ
أصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيْكَ وَمِيْضَـهُ = كَلَمْـعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّـلِ
يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيْحُ رَاهِـبٍ = أَمَالَ السَّلِيْـطَ بِالذُّبَالِ المُفَتَّـلِ
قَعَدْتُ لَهُ وصُحْبَتِي بَيْنَ ضَـارِجٍ = وبَيْنَ العـُذَيْبِ بُعْدَمَا مُتَأَمَّـلِ
عَلَى قَطَنٍ بِالشَّيْمِ أَيْمَنُ صَوْبِـهِ = وَأَيْسَـرُهُ عَلَى السِّتَارِ فَيَذْبُـلِ
فَأَضْحَى يَسُحُّ المَاءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ = يَكُبُّ عَلَى الأذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ
ومَـرَّ عَلَى القَنَـانِ مِنْ نَفَيَانِـهِ = فَأَنْزَلَ مِنْهُ العُصْمَ مِنْ كُلِّ مَنْـزِلِ
وتَيْمَاءَ لَمْ يَتْرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْلَـةٍ = وَلاَ أُطُمـاً إِلاَّ مَشِيْداً بِجِنْـدَلِ
كَأَنَّ ثَبِيْـراً فِي عَرَانِيْـنِ وَبْلِـهِ = كَبِيْـرُ أُنَاسٍ فِي بِجَـادٍ مُزَمَّـلِ
كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ المُجَيْمِرِ غُـدْوَةً = مِنَ السَّيْلِ وَالأَغثَاءِ فَلْكَةُ مِغْـزَلِ
وأَلْقَى بِصَحْـرَاءِ الغَبيْطِ بَعَاعَـهُ = نُزُوْلَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المُحَمَّلِ
كَأَنَّ مَكَـاكِيَّ الجِـوَاءِ غُدَّبَـةً = صُبِحْنَ سُلافاً مِنْ رَحيقٍ مُفَلْفَـلِ
كَأَنَّ السِّبَـاعَ فِيْهِ غَرْقَى عَشِيَّـةً = بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أَنَابِيْشُ عُنْصُـلِ[/poem]


التعريف بالقصيدة

تكاد كلمة العلماء بالشعر تتفق، في ما يتعلق بمنزلة المعلقة، على أن أفضل تراث أدبي ورثه العرب من شعر الجاهلية "معلقة امرئ القيس"، ويعدون ابتداءها أفضل ابتداء من مطالع الشعر العربي. وقد بلغت من الشهرة في عالم الأدب والشعر، منزلة ليست لغيرها، حتى جعلت مثلاً أعلى في الجودة، وحتى ضرب بها المثل في الحسن والشهرة، فقيل: " أشهر من قفا نبك " " وأحسن من قفا نبك " ! وما زالت هذه المعلقة - ولن تزال- معيناً يستمد منه الأدب العربي ثروة جديدة ، وركيناً يقيم عليه صروح مجده في الماضي والحاضر. وهي أشبه شيء بالخزائن المدفونة المشحونة بصنوف من الجواهر والأعلاق النفيسة ، كلما ازداد المنقبون فيها بحثاً رأوا مما فيها من الذخائر الرائقة، والآيات الرائعة، ما لم يروه من قبل.
فلا يكاد ينفد ما فيها من أنواع الحسن والروعة!. وحسبك دليلاً ناصعاً، وبرهاناً قاطعاً على هذا ، أنك لا تجد كتاباً في اللغة والأدب (على اختلاف أنواعهما وتعدد أشكالهما) إلا ولامرئ القيس فيه أبيات يتمثل بها ، ويحتج بها ، ويشار إلى مواطن الجمال الباهر ، والفن الساحر فيها.
فمعلقة امرئ القيس وشعره كله ، عماد قام عليه الأدب العربي في القديم والحديث ، ومثال احتذاه الأدباء في كل جيل.
ومهما تبدل الأدب بتبدل الزمان وأهله ، وتغير بتغير حياتهم الاجتماعية والعقلية ، فإن في شعر امرئ القيس ما يصلح أن يكون مثلاً أعلى في كل جيل وطور، وفي كل بيئة.
وذهب بعض العلماء، حول سبب نظم المعلقة، إلى أن امرأ القيس كان يعشق عنيزة وأخذ ثيابها يوم الغدير مع صواحباتها، ثم عقر لهن ناقته ثم ركب معها ناقتها فدخل عليها الهودج ، كما تقدم.
ثم نظم المعلقة وذكر هذه القصة فيها. وإذا صح أن هذا وحده هو السبب لنظمها، فقد يؤخذ عليه عدم وحدة الموضوع في القصيدة، لأنه ذكر فيها وصف الجواد والليل والبرق والسحاب. ويجوز أن يكون يوم الغدير سبباً من جملة الأسباب، وأن الشاعر كان مولعاً بالشعر، فاستهل هذه القصيدة بالغزل، وثنى فيها بقصة الغدير لولعه بالنساء والتشبيب بهن، ثم عززها بوصف الجواد لأن ركوب الخيل في المنزلة الثانية عنده في اللذاذة. واستطرد إلى وصف الصيد والطبيعة، جرياً على سنة الجاهلية في عدم الوحدة واشتمال القصيدة الواحدة على أغراض متعددة. ومما لا ريب فيه، أن هذه القصيدة وليدة الشباب، وربيبة الصبا: نظمها الشاعر حين لم يكن في قلبه ما يشغله إلا الصبوة والطموح في سبيل الشهوة، قبل أن تملأ المصائب قلبه، وتنيخ عليه بكلكلها. ولذلك يرى الباحث فيها ماء الشباب يترقرق في تضاعيف كلماتها، ونضرة النعيم تتراءى في أسرتها.
أما العوامل التي أثرت في نفس الشاعر، واقتنص معانيه وأخيلته منها في هذه القصيدة، وكان لها الأثر البين فيها، فهي: لواعج الحب التي تعتلج في صدره لعنيزة، وفاطم، وأم الرباب، وغيرها؛ مشاهدة المنازل التي كانت فيها أحبابه ثم رحلوا عنها، والصحارى التي اجتابها، والمياه التي وردها، والأودية التي قطعها، والجبال والأماكن التي شاهد نزول المطر عليها، وشام البرق من جهتها، والمطر الذي رأى آثاره في بعضها؛ وقد ذكرها في شعره كالدخول وحومل وتوضح والمقراة ودارة جلجل ووجرة وضارج والعذيب وقطن ويذبل والقنان وثبير وصحراء الغبيط وما شاكل ذلك؛ الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها الشاعر حين نظمها: فهي تمثل لنا نوعاً من مجانته، وتعيهره، وتذلـله لمن يحب. ونوعاً آخر من اجتيابه الصحارى والأودية، ومطاردة الوحش، واتخاذ الأطعمة منه في الفلوات. ونوعاً ثالثاً من خدمة أصحابه، وحمله الماء على ظهره لهم، ونحو ذلك مما يدل أن حياته حياة الصعاليك والشذاذ والخلعاء.
وقد اشتملت هذه المعلقة على أغراض متنوعة يمكن ردها إلى ثلاثة أمور: الأول: الغزل والتشبب: ويندرج فيه بكاء الديار، والوقوف فيها، وعقر المطية للعذارى، ودخول خدر عنيزة، وحديثه معها ومع فاطم، وتشبيه المرأة بأنواع من المشبهات، ووصف الليل والشكوى من طوله. الثاني: وصف الخيل: ويندرج فيه وصف الوحش، وصيده والأودية، ويتبعها حديثه مع الذئب. الثالث: وصف الطبيعة: ويندرج فيه وصف الجبال والصحارى، والمطر والسيل، وآثاره. وقد أطال في الأول لأنه مولع بالمرأة وهي غاية المتمنى والمشتهى عنده. وكذلك أطال في الثاني لأن ركوب الجواد عنده لذة تقارب أو تقارن لذة المرأة يدلك على ذلك قوله :
كأني لم أركب جواداً للذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال؟!
بل قدم في هذا البيت لذة الجواد على تبطن الكاعب. ولم يطل في الثالث ، لأنه أدنى منزلة في نفس الشاعر من سابقيه. وإذا أمعن الباحث النظر في هذه المعلقة ، ثم عرضها على محك النقد والتمحيص ، يتبين له فيها أشياء هي في الدرجة القصوى من البلاغة، وأشياء يؤخذ بها صاحبها إن كانت سالمة من عبث الرواة وتحريف النساخ.
والغالب على الظن أنها لم تسلم لكثرة ما فيها من الروايات المضطربة.
أما محاسنها ، وهي أكثر ما فيها، وهي التي جعلها مضرباً للمثل في الشهرة حتى قيل " أشهر من قفا نبك! " فهي: إن أسلوب الشاعر يسهل حيث تطلب السهولة، ويشتد أسره حيث يقتضي المقام ذلك. فكلامه في الغزل رقيق لطيف عذب ، يتلاءم مع المتغزل بها رقة ورشاقة ، كأنما يتخيره من لؤلؤ رطب.
وكلامه في وصف الجواد والوادي والصيد وما شاكل ذلك متين جزل ، كأنما ينحته من صخر صلد : فأسلوبه أسلوب ساحر ماهر لبق. إنه مجود في التشبيه ، بارع فيه. وأكثر ما يكون لديه المشبه به محسوساً لأنه أقرب إلى التناول وأرسخ في النفوس. ولا يخرج المشبه به عما تتضمنه البيئة البدوية ، والحياة الفطرية : فهو إذا أراد أن يشبه أعضاء المرأة بشيء يشعر بالجمال شبهها بالمهاة في عينها ، وبالظبي في جيده وببيضة النعام في لونها، وشبه أناملها بالأساريع، وليس في المحيط البدوي مثل أعلى للجمال في هذه الأنواع إلا هذه الأشياء. وإذا أراد أن يشبه الجواد ، شبهه بالجلمود يحطه السيل من عل ، وبخذروف الوليد في سرعته، وشبه ظهره بمداك العروس ، وشبه عنقه المضرج بالدماء ، بالشيب المخضب بالحناء. وإذا أراد أن يشبه البرق شبه خفقانه بحركة اليد ، وضوءه بمصباح يهان السليط فيه. وهكذا شأنه في كل تشبيه.
وهذه التشبيهات توضح المعنى المقود توضيحاً تاماً. وليس في البادية شيء أدل على المراد، وأبين للغرض منها؛ وهي تمثل المشبه تمثيلاً صحيحاً تاماً. أنه مجود في الاستعارات، محسن لتخير اللطيف منها؛ فإنه لما أراد أن يعبر عن طول الليل، شبهه بشيء له صلب وكلكل وأعجاز. واستعار السهم للعين، ليدل على شدة تأثيره في الفؤاد. واستعار الصيد للقلوب، في قوله " وهر تصيد قلوب الرجال " ليدل على شدة استيلائها على القلوب. أنه بارع في تخير الكنايات: فإنه لما أراد أن يصف المرأة بطيب الرائحة وطراوة الجسم، كنى عن ذلك بأن فتيت المسك فوق فراشها، وأنها نؤوم الضحى، وأنها لا تلبس الفضل للامتهان. وكنى عن اقتلاع السيل الشجر بقوله "يكب على الأذقان دوح الكنهبل" وكنى عن تباهي محبوبته في الجمال، وعن حداثة سنها بقوله:
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة ... إذا ما اسبكرت بين درع ومجول
وكنى عن ارتفاع موضع بقوله " نيافاً تزل الطير عن قذفاته ". إنه ماهر في التصوير فإذا وصف لك شيئاً أحاط بالموصوف من كل ناحية يطلبها تحقق ذلك الموصوف وتفوقه فيها ، فقد وصف الجواد من النواحي التي يتطلبها وصفه بالقوة والسرعة ، فجعله مقيداً للوحش، سريعاً مطاوعاً لا يتعبه الجري ، ولا يفوته الوحش، ووصف ظهره وخاصرتيه وساقيه وجريه ، وهذا ما يتطلب وصفه في الجواد من حيث صلوحه للكر والفر وطرد الصيد وزاد على ذلك فوصف لونه وذنبه. ولما عن له السرب وصف لونه واجتماعه ثم تفرقه حتى كأن السامع يراه ، وكذلك وصفه السحاب والسيل وآثارهما.
إنه بارع في تصوير الخيال أو الحال الواقعة فإنه لما قص دخوله على عنيزة الخدر وخروجه بها أرانا كيف كانت تعفي الأثر بذيلها وكيف هصر بفوديها وكيف كان الغبيط يميل بهما.
وأسمعنا لومها إياه وعداءها عليه حتى كأننا نرى ونسمع ذلك حقيقة. وكذلك حديثه في الوادي مع الذئب وتصوير اجتماع المها وافتراقها. فهو مصور بارع يؤثر كلامه العذب في النفوس ما لا تؤثره ريشة المصور. إن ابتداء هذه القصيدة أفضل ابتداء صنعه شاعر لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد. وإنه ختمها بوصف السيل ولم يتعمد جعله خاتمة كما فعل غيره من أصحاب المعلقات، مع أنها أفضلها، رغبة في إطراح الكلفة وحتى تبقى النفس متعلقة بها طامعة في بقية الكلام.
ومما يؤخذ به في المعلقة: وحدة الموضوع فيها، فإنها جمعت بين الغزل والطرد ووصف الجواد والبرق والسحاب الخ. عدم التلطف في الانتقال من غرض إلى غرض: فبينا هو يتغزل ينتقل إلى وصف نفسه بالدماثة والشجاعة ثم يقفز إلى الوادي فيدور حديثه مع الذئب ثم يطفر إلى وصف الجواد وهكذا شأنه في شعره كله. عدم الترتيب الطبيعي في الغرض الواحد: فهو عندما أراد أن يصف محبوبته وصف خصرها وترائبها ثم انتقل إلى خدها وعينيها ثم نزل إلى جيدها ثم ارتقى إلى شعرها ثم هبط إلى كشحها وساقها ثم ذهب إلى فراشها ثم وصف يديها.
وكذلك شأنه في الجواد فإنه وصف خاصرتيه وساقيه ثم انتقل إلى ذنبه ثم وصف ظهره. عدم إحاطته بالموصوف من كل ناحية إحاطة تامة: فلو أكمل وصف المرأة فوصف ثدييها وحديثها وأنفها وأسنانها وما شاكل ذلك لجاءت صورة كاملة، وكذلك لو وصف أذني الجواد وجمجمته وعرفه وحوافره لكانت الصورة تامة. وجود الإقواء في مثل قوله: "كبير أناس في بجاد مزمل". وقوله: "ونصف بالحديد مكبل". ولكن هذه الأمور لا تعد شيئاً في جانب ما فيها من المحاسن والروائع التي فتح بها الباب، ومهد السبيل لمن أتى بعده، والكمال لله وحده.
ومعلقة امرئ القيس ، كما رأت ريتا عوض ، ذات قيمة أدبية كادت تنفرد بها في التراث الشعري العربي ، حتى قال عنها ابن الكلبي : إن أول شعر علّق في الجاهلية شعر امرئ القيس، وجعلها الباقلاني (م 403 هـ) المثال الذي اختاره العرب للشعر والمرجع، يقاس كل ما عداها بها ، فقال : " ولمّا اختاروا قصيدته في السبعيات أضافوا إليها أمثالها وقرنوا بها نظائرها. ثم تراهم يقولون : لفلان لامية مثلها، ثم ترى أنفس الشعراء تتشوّف إلى معارضته وتساويه في طريقته ". ولذا انتقاها موضوعاً لدراسة متقصِّية يثبت فيها تهافتها ، وهي رمز ما اعتدَّ به العرب من شعر، أمام إعجاز اللغة القرآنية التي لا تدانيها ? في رأيه- لغة بشرية في كتابه إعجاز القرآن. وأكَّد ابن عبد ربه ( م 328 هـ) افتتان العرب بشعر المعلَّقات فقال : " حتى لقد بلغ من كلف العرب به ( الشعر ) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيَّرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلَّقتها على أستار الكعبة، فمنه يقال مذهّبة امرئ القيس ومذهّبة زهير، والمذهّبات السبع. وقد يقال لها المعلّقات ".
كذلك وجدت المعلّقة عناية كبيرة من الباحثين المحدثين عرباً ومستعربين كما ذكرنا في مقدّمة هذا الموضوع ، وترجمت مع غيرها من المعلّقات إلى كثير من الّلغات ، ووضعت في أبياتها الشروح والتعليقات وكتبت الدراسات، حتى إن المستشرق الإنكليزي آربري قال إن معلّقة امرئ القيس كانت ذات أثر ساحق... على عقول المؤلِّفين اللاحقين وخيالهم... وليس من قبيل المبالغة القول ( إن المعلّقة ) هي في الوقت نفسه، أشهر قصيدة في الأدب العربي بأسره وأكثر القصائد العربية نيلاً للإكثار وأشدّها تأثيراً " .
تتألف المعلَّقة في رواية الأصمعي كما وردت في نسخة الأعلم الشنتمري من سبعة وسبعين بيتاً. وقد بلغت أبيات القصيدة واحداً وثمانين بيتاً في روايات أخرى كالتي شرحها ابن الأنباري وابن النحاس والبطليوسي والزوزني والتبريزي، ووصلت إلى اثنين وتسعين بيتاً في الرواية التي اعتمدها أبو زيد القرشي في جمهرة أشعار العرب. وقد اختارت هذه الباحثة تحليل رواية الأصمعي في نسخة الأعلم ، التي اعتمدها محمد أبو الفضل إبراهيم ، محقّق ديوان امرئ القيس، أساساً للطبعة العلمية الموثّقة للديوان.
وراجعت الروايات والشروح الأخرى للمعلّقة واستفادت منها حيث وجدت ذلك ضرورياً. وترى أن تلك الروايات وإن تضمنّت اختلافاً في بعض الألفاظ وإضافة لبعض الأبيات وإسقاطاً لأبيات أخرى وتحويراً في تسلسل بعضها الآخر، وبالأخص في القسم الأخير من المعلّقة، فإن تلك الاختلافات ليست جوهرية على مستوى البنية الصورية للمعلّقة ولا تؤدّي إلى تغيير جذري لطبيعة النتائج التي ينتهي إليها البحث والتحليل.
أنظر في ذلك : سليم الجندي ، امرؤ القيس حياته وشعره ، بيروت : دار الهجرة ، 1987، ص197-203. د. ريتا عوض، بنية القصيدة الجاهلية: الصورة الشعرية لدى امرئ القيس، بيروت: دار الآداب، 1992، ص179- 181، ص184.



شرح معلقة أمرؤ القيس

(1) خاطب الشاعر صاحبيه ، وقيل بل خاطب واحدا وأخرج الكلام مخرج الخطاب لاثنين ، لان العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع ، فمن ذلك قول الشاعر: فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر، وأن ترعياني أحمِ عِرضاً ممنّعاً خاطب الواحد خطاب الاثنين ، وإنما فعلت العرب ذلك لان أدنى أعوان الرجل هم اثنان : راعي إبله وراعي غنمه ، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة ، فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرور ألسنتهم عليه ، ويجوز أن يكون المراد به : قف قف ، فإلحاق الألف إشارة الى أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمات المازني في قوله تعالى : "قال رب أرجعون " المراد منه أرجعني أرجعني ، جعلت الواو علما مشعرا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارا ، وقيل : أراد قفن على جهة التأكيد ، فقلب النون ألفا في حال الوصل ، لأن هذه النون تقلب ألفا في حال الوقف ، فحمل الوصل على الوقف ، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى : "لنسفعن" قلت : لنسفعا . ومنه قول الأعشى: وصلِّ على حين العشيّات والضحى ولا تحمد المثرين واللهَ فاحمدا = أراد فاحمدَن ، فقلب نون التأكيد ألفا ، يقال يكى يبكي بكاء وبكى ، ممدودا ومقصورا ، أنشد ابن الأنباري لحسان بن ثابت شاهدا له: بكت عيني وحق لها بكاها، وما يعني البكاء ولا العويل فجمع بين اللغتين ، السقط : منقطع الرمل حيث يستدق من طرفه ، والسقط أيضا ما يتطاير من النار ، والسقط أيضا المولود لغير تمام ، وفيه ثلاث لغات : سَقط وسِقط وسُقط في هذه المعاني الثلاثة ، اللوى:رمل يعود ويلتوي ، الدخول وحومل: موضعان . يقول : قفا وأسعداني وأعيناني ، أو : قف وأسعدني على البكاء عند تذكري حبيباً فارقته ومنزلا خرجت منه ، وذلك المنزل أو ذلك الحبيب أو ذلك بمنقطع الرمل المعوج بين هذين الموضعين
(2) توضح والمقراة موضعان ، وسقط بين هذه المواضع الأربعة ، لم يعف رسمها ، أي لم ينمح أثرها ، الرسم: ما لصق بالأرض من آثار الدار مثل البقر و الرماد وغيرهما ، والجمع أرسم ورسوم ، وشمال ، فيها ست لغات : شمال وشمال وشأمل وشمول وشَمْل و شَمَل ، نسج الريحين: اختلافهما عليها وستر إحداهما إياها بالتراب وكشف الأخرى التراب عنها . وقيل : بل معناه لم يقتصر سبب محوها على نسج الريحين بل كان له أسباب منها هذا السبب ، ومر السنين ، وترادف الامطار وغيرها . وقيل : بل معناه لم يعف رسم حبها في قلبي وإن نسجتها الريحان . والمعنيان الاولان أظهر من الثالث ، وقد ذكرها كلها ابن الانبارى
( 3 ) الآرآم : الظباء البيض الخالصة البياض ، وأحداهما رئم ، بالكسر ، وهي تسكن الرمل ، عرصات (في المصباح) عرصة الدار : ساحتها ، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء ، والجمع عراص مثل كلبة الكلاب ، وعرصات مثل سجدة وسجدات ،وعن الثعالبي : كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة ، و(في التهذيب) : سميت ساحة الدار عرصة لأن الصبيان يعرصون فيها أي يلعبون ويمرحون ؛ قيعان : جمع قاع وهو المستوي من الأرض ، وقيعة مثل القاع ، وبعضهم يقول هو جمع ، وقاعة الدار : ساحتها ، الفلفل قال في القاموس : كهدهد وزبرج ، حب هندي . ونسب الصاغاني الكسر للعامة : و(في المصباح) ، الفلفل: بضم الفاءين ، من الأبرار ، قالوا : لايجوز فيه الكسر . يقول الشاعر : انظر بعينيك تر ديار الحبيبة التي كانت مأهولة بأهلها مأنوسة بهم خصبة الأرض كيف غادرها أهلها وأقفرت من بعدهم أرضها وسكنت رملها الظباء ونثرت في ساحتها بعرها حتى تراه كأنه حب الفلفل . في مستوى رحباتها
( 4 ) غداة : (في المصباح) ، الغداة : الضحوة ، وهي مؤنثة ، قال ابن الأنباري . ولم يسمع تذكيرها ، ولو حملها حامل على معنى أول النهار جاز له التذكير ، والجمع غدوات ، البين : الفرقة ، وهو المراد هنا ، وفي القاموس : البين يكون فرقة ووصلا ، قال الشارح : بأن يبين بينا وبينونة ، وهو من الأضداد ، اليوم : معروف ، مقدارة من طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد يراد باليوم والوقت مطلقا ، ومنه الحديث : "تلك أيام الهرج" أي وقته ، ولا يختص بالنهار دون الليل ، تحملوا واحتملوا : بمعنى : ارتحلوا ، لدي : بمعنى عند ، سمرات ، بضم الميم : من شجر الطلح ، الحي: القبيلة من الأعراب ، والجمع أحياء ، نقف الحنظل : شقة عن الهبيد ، وهو الحب ، كالإنقاف والانتفاف ، وهو ، أي الحنظل ، نقيف ومنقوف ، وناقفة وهو الذي يشقه . والشاعر يقول : كأني عند سمرات الحي يوم رحيلهم ناقف حنظل ، يريد ، وقفت بعد رحيلهم في حيرة وقفة جاني الحنظلة ينقفها بظفره ليستخرج منها حبها
( 5 ) نصب وقوفا على الحال ، يريد ، قفا نبك في حال وقف أصحابي مطيتهم علي ، والوقوف جمع واقف بمنزلة الشهود والركوع في جمع شاهد وراكع ، الصحب : جمع صاحب ، ويجمع الصاحب على الأصحاب والصحب والصحاب والصحابة والصحبة والصحبان ، ثم يجمع الأصحاب على الأصاحيب أيضا ، ثم يخفف فيقال الأصاحب ، المطي : المراكب ، واحدتها مطية ، وتجمع المطية على المطايا والمطي والمطيات ، سميت مطية لأنه يركب مطاها أي ظهرها ، وقيل : بل هي مشتقة من المطو وهو المد في السير ، يقال : مطاه يمطوه ، فسميت الرواحل به لانها تمد في السير ، نصب الشاعر أسى على أنها مفعول له. يقول : لقد وقفوا علي ، أي لاجلي أو على رأسي وأنا قاعد ، رواحلهم ومراكبهم ، يقول لي : لا تهلك من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل بالصبر . وتلخيص المعنى : انهم وقفوا عليه رواحلهم يأمرونه بالصبر وينهونه عن الجزع
( 6 ) المهراق والمراق: المصبوب ، وقد أرقت الماء وهرقته وأهرقته أي صببته ، المعول : المبكى ، وقد أعول الرجل وعول إذا بكى رافعا صوته به ، والمعول : المعتمد والمتكل عليه أيضا ، العبرة : الدمع ، وجمعها عبرات ، وحكى ثعلب في جمعها العبر مثل بدرة وبدر. يقول : وإن برئي من دائي ومما أصابنى وتخلصي مما دهمني يكون بدمع أصبه ، ثم قال : وهل من معتمد ومفزع عند رسم قدر درس ، أو هل موضع بكاء عند رسم دارس ؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار ، والمعنى عند التحقيق : ولا طائل في البكاء في هذا الموضع ، لأنه لا يرد حبيبا ولا يجدى على صاحبه خيراً، أو لا أحد يعول عليه ويفزع إليه في هذا الموضع . وتلخيص المعنى : وإن مخلصي مما بي هو بكائي . ثم قال : ولا ينفع البكاء عند رسم دارس
( 7 ) الدأب والدأب ، بتسكين الهمزة وفتحها : العادة ، وأصلها متابعة العمل والجد في السعي ، يقال : دأب يدأب دأبا ودئابا ودؤوبا ، وأدأبت السير : تابعته ، مأسل ، بفتح السين: جبل بعينه ، ومأسل ، بكسر السين : ماء بعينه ، والرواية فتح السين. يقول عادتك في حب هذه كعادتك من تينك ، أي قلة حظك من وصال هذه ومعاناتك الوجد بها كقلة حظك من وصالها ومعاناتك الوجد بهما ، قبلها أي قبل هذه التي شغفت بها الآن
( 8 ) ضاع الطيب وتضوع ؛ انتشرت رائحته ، الريا : الرائحة الطيبة. يقول : إذا قامت أم الحويرث وأم الرباب فاحب ريح المسك منهما كنسيم الصبا إذا جاءت بعرف القرنفل ونشره . شبه طيب رياهما بطيب نسيم هب على قرنفل وأتى برياه ، ثم لما وصفهما بالجمال وطيب النشر وصف حاله بعد بعدهما
( 9 ) الصبابة ، رقة الشوق ،وقد صب الرجل يصب صبابة فهو صب ، والأصل صبب فسكنت العين وأدغمت في اللام ، والمحمل : حمالة السيف، والجمع المحامل ،والحمائل جمع الحمالة . يقول : فسالت دموع عيني من فرط وجدي بهما وشدة حنيني إليهما حتى بل دمعي حمالة سيفي . نصب صبابة على أنه مفعول له كقولك : زرتك طمعا في برك ، قال الله تعالى : " من الصواعق حذر الموت " ، أي لحذر الموت ، وكذلك زرتك للطمع في برك ، وفاضت دموع العين مني للصبابة
( 10 ) في رب لغات : وهي ، رُبْ ورُبَ ورُبُ ورَبَ ، ثم تلحق التاء فتقول : ربة وربت ، ورب : موضوع في كلام العرب للتقليل ، وكم : موضوع للتكثير ، ثم ربما حملت رب على كم في المعني فيراد بها التكثير ، وربما حملت كم على رب في المعني فيراد بها التقليل . ويروى ؛ ألا رب "يوم" كان منهن صالح ، والسي : المثل ، يقال : هما سيان أم مثلان . ويجوز في يوم الرفع والجر ، فمن رفع جعل ما موصولة بمعني الذي ، والتقدير : ولا سيّ اليوم الذي هو بدارة جلجل ، ومن خفض جعل ما زائدة وخفضه بإضافة سي إليه فكأنه قال : ولا سي يومأي ولا مثل يوم دارة جلجل ، وهو غدير بعينه . يقول : رب يوم فزت فيه بوصال النساء وظفرت بعيش صالح ناعم منهن ولا يوم من تلك الأيام مثل يوم دارة جلجل ، يريد أن ذلك اليوم كان أحسن الأيام وأتمها ، فأفادت ولا سيما التفضيل والتخصيص
(11 ) العذراء من النساء : البكر التي لم تفتض ، والجمع العذارى ، الكور : الرحل بأداته ، والجمع الأكوار والكيران ، ويروى : من رحلها ، المتحمل : الحمل . فتح يوم بسبب من كونه معطوفا على مجرور أو مرفوع وهو يوم أو يوم بدارة جلجل ، لأنه بناه على الفتح لما أضافه إلى مبني وهو الفعل الماضي ، وذلك قوله : عقرت . وقد يبنى المعرب إذا أضيف إلى مبني ، ومنه قوله تعالى:"إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" ، فبنى مثل على الفتح مع كونه نعتا لمرفوع لما أضافه إلى ما وكانت مبنية ، ومنه قراءة من قرأ :"ومن خزي يومئذ" ، بنى يوم على الفتح لما أضافه إلى إذ وهي مبنية وإن كان مضافا إليه ، ومثله قول النابغة الذبياني: على حين عاتبت المشيب على الصبا فقلت ألما تصح والشيب وازع بنى حين على الفتح لما أضافه إلى الفعل الماضي ، وقد فضل الشاعر يوم دارة جلجل ، ويم عقر مطيته للابكار على سائر الأيام الصالحة التي فاز بها من حبائبه ، ثم تعجب من حملهن رحل مطيته وأداته بعد عقرها واقتسامهن متاعه بعد ذلك ، فيا عجبا : الألف فيه بدل من ياء الإضافة ، وكان الأصل هو فيا عجبي ، وياء الإضافة يجوز قلبها ألفا في النداء نحو يا غلاما في يا غلامي ، فإن قيل : كيف نادى العجب وليس مما يعقل ؟ قيل قي جوابه: إن المنادى محذوف ، والتقدير : ياهؤلاء ، أو يا قوم ، اشهدوا عجبي من كورها المتحمل ، فتعجبوا منه ، فانه قد جاوز المدى والغاية القصوى ، وقيل : بل نادى العجب اتساعا ومجازا ، فكأنه قال : ياعجبي تعال واحضر فإن هذا أوان إتيانك وحضورك
( 12 ) يقال : ظل زيد قائما إذا أتى عليه النهار وهو قائم ، وبات زيد نائما إذا أتى عليه الليل وهو نائم ، وطفق زيد يقرأ القرآن إذا أخذ فيه ليلا ونهارا ، الهداب والهدب : اسمان لما استرسل من الشيء نحو ما استرسل من الأشفار ومن الشعر ومن أطراف الأثواب ، الواحد هدابة وهدبة ، ويجمع الهدب على الأهداب ، الدمقس والمدقس: الإبريسم ، وقيل هو الأبيض منه خاصة. يقول : فجعلن يلقي بعضهن إلى بعض شواء المطية استطابة أو توسعا فيه طول نهارهن وشبه لحمها بالإبريسم الذي أجيد قتله وبولغ فيه ، وقيل هو القز
( 13 ) الخدر : والهودج ، والجمع الخدور ، ويستعار للستر والحجلة وغيرهما ، ومنه قولهم : خدرت الجارية وجارية مخدرة أي مقصورة في خدرها لا تبرز منه ، ومن ذلك قولهم : خدر الأسد يخدر خدرا وأخدر إخدارا . إذا لزم عرينه ، ومنه قول ليلى الأخيلية: فتى كان أحيا من فتاة حيية وأشجع من ليث يخفان خادر وقول الشاعر: كالأسد الورد غدا من مخدره والمراد بالخدر في البيت الهودج ، عنيزة : اسم عشيقته وهي إبنة عمه وقيل : هو لقب لها واسمها فاطمة ، وقيل بل اسمها عنيزة ، وفاطمة غيرها ، قوله : فقالت لك الويلات ، أكثر الناس على أن هذا دعاء منها عليه ، والويلات : جمع ويلة ، والويلة والويل: شدة العذاب ، وزعم بعضهم أنه دعاء منها له في معرض الدعاء عليه ، والعرب تفعل ذلك صرفا لعين الكمال عن المدعو عليه . ومنه قولهم : قاتلة الله ما أفصحه ! ومنه قول جميل : رمى الله في عيني بثينة بالقذى وفي الغر من أنيابها بالقوادح ، ويقال : رجل الرجل يرجل رجلا فهو راجل ، وأرجلته أنا صيرته راجلا ، خدر عنيزة بدل من الخدر الأول والمعنى : ويوم دخلت خدر عنيزة ، وهذا مثل قوله تعالى : "لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات " ومنه قول الشاعر: يا تيم ياتيم عدي لا أبا لكمو لا يلفينكمو في سوأة عمر وصرف عنيزة لضرورة الشعر وهي لا تنصرف ، للتأنيث والتعريف. يقول: ويوم دخلت هودج عنيزة فدعت علي أو دعت لي في معرض الدعاء علي ، وقالت إنك تصيرني راجلة لعقرك ظهر بعيري ، يريد أن هذا اليوم كان من محاسن الأيام الصالحة التي نالها منهن أيضا
( 14 ) الغبيط : ضرب من الرحال ، وقيل بل ضرب من الهوادج ، الباء في قوله : بنا للتعدية وقد أمالنا الغبيط جميعا ، عقرت بعيري: أدبرت ظهره ، من قولهم : كلب عقور ، ولا يقال في ذي الروح إلا عقور. يقول : كانت هذه المرأة تقول لي في حال إمالة الهودج أو الرحل إبانا : قد أدبرت ظهر بعيرى فأنزل عن البعير
(15 ) جعل العشيقة بمنزلة الشجرة ، وجعل ما نال من عناقها وتقبيلها وشمها بمنزلة الثمرة ليتناسب الكلام ، المعلل : المكرر ، من قولهم : عله يعله إذا كرر سقيه ، وعلله للتكثير والتكرير . والمعلل : الملهى ، من قولك : عللت الصبي بفاكهة أي ألهيته بها : وقد روي اللفظ في البيت بكسر اللام وفتحها ، والمعنى على ما ذكرنا يقول : فقلت للعشيقة بعد أمرها إياي بالنزول : سيري وأرخي زمام البعير ولا تبعديني مما أنال من عناقك وشمك وتقبيلك الذي يلهيني أو الذي أكرره . ويقال لمن على الدابة سار يسير ، كما يقال للماشي كذلك قال: سيري وهي راكبة ، الجنى : اسم لما يجتنى من الشجر ، والجنى المصدر ، يقال : جنيت الثمرة واجتنيتها
( 16 ) خفض فمثلك بإضمار رب ، أراد فرب امرأة حبلى . الطروق : الإتيان ليلا ، والفعل طرف يطرق ، المرضع : التي لها ولد رضيع ، إذا بنيت على الفعل أنثت فقيل : أرضعت فهي مرضعة ، وإذا حملوها على انها بمعنى ذات إرضاع أو ذات رضيع لم تلحقها تاء التأنيث ، ومثلها حائض وطالق وحامل ، لا فصل بين هذه الأسماء فيما ذكرنا ، وإذا حملت على انها من المنسوبات لم تلحقها علامة التأنيث ، وإذا حملت على الفعل لحقتها علامة التأنيث ، ومعنى المنسوب في هذا الباب ان يكون الاسم بمعنى ذي كذا أو ذات كذا ، والاسم إذا كان من هذا القبيل عرته العرب من علامة التأنيث كما قالوا : امرأة لابن أي ذات لبن وذات تمر ، ورجل لابن تامر أي ذو لبن وذو تمر ، ومنه قوله تعالى :"السماء منفطر بها" نص الخليل على أن المعنى : السماء ذات انفطار به ، لذلك تجرد لفظ منفطر عن علامة التأنيث . وقوله تعالى :"لا فارض ولا بكر عوان" أي لا ذات فرض ، وتقول العرب : جمل ضامر وناقة ضامر ، وجمل شائل وناقة شائل ، ومنه قول الأعشى: عهدى بها في الحي قد سربلت بيضاء مثل المهرة الضامر أي ذات لبن وذات تمر ، وقول الآخر: وغررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر أي ذات لبن وذات تمر ، وقول الآخر: رابعتني تحت ليل ضارب بساعد فعم وكف خاضب أي ذات خضاب ، وقال أيضا: ياليت أم العمر كانت صاحبي مكان من أمسى على الركائب أي ذات صبحتي ، وأنشد النحويون: وقد تخذت رحلي لدى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق أي ذات التطريق . والمعول في هذا الباب على السماع إذ هو غير منقاد للقياس ، لهيت عن الشيء ألهى عنه لهيا إذا شغلت عنه وسلوت ، وألهيته إلهاء إذا شغلته ، التميمة : العوذة ، والجمع التمائم ، يقال : احول الصبي إذا تم له حول فهو محول ، ويروى : عن ذي تمائم مغيل ، يقال : غالت المرأة ولدها تغيل غيلا وأغالت تغيل إغيالا إذا أرضته وهي حبلى ويروى : ومرضع بالعطف على حبل . ويروى: ومرضعا على تقدير طرقتها ، ومرضعا تكون معطوفة على ضمير المفعول يقول : فرب امرأة حبلى قد أتيتها ليلا ، ورب امرأة ذات رضيع أتيتها ليلا فشغلتها عن ولدها الذي علقت عليه العوذة وقد أتى عليه حول كامل أو قد حبلت أمه بغيره فهي ترضعه على حبلها ، وإنما خص الحبلى والمرضع لانهما أزهد النساء في الرجال وأقلهن شغفا بهم وحرصا عليهم ، فقال : خدعت مثلهما مع اشتغالهما بأنفسهما فكيف تتخلصين مني ؟ قوله : فمثلك ، يريد به فرب امرأة مثل عنيزة في ميله إليها وحبه لها ، لان عنيزة في هذا الوقت كانت عذراء غير حبلى ولا مرضع
( 17 ) شق الشيء: نصفه . يقول . إذا ما بكى الصبي من خلف المرضع انصرفت إليه بنصفها الاعلى فأرضعته وأرضته بينما بقي تحتي نصفها الاسفل لم تحوله عني ، وبذلك وصف غاية ميلها إليه وكلفها به حيث لم يشغلها عن مرامه ما يشغل الامهات عن كل شيء
( 18 ) الكثيب : رمل كثير ، والجمع أكثبه وكثب وكثبان، التعذر: التشدد والالتواء ، والإيلاء والائتلاء والتألي: الحلف ، يقال : آلى وتألى إذا حلف ، واسم اليمين الالية والالوة معا ، والحلف المصدر ، والحلف بكسر اللام ، الاسم ، الحلفه : المرة . التحلل في اليمين : الاستثناء . نصب حلفه لأنها حلت محل الإيلاء كأنه قال : وآلت إبلاء ، والفعل يعمل فيما وافق مصدره في المعنى كعمله في مصدره نحو قولهم : إني لأشنؤه بغضا وإني لأبغضه كراهية . يقول : وقد تشددت العشيقة والتوت وساءت عشرتها يوما على ظهر الكثيب المعروف وحلفت حلفا لم تستثن فيه أنها تصارمني وتهاجرني ، هذا ويحتمل أن يكون صفة حال اتفقت له مع عنيزة ، ويحتمل أنها مع المرضع التي وصفها
( 19 ) مهلا :أي رفقا ، الإدلال والتدليل : أن يثق الإنسان بحب غيره إياه فيؤذيه على حسب ثقته به ، والاسم الدل والدال والدلال ، أزمعت الأمر وأزمعت عليه : وطنت نفسي عليه يقول : يافاطمة دعي بعض دلالك وإن كنت وطنت نفسك على فراقي فأجملي الهجران . نصب بعض لأن مهلا ينوب مناب دع ، الصرم : المصدر ، يقال : صرمت الرجل أصرمه صرما إذا قطعت كلامه ، والصرم هو الاسم ، فاطمه : اسم المرضع واسم عنيزة ، عنيزة لقب لها فيما قيل
( 20 ) يقول : قد غرك مني كون حبك قاتلي وكون قلبي منقادا لك بحيث مهما أمرته بشيء فعله . وألف الاستفهام دخلت على هذا القول للتقرير لا للاستفهام والاستخبار ، ومنه قول جرير: ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح يريد أنهم خير هؤلاء ، وقيل : بل معناه قد غرك مني أنك علمت أن حبك مذللي ، والقتل التذليل ، وأنك تملكين قؤادك فمهما أمرت بقلبك بشيء أسرع إلى مرادك فتحسبين أني أملك عنان قلبي كما ملكت عنان قلبك حتى سهل علي فراقك كما سهل عليك فراقي ، ومن الناس من حمله على مقتضى الظاهر وقال : عنى البيت: أتوهمت وحسبت أن حبك يقتلني أو أنك مهما أمرت قلبي بشيء فعله ؟ قال : يريد أن الأمر ليس على ما خيل إليك فإني مالك زمام قلبي ، والوجه الأمثل هو الوجه الأول وهذا القول أرذل الأقوال لأن مثل هذا الكلام لا يستحسن في النسيب
( 21 ) من الناس من جعل الثياب في هذا البيت بمعنى القلب ، كما حملت الثياب على القلب في قول عنتره : فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم وقد حملت الثياب في قوله تعالى:"وثيابك فطهر" على أن المراد به القلب ، فالمعنى على هذا القول : إن ساءك خلق من أخلاقي وكرهت خصلة من خصالي فردي علي قلبي أفارقك ، والمعنى على هذا القول : استخرجي قلبي من قلبك يفارقه ، النسول : سقوط الريش والوبر والصوف والشعر ، يقال : نسل ريش الطائر ينسل نسولا ، واسم ما سقط النسيل والنسال ، ومنهم من رواه تنسلي وجعل الانسلاء بمعنى التسلي ، والرواية الأولى أولاهما بالصواب ، ومن الناس من حمل الثياب في البيت على الثياب الملبوسة وقال : كنى بتباين الثياب وتباعدها عن تباعدهما ، وقال : إن ساءك شيء من أخلاقي فاستخرجي ثيابي من ثيابك أي ففارقيني وصارميني كما تحبين ، فإني لا اؤثر إلا ما آثرت ولا اختار إلا ما اخترت ، لانقيادي لك وميلي إليك ، فإذا آثرت فراقي آثرته وإن كان سبب هلاكي
( 22 ) ذرف الدمع يذرف ذريفا وذرفانا وتذرافا إذا سال ، ثم يقال ذرفت كما يقال دمعت عينه ، وللأئمة في البيت قولان ، قال الأكثرون : استعار للحظ عينيها ودمعهما اسم السهم لتأثيرهما في القلوب وجرحهما إياها كما ان السهام تجرح الأجسام وتؤثر فيها ، الأعشار من قولهم : برمة أعشار إذا كانت قطعا ، ولا واحد لها من لفظها ، المقتل : المذلل غاية التذليل ، والقتل في الكلام التذليل ، ومنه قولهم : قتلت الشراب إذ فللت غرب سورته بالمزاج ، ومنه قول الأخطل : فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها وحب بها مقتولة حين تقتل وقال حسان: إن التي ناولتني فرددتها قتلت قتلت فهاتها لم تقتل ومنه : قتلت أرض جاهلها وقتل ارضا عالمها ، ومنه قوله تعالى : "وما قتلوه يقينا" عند أكثر الأئمة : أي ما ذللوا قولهم بالعلم اليقين . وتلخيص المعنى على هذا القول : وما دمعت عيناك وما بكيت إلا لتصيدي قلبي بسهمي دمع عينيك وتجرحي قطع قلبي الذي ذللته بعشقك غاية التذليل ، أي نكايتها في قلبي نكاية السهم في المرمى ، وقال آخرون : أراد بالسهمين المعلى والرقيب من سهام الميسر والجزور يقسم بهذين القدحين فقد فاز بجميع الاجزاء وظفر بالجزور ، وتلخيص المعنى على هذا القول: وما بكيت إلا لتملكي قلبي كله وتفوزي بجميع أعشاره وتذهبي به ، والأعشار على هذا القول جمع عشر لأن اجزاء الجزور عشرة ، والله أعلم
( 23 ) أي ورب بيضة خدر ، يعني ورب امرأة لزمت خدرها ، ثم شبهها بالبيض ، والنساء بشبهن بالبيض من ثلاثة أوجه : أحدهما بالصحة والسلامة عن الطمث ، ومنه قول الفرزدق: خرجن إلي لم يطمئن قبلي وهن أصح من بيض النعام ويروى : دفعن إلي ، ويروى : برزن إلي . والثاني في الصيانة والستر لأن الطائر يصون بيضه ويحضنه . والثالث في صفاء اللون ونقائه لأن البيض يكون صافي اللون نقية إذا كان تحت الطائر . وربما شبهت النساء ببيض النعام ، وأريد أنهن بيض تشوب ألوانهن صفرة يسيرة وكذلك لون بيض النعام ، ومنه قول ذي الرمة : كأنها فضة قد مسها الذهب ، الروم : الطلب ، والفعل منه يروم ، الخباء : البيت إذا كان من قطن أو وبر أو صوف أو شعر ، والجمع الأخبية ، التمتع : الانتفاع وغيره ، يروى بالنصب والجر ، فالجر على صفة لهو والنصب على الحال من التاء في تمتعت يقول : ورب امرأة - كالبيض في سلامتها من الافتضاض أو في الصون والستر أو في صفاء اللون ونقائه أو بياضها المشوب بصفرة يسيرة - ملازمة خدرها غير خراجه ولاجة انتفعت باللهو فيها على تمكث وتلبث لم اعجل عنها ولم أشغل عنها بغيرها
( 24 ) الاحراس : يجوز أن يكون جمع حارس بمنزلة صاحب وأصحاب وناصر وأنصار وشاهد واشهاد ، ويجوز أن يكون جمع حارس بمنزلة خادم وخدم وغائب وغيب وطالب وطلب وعابد وعبد ، المعشر: القوم ، والجمع المعاشر ، الحراص: جمع حريص ، مثل ظراف وكرام ولئام في جمع ظريف وكريم ولئيم ، الإسرار :الإظهار والاضمار جميعا . وهو من الأضداد ، ويروى : لو يشرون مقتلي ، بالشين المعجمة ، وهو الاظهار لاغير يقول : تجاوزت في ذهابي اليها وزيارتي إياها أهو الا كثيرة وقوما يحرسونها وقوما حراصا على قتلي لو قدروا عليه في خفية لأنهم لا يجترثون على قتلي جهارا ، أو حراصا على قتلي او امكنهم قتلي ظاهرا لينزجر ويرتدع غيري عن مثل صنيعي ، وحمله على الاول أولى لأنه كان ملكا والملوك لا يقدر على قتلهم علانية
( 25 ) التعرض : الاستقبال ، والتعرض إبداء العرض ، وهو الناحية ، والتعرض الأخذ في الذهاب عرضا، الاثناء : النواحي ، والاثناء الاوساط ، واحدها ثنى مثل عصى وثني مثل معي وثني بوزن فعل مثل نحي ، وكذلك الآناء بمعنى الاوقات والآلاء بمعنى النعم في واحدها ، هذه اللغات الثلاث ، المفصل : الذي فصل بين خرزه بالذهب أو غيره يقول : تجاوزت إليها في وقت إبداء الثريا عرضها في السماء كإبداء الوشاح الذي فصل بين جواهره وخرزه بالذهب أو غيره عرضة يقول : أتيتها عند رؤية نواحي كواكب الثريا في الافق الشرفي ، ثم شبه نواحيها بنواحي جواهر الوشاح ، هذا أحسن الاقوال في تفسير البيت ، ومنهم من قال شبه كواكب الثريا بجواهر الوشاح لان الثريا تأخذ وسط السماء كما أن الوشاح يأخذ وسط المرأة المتوشحة ، ومنهم من زعم إنه أراد الجوزاء فغلط وقال الثريا لان التعرض للجوزاء دون الثريا ، ، وهذا قول محمد بن سلام الجمحي ، وقال بعضهم : تعرض الثريا - هو انها إذا بلغت كبد السماء أخذت في العرض ذاهبة ساعة كما ان الوشاح يقع مائلا إلى أحد شقي المتوحشة به
( 26 ) نضا الثياب ينضوها نضوا إذا خلعها ، ونضاها ينضيها إذا أراد المبالغة ، اللبسة : حالة الملابس وهيئة لبسه الثياب بمنزلة الجلسة والقعدة والركبة والردية الازرة ، المتفضل : اللابس ثوبا واحدا إذا أراد الخفة في العمل ، والفضلة والفضل إسمان لذلك يقول : اتيتها وقد خلعت ثيابها عند النوم غير ثوب واحد تنام فيه وقد وقفت عند الستر مترقبة ومنتظرة لي وإنما خلعت الثياب لتري أهلها أنها تريد النوم
( 27 ) اليمين : الحلف ، الغواية والغي: الضلالة ، والفعل غوي يغوى غواية ويروي العماية وهي العمى ، الانجلاء : الانكشاف ، وجلوته كشفته فانجلى ، الحيلة أصلها حولة فأبدلت الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها. وإن في قوله : وما إن ، إن زائدة ، وهي تزاد ما النافية : وما إن طبنا جبن ولكن منايا ودولة آخرينا يقول : فقالت الحبيبة أحلف بالله ما لك حيلة أي ما في لدفعك عني حيلة ، وقيل : بل معناه ما لك حجة في ان تفضحني بطروقك إياي وزيارتك ليلا ، يقال : ماله حيلة أي ما له عذر وحجة ، وما أرى ضلال العشق وعماه منكشفا عنك ، وتحرير المعنى أنها قالت : مالي سبيل إلى دفعك أو ما لك عذر في زياتي وما أراك نازعا عن هواك وغيك ، ونصب يمين الله كقولهم : الله لاقومن ، على إضمار الفعل ، وقال الرواة : هذا أغنج بيت في الشعر
( 28 ) خرجت بها ، أفادت الباء تعدي الفعل ، والمعنى : اخرجتها من خدرها ، الأثر والإثر واحد ، وأما الاثر ، بفتح الهمزة وسكون الثاء : فهو فرند السيف ، ويروى : على إثرنا أذيال ، والذيل يجمع على الاذيال والذيول ، المرط عند العرب : كساء من خز أو مرعزى أو من صوف ، وقد تسمى الملاءة مرطا ايضا ، والجمع المروط ، المرحل : المنقش بنقوش تشبه رحال الابل ، يقال : ثوب مرحل وفي هذا الثوب ترحيل يقول : فأخرجتها من خدرها وهي تمشي وتجر مرطها على أثرنا لتعفي به آثار أقدامنا ، والمرط كان موشى بأمثال الرحال ، ويروى : نير مرط ، والنير : علم الثوب
( 29 ) يقال : أجزت المكان وجزته إذا قطعته إجازة وجوازا ، الساحة تجمع على الساحات والسوح مثل قارة وقارات وقار وقور ، والقارة : الجبيل الصغير، الحي : القبيلة ، والجمع الأحياء ، وقد تسمى الحلة حيا ، الانتحاء والتنحي والنحو: الاعتماد على الشئ ، ذكره ابن الأعرابي . للبطن : مكان مطمئن ، الحقف : رمل مشرف معوج ، والجمع أحقاف وحقاف ويروى : ذي قفاف ، وهي جمع قف ، وهو ما غلظ وارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا ، العقنقل: الرمل المنعقد المتلبد . وأصله من العقل وهو الشد . وزعم أبو عبيدة وأكثر الكوفيين إن الواو في وانتحى - مقحمة زائدة . وهو عندهم جواب لما ، وكذلك قولهم في الواو في قوله تعالي : "وناديناه أن يا ابراهيم" والواو لا تقحم زائدة في جواب لما عند البصريين ، والجواب يكون محذوفا في مثل هذا الموضع تقديره في البيت : فلما كان كذا وكذا تنعمت وتمتعت بها ، أو الجواب قوله هصرت ، وفي الآية فازا وظفرا بما أحبا ، وحذف جواب لما كثير في التنزيل وكلام العرب . ويقول : فلما جاوزنا ساحة الحلة وخرجنا من بين البيوت وصرنا إلى أرض مطمئنة بين حقاف ، يريد مكانا مطمئنا أحاطت به حقاف أو قفاف منعقدة ، والعقنقل من صفة الخبت لذلك لم يؤنثه ، ومنهم من جعله من صفة الحقاف وأحلة محل الأسماء معطله من علامة التأنيث لذلك . وقوله : وانتحى بنا بطن خبت ، أسند الفعل إلى بطن خبت ، والفعل عند التحقيق لهما لكنه ضرب من الاتساع في الكلام ، والمعنى صرنا إلى مثل هذا المكان ، وتلخيص المعنى : فلما خرجنا من مجمع بيوت القبيلة وصرنا إلى مثل هذا الموضع طاب حالنا وراق عيشنا
( 30 ) الهصر : الجذب ، والفعل هصر يهصر ، الفودان . جانبا الرأس ، تمايلت أي مالت . ويروى ، بغصني دومة ، والدوم . شجر المقال ، واحدتها دومة ، شبهها بشجرة الدوم وشبه ذؤابتيها بغصنين وجعل ما نال منها كالثمر الذي بجتنى من الشجر ، ويروى : إذا قلت هاتي ناولينتي تمايلت ، والنول والإنالة والتنويل : الاعطاء ، ومنه قيل للعطية نوال ، هضيم الكشح لأنه يدق بذلك الموضع من جسده فكأنه هضيم عند قرار الردف والجنبين والوركين ، ريا : تأنيث الريان ، المخلخل : موضع الخلخال من الساق ، والمسور : موضع السوار من الذراع ، والمقلد : موضع القلادة من العنق ، والمقرط : موضع القرط من الأذن . عبر عن كثرة لحم الساقين وامتلائهما بالري . هصرت : جواب لما من البيت السابق عند البصريين ، وأما الرواية الثالثة وهي إذا قلت فإن الجواب مضمر محذوف على تلك الرواية على ما مر ذكره في البيت الذى قبله يقول : لما خرجنا من الحلة وأمنا الرقباء جذبت ذؤابتيها إلى فطاوعتني فيما رما منها ومالت علي مسعفة بطلبتي في حال ضمور كشحيها وامتلاه ساقيها باللحم ، والتفسير على الرواية الثالثة : إذا طلبت منها ما أحببت وقلت أعطيني سؤلي كان ما ذكرنا ، ونصب هضيم الكشح على الحال ولم يقل هضيمة الكشح لأن فعيلا إذا كان بمعنى مفعول لم تلحقه علامة التأنيث للفصل بين فعيل إذا كان بمعنى الفاعل وبين فعيل إذا كان بمعنى المفعول ، ومنه قوله تعالى : "إن رحمة الله قريب من المحسنين
( 31 ) المهفهفة : اللطيفة الخصر الضامرة البطن ، المفاضة : المرأة العظيمة البطن المسترخية اللحم ، الترائب جمع التريبة : وهي موضع القلادة من الصدر ، السقل والصقل ، بالسين والصاد : إزالة الصدإ والدنس وغيرهما ، والفعل منه سقل يسقل وصقل بصقل ، السجنجل : المرآة ، لغة رومية عربتها العرب ، وقيل بل هو قطع الذهب والفضة يقول : هي المرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيممة البطن و لا مسترخية وصدرها براق اللون متلألىء الصفاء كتلألؤ المرآة
( 32 ) البكر من كل صنف : مالم يسبقه مثله ، المقاناة . الخلط ، يقال : قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر ، والمقاناة في البيت مصوغة للمفعول دون المصدر ، النمير : الماء النامي في الجسد ، المحلل : ذكر أنه من الحلول وذكر أنه من الحل ِ، ثم إن للائمة في تفسير البيت ثلاثة أقوال : أحدها أن المعنى كبكر البيض التي قوني بياضها بصفرة ، يعني بيض النعام وهي بيض تخالط بياضها صفرة بسيرة ، شبه بلون العشيقة بلون بيض النعام في أن في كل منهما بياضا خالطته صفرة ، ثم رجع إلى صفتها فقال : غذاها ماء غير عذب لم يكثر حلو الناس عليه فيكدره ذلك ، يريد أنه عذب صاف ، وإنما شرط هذا لأن الماء من أكثر الأشياء تأثيرا في الغذاء لفرط لحاجة إليه فإذا عذب وصفا حسن موقعه في غذاء شاربه ، وتلخيص المعنى على هذا القول : إنها بيضاء تشوب بياضها صفرة وقد غذاها الماء نمير عذب صاف ، والبياض شابته صفرة هو أحسن ألوان النساء عند العرب . والثاني أن المعنى كبكر الصدفة التي خولط بياضها بصفرة ، وأراد ببكرها درتها التي لم ير مثلها ، ثم قال : قد غذا هذه الدرة ماء نمير وهي غير محللة لمن رامها لأنها في قعر البحر لاتصل إليها الأيدي ، وتلخيص المعنى على هذا القول : إنه شبهها في صفاء وكذلك لون الصدفة ، ثم ذكر أن الدرة التي أشبهتها حصلت في ماء نمير لاتصل إليها أيدي طلابها ، وإنما شرط النمير والدر لايكون إلا في الماء الملح لأن الملح له بمنزلة العذب لنا إذ صار سبب نمائه كما صار العذب سبب نمائنا . والثالث أنه أراد كبكر البردي التي شاب بياضها صفرة وقد غذا البردي ماء نمير لم يكثر حلول الناس عليه ، وشرط ذلك ليسلم الماء عن الكدر وإذا كان كذلك لم يغير لون البردي ، والتشبيه من حيث أن بياض العشيقة خالطته صفرة كما خالطت بياض البردي . ويروى البيت بنصب البياض وخفضه ، وهما جيدان ، بمنزلة قولهم : زيد الحسن الوجه ، والحسن الوجه ، بالخفض على الاضافة والنصب على التشبيه كقولهم : زيد الضارب الرجل
( 33 ) الصد والصدود : الاعراض ، والصد أيضا الصرف والدفع ، والفعل منه صد يصد ، والاصداد الصرف أيضا ، الإبداء : الاظهار ، الأسالة : امتداد وطول الخد ، وقد أسل أسالة فهو أسيل ، الاتقاء : الحجز بين الشيئين ، يقال : اتقيته بترس أي جعلت الترس حاجزا بيني وبينه ، وجرة : موضع ، المطفل : التي لها طفل ، الوحش . جمع وحشي مثل زنج وزنجي وروم ورومي . يقول : تعرض العشيقة عني وتظهر خدا اسيلا وتجعل بيني وبينها عينا ناظرة من نواظر وحش هذا الموضع التي لها أطفال ، شبهها في حسن عينيها بظبية مطفل أو بمهاة مطفل . وتلخيص المعنى : إنها تعرض عني فتظهر في أعراضها خخدا أسيلا وتستقبلني بعيون مثل عيون ظباء وجرة أو مهاها اللواتي لها أطفال ، وخصهن لنظرهن إلى أولادهن بالعطف والشفقة وهن أحسن عيونا في تلك الحال منهن في سائر الأحوال . قوله : عن أسيل ، أي عن خد اسيل ، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه كقولك . مررت بعاقل ، إي بانسان عاقل ، وقوله : من وحش وجرة ، أي من نواظر وحش وجرة ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامة كقوله تعالى : "وسأل القرية" أي أهل القرية
( 34 ) الرئم . الظبي الأبيض الخالص البياض ، والجمع ارآم ، النص : الرفع ، ومنه سمي ما تجلي عليه العروس منصة ، ومنه النص في السير وهو حمل البعير على سير شديد ؛ ونصصت الحديث أنصه نصا : رفعته ، الفاحش : ما جاوز القدر المحمود من كل شيء يقول : وتبدي عن عنق كعنق الظبي غير متجاوز قدره المحمود إذا ما رفعت عنقها وهو غير معطل عن الحلي ، فشبه عنقها بعنق الظبية في حال رفعها عنقها ، ثم ذكر أنه لا يشبه عنق الظبي في التعطل عن الحلي
( 35 ) الفرع : الشعر التام ، والجمع فروع ، ورجل أفرع وامرأة فرعاء ، الفاحم : الشديد السواد مشتق من الفحم ، يقال : هو فاحم بين الفحومة ، الأثيث: الكثير ، والأثاثة الكثرة ، يقال : أث الشعر والنبت ، القنو يجمع على الإقناء والقنوان ، العثكول والعثكال قد يكونان بمعنى القنو وقد يكونان بعنى قطعة من القنو ، والنخلة المتعثكلة : التي خرجت عثاكيلها أي قنوانها يقول : وتبدي عن شعر طويل تام يزين ظهرها إذا ارسلته عليه ؛ ثم شبه ذؤابتيها بقنو نخلة خرجت قنوانها ، والذوائب تشبه بالعناقيد ، والقنون يراد به تجعدها وأثاثتها
( 36 ) الغدائر جمع الغديرة : وهي الخصلة من الشعر ، الاستشزار: الارتفاع والرفع جميعا ، فيكون الفعل من ه مرة لازما ومرة متعديا ، فمن روى مستشزرات بكسر الزاي جعله من اللازم ، ومن روى بفتح الزاي جعله من المتعدي ، العقيصة : الخصلة المجموعة من الشعر ، والجمع عقص وعقائص ، والفعل من الضلال والضلالة ضل يضل يقول : ذوائبها وغدائرها مرفوعات أو مرتفعات إلى فوق ، يراد به شدها على الرأس بخيوط ، ثم قال : تغيب تعاقيصها في شعر بعضه مثنى وبعضه مرسل ، أراد به وفور شعرها . والتعقيص التجعيد
( 37 ) الجديل خطام يتخذ من الادم ، والجمع جدل ، المخصر : الدقيق الوسط ، ومنه نعل مخصرة ، الانبوب : ما بين العقدتين من القصب وغبره ، والجمع الأنابيب . السقي هاهنا : بمعنى المسقي كالجريح بمعنى المجروح ، والجني بمعنى المجني ويقول : وتبدي عن كشح ضامر يحكي في دقته خطاما متخذا من الادم و عن ساق يحكي في صفاء لونه انابيب بردي بين نخل قد ذللت بكثرة الحمل فأظلت أغصانها هذا البردي ، شبه ضمور بطنها بمثل هذا الخطام ، وشبه صفاء لون ساقها ببردي بين نجيل تظلله أغصانها ، وإنما شرط ذلك ليكون أصفى لونا وأنقى رونقا ، وتقدير قوله كأنبوب السقي كأنبوب النخل المسقي ، ومنهم من جعل السقي نعتا للبردي ايضا ، والمعنى على هذا القول : كأنبوب البردي المذلل بالارواء
( 38 ) الاضحاء . مصادفة الضحى ، وقد يكون بمعنى الصيرورة ايضا ، يقال : أضحى زيد غنيا أي صار ، ولا يراد به إنه صادف الضحى على صفة الغنى ، ومنه قول عدي بن زيد : ثم أضحوا كأنهم ورق جف فألوت به الصبا والدبور أي صاروا ، الفتيت الفتات : أسم لدقاق الشيء الحاصل بالفت ، قوله : نؤوم الضحى ، عطل نؤوما عن علامة التأنيث لأن فعولا إذا كان بمعنى الفاعل يستوي لفظ صفة المذكر والمؤنث فيه ، يقال : رجل ظلوم وامرأة ظلوم ، ومنه قوله تعالى :"توبة نصوحا" ، قوله : لم تنتطق عن تفضل ، أي بعد تفضل ، كما يقال : استغنى فلان عن فقره أي بعد فقره ، والتفضل : ليس الفضلة ، وهي ثوب واحد يلبس للخفة في العمل يقول : تصادف العشيقة الضحى ودقاق المسك فوق فراشها الذي باتت عليه وهي كثيرة النوم في وقت الضحى ولا تشد وسطها بنطاق بعد لبسها ثوب المهنة ، يريد إنها مخدومة منعمة تخدم ولا تخدم ، وتلخيص المعنى : أن فتات المسك يكثر على فراشها وأنها تكفى أمورها فلا تباشر عملا بنفسها وصفها بالدعة والنعمة وخفض العيش وإن لها من يخدمها ويكفيها أمورها
( 39 ) العطو : التناول ، والفعل عطا يعطو عطوا ، والاعطاء المناولة ، والتعاطي التناول ، والمعطاة الخدمة ، والتعطية مثلها . الرخص : اللين الناعم ، الشثن : الغليظ الكز ، وفد شثن شثونة ، والأسروع واليسروع : دود يكون في البقل والاماكن الندية ، تشبه أنامل النساء به ، والجمع الاساريع واليساريع ، ظبي: موضع بعينه ، المساويك : جمع المسواك ، الاسحل : شجرة تدق أغصانها في استواء ، تشبه الاصابع بها في الدقة والاستواء يقول : وتتناول الاشياء ببنان رخص لين ناعم غير غليظ ولا كز كأن تلك الانامل تشبه هذا الصنف من الدود أو هذا الضرب من المساويك وهو المنخذ من أغصان الشجر المخصوص المعين
( 40 ) الاضاءة : قد يكون الفعل المشتق منها لازما وقد يكون متعديا ، تقول : أضاء الله الصبح فأضاء ، والضوء والضوء واحد ، والفعل ضاء يضوء ضوءا ، وهو لازم ، المنارة : المسرجة ، والجمع المناور والمنائر ، الممسى : بمعنى الامساء والوقت جميعا ، ومنه قول أمية : الحمد لله ممانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا ، الراهب يجمع على الرهبان مثل راكب وركبان وراع ورعيان ، وقد يكون الرهبان واحدا ويجمع حينئذ على الرهبانة والرهابين كما يجمع السلطان على السلاطنة ، أنشد الفراء: لو أبصرت رهبان دير في جبل لانحدر الرهبان يسعى ويصل جعل الرهبان واحدا ، لذلك قال يسعى ولم يقل يسعون ، المتبتل : المنقطع إلى الله بنيته وعمله ، والبتل : القطع ، ومنه قيل مريم البتول لانقطاعها عن الرجال واختصاصها بطاعة الله تعالى ، فالتبتل إذن الانقطاع عن الخلق والاختصاص بطاعة الله تعالى ، ومنه قوله تعالى : "وتبتل إليه تبتيلا" يقول : تضيء العشيقة بنور وجهها ظلام الليل فكأنها مصباح راهب منقطع عن الناس ، وخص مصباح الراهب لأنه يوقده ليهتدي به عند الضلال فهو يضيئه أشد الإضاءة ، يريد ان نور وجهها يغلب ظلام الليل كما أن نور مصباح الراهب يغلبه
( 41 ) الاسبكرار. الطول والامتداد ، الدرع : هو قميص المرأة ، وهو مذكر ، ودرع ودروع ، المجول : ثوب تلبسه الجارية الصغيرة يقول : إلى مثلها ينبغي أن ينظر العاقل كلفا بها وحنينا إليها إذا طال قدها وامتدت قامتها بين من تلبس الدرع وبين من تلبس المجول ، أي بين اللواتي أدركن الحلم وبين اللواتي لم يدركن الحلم ، يريد أنها طويلة القد مديدة القامة وهي اليوم لم تدرك الحلم وقد ارتفعت عن سن الجواري الصغار . قوله - بين درع ومجول ، تقديره - بين لابسة درع ولابسة مجول ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه
( 42 ) سلا فلان حبيبه يسلو سلوا ، وسلى يسلي سليا ، وتسلى تسليا ، وانسلى انسلاء أي زال حبه من قلبه أو زال حزنه ، العماية والعمى واحدا ، والفعل عمي يعمى . زعم أكثر الائمة أن في البيت قلبا تقديره : تسك لرجالات عن عمايات الصبا أي خرجوا من ظلماته وليس فؤادي بخارج من هواها وزعم بعضهم أن عن في البيت بمعنى بعد ، تقديره : انكشفت وبطلت ضلالات الرجال بعد مضي صباهم بينما ظل فؤادي في ضلالة هواها ، وتلخيص المعنى : أنه زعم أن عشق العشاق قد بطل وزال ، وعشقه إياها باق ثابت لا يزول ولا يبطل
( 43 ) الخصم لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث في لغة شطر من العرب ، ومنه قوله تعالى:"وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب" ، ويثنى ويجمع في لغة الشطر الآخر من العرب ، ويجمع على الخصام والخصوم الألوي: الشديد الخصومة كأنه يلوي خصمه عن دعواه النصيح : الناصح التعذال والعذل : اللوم ، والفعل عذل يعذل . الألو والائتلاء : التقصير ، والفعل ألا يألو ، وائتلى يأتلي يقول : ألا رب خصم شديد الخصومة كان ينصحني على فرط لومه إياي على هواك غير مقصر في النصيحة واللوم رددته ولم انزجر عن هواك بغذله ونصحه . وتحرير المعنى : أنه بخبرها ببلوغ حبه إياها الغاية القصوى حتى إنه لا يرتدع عنه بردع ناصح ولا ينجح فيه لوم لائم ، وتقدير لفظ البيت : ألا رب خصم ألوى نصيح على تعذاله غير مؤتل – رددته
( 44 ) شبه ظلام الليل في هوله وصعوبته ونكارة أمره بامواج البحر ، السدول : الستور ، الواحد منها سدل ، الإرخاء . إرسال السدل وغيره ، الابتلاء:الاختبار ، الهموم : جمع الهم ، بمعنى الحزن وبمعنى الهمة . الباء في قوله : بأنواع الهموم ، بمعنى مع يقول : ورب ليل يحاكي أمواج البحر في توحشه ونكارة أمره وقد أرخى علي ستور ظلامه مع أنواع الأحزان ، أو مع فنون الهم ، ليختبرني أأصبر على ضروب الشدائد وفنون النوائب أم أجزع منها . ولقد أمعن الشاعر في النسيب من أول القصيدة إلى هنا حيث انتقل منه إلى التمدح بالصبر والجلد
( 45 ) تمطى أي تمدد ، ويجوز أن يكون التمطي مأخوذا من المطا ، وهو الظهر ، فيكون المتمضي مد الظهر ، ويجوز أن يكون منقولا من التمطط فقبلت إحدى الطاءين ياء كما قالوا ، تظنى تظنيا والأصل تظنن تظننا ، وقالوا : تقضى البازى تقضيا أي تقضض تقضضا ، والتمطط التفعل من المط ، وهو المد ، وفي الصلب ثلاث لغات مشهورة ، وهي : الصلب ، بضم الصاد وسكون اللام ، والصلب بضمهما ، والصلب ، بفتحهما ، ومنه قول العجاج يصف جارية : ريا العظام فخمة المخدم في صلب مثل العنان المؤدم ولغة غريبة وهي الصالب ، وقال العباس عم النبي ، صلى الله عليه وسلم يمدح النبي ، عليه السلام : تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق ، الإرداف : الإتباع والاتباع وهو بمعنى الأول هاهنا ، الأعجاز : المآخير ، الواحد عجز ، ناء: مقلوب نأي بمعنى بعد ، كما قالوا راء بمعنى رأى وشاء بمعنى شأى ، الكلكل : الصدر، والجمع كلاكل . الباء في قوله ناء بكلكل للتعدية ، وكذلك هي في قوله تمطي بصببة ، استعار الليل صلبا واستعار لطوله لفظ التمطي ليلائم الصلب ، واستعار لأوائله لفظ الكلكل ولمآخيره الأعجاز يقول : فقلت لليل لما مد صلبه يعني لما أفرط طوله ، وأردف أعجازا يعني ازدادت مآخيره امتدادا وتطاولا ، وناء بكلكل يعني أبعد صدره ، أي بعد العهد بأوله ، وتلخيص المعنى : قلت لليل لما افرط طوله وناءت أوائله وازدادت أواخره تطاولا ، وطول الليل ينبئ عن مقاساة الأحزان والشدائد والسهر المتولد منها ، لأن المغموم يستطيل ليله ، والمسرور يستقصر ليله
( 46 ) الانجلاء: الانكشاف ، يقال : جلوته فانجلى أي كشفته فانكشف . الأمثل : الأفضل ، والمثلى الفضلى ، الأماثل الأفاضل. يقول : قلت له ألا أنها الليل الطويل انكشف وتنح بصبح ، أي ليزل ظلامك بضياء من الصبح ، ثم قال : وليس الصبح بأفضل منك عندي لأني أقاسي الهموم نهارا كما اعانيها ليلا ، أو لأن نهاري أظلم في عيني - لأزدحام الهموم علي حتى حكى الليل ، وهذا إذا رويت - وما الإصباح منك بأمثل ، وأن رويت "فيك بأفضل" كان المعنى : وما الإصباح في جنبك أو في الإضافة إليك أفضل منك ، لما ذكرنا من المعنى لما ضجر بتطاول ليله خاطبه وسأله الانكشاف . وخطابه ما لا يعقل يدل على فرط الوله وشدة التحير ، وإنما يستحسن هذا الضرب في النسيب والمرائي وما يوجب حزنا وكآبة ووجدا وصبابة
( 47 ) الأمراس جمع مرس: وهو الحبل ، وقد يكون المرس جمع مرسة وهو الحبل أيضا فتكون الامراس حينئذ جمع الجمع ، وقوله : بأمراس كتان ، من إضافة البعض إلى الكل ، أي بأمراس من كتان ، كقولهم : باب حديد ، وخاتم فضة ، وجبة خز ، الاصم : الصلب ، وتأنيثه الصماء ، والجمع الصم ، الجندل : الصخرة ، والجمع جنادل يقول مخاطبا الليل : فيا عجبا لك من ليل كأن نجومه شدت بحبال من الكتان إلى صخور صلاب ، وذلك أنه استطال الليل فيقول إن نجومه لا تزول من أماكنها ولا تغرب فكأنها مشدودة بحبال إلى صخور صلبة ، وإنما استطال الشاعر الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الاحزان فيه وقوله : بأمراس كتان ، يعني ربطت ، فحذف الفعل لدلالة الكلام على حذفه ، ومنه قول الشاعر : مسسنا من الآباء شيئا فكلتنا إلى حسب في قومه غير واضع يعني لفكلنا يعتزي أو ينتمي أو ينتسب إلى حسب ، فحذف الفعل لدلالة باقي الكلام عليه . ويروى : كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل ، هذا أعرف الروايتين وأسيرهما ، الاغارة : إحكام الفتل ، يذبل : جبل بعينه يقول : كأن نجومه قد شدت إلى يذبل بكل حبل محكم الفتل
( 48 ) لم يرو جمهور الائمة هذه الابيات الاربعة في هذه القصيدة وزعموا أنها لتأبط شرا ، أعني : وقربة أقوام .. الى قوله وقد اعتدي .. ورواها بعضهم في هذه القصيدة هنا ، العضا : وكاء القزبة ، والجمع العصم ، الكاهل : أعلى الظهر عند مركب العنق فيه ، والجمع الكواهل ، الترحيل : مبالغة الرحل ، يقال : رحلته إذا كررت رحله يقولِ: ورب قربة أقوام جعلت وكاءها على كاهل ذلول قد رحل مرة بعد اخرى منى ، وفي معنى البيت قولان : احدهما انه تمدح بتحم أثقال الحقوق وذوائب الاقوام من قرى الاضياف وإعطاء العفاة والعفو عن القاتلين وغير ذلك ، وزعم انه قد تعود التحمل للحقوق والنوائب ، واستعار حمل القربة لتحمل الحقوق ، ثم ذكر الكاهل لانه موضع القربة من حاملها ، وعبر بكون الكاهل ذلولا مرحلا عن اعتياده تحمل الحقوق . والقول الآخر انه تمدح بخدمته الرفقاء في السفر وحمله سقاء الماء على كاهل قد مرن عليه
( 49 ) الوادي يجمع على الاودية الاوديات ، الجوف: باطن الشيئ ، والجمع أجواف : العير : الحمار ، والجمع الاعيار ، القفر : المكان الخالي ، والجمع القفار ، ويقال : أقفر المكان إقفارا إذا خلا ، ومنه خبز قفار لا إدام معه ، الذئب يجمع على الذئاب والذياب والذؤبان ، ومنه قيل ذؤبان العرب للخبثاء المتلصصين ، وأرض مذأبة : كثيرة الذئاب ، وقد تذأبت الريح وتذاءبت إذا هبت من كل ناحية كالذئب اذا حذرت من ناحية أتى من غيرها . الخليع : الذي قد خلعه أهله لخبثه ، وكان الرجل منهم يأتي بابنه الى الموسم ويقول : إلا إني قد خلعت ابني فان جر لم أضمن وان جر عليه لم اطلب ، فلا يؤخذ بجرائره ، وزعم الائمة ان الخليع في هذا البيت المقامر ، المعيل : الكثير العيال ، وقد عيل تعييلا فهو معيل إذا كثر عياله ، العواء : صوت الذئب وما أشبهه من السباع ، والفعل عوى يعوي عواء ، زعم صنف من الائمة انه شبه الوادي في خلائه من الانس ببطن العير ، وهو الحمار الحشي ، إذا خلا من العلف : وقيل:بل شبه في قلة الانتفاع به بجوف العير لانه لايركب ولا يكون له در ، وزعم صنف منهم انه أراد كجوف الحمار فغير اللفظ إلى ما وافقه في المعنى لاقامة الوزن ، وزعموا ان حمارا كان رجلا من بقية عاد وكان متمسكا بالتوحيد فسافر بنوه فأصابتهم صاعقة فأهلكهم وعندئذ أشرك بالله وكفر بعد التوحيد ، فأحرق الله أمواله وواديه الذي كان يسكن فيه فلم ينبت بعده شيئا ، فشبه امرؤ القيس هذا الوادي بواديه في الخلاء من النبات والإنس يقول رب واد يشبه وادي الحمار في الخلاء من النبات والانس أو يشبه بطن الحمار فيما ذكرنا طويته سيرا وقطعته بينا كان الذئب يعوي فيه من فرط الجزع كالمقامر الذي كثر عياله ويطالبونه بالنفقة وهو يصبح بهم ويخاصمهم إذ لا يجد مايرضيهم به
( 50 ) قوله : ان شأننا قليل الغنى ، يريد : ان شأننا وامرنا قليل الغنى ، ومن روى طويل الغنى فمعناه طويل طلب الغنى ، وقد تمول الرجل إذا صار ذا مال . لما : بمعنى لم في البيت كما كانت في قوله تعالى : "ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم" كذلك يقول : قلت للذئب لما صاح إن شأننا وأمرنا أننا يقل عنانا إن كنت غير متمول كما كنت غير متمول . وإذا روي ، طويل الغنى، المعنى: قلت له إن شأننا اننا نطلب الغنى طويلا ثم لا نظفر به إن كنت قليل المال كما كنت قليل المال
( 51 ) اصل الحرث إصلاح الارض وإلقاء البذر فيها ، ثم يستعار السعي والكسب كقوله تعالى:" من كان يريد حرث الآخرة" الآية : وهو في البيت مستعار يقول: كل واحد منا إذا ظفر بشيء فوته على نفسه ، أي إذا ملك شيئا أنفقه وبذره ، ثم قال : ومن سعي سعيي وسعيك افتقر وعاش مهزول العيش
( 52 ) غدا يغدو غدوا ، واغتدى اغتداء ، واحد ، الطير : جمع طائر مثل الشرب في جمع شارب والتجر في جمع تاجر والركب في جمع راكب . ثم يجمع على الطيور مثل بيت وبيوت وشيخ وشيوخ ، الوكنات : مواقع الطير ، واحدتها وكنة ، وتقلب الواو همزة فيقال : أكنة ، ثم تجمع الوكنة على الوكنات ، بضم الفاء والعين ، وعلى الوكنات ، بضم الفاء والعين ، وعلى الوكنات ، بضم الفاء وفتح العين ، وعلى الوكنات ، بضم الفاء وسكون العين ، وتكسر على الوكن ، وهكذا حكم فعله ، نحو ظلمة وظلمات وظلمات وظلمات وظلم ، المنجرد : الماضي في السير ، وقيل : بل هو قليل الشعر ، الأوابد : الوحوش ، وقد أبد الوحش يأبد أبودا ، ومنه تأبد الموضع إذا توحش وخلا من القطان ، ومنه قيل للفذ آبدة لتوحشه عن الطباع ، الهيكل ، قال ابن دريد : هو الفرس العظيم الجرم ، والجمع الهياكل يقول: وقد اغتدي والطير بعد مستقرة على مواقعها التي باتت عليها على فرس ماض في السير قليل الشعر يقيد الوحوش بسرعة لحاقه إياها كما أنه عظيم الألواح والجرم ، وتحرير المعنى : انه تمدح بمعاناة دجى الليل وإهواله ، ثم تمدح بتحمل حقوق العفاة والأضياف والزوار ، ثم تمدح بطي الفيافي والاودية ، ثم أنشأ الآن يتمدح بالفروسية . يقول : وربما باكرت الصيد قبل نهوض الطير من أوكارها على فرس هذه صفته . وقوله : قيد الأوابد ، جعله لسرعة إدراكه الصيد كالقيد لأنها لا يمكنها الفوت منه كما أن المقيد غير متمكن من الفوت والهرب
( 53 ) الكر : العطف ، يقال : كر فرسه على عدوه أي عطفه عليه ، والكر والكرور جميعا الرجوع ، يقال : كر من قرنه يكر كرا وكرورا ، والمكر مفعل من كر يكر ، ومفعل يتضمن مبالغة كقولهم : فلان مسعر حرب وفلان مقول ومصقع ، وإنما جعلوه متضمنا مبالغة لان مفعلا قد يكون من اسماء الأدوات نحو المعول والمخرز ، فجعل كأنه أداة للكرور وآلة لتسعير الحرب غير ذلك ، مفر : مفعل من فر يفر فرارا ، والكلام فيه نحو الكلام في مكر . الجلمود والجلمد : الحجر العظيم الصلب ، والجمع جلامد وجلاميد ، الصخر: الحجر ، الواحد صخرة ، وجمع الصخر صخور ، الحط : إلقاء الشيء من علو إلى أسفل ، يقال : أتيته من عل ، مضمونة اللام ، ومن علو ، بفتح الواو وضمها وكسرها ، ومن علي ، بياء ساكنة ، ومن عال مثل قاض ، ومن معال مثل معاد ، ولغة ثامنة يقال من علا ، وأنشد الفراء : باتت تنوش الحوض نوشا من علا نوشا به تقطع أجوان الفلا وقوله : كجلمود صخر ، من إضافة بعض الشيء إلى كله مثل باب حديد وجبة خز ، أي كجلمود من صخر يقول : هذا الفرس مكر إذا أريد منه الكر ومفر إذا إذا أريد منه الفر ومقبل إذا أريد منه إقباله ودبر إذا أريد منه إدباره . وقوله : معا ، يعنى أن الكر والفر والإقبال والإدبار مجتمعة في قوته لا في فعله لأن فيها تضادا ، ثم شبهه في سرعة مره وصلابة خلقه بحجر عظيم ألقاه السيل من مكان عال إلى حضيض
( 54 ) زال الشيء يزل زليلا وأزالته أنا ، الحال: مقعد الفارس من ظهر الفرس ، الصفواء والصفوان والصفا : الحجر الصلب ، الباء في قوله بالمتنزل للتعدية يقول : هذا الفرس الكميت يزل لبده عن متنه لانملاس ظهره واكتناز لحمه يحمدان من الفرس ، كما يزل الحجر الصلب الأملس المطر النازل عليه ، وقيل : بل أراد الإنسان النازل عليه ، والتنزل والنزول واحد ، والمتنزل في البيت صفة المحذوف وتقديره : بالمطر المتنزل او الانسان المتنزل ، وتحرير المعنى : أنه لاكتناز لحمه وانملاس صلبه يزل لبده عن متنه كما أن الحجر الصلب يزل المطر أو الانسان عن نفسه . وجر كميتا وما قبله من الأوصاف لأنها نعوت لمنجرد
( 55 ) الذبل والذبول واحد ، والفعل ذبل يذبل ، الجياش :مبالغة جائش وهو فاعل من جاشت القدر تجيش جيشا وجيشانا إذا غلت ، وجاش البحر جيشا وجيشانا إذا هاجت أمواجه ، الاهتزاز : التكسر ، الحمي : حرارة القيظ وغيره ، والفعل حمي يحمي . المرجل : القدر من صفر أو حديد أو نحاس أو شبهه ، والجمع المراجل ، وروى ابن الانبارى وابن مجاهد عن ثعلب أنه قال : كل قدر من حديد أو صفر أو حجر أو خزف أو نحاس أو غيرها فهو مرجل يقول: تغلي فيه حرارة نشاطه على ذبول خلقه وضمر بطنه ، ثم شبه تكسر صهيله في صدره بغليان القدر
( 56 ) سح يسح : قد تكون بمعنى صب يصب وقد يكون بمعنى انصب ينصب ، فيكون مرة لازما ومرة متعديا ، زمصدره إذا كان متعديا السح والسحوح ، تقول : سح الماء فسح هو ن ومسح مفعل من المعتدي ، وقد قررنا أن مفعلا في الصفات يقتضي مبالغة ، فالمعنى انه يصب الجري والعدو صبا بعد صب السابح من الخيل : الذي يمد يديه في عدوه ، شبه بالسابح في الماء ، الوني : الفتور ، والفعل ونى يني ونيا وونى ، الكديد : الأرض الصلبة المطمئنة ، المركل من الركل : وهو الدفع بالرجل والضرب بها ، والفعل منه ركل يركل ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :"فركلني جبريل" . والتركيل التكرير والتشديد والمركل : الذي يركل مرة بعد أخرى يقول : هذا الفرس عدوه وجريه صبا بعد صب ، أي يجيء به شيئا بعد شيء ، إذا أثارت حياد الخيل التي تمد أيديها في عدوها الغبار في الارض الصلبة التي وطئت بالاقدام والمناسم والحوافر مرة بعد أخرى في حال فتورها في السير وكلالها . وتحرير المعنى : انه يجيء يجري بعد جري إذا كلت الخيل والسوابح وأعيت وأثارت الغبار في مثل هذا الموضع وجر مسحا لانه صفة الفرس المنجرد ، ولو رفع لكان صوابا ، وكان حينئذ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو مسح ، ولو نصب لكان صوبا أيضا وكان انتصابه على المدح ، والتقدير : أذكر مسحا أو أعني مسحا ، كذلك القول فيما قبله من الصفات نحو كميت : يجوز في كل هذه الالفاظ الاوجه الثلاثة من الإعراب ويروى المرحل
( 57 ) الخف : الخفيف الصهوة : مقعد الفارس من ظهر الفارس ، والجمع الصهوات ، وفعلة تجمع على فعلات ، بفتح العين ، إذا كانت اسما ، نحو شعرة وشعرات وضربة وضربات ، إلا إذا كانت عينها واوا أو ياء أو مدغمة في اللام فإنها كانت صفة تجمع على فعلات ، مسكنة العين أيضا ، نحو ضخمة وضخمات وخدلة وخدلات ، ألوى بالشيء : رمى به ، وألوى به ذهب به ، العنيف : ضد الرفيق يقول : إن هذا الفرس يزل ويزلق الغلام الخفيف عن مقعده من ظهره ويرمي بثياب الرجل العنيف الثقيل ، يريد إنه يزلق عن ظهره من لم يكن جيد الفروسية عالما بها ويرمي بأثواب الماهر الحاذق في الفروسية لشدة عدوه وفرط مرحه في جريه ، وإنما عبر بصهواته ولا يكون له إلا صهوة واحدة ، لأنه لا لبس فيه فجرى الجمع والتوحيد مجرى واحدا عند الاتساع لأن إضافتها إلى ضمير الواحد تزيل اللبس كما يقال : رجل عظيم المناكب وغليظ المشافر ، ولا يكون له إلا منكبان وشفتان ، ورجل شديد مجامع الكتفين ، ولا يكون له إلى مجمع واحد ويروى : يطير الغلام ، أي يطيره ويروى : يزل الغلام الخف ، بفتح الياء من يزل ورفع الغلام ، فيكون فعلا لازما
( 58 ) الدرير : من در يدر ، وقد يكون در لازما زمتعديا يقال : درت الناقة اللبن فدر اللبن ، ثم الدرير ههنا يجوز أن يكون بمعنى الدار من در إذا كان متعديا ، والفعيل يكثر مجيئه بمعنى الفاعل نحو قادر وقدير وعالم وعليم ، يجوز أن يكون بمعنى المدر من الادرار وهو جعل الشيئ دارا ، وقد يكثر الفعيل بمعنى المفعل كالحكيم بمعنى المحكم والسميع بمعنى المسمع ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع أي المسمع ، الخذروف : حصاة مثقوبة يجعل الصبيان فيها خيطا قيديرها الصبي على رأسه شبه سرعة هذا الفرس بسرعة دوران الحصاة على رأس الصبي ، الوليد : الصبي ، والجمع الولدان ، وجمع خذروف خذاريف ، والوليدة : الصبية ، وقد يستعار للأمة ، والجمع : الولائد ، الامرار : إحكام الفتل يقو ل: هو يدر العدو والجري أي يديمها ويواصلها ويتابعهما ويسرع فيها إسراع خذروف الصبي إذا أحكم فتل خيطه وتتابعت كفاه في فتله وتحرير المعني : أنه مديم السير والعدو متابع لهما ، ثم شبهه في سرعة مره وشدة عدوه بالخذروف في دورانه إذا بولغ في فتل خيطه
( 59 ) الأيطل والأطل : الخاصرة ، والجمع الاياطل والآطال ، أجمع البصريوه على أنه لم يأت على فعل من الاسماء إلا إبل ، ومن الصفات إلا بلز وهي الجارية التارة السمينة الضخمة ، الظبي : يجمع على أظب وظباء ، والساق على الأسوق والسوق ، والنعامة تجمع النعامات والنعام والنعائم ، الإرخاء : ضرب من عدو الضئب يشبه خبب الدواب ، السرحان : الذئب ، التقريب: وضع الرجلين موضع اليدين في العدو ، التنفل : ولد الثعلب شبه خاصرتي هذا الفرس بخاصرتي الظبي في الضمر ،وشبه ساقيه بساقي النعامة وعدوه بإرخاء الذئب ، وتقريبه بتقريب ولد الذئب
( 60 ) الضليع : العظيم الاضلاع المتنفخ الجبين ، والجمع ضلعاء ، والمصدر ضلاعة الاستدبار: النظر إلى دبر الشيء ، وهو مؤخره ، الفرج : الفضاء بين اليدين والرجلين ، والجمع الفروج ، الضفو : السبوغ والتمام ، فويق تصغير فوق وهو تصغير التقريب مثل قبيل وبعيد في تصغير قبل وبعد ، الأعزل : الذي يميل عظم ذنبه إلى أحد الشقين يقول : هذا الفرس عظيم الاضلاع منتفخ الجبين قد سد الفضاء بين رجليه بذنبه وهو غير مائل إلى أحد الشقين
( 61 ) المتنان : تثنيه متن وهما ما عن يمين الفقار وشماله ، الانتحاء : الاعتماد والقصد ، المداك : الحجر الذي يسحق به الطيب ، الصلاية : الحدر الآملس الذي يسحق عليه شيء كالهبيد وهو حب الحنظل . شبه انملاس ظهره واكتناز باللحم بالحجر الذي تسحق العروس به أو عليه الطيب ، أو الذي كسر عليه الحنظل ويسخرج الحب
( 62 ) نثنية الدم والدمان والدميان والجمع دماء ودمى ، والتصغير دمي ، الهاديات : المتقدمات والاوائل ، وسمى المتقدم هاديا لأن هادى القوم يتقدمهم ، عصارة الشيئ: ما خرج منه عند عصره ، الترجيل : تسريح الشعر ، المرجل : المسرح بالمشط يقول : كأن دماء أوائل الصيد والوحوش على نحر هذا الفرس عصارة حناء على شعر الأشيب وأتى بالمرجل لإقامة القافية
( 63 ) عن : أي عرض وظهر ، السرب : القطيع من الظباء أو النساء ، النعاج : اسم لإناث الضأن وبقر الوحش ، والمراد بالنعاج في هذا البيت إناث بقر الوحوش ، العذراء:البكر التي لم تمس ، الدوار : حجر ينصبه أهل الجاهلية ويطوفون حوله الملاء: جمع ملاءة ، المذيل : الذي أطيل ذيله وأرخي يقول : فعرض لنا وظهر قطيع من بقر الوحش كان نساءه عذارى يطفن حول حجر منصوب ويطاف حوله في ملاء طويلة ذيولها
( 64 ) الجزع : الخرز اليماني ، الجيد : العنق ، والجمع أجياد ، المعم : الكريم الاعمام . المخول : الكريم الاخوال، وقد أعم الرجل وأخول إذا كرم اعمامه واخواله يقول: فأدبرت النعاج كالخرز اليماني الذي فصل بينه بغيره من الجواهر في عنق صبي كرم أعمامه وأخواله ، شبه البقر الوحشي بالخرز اليماني
( 65 ) الهاديات : الاوائل المتقدمات ، الجواحر: المنخلفات ، الصرة : الجماعة ، والزيل والتزييل : التفريق ، والتزيل : الانزلاق والتفرق يقول : فألحقنا هذا الفرس بأوائل الوحش ومتقدماته وجاوز بنا متخلفاته فهي دونه أي أقرب منه
( 66 ) المعاداة والعداء : الموالاة ، الدراك : المتابعة يقول : فوالى بين ثور ونعجة من بقر الوحش في طلق واحد ولم يعرق عرقا مفرطا يغسل جسده ، ودراكا أي مدراكة
( 67 ) الطهو والطهي: الإنضاج ، والفعل طها يطهو ويطهي ، الإنضاج يشتمل على طبخ اللحم وشيه ، الصفيف : المصفوف على الحجارة لينضج ، القدير : اللحم المطبوخ في القدر يقول : ظل المنضجون اللحم وهم صنفان : صنف ينضج شواء مصفوفا على الحجارة في النار وصنف يطبخون اللحم في القدر
( 68 ) الطرف : اسم لما يتحرك من أشفار العين ، وأصله للتحرك ، والفعل منه طرف يطرف ، القصور: العجز ، الفعل قصر يقصر ، الترقي والارتقاء والرقي واحد ، والفعل من الرقي رقي يرقي يقول : ثم أمسينا وتكاد عيوننا تعجز عن ضبط حسنه واستقصاء محاسن خلقه ، ومتى ماترقت العين في أعالي خلقه وشخصه نظرت إلى قوائمه وتلخيص المعنى : أنه كامل الحسن والصورة
( 69 ) يقول : بات الجواد مسرجا ملجما قائما بين يدي غير مرسل إلى المرعى
( 70 ) أصاح : أراد أصاحب أي ياصاحب فرخم كما تقول في ترخيم حارث ياحار ، وفي ترخيم مالك يامال أراد يارحارث ، والألف نداء للقريب دون البعيد ، ويا: نداء للبعيد والقريب، وأي وأيا وهيا : لنداء البعيد دون القريب، الوميض والإيماض : اللمعان ، اللمع التحريك والتحرك جميعا ، الحبي: السحاب المتراكم ، وجعله مكللا لأنه صار كالإكليل يقول : ياصاحبي هل ترى برقا أريك لمعانه وتلألؤه وتألقه فى سحاب متراكم صار أعلاه كالأكليل متبسم بالبرق يشبه برقه تحريك يدين
( 71 ) السناء : الضوء ، والسناء : الرفعة ، السليط : الزيت ، الذبال: جمع ذبالة وهي الفتيلة ، يقول : هذا البرق يتلالأ ضوءه فهو يشبه في تحركه اليدين أو مصابيح الرهبان أميلت فتائلها بصب الزيت عليها في الإضاءة
( 72 ) ضارج والعذيب: موضعان ، بعدما : أصله بعد ما فخففه فقال بعد ،وتقديره : بعد متأملي يقول : قعدت وأصحابي للنظر إلى السحاب بين هذين الموضعين وكنت معهم فبعد ما كنت أتأمل فيه ، وتقديره : بعد ماهو متأملي ، فحذف المبتدأ الذي هو هو ، وتقديره على هذا القول بعد السحاب الذي هو متأملي
( 73 ) ويروى : علا قطنا ، من علا يعلو علوا ، أي هذا السحاب ، القطن : جبل ، الصوب : المطر، الشيم : النظر إلى البرق مع ترقب المطر يقول : أيمن هذا السحاب على قطن وأيسره على الستار ويذبل ، وقوله : بالشيم ، أراد : إني إنما أحكم به حدسا وتقديره لأنه لا يرى ستارا ويذبل وقطن معا
( 74 ) الكب : إلقاء الشيئ على وجهه ، نحو: قعد وأقعدته ، وقام وأقمته ، وجلس وأجلسته ، الذقن : مجتمع الحيين ، والجمع الأذقان ، الدوحة : الشجرة العظيمة ، والجمع دوح ، الكنهبل ، بضم الباء وفتحها : ضرب من شجر البادية يقول : فاضحى هذا الغيث أو السحاب يصب الماء فوق هذا الموضع المسمى كتيفة ، وتلخيص المعنى : أن سيل هذا الغيث ينصب من الجبال والآكام فيقلع الشجر العظام . . ويروى : يسح الماء من كل فيقة ، أي بعد كل فيقة ، والفيقة من الفواق : وهو مقدار ما بين الحلبتين ، ثم استعارة الشاعر لما بين الدفعتين من المطر
( 75 ) القنان : اسم جبل لبني أسد ، النفيان : ما يتطاير من قطر المطر وقطر الدلو ومن الرمل عند الوطء ومن الصوف عند النقش وغير ذلك ، العصم : جمع أعصم ، وهو الذي في إحدى يديه بياض من الأوعال وغيرها ، المنزل : موضع الإنزال يقول : ومر على هذا الجبل مما تطاير وانتشر وتناثر من رشاش هذا الغيث فأنزل الأوعال العصم من كل موضع من هذا الجبل لهولها من قطرة على الجبل وفرط انصبابه هناك
(76 ) تيماء قرية عادية في بلاد العرب ، الجذع يجمع على الأجذاع والجذوع ، والنخلة على النخلات ، الأطم : القصر ، الشيد : الجص ، الجندل : الصخر ، يقول : لم يترك هذا الغيث شيئا من جذوع النخل بقرية تيماء ولا شيئا من القصور والأبنية إلا ماكان منها مرفوعا بالصخور أو مجصصا
( 77 ) ثبير : جبل بعينه ، العرنين الانف ، البجاد: كساء مخطط ، التزميل : التلفيف بالثياب ، الوبل جمع وابل وهو المطر الغزير العظيم القطر ، يقول : كأن ثبيرا في اوائل مطر هذا السحاب سيد أناس قد تلفف بكساء مخطط ، شبه تغطيته بالغثاء بتغطي هذا الرجل بالكساء
( 78 ) الذروة : أعلى الشيء ، المجيمر: أكمة بعينها ، الغثاء : ماجاء به السيل من الحشيش والشجر والكلا والتراب وغير ذلك ، المغزل بضم الميم وفتحها وكسرها معروف يقول : كأن هذه الأكمة غدوة مما أحاط بها من أغثاء السيل فلكة مغزل ، شبه الشاعر استدارة هذه الأكمة بما أحاط بها على الاغثاء باستدارة فلكه المغرز وإحاطتها بها بإحاطة المغزل
( 79 ) الصحراء تجمع على الصحارى والصحارى معا ، الغبيط هنا أكمة قد أنخفض وسطها وارتفع طرفاها ، وسميت غبيطا تشبيها بغبيط البعير ن البعاع : الثقل ، قوله : نزول اليماني ، العياب : جمع عيبة الثياب . شبه الشاعر نزول المطر بنزول التاجر وشبه ضروب النبات الناشئة من هذا المطر بصنوف الثياب التي نشرها التاجر عند عرضها للبيع وتقدير البيت : وألقى ثقله بصحراء الغبيط فنزل بها نزولا مثل نزول التاجر اليماني صاحب العياب من الثياب
( 80 ) المكاء ضرب من الطير ، الجواء : الوادي ، غدية : تصفير غدوة أو غداة ، الصبح : سقى الصبوح ، والاصطباح والتصبح : شرب الصبوح ، السلاف : أجود الخمور وهو ماانعصر من العنب من غير عصر ، المفلفل : الذي ألقي فيه الفلفل ، يقول : كأن هذا الضرب من الطير سقى هذا الضرب من الخمر صباحا في هذا الأودية ، وإنما جعلها كذلك لحدة ألسنتها وتتابع أصواتها ونشاطها في تغربدها لأن الشراب المفلفل يحدي اللسان ويسكر
( 81 ) الغرقى : جمع غريق ، العشي والعشية : مابعد زوال إلى طلوع الفجر وكذلك العشاء ، والأرجاء : النواحي ، الواحد رجا ، مقصور ، والتثنية رجوان ، تأنيث الأقصى : وهو الأبعد : والياء لغة نجد والواو لغة سائرالعرب ، الأنابيش : أصول النبت ، وأحدتها أنبوشة ، العنصل : البصل البري يقول : كأن السباع حين غرقت في سيول هذا المطر عشيا أصول البص البري ؛ شبه الشاعر تلطخها بالطين والماء الكدر بأصول البصل البري لأنها متلطخة بالطين والتراب


التعريف بالشاعر

هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة. شاعر جاهلي يعد أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد. كان أبوه ملك أسد وغطفان، ويروى أن أمّه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين. وليس في شعره ما يثبت ذلك، بل إنه يذكر أن خاله يدعى ابن كبشة حيث يقول:
خالي ابنُ كبشة قد علمتَ مكانه - وأبو يزيدَ ورهطُهُ أعمامي قال الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حضرموت موطن أبيه وعشيرته، وهو في نحو العشرين من عمره. أقام زهاء خمس سنين، ثم جعل يتنقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال : رحم الله أبي! ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم ولا سكر غداً، اليوم خمر وغداً أمر.
وذهب إلى المنذر ملك العراق، وطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره ومكث عنده مدة، ثم قصد الحارث بن شمر الغساني في الشام، فسيره الحارث إلى القسطنطينية للقاء قيصر الروم يوستينياس، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح فأقام فيها إلى أن مات.
وليس يعرف تاريخ ولادة امرئ القيس ولا تاريخ وفاته، ويصعب الوصول إلى تحديد تواريخ دقيقة مما بلغنا من مصادر. وتذهب بعض الدراسات الحديثة إلى أن امرأ القيس توفي بين عام 530م. وعام 540م. وأخرى إلى أنّ وفاته كانت حوالي عام 550م. وغيرها تحدّد عام 565م. إلاّ أن هناك بعض الأحداث الثابتة تاريخياً ويمكن أن تساعد على تحديد الفترة التي عاش فيها.
يقول ابن قتيبة إن قبَّاذ ملك الفرس ملَّك الحارث بن عمرو جدّ امرئ القيس على العرب. ويقول أهل اليمن إن تبّعاً الأخير ملَّكه وكان الحارث ابن أخته، فلما هلك قبَّاذ خلفه ابنه أنو شروان فملَّك الحيرة المنذر بن ماء السماء. ولا يبدو من تناقض بين ما يراه ابن قتيبة وما يرويه عن أهل اليمن فليس بمستبعد أن تبّعاً هو من ولَّى الحارث ملكاً في الشمال. وكندة تعود إلى أصول يمنية، وذلك لا يمنع من أن يكون قبَّاذ قوَّى ملك الحارث وبسط نفوذه على مناطق لم تكن خاضعة له من قبل. وهذا ما يذهب إليه الأصبهاني ناقلاً عن كثير من الروايات المتفقة على أن قبَّاذ طرد المنذر من الحيرة لأنه رفض الدخول معه في الدعوة التي قام بها مزدك في عهده والتي يدعو فيها إلى إباحة الحرم، على حدّ تعبير الأصبهاني، وشدَّد ملك الحارث الذي أخذ بالمزدكية عقيدة، ويبدو أنه ملَّك الحارث على الحيرة مكان المنذر. ويرجّح أن الحارث أخذ بالمزدكية لبسط نفوذه ونفوذ قومه على شبه الجزيرة حتى أصبح بإمكانه أن يولّي أبناءه الملك على مناطق شاسعة.
ولما مات قبَّاذ أخذ الحكم ابنه أنو شروان وذلك عام 531م. وكان على خلاف مع أبيه في شأن مزدك وتعاليمه، فأعاد المنذر إلى الحيرة، وقاتل الحارث الذي هرب إلى أرض كليب ونجا. ولا يعرف تاريخ وفاة الحارث، وتختلف الروايات عن كيفية موته: فكلب يزعمون أنهم قتلوه، وكندة تزعم أنه مات خلال رحلة صيد، وآخرون يقولون إنه مكث في بني كلب حتى مات حتف أنفه. ويستنتج ممّا تقدم أن حجراً كان ملكاً على أسد قبل عام 531م. حين كان أبوه ما يزال في أوج سلطته. ولا خلاف على مولد امرئ القيس ببلاد أسد أي أنه ولد قبل عام 531م. وأي تاريخ محدَّد يوضع لولادته ليس أكثر من مجرَّد تخمين.
وكذلك الأمر بالنسبة لتاريخ وفاته الذي يمكن أن يرجّح من خلال استقراء الأحداث التاريخية المدوَّنة كما وصلتنا. فقد ثارت بنو أسد وقتلت حجراً أباه، ولا يعرف لهذا الحدث تاريخ، إلاّ أن معظم الروايات التي يوردها الأصبهاني تتفق على أن امرأ القيس كان شاباً عند مقتل أبيه. ويروي أبو عمرو الشيباني (م206هـ) أن امرأ القيس قاتل مع أبيه ضد بني أسد حين انهزمت كندة، وفرَّ على فرس له شقراء بينما يروي ابن السكيت (م245هـ) أنه كان في مجلس شراب يلعب النرد حين أتاه نعي أبيه ووصيته بالثأر.
غير أن الهيثم بن عدي (م 206هـ) يذكر أن امرأ القيس لما قتل أبوه كان غلاماً قد ترعرع. ولكن هذه الباحثة لا تطمئن إلى صحة هذه الرواية لأن امرأ القيس قال معظم شعره اللاهي، بما في ذلك مطوَّلته، "قفا نبكِ" قبل مقتل أبيه، وليس ذلك بشعر غلام، بل شعر رجل ناضج. كما أن هذه الرواية لا تؤيِّدها الروايات الأخرى عن مقتل حجر التي تجعل من الشاعر إما مقاتلاً في جيش أبيه وإما لاهياً يقول: "ضيّعني صغيراً وحمَّلني دمه كبيراً" حسب رواية ابن الكلبي (م204هـ). كما أنها تنفي روايات سعيه للثأر لأبيه، المتفق عليها، فكيف يسعى غلامٌ ذلك المسعى الكبير.
وأما الحدث الذي يسهم، دون غيره، في تحديد الفترة التي توفي فيها امرؤ القيس ، فهو ذهابه إلى القسطنطينية ولقاؤه قيصر الذي توجّه إليه لطلب المعونة في استرداد ملك أبيه ، مستغلاً العداوة التاريخية بين الروم والفرس وصراعه مع المنذر بن ماء السماء الذي أعاده أنو شروان إلى الحيرة طارداً منها جدّه الحارث. وقد كانت بين امرئ القيس وبين المنذر حروب طويلة.
وكان إمبراطور بيزنطية حينذاك يوستنيانوس، وهو آخر أعظم أباطرة بيزنطية ، وقد حكم من عام 527م. إلى 565م.، وخاض حروباً امتدت طوال حياته ضد أنو شروان ، وكانت أنطاكية والمناطق المحيطة بها مسرحاً لتلك الحروب.
وقد تم توقيع أول معاهدة سلم بينهما عام 532م. ، وسُمِّيت "معاهدة السلام الأبدي " .
غير أن الحرب عادت إلى الاشتعال وسقطت أنطاكية بيد الفرس عام 540م.
وبقيت بأيديهم حتى عام 545م. حين وقَّعت بينهما اتفاقية هدنة. وتجدَّدت الحرب عام 551م ، واتفق مجدَّداً على هدنة عام 557م، ولم تعد أنطاكية إلى بيزنطية إلاّ عام 561م. حين اتفق يوستنيانوس وأنو شروان على هدنة لمدّة خمسين سنة بشرط أن تدفع بيزنطية الجزية لفارس.
ولعلَّه يصحّ الاستنتاج ممَّا تقدّم أن امرأ القيس لم يذهب إلى القسطنطينية إلا بعد عام 561م، بعد انتهاء تلك الحروب وبعد عودة أنطاكية إلى الروم، لأن طريق رحلته إلى القسطنطينية تمرّ في تلك المناطق التي لن يجتازها وهي بأيدي أعدائه من الفرس وأنصارهم من العرب. وقد وفَّر امرؤ القيس نفسه دليلاً على الطريق التي سلكها في تلك الرحلة في قصيدته "سما لك شوق بعدما كان أقصرا"، وفيها يذكر بلاد الشام التي مرَّ بقراها ومدنها كحوران وبعلبك وحماه وخملى، ومنها إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية الشرقية.
ومن هنا تميل هذه الباحثة إلى تحديد تاريخ وفاة امرئ القيس، التي تجمع الروايات أنها حدثت في طريق عودته من القسطنطينية، بين عام 563م . و564م. وقبل عام 565م ، تاريخ وفاة يوستنيانوس.
ويذهب الرواة إلى أن قيصر بعث إليه في طريق عودته بحلّة مسمومة تقرّح جلده حين لبسها ومات، بعد أن كان قد أحسن وفادته زوَّده بجيش لمساعدته في استرداد ملك أبيه ، وإن اختلفوا في الأسباب التي قادته إلى قتله. ورواية الحلّة المسمومة ظاهرة التهافت وكذلك قصة قتله والوشاية به، وليس في شعره ما يوحي بذلك. ويبدو أن امرأ القيس مات بمرض جلديّ يذكره في شعره ، وقد عانى منه في السابق وإن لم يكن بالحدّة نفسها ، وهو افتراض يدعمه بيت شعر قاله :
تأوَّبني دائي القديمُ فغلّسا ... أُحاذِرُ أن يرتدَّ دائي فأُنْكَسا
عاش امرؤ القيس حياة غنيّة بالتجربة بين قطبي اللهو الحرب. وكان في عزّة ورخاء عيش حين كان أبوه ملكاً، يلهو ويشرب ويذهب إلى الصيد ويقول الشعر، إلى أن طرده أبوه فكان يسير في أحياء العرب مع شذّاذهم مواصلاً حياة اللهو والشرب والأكل والغناء. وبعد مقتل أبيه حرَّم على نفسه الخمر والنساء حتى يأخذ بثأره، وواصل السعي لاسترداد الملك المفقود. وسيرة امرئ القيس تكشف جوانب تاريخية مهمّة من تاريخ القبائل العربية في تلك الحقبة، من اليمن إلى أواسط شبه الجزيرة وشمالها، وتتضمّن صورة من صور الصراع المحتدم بين الروم والفرس وعملائهم من الغساسنة واللّخميين. وكان امرؤ القيس قد طاف في طول شبه الجزيرة وعرضها باحثاً عن أنصار لدعمه في سعيه للثأر لأبيه واسترداد ملكه أو هارباً من أعدائه. لقد استنصر أولاً بكراً وتغلب فنصروه وقاتلوا معه بني أسد حتى كثرت فيهم الجرحى والقتلى وهربوا، ولكنهم رفضوا أن يلحقوا ببني أسد حين أراد امرؤ القيس أن يتبعهم بحجة أنه قد أصاب ثأره.
فذهب إلى اليمن واستنصر أزد شنوءة فأبوا أن ينصروه. فلحق بحمير فساعدته ، واستأجر من قبائل العرب رجالاً وسار بهم إلى بني أسد، والتقاه المنذر ومعه جيوش من إياد وبهراء وتنوخ مع جيش من الأساورة أمدّه به أنو شروان. فتفرَّقت حمير وهرب هو وجماعنه، فنزل في رجل من بني حنظلة ولبث عنده حتى بعث المنذر إلى الرجل مائة من أصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلِّم امرأ القيس وجماعته ، ونجا امرؤ القيس وابنته هند ويزيد بن معاوية بن الحارث ابن عمه ، والتجأ عند سعد بن الضباب الإيادي ، ثم نزل في بني نبهان من طيء، وبعدها انتقل إلى رجل من بني ثعل من طيء استجار به فوقعت بين الثعلي وبعض أعداء امرئ القيس حرب فخرج من عندهم ونزل برجل من بني فزارة قيل إنه هو من نصحه بالذهاب إلى قيصر، وأرسله إلى السموأل بتيماء فاستودعه دروعه وماله وابنته وبقي معها ابن عمه.
وبعث به السموأل إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني بالشام الذي أوصله إلى قيصر. والحارث، وهو الذي ملَّكه الإمبراطور البيزنطي على الشام ليقاتل أعداء الإمبراطورية وبالأخص أنصار الفرس من العرب وعلى رأسهم اللخميين ممثلين بالمنذر بن ماء السماء، عدو امرئ القيس، ليس من المستغرب أن يساعد عدوّ عدوّه على الوصول إلى غايته ليشتد في قتال ذلك العدو. ولا مجال لإثبات ما إذا كان قيصر قد دعمه بجيش كما قال الرواة العرب، وليس بمستبعد أن لا يفعل ذلك خصوصاً إذا قبلنا الافتراض بأن امرأ القيس توجَّه إليه بعد توقيع هدنة الخمسين سنة مع أنو شروان، بعد استرداد أنطاكية.
إن ما يبرز ممّا ذكرنا من أحداث هو أن هذه الفترة من تاريخ العرب كانت فترة صراع داخلي بين القبائل العربية المشتَّتة الولاء بين الروم والفرس ، القوَّتين العظميين في ذلك الزمان ، وقطبي الصراع السياسي العنيف في ذلك التاريخ ، وكانت تلك المرحلة مرحلة انحسار سياسي واقتصادي واجتماعي في تاريخ شبه الجزيرة العربية ، فاليمن سقط سنة 525م. تحت الاحتلال الحبشي ، وسقطت بذلك مملكة كندة التي استمدَّت كيانها وقوّتها من اليمن ، وتناثرت القبائل التي اتحدت تحت لوائها بعد أن كانت ? على حدّ قول برنارد لويس- بما حقَّقته من مكانة وانتصارات وتوسّع ، أعظم اتحاد قبل الإسلام ، بين قبائل الشمال والوسط، وصلت إلى ذروة نضجها في القرن السادس الميلادي ، ولها تدين اللغة العربية الموحَّدة ويدين التراث الشعري الموحَّد، بنشأتهما وتطوّرهما.
وقد أخفقت محاولة امرئ القيس في تجميع شتات تلك القبائل وإعادة بناء المملكة ، وكانت محاولة فردية جاءت في وقت عمَّ فيه الانحلال والفوضى والانهيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وظلَّ الانحدار مستمراً، ولكنه كان ينطوي على بذور نهضة كبيرة فتَّقتها الدعوة الإسلامية ففجَّرت انبعاثاً حضارياً أصيلاً حقَّق للعرب وحدتهم السياسية ودولة امتدَّت من الصين إلى أواسط أوروبا.
وقال عنه ابن بليهد: بلدته (أي امرؤ القيس) ذو جرة قرية بمخلاف " السكاسك " في اليمن ، وهو رجل كان كثير التنقل في أول شبابه ، ولذلك ورد في شعره كثير من أسماء المواضع في مختلف أنحاء الجزيرة ؛ فذكر مواضع من حضرموت ، كدمون وعندل، ومواضع في شمال نجد كأسيس والطها وتيماء السموءل ، ومواضع في عالية نجد الشمالية ، كمنعِج وعاقِل ؛ ومواضع في عالية نجد الجنوبية ، كالدخول وحومل وتوضح والمقراة. ومن عادة الشعراء المتقدمين ذكر المواضع المتباعدة في القصيدة الواحدة.
بل في البيت الواحد وقد وفد على قيصر ملك الروم ، وهو يقول في هذه الرحلة :
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
وإذا كان الحديث يجر بعضه بعضاً فإني أحب أن أشير إلى غلط وقع فيه كثير من الباحثين في المواضع، وهو الاعتقاد بأن بلد الشاعر صاحب هذه المعلقة هي " مراة " المعروفة في الوشم ، وأول من علمته وقع في هذا الخطأ كاتب نشر في جريدة "أم القرى" منذ ثلاث وعشرين سنة تقريباً رحلة بعنوان " الرحلة السلطانية ".
ثم أتى كاتب آخر فنشر رحلة أخرى في جريدة "صوت الحجاز" في سنتها الأولى، قال فيها إن "مراة" هي "المقراة" التي وردت في شعر امرئ القيس، ثم جاء كاتب ثالث فقال في كتاب مطبوع معروف : إن امرأ القيس ولد في "مراة" وآخر من علمته وقع في ذلك الخطأ : الأستاذ أحمد حسين في كتابه "مشاهداتي في جزيرة العرب " .
ومنشأ هذا الخطأ : أن " مراة " قد نسبت في بعض مؤلفات القدامى إلى امرئ القيس ، ولكن اسم امرئ القيس اسم شائع في العهد الجاهلي ، واشتهر به كثير من الشعراء وغيرهم ، وللأستاذ حسن السندوبي بحث ممتع عن " المراقسة " طبعه مع ديوان امرئ القيس ، وفي " المزهر" للسيوطي و " شعراء النصرانية " لليسوعي تفصيل عنهم. والذي وقع في مؤلفات أسلافنا من العلماء صحيح.
ولكن امرأ القيس الذي تنسب إليه "مراة" ليس هو امرؤ القيس بن حُجر الكندي ، صاحب المعلقة ؛ فقد جاء هذا الخطأ من الاغترار بذكر " امرئ القيس " وإنما هو امرؤ القيس بن زيد مناة بن تميم ، وتميم هم سكان الوشم في العهد القديم.
فمراة لبني امرئ القيس ، وثرمداء لبني سعد ، وأثيفية لبني يربوع من بني حنظلة الذين منهم بلال الشاعر ، وذات غسل لبني العنبر. وامرؤ القيس بن حجر الشاعر المشهور لم يسكن مراة المعروفة في بلاد الوشم.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم ، فقد قالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن امرئ القيس في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين: امرؤ القيس بن حجر، أقدم وأكثر شعراء الجاهلية الذين وصلت أعمالهم إلينا إثارة للاهتمام.
كان عربياً نبيل الدم ينحدر من ملوك حمير من كندة، الذين حكموا جزءاً من اليمن تحت سلطة رئيس عائلتهم، توبا، التي عرف بها أو لقب إمبراطور اليمن. يقول أبو عبيدة، مؤرخ عاش في زمن هارون الرشيد إن هؤلاء قد حصلوا على ملكهم في أيام مملكة حمير، حيث انحدرت بعض القبائل من وائل ووجدوا أنفسهم في حالة من الفوضى لافتقارهم إلى رئيس كبير، فعقدوا اجتماعاً وقالوا:" صار للحمقى منا اليد الطولى وأكل القوي فينا الضعيف. لنذهب إلى توبا عله ينصب رئيساً علينا." فوضعهم تحت حكم قريبه حجر عقيل المرار الكندي وحكمهم حجر وأولاده من بعده. كان حجر والد امرؤ القيس الحفيد الأول لحجر الأول. الشيء نفسه حدث معه حيث اختارته قبيلة بني أسد وقطفان حاكماً عليهما. كان ملوك كندي آخر الذين حكموا اليمن من حمير وعادوا إلى موطنهم الأصلي حمير في حضرموت في آخر قرن قبل الإسلام.
والده حجر بن حارث أمير قبيلتي بني أسد وقطفان في اليمن. أنزل منزلة خاصة في خيمة والده كونه أصغر أخوته، وكذلك احتفت به نساء القبيلة في شبابه لوسامته وفطنته ، ونسبت له كثير من المغامرات الغرامية بما في ذلك ما ذكره في معلقته. غضب والده عليه بسبب فضائحه وإفراطه في شعر الحب ، فأرسله كما الحال والشباب في هذه الأيام ليرعى إبله في مكان بعيد في الصحراء ، لكن هذا لم يستمر طويلاً. أهمل مهمته وقضى وقته في نظم الشعر عن دوابه وفرس والده، حتى أوكل إليه العمل كمجرد راعي خراف ما أعتبره امرؤ القيس إهانة عظيمة. جرح هذا كبرياءه فرفض وخرج في زمرة من الصعاليك حتى طرد أخيراً من مناطق نفوذ والده.
وكان الرجال الذين يرتكبون أخطاء أخلاقية بحق القبيلة يطردون منها وينبذون من قبل أفراد القبيلة. ما زال هؤلاء الهاربين يشكلون عصابات من اللصوص الخارجين عن القانون حتى هذه الأيام ، وهم أشد خطراً على المسافرين من غزوات البدو العادية. يعيشون في الجبال بين الصخور وفي الكهوف حيثما وجدت في الجزيرة. وصفهم دوفتي باسم " هبيلة " في كتابه " الصحراء العربية " يقول : " الهبيلة أشرار الصحراء الذين يخشاهم رجال القبائل البدو الرحل، كما يخشى الحضر وسكان الواحات البدو ، الهبيلة عادة شباب أوغاد لا يملكون ماشية أو قطعان يعرضون أنفسهم لكل مخاطرة شرسة، لكن بعضهم رجال وحيدين مفعمين بالنشاط يحركهم مزاجهم غير الهادىء من كسلهم في ظل الخيام إلى التجوال خلسة كالذئاب بحثاً عن فريسة في البراري. يتحمل هؤلاء الخارجين عن القانون المصاعب الشاقة وغالباً ما تكون لهم صفات الوثنية المتوحشة.
يقال إنهم لا يتركون أحداً حياً. إلى حد ما هم دوماً من الخدم الذين لا يفهمون بسهولة ويترصدون فريستهم تحت الصخور وفي الأدغال. خلال سنوات ترحاله والسنوات التي تلت ، عندما كان في الخامسة والعشرين تقريباً، كتب معلقته الشهيرة ، أول المعلقات.
كما تزوج في الفترة نفسها زوجته الأولى ، لم يكن ذلك أقل أعماله الطائشة، إذ قيل إنه أقسم بعدم الزواج ثانية إلا أن يقابل المرأة التي تحل لغزاً ابتدعه. كان سؤال اللغز " ما ثمانية وأربعة واثنان ?" وكانت الإجابة التي يتلقاها عادة " الرقم 14 " حتى كان يوماً فيه مسافراً في نجد ، وقابل في طريقه شيخاً مع ابنته الذكية التي حلت اللغز بقولها:" أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة فأحلاف الناقة وأما اثنان فثديا المرأة. " فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها وأنجب منها عدة أبناء وابنته هند. لا تعرف زوجة امرؤ القيس الأولى باستثناء أنها من عائلة كريمة. وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال. فجعل لها ذلك وأن يسوق لها مائة من الإبل وعشر أعبد وعشرة وصائف وثلاث أفراس. ففعل ذلك. ثم أن بعث عبداً له إلى المرأة وأهدى إليها نحياً من السمن ونحياً من عسل وحلة من عصب. فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بعشرة فانشقت. وفتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا. ثم قدم على حي المرأة وهو خلوف. فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها. فقالت له أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً ، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن أخي يراعي الشمس وأن سماءكم انشقت وأن وعاءكم نضبا. فقدم الغلام على مولاه فأخبره. فقال: أما قولها إن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً فإن أباها ذهب يحالف قوماً على قومه. وأما قولها ذهبت أمي تشق النفس نفسين، فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به. وأما قولها: إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت به انشق. أما قولها إن وعاءكم نضبا ، فإن النحيين الذين بعثت بهما نقصا. فأصدقني. فقال : يا مولاي ، إني نزلت بماء من مياه العرب. فسألوني عن نسبي فأخبرتهم إني ابن عمك ونشرت الحلة فانشقت وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء. فقال: أولى لك!
ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام. فنزل منزلاً. فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز، فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها. فقيل لها: قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزوراً وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فقالت: اسقوه لبناً جزوراً وهو الحامض فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له الفرث والدم. ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه إني أريد أن أسألك. فقال: سلي عما شئت. فقالت: مما تختلج شفتاك? قال لتقبيلي إياك.
قالت: فمم يختلج كشحاك? قال: لالتزامي إياك. قالت: فمما يختلج فخذاك? قال لتوركي إياك. قالت: عليكم العبد فشدوا أيديكم به. ففعلوا. قال: ومر قوم فاستخرجوا امرؤ القيس من البئر. فرجع إلى حيه. فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته. فقيل لها قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا، ولكن انحروا له جزوراً فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسنام والملحاء! فأبى أن يأكل.
فقالت: اسقوه لبناً حارزاً. فأبى أن يشربه وقال: فأين الصريف والرثيئة! فقال: افرشوا له عند الرف والدم.
فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء. ثم أرسلت إليه: هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث. فأرسل إليها أن سلي عما شئت. فقالت: مما تختلج شفتاك? قال: لشرب المشعشعات. قالت: فمما يختلج كشحاك? قال: للبسي الحبرات. قالت: فمما تختلج فخذاك؟ قال لركضي المطهمات. فقالت: هذا زوجي لعمري! فعليكم به واقتلوا العبد. فقتلوه. ودخل امرؤ القيس بالجارية.
أتاه أثناء تجواله نعي أبيه وقد قتل في تمرد بني أسد. أوصى الوالد قبل موته بمواشيه وقطعانه لمن يأخذ بثأره من أبنائه ولا يبكي حين يأتيه خبر موته. بكى الأبناء الكبار كلهم، لكن امرؤ القيس كان منهمكاً في لعبة الداما عند وصول الخبر فلم يوله اهتماماً حتى أتم لعبته وربحها. ثم دون إشارة على أسى نهض وامتطى حصانه وعاد مع الرسل الذين جلبوا الخبر ليستعد للأخذ بالثار. هذا ما أراده حجر وبذلك حصل امرؤ القيس على الإرث.
وشكك بعض المعلقين الأوائل في أن هذا هو الاسم الحقيقي للشاعر الذي اسماه ابن قاسم المغربي "جنداه" مفسراً أن اسم امرؤ القيس كان مجرد اسم مستعار فقط. يقولون إن امرؤ القيس تعني "رجل الأسى" وإن الاسم المستعار أعطي للشاعر بسبب المحن التي واجهها. يقول الشيخ محمد عبده، أعظم دارس للعربية في عصرنا، إن هذا غير صحيح. يؤكد أن معنى امرؤ القيس ببساطة هو "الرجل" أي عبد قيس، أحد الآلهة الوثنية عند العرب، وإن الاسم استخدم دوماً كاسم علم مثلما يستخدم المسلمون الآن اسم عبد الله والمسيحيون عبد المسيح. صحيح أن قيس تحمل معنى الأسى أو المصاعب وربما كان الصنم يعني قديس الأسى الورع.
يتكلم المؤرخون اليونانيون عن الشاعر ببساطة باسم قيس.
كان ما تبقى من تاريخ حياته، كما رواه صاحب كتاب الأغاني المصدر الرئيسي لمثل هذه القصص حكاية طويلة من المصاعب جلبتها عليه طاعته لوالده. عند عودته إلى اليمن، ناصره أقاربه من تغلب وبكر في قتاله فوراً- تنحدر القبيلتان من وائل وينتمي امرؤ القيس إلى تغلب من جهة أمه. إنهما القبيلتان اللتان شكت أمرهما إلى عمر بن هند، ما سبب في نظم معلقة عمر بن كلثوم والحارث- وأوقع اتحادهم الرعب في بني أسد، حتى أنهم أرسلوا رسلاً إلى امرؤ القيس عارضين، علاوة على الفدية المعتادة، تقديم أحد زعمائهم إليه ليفعل به ما يشاء. لكن بعد قضاء امرؤ القيس ليلة قلقة رفض في الصباح والدموع في عينيه كل مساومة.
أعاد الرسل وهاجم بني أسد. حدث أن خيم هؤلاء مع قبيلته كنانة. ثم هجم قبل بزوغ الفجر تماماً مما أدى إلى ذبح رجال تغلب وبكر دون علم بعض أفراد من قبيلة كنانة التي لم تكن لها عداوة معهما. غضبت القبيلتان من امرؤ القيس حملاه مسؤولية الخطأ، مع ذلك تبعوا معه قبيلة بني أسد عند نبع ماء وهزموهم، وإن فر بعضهم أثناء الليل. أراد امرؤ القيس مطاردتهم، لكن تغلب وبكر رفضتا وتركتاه لائمتان " ويل لك، أنت رجل شؤم! " وعادتا إلى ديارهما. طلب امرؤ القيس مساعدة أقاربه الآخرين، لكنهم رفضوا تباعاً، وبمساعدة مرتزقة من القبائل فقط استطاع الأخذ بثأره. يقال إنه عندما أدرك بني أسد في " بباله " وبها صنم تعظمه العرب يقال له ذو الخلصة. متبعاً عادة عربية وثنية، استقسم عنده بقداحة وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربص. فأجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي ثم أجالها فخرج الناهي.
فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال: مصصت بظر أمك! لو أبوك قتل ما عقتني " ثم خرج فظفر ببني أسد.
وصلت هذه الأخبار المنذر ملك الحيرة، فأرسل فرسان ضد امرؤ القيس الذي هرب من مكان إلى آخر ومن قبيلة إلى أخرى، من اليمن حتى نهر الفرات، باحثاً عن مأوى وحاملاً معه ما تبقى من إرث. كان يستقبل في كل مكان بالترحاب بسبب قصائده، لكن بخشية من غضب ملك الحيرة. جاء في ترحاله إلى تلال طي، وعجا وسلمى (جبل شمر الآن) فاستقبله زعيم طي استقبالاً حسناً، وزوجه من ابنة من قبيلة أم جندب التي كانت زوجته الثانية. يقال إنها كانت ذكية أيضاً وفي أحد الأيام، كانت تصغي من خلف ستارة إلى زوجها وشاعر غريم، علقمه، يلقيان بقصائد في مدح خيولهما، وكان الحكم من أفضل منهما. منحت الجائزة للغريب وحجتها أن امرؤ القيس افتخر بسرعة جواده لأنه يحثه بصوته وسوطه، بينما افتخر الآخر بأن جواده ليس بحاجة لهذا. غضب امرؤ القيس وطلقها في الحال وسافر بحثاً عن مكان إقامة جديد مريح، وعداوة المنذر تطارده.
وكان هناك ثأر عائلي بين ملوك كندة وملوك الحيرة سبب ذلك كما ذكر في كتاب الأغاني: في الأيام التي كان الحارث بن حجر ملك كندة والمنذر ملك الحيرة وكسرى كبعد الفيروز على عرش فارس، ظهر في البلاط الفارسي مدرساً اسمه مردك بمذهب جديد بشر بثنائية الله (كروح طيبة وأخرى شريرة) وكذلك بمشاعة الحريم وإلى حد ما لا ينبغي على رجل رفض تقديم زوجته لرجل آخر. اعتنق كبعد هذه المبادىء وطلب من المنذر وأتباعه اعتناقها أيضاً وكذلك الحارث.
أطاع الحارث طلبه، لكن المنذر رفض. لهذا السبب فصل كعبد المنذر من حكومته وعين الحارث حاكماً للحيرة مكانه. حدث أن كان كبعد جالساً مع زوجته يوماً، أم ابنه أنوشروان، وطلب مردك الملكة لإشباع شهوته. وافق كسرى، لكن أنوشروان نقم على إهانة أمه وتوسل مردك أن يتراجع حتى لو طلب منه تقبيل قدمه. أذعن مردك لذلك، غير أن المرارة بقيت في نفس أنوشروان. عند وفاة كبعد وتولي أنوشروان الحكم، انتقم من مردك وطائفته، الزنادقة، وقضى عليهم وأعاد المنذر إلى مملكته. كما أرسل فرسانه الفرس مع المنذر لإخراج الحارث من حكم الحيرة ومعهم رجال بني تغلب والبحرة وإياد وتبع المنذر الحارث حتى إلى أرض كليب، وأخذ بني تغلب من الحارث ثروته وثمانية وأربعين من رجال بيته، الذين ذبحهم المنذر في حفر الأملاك في أرض مزينا، وعلى هذا أنشد عمر بن كلثوم :
وسيد معشر قد توجوه ... بتاج الملك يحمي المحجرينا
أخيراً بعد ترحال طويل لجأ إلى السمؤل الذي بني لنفسه حصناً في واحة تيما شمال نجد، حيث كان بإمكانه تحدي كل القادمين. يقال إن امرؤ القيس كان ما زال يحمل خمسة أطقم قتال ورثها عن أجداده، لكل منها اسم، كما كانت سيوف الفرسان الأبطال المسيحيين. كان معه ابنته هند وابن عمه زيد. استقبل السموءل كل هؤلاء تحت حمايته وبقوا هناك حتى زادت ضغوط المنذر ولم يود امرؤ القيس توريط مضيفه في المشاكل وبناءً على نصيحته ذهب إلى القيصر في القسطنطينية.
كان وضع الحدود الشمالية للجزيرة العربية آنذاك مثلما هي اليوم أو قبل مئة سنة بين القبائل والإمبراطورية العثمانية. ادعى الإمبراطور، الذي لا يملك أي سلطة حقيقية جنوب فلسطين، دوماً ملكية الجزيرة بكاملها، بينما في الجزء الشرقي من الصحراء، ادعى كسرى فارس أن له سلطان على قبائل الفرات عبر وسائط ملوك الحيرة. وعليه، كان الإمبراطور الحامي الطبيعي ضد المنذر، ولم يكن طلب امرؤ القيس بلا طائل. مر عبر حكام فلسطين وسوريا وآسيا الصغرى إلى القسطنطينية، ووصل بلاط الإمبراطور حيث استقبل بكل حفاوة. أهله منصبه كأمير من عائلة كندي الملكية في حمير الدخول إلى الإمبراطور شخصياً ونزل في القصر مثلما كان الأمراء الأعوان المنفيين من نجد ينزلون في قصر يلدز. مع ذلك، لم يستمر حسن طالعه طويلاً حيث اتهم بعلاقة غرامية مع ابنة الإمبراطور، فأجبر على الرحيل ثانية عائداً صوب بلده، لكنه لم يعش حتى يراها. لحقه ضباط القيصر في أ نقرة وتظاهروا بتقديم هدية وداع له من سيدهم عبارة عن رداء شرف مسموم أدى إلى قتله، كما يقال سنة 565 ميلادية وهو في الخامسة والأربعين. كان قبره موجوداً حتى القرن الثاني الهجري.
كسب السموءل سمعة جيدة بين العرب لإخلاصه في هذه المغامرة. ضغط عليه خادم الإمبراطور الحارث ملك غسان لإعطائه الأطقم الخمسة المتروكة في عهدته في تيما، لكنه رفض ودفع حياة ابنه ثمناً لذلك، الذي قبض عليه الحارث كرهينة، وهكذا بقيت أمانته مضرب مثل بين العرب لوقت طويل.
يعرف وزن بيت معلقة امرؤ القيس بالبحر الطويل حيث ينتهي كل بيت بتفعيلة مزدوجة وبصوت " لي " يقول المستشرقون إنها الأنموذج الذي استخدمه باقي شعراء المعلقات تقريباً وأسس لمدرسة جديدة في الشعر العربي قبل ذلك. بين المعلقات السبع هي التي تحتوي على أهم العناصر الإنسانية والطبيعية وأقلها قدحاً، كما أنها الأسهل للفهم. باستثناء النقل المفاجيء من موضوع إلى آخر، ما هو مشترك بين المعلقات كلها، هناك قليل من الإرباك أو ما يصعب فهمه. يبدأ الشاعر بمغامراته الغرامية المروية بواقعية ثم يذهب إلى وصف الليل في الصحراء والسحر وامتطاء جواده، وقيادة الضباء والاحتفال عند الغروب. تنتهي القصيدة بصورة عاصفة مفاجئة بيت التلال، قطعة تعتبر أرفع مستوى من الشعر وصل إلينا من شعراء الصحراء. إنها أول وأسهل المعلقات السبع ومبنية بأقل فن واع لذاته.
وقال دبليو إى كولستون عن امرئ القيس في كتاب من تحريره وتقديمه عن الشعر العربي: كان ابن حجر بن الحارث أميراً من قبيلة كندة. اسمه الحقيقي صندج، سمي امرؤ القيس لكثرة ما ألم به من مصائب. أطلق الرسول عليه لقب "الملك الضليل" لكونه أفضل شعراء عرب الجاهلية، كما قال فيه أيضاً إن بإمكانه قيادته إلى المحن. يلمح إلى مغامراته الغرامية مع فتاة من قبيلة أخرى في معلقته. سخط والده عليه ونفاه من القبيلة.
هام سنوات حيث عاش حياة مجنون بين عرب الصحراء، حياة محفوفة بالمخاطر تشوبها الفاقة، تتراوح بين الوقوف ببئر ماء إلى الاحتفال ورفاقه بلحم ناقة واحتساء خمر بينما تغني المطربات. وهكذا كان الشاعر منهمكاً في الشراب واللعب عندما جاءه رسول من قبيلته يعلمه بمقتل والده من قبل متمردين من رعيته. لم يجب أمرؤ القيس وقال لرفيقه الذي توقف عن اللعب " استمر " لكن عند نهاية اللعبة قال لرفيقه إنه لم يود إفساد لعبته، ثم التفت إلى الرسول واستمع إلى تفاصيل اغتيال والده وقال " ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، اليوم خمر وغداً أمر ".
زحف امرؤ القيس بجيش من قبيلتي تغلب وبكر (لم تكونا على خلاف آنذاك) إلى المتمردين الذين فروا خشية ثأره واحتموا بملك الحيرة، حينئذ تخلى أنصاره عنه فطلب العون من أمير الحمرية مرتضى الخير، الذي وعده بخمسة مئة رجل، لكنه مات ولم يبد خلفه حماساً لمساعدة الأمير التعيس.
التجأ امرؤ القيس إلى مطالعة طالعه، كما كانت عادة العرب في الجاهلية قبل اتخاذ قرار. سحب سهام الحظ الثلاثة " الأمر، الناهي، والمتربص" وكان المنع حظه ثلاث مرات. كسر الأسهم وألقى بها في وجه الصنم قائلاً : " لو أبوك قتل ما عقتني "
حين وجد أنه لن يحصل على مساعدة من أمير اليمن ، قصد بلاط الإمبراطور جوستينين ، لكن لسوء حظه أن عربياً كان قد سبقه هناك وكان والد امرؤ القيس قد قتل والده ، فلعب في عقل الإمبراطور وجعله يحقد على امرؤ القيس. غادر امرؤ القيس البلاط فلحقه رسول بثوب مسموم إلى أنقرة وما أن لبسه حتى أصيب بألم حاد وغطى جسده القرح ومات بعد حين. كانت آخر كلماته:
رب خطبة مسحنفره ... وطعنة مثعنجرة
وجفنة متحيرة ... حلت بأرض أنقرة
لمزيد من التفصيل أنظر: د. ريتا عوض ، بنية القصيدة الجاهلية: الصورة الشعرية لدى امرئ القيس ، بيروت: دار الآداب، 1992، ص 153- 165. محمد بن عبد الله بن بليهد النجدي ، صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار، الجزء الأول ، ضبط وتصحيح محمد محيي الدين عبد الحميد، د. م: د.ن، 1972، ط2، ص6- 8.
__________________
عبدالله الوهابي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضائح الرافضه صوتيات ومرئيات ووثائق وكتب ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 25 07-03-2008 11:01 PM
ناصر أحمد البحري - أبو جندل (الحارس الشخصي السابق لأسامة بن لادن) -1- طارق القويفل المجلس الـــــعــــــــام 16 15-09-2007 01:39 PM
حاخام مستوطن يهودي في إحدى مستوطنات غزة حلم بإقامة إسرائيل الكبرى يعتنق الإسلام ذيب آل نغيمش القحطاني مجلس الإسلام والحياة 3 13-05-2005 12:43 AM
(كيف تتعامل مع من لاتطيقهم وكيف تخرج المحاسن من الناس السيئين عايض العاطفي ملتقى الكتاب والمؤلفين 6 20-03-2005 10:05 PM


الساعة الآن 01:04 PM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود