قصة الزير سالم كاملة.....؟


المجلس الـــــعــــــــام للمواضيع التي ليس لها تصنيف معين

 
قديم 07-08-2006, 05:56 PM
  #1
ابو سام
عضو
 الصورة الرمزية ابو سام
تاريخ التسجيل: Feb 2006
المشاركات: 54
ابو سام is a jewel in the roughابو سام is a jewel in the roughابو سام is a jewel in the rough
افتراضي قصة الزير سالم كاملة.....؟

قصة الزير سالم
الجزء الاول بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد حمدا لله والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه وبعد فهذه سيرة الاسد الكرار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في الاقطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الاشعار البديعه والوقائع المهوله المريعه وماجرى له في تلك الايام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارىء وتلذ السامع ولكن قبل الشروع في هذه السيرة الغريبة وأخبارها المطربه الغريبه رأينا أن نذكر طرفا من أخبار العرب أهل الفضل والادب أفاده للطالعين ونزهة للسامعين فنقول والله المستعان : أن أصل العرب من قديم الزمان وسالف العصر والاوان ولد نزار بن معد بن عدنان وكان قد ولد لنزار المذكور أربعة أولاد من الذكور كل منهم بالفضل والبأس مشهور وهم : مضر أنمار وأبار وربيعه وفارس الطرار ومنهم تشعبت قبائل الاعراب وملات البراري والهضاب فمن نسل أباد ملوك التابعه الذين أخبارهم بين الناس شائعه ومن نسل ربيعه ومضر وأنمار عرف الحجاز ونجد والعراق وسكان القفار وكانت العرب في تلك الزمان منقسمه الى قسمين وهما قيس ويمن فكان اليمن هم اليمنيون وباقي العربان القيسيون ومازالت العرب تنمو وتكثر وتمتد في البر الاقفر حتى اشتهرت العشائر والقبائل وظهر الامير ربيعه وأخوه مرة وأبناء وائل و ربيعه المذكور هو أبو الزير الفارس المشهور صاحب هذه السيرة ووقائعها الشهيرة .
(قال الراوي) وكان ربيعه في ذلك الزمان من جملة ملوك العربان وأخوه عروة من الامراء والاعيان وكانت منازلهم في تلك الايام في أطراف بلاد الشام وكانا يحكمان على قبيلتين من العرب وهما بكر وتغلب وولد لربيعة خمسة أولاد مثل الاقمار وهم كليب الاسد الكرار وسالم البطل الشهير الملقب بالزير وعدي ودرعيان وغيرهم من الشجعان وكان له بنت جميله الطباع شديدة الباع تعارك الاسود والسباع أسمها اسماء وتلقب بضباع وأما الامير مرة له عدة أولاد أبطال أمجاد وقد اشتهروا بالشجاعه وقوة البأس منهم همام وسلطان وجساس وله بنت جميلة فاضله نبيله يقال لها الجليلة فاتفق في بعض الايام أن الاميرة مرة دخل على أخيه ربيعه في الخيام وخطب أبنته ضباع لابنه همام وخاطبه بهذا الشعر والنظام :

يقول أمير مرة في قصيدة معانيه حكت درر الجواهر
ربيعة ياأخي اسمع كلامي أيا قهار فرسان الجبابر
أريد ضباع بنتك ياربيعه الى همام يافخر الاكابر
ولما ينتشي ابنك كليبا ويركب ياأخي الخيل الضوامر
وتكبر ياملك بتي الجليله مر فخذها له زوج لاتشاور
وهذا ياأخي أقصى مرادي أيا صدام آساد الكواسر
تبدي له ربيعه ثم قال له كلامك ياأخي مثل العنابر
تريد ضباع خذها يامسمى وزوجها لابنك لاتشاور
ومعها مائة خادم يخدمونها ومائة جاريه غير السرائر
ومعها مائة حر كالعرائس ومائة قعود مع ميتين جوائر
ومعها محمل الفاخر واطلس زياد ومسك فايح ودم عاطر
وهمام ابن مرة مثل ابني لغيرك ما أناسب أو أصاهر
هلم انهض وزوجها بسرعه وأفرح فيه وأعمل عرس فاخر

فلما فرغ ربيعه من كلامه وشعره ونظامه أعتنقه أخوه وشكره على حسن اهتمامه ثم باشر القوم بأمر العروس من ذلك اليوم وعقدوا عقد الامير همام على ضباع بنت الكرام كما جرت عادة الملوك العظام فأولموا اولائم وذبحوا الذبائح وأطعموا كل آت ورائح ومازالوا في سرور وأفراح وبسط وانشراح ودق طبول ولعب خيول وشرب مدام مدة عشرة أيام ثم زفوا ضباع على الامير همام فكانت ليلة عظيمة لم يسمع بمثلها في الايام القديمه حضر فيها كثير من سادات العرب وأهل المناصب والرتب ودخل همام على ضباع وحظي بحسنها وجمالها ونالت منه غاية آمالها لانها كانت تحبه محبة شديدة وتوده موده أكيده وسوف يظهر لهما ولدان وهما شيبون وشيبان وسيأتي حديثهما بعد الان .
هذا ماكان من خبر بني قيس المدعوين بالقيسيه ولنتكلم الان عن حديث اليمنيه وماجرى لهم في تلك الايام من الامور والاحكام والحروب والاهوال في ميادين القتال فنقول وعلى الله الاتكال .

أنه كان في قديم الزمان في بلاد اليمن ملك عظيم الشأن صاحب جند وأعوان وأبطال وفرسان يقال له الملك حسان ويكنى بالتبع اليماني ولم يكن له بين الملوك ثاني وهو أول اليمنيه كما كان ربيعه أول القيسيه وكان شديد الاس قوي المراس كويل القامه عريض الهامه ولايعرف الحلال من الحرام ولايحفظ العهد والزمان وكان يحب النساء الملاح والمزاح منهن في المساء والصباح ومن أعماله الغريبه واصطلاحاته العجيبه كما ذكر أصحاب الرايات أنه كل ليله يتزوج بصبيه من بنات الملوك والسادات وكانت الملوك تخافه وتخشاه وتحسب حسابه وتترضاه وتحمل له الخراج
وتعلل له الخاطر والمزاج وكان عنده من الابطال والفرسان ألف ألف عنان وهم عشرة كرات مستعدين للحرب والغارات وكان له وزير عاقل خبير قوي الجنان اسمه نبهان قد امتاز على الاقران بفعل الخير والاحسان وكان كثيرا ماينهى الملك حسان عن ارتكاب الظلم والعدوان فاتفق في بعض الاعوام وفي يوم من الايام أن ألتقى تبع مع نبهان وقال له في الديوان بحضور الامراء والاعيان هل سمعت أيها الوزير والعاقل الخبير عن ملك كبير عنده رجال كرجالي أو أموال كعدد أموالي فقبل الوزير الارض ووقف في مقام العرض وقال أعطني الامان ياملك الزمان وانا أحدثك بأخبار ملوك الامم أصحاب البطش والهمم وماعندهم من الجيوش والعساكر والمهمات والذخائر

فقال قل وعليك الامان من نوائب الزمان .

فقال أعلم أيها الملك المعظم أنه لايوجد مثلك في هذه الاقطار من الملوك الكبار أصحاب الدين والامطار ولكن يوجد خارج البحار عرب من أهل الشجاعه والاقتدار عددهم كثير وجيشهم غفير يقال لهم بنو فيس وسيدهم اسمه ربيعه ولهم في الحرب والغارات وقائع مهوله مريعه وهم أعظم من وأكثر بأسا ،فلما انتهى الوزير من الكلام وسمعه من حضر في ذلك المقام أغتاط الملك وتأثر وكان عليه أشد من ضرب السيف الابتر فصاح على الوزير وزعق وقال له بكلام الحنق هكذا ياتيس تفضل علي بني قيس مادام الامر كذالك لابد أن أقدهم بفرسان المعارك وأقتل ملكهم ربيعة وأوردهم وأورد المهالك وأخرب بلادهم وديارهم وأمحو بالسيف آثارهم وأتملك الديار بالقوة والاقتدار ثم أنشد هذه الأبيات على مسامع الامراء والسادات :

يقول النبي اليمني المســمى بحنان فما للقول زورا
ملكت الأرض غصبا واقتدارا وصرت على ملوك الأرض سورا
وطاعتني الممـالك والقبـائـل وفرسان المعامع والنمورا
لقد أخبرت عن بطـــل عنـيد شديد البأس جبارا جسورا
وقـــالوا انـه يدعـى ربــيعـه أمير قد حوى مدنا ودورا
تولى الأرض في طول وعرض فكم خرب وكم شيد قصورا
فقصدي اليوم أغزوه بجيشي وأترك ارضه قفرا وبورا
أيا نبهان أجمع لي العـساكر قيأتوا فوق خيل كالنمورا
وجهز الف مركب ياوزيري واوسقهن في وسط البحورا
ثلاث شهور أسرع لا تطول يكون كل ماقلته حضورا
أسير بهم الى تلك الأراضي وأملك القلاع والقصورا
ويغنم عسكري منهم مكاسب وأزوجهم بنات كما البدورا
ويبقى لي الحكم برا وبـحرا ويصفي خاطري بعد الكدورا



( قال الراوي ) فلما انتهى السبع من شعره ونظامه وفهم الوزير ما حوى حديثه وكلامه ندم وتكدر الذي أعلمه بهذا الخبر ولم يعد يمكنه الا الامتثال وتجهيز الفرسان والابطال الي الحرب والقتال فنزل من الديوان وهو مقهور غضبان وأمر بدق الطبل والنحاس لاجتماع العساكر وباقي الناس وكان هذا الكبل يقال له الرجوج وهو من أعظم الطبول وكانت تدقه عشرة من العبيد الفحول وهو من صنعه ملوك التبايعة العظام وكانت الناس تسمع صوته عن مسافة ثلاث أيام وكان الملك حسان اذا غزا قبيلة من العربان يأخذ ذلك الطبل معه وأين ماذهب يتبعه ولم يزل هذا الطبل في ذلك الزمان يتصل من ملك الى ملك حتى أتصل الى الامير حسان سيد بني هلال المشهور بالاحسان والافضال فلما دقت العبيد الطبل وسمعت صوته قواد الفرسان اقبلت على الوزيرمن كل جهة ومكان فساموا عليه وتمثلوا بين يد يه وسألوه عن سبب د ق الطبل الر جوع فحد ثهم بذ لك الأ ير اد والمسير الى تلك البلأ د للغزو والجهاد ثم بعد ذ لك فر ق عليهم السلاح وآلات الحرب والكفاح ولما تكن المدة قصيرة حتى تجهزة المراكب وتجمعت العساكر من كل جانب وكان من جملتهم عشرة من الملوك كبار كل ملك يحكم على ألف بطل مغوار وحضرو الى أمام الملك تبع حسان وسلموا عليه وقبلوا الأرض بين يديه وقالوا له نحن بين يديك ولانبحل بارواحنا عليك فشكرهم وخلع عليهم الخلع الفاخر والتحف الباهرة ووعدهم بالمال الجزيل وبكل خير جميل ثم أمر الوزير بالاستعداد والرحيل على غزوة بني قيس وتلك البلاد وطلب منها أن يأتي بالعساكر من تحت القصر وهي نازلة الي البحر ليشاهد احوالها ويرى سلاحها واثقلها فمتثل الوزير لما أمر وفعل كما ذكر فانشرح صدر الملك عند رؤية العساكر والجحافل وهي في السلاح الكامل وألاستعداد للحرب والقتال فأنشد وقال :

يقول التبع الملك اليماني صفا عيشي وقد طاب فؤادي
أتتني عساكر كالأسد تسري ألوف راكبين على جياد
عليهم كل درع من حديد له زرد كما عين الجراد
وبهم كل جبار عنيد يقال ألف ليث في الطراد
برؤيتهم فقد زاد انشراحي وزال الهم عني بابتعادي
أسير بهم لذاك البر حالا وأقتل كل من يطلب عنادي
وأرجع غانما في طيب عيش ولايبقى لتبع من يعادي
ألا يا عسكر قروا وطيبوا على نيل المقاصد والمرادي
ومني أبشروا فيما تريدون مهما تطلبوه بازديــــاد

فلما فرغ من شعره ونظامه صرخت الامراء وأكابر القواد والجيوش والعساكر والاجناد ودعوا للملك بالنصر وطول العمر وقد استبشروا في غزوة تلك البلاد وايقنوا بالنجاح وبلوغ المراد ثم نزلت العساكر والاجناد في المراكب مع الامراء والقواد ، وكان الملك حسان قبل خروجه من الاوطان فقد سلم زمام ملك اليمن الي الصحصاح بن حسان وهو ملك كبير وفارس شهير كان يميل اليه ويعتمد عليه فأوصاه أن يجمع له المال في كل عام ويرسله الي بلاد الشام ثم نزل مع الوزير في مركب كبير وأقلعوا من الأوطان وقصدوا بلاد الجبش والسودان . وعند وصولهم الي ذلك الجانب القوا المراسي ونزلوا الي البر بالقوارب ونصبوا الخيام والمضارب وفي الحال ارسل الملك تبع وزيرا اسمه زيد بن عقبه بألف فارس منتخبه ليعلم ابن أخته الرعيني بقدومه الي تلك الأقطار لانه كان ملك هاتيك الديار ويأمره بسرعة الحضور وتقديم الذخر الي الجيش والعسكر فلما علم الرعيني بذلك الخبر بادر في الحال بالفرسان والابطال والمهمات الثقال الي أن التقى به في الصيوان ومن حوله الوزراء والاعيان فدخل وسلم عليه وقبله بين عينيه وقدم له الذخائر والمهمات لتلك الجهات فأعلمه بواقعة الحال وأنه قاصد غزو بني قيس وتلك الاطلال ثم باتوا تلك الليلة في الخيام وفي الصباح أمر الملك العشرة ملوك العظام ان يتأهبوا للرحيل الي بلاد الشام وان ينقسموا الي قسمين ويتفرقوا الي فريقين فخمسة تسير من اليمين وخمسة تسير من على الشمال وأوصاهم أنهم كل ما أقبلوا الي مدينة يملكوها في الحال ويقيمون فيها نائبا من سادات الرجال فأجابوا أمره بالخضوع والامتثال فعند ذلك دقت الطبول والزمور وركبت الفرسان ظهور الخيول وارتفع الصياح ولمع السلاح وترتبت الكتائب وسارت المواكب في تلك البراري والسباسب وكانوا كلما وصلوا الي مدينه او بلد امتلكوها بحد السيف المهند حتى ملكوا البلاد وطاعتهم العباد ومازال تبع يتقدم حتى أقبل الي مدينة الشام فأحاط بها من جميع الجوانب بالمواكب والكتائب وكان نائب الملك ربيعه في دمشق الشام يدعى يزيد بن علام وكان ربيعة واخوه مرة في وادي الانعمين وهو مكان بعيد عن المدينة مسافة يومين فأرسل الملك تبع الي نائب الامير ربيعة أحد الوزراء العمد يطلب منه الخضوع لامره وتسليمه .
فلما وصل اليه ودخل عليه وأعلمه بالخبر وما قال تبع وأمره فأجاب بالسمع والطاعة ونهض مسرعا في تلك الساعة وأخذ معه الاموال والذخائر وخرج في جماعة من الاكابر حتى التقى بتبع في الخيام فحياه بالسلام فترحب به غاية الترحيب وأمر له بالجلوس فجلس بمكان قريب منه فقال تبع هل أنت حاكم الشام قال نعم أيها الملك الهمام فساله عن حكم ربيعه فقال له
ظالم على قومه وكل الرعايا تشكوا من ظلمه وتتمنى له الاذى والضرر والموت الاحمر والحمد لله رب البريه الذي أعاننا بك حتى نتخلص من نير العبوديه فسنخدمك خدمة مرضيه ونصير لك من جملة الرعيه وماقوله ذلك لتبع الا من الخوف والفزع فتبسم تبع من هذا الكلام وقال ابشر ببلوغ المرام فانك ستكون نائبي في بلاد الشام وتحمل لي الخراج في كل عام فقال سمعا وطاعه ياملك الزمان وجوهرة هذا الاوان ثم عرض عليه الذخائر وماجاء به من نفيس الجواهر فانشرح صدر تبع وخلع عليه وقال له أذهب الان الى وجوه اهل المدينه وباشر في الضيافات والزينه فاننا سنحضر الى عندك بعد ثلاثة ايام ونتفرج على الشام ونرجع الى المضارب والخيام فقال اهلا وسهلا الارض ارضك والبلاد بلادك ثم ودع الملك وسار بمن معه من الاكابر والتجار وأخذ يسعى في امر الوليمه وقد خامرت معه اهل الشام خوفا من السبي والهزيمه .

هذا ماجرى لهؤلاء من الاخبار وأما ماكان من ربيعة وبني قيس الاخيار فانهم لما سمعوا بقدوم الملك تبع الى الديار وافتتاحه المدن والامصار اخذهم القلق والافتكار وكان قد بلغ ربيعه قول زيد الى تبع حسان وكيف انه نسبة الى الظلم والعدوان مع انه كان من أعدل ملوك الزمان اخذه الغضب والقلق وزاد به الحنق فجمع اكابر قومه واخيه مرة ومن يعتمد عليهم من أهل الشجاعه والقدرة وجعل يخاطب الامراء والسادات بهذه الابيات :

غنا ربيعه شعرا من ضمايره ودمع العيون على الوجنات طوفان
ياقومنا اسمعوا وامتثلوا قولي انتم بنو قيس ابطال وشجعان
كنا بخير والسعد يخدمنا نقري الضيوف ونكسي كل عريان
والجوخ والخز السمور يأتي لنا من ساير الارض والملبوس ألوان
جاءنا من البحر ذا التبع يحاربنا صعب المراس شديد البطش سلطان
معه رجال عوابس الف الف بطل من كل ضرغام قلبه مثل صوان
حاز البلاد وما أمير خالفه الكل طاعته القاصي مع الدان
أتى الينا وماحسب حساب لنا منا ومن غيرنا هو ليس فزعان
معاه عسكر كثير ما له عدد ابطال حرب وفرسان شجعان
انا بقيت كبير السن ياعربي مالي جلد في اللقا وسط ميدان
مرة أخرى بهذا الرأي ساعدني همام ياأبن أخي ماكنت كسلان
مايترك الكأس من يديه ولاساعه الا بوقت اللقا أو بعض أحيان
كيف العمل ننهزم أو نقابله شوروا للصواب أخوتي وخلان

فلما فرغ ربيعه من شعره قالت السادات والفرسان عن فرد لسان أن هذا الامر لايطاق وعلقم مر المذاق وليس لنا غير الهزيمه فهي أوفر غنيمه والا حكم سيفه ولاشانا عن بكرة أبينا وبعد مداوله طويلة وجلسه مستطيله استقر رأي الجمهور على أن يذهبوا الى عند تبع المذكور فيسلموا عليه ويقبلوا يديه ويطلبون لانفسهم الامان ويقدموا له التحف الحسان لعلهم يتخلصون بهذه الوسيلة من تلك الورطه الوبيله هذا ماكان من أمر بني قيس وأما الملك تبع فانع في اليوم الثالث ركب في وجوه قومه وتوجه الى مدينة الشام لاجل الزيارة كما تقدم الكلام .

فلما بلغ الغايه ووصل السرايه التقاه زيد بالتعظيم والاكرام واجلسه في أعز مقام وصنع له وليمه عظيمه ذات قدر وقيمه فأحسن اليه وخلع عليه وفرق التحف الثمينه على اكابر اهل المدينه ثم رتب الخراج في كل عام وبعد ذلك رجع الى المضارب والخيام وهو مسرور الفؤاد على المرام وأما بنو قيس فانهم جمعوا التحف الحسان والاموال التي يكل عن وصفها اللسان من عقود وجواهر ومهمات وذخائر وقماش فاخر وحملوها على مائة جمل وركب ربيعه مع أخيه مرة في مائة بطل وسار معهما جماعه من الامراء والقواد الذين عليهم الاعتماد وجدا في قطع البراري والقفار حتى وصلوا الى تلك الديار وعند وصولهم الى المضارب نزلوا عن ظهور الجنائب واجتمعوا بخزندار الملك تبع وكان اسمه ثعلبه حسان ويعلمه ابن الابشع فقدموا له التحف الحسان ليقدمها الى الملك تبع حسان ويعلمه بقدومهم الى الديار فقدمها الخزندار وليعلم بمجىء القوم في مثل ذلك اليوم مرادهم الدخول عليه ليتشرفوا بتقبيل يديه ورجليه ويحصلوا على أمانة ويكونوا من جملة خدامه وأعوانه فتبسم تبع والتفت الى وزيره نبهان وقال له اين ملوك قيس العظام الذين كنت قلت عنهم ماهو كذا وكذا من كلام واني لاأصلح ان اكون من جملة خدامهم وهم قد حضروا الان لتقبيل أقدامي ليكونوا من جملة أعواني وخدامي فقال الوزير وقاك الله من كل شر وضير وجعل عاقبة هذا الامر الى خير فبينما هم في الحديث والكلام أذا دخل على الملك أمراء بنو قيس الكرام فقبلوا الارض بين يديه ووقعوا على رجليه فأخذ تبع ينظر
اليهم ويتأمل فيهم فحانت منه التفاته فنظر الامير ربيعه واقف في باب الصيوان وهو مثل الاسد الغضبان وكان الامير ربيعه لم يدخل مع قومه على الملك حسان لان نفسه ماكانت تطاوعه على الذل والهوان فالتفت الملك تبع الى الترجمان وقال من يكون هذا الانسان فأني أراه معجب بنفسه غاية الاعجاب ولا حاسب لي أدنى حساب فسأل الترجمان عنه فقالوا العشمشم سيد بني قيس الامير ربيعه المعظم .
فلما سمع تبع هذا الخبر شخر ونخر وتبدل بكدر واحمرت عيناه حتى صار مثل الجمر ثم ناداه فحضر وقد تعجب من عظم هيبته وبياض لحيته فسلم ربيعه عليه ووقف بين يديه فقال تبع أأنت سيد بني قيس الكرام فقال نعم أيها البطل الهمام وقال ولماذا أسأت الادب وإحتقرتني دون باقي أمراء العرب الذين تمثلوا أمامي وقبلوا يدي وأقدامي فتقدم الان وقبل رجلي يامهان وإلا قتلتك بحد الحسام وجعلتك عبرة بين الانام .
فقال ربيعه وقد استعظم ذلك الامر واحمرت عيناه من الغيظ حتى صارت مثل الجمر لانه كان من اشرفهم حسبا واعلاهم نسبا ثم قال اعلم ياملك الزمان بأنني ملك من ملوك العربان صاحب قدر وشان وماذلت نفسي لانسان وهذه هي وبلادي وملك أبائي واجدادي وأنا ماتعديت عليك وماأوصلت أذيتي اليك بل أنت شنيت علينا الغارة وأمتلكت بلادنا والحقت بنا الخسارة وذلك بدون سبب من الاسباب فكفى الذي فعلته أيها الملك المهاب وقد بلغت منا قصدك فلا أنت تقبل يدي ولا أنا أقبل يدك فلما سمع هذا المقال خرج عن دائرة الاعتدال وقال يانذل بني قيس ومن هو أذل من التيس أني ماأتيت من بلادي بهذا الجمع المتزايد الا لاجعل زمام الدنيا في قبضة ملك واحد ثم بعد هذا الكلام صاح على الاعوان والخدم بصوت كالرعد في الغمام ياويلكم اقبضوا على هذا الشيخ الكبير ومن معه من بني قيس الطناجير وقيدوهم بالجنازير فامتثلوا أمرة في الحال وقيدوا ربيعه وباقي الرجال وبعد أن قيدوه وأوثقوه أمر الملك بشنقه فشنقوه وهكذا انتهت حياته وانقضت أيامه وساعاته وبقي معلقا ثلاثة أيام حتى جاء نائبه الامير زيد الى الشام فغسله وكفنه ثم وراه التراب ودفنه ثم جاء في باقي الرجال وأرادوا أن يفعلوا بهم مثل تلك الفعال فانهزم الامير مرة من بين أيدي الفرسان وتقدم الى عند الملك تبع حسان وقال الامان ياملك الزمان نحن الآن عبيدك وطوع يديك وجميع أمورنا راجعة اليك فاعفوا عنا فقد صرت لنا ملك ثم انه ابعد هذا الحديث والكلام أشار يخاطبه بهذا الشعر والنظام :

مقالات لمرة في بيوت صروف الدهر قد جارت علينا
الايا أمير تبع يامسمى أيا ملك الورى في العالمينا
انا في جيرتك يافخر قومك أجبرنا لاتشفي الضد فينا
قتلت أخي ربيعه يامكنى وأسقيت العداء والحاسدينا
وتقتلني أنا ياأمير بعده تهد رجالنا طول السنينا
ونحن ياملك حكام مثلك على كل القبائل حاكمينا
فليس بواجب تهدم بيوتي ولاهذه فعال الماجدينا
وقد حاربنا وحكمت فينا ونحن اليوم في حكمك رضينا
وبعد اليوم صرنا لك رعايا على طول الليالي والسنينا
وندفع كل عام عشر المال كله فاحكم ماتريد اليوم فينا

(قال الراوي) فلما سمع تبع شعره ونظامه وعرف قصده ومرامه عفى عنه وأعطاه الامان وكذلك صفح عن باقي الامراء والاعيان وجعلهم من جملة الرعايا والخدام يدفعون له الخراج في كل عام وقال لمرة ياسيد القوم قد صممت أن أتخذ مدينة كرسي مملكتي بعد هذا اليوم فسر أنت وأهلك من هذه الديار وتفرقوا في سائر الاقطار وكونوا لاوامري طائعين ولحكمي خاضعين سامعين .
ثم أنه قسمهم الى عدة فرق وأقام على كل فرقه ملك من سادات بني قيس الاعيان فجعل الامير مرة على الفرقة الاولى وأمرة أن يسكن مع قومه في نواحي بيروت وبعلبك والبقاع وجعل الامير عدنان على الفرقه الثالثه وأمره أن يقيم قي بلاد العراق وتلك المنازل والافاق زكان الملك تبع قد شتت بنو قيس بهذه الوسيله خوفا من أن يقع في مكيدة أو حيله ثم أنه التفت على الامير مرة وباقي السادات وأشار اليهم بهذه الابيات :

يقول التبع المدعو اليماني أبا مرة لكم مني الامان
الا ياقيس روحوا لاتخافوا فقد سدتم على أهل الزمان
ربيعه أنت يامرة بداله كبير القوم من قاص ودان
وأولادهم لهم موضع أبوهم وأنت أكبرهم فيهم تعاني
ولكن خلق لاتسكنوها وكونوا في أمان مدى الزمان

فلما فرغ تبع من كلامه وشعره ونظامه أجابت بنو قيس أمره بالامتثال وتفرقت جموعهم في البراري والتلال وهم يبكون على ماجرى عليهم وما وصل من الاذى اليهم كانوا في أرغد عيش وأهناه وفي عز وجاه كلمتهم بين الناس مسموعه وروايتهم فوق هام المجد مرفوعه لايعرفون الهم والكدر ولايأخذهم قلق ولا ضجر الى ان اصابتهم البليه وحلت بهم تلك الرزيه فبكوا على تفرق بعضهم البعض وتشتتهم في أقطار الارض .

ومن غريب الاتفاق المستحق التسطير في الاوراق هو ماجرى للاربعه أخوة الذين اشتهروا من بني قيس بالحميه والنخوه وذلك أنه كان لزوجة الامير ربيعه المذكورة والد كليب والزير الفارس المشهور أربعة أخوه من الذكور وهم جوشن وناجد وجودر والامير منجد الاسد الغضنفر وكانوا من أجود الناس قد اتصفوا بالشجاعه وقوة البأس .

فلما رأوا أفعال تبع الشنيعه وكيف أنه قتل صهرهم ربيعه ساءهم ذلك الامر وتوقد قلبهم من الغيظ بلهيب الجمر ولكنهم أخفوا الكمد وأظهروا الصبر والجلد فحملوا بيوتهم وعيالهم وساقوا غنمهم وجمالهم وجدوا في قطع البراري والاكام حتى وصلوا بلاد الشام فنزلوا بقرب صيوان تبع حسان فقال لهم من تكونوا من العربان فقال له ناجد أعلم أيها السيد الماجد أننا من خيار العرب أصحاب الحسب والنسب وكان الامير ربيعه متزوجا بأختنا جميله وكنا على زمانه في نعم جزيله والان قد أمسينا في ذل وهوان ليس لنا قدر ولا شان وقد قصدناك وأتينا اليك وجعلنا اعتمادنا بعد الله عليك لعلك ترحمنا وترثي لحالنا وتبلغنا غاية آمالنا وتجعلنا من جملة الاعوان والعبيد والغلمان فتستقيم أمورنا بعد الذل والكدر ونحظى بالشرف الرفيع وبلوغ الوطن فأعجبه كلامهم وبلغهم مرامهم وجعلهم من جملة وزرائه وأكابر أمرائه وكان يستبشرهم في أكثر الاوقات ويفضلهم على الرؤساء والسادات وكانوا يترقبون الفرص ليأخذوا بالثأر ويزيلوا عن قلوبهم الغصص ولما بلغ تبع الغايه دخل الى مدينة الشام ونزل بالسرايه فطاعته العباد وخضعت له جميع البلاد وشاع ذكره في الاقطار وتحدث به الملوك الكبار واستمر على هذه الحاله مدة ثلاثين سنه تهاديه الملوك الاكاسرة وتهابه الملوك القياصرة .

وكان قد بنى له قصرا مرتفع البنيان مشيد الاركان وجعل أبوابه من الفضة والذهب ورصع حيطانه بالجواهر والدرر فكان من عجائب الزمان وذلك لما فيه من التحف الحسان التي تدهش النواظر وتحير العقول والبصائر .
فاتفق ذات يوم بينما هو جالس في الديوان ومن حوله الاكابر والاعيان وهم يتحدثون بذكر نساء العرب اللواتي اشتهرن بالفضل والادب والحسن والجمال واللطف والكمال اذ قال بعض الوزراء انه لا يوجد في هذا الزمان بين بنات العربان في المحاسن والاوصاف البديعه أجمل من الجليلة ابنة أخي ربيعة وأخذ الوزير يطيب في أوصافها وآدابها وألطافها ثم قال في آخر الكلام ان هذه الصبية التي كأنها البدر التمام مخطوبة لابن عمها الامير كليب ومراده ان يتزوج بها في هذه الايام فهنيئا لمن كانت هذه زوجته وقرينته وحبيبتة .
فلما سمع تبع بذكرها وأنها من أجمل بنات عصرها اشتد غرامه بها وتعلق قلبه بحبها وكتب الى أبيها بالحال يأمره ان يرسل له الجليلة بدون اهمال لان مراده أن يتزوج بها ويكون صهره وبهذه الوسيلة يعلو بين الناس قدره ثم ختم الكتاب بهذا الشعر والنظام وبه يتهدده بالانتقام ان لم يتمثل الي هذا الكلام وأشار يقول :

يقول التبع الملك اليماني ملكت الارض والسبع البحار
ألاياغاديا مني لمرة على فرس تشابه ريح ساري
بحال وصول مكتوبي اليه فأعلمه بحالي وانتظاري
أيا مرة فأرسل لي الجليلة بلا أهمال من بين السراري
سمعت بأنها زينة مليحة ويخجل من حسنها ضوء النهار
وحين سمعت بها طار عقلي وقل اليوم مني اصطباري
أريد تكون باكر وسط قصري وتتسلطن على كل الجواري
وأرسل جزية السبع المواضي خزين في صناديق كبار
وأحضر ياملك مرة عندي وأخضع الي بذل وانكسار
وأدخل على الجليلة وسط قصري وأتمتع بها وأطفي لناري
وأن كانت كما وصفوا وقالوا سأمضي الليل معها مع نهاري
وأعطيك البقاع الى بعلبك وأرفع لك مقاما في جواري
وان ثم تمتثل قولي وأمري تراني جئتكم مثل الضواري
وأمحي جمعكم في حد سيفي وأنهب مالكم وأنال ثاري

ثم أمر تبع وزيره نبهان أن يركب في جماعة من الفرسان ويقصد تلك القبيلة ويسلم الكتاب الى مرة ويأتيه بالجليلة فامتثل أمره وسار وجد في قطع القفار حتى وصل الى تلك الديار فرأى القوم في سرور وأفراح وشرب مدام وأنشراح لانهم كانوا مهتمين في تلك الايام في جواز كليب بالجليلة بدر التمام .فلما سمع مره بقدوم وزير تبع خفق قلبه من شدة الخوف والفزع فنهض في الحال واستقبله ثم أتى به الي الخيام واحترمه غاية الاحترام وأمر الخدام ان يأتوا بسفرة طعام وآنية المدام فامتثلوا الي أمره كما ذكر وبعد أن أكلوا وشربوا ولذوا وطربوا قال الامير مرة الى الوزير أعلم أيها السيد الخطير لقد زاد سرورنا الآن وتزينت بقدومك الأوطان ثم ساله عن سبب زيارته وما هي غاية حضرته فقال أتيتك بكتاب من تبع ملك الاعارب وبه يطلب ابنتك أمراة له وأنت تعلم بطش هذا الجبار وفعله فقد قال المثل لاتعاند من اذا قال فعل وأنا والله في غاية الحياء والخجل وليس لي أرادة بهذا العمل ولكنني أتيتكم في زي رسول لأعلمك بالخبر اليقين وليس على الرسول الا البلاغ المبين ثم أخرج الكتاب وسلمه أياه ففتحه الأمير مرة وقرأه ولما وقف على حقيقة فحواه انقطعت أمعاءه وضل عقلة وتاه لانه اذا أبى وامتنع يقتله الملك تبع وأن أجابه الى ما يطلب يصير معيرة بين قبائل العرب وتشتمه الناس وتزدريه حيث كان قد أنعم بزواج ابنته الى كليب أبن أخيه فنهار وحار وأخذ يتأمل في عاقبة هذا العمل فلم يجد سوى الخضوع والامتثال لأوامر تبع في الحال خوفا من العواقب وحلول النوائب فالتفت الى الوزير نبهان وقال له أمام الامراء والاعيان ومن حضر في ذلك المكان لقد سوى أمره ورضاه لانه الملك الأكبر وبمصاهرته نحظى على الشرف الرفيع والحظ الاوفر وبعد ثلاثةأيام يكمل جهاز بالتمام فنضعه بالصناديق ونحمله على ظهور الجمال مع باقي الامتعه والأحمال وتركب الجليلة في هودجها وتسير أمام الفرسان وتذهب أنت معنا الى عند الملك تبع حسان فانشرح صدر الوزير بهذا الكلام وأيقن بالنجاح وبلوغ المراد والحصول على الخلوع والانعام فبات تلك الليلة وهو فرحان.( قال الراوي ) فهذا ما كان من الوزير نبهان وأما الأمير مره فانه استدعى بكليب سرا وقص ذلك الحديث عليه وقال أعلم يا ثمرة فؤادي ومن هو عندي أعز من أولادي أن الضرورة أحوجتني الي ذلك خوفا من الوقوع في المهالك وقد اعلمتك بما جرى وتجدد فما رأيك أيها البطل ألامجد فلما سمع هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالظلام وقال أرجوك أن تمهل الوزير ثلاثة أيام عن المسير حتى أنظر في هذا الامر العسير .( قال الراوي ) وكان لكليب صديق يتمنى له النجاح والتوفيق يدعى العابد نعمان وكان كثيرا ما يوعده بالخير والاحسان فقصده تلك الليلة وأخبره بما جرى وما كان من أمر الملك تبع حسان فقال له أبشر بالخير يا نور العين فان الرأي عندي أن تجهز مائه صندوق يكون كل واحد بطبقتين في الطبقة الواحدة تضع فارسا من أبطال المكافحة والمجادلة وفي الثانية جهاز الجليلة وانت تكون مهرجا لها أمام سادات الجليلة وبهذه الوسيلة تتم الحيلة وتنال المراد من رب العباد.وأعلم لاخفاك أنه عند وصولك الى هناك تجد سلسلة من النحاس الاصفر معلقة فوق الباب الاكبر وهي مرصدة من سحر هذا الزمان لهلاك من أراد الضرر للتبع حسان فتقع عليه بالحال وتذيقة الوبال فخذ لنفسك الحذر وأتكل على الله آله البشر فهو يحفظك ويحميك وينصرك على جميع أعاديك فاذا بلغت الارادة وفزت بالسعادة بنيت مسجد برسم العبادة وخذ لك هذا السيف الخشب به تنال القصد والارب وأشار يقول:
قال عمران ياأبن ربيعة أتاك الخير وسعدك تم
روح لقومك بشرهم وقول لعمك وابن العم
وبشر المسمى همام بأن الشمل اليوم يلتم
وقول السعد آتى لقيس وستوفي ثارك والدم
تأخذ ثأرك من التبع وتسقيه بكأس الخمر والسم
هذا السيف تقلد فيه وفي كفك ياأمير يتم
وألبس قموعة سموطه تبقى تضرب فيه بعزم
وحط بعينك عرق الشبا تبقى أحمر مثل الدم
حط عروسك في هودج وقودم بها زمام وزم
وسوى عرضك فشمرها احذر منه في حقك ذم
وان واحد قال لك ماتكون فأعجل وأعمل حالك صم
وألعب وارقص واتهرج واحفظ ما يخرج من الفم
علمت مرة والفرسان باكر لعندي تلتم
وأن دبرت هل رأي من خالف قولي يندم
وسير لعنده بالابطال قبل ما يغضب ونسم
سلسلة معمولة هناك يعلم السحر مع الظلم
تبين كل ساعة أعداء احذر منها لا تعدم
طيب قلبك لا تغتاظ من ذات العايق لا تهتم
سألت المولى ينصركم ويزيل عنكم كل الهم

فلما فرغ العابد من كلامه وعده كليب ببناء المقام على أحسن نظام ثم رجع على الاثر واعلم عمه بذلك الخبر وقال له يقتضي الان أن تبادر بإتمام هذا الشأن وننتخب مائة من الفرسان ونضعهم في الصناديق على ظهور الجمال مع باقي الجهاز والاموال في أمتعه وأحمال على عيون الرجال ويكونوا جميعا بالاسلحه الكامله والعدد الشامله وتركب الجليله هودجها وهي مزينه بالجواهر ويكون في صحبتها جماعة من السراري يدقون أمامها بالدفوف والمزامير وأنا أجعل نفسي مهرجا لحضرتها وقائد لزمام ناقتها وندخل على تبع بهذه الوسيله فان تمت عليه الحيله نلت المرام وأخذت ابنة عمي بحد الحسام وأكون قد بلغت أربي وأخذت بثأر أبي ومتى قتل الملك تبع يقع في قلب قومه الخوف والفزع .

(قال الراوي) فاستصوب الامير مرة كلام كليب وعلم انه سينال المراد بدون أدنى شك ولا ريب فقال لقد نطقت بالصواب وأشرت بالامر الذي لايعاب فافعل ماتريد أيها الفارس الصنديد .

وكان قد أمهل الوزير ثلاثة أيام حتى تتم هذه الامور والاحكام وقد أطلع مرة أبنته على ماتقدم ذكره وعلى قصد كليب فعله فلما كان يوم الارتحال انتخب كليب مائة من الابطال وقص على مسامعهم واقعة الحال ثم وضعهم في صناديق الاحمال وحملوهم على ظهور الجمال وكان من جملتهم الامير جساس وجماعة من عظماء الناس .

وركبت في هودجها الجليله وركب أيضا الوزير والامير مرة وجماعة من فرسان القبيله وتقلد كليب بالسيف من تحت الثياب ولبس فروا من جلود الثعالب والذئاب وأرخى له سوالف طوال من أذناب الكدش والبغال وركب على قطعة من قصب وحمل دبوسا من خشب وكان يقود بزمام ناقة الجليله أمام فرسان القبيله .

وكانت السراري تدق أمام الجليله بالمزاهر والدفوف والفرسان تلعب بالرماح والسيوف ومازالوا يقطعون البراري والاكام مدة ثلاثة أيام حتى أقتربوا من مدينة الشام فنزلوا هناك ونصبوا الخيام ورفعوا الرايات .
الجزء الثاني
والاعلام وأرسلوا رجلا من أكابر العمد لكي يعلم تبع بوصولهم الى البلد فسار على الاثر وأعلم الملك بذلك الخبر ففرح واستبشر وزال منه القلق والضجر واحضر الرمال وكان عنده رمال شاطر فحضر بين يديه فقال له التبع اضرب لي تخت الرمل فجلس وضرب الرمل فرأى جميع ما فعلته بنو قيس وقال الصناديق فيها رجال وأشار يقول :

قال الفتى الرمال صادق سقاتي الدهر كاسات المرارا
تبعت الرمل وأنا كنت طفلا وقبلته يمين مع يسارا
ولاأحد مثلي بالرمل عارف ولاغيري يعرف كيف سارا
أحط الرمل بأربع أمهات وولد الصغارا مع الكبارا
الا ياأمير تبع ياملكنا ياعز العذارى يوم غارا
أقول لك عن التقادير والجنايب وتحسب أن جابوا لك تجارا
جوا ياملك هم يقتلوك ويدعوا القصر بعدك دشارا
صناديق التي لك حملوها بها ابطال بالعدد أمارا
يريدون قتلك ياملك عاجل لهم ثار عليك وأي ثارا
هذا قد أعلمك يامسمى وبالدنيا يشيع لها خبارا

( قال الراوي ) فلما فرغ من كلامه وتبع يسمع نظامه نادى على العبيد فحضروا مائة عبد وقال لهم روحوا الى العمارة وكل صندوق تلاقوا فيه رجال اكسروه فانطلق العبيد الى العمارة وهم أسعد وسعيد وبقية لالمائة عبد هذا في يده عصا والاخر في يده بلطه والثاني في يده دبوس حديد ولما وصلوا الى العماره ابتدأوا بكسر الصناديق وكسروا الاول والثاني الى العشرة فصاحت الجليله ياعبيد السوء لماذا تكسروا صناديقي فقال لها العبيد الرمال قال ان في هذه الصناديق رجالا فتقمت وفتحت لمه عشرة صناديق فما وجدوا فيها غير جهازها والقماش فقالوا ان الرمال كذاب وعادوا يردون الجواب يقع كلام ثم يرجع الحديث الى عجوز يقال لها حجلان وكانت رماله وهي التي علمت الرمال بان لها جميع ما فعلوه بني قيس وتباين لها ان الصناديق طبقتين في السفلى رجال وفي العليا قماش فافتكرت ساعه من الزمان وضربت ثاني رمل رأت بني قيس يقتلون التبع لامحاله فقالت خيرا لي أخذ الوجه الابيض عند بني قيس لقامت أخذت عصاتها بيدها وسارت الى أن وصلت عند بني قيس وهم في ارتباك عظيم فقالت لهم انا اتيت من عند تبع فقالوا لها وما قصدك قالت قصدي كشف الصناديق لان الرمال قال ان فيها رجال ففتحوا لها أول صندوق والثاني فقالت أني أرى الصناديق من الظاهر ذات عمق ومن الداخل بخلاف ذلك وضربت على الطبقه السفلى فلما رأوها عارفه قالوا استري على ماستره الله وفتحوا صندوق واعطوها ثلاث بدلات حرير فقالت من الان وصاعدا أساعدكم على قتل تبع ثم انالعجوز طلعت الى عند تبع والرمال بين يديه وعمال يضرب الرمل لان العبيد أخبروا تبع بما شاهدوا وكذلك العجوز أخبرته كما أخبروه العبيد فقال تبع ياعجوز الرمال كذاب قالت أن الرمال عمي من أكل الثوم والبصل فأمر الملك بضرب عنقه وراحت روحه الى الوادي الاحمر وتقدمت العجوز الى الملك وأشارت توصف حسن الجليله ومااعطاها الله من الحسن والجمال :

تقول العجوز التي شاهدت مليحه تريح العنا والصدود
يأمير تبع يهنيك فيها السعد وأقبل الخير لك والسعود
أتوك بني قيس أهل السماح وجابوا لك الخيل ثم النقود
وجاوبا الجليله لشخصك حليله بخدين حمر وعينين سود
وقامة طويله كعود القنا فوق الكتاف ترخى الجعود
بشعر طويل وشعر كحيل بلا جرميل تصيد الاسود
حواجب كما قوس ترمي الهزوم وذات حزام الذهب على النهود
وذات شقاف رقاق نظاف عقايل طرايف تزيل النكود
ولها وجه كبدر بليله قدر وجنات حمر كما الورد
وجسم رقيق وريق رحيق وسنان لولو سبت الورود
لها عنق كعنق الغزال وطوق الذهب يوقد وقود
اكتاف العاج مثل الزجاج والنقش مواج فوق الزنود
وكفين أطرى من الياسمين من قد حواها ينال السعود
وصدر كاللوح خلقه الاله وقد زين الصدر جوز النهود
وأعطاف وأرداف مثل العجين خلق الاله مهيمن ودود
أما الحجول تزيل العقول حب الطرف يطفىء الصدود
أما القلائد مناسل ذهوب من الراس مكعوب مثل البنود
وملبوسها مليح حرير مقصب مطيب بمسك وزهر وعود
وان شافها رجل عابد فقيه غدا العقل منه شارد شرود
قد زينوا بني قيس لك عروسا تجلى لاجلك كل هم وكود
للملك حقا قد أحضروا مليحه حلالها يزيل النقود
فأرسل وراها وخلى المحال واسمع كلامي واجلي الصدود
وادخل على بنت مرة وكن لطيفا بقطف ثمار النهود

( قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلامها والملك تبع يسمع نظامها فراح عقله من وصف العجوز ونادى على الوزير يأمره أن يحضر الجليله بالتبجيل والتكريم وخلفها السراري بمكوب عظيم فدخلت على تبع وكان جالسا على كرسي المملكه وعلى راسه تاج من الذهب الفاخر مرصعا بأنواع الجواهر فسلمت عليه ووقفت بين يديه فرد عليها السلام وآنسها بالحديث والكلام وقال لها أهلا وسهلا بالسيدة الكريمة والدرة التي ليس يقدر لها قيمه ثم اجلسها بمكان قريب منه وترحب بها غاية الترحيب وقد انبهر من فرط جمالها وعذوبة الفاظها وفصاحة مقالها لانها كانت متصفه بالادب ومن أجمل نساء العرب فأخذ الملك يسألها عن أهلها وعشيرتها فقالت له بكلام الدلال أعلم أيها الملك المفضال أن اتصالي بجانبك وتشريفي بساحة بابك جعل لقبيلتنا اسما كبيرا وذكرا بين الناس شهيرا كيف لا وانت ملك هذا الزمان والجوهرة الثمينه في هذا الاوان الله يحفظك لنا ويبقيك وينصرك على جميع حسادك وأعاديك فان كنت تعظم شأني وترفع مرتبتي على اقراني لاتترك ابي وأعمامي وسادات أهلي واقوامي بعيد عن فضلك واحسانك لانهم قد صاروا من جملة أتباعك وأعوانك فأمر لهم بمكان ينزلون فيه بصناديق جهازي وباقي الاحمال تحضر الى هنا في الحال لانها مملوءة من التحف والجواهر والقماش ومع كل ذلك فنحن أولاد عم .

( قال الراوي ) فأمر تبع وزيره نبهان يذهب في جماعه من الاعيان ويعد الى الامير مرة أبي الجليله ومن معه من بني عمه قصرا من القصور الجميله وأن ينزل بقية الفرسان في غير مكان ويقدمون لهم الطعام والشراب ومايلزم من الثياب فأجاب الوزير بالسمع والطاعه وفعل كما أمر مولاه من تلك الساعه وبعد أن نفذ الوزير الامر ووضع الصناديق في داخل القصر التفت الملك تبع الى مرة وقال له يا عمي مابقي من بعدي الا أنت من مقامي فان غبت أنا تكون أنت حاكم مكاني ثم أنه قربه اليه وأخذ يترحب بالجليله ويقول :

يقول التبع اليمن الكبارى أنا يافيس زال الهم عني
الا يامرحبا يا أمير مرة أنا منكم وأنتم اليوم مني
ترى لولا الجليله لي تعاتب وجابت لي الحسب والنسب مني
فما علمت أننا يمنا وقيسا بني جدين أخوين بطني
فلا تعتب علي بقت أخيك ماقد صار ما بالعلم مني

( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من كلامه والحاضرين يسمعون نظامه أخذوا بالكأس والطاس وقال للجماعه حلت البركه فيكم فقعدت تشرب معه المدام وشرب الملك تبع الى أن سكر وغنت البنات ورقصت فقال تبع للجليله ياسيدة الملاح وكوكب الصباح قد أجرينا المطلوب طبق المرغوب فهل لك غرض آخر تقضيه حتى نفعل ماترغبينه وتشتهيه وكانت الجليله تخول أفكارها لاجل أن تستدعي كليب الى عندها وقد سمعت صوته عند القصر وهو يصرخ من جوانب القصر لانه راكب على فرسه القصب وبيد دبوس من الخشب وكان يرقص في البستان وينتقل من مكان الى مكان فقالت نعم ايها السيد الماجد باقي لي غرض واحد وهو ان لي نديم اسمه قشمر لايوجد مثله بين البشر حلو الصفات سريع الحركات يضحك الاحجار بأفعاله ويزيل الهموم بغرائب أعماله قد أحضرته هذه المرة في خدمتي ليسليني عند حزني فان حسن لديك أمر أن يدخل اليك ويلعب بين يديك فيزداد سرورك وانشراحك وتزول احزانك فضحك من كلامها واجابها الى مرامها وأمر الخدام بادخاله ليري طرفا من أعماله وعند وصوله الى باب الايوان نظر السلسله التي ذكرها العابد نعمان فامتنع عن الدخول وأخذ يتكلم بكلام مجهول ويقول ماهذه الحيله التي أراها وأنا خايف من شرها وأذاها فقال ادخل وماعليك من باس فما هي الا سلسله من نحاس فأبى وامتنع وهو يظهر على نفسه الخوف والفزع ولما طال المطال التفتت الجليله الى تبع في الحال وقالت له بكلام الدلال أعلم أن قشمر من أخوف البشر فان حسن لديك ولم يصعد عليك أمر الخدام والحجاب برفع السلسله عن الباب فرفعوها واتوا بقشمر اليه فلما صار بين يديه سلم عليه ودعا له بطول العمر والبقاء ودوام العز والارتقاء وأخذ كليب يمزح أمامه ويلعب بسيفه قدامه وهو في تلك الثياب التي ذكرناها والصفه المضحكه التي وصفناها فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الارض بيديه ورجليه وتارة يقول اين الفرسان الفحول وأين أبو عطبول وأحيانا يرقص ويضحك بلا سبب وهو راكب الفرس القصب ويسوقها بذلك الدبوس الخشب كان من أعجب العجب فاندهش تبع من اعماله واستغرب من أحواله وأقواله .

ثم قال للجليله والله ياكاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول فانه من كثرة هزله وخفة عقله جميل الصورة فصيح الخطاب سريع الكلام والجواب فقالت له صدقت فيما نطقت فانني لم أر رجلا مثله بين الانام في الزلاقه وفصاحة الكلام ومتى بقي عندك عشرة أيام يقوم بمنادمتك حق القيام ويدعوك مشروح الخاطر على طول الزمان ثم قال قشمر وهو كليب للتبع حسان أن كنت تريد ان تطرب الان فأمر سيدتي الجليله أن تغيك بأبيات من الشعر فان صوتها مليح ولفظها فصيح فقال لها هل تحسنين الغناء ياسيدة النساء فقالت أي وابيك فان كنت تريد مني أن أغنيك وأكربك وأسليك فأمر قشمر أن يقفل الباب لئلا يسمعنا أحد الخدام والحجاب فاستصوب كلامها الملك تبع وامر قشمر ان يقفل باب المخدع فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ الامل وأنشدت تقول من فؤاد متبول :

لقد قالت الجليلة بنت مرة شربت الخمر مابين الامارة
شربنا الخمر في كاسات جوهر فزال العقل واصبحنا سكارة
بحضرة تبع الملك المسمى بحسان اذا ماشن غارة
وقد أمسيت في قبضة يديه ومن حبه شعل قلبي نارة
الا ياحارس البستان صنه وان فرطت الطير طارة

( قال الراوي ) فلما انتهت الجليله من هذا الشعر والنظام زاد بالتبع الوجد والغرام وسكر من غير مدام وقال مثلك من تكون من النساء فقد زاد سرورنا في هذا المساء فلما رآه زاد به الطرب وأخذ يرقص أمامه ويلعب أمام الملك الاكبر فقال أعطيني أذن حسامك وأنا العب به أمامك فقالت له الجليله بحياتي عليك أن تبلغه الارب وتعطيه ماطلب فانك ترى منه العجب فأمره أن يدخل الى قاعة السلاح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل فأجاب كليب وامتثل وكانت الجليله أومت اليه ان يسرع في العمل وعند دخوله الى ذلك المخدع وجد سلاح تبع فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل بعد أن فتح صناديق الاحمال وأخرج الفرسان والابطال فبقوا في ساحة الدار وقاموا له بالانتظار وكان قد سل الحسام من غمده وهو يهزه في يديه ثم دخل على الملك وقد أحمرت عيناه وتذكر أباه فصال وجال ولعب بالسيف كما تلعب الابطال في ساحة القتال وبعده تقدم وهجم عليه فعرفه حينئذ الملك تبع وقد انقطع من الخوف وأيقن بالهلاك والقلعان فقال بالله عليك ياسيد الشجعان وفارس الميدان أن تعفو عني وتسمح عما فرط مني فقال لابد من قتلك كما قتلت أبي وأكون قد أخذت ثأري وبلغت أربي فقال تبع اذا كان لابد لك من هذا الشان فأمهلني ساعة من الزمن حتى أفيدك عن جميع الامور والاحوال التي تحدث الى آخر الاجيال فقد اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال ثم أنشد وقال :

الملحمة الكبرى للتبع حسان

يقول التبع الملك اليماني لهيب النار تشعل في فؤادي
أمير كليب يافارس ربيعه وياحامي النساء يوم الطراد
أريد اليوم أن أعلمك شيئا لتعرف حال أخبار العباد
فموسى كان في الدنيا نبيا له التوراة أعطت للرشاد
وداود النبي قد جاء بعده يبشر بالزبور أهل الفساد
وعيسى ابن مريم جاء ايضا بانجيل الخلاص لكي ينادي
نبي لم يكن في الناس مثله لان الله اختاره يفادي
فكم ميت بكلمته أقامه وسقيم شفاه من الامراض
وعندي قد تبين بالملاحم بأنك قاتلي دون العباد
وبعده شاعر تنزل عليكم وتفتن بين قيس في البلاد
وأنت برمح جساس ستطعن وعبدي يذبحك بين الجماد
وتكتب بدمائك على البلاطه لمن بعدك لتشتيت الأعادي
ويأتي أبو ليلى المهلهل فيصلي الحرب في كل البلاد
ويقهر كل جبار عنيد يضرب بالسيف في يوم الجلاد
وتأخذ للجليلة لك قرينة وتحظى بالمسرة والمراد
ويظهر لك غلام بعد موتك يسمى الجرو قهار الأعادي
ويقتل الى جساس خاله وأما الزير تقتله الأعادي
وسيف ذو يزن بعدك سيظهر وتصحبه السعادة في العباد
ويبقى ملكه سبعون عاما وبعد ذلك يطوى في الوهاد
ويظهر له ولد يدعى بدمر شديد اليأس مرفوع العماد
فيملك في بلاد الشام بعده يجيب الماء من اقصى البلاد
وبعده يظهر المدعو بعنتر يهين الضد في يوم الطراد
وبعده يظهر الهادي محمد يقيم الدين مابين العباد
واصحابه معه عشرة كوامل كرام الناس سادات البلاد
وأبو بكر وسعد مع سعيد وطلحة والزبير ابن الجياد
وعثمان مع عمر وعلي وعامر مع حسين أهل الرشاد
يموت الهاشمي ويصير خلف على الأحكام بعده عمر بالعباد
أبوبكر يموت بلسع حية وبعده عمر يقتل بالطراد
علي بالسيف يردية ابن ملجم يتيما انتشى بين الولاد
ولا يعرف له قبر محقق على وجه الثرى بين العباد
وتختلف الصحابة على الحكومة ويحكمها حسين بالبوادي
وبعده بني العباس تحكم سنين كثيرة بين العباد
وبعده الخوارج سوف تظهر فواطمة الفواحش والعناد
يقيموا الشر في كل الأراضي ويملوا الأرض طرا بالفساد
وتظهر من بالد الشر عصبة فيقصد جيشها غرب البلاد
هلال وعامر مع آل قيس يزيد وحرب حمير مع أياد
حسن أمير فخر البرايا وبعد ديار قهار الأعادي
وأبو زيد ابن عمه ليث أروع شديد البأس في يوم الطراد
يطوفون البلاد فيملكوها ويسبون العدا أهل العناد
ويمحو العجم مع كل طاغ بأرماح وأسياف حداد
وقبرص والجزائر يملكوها وبدريس الخزاعي والأعادي شبيب التبعي بالشام يقتل وتترك جثته فوق الجماد
وسركيس بن تاذب سوف يقتل بسيف دياب قهار الأعادي
كذا فرمند مع مصر العدية ستخرب دورها بين البلاد
وبعده نظهر الأشطان ظالم خبيث الأصل من قوم شداد
بنو أيوب تظهر بعد منه يقيمون الذين من بعد الفساد
ويظهر ابن عثمان المساعد بأرض الشرق ويحكم بالعباد
ملوك الأرض تخشى من لقاهم لأن جيوشهم مثل الجراد
عداد ملوكهم عشرة عشرة وتسعة بعدهم دون ازدياد
ويظهر ضده المهدي سريعا يثير الفتن والحرب في كل البلاد
طويل الجسم ذو همة عالية له اسمين من ظاهر وبادي
يقيم السيف في الأقطار عمدا ويجري الدم في كل البواد
ويظهر فارسا يدعى قطيعه فعشر سنين يظلم العباد
ويظهر بعده الدجا حقا فتتبعه الورى أهل الفساد
يطوب الأرض من شرق وغرب ويفعل معجزات في البلاد
ويظهر ضد المهدي سريعا ويسطع نوره في كل وادي
فهو عيسى المسمى ابن مريم فيقتلك ويملك في البلاد
وبعده دابة تظهر سريعا فتفعل معجزات في البلاد
ونار من عدن تظهر وتسطع فتشكو الناس من هول النكاد
وبعده الشمس تظهر من مغيب وتزداد الخلائق في الفساد
ويأجوج ومأجوج جميعا تحيط رجالهم كل البلاد
فلا نهر الفرات لهم يروى ولا سيعون ولا الدجلة المراد
ويغشى الأرض موتا ياكليبا وجوع وقتل في كل العباد
ونيران تعم الأرض طرا على أعلى الجبال وفي كل واد
وبعده يغلق باب المراسم وباب الشر فتح باقتصاد
فلا يصعد ولا يأتي جواب فذاك الوقت يحترق العباد
وبعده يظهر من جهنم وينفخ ريح من أقصى البلاد
يموت الخلق منه ليس يبقى سوى الرحمن خلاق العباد
وبعده يظهر الديان حقا اله العرش ديان العباد
فعندي الجفر قد أخبر مؤكد بما أخبرتكم دون ازدياد
واسمع ياأمير كليب مني حقائق قصتي وافهم مرادي
ولا تفرح عن حالي وضعفي اجرني ياملك وأطلق قيادي
وأعلم ياأمير اني عتيقك مدى عمري الى يوم الميعاد
( قال الراوي ) ولما فرغ الملك تبع من هذه الملحمه وسمع كليب ما فيها من الاخبار المتقدمة والمتأخرة تعجب غاية العجب وقال لست أعفو عن قطع رأسك وأخماد انفاسك لأنك افتريت وظلمت وتعديت ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم والتهديد :

يقول كليب قهار الأعادي كلا أشد من ضرب الهادي
أنا قد صرت هذا اليوم حاكم أتاني السعد مع نيل المراد
أيا تبع الينا قد جيت عاجل قتلت أبي وخربت البلاد
فما أبقيت قيمة للأمارة وقد البستهم ثوب السواد
هتكت الأرض ياتبع بفعلك وصيرت الأنام لك أعادي
جعلت رجالن تشبه نسانا وأذللت الأمارة في البلاد
فوالله ثم والله ثم والله اله خالق كل البوادي
فلست براجع عن قطع رأسك ولو ملكتني كل البوادي

( قال الراوي ) فلما فرغ الأمير كليب من كلامه وفهم تبع فحوى قصده ومرامه قال بالله عليك أيها السيد المحترم أن تعفو عن وتجعلني من الخدام فقال كليب لابد من قطع رأسك يامهان ولكن أسألك لماذا قتلت أبي غدرا وما بالميدان فقال تبع أذا كان لابد من ذلك يافارس المعارك فأمهلني
ساعة حتى أخبرك عن قتل أبيك وأتودع من هذه الدنيا قليلا ثم أبدى حزنا وعويلا وأشار يقول من فؤادي متبول وعمر السامعين يطول :

قال الملك تبع حسان ظلمني دهري دون الناس
ياأبن ربيعه يامخدوم أنت أمير شديد الباس
طويل الباع بيوم نزاع عفيف شجاع ثقيل الراس
تسألني عن قتل أبيك فكل بنايه لها أساس
فلما جيت لأرض الشام أتى للقانا كل الناس
أتاني كل أكابر قيس وكل أمير لدي باس
الا أبوك فقد خالف ولم يفعل كباقي الناس
فزاد الغيظ بوسط القلب أمر بشنقه للحراس
وهذا بأمر الله مكتوب فوق جبينه بأعلى الراس
وأنا بقيت بهذا اليوم وحيد فريد بلا أيناس
أريد العفو عما جنيت بحياة عمك مع جساس
أني كنت زعيم القوم وحمي نافذ بين الناس
فما أتاني وعد الله بطل العزم وظني حساس
دعتني الجليله بالحيله وغابت عني كل الناس
وهذ أمر الله محتوم وامر نافذ فوق الناس

( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من هذا الشعر والنظام قال له كليب لابد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن عاقبة غدرك ثم ضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا وفي دمه جديلا فلما راته الجليله قد مات زاد بها الافراح واعتنقت ابن عمها وقبلته وقالت له مثلك من تكون الفرسان ياليث الميدان فشكرها كليب وهن ها بسلامتها وزاد في أعزازها وكرامتها ثم خرج من المخدع وأعلم الفرسان بقتل الملك تبع وقال لهم لقد بلغنا المراد فكونوا على حذر واستعداد لامتلاك البلاد فقالوا نحن بين يديك ولانبخل بأرواحنا عليك ثم وضع راس الملك على راس السنان وخرج الابطال والفرسان وطافوا في شوراع البلده وضربوا من وجدوه بالسيف المهند وهم يقولون عن فرد لسان هذا راس سيدكم حسان فقد عدمناه وقتلناه وارحنا الناس من شره وبلاه فمن عصى هلكناه ومن اطاع ابقيناه على قيد الحياه وله منا الامان على طول الزمان .

( قال الراوي ) فكانت أكثر أهل الشام تكره التبع لظلمه وجوره وتتمنى هلاكه فاجتمعت العساكر والاعيان وطلبوا من كليب الامان وانهم يكونوا له من جملة الرعايا والغلمان على طول الزمان فأجاجبهم كليب الى ذلك الطلب ورفع عنهم السيف الاحدب ووعدهم بالجميل والخيرات وسمح لهم بخراج عشر سنوات فدعوا له بطول العمر ودوام العز والنصر ثم اجتمعت بنو مرة واكابر العشائر وقواد العساكر والبسوه تاجا مرصعا بالجواهر ثم اجلسوه على كرسي المملكه وجلس بقربه وزير الميمنه وهو نبهان وزير تبع حسان ووقفت أمامه الحجاب والامراء والنواب فحكم معاملا الناس بالجود والكرم ومنصفا المظلوم ممن ظلم وفي الليله الثانيه اجتمعت سادات القبيله وزفوا عليه ابنة عمه الجليله وقد كنا ذكرنا في أول السيرة عن أوصاف هذه السيدة الخطيرة وم احتوت عليه من الحسن والجمال والفضل والكمال فاعتنقا اعتناق الاحباب وزال عنهما الغم والاكتئاب وباتا في حظ وانشراح الى وقت الصباح وفي اليوم الثاني وردت اليه المدائح والتهاني واشتهر ذكره في البلدان وهابته ملوك الزمان .

( قال الراوي ) وكانت الجليله قد طلبت من كليب أن يبني لها قصرا من أجمل القصور وينشىء فيه بستان يحوي جميع أنواع الزهور فأجابها الى ذلك ووعدها ببناء قصر لا مثيل له في جميع المماليك ثم انه نزل الى الديوان وجمع الوزراء والاعيان وأعلمهم بذلك الشان فقال له الوزير نبهان أعلم ياملك الزمان انه لايوجد في هذه الايام من يقدر أن يبني لك ذلك القصر طبق المرام الا معمر المختص بالريان ملك مصر لانه هو المشهور ببناء القصور الحسان وهو الذي عمر قصر تبع حسان فأرسل كليب أريد منك أن تبني لي قصر من القصور الحسان لايوجد مثله في جميع المدن والبلدان ويكون له جنينه جميله المنظر تحتوي على جميع الاشجار والخضر فان اتقنت الصنعه طبق المرغوب نلت المقصود والمطلوب فأجابه بالسمع والطاعه وباشر في بناء القصر في تلك الساعه .

( قال الراوي ) ولما اشتهر قتل تبع في اليمن تواصل الخبر الى صنعاء وعدن هاجت الرجال وكثر القيل والقال وكان للملك تبع ابن عم من الامراء المشاهير يقال له عمران القصير وكان شديد الباس قوي المراس فلما بلغته تلك الاخبار صمم على غزو بنو قيس بعسكر جرار فجمع العساكر والجنود وفرق الرايات والبنود وركب في مائة الف مقاتل وجد في قطع المراحل قاصدا بلاد الشام بكل سرعه واهتمام ولما بلغ كليب هذه الاخبار استعد للحرب والقتال وخرج للقائه بالفرسان والابطال ولما التقى الجيشان أمر كليب أن تقدم الفوارس الى ساحة الميدان وأخذ ينشطهم بالكلام على قتال الاخصام فهاجت الشجعان وتبادرت للضرب والطعان وكان الامير كليب أول العسكر كانه الاسد الغضنفر وعلى راسه البيارق والسناجق ثم التقت الرجال بالرجال واشتعلت بين الفريقين نيران الحرب والقتال حتى عظمت الاهوال فلله در الامير كليبب بطل الابطال ومافعل في ذلك اليوم من الفعال فانه هجم هجوم الاسود وانطبق على العساكر والجنود بقلب أقوى من الجلمود فبادر فرسان الكفاح وخطف المهج والارواح ومازال الدم يبذل والرجال تقتل الى ان ولى النهار وأقبل بالاعتكار فافترقت العساكر عن بعضها البعض وباتوا في تلك الارض وعند الصباح رجعوا الى الحرب والكفاح فبرز الامير عمران الى ساحة الميدان فصال وجال وطلب براز الامير والابطال فأراد كليب أن يبرز اليه فمانعه حجابه وقالوا أيها الملك أن فينا ابطالا وفرسانا تستطيع ان تحاربه ثم برز اليه فارس من الصناديد يقال له ميمون بن الرشيد فالتقاه الامير عمران بقلب أقوى من الصوان ولم تكن الا ساعه من الزمان حتى استظهر عمران وطعن ميمون بالرمح فوقع قتيل وفي دمه جديل فأخذ سلبه وحصانه ثم قوم سنانه وتقدم الى معركة الحرب وقال اين فرسان الطعن والضرب اليوم تبان الفروسيه وتعرف شجاعة اليمنيه والقيسيه فبرز اليه آخر فأذاقه الموت الاحمر ومازالت تبرز اليه الرجال وهو يجندلها على بساط الرمال حتى قتل سبعه من الابطال وكانوا من اكابر السادات قد اشتهروا في الحرب والغارات واستمر القتال على هذا المنوال مدة تسعة ايام وهم في أبرز واقتحام وفي اليوم العاشر خرج الامير مرة لقتال عمران ولما صار في الميدان تقنطر عن ظهر الحصان فأدركه ابنه همام وجاء به الى الخيام فعند ذلك برز الى عمران الامير جساس وصدمه بقوة قلب وشدة بأس غير أنه لم ينجح في قتاله ورجع عند المساء عربه ونزاله فوقعت هيبة الامير عمران في قلوب الفرسان والشجعان فاستعظم كليب ذلك الامر واشتعل قلبه بلهب الجمر وقال ما لزيد الا عمر فاذا كان الصباح بارزته في معركة الكفاح لانه طغى وتجبر وقتل منا كل أسد غضنفر وبات تلك الليله وهو في غم شديد وقلق ماعليه من مزيد فما أقبل الصباح ركب كليب الحصان واعتقل بالسيف والسنان وبرز لساحة الميدان لقتل الامير عمران الذي برز في ذلك اليوم وهو ينادي أين الابطال الصناديد لايبرز الا كليب المحتال الذي قتل تبع بالغدر والاحتيال فما تم كلامه حتى صار الامير كليب قدامه وصدمه صدمة منكرة أشد من صدمات عنترة فقال له عمران من تكون من الفرسان فقال له أيها التيس أني ملك على بني قيس فسوف ترى مني ضربا يفك الحديد ويذهب أبصار الفرسان لما غدت تبع بالحيله مع ابنة عمك الجليله فقال كليب أما علمت ياقرنان بأن الرجال عند أغراضها نسوان وأني ما قتلت الملك تبع الا لغدره وقلة حياه وكثرة شره فأنه قتل والدي وكان عوني ومساعدي وحق هذا الذي أوجب ذلك اليوم سألحقك به وأسقيك كأس المهالك فلما سمع عمران من كليب هذا الكلام اشتد بينهم الخصام فكانا تارة يتقدمان وتارة يتأخران كأنهما أسدان درغامان فانبهرت من قتالهما الفرسان وأحدقت اليهما الابصار من اليمين واليسار واستمر على ذلك الحال الى قرب الزوال حتى تعجب عمران من ثبات كليب أمامه لانه كان يظن أنه لايوجد في الدنيا من يقدر أن يقف قدامه فعند ذلك قاربه وفاجاه وطعنه بالرمح قاصدا هلاكه وفناه فخلى كليب من الطعنه فراحت خايبه بعد ماكنت صايبه ثم هجم كليب وقال خذها ياعمران من فارس الميدان وليث الحرب والطعان وضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قطعتين وحسان عليه غراب البين وبعد ذلك حملت العساكر على بعضها وتقاتلت بالسيوف والخناجر فكثر القتل والجراح وجرى الدم وساح وزعقت النفوس والارواح من ضرب السيوف وطعن الرماح وكان بعد مقتل الامير عمران أن تضعضعت من عساكر اليمن الاركان فولوا الادبار وركنوا الى الهرب والفرار فتبعهم كليب بالعسكر وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف نفر وغنم غنائم عظيمه لها قددر وقيمه ومازال تابع آثارهم حتى دخل ديارهم فخرجت اليه أكابر البلاد طالبين العفو والامان فأجابهم كليب الى ذلك الشأن وأرتد راجعا الى الشام بعد أن رتب عليهم خراجا يدفعونه في كل عام فدخل القصر بالعز والنصر فاجتمع بابنة عمه الجليله وباقي سادات القبيله وطاب له الوقت وزال عنه المقت ثم بعد ذلك بعشرة شهور تم بناء القصر المذكور فكان من عجائب الزمان والاوان لانه في غاية الانفاق ولاسيما البستان فانه كان كفردوس الجنان فيه من جميع الاشجار والفواكه والاثمار والمياه الغزيرة والزهور الكثيره حتى أعجب كليب به وانعم على بانيه وفرشه بالفراش الفاخر الذي يبهر النواظر ويحير العقول وجعل أبوابه وشبابيكه من الذهب ورصعها بأنواع الجواهر المنتخب ثم نقل ابنة عمه الجليله اليه وكانت قد ولدت سبعة بنات مثل البدور الكالعات فربتهن بالدلال والعز والاقبال فاتفق له ذات يوم من الايام أن زاره مرة أبن اخيه كليب في جماعة من بني الاعجام وبعد أن دار بينهم الكلام قال مرة يأبن أخي كثرت عليك الرجال والاغنام لسبب كثرة المواشي الازدحام فمرادي الان أن أرحل عنك بأنعامي ورجالي وباقي أموالي ولاشك بأننا في هذا الرحيل والانتقال تتحسن بنا الاحوال ونحصل على راحة البال فقال كليب أفعل ياعمي ماتحب وأنزل في أي مكان تريد قرب الديار فان البلاد بلادنا ونحن ملوك الاقطار .

( قال الراوي ) فرحل مرة بقومه ورجاله ونوقه وجماله ونزل في واد كثير النبات ببعد مسافة تسع ساعات وكان مرة قد شاخ وكبر في العمر فاقام الامير جساس على بني بكر فكان يحسن اليهم ويحكم بالانصاف عليهم فشاع ذكره واشتهر أمره فكانت تقصده الشعراء والفرسان وهو يكرمهم ويخلع عليهم الخلع الحسان ولم تكن الا سنة من الزمان حتى صار يحكم على مائة وعشرون الف عنان هذا ماكان من أمر جساس وأما كليب الفارس الدعاس فانه كان في سنوح الفرص يخرج الى الصيد والقنص وكان له عدة أخوة كل منهم مشهور بالمروءة والنخوة وكان من جملتهم المهلهل الملقب بالزير وكان جميل الصورة كأنه البدر وهو صاحب هذه السيرة والوقائع المشهورة وكان في تلك الايام ابن عشرة أعوام وكان في الشجاعه كسبع الغاب لايخاف من أحد ولايهاب فصيح الكلام معكفا على شرب المدام وسناع الاصوات والانغام ينشد الاشعار البديعه ويأتي بالمعاني النفيسه الرفيعه وكان كليب لحبه لايتعرضه بأمر من الامور بل يقابله بالفرح والسرور وكان الزير يتباهى بشجاعته أمام أخيه وأنه لايوجد في الفرسان مايضاهيه فقال له كليب في بعض الايام أراك يأخي منشغلا بالملاهي وشرب المدام فقلبك خالي من الهموم والاحزان كأنك لاتسأل عن تقلبات الزمان فمن الواجب أن تحسب حساب العواقب لان الدهر دولاب سريع الانقلاب اذا أضحكك يوما أبكاك سنة وليس على أحد جميل ولا حسنة فقال المهلهل مادمت أنت في الوجود وأنا في خير لا أحسب حساب الغير ولكن أن جار عليك الزمان وأحاطت بك الحساد والخوان فأنا أرد عنك الاثقال وأجندل أمامك الابطال أنا الاسد الغالب فارس الكتائب والمواكب أنا قهار الاعادي أذا نادى المنادي فتبسم كليب من كلامه وتركه مشتغلا بشرب مدامه وارتد راجعا الى الديوان وقد راق له الزمان .

( قال الراوي ) وقد أتفق بعد ذلك بأيام أن أولاد مرة اجتمعوا مع بعضهم في الخيام وضربوا تختا من الرمل ليروا مايحل بهم ومايجري عليهم ومايصيبهم فبان لهم أن الامير جساس لابد أن يقتل الامير كليب ويظهر الزير ويأخذ ثارة بدون ريب ويقتل منهم كل أمير جبار وبعد وقائع تستحق الاعتبار فاعتراهم القلق والكدر وأجمع رايهم على أن يقتلوا الزير قبل أن يكبر وكان من جملتهم الامير سلطان بن مرة فأنشدهم يقول :

على ما قال سلطان ابن مرة مبيد الضد في يوم النزال
تبين عندنا جساس يقتل كليب بن ربيعه ولا يبالي
ويأتي الزير بعده يا أمارة يشتت جمعنا بين الجبال
ويمحي ذكرنا من كل ارض ويفنينا ويسبي العيال
هلموا نقتله ونبيد اسمه ونسلم من تصانيف الليالي
فيلزم أن تروح الى الجليله وتعلمها على ماقد بدالي
فهذه أختا ليست غريبه فتسعفنا على نيل الاماني
جليله عارقة في كل فن وتعرف في الزيارج والرمال
فقوموا كلنا نذهب اليها ونقضي شغلنا قبل الوبال

فلما انتهى السلطان من هذا الشعر والنظام وسمعه الامير جساس ومن حضر من أبناء مرة الكرام استحسنه جميع القوم وركبوا من ذلك اليوم وخرجوا من القبيله قاصدين أختهم الجليله وكانوا ثلاث واربعين ذكر كل منهم أسد غضنفر ولما وصلوا اليها دخلوا وسلموا عليها فتلقتهم بالترحاب والاكرام وأقاموا عندها ثلاثة أيام ثم قالوا لها عن فرد لسان قد ظهر لنا في الرمل بأنه يظهر للزير شان ولأي شان فيقهر الابطال والشجعان ونهاية ملوك الزمان ويعاملنا بالجور وسوء الادب وتنحط منزلتنا بين ملوك العرب فاتفق راينا على قتله قيل أن يكبر وأتينا لنعلمك بالخبر فما هو رأيك في هذا الامر المنكر فقالت اذا قتلتموه فينكشف الامر ويأخذ كليب بثأره منكم فيزداد الشر ومادام الامر كذلك فأنا أجعلي كليب يلقيه في المهالك ثم أنشدت تقول :

مقالات الجليله بنت مرة تعالوا أخوتي أصغوا لقولي
تريدوا قتل أبو ليلى المهلهل أخوه كليب خلفه مثل غول
ومن خلفه غدير وزير قان سباع الغاب في يوم المهول
وست وأربعين بنو أبيه يجوكم راكبين على الخيول
وتركب خلفكم كل الفوارس فوارس تلقب مثل الفحول
ولكن سوف أرمية بحلبة تحير كل أصحاب العقول
ويبقي كليب بقتله بيده ويجعلة طريحاً على السهول
( قال الراوي ) فلما فرغت الجلية من شعرها ونظامها شكرها أخواتها على حسن أهتمامها وركبوا ظهور خيولهم وراحوا في حال سبيلهم فصبرت ماعليها من الثياب وأظهرت الغم والاكتئاب فلما رأها كليب على تلك الحال تغيرت منه الاحوال لانه كان يحبها محبه عظيمة ويودها مودة جسيمة لحسنها وجمالها ودلالها ولاسيما انها ابنة عمه ومن لحمه ودمه فقال لها
علامك ياجليلة مالي أراك في هذة الحالة الوبيلة من فؤاد متبول وأجابته بهذة الآبيات تقول :
مقالات الجلية بنت مرة كليب أنت قيدوم السرايا
وتحكم في القبائل والعشائر وفي كل المدائن والقرايا
وحكمك نافذ في كل أرض وتخدمك الملوك مع الرعايا
وأني بنت عمك يامسمى ومثلي ليس يوجد في البرايا
أتاني الزير أخيك في غيابك يريد فضيحتي بين الصبايا
قبضت عليه من عنقه فولى وراح بسرعة وسط الخلايا
ألاياأمير قل كيف تعمل فاقتله وأرده المنايا
وان لم تقتله حالا فاني أروح اليوم من وسط الخبايا
وتبقى الناس تشتم في قفايا وتبلى بالدواهي والرزايا
وهذا الآمر لايصلح لمثلك كريم الآصل عكاز المطايا
فاقتله واخلص من بلاه ولاتخشى أثام ولاخطايا
فقتل الزير أصوب من حياته لانه خائن دون البرايا
فما سمع كليب منها هذا الشعر و النظام غائب عن الصواب وأرسال أحد الرجال ليأتيه بأخية الزير في الحال فذهب الرسول وأستدعاه وتمانع عن الحضور لانه كان في ذلك الوقت يشرب الخمر .

الجزء الثالث
وجالسة وهم في فرح وسرور فرجع الرسول على الاثر وحدث الامير كليب بذلك الخبر فزداد كدر على كدر وارسال الرسول اليه ثانياً فما حضر فعند ذلك صار كليب الية وقد عظم الامر لدية فلما دخل عليه نهض الزير على قدمية وسبه كليب وشتمه وضربه حتى الالمة ثم نزع عنه ثياب الحرير حتى صار معيره فالكبير و الصغير وارسله مع الرعيان ليرعى النوق و الجمال ورجع الى الجليله واعلمها بما فعل مع اخية المهلهل فلما رات انها لم تبلغ الامل زادت غماً وكدرا وأخذت تدبر على هلاكة بحيلة أخرى فقالت ذات يوم لكليب أما تخشى من الهتيكة و العايب أما في راسك نخوة وناموس من جهة أخوك المهان المعكوس فقال لها ما معنى هذا الكلام وما هو المراد بهذا التبويخ و الملالم قالت بلغنى من بعض الغلامان الذين يدورون مع الرعيان بأنهم فعلوا معى القبيح وانت جالس مستريح ليس عندك علم ولا خبر وقد تحدث فيك جميع البشر ثم شرحت له واقعة بهذا الشعر و المقال :
تقول الجليله يا محفوظ اتاني علم بحال أخوك
وشاع العلم بكل القوم غناء الناس مع الصعلوك
وصار الناس بقيل وقال وكل البدو عليك ضحوك
أنت أمير كبير القوم وقيس وحمير قد هابوك
فكيف يكون أخوك الزير وقومك من أهلة يجافوك
كيف بقالك راس يقوم و الرعيان لقد عابوك
فاقتل أخوك في سيفك وإلا قومك قد لااموك
فكل العالم تحكي فيه يقول الزير بقى مهتوك
فهذا الاخ ومثلة ألف في يوم الضيق فما عانوك
أخاف يقولوا كل أهله مثله و العالم يشكوك

فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر ووقف كليب على حقيقة الامر التهب فؤادة واضطرب من شدة الغيظ و الغضب وأخذته الحمية وعصفة في راسة نخوة الجاهلية وقد صمم النية على أن يقتل أخوة ويسقية كأس المنية فقالت الجليلة لا تقتلة يا أمير لان كلام الناس كثير فالاوفق أن تأخذة إلى وادي السباع وهو مكان منقطع عن الناس كثير النمور و الاسود فقتله هنا وتعود فتفترسة الوحوش و الاسود وتتخلص من كلام العباد فقال هذا هو الصواب و الامر الذي لا يعاب ومن وقته ركب ظهر جوادة واعتدا بالاله حربة وجلادة واستدعى الزير اليه فما تمثل بين يديه قال له مرادي ان اذهب إلى الصيد و القنص وأزيل ما بقلبي من الغصص فسار أمامي فتماثل أمرة وصار ووجد في قطع البراري و القفار حتى وصل إلى الوادى المذكور وهو مكان مهجور ومازال وسائرين حتى صار في وسط ذلك المكان وإذا بجواد كليب قد شخر ونخر وضرب الارض وتأخر وإذا بسباع من بطن الوادي قد ظهر فلما رآه الاميركليب هجم عليه الجواد ورماه بالرمح
فاخطاه فتبعه الاسدفانهزم كليب من امامه خوفا من العطب فلماراى الزيراخاه قد هرب تقدم نحو
الاسد بقلب اقوى من الحجر وطعنه بخنجركان معه فقده نصفين فاخرج قلبه فاكله وصاح على اخيه ارجع يااخي ولاتخاف فرجع كليب وهو يتعجب من أفعال الزير فنزل عن ظهر الحصان وقلبه بين عينيه وصفا له قلبه وقال في سره من يكون له أخ مثل هذا ويفرط فيه وان عاش هذا الغلام يكون من عجائب الزمان ثم رجع واياه فلما راته الجليله قالت لماذا ماقتلته فأخبرها بواقعة الحال وكيف أنه قتل الاسد والذي يكون مثله لايستاهل القتل بل يجب له الاكرام ثم أشار يقول :

يقول كليب من صفوة ربيعه شديد الباس ذو عزم رجيح
كريم الاصل سلطان متوج وفي طريق الكرم ماني شحيح
الا يابنت عمي يا جليله الا ياصاحبة الوجه المليح
نظرن اليوم من سالم فعالا يشيب لها الطفل الطريح
لقاني السبع من خلفي وزمجر فصار الزير من خلفه يصيح
فكر السبع نحو الزير هاجم فعاد الزير واقف مستريح
ولما قد دنا منه وقارب فغار عليه كالسبع الجريح
طعنه الزير بالخنجر فقده والقاه على الغبرا طريح
فلما شفت هذا الفعل منه علمت بأنه فارس رجيح
رجعت اليه من فرحي سريعا وصحت عليه في قول مليح
مهلهل يا مهلهل يا مهلهل فأنت اليوم أولى بالمديح

( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره زاد كدر الجليله وقالت له وهي تبكي مادام الامر كذلك فأني سأذهب نهار غد الى بيت أهلي وأعلمهم بما ظهر من الزير في حقي فمه يقتلوه لاني لست أأتمنه على نفسي إذا بقيت عندك لانه لابد أن يغدر بي لان عيونه محمرة علي وانت بعد كل هذا ليس لك نخوه ولا ناموس فقال أذكري الله يا جليله ودعينا من هذا فكيف اسمح بقتل أخي وهو من لحمي ودمي ولا سيما أنه شديد ومن أشجع الناس فاذا قتلته افتضحت بين العرب وتحدث في الناس فقالت لابد من قتله على طريقة غير هذه وهو أن تأخذه الى بير صندل السباع وتدليه بحبل على نية أن ينشل الماء وحينئذ تقطع الحبل فيسقط في البير ويموت ولايعلم به أحد وأشارت تقول :

ماقالت الجليه بنت مرة ودمعي فوق وجناتي غزارة
أخوك الزير ماهو كثير فالح يلعب مع وليدات الصغارة
أخوك الزير شوفه مثل الضبع كما المجنون يلعب بالحجارة
ياريته مايشوف الخير دائم كأنه شبه ضبع في مغارة
ياليت الزير ينقص من حداكم ولايبقى تظهر له خبارة
الا ياحيف هذا من ربيعه وتعدوه ببنات الامارة
ترى خمسين خليفه مثل أبيك أمارة من أمارة من أمارة
يبقى الزير هو ندل فيكم ليته لايطلب من الحرارة
قتل الزير أحسن من حياته ولا نهتك مابين الامارة
أقتل هل ردي لاعاش عمره وأهيفه في حسامك مثل نارة
أنت ابن عمي نور عيني وشوري اليك ماهو فشارة
ما قالت الجليلة بنت مرة وناري عالقه من ذي شرارة

( قال الراوي ) وكان كليب يحب الجليه محبة عظيمه ولا كان يخالفها في شيء فلما ألحت عليه وافقها على ذلك اكراما لخاطرها فنهض ثاني الايام وركب جواده وأخذ في صحبته أخوه الزير ومائة من الفرسان وسار بهم الى بير صندل وعند وصولهم قال كليب يا سالم خيولنا قد عطشت فمرادنا أن ننزل ونسقيها وأنت تنزل الى البير فتملا دلو فقال حبا وكرامة ياأخي فدلوه في حبل وأخذ يملي الادليه وهم ينشلوا ويسقوا حتى ملأوا الارض الذي على باب البير وجاؤا بالخيل ليستوها فتزاحمت على بعضهما البعض وأخذت بالصهيل والازدحام فعجز كليب وجماعته عن ردها على بعضهما البعض فسمع الزير وهو بالبير صهيل الخيل وجعيرها فصرخ عليها صوتا مثل الرعد القاصف حتى ارتجت منه الوديان واضطربت منه قلوب الفرسان فجفلت الخيل وتأخرت وانفصلت عن بعضها فلما راى كليب ما فعله أخوه سالم تعجب غاية العجب وندم على ما فعل وفي الحال أخرجه من البير وازدادت محبته عنه ورجع الى الديار فلما راته الجليله غابت عن الوجود من شدة الغيظ وقالت لكليب بارك الله فيك اهكذا المفارقه فقال والله يا جليله من كان هذا الفعل فعله يحرم الله قتله ثم حدثها بما جرى وكان يقول وعمر السامعين يطول :

يقول كليب من شعر نفيس قصيدة مانظمها قط قائل
جليله اسمعي يابنت عمي أرى عقلك بهذا اليوم زائل
أأقتله ليشفى اليوم قلبك ومنه قد ظهرت لنا فعايل
سباع الغاب هابت من لقائه كذلك الخيل صيرها جفايل
ثلاث ألوف يلقاهم بصدره من الشجعان فرسان القبايل
تقول لقتله وارتاح منه فقولك ماهو قول عاقل
فاني لا أبيعه بألف مثلك ولو مهما جرى منه من فعايل
أراكي تطلبي قتله سريعا فقولك عنه ليس له دلائل
فقولك ياجليله قول باطل فحاش الزير أن يتبع رزائل
فقلي من كلامك لاتعيدي أيا بنت الاماجد والاصايل

فلما فرغ كليب من شعره ونظامه وفهمت الجليله فحوى كلامه اغتاظت في الباطن ولكنها أظهرت له السرور وقالت له أن قصدي امتحانك لارى هل أنت تحبه أو تبغضه لانه فصيح اللسان ومن أشد الفرسان وأخذت تمازح كليب بكلام النفاق حتى صفا قلبه وراق ثم انها صبرت مدة أيام وبعد ذلك أظهرت عن نفسها انها مريضة فرقدت في الفراش وقالت لكليب أن لي حاجه اليك ولايقدر عليها سوى أخوك الزير فقال وماحاجتك قالت أريد مقدار كأسين من حليب السباع لانه يقوي الاعصاب وانا في غاية الضعف والعناء وقد وصفت دايتي هذا عاجلا لمرضي وقالت أن هذا الدواء يأتي بولد ذكر وأشارت تقول :



مقالات الجليله بنت مرة كليب اسمع لي يا أبا اليماما
انت اليوم ملك البوادي ياليت الحق بك يا امير داما
وتحكم ياملك شرقا وغربا من ارض الروم للكعبة دواما
وتحت يداك الوف من العساكر موكم حاكم وكم فيه مقاما
وكم أبراج من ذهب وفضه جواهر تشرق جناح الظلام
ولالك ظفل تحيي فيه ذكرك سوى سبع بنات مثل الحماما
اتاني منك سبع بنات اتاني ولاجاني منك ذكر غلاما
وقالت دايتي لي ياجليلة معي لك علم يبري السقاما
لبان لبوة بصوفة احمليها تروحي في ذكر حامل قواما
فنادىالزير واخبره سريعا ادام الله عمرك بالسلاما

(قال الروي ) فلما فرغت الجليلة من شعرها ونظامها صدق مقالها وارسل في الحال يطلب اخاة الزير فدخل وسلم علية وقبل يدية وقال بقلب جسور انا عبد مامور ولااخالفك بامر من الامور فاعلمة كليب بالوقعه
وقال اريد منك يا خي ان تاخذ هذا الحق الصغير وتملاة من حليب لبوة فقال على الراس والعين ولكن يا اخي اعطني سيف اتسلح به خوفا من هجوم السباع فقال كليب للجليلة ان تعطية السيف فقالت لة الاتستحي يازير
أن تطلب سيف وانت في هذة الشجاعه فخجل واطرق راسة وسار من وقته وساعته وقد تاكد انها تريد هلاكة
وضررة وما زال يسير حتى وصل الى غابة كبيرة كثيرة الاشجار والصخور وليس معه سوى سكين وعصاه
فبينما هو ينظر من خلف وقدام واذا بأسد قد ظهر وهو هائل المنظر وعيناة تقدح بالشرر.
فلما اقترب منة قبض علية الزير ونشلة بقوة ساعدة وزندة ولوحة بيدة مثل المقلاع وخبط بة الارض فرض عظامة ثم نزل علية بالعصا حتى قتلة واراد ان يجز راسة واذا بلبوة قد اقبلت علية ومن خلفها سبعة اشبال
فلما رات ذكرها قد مات احمرت عيناها فاراد الزير ان يلاعبها قليلا وقد علم انها مغتاظة فجعل نفسة انة خائفا
منها فركض من امامها فتبعتة وكان قد وصل الى شجرة لبيرة فطلع اليها وبقيت هي تنظر الية وتهمهم ثم
اقلبت اشبالها وجعلوا يرضعون من ثديها فوجد الزير لها ثدي مثل الحق فقال هذا الذي ظالبة مني اخي ثم اراد

النزول فقال ان نزلت تفترسني من رجلي ثم رمى نفسة من الشجرة فجاء راكبا عليها فقبض عليها من رقبتها والقى رجلية على بطنها بقوة شديدة حتى لم يعد لها سبيل ان تتحرك من مكانها ثم سحب السكين وهو يضحك عليها وينحراها كما ينحر الجزار الغنم وملآ الحق من حليبها وقطع راسها وراس الاسد بعد ان ربط اشبالها بالحبال وساقهم امامة كالكلاب فلما اقبل الى الحي ولاقتة فرسان العرب واصحاب المناصب والرتب واستعظموا ذلك الامر واعتراهم العجب وعند وصولة الى القصر سمعت الجليلة الضجة فطلت براسها من الشباك فرات الزير وهو مقبل على تلك الحالة فالتهب قلبها بنار الغضب لانها كانت تظن انة يموت ويهلك ثم دخل الزير على الجليلة وكان كليب جالس معها فسلم عليها وارمى الرؤس امامها وقدم الحق لامراة اخيه وقال لها هل تجدين شيئا
اخر حتى أقضية فقالت بارك الله فيك ياسبع الرجال فانك تستحق المدح والثناء وكان كليب لما راى رؤس السباع تعجب من قسوة قلبة وشدة بأسة وقال لة كيف فعلت والى اين وصلت فأشار الزير يقول :

يقول الزير قهار المواكب رماني الدهر في كل المصائب
فلا تسمع أخي قول الاعادي لآن الضد شورة ليس صائب
يشوروا عليك في الاعادي ليسقونك أخي كأس العواطب
فأهل عليك في رأي وخيم لآن كلامها لاشك كاذب
فاعلم ياأخي في ماجرالي بهذا اليوم في وادي الثعالب
وجدت سبع وسط الغاب دائر كأنة جائع للصيد طالب
فلما شافني حالا أتاني وكشر عن سنانه والمخالب
فصحت علية جاهلية فتقدم ياخي الي هاجم وطالب
حززتة بخنجري فأهوى على وجه الثرى للارض قالب
أتتني بعده لبوة مغيرة فلما شفتها وليت هارب
رأيت أشبالها سبعة وراها فداروا لجهتي من كل جانب
فلما شفتهم جاؤا لنحوي طلعت لشجرة ذات الشناغب
فداروا حولها فرميت نفسي فصرت لظهرها بالحال راكب
حززت لراسها وملئت حقي حليب بعد أن نلت المأرب
وراس السبع واللبوة قطتة علامة للاغارب والاقارب
وسقت أولادها السبعة أمامي فلما صرت في وسط المضارب
فلا قتني رجال قومي وجيتني الآقارب والآجانب
وهذا ماجرى لي في نهاري وما قاسيت من هول المصائب


(قال الراوي ) فلما فرغ الزير سالم من شعره ونظامة واخوه كليب مع الجليلة يسمعوا كلامة فغضبت الجليلة
من كلام الزير وكيف انة لمح بشعره عليها فقالت في سرها لابد لي أن أعمل علىقتله وبعد ذهابه قالت لزوجها
كليب كيف يعلم اني ساعية في قتلة ولم يكن عارف بما فعلة معي فوالله ان الموت الذ عندي من الحياة فلا بد لي ان أشنق نفسي واستريح من جور أخيك القبيح ثم صارت تصيح وتبكي فقال كليب أخزي الشيطان ودعينا من هذا الكلام الان واخذ يتلطف بخاطرها ويقول لها كم مرة رميناة بالاخطار وهو يرجع سالما كاسبا غانما فقالت الجليلة
مرادي أن تسمع مني ما اقولة لك الآن ولا عدت ولا عدت تسمع مني غير هذة المرة وهو ان تجعل نفسك مريضا وترقد في الفراش فاذا أتاك أخوك الزير حتى يراك فتقول لة أصابك مرض شديد ووصف لة الاطباء شربة من
بير السباع اذا سمع منك هذا الكلام فأخذتة النخوة والغيرة ويذهب في الحال لقضاء حاجتك فاذا راح لا يعود
يرجع أبدا من كثرة وجود السباع في ذلك المكن والكثرة تغلب الشجاعة فيفترسوةفي الحال وتكون قد بلغنا الامال
لانني كلما تذكرت اعمالة أريد ان أخنق حالي والعرض عند الحر غالي ثم أنشدت تقول من فؤد متبول :

الا اسمع لشوري ماأقولك على علم الصحيح أنا أدلك
أخوك هبيل ما بيسوى مسلة ولو قلع في الجبال والف تلة
فارسلة غدا بير صندل وان ارستلة لهناك يقتل
ومنة تسنتريح مدى الدهور ونخطى بالمقاصد والحبور

فلما سمع كلامها أجابها الى مرامها وانقطع عن الديوان ومقابلة الناس وجعل نفسه مريض وأقام بالفراش مدة أيام لما شاع هذا الخبر علم الزير بذلك فتشوش خاطرة لانة كان يحبه محبة عظيمه فدخل عليه فراه راقد وهو يتوجع علية ويتأسف ويسلية بالكلام فقال لة كليب اعلم ان مرضى شديد وأنا خائف منة وقد وصفت لي الاطباء شربة
ماء من بير السباع فمتى شربتها شفيت من هذا الدواء وليس لي غيرك ياأخي من يأتيني بها فان كنت
تحبني أريد منك الان يا فارس الفرسات وقهار العدا في ساحة الميدان أن تذهب الى ذلك المكان وتاتيني بالمطلوب والمقصود من بين الاسود فقال الزير أبشر ياأمير ثم نزل من عندة وجاء بقربتين فحزمهما على حمار ثم سار وجد في قطع القفار الى أن ن وصل الى بير السباع وكانت السباع في ذلك الوقت سارحة في البرية سوى
سبع واحد كان راقد على حافة البير وهو واضع يدية على فمة او نايم فقال الزير في سرة هذا نايم وعيب علي أن اقتلة غدرا فتركة وفك القرب وربط الحمار من يدية ورجلية ونزل البير من الدرج فملا القرب وأتفق أنة عند نزولة الى البير شهق الحمار فوعى السبع ولما رأى الحمار هجم علية وضربة بمخلبة فقتلةوجعل يأكلة فلما خرج الزير من البير ووجد السبع قد قتل الحمار وهو يأكلة أغتاظ جدا فوضع القرب على الارض وقصد نحو السبع بقلب كالحديد وقال ويلك يامشئوم كيف تأكل حماري أما علمت ببطشي واقتداري فوحق ذمة العرب لابد من تحميلك القرب وكان الاسد قد وثب علية ونهض برجلية فالتقاة الزير بالعصا وضربة ضربة شديدة وقعت على رأسة فدوختة فوقع على الارض طائشا فجاء الزير بالحبل ولجمة لجاما قويا ووضع بردعة الحمار على ظهره ثم وضع القرب ورفسه برجلة فنهض مثل السكران فقال الزير ياقليل الادب الذي يأكل حمير العرب فهو أولى أن يحمل القرب ثم ركب على ظهره وساقه مثل الكلب وكان كلما عرج عن الطريق يضربة بالعصا على راسه حتى طاعه قهرا وجبرا ثو سار وجد في قطع القفار حتى أقترب من اتلديار فعند ذلك تذكر ماجرى له مع أخيه والاسد
وكيف عاد ظافرا منصورا فجاش الشعر في خاطره فأنشده يقول:

أنا مهلهل فعزي يفلق الحجرا الانس والجن تخشى سطوتي حذرا
كيد النساء فيبقى في عدم فخيب الله من يسمع كلام مرا
قالوا أخوك كليب اليوم منطرحا عالفراش ضعيف الجسم والبصرا
فجأته عاجلا حتى أساله والعقل في خيرة مما عليه جرى
فقلت له كيف حالك أنت أخبرني فقال يامهلهل كيف أنت ترى
أريد شربة ماء أطفي بها طمئي من صندل تزول الهم والكدرا

فسرت حالا لذلك البير في عجل فنلت قصدي وعدت اليوم مفتخرا

هذه فعالي وكل الناس ترهبني حتى الاسود وأهل البأس والآمرا

(قال الراوي ) ومازال يقطع القفار وينشد الاشعار حتى وصل الديار وهو رأكب علىظهر الاسد غير مبأل باحد لانه بلغ المقصود والارب
وفعل أفعال تعجز عنها فرسان العرب ولما دخل الحي جفلت الخيل الخيل والجمال واندهشت النساء والرجال لما رأوا الاسد على تلك الحال وكثرت الضجات وتصايحت الاولاد والبنات وسمع كليب والجليله تلك الضجه فطلا برؤسهما من الشباك فوجد المهلهل قد أقبل وهو يسوق الاسد بعصا فبكى كليب لما
رآه وقال لابنة عمه الجليله هل ينبغي لهذا البطل أن يقتل فقد جاء بالاسد وعلى ظهره القرب وهذا أعجب العجب فاشتعل قلبها والتهب من شدة الغضب حتى كادت تموت قهرا ثم نزل كليب اليه وقلبه بين عينيه وقال لله درك يافارس الميدان وزينة الشبان وبعد ذلك سأله عما جرى له وكان فأنشد يقول :


يقول الزير أبو ليلى المهلهل ودمعي فوق وجناتي سايل
ذهبت اليوم نحو البير قاصد أجيب الماء يا ابن الاكارم
وجدت السبع قرب البير راقد فقلت بخاطري ذا السبع نايم
نزلت البير أملا منه أشرب وربي بالذي قد كنت عالم
ملأت القربتان وعدت حالا لأرجع للقبيلة والمعالم
وجدت السبع قد أكل البهيمة ضربته بالعصا فعاد نايم
وحملت القرب من فوق ظهره وجئت إليك يافخر الاكارم
أطال الله أيامك وعزك على طول الزمان وأنت دايم

فلما سمع كليب هذا المقال أجابه على شعره :
يقول كليب اسمع يا مهلهل فما لك من مثيل في العوالم
سابع البر خافت من قتالك وولت في الفلا منك هزايم
نزلت البير أملا منه واشرب وتحظى بالسرور والغنايم
فقم البس ثيابا من حرير وأفعل ماتريد يا ابن الاكارم
فمهما طلبت مني يا مهلهل أنا أعطيك والله عالم
أخي ما عاد عندي أعز منك وحق الله خلاق العوالم

فلما فرغ كليب من كلامه أنزل الزير القرب من على ظهر الاسد وضربه بالسيف القاه قتيل ثم قطع رأسه أمام أخيه وقال الله أكبر فقد أخذنا بثأر الحمار وبلغنا مانحب ونختار بعون الواحد القهار فأمر كليب الخدم أن يدخلوا الزير الى الحمام فدخل وأغتسل ولبس حلة من أرجوان وذهب الى عند أخيه في الديوان فقام له على الاقدام وأكرمه غاية الاكرام واجلسه في اعلى مقام فزداد إعتباره عند الخاص والعام وأرتفع منزلته عند الامراء والاكابر واشتهر اسمه بين القبايل والعشائر وقال له كليب ذات يوم أطلب ياأخي مهما تريد فأن شئت مدينه أوهبك إياها أو إمراة جميله أزوجك بها فمالي جميعا بين يديك فلا أبخل بشيء عليك لأنك اليوم ساعدي وزندي وأنت الحاكم من بعدي فقال لاأريد سوى سلامتك والذي أريده منك أن تأمر بصيوان يكون كبير مفروش بالفرش الفاخر عند بير السباع ويكون عندي جماعه من الخدم يقدمون لي ماأحتاجه من الاكل والخمر لأني أريد أن أنفرد عن باقي جماعة الناس وأكون وحدي خصوصا من كيد النساء وعندما تشتاق اليّ تزورني فقال كليب ماهذا العمل فوالله ماعادي لي صبر على فراقك يا مهلهل ولا عدت أسمع فيك كلام الاعادي اللئام فاأبقي عندي في العز والاكرام فقال يأأخي قد صممت النيه على الارتحال فإن الانعزال أفضل للرجال الاحرار ولا سيما قد صار على السباع ثأر عليّ قتل الحمار ولابد لي من قتل جميع الاسود أو أن الحمار يرجع ويعود فضحك كليب من كلامه وتعجب وأمر له بما طلب وقدم له جوادا من أطيب الخيول وجميع مايحتاج اليه من السلاح والنصول والمشروب والمأكول وأرسل معه عبدان يخدمانه ثم ودعه وسار حتى وصل الى بير السباع فنصبوا له الصيوان وقام في ذلك المكان وهو يأكل ويشرب المدام وكان في كل يوم يلبس عدته ويركب جواده ويصيد السباع وكان كلما قتل اسد يقول يالثارات الحمار ومازال على تلك الحال حتى أفناها وبنا له قصرا من رؤوسهم فلما طال عليه الزمان أخذه القلق والضجر لأنفراده عن البشر وكان بينه وبين همام بن مرة محبتا عظيمه ووداد فزار الامير همام في بعض الايام ففرح بقدومه عليه وقال اهلا وسهلا يا ابن العم وترحب به غاية الترحيب وقال له لقد ضاقت نفسي من الوحشه والانفراد فوالله ماعدت ادعك تذهب من عندي ابدا وكان همام يسرف اكثر اوقاته عنده فينادمه ويشرب معه المدام ويتناشدان الاشعار في الليل والنهار ومازالا كذلك وهم في بسط وانشراح وطرب وافراح وشرب المدام وسماع الانغام مدة ثلاثة أعوام هذا ماكان من حديثهم في تلك الايام.

في حرب البسوس بين بكر وتغلب

( قال الراوي ) وأعجب ماأتفق وتسطر من الاحاديث التي تروى وتذكر هو حديث العجوز الشاعرة أخت الملك تبع حسان الذي قتله كليب كما شرحنا قبل الان وهي المرأة التي ذكرها تبع لكليب في ملحمته بأنها سوف تظهر بعده وتلقي الفتنه في القبائل وبسببها يقتل كليب بن وائل وتثير الحرب بين بكر وتغلب وباقي عشائر العرب وكانت هذه العجوز من عجائب الزمان وغرائب الاوان ذات مكر واحتيال وخداع ساحرة ماكرة وكان لها أربععة أسماء لانها في يوم ولاداتها وردت اليها
أموال السبعة أقاليم وامها سمتها تاج بخت لانها كانت كثيرا ماتأكل من جوز الهند
وكانت مع هذه الاوصاف القبيحه جميلة المنظر فصيحة الكلام شديدة البأس ولما كبرت وانتشت وصارت بنت عشرين سنة فكانت تسارع الطواشية وتركب الخيل في الميدان وتبارز الابطال والفرسان وشاع صيتها في كل مكان وتواردت اليها الخطاب من جميع المدن والبلدان فكانت تقول لااتزوج الا من يقهرني في الميدان فكلنت تقهرهم في القتال وتعلم عليهم في ساحة المجال فاقتصرت عنها الخطاب وتباعدت عنها الطلاب وكان قد سمع بخبرها ملك عظيم اسمة سعد اليماني وكان ملكبلاد السرو ابن عم أخوها تبع وبطل أروع ليث صميدع صاحب مدن وبلدان وجيش وفرسان فهام قلبة في حبها فركب في جماعة من أبطالة وسار قاصدا ديار ابن عمة تبع ليخطب اختة سعاد فلما وصل الى تلك البلادترحب به الملك تبع واضافة ضيافة عظيمة لانة ملك وأمره نافذفي القبائل فلما كان اليوم الثالث قال سعد لتبع اعلم ياابن العم حضرت من بلادي لاخطب أختك سعاد الدرة المصونة
والجوهرة المكنونة فلا تردني خائب فهي ابنة عمي ومن لحمي ودمي وأنا أحق بها من كل أحد فقال تبع اني أرغب في ذلك غير انة كما لاخفاك بأنها لاتتزوج بأحد مهما كان الا بمن يقهرها فيالميدان فقال أني ماأتيت الا على هذا الشرط فعند ذلك
دخل عليها أخوها وأخبرها بقدوم الامير سعد بن عمها وانة قد جاء ليخطبها ويتزوجها بعد أن يبارزها ويحاربها فأجابتة الى ذلك المرام وفي ثانب الايام
اعتدت بألة الحرب والجلاد وركبت على ظهر جوادها وبرزت الى الميدان وحل الضرب والطعان وكان الامير سعد قد ركب حصانة وبرز الى الميدان والتقاها بقوة
قلب وجنان وأخذا يتقاتلان نحو ساعة من الزمن وكان الامير سعد صاحب نخوة وحمية ومن اشد فرسان الجاهلية فحاربها حتى أتبعها ثم اقتلعها من بحر سرجها فأقرت لة بالغلبة وبعد ذلك تزوجها واقام الحفلة سبعة أيام ورجع بها الى بلادة وكانت قد أخذت معها جميع ماتملكه من أمتعه وأموال وعبيد وغلمان وأقامت مع زوجها في أرقد عيش وهناء لمدة عشر سنين الى ان عمي وفقد البصر فصارت تحكم مكانه واطاعتها العرب وعظم أمرها واشتهر ذكرها ومازالت على تلك الحال وهي في أرقد عيش وانعم بال الا ان كليب قتل أخوها تبع كما سبق الكلام ولما بلغها هذا الخبر اخذها القلق والضجر وتنغص عيشها وتمرمر وقالت لابد لي من المسير الى تلك الديار كليب الغدار وإذا قتلته انطفىء ناري وأكون قد أخذت بثأري فأقامت مكانها وكيلا يحكم بالنيابه عنها وركبت هي وزوجها وبناتها وأخذت معها عبدان ومازالت تقطع البراري والآكام حتى وصلت الى بلاد الشام فسألت عن رحلة بني مرة فأرشدوها اليها فلما صارت هناك قصدت الامير جساس دون باقي الناس ودخلت عليه وهو في الديوان وحوله جماعة من الامراء والاعيان فتقدمت اليه وسلمت عليه ودعت وترحمت وبأفصح لسان تكلمت وقالت له أدام الله أيامك ورفع على ملوك الارض قدرك ومكانك وبلغك أربك ومناك ونصرك على حسادك وأعدائك فتعجب جساس من فصاحة مقالها فأنني عليها وسألها عن حالها فقالت له أنني شاعرة أطوف القبائل والعشائر وأمداح السادة والسادات والاكابر وقد سمعت بجودك وكرمك ولطفك ومحاسن شيمك فأتيت الى دارك حتى أعيش في جوارك وأكون مشمولة بأنظارك ثم أنها بعد هذا الثناء والمديح أشارت اليه بهذا الشعر الفصيح :

تقول سعاد من قلب مفجوع زمان السوق أبقانا ذلائل
وبعد غلانا صرنا رخاصا وبعد الكثرقد صرنا قلائل
وبعد العز قد صرنا اذلا وبعد السمن قد صرنا هزايل
فهذا الدهر ماله قط صاحب فهذا مستقيم وذاك مائل
وذا يبكي وذا يضحك ويلعب وذا يندب عياله والحلائل
فسبحان الذي قدر علينا بغربتنا وتشتيت الشمائل
فبعد ان كنت في خير ونعمه دعاني الدهر كالطلاب شاتل
أدور على المناصب والامارا وأنزل في القرايا والمدائن
سمعت بذكركم ي آل مرة ثلاث شهور لي عندكم أسائل
أيا جساس يافخر البرايا وياكهف اليتامى والارامل
قصدتك لاتخيب فيك ظني أيا أبن الاماجيد الاصائل
فأجبر خاطري ربي يجبرك ويعطيك السعاده والفضائل
فكم أوهبت من مال ونوق وكم فرقت من خيل أصائل
فانت اليوم بين الناس فردا ثناء مشاع في كل القبائل
عديم المثل مابين الامارا وقد تفاخرت عربان القبائل
عساك اليوم تنعم لي بمالٍ ولاتصغي الى واش وقائل
فارجع بالغنايم والعطايا وبالخيل المسومه الصواهل


فلما فرغت العجوز من شعرها ونظامها وفهم جساس فحوى كلامها قال لها أهلا ومرحبا الارض أرضي والديار دياري وانت نزيلتي وفي جواري فكل من تعدى عليك قتلته ثم أشار يترحب بها ويقول :

قال جساس بن مرة ياعجوز مرحبا بك بلا بطا
مرحبا بك مرحبا بك مرحبا عدد ما مشت الركاب بالوطا
في قدومك حلت البركه لنا فابشري بالخير مع كثر العطا
أسرحي ثم أمرحي في حبنا ماأغيظك لو بدا منك خطا

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلامه دعت له العجوز بالنصر وطول العمر والبقاء وقالت في سرها لقد نلت المراد بعون رب العباد وأقامت عنده شهرين وجساس كل يوم يزيد في إكرامها وكانت قد رأت اتفاق قوم كليب مع بني مرة وهم في محبة ومؤالفه عظيمه واجتماعات كثيرة كأنهما قبيلة واحده فما هان عليها ذلك الامر فأخذت تلقي الفتنه والفساد بين الامراء والقواد حتى وقع الشر والنزاع وكثر القيل والقال ولما اشتد الامر اجتمع اكابر الناس عند الامير جساس واخلوا يشكون من بني تغلب وعن سوء معاملتهم وانهم يعتدون عليهم في اكثر الاوقات بدون سبب وهذا كله من يوم ما قتل كليب تبع اليماني وامتد ملكه في الاقطار فابتدا يجور ويظلم ولايحسب حساب أحد وهكذا قومه تفعل كفعلة وكان مرادهم بهذا الكلام يحمسوا الامير جساس ويهيجوه على قتال كليب ولكنه لم يصغ لهم ولم يطاوعهم على مرامهم وقال لهم انه من الصواب ان اجتمع اولا مع ابن عمي كليب واعلمه عن تعديات قومه وجورهم علينا فأن وجدت كلامه قاسيا يكون هو السبب قي تقويتهم وان أمر بتأديب المفترين تكون قد نلنا مرادنا .
( قال الراوي ) ومازالت الفتنه بين الفريقين تمتد وتشتد حتى اتصل الخبر الى مسامع الامير كليب وبلغه ان بني مرة هم أصل ذلك الخصام وانهم كل يوم في جمعيات واستعدات فضاق صدره وتكدر وارسل أعلم جساس بذلك الخبر طالبا منه ان يبادر بالحال بقصاص المذنبين وتوقيف حركات البكريين واخراج العجوز من القبيله التي كانت سببا لهذه الورطه فاغتاظ جساس من ذلك وتاثر وتاكد عنده كلام قومه وعلم ان أصل ذلك من كليب فلم يجبه بجواب ولا بخطاب واخذ جساس من ذلك اليوم يجمع الجموع ويفرق على قومه السلاح ويقويهم بالات الحرب والكفاح فبلغ ذلك الامير كليب فازداد كدره واحتار في امره واحس بزوال ملكه وكان تذكر اخاه الزير الفارس فركب من يومه في جماعة من الفرسان وقصده الى بير السباع فوجده جالسا على سفرة المدام مع ابن عمه الامير همام وهما يناشدان الاشعار ويتحادثان بالاخبار فنهضا له على الاقدام واجلساه في اعلى مقام وفرح الزير بقدوم اخيه لانه كان له مدة طويلة غائبا عنه غير عالم بأن مجيئه لم يكن ناتج الا عن سبب ضروري جدا وبعد ان جلس قليلا قال كليب للزير أعلم ياأخي أن سبب مجيىء اليك اولا لاجل المشاهده وثانيا حتى آخذك الى القبيله وأقيمك ملكا مكاني لاني طعنت في السن ولم يعد لي طاقه على معاطاة الاحكام ولا سيما وقد تغيرت الاحوال ووقع بين القبيلتين النزاع والجدال فاشتعل مني القلب والبال فقم معي الان ياسيد الفرسان فقال الزير والله لقد اشتغل بالي بهذا المقال فانشد كليب يقول :

أخي سال أسمع ما أقول لك ففكرك ديره والذهن ليا
أراك اليوم في زهو ولهو ولاتدري بما قد حل فيا
بنو قيس قد وقعوا بخلف وجساس نوى يركب عليا
فقوم وشد عزمك يا مهلهل لأنك أنت جبار عتيا
والا راحت البلدان مني وصرنا معيرة عند البريه

( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ضحك الزير حتى استلقى على ظهره فقال كليب وماهو ضحكك قال لقلة عقلك قال انا قليل العقل قال لو لم تكن قليل العقل ماكنت تكلمت بهذا الكلام بعد ان نظرت القصر وهو أمامك قال ومايكون هذا القصر قال هذا القصر قد بنيته من رؤس السباع الذين قتلتهم بثأر الحمار ومع كل ذلك أنت ملك عظيم وصاحب ولايات وأقاليم فكيف تقول انك خايف وفزعان وأخوك الزير فارس الفرسان فكن في أمان وإطمئنان من نوائب الزمان فان كنت بثأر الحمار الذي ليس له قدر ولامقدار قد بنيت قصرا من رؤس السباع الا أبني من رؤس الاعادي مدائن وضياع وقلاع وحصون فاذهب بالسلامه ولاترتاع ثم أجابه على شعره يقول :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل أنا لي في الحرب عزما قويا
سباع الغاب خافت من قتالي وتخشاني ولم تقدر علّي
فاذهب يا كليب ولا تبالي واحكم بالقبائل بالسويه
فأن جارت بنو بكر وخابت فلا أترك منهم يا أخي بقيه

فلما سمع كليب شعره أحتار من فعله وندم على مجيئه ثم كرر عليه السؤال وطلب منه أن يسير معه خوفا من حدوث أمر من الامور فقال الزير سر أنت أولا وأنا سأتبعك فيما بعد فقال لماذا لاتسير الآن قال لاخفاك لما حضرت الى هذا المكان قتلت جميع السباع ماعدا سبعين أو ثلاثة فمتى قتلتهم أدركتك في الحال الى الاطلال فعند ذلك ركب كليب جواده وسلم أمره للواحد القهار الى أن وصل الى تلك الدار وهو قلق وافتكار هذا ماكان من أمر كليب ويرجع الكلام والسياق الى سعاد الشاعرة الساحرة الماكرة فإنها لما اثارت الفتنه بين القوم وصار لها عند بني مرة ذلك القبول وجميع كلامها عند جساس مقبول أخذت طاسة من الفضه وملأتها من المسك والزباد والعطر وخففت الجميع مع بعضه البعض وعمدت الى ناقتها الجربانه وأخذت تطلي أجنابها وتدهنها بذلك الطيب وأمرت بعض العبيد أن يأخذها الى المراعي ويمر بها قرب صيوان جساس في الصباح والمساء وأوصته إذا سأله أحد عنها وعن سبب رائحتها يقول لا أعلم وانما مولاتي تعلم فأخذ الناقه ومر على ذلك المكان فعبقت رائحة الطيب فاستنشق جساس الرائحه وكانت ذكيه جدا فتعجب وكان قد نظر الى العبد وتلك الناقه فأمر بإحضار العبد وكان يظن تلك الرائحه عابقه منه ولما أحضر وإذا رائحته كريهه جدا فسأله عن تلك الرائحه فقال من الناقه فازداد تعجبا وسأله عن سبب ذلك فقال لست أعلم يا مولاي إنما مولاتي سعاد الشاعرة تعلم ذلك فقال جساس هذا غريب فاستدعى العجوز اليه فحضرت ثم سألها عن قضية الناقه فتنهدت من فؤاد موجوع وقالت لاخفاك أطال الله عمرك وابقاك ان هذه الناقه من سلالة ناقة صالح وفيها خواص غريب يا أبن الاجواد فان بعرها من المسك وعرقها من الزباد فتعجب جساس غاية العجب وقال في نفسه تبارك الله رب العالمين فلا بدلي من أخذ هذه الناقه فافتخر بها على جميع الملوك فقال لها هل تبيعني أياها يا حرة العرب وأنا أعطيك مهما تطلبيمن الفضه والذهب فلما سمعت كلامه بكت ولطمت وجهها وقالت والله هذا الحساب الذي كنت أحسبه فأني ما هاجرت
من بلادي الا لاجل هذه الناقه وكلما نظرها امير أو ملك يطلبها ومادام الامر كذلك فأني سأرحل من عندك ثم بكت من قلب حزين وأنشدت تقول :

تقول سعاد من قلب موجوع سقاني الدهر كاسات الحمام
ضنى مني الفؤاد وغاب نومي عمى بعلي وقد زادت سقامي
انا حرمة لي يد قصيرة ولا لي قيمه بين الانام
وهذه ناقتي قد شتتني عن الاوطان يا ابن الاكرام
فكم من سيد جاء يشتريها فما نالوا بها نيل المرام
وقد جينا لكم والتجينا وقلنا قد حطينا بالسلام
وانت تريد أن تأخذها مني فعاد رجوعنا أشهى المرام

فلما فرغت من كلامها أخذ جساس يعطف بخاطرها ويقول لها ان كلامي معك هو على سبيل المزاح فناقتك مباركة عليك وأنت المعزوزة عندنا فقالت من حيث ذلك أريد أن تجعل ناقتي دون باقي النوق والجمال لانها قد تربت بالدلال وأريد مرعى لانه البق بها فقال أرسلها الى المراعي مع نوقي وجمالي فقالت انها لاتأكل الا من الرياحين وزهر البساتين فقال انه ليس لنا كروم ولا بساتين قالت وهذه الكروم التي بجانب القبيله من هو صاحبها قال هي لابن عمي كليب زوج أختي الجليله وهمام متزوج أخته ضباع قالت مادام انكم اهل واقارب وانت ملك نظيره فلماذا يكون كليب أعظم منك فقال انه من بعد قتله الملك تبع عظم أمره وانتشر ذكره وتملك على البلاد وطاعته العباد فلما سمعت هذا الكلام قالت والله لقد أخطأت وبئس مافعلت فأني تركت البحر وجئت الى الساقيه وتعلقت بالذنب وتركت الرأس فاغتاظ جساس وحس وقال مامعنى هذا الكلام ياحرة العرب فانك قد خرجت عن دائرة الصواب وباديتنا بقلة الادب أهذاء جزاء المعروف والاحسان فقالت لاتغضب ولاتغتاظ وماقولي هذا الا من سبيل المحبه فكيف يكون ابن عمك وصهرك وزوج أختك ويملك على هذه الاراضي العظيمه وانت ليس لك قدرولاقيمه أهكذا يكون الاهل وابناء الاعمام ايها الملك الهمام فقال جساس وذمة العرب وشهر رجب لقد تكلمت بالصواب وان من الان وصاعدا لست أحسب له أدنى حساب لانه قد اعتز وتمرد ولا عاد يحسب حساب أحد وانا لابد لي أن أطالبه أن يقاسمني على املاك المملكه والا القيه في التهلكه فروحي واطلقي ناقتك لكي ترعى في احسن البساتين والمراعي ثم أنشد وقال :

يقول جساس شعرا من ضمايري فدمع عيني على الوجنات طاف


الجزء الرابع

والنار في مهجتي قد أحرقت كبدي من جور قوم ما لهم أنصاف
قولك صحيح ما لنا عندة قيمة ولا كلام ونحن من الاشراف
سبعة أقاليم ملك تبع حازها وعلى المدائن والقريات طاف
والكرام والنخل والآثمار جمع حاز الجميع من البلدان والآطراف
روحي ياسعاد خلى ناقتك ترعى بين الروم ولست منة أخاف

(قال الراوي ) فلما انتهى جساس من شعرة ونظامة فرحت العجوز وانشرح صدرها فقبلت يدة وخرجت من عندة وقالت لعبدها خذوا هذة الناقة واتركوها ترعى في البستان المعروف بحي كليب واجعلوها تهدم الحيطان وتقطع الاشجار وتاكل
الاغصان واذا اعترضكم فاشتموة وسبوة واذا أقتضى الامر اقتلوة ولا تخافوا سمعا وطاعة ثم أخذوا الناقة وساروا بها الى ذلك المكان .
(قال الراوي ) وكان هذا البستان كأنة روضة جنان كثير الاشجار والفواكة والاثمار وكان كليب قد اعتنى بة حتى صار من احسن منتزهات الدنيا وكان لايسمح لاحد ان يدخل الية سوىهو وعيالة فقط فلما أخذت العبيد الناقة دخلوا بها بعد ان هدموا الحائط وصاروا يقلعوا الزهور ويكسروا أغصان الشجر وكانت الناقة تأكل العريس وأثمار الكرم وكان كليب قام حارسا يحرسة اسمة ياقوت فلما نظر الحارس تلك الفعال هجم على العبيد بالعصا وقال لهم اخرجوا ياكلاب من البستان قبل أن يحل بكم الهوان فشتموة وسبوة ثم ضربوة فهرب من بين أيديهم وجاء الى كليب وأعلمة بواقعة الحال فاغتاظ غيظا شديدا وجاء الى ذلك المكان ومعة أربعة غلمان فراى العبدين أحدهما جالس على سريرة أي الذي كان يجلس علية وقت النزهة والآخر دائر مع الناقة بين الكروم والزهور وهو يسب الامير كليب ويشتمة فعند ذلك تراكضت غلمان كليب على العبيد لتقبض عليهما فتركا الناقة وهربا فأحضرت الغلمان الناقة أمام كليب فأمر بذبحها فذبحوها وطرحوها خارج البستان وكانت عبيد العجوز تراقب عن بعد ما يجري على الناقة فلما شاهدوا ما كان م امرها رجعوا على الاعقاب وأعلموا مولاتهم
بما جرى وكان وكيف أن غلمان كليب ذبحوا الناقة بامر مولاهم وطرحوها خارج
البستان فقالت الآن بلغت مرادي وأخذت ثاري من الاعادي ثم أمرت العبد أن يسلخ الناقة ويأتيها بجلدها فسلر العبد وسلخها اليها وقامت من وقتها ووضعت التراب على راسها وشقت ثيابها مع بناتها وعبيدها وجواريها وأخذت جلد الناقة وسارت بها لعند الامير جساس فدخلت علية وهو في الديوان مع الاكابر والاعيان وصارت تندب وتبكي وألقت الجد بين يدية فقال ملامك أيتها العجوز وما الذي أصابك •~u^ûé•~u^ûé
S•~u^ûé
S'~uŒ"> 

(قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلامها استعظم جساس تلك القبضة وعصفت في راسه نخوة الجاهلية وقال للعجوز أذهبي بأمان فأنا أعرف شغلي فذهبت الى خيامها واستبسرت ببلوغ مرامها ثم التفت الامير جساس الى من حولة من الامراء وأكابر الناس أنظروا ما فغلة ابن عمنا في حقنا وهو صهرنا فقد أهاننا بهذا العمل وأنا لابد لي أن أستعد لقنالة في هذا اليوم فاما أن أقتل أو أبلغ الامل فقالت لة أكابر
العشيرة تمهل يا امير فانة لربما لايعلم أنها ناقة نزيلك ومن الصواب أن ترسل لة كتابا على سبيل العتاب وتطلب منة ثمن الناقة وتنظر مايكونجوابه فان أرسل الثمن واعتذر كان خيرا وان أبى وامتنع فحينذ تفعل ماتريد فاستصوب جساس هذا الرأي
وكتب الى كليب يعلمة بذلك الحال ويطلب منة ثمن الناقة وأرس الكتاب مع عبدة ابو يقظان فأخذ يقظان الكتاب وفي طريفه مر على تلك العجوز أخبرها با القصة فترحبت بةولاطفته بالكلام وقدمت لة الطعام ثم أخذت تسقية المدام جتى سكر وغاب عن الصواب فعند ذلك فتشنة في ثيابه حتى عثرت بذلك الكتاب فقراته فوجدته كتابا
بسيطا خاليا من التهديد والوعد والوعيد وأضافت اليه كلاما مغيظا وهي هذه الابيات

أمير كليب الآعارب أيا ابن العم لاتكبر علي
فلازم أذبحك في حد سيفي وأنت شيبة حرمة أجنبية

ثم طوت الكتاب ووضعته في مكانة وقام العبد فنهض وركب جواده وصار حتى وصل ديوان الامير كليب ودخل عليه وقبل الارض بين يديه وناوله الكتاب فأخذه وقراه ولما وقف على معناه أغتاظ غيظا شديدا وأراد أن يقتل العبد ولكنه كان رجلا عاقلا موصوفا بالحلم والحزم فأطرق رأسه الى الآرض وتفكر قليلا قال في سره لعل الامير جساس كتب لي هذا اكتاب وهوفي حاله السكر غائب عن الصواب فمزق الورقة وأمر بضرب العبد فضرب وقال له اذهب ياابن اللئام الى عند مولاك بسلام والا سقتيك كأس الحمام فقام وهو أخر رمق وركب حصانه وسار الى عند جساس وقال له انه بحال ما قرا الكتاب مزقه وأمر بضربي وقد شتمك وسبك وهذا الذي تم وجرى .
(قال الراوي ) فلما سمع جساس هذا الكلام صار الضيا في عينيه كا لظلام فنهض في الحال ودخل الى الخزانه السلاح ولبس ألة الحرب والكفاح وركب ظهر حصانه وأنحدف الى صيوانه وصاح على أبطاله وأخواته وفرسانه فجاؤا اليه ودادروا حواليه فأعلمهم بواقعة الحال وما جرى بينه وبين كليب من النزاع والجدال وقال لهم استعدوا لقتال بني تغلب الانذال وأخذ يكلمهم بهذا الشعر والنظام :

يقول جساس نار القلب مشتعلة على الضمائر ياقوم لها لهيب
ياقومنا اسمعوا قولي وأصغوا قول صحيح بلا تكذيب
كليب خلى كال أحوالنا عبر حكم البلاد مشارق ومغيب
وليس يحسب لنا قدر ومنزلة الكل عندهم غنم وهو بينهم ديب
ناقة نزيلي ذبحها ما ما خشى أجدا أجرى الىدمها شبة الآنابيب
انت عجوز فألقت جلد ناقتها بعد مابكت بدمع سكيب
تنهدت ثم قالت يا ولدمرة ابن عمك كليب عليك يعيب
هكذا كليب يفعل بنزيلك مالك قيمة عندة ولاترحيب
فقلت لها اصبري ياعجوز علي فأنالك منة ثمنها أجيب
أرسلت له أبو اليقظان عندي بكتاب مافيه أسا ولاتعذيب
شق الكتاب وأرمى العبد بضربه ومن كثرة الضرب ما أظنه يطيب
أترضون المذلة ياأهل قومي الذل لايرضاه سوى كل معيب


(قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وعرف قومه فحوى قصده ومرامه فما أحد طاوعه على هذا المرام وقالوا له عن فرد لسان بئس هذا الرأي وهل يجوز لنا ياأمير لاجل ناقة حقيرة تقاتل ابن عمنا الامير كليب ونرفع في وجهة السلاح بعد أن صاننا وحمانا بسيفه وقتل الملك تبع حسان واستولى على الاقاليم والبلدان وجعل لنا ذكرا عظيما في قبائل العربان على طول الزمان فان كان لك عليه دم أو ثأر فدونك واياه فلا تطلب منا مساعده ولانجده فلما سمع كلامهم تركهم وقصد بيت العجوز ولما اجتمع بها قال لها لقد جئت اليك لارضيك بالعطايا خوفا من ازدياد الشر ووقوع البلايا فاطلبي ثمن ناقتك لاعطيك اياه ولو كان مهما كان قالت بالنجوم
اريد واحد من ثلاثه اشياء قال وما هي قالت اريد اما ان تملا جحري بالنجوم او تضع جلد الناقة عاى جثتها لتقوم او راس كليب بالدماء يغوم فقال لها ملىء حجرك بالنجوم او ان الناقة تعيش وتقوم فهذا لايقدر عليه الا الحي القيوم أما راس كليب فابشري به ثم قوم السنان وأطلق العنان وقصد حي بني قيس فقالت العجوز لعبدها سعد
خذ هذا السكين والمنديل الابيض واتبع جساس من وراءه فاذا رايته قتل كليب فأسرع أذن والطخ هذا المنديل
من دمه فمتى فعلت ذلك فاني أطلقك لوجه الله تعالى فامتثل أمرها وتبع أثار جساس اما جساس فلم يزل سائرا حتى وصل الى قصر كليب وسأل عنه فقالت له أخته الجليله قد ركب الآن وهو يطبع مهره في وادي الحصا والجندل فقصده حتى التقى به وهو يطبع مهره وكان كليب بدون سلاحولم يكن معه سوى خيزرانه فقط وكان كليب دائر ظهره الىجساس لانه كان من عادته دائما انه لايلتفت في الحرب الى أقل من مائة فارس فأراد جساس
ان يغدره من قفاه فما طاوعته يده على ذلك مهابة ووقارا فلما وصل وسلم عليه فرد عليه السلام فراه متسربل
بالسلاح فاستعظم كليب الامر وقال علامك يا ابن عمي أراك بالسلاح الكامل قال مرادي الصيد والقنص لكنني لما التقيت بك أعرجت اليك لاسالك سؤالا واحد واعاتبك على ما فعلت فهل كان لك بساتين وكروم ونحن ما لنا شيء
أتت عندنا عجوز شاعره مع بعل لها أعمى ورعت ناقتها في بستانك على تجاهنا فكيف تقتلها أما عندك قيمه
ولا أعتبار بهذا المقدار فضرب كليب كفا علىكف من شدة الاسف وقال والله يا ابن عمي ما عرفت أنها ناقة
ونزيكلك ثم ذكر عن سوء ادب الرعيان وما فعلوا من الضررفي لبستان ومع كل ذلك فاني أعوض واعطيها أربع مائة ناقة واذااردت أكثر فأعطيها ولا يكون ذلك
سببا للنزاع والخصام بيننا فأننا أولاد أعمام وأصهار فقال جساس على سبيل الخداع أني سأرضيها وهو قاصد قتله ثم قال له مرادي أن ألعب معك سابقين
بالجريده فقال كليب ياجساس أنت راكب ظهر القسيرة وأنا راكب مهر جاهل فقال أنا أسوق أمامك والمهر يسبق الفرس فساق جساس الفرس فتبعه كليب حتى حكمت تحت يمينه وضربه فأصابت ظهره فقلبته عن ظهر الفرس فانحدر الدم من فمه ومنا خيره فقال كليب قم يا ابن العم فأن كنت لاتريد أن تلعب غير هذه الجريده
فاصرع واضربني بها فيتتهي الحال ثم نزل كليب عن ظهر المهر ومشى أمامه أما جساس فانه قد تألم بهذا القدر حتى أنه لم يعد تمكنه القيام واذا بعبد العجوز أقبل اليه وجذبه من يده فأوقفه وقال والله انك من أحقر الرجال ثم أعلمه بحال وكيف العجوز أرسلته خافه لاجل تلك القضيه فتحمس جساس ونهض ومسك له العبد الركاب فركب ثم تقدم نحو كليب وهز في يدة الرمح وطعنه في صدره خرج يلمع من ظهره فوقع على الارض يختبط بدمه فبكى كليب ملء عينيه ودمعه يسبل على خديه فلما راه جساس علىتلك الحال ندم وتأسف على مافعل فتقدم اليه وقبله في لحيته وعارضيه وضمه الى صدره ووضع رأسه على ركبتيه وقال سلامتك يا ابن اعمي يا ابا اليمامه فقد حلت بي الندامه فوالله أني فعلت ذلك بدون عقل ولاتميز فسامحني على هذا الارتكاب القبيح فأجابه كليب على حلاوه الروح وقال هذا حكم الاله المتعال ماكان أملي منك أ، تباديني بهذه الفعال وتشمت في الاعداء والانذال وتفرق بيني وبين اليتامى والاطفال وما بكائي على مال ولانوال وانما بكائي على اليتامى ولكن لهم رب لايغفل ولاينام وابكي على غدرك فانك قتلتني بالغدر والعدوان ولست من أقرني في الميدان ولا في ملتقى الفرسان ولكن سيجازيك العادل الديان وسوف ترى ما يحال بك من الهون ولاأظن بأنه يصفي لك الزمان بعد الآن فقم واذهب الى الخيام وأقرى الايتام مني جزيل السلام ولكن اسقني قبل رواحك شربة ماء لان قلبي قد احترق من الظمأ وأشار بهذه القصيدة يقول

يقول كليب اسمع يا ابن عمي أياجساس قد أهرقت دمي
أيا غدار تطعني برمح ولست انت في الميدان خصمي
واشمت الاحاسد والاعادي وباتت اخوتي تبكي وامي
على ناقه تقتل ابن عمك أمير كريم من لحمك ودمك
بيوم الضيق كان يزيل همك ويردي الضد في يوم النزال

(قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ونظامه فخاف جساس وأصفر لونه وارتعش قلبه وقال والله يا ابن عمي لايعرف الانسان ماذا مقدر عليه ثم انه رفع راسه عن ركبته واتى له بماء فأسقاه ثم ركب وتركه وخلاه وهو يركض وياتفت وراءه قاصدا أهله وحماه وأما عبد العجوز فانه بعد ذهاب جساس تقدم ليذبح كليب
حسب ما أمرته العجوز فلما أقترب منه وجده يجود بنفسه وهو على أخر رمق فتامل فيه العبد فوجده ذات هيبه ووقار ووجهه يتلآلا بالانوار فتاخر عنه وخاف منه فنظر اليه كليب ففاق من حلاوة الروح وقال له من أنت وما هو قصدك ومرامك فاعلمني بحالك فقال له لاخفي عنك أنا عبد التبع اليماني فلما قتلته أنت حضرت أخته سعاد العجوز الساحره الى هذه البلاد لتأخذ بثأره منك وتطفي لهيب نارها وهي التي القت الفتنه بينك وبين ابن عمك حتى قتلك وأرسلتني لاذبحك وأخذ لها
أثر من دمك فقال كليب لقد صدقت فقد ذكر لي تبع هذا الكلام ونفذ قوله الآن
بالتمام وهذا تقدير رب الانام فأريد منك ياعبد الخير قبل أن تذبحني تفعل معي هذا الجميل وهو أن ترميني بالقرب من هذه البلاطه القريبه من هذا الغدير لاكتب وصيتي الى أخي سالم الزير واوصيه بأولادي ومهجة كبدي وبعد ذلك أفعل ماتريد
فسحبه العبد الى قرب البلاطه والرمح غارس فيه والدم يقطر من جبنه فبكى كليب
وتفكر وهو يتأمل على ما أصابه ويتحسر ثم اخذ بيده عودا وغطه في الدم وانشد
يقول :
هديت لك هديه يامهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاه
أول بيت أقوله أستغفرالله أله العرش لايعبد سواه
وثاني بيت أقول الملك لله بسط الآرض ورفع السماء
وثالث بيت وصي باليتامى واحفظ العهد ولاتنسى سواه
ورابع بيت أقول الله اكبر على الغدار لاتنسى أذاه
وخامس بيت جساس غدرني شوف الجرح يعطيك النباه
وسادس بيت قلت الزير أخي شديد البأس قهار العداه
وسابع بيت سالم كون رجال لآخذ الثار لاتعطي وناه
وثامن بيت بالك لاتخلي لاشيخ كبير ولافتاه
وتاسع بيت بالك لاتصلح وأن صالحت شكوت للاله
وعاشربيت أن خالفت قولي فأنا وياك الى قاضي القضاه

ولما انتهى كليب من كلامه التفت الى العبد وقال له افعل الان ما تريد فقال والله ياأمير ما تستحق الا كل خير وان يدي لاتطاوعني على ذبحك قال اذبحني لانني في ألم شديد وعن قريب تأتي أخوتي وباقي الرجال والحريم فعند ذلك اخرج العبد السكين وانحنى عليه وذبحه من الوريد الى الوريد ولوث المنديل بدمه ورجع الى عند سيدته فأعلمها بقتل كليب وأراها دمه ففرحت فرحا شديدا وصبرت الى الليل ثم حملت وسافرت بمن معها من تلك القبيله سرا حتى لايعلم بها أحد وقالت لقد أخذت الان ثأري وطفيت لهيب ناري هذا ماكان منها واما جساس فانه لما رمى كليب وولى هارب سار حتى وصل الى قومه وهو في خوف عظيم أصفر اللون متغير الكون فقال أبوه مرة اين كنت قال كنت في البريه فالتقيت بابن عمي كليب فقتلته وزال همي وغمي فلما سمع مرة هذا الخبر تبدل صفو عيشه بالكدر وقبض على جساس من ذراعه كا يخرج روحه من بين جنبيه وقال ياعديم الزمان ويا أخبث الانام اتقتل ابن عمك وهو من لحمك ودمك لاجل ناقه حقيرة وصاحبتها سائله فقيرة فماذا تقول العرب يا غدار اذا سمعت عنك هذه الاخبار فقد اجلبت علينا الاذى والضرر وفضحتنا بين البشر ومازال يوبخه ويلطمه من خلف وقدام حتى جاءت أخوته اليه وخلصوه من بين يديه وهم يعنفوه ويسبوه ويشتموه ماعدا الامير همام فانه كان عند الزير في تلك الايام يتنادمان ويشربان المدام على بير السباع كما تقدم الكلام وليس عندهما خبر بهذه الامور والاحكام ثم التفت مرة على أولاده وقال لهم لقد حلت بنا المصائب من كل جانب فما الذي عاد يخلصنا من الزير ليث الوادي وقهار الاعادي فوالله ليقطع آثارنا ويعجل في دمارنا ثم أنه بعد هذا الكلام أشار يقول :

يقول أمير مرة من قصيد بأن العار مايمحوه ماح
جنيت اليوم يا جساس حربا علينا في المسا والصباح
وقدت النار في بكر وتغلب يعم لهيبها كل النواحي
أيا جساس تقتل ابن عمك كليب البرمكي ليث البطاح
أمير ما كان له مثيلا شديد البأس في يوم الكفاح
ايا جساس من قتل ابن عمه يبيت الليل يسهر للصباح
فسوف ترى بما جرى بنا اذا برز المهلهل للكفاح
فيسلب مالنا قهرا وغصبا بأطراف العوالي والصفاح

( قال الراوي ) فلما فرغ من هذا النشيد أجابه جساس بهذا القصيد وعمر السامعين يطول :

تأهل مثل أهبه ذي الكفاح فان الامر زاد عن التلاحي
فأني ان جلبت عليك حربا فاني ليث حرب في الكفاح
فكيف عن الملام فلست أخشى بيوم الحرب من طعن الرماح
وأني حين تنشر العوالي أعيد الرمح في أثر الجراح
تعدت تغلب ظلم علينا بلا ذنب يعد ولاجناح
ومالي همه ايدا قصد سوى قتل العدى يوم الكفاح

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلامه قال أبوه سوف ترى ما يحل بنا من البلاء والويل من سيف المهلهل فارس الخيل ثم صار يبكي ويتأسف ويلطم كفا على كف ثم قال لأولاده الرأي عندي أن نكتف جساس ونرسله الى الزير وأخوته ليقتلوه بثأر كليب وبهذه الوسيله تزول الفتنه وتطفي النار وتزول الاحزان والاكدار فان المصيبه عظيمة وعاقبتها ذميمه وخيمه فقالت اولاده ماهذا الكلام يابانا فهل بعد كليب غير جساس يليق أن يكون ملكا فأن كنت تحسب جساب المهلهل فما هو الا كالاهبل وليس له داب الا اكل الكباب وشرب الشراب وقال مرة العياذو بالله من كيد الشيطان الرجيم ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ثم قال لاولاده وان اخيكم همام له عند الزير مدة ايام فنخاف ان يعلم الزير بقتل اخيه فيقتله ولا يبقيه .

( قال الراوي) وكان لهمام جاريه اسمها رباب فاستعاده مرة اليه وقال لها اقطعي البقاع وسيري الى بير السباع واعلمي همام سرا بما جرى وتجدد قولي له ان يرجع بالعجل خوفا من ان يقتل فسارت الجاريه حتى وصلت الى هناك فوجدت الزير وهمام على سفرة الطعام وهما بالكلام ويشربان المدام ويتحدثان بالكلام فلما رآها همام وثب اليها وقال ما دهاك قالت سر طويل وحزن وعويل ثم أعلمته سرا بواقعة الحال وطلبت منه المسير الى الاطلال فلما وقف على حقيقة الاحوال اعتراه الانذال وغاب عن الصواب وتبدل انشراحه بالحزن والاكتئاب فلما طال بينهما الحديث والخطاب خرج الزير من بين الاطناب كأنه اسد الغاب فوجدهما يتكلمان سرا ويميان عليه فعظم الامر لديه فسل الحسام وقال ماهو الخبر ياهمام فاني اراكم في قلق واهتمام واشار يقول :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل أحس النار في قلبي لهيب
فقلبي موجع والجسم ناحل ولا القى الى جسمي طبيب
وشاب الراس مني والعوارض فاني صرت في حال عجيب
وافكر في الزمان وشؤم فعله وهذا الدهر يتقلب قليب
ايا همام الا يا ابن عمي فمالك خائف واقف رعيب
فما ابصر الحرمه تقول لك تناديك وانت لها تجيب
اراكم تكتموا الاسرار عني كأني بينكم رجل غريب
اراكم في حديث وفي وشاوش وبين ذا وذا امر عجيب
فلا تخل الامور من الحوادث يا همام اعلمني تصيب
والا افتحوا لي الباب حتى اروح عني بدا قلبي يطيب

( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره أجابه همام يقول :

يقول همام اسمع يا مهلهل فدمعي فوق الخدود سكيب
وناري بالحشا قد أحرقتني أحس لها طي الفؤاد لهيب
أقول أنت تسمع يا مهلهل بأنك صاحبي نعم الحبيب
فما نحن في وشاوش لاوانت بيننا رجل غريب
انا واياك في طرب ولهو ولا تحسب حسابات الحسيب
جعلنا يا فتى نيت جملكم جرى دمه على نحره سكيب

فلما سمع الزير هذا الشعر توقد قلبه بلهيب الجمر وأجابه يقول :

يقول الزير يا همام اسمع ان ابن عمي لي نسيب
فما لك علم في وقتك كله ولا في القضيه لك طليب
فقم اذهب الى اهلك يا نسيبي بلا تطويل من قلب المعيب
فتأتي أخوتي ثم يقتلونك ويدعونك على الغبرا كثيب
فما أقدر أن أحميك منهم وانت محب ايا نعم الحبيب
فلو جينا ما عيش أكلنا وكاسات شربناه بطيب
لكنت أمد يدي تحت سيفي وآخذ ثار أخوي عن قريب

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا الشعر والنظام قال لهمام انت من دون بني مرة نديمي وصديقي وزوج أختي ورفيقي ليس عندك علم بهذا المنكر فلا تخاف ولاتفزع فقال همام لقد جرى القلم يا ابن العم والذي مضى ما بقى يرجع فأما تقتلني عوض عن أخيك أو تأخذ منا ما يرضيك وترفع عن الحرب والقتال وتتركنا نبقى في الاطلال فو الله صعب على هذا الامر والتهب قلبي بنار الجمر لما سمعت بهذا الخبر المهول فلا كان جساس المهار قال الزير وحق من يعرف الغيب وروح أخي كليب أني لا أرفع السيف عنكم حتى اشفي غليلي منكم ثم أقتلكم عن بكرة أبيكم وأهتك النساء والبنات وأجعلكم مثلا بين الناس ولو لم تكن زوج أختي وسميري ما كنت أعلمتك بما في ضميري بل كنت قتلتك في الحال وأورثتك النكال فسر الان الى الاطلال ولاعدت تريني وجهك في الحرب والقتال فلما سمع همام ذلك الكلام ركب ظهر الحصان وأوما الى ابنه شيبان الذي الذي كان معهما في ذلك المكان ان يسير معه الى تلك الاوطان فامتنع عن المسير وقال سأيقى مع خالي الزير فسار همام وقد عظم عليه الامر وهو ينقض غبار الموت عن منكبيه حتى وصل الى حلته واجتمع بأبيه وأخوته وأخذ يلوم جساس على فعله وكيف انه تجاسر على كليب وقتله وأعلم قومه بما عزم الزير فخاف الكبير والصغير وأيقنوا بالهلاك والتدبير واستعدوا من يومهم الى الحرب والكفاح وجمعوا آلات الحرب والكفاح هذا ماكان على بني مرة وأما الزير صاحب الشجاعه والقدره فانه بعد ذهابه الى الديار اشتعلت بقلبه لهيب النار واعتراه الاصفرار فصار يلطم وجهه في يده وقد عظم الامر عليه حتى رقصت شعرات شاربيه ومع ذلك لم تنزل من عينيه دمعه لانه كان من الجبابرة السبعه وكان يقول وحق رب العباد لابد ان افتك ببني بكر الاوغاد واقتل الشيوخ والاولاد ولما طال المطال وهو على هذا الحال قال له شيبان بن همام دع عنك هذا الكلام واشرب المدام فانك عاجز يا خال عن هذه الفعال فمن انت من الابطال حتى تتكلم بهذا المقال وتتباهى على الامراء واكابر الناس كأبي همام وعمي جساس ثم انشد اليه يقول وعمر السامعين يطول :

انشد شيبان وقال في بيوت ودمعي من عيني طال
خالي اسمع ما أقول وحط قولي وسط البال
خلي الهرج ووطي النفس واترك عنك القيل وقال
تقول تكيد بني مرة وتقتل كل الابطال
غدا يا خالي هم يأتوك بخيل كثير ونعم رجال
يظهر خيول عليك تجول ودق طبول كما الزلزال
ونرج الارض بطول وعرض ترحوا قتلي بضرب صقال
يجيء جساس قوي الباس كذا العباس زكي الحال
وياتي عمر بخيل ضمر وصفر ونمر وابو جفال
يجي ملك القوم كان بيوم الكون كسبع صال
وأخي شيبون بطل مجنون وابي همام ان جال ومال
وتاتي الشوس وكل عبوس يخلوا الروس تلال تلال

فلما انتهى شيبان من كلامه أجابه الزير على شعره ونظامه :

يقول الزير أواه أواه يا ابن اختي عقلي زال
يولي غدا الفرسان تجيك يخوفني من أهل أنذال
أتاريك انت عدو مبين كلامك ما خلالي حال
وانا العربيد بيوم نكيد للروس اكيد بطعن وعوال
اكيد الشوس اقطع الروس انا الجبار فغير محال
وبعد كليب لابيع الروح اشلكم بالرمح شلال
وبعد كليب اخلي السيف طول العمر بكم عمال
وبعد كليب سياج البيض ما أعتق منكم رجال
وانت يا ابن اختي اليوم عدت بغير محال
وابوك أغدي سيفي فيه وأعشي الرمح من الابطال

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من انشاده نهض الغلام ليركب على جواده ويلحق بأبيه وأعمامه فضربه الزير بجامه القاه على الارض قتيل وفي دماه جديل ثم قطع عنقه ووضعه في مخلاه حصانه ولفها في قربوس السرج وتركها فسار الجواد حتى وصل الى القبيله وسار الى بيت مولاه فلما رأت أم الولد جواد الغلام وهو في تلك الصفه قالت للجاريه دونك جواد سيدك فتقدمت الجاريه وأخذت المخلاة فوجدت فيها رأس شيبان فاستعظمت ذلك الشان واعلمت بواقعة الحال فطار عقلها لما نظرت راس ابنها مقطوع فضجت بالبكاء والنواح والعويل والصياح فاجتمعت عليها نساء الحي من كل مكان ولما سمع همام الخبر طار من عينيه الشرر فبكى واشتكى وقال لزوجته ضباع نظرت ما فعل أخوك فو الله لم يبق لي غريم سواه فشقت ثيابها وسارت عند أخيها المهلهل ولامته على ما فعل وقالت اتقتل ابن أختك بثأر أخيك ثم أشارت تقول :

تقول ضباع يا سالم علامك بجاه كليب ماسويت بابني
بثأر كليب تقتل ابن أختك وتحرق مهجتي وتزيد حزني
حزنت على كليب وماجرى له وحزني في صميم القلب مبني
ولكن قد حكم ربي مراده وربي ما كتب لي يصيبني

فأجابها الزير بهذه الابيات :

يقول الزير من قلب حريق بقتل كليب زاد اليوم حزني
الا يا أخت قلي من بكاك ولا تخشين من أمر يعبني
فو الله ثم والله ثم والله اله العرش منذ ادعو يجبني
فلا بد لي من حرب الاعادي وقتل كل جبار طلبني

فلما فرغ الزير من كلامه قالت له الله درك ياسالم ياقهار الاسود القشاعم لقد زالت لوعتي الان وخفت عني الاحزان لما سمعت شعرك يافارس الفرسان وعرفت ما انت معول عليه من الحرب والطعن وأخذ الثأر وكشف العار ثم رجعت الى الديار وهي في قلق وافتكار هذا ماكان من امره

( قال الراوي ) ولما اشتهر موت كليب ووصل الى ابنائه الخبر وعلمت بذلك جميع أهله وبناته فمزقوا الثياب واكثروا من البكاء والانتحاب فتهتكت لوجه الملاح ووقع في الحي العويل والصياح وكسرت الفرسان السيوف والرماح وخرجت بنت كليب من الخدور وهن مهتكات الستور نشرت الشعور حافيات الا الاقدام يقطعن السهول والاكام وقدامهن اختهن اليمامه وكان ذلك اليوم مثل يوم القيامه ولما وصلن اليه وجدن الطيور حائمات عليه فوقعن على جثته وقبلن يديه وارتمين حواليه ولما قرأنا ذلك الشعر الذي كتبه على الصخرة زادت احزانهن واخذن يلطمان على وجوههن ثم اقبلت اخوة كليب الى ذلك المكان وازدحمت الرجال والنسوان والابطال والفرسان والسادات والاعيان يرثوه بالاشعار واجروا لهيب نارها سوء البطل الاوحد والسيف المهند والصحصاح الشهير الذي ليس له في ذلك العصر نظير عمها المهلهل الملقب بسالم الزير فسارت هي واختها اليها وتوقفت عليه فقالت والله ياعماه مكانك حزنان بما جرى علينا وكان من طوارق الزمان يقتل اخيك ملك العصر والاوان ثم القت نفسها غميانه في حجره وضعن على جثته وقبلن يديه وارتمين حواليه ولما قرأنا ذلك الشعر الذي كتبه على الصخرة ز ] —C—C –C–C'~u•~u^ûé
S•~u^ûé•~u^ûé
S•~u^ûé
S'~uŒ•~u^ûé
S•~u^ûé
S"~u"~uينيه ويقول سلامتك ياأمير اليمامه ياصاحب الجهه والكرامه فقد احرقت قلبي بفقدك فلا كان من عيش بعدك ولما اشتد عليه الامر ارته اليمامه وصية أخيه المكتوبه على الصخره فقرأها وقال وحق الاله المتعال اني لا اصالح الى الابد مادامت روحي في هذا الجسد ثم بكى وتنهد ورثاه بهذه القصيده أم السادات واكبر العمد وهي من أجود مراثي العرب واحسن الاشعار أهل الفضل والادب :

كليب لاخير في الدنيا وما فيها ان انت خليتها لم يبقى واليها
فيها تنعي النعاة كليبا فقلت له مالت بنا الارض أم مالت رواسيها
ليت السماء على من تحتها وقعت حالت الارض فاندكت أهاليها
الناحر النوق للضيفان يطعمها والواهب الميتة الحمراء براعيها
الحلم والجود كانا من طبائعه ماكل اللطافه ياقوم تحصيها
ضجت منازل بالخلان قد درست تبكي كليب نهار مع لياليها
كليب اي فتى زين ومكرمة تقود خيلا الى خيل تلاقيها
تكون اولها في حين كرتها وانت بالكر يوم الكر حاميها
غدرك جساس ياعزي ويا سند وليس جساس من يحسب تواليها
لا أصلح الله منا من يصالحهم حتى يصالح ذيب المعز راعيها
وتوالد البغله الخضرا خدالجه وانت تحيا من الغبرا تاليها
ويحلب الشاة من اسنانها لبن وتسرع النوق لاترعى مراعيها

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا المرثيه الغراء وسمعته السادات والامراء تعجبوا من فصاحة لسانه وقوة قلبه وجنانه ومااحتوة اليه من الالفاظ الرقيقه والمعاني البليغه الدقيقه وقالوا والله لقد جاد سالم الزير وفاق على الاشعار والمشاهير بهذا الكلام الذي هو كالدر النظير ثم اجتمع الامراء المقدمين وقالوا للعرب المجتمعين انها ماعاد ينفع البكاء والانتحاب وان اكرام
الميت دفنه في التراب ثم أتوبكليب الى الديار ودفنوه بكل أحترام واعتبار واحتفال ووقارو رثوه
بنفائس الاشعار وبنوا على قبره قبه من أعظم القبب وطلوا حيطانها بالذهب والفضه فكانت من العجب في بلادالعرب زخرفوها بالنقش الفاخر كتبوا على حيطانها اسماء الاله القادر .
(قال الراوي ) وبعد أن تلو أسماء الاله القادر وسمعتها السادات ورؤساء العشائر دفنوا الامير
كليب كما تقدم الكلام ذبح الزير على قبره النوق والاغنام وفرق المال والطعام على الارامل
والآيتام ثم جلس في الديوان وجميع الآكابر والآعيان وأبطال الميدان والفرسان واخوانه الشجعان وقال أعلموا أيها الآمراء والساده الكرام أن جساس أهانكم وقتل ابن عمكم وملككم
فاستعدوا لاخذ الثار وكشف العار من بني بكر الاشرار فلما سمعوا منه هذا الكلام أجابوه الى ذلك
المرام وقالوا عن فرذ لسان أننا بين يديك ولا نبخل بأراوحنا عليك لان الامير كليب لاينتهي ولم تلد ةمثله النساء ثم انهم تحالفوا معه وعاهدوه على الكرسي المملكه وبايعوه واجلسوه فلما تملك على القبيله طرد امراه اخيه الجليله فسارت الى بيت ابيها وجواريها وكانت جليله بولد ذكر سوف يأتي عند الخبر واستعد الزير من ذلك اليوم لقتال القوم وحلف بأعظم الاقسامه بأنه لايشرب المدام ولايلتذ بطعام حتى يأخذ يأخذ ثأره بعد الحسام وينتقم من بني بكر أشد الانتقام
او انه يموت تحت ارجل الخيل ولايبالي بالويل ثم امر الرؤساء والقواد بجمع العساكر والاجناد
وان يكون في استعداد للحرب فامتثلوا امره في الحال وتجمعت الفرسان والابطال حتى امتلات الروابي والتلال وكانت قد انضمت اليه عدة قبائل وامدوه في العساكر والجحافل حتى سار في لأربعمائة الف وقال لما بلغ بني بكر هذا الخبر اعتراهم القلق والضجر وخافوا من العواقب وحلول النوائب فجمعوا المراكب والكتائب وسار بهم الامير الى الذئاب وهومكان شهير يبعد ثلاثه أيام عن قبيله الزير وهناك أنضمت اليهم بعض القبائل من العربان فكانوا نحو ثلاثمائه
ألف واقاموا في ذلك المكان ولما سمع الزير برحيل مرة واولادة الى الديار قال لا بد أن اقتفي الاثار وافني الكبار والضغار ثم امر الفائد الكبير بسرعه المسير فامتثلوا ماامره وفعلوا ما ذكرة وفي الحال دق طبل الرجوع فارتجت منه السهول والمروج وهو الطبل الذي كان لتبع حسان ولم
تكن الا ساعه من الزمان حتى ركبت الابطال والفرسان وركب المهلهل متسربلا بالسلاح كأنه
ليث الغاب وعلى راسه الرايات والبنود ومن .


الجزء الخامس
حوله القواد والجنود فعند ذلك سارت الواكب قاصده الذئاب وما زال العسكر يقطع البر الاقفر اشرف الى تلك الديار في اليوم الثالث عند نصف النهار ولما قرب وانكشف البيان وراه الامير مرة ومن معه من الرجال والفرسان قالوا وحق الاله القدير المتعال لقد اقبل علينا سالم الزير بالجموع والجماهير والفرسان المشاهير واليوم تباع الارواح بيع السماح في عاجل الحال انتخب
الامير مرة الف من الابطال وارسلهم لملاقاة الاعداء في تلك البيداء وكان المقدم عليهم ابنه جساس وجماعه من علماء الناس فسار الجحفل طالبا جيش الهلهل ثم فرق مائه الف اخرى في الصحراء وقدم عليهم ابنه همام وحثهم على الحرب والصدام واقام هو بباقي العسكر على الجانب الايسر حتى اذا انكسرت الفرقتان يحمل بمن معه من الفرسان ولما شاهد المهلهل
تلك الحال وانقسام الرجال والابطال فقسم عسكره الى ثلاثه اقسام وتقدم ولما اقتربت العساكر من بعضها البعض وانتشر جموعه في تلك الارض حملت الفرق على الفرق وهجم الجيش على بعضه وانطبقوا وقصد المهلهل فرقه الامير مرة بعشره الاف من اهل الشجاعه والقدره وفي الحال اشتبك القتال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال وارتحب الوديان والتلال من قعقعه النضال فكان يوما مريعا وحربا فظيعا يشيب منه راس الغلام قبل الفطام فما كنت ترى الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسان غابرة فلله در المهلهل ومافعل ذلك اليوم من العمل فانه هجم هجوم الاسود وفرق المواكب والجنود ونكس الرايات والبنود وقتل كل جبار ونمرود وكان كلما قتل فارس منتخب يقول يا لثارات كليب ملك العرب ويلقى نفسه في مهاوي العطب املا بالنصر وبلوغ الارب ومازال على تلك الحال حتى قتل خمسمائة من الابطال ولما اشتدت الاهوال تأخرت عنه الرجال خوفا من الهلاك والوبال وهو يجول ويدور ويهدر كالاسود والنمور ويقول كليبا قتيل الجور اين عيناك اليوم تراني وتشاهد حربي وطعاني فياليتني كنت فداك ولا كان من يسلاك ( قال الراوي ) وكانت نيران المعامع والحروب والوقائع مشتبكه في ثلاثة مواضع واستظهرت جيوش المهلهل على اعدائها وبلغت غاية مناها وفعلت باقي الفرق كما فعل سيدها واستمر القتال على هذا الحال من الظهر الى غروب الشمس وكان قد قتل من بني بكر أوفى من ثلاثين الف نفس ومن جماعة المهلهل نحو خمس الاف بطل فعند ذلك دقت طبول الانفصال فارتدت عن بعضها الفرسان ونزلوا في الخيام والمضارب ورجع المهلهل وهو قاهر وغالب كأنه أرجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان فاجتمع بالسادات والاعيان في الصيوان فهنوه بالسلامة وقالوا مثلك تكون الشجعان يازينة الاكوان وجوهرة هذا الزمان فشكرهم على هذا الكلام ووعدهم بالخير والانعام ثم أكلوا الطعام وأخذوا يتذاكرون بأمر الحرب والصدام وكان المهلهل صديق يركن اليه ويعتمد في أموره عليه قوي الجنان فصيح اللسان يقال له امرؤ القيس ابن ايان وكان يقاربه بالفروسيه ويساويه بالفصاحه والهمه العاليه فقاتل معه في ذلك اليوم وفتك في صناديد القوم وكان لايفارق الزير في القتال ويحمي ظهره من غدر الرجال فقال له المهلهل أمام الفرسان ماهو رأيك يا ابن ايان في الهجوم على الاعداء اللئام تحت جنح الظلام فاني والله كلما اذكر قتل كليب تتوقد بقلبي النيران وليس لي عنه صبر ولاسلوان فقال تمهل ياأمير مهلهل فان النهار قد اقترب ولابد لنا من بلوغ الارب لان القتال في الليل يجلب علينا الهم والويل فتختلط الاحزاب بالاحزاب ولاتعود تعرف الاعداء من الاحقاب لان الظلام يحجبنا بعضنا البعض ونتشتت في هذه الارض فاستصوب كلامه الزير فقال هكذا اشارت فرسانه :

( قال الراوي ) وبات الجيشان يتحارسان وأوقد النيران فكانت بنو بكر وباقي قبائل العرب قد باتت في شدة وتعب وأيقن الامير مرة انه يغلب ويقهر من سيف الزير الاسد الاسود ولما اصبح الصباح واضاء بنوره ولاح تبادرت العساكر الى ميدان الحرب والكفاح واصطفت الفرق الى صفوف وترتبت المئات والالوف وتأهب المهلهل للحرب واستعد للطعن والضرب فركب ظهر الحصان وتقدم الى معركة الطعان وتبعه امرؤ القيس بن ايان وقواد الابطال والفرسان بقلوب أقوى من الصوان وكذلك ركب الامير مرة وبقية الفرق واعتقلوا بالسلاح والدروع فعند ذلك دقت الطبول وصهلت الخيول وارتفعت الرايات على رؤوس الامراء والسادات من جميع الجوانب والجهات وهجم كل فريق على فريق وتقاتلوا بالسيف والمزارق والتفت الامم بالامم وقام الحرب على ساق وقدم وما مضى ساعة من النهار حتى اشتد لهيب النار وطلع للقتال الغبار وانذل الجبان وحار وارتفع الصياح وعلا وارتجت أقطار الفلا ولبست الارض من الدماء حللا وعظم بنيهم البلا والويل وعاد النهار كسواد الليل وقال المهلهل في ذلك اليوم وما قصر وفعل افعالا تبقى وتذكر فانه أقتحم صفوف الاعادي كانه ليث الوادي وحال المامن والمياسر وطعن فيها طعنا يذهل النواظر ويحير العقول والبصائر وهو يقول يالثارت كليب مهجه قؤادي ومن كان سندي واعتمادي ولما طال المطال واشغى غليله من قتال الابطال قال :

ذهبت الصلح او تردوا كليبا اونبيذ اليين نطرا ذهلا
ذهبت الصلح او تردوا كليبا او نعم السيوف شيبان
ذهبت الصلح او تردوا كليبا او ازهق الرجال قهرا وذلا

فتعجب الفرسان من شعره ومقاله وانذهب من هول قتاله وكذلك اندهشت باقى ابطاله باقى ومازال الحرب يعمل الدم يبذل والرجال تقتل الى ان ولى النهار وارتحل ودخل الليل واقبل فعند ذلك رجع الامير المهلهل وباقي الجيش والجحفل وجميع أكابر عشيرته وأهله وأخوته يتحادثون فيما يجري ويكون فاستقر الرأي على سرعة الانجاز والجهاد في الحرب والبراز قبل أن يطول الامر وتفوتهم الغلبه والنصر ثم انهم اكلوا الطعام باتوا في الخيام ولما طلع النهار واشرقت الشمس والانوار تأهبوا للحرب والكفاح فتقلدوا بالسيوف والرماح ودقوا الطبول وركبوا ظهور الخيل وتقدمت الفرسان والابطال الى ساحة القتال وكذلك فعل الامير مرة والامير جساس ومن يلوذ بهم من عظماء الناس والتقت العساكر بالعساكر وتقاتلوا بالسيوف والخناجر وكان الامير المهلهل في أول الجحفل فصاح وحمل والتقى الفرسان بقلب أقوى من الجبل وهو يهدر كالاسد ويضرب فيهم بالسيف المهند ويقول يالثارات كليب ليث الصدام وزينة الليالي وكان كلما قتل فارسا يعيد هذا الكلام فقصدته الابطال من اليمين والشمال وهو يضرب فيهم الضرب الصائب ولايبالي بالعواقب حتى مزق الصفوف بحملاته وفرق الالوف بتواتر طعناته وما تنصف النهار حتى قتل مائه بطل كرار من الابطال والفرسان المذكورة كذلك فعل امرؤ القيس ابن ايان وباقي القواد والشجعان ومازالوا على تلك الحال الى ان ولى النهار بارتحال فارتدوا عن الحرب والصدام ورجعوا الى المضارب والخيام وكان قد قتل من عرب جساس في ذلك النهار عشرون الف بطل كرار ومن عرب المهلهل نحو ثلاثة الاف بطل ولما اصبح الصباح استعد الفرسان للحرب والكفاح فركبوا ظهور الخيول وتقاتلوا بالسيوف والنصول وهجم المهلهل على الفرسان الفحول كأنه الغول وهو ينشد ويقول :

هلموا اليوم نلتقي يا ال مرة ولو كانوا ثلاثين الف كرة
وسيف الهند يقطع في يميني فلاتخشى المهالك والمضرة
فاحموا يا بني عمي لظهري فتحظوا بالاماني والمسرة
فكل الناس ترهب من قتالي اذا ما جلت في الميدان كره
سوف ابيد جساسا وقومه واسقيهم في حربي كاس مرة

ثم انه لما حمل على الكتائب والمواكب واظهر بافعاله الغرائب والعجائب وقتل كل شجاع غالب :
(قال الراوي ) وما زال القوم في حرب وصدام وقتل وحصام مدة ثلاثه شهور حتى اشفى الزير غليله من بني بكر وقتل منهم كل سيد جليل وفارس نبيل وكان عدد من قتلهم في تلك المواقع نحو مائه الف مقاتل مابين فارس وراجل وقتل من جماعه الزير نحو عشرة الآف بطل فلما راى جساس ما حل بقومه من النوائب خاف من العواقب وعلم انهم اذا ثبتوا امامهم يهلكون هلاك الابد لايبقى منهم احد فولى وطلب لنفسه الهرب مع باقي طوائف العرب وغنم الزير غنائم كثيرة
واموال غزيره ثم رجع يمن معه من الفرسان الى الاطلال وهو في احسن حال وانعم بال ونزل في قصر اخيه وصارت ملوك العرب تكاتبه وتهادنه وكان يترقب الاوقات للحرب والغزو فشكرته
اليمامه على ما فعل وقالت لاعدمتك ايها البطل فانك اخذت الثار وطغيت لهيب النار ورجعت بالعز والانتصار فشكرها على هذا الكلام وقال حق رب الانام لايشفى فؤادي ولايطيب لذيذ رقادي حتى اقتل الامير جساس واجعله مثلا بين الناس وهذا الامر سيتم عن قريب باذن الله السميع المجيب .
(قال الراوي ) بينما هو يترقب الاخبار ويقتفي الاثار اذ دخل عليه العبد نعمان الذي تقدم ذكره قبل الان وكان من اصحاب الزير واصدقائه المشاهير فسلم عليه وتمثل بين يديه فنهض له على الاقدام واكرمه غايه الاكرام وبعد ان جلس قال للزير اعلم يا امير قد جيت الان من ابعد مكان اولا
لاهئيك بالانتصار واعزيك على فقد ذلك البطل الكرار وثانيا لاعلمك بانه ظهر لي المنام من مده عشرة ايام رؤيا عجيبه تشير الى احوال غريبه وهو النهار ان تحارب احد من ملوك الاقطار بل
تجنب وقوع الفتن وتبقى مرتاح في الوطن فمتى تمت هذه الليالي رافقك السعد والاقبال باذن الاله المتعال فأن حاربت انتصرت وان قاتلت ظفرت وقهرت فشكره الزير على ذلك الاهتمام وغمره بجزيل الانعام ومن ذلك اليوم اخذ لنفسه الحذر وتجنب مخالطه البشر وكان يصرف ايامه بشرب المدام واكل الطعام واشتهر الخبر في القبائل ان الزير اوقف الحرب مدة سبع سنين كوامل
(قال الراوي ) وكانت بني مرة قد هامت في الاقطار خوفا من الهلاك والدمار وندم جساس غايه الندم بقتل كليب الاسد الغشمشم وما زال هو وقومه في خوف وحذر من عواقب الامور الى ان بلغهم خبر توقيف القتال فزالت عن قلوبهم الهموم والاهوال ورجعوا الى الاطلال .
هذا ما كان من بني مرة وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه استمر على تلك الحال وهو في رغد عيش وانعم بال ان كانت نهايه السنه السادسه فركب الى الصيد والقنص في جماعه من فرسانه وابتعد عن الديار نحو ثلاثه ايام ومن الاتفاق الغريب فان الامير جساس راى حلما في بعض الليالي وهو انه رقد في قرب صيوانه حوض من الماء فبينما كانت قومه تشرب منه فاذا بذنب كاسر قد جاء الى الحوض بصفه جمل كبير وله ثمانيه انياب فشرب من الماء ثم ضرب الحوض بنابه فانشق من جانبه وتهور ذلك الماء حتى كادت قومه ان تهلك من شده العطش والظمأ ثم راى النسوان والاولاد بثياب السود والدم جاري مثل المجاري والجمال تنهش بعضها البعض ودماها تسيل على وجه الارض فاستيقظ جساس خائفا من هول ذلك المنام فاستدعى اليه اخوته وبنى الاعمال وقص عليهم ما راى وابصر فاستعظموا ذلك الامر وقالوا لايوجد من يقدر على تفسيره سوى المنجمين فان حسن عندك ارسل استدعى عمار الرياحي فانه يفسره لك على يقين فارسل اليه وحضر وقص عليه الخبر فضرب ورسم الاشكال فبانت له حقائق الاحوال ثم التفت على جساس ومن حضر هناك من الناس وقال لهم هذا المنام من عجائب الايام وهو يدل على شر عظيم وخطب جسيم سوف يحل عليكم من سالم بوقت قصير وقد اظهر لي ايضا بان اخ المهلهل عندة مهر ادهم اسمة عندم قوي العصب والحيل عديم المثال في الخيل وسعد الزير مقرون بهذا الحصان وبه وينتصر في الحرب والطعن فاذا ملكتم هذا الجواد نلتم المراد واسرتموة في القتال والطراد . فلما سمع جساس هذا الكلام استبشر ببلوغ المرام وقال لهم قد بلغنا بان الزير غائب عن القبيله وما في الحي غير النساء والحصان موجود في الديار وهذه ازالة الغصه ثم انه ارسل رجلا ليكتشف الخبر ثم رجع واخبره بصحه الكلام فعند ذلك ركب جساس في ثلاثه الاف بطل وطرق باب المهلهل على عجل واحاط بساحه الدار من اليمين واليسار فاستعظم بنات كليب ذلك الامر ولم يعلن ذلك السبب فطلت اليمامه براسها من الشباك وقالت له اركب على ظهر الفرس ماهو الداعي ياخالي بقدومك الى الحي بالابطال والحي خالي من الرجال فقال لها جئنا بطلب المهر الادهم المدعو بعندم فقالت له اهلا وسهلا بك مهما طلبت فلا نمسكه عنك غير انه لا خفاك بان المهر خاصه بعمي عديه فلا يمكننا ان نسمح فيه ثم اشارت تقول:

بكم قد حلت البركه علينا وزال الشر عنا مع نكال
فمهما تطلبوا مني تشوفوا خيولا مع بغال وجمال
ولكن مهر عمي غير ممكن اسلمه فان المهر غالي

( قال الراوي ) فلما سمع جساس شعرها ونظامها أجابها يقول على كلامها بهذين البيتين :

تعالوا اسمعوا قول اليمامه تقول المهر لا أعطيه غالي
فأني قاصد أخذه سريعا ولا أخشى العداة ولا أبالي

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره نزل عن ظهر الفرس ودخل الى الاصطبل فوجد المهر فوضع عليه العدة وركبه وقال لليمامه قد أخذت الحصان وغدا أطاردكم على ظهره سار وهو فرحان حتى وصل الى الاوطان فقال لاخيه قد اتيت بالحصان ومرادي اجربه في الميدان فانتخبوا ثلاثين راسا من الخيل الصوافن فأركبوها واكمنوا في عشر مكامن وأنا أمر عليكم أسرع من الريح فاتبعوني في البر الفسيح فان سبق هذا الجواد بلغنا به المراد في الحرب والطراد فأجابوه الى ماطلب وأراد وركبوا الخيول الجياد وركب سلطان أخو جساس القميرة ووقف في آخر كمين وركب جساس ذلك الحصان واطلق له العنان فسار في تلك القفار اسرع من الطير اذا طار ولما اقترب من الخيل تبعته فسبقها جميعا ماعدا القميرة ففرح جساس ثم نزل عن ظهره وامر العبيد ان يربطوه بقرب صيوانه ووكل به مئة عبد وقال لقد اقبل علينا السعد فسوف نقتل ذلك الوغد .
( قال الراوي ) هذا ماكان من جساس واما الزير فانه عند رجوعه من الصيد استفقد ذلك الحصان فلم يجده مع الخيل فصعد الى القصر وسأل اليمامه واشار يقول :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل بدمع قد جرى مني بداد
يمامه رحت انا لصيد قانص وقومي واخوتي ثم الجياد
لنا عشرون يوما في فلاوة ودرنا من بلاد الى بلاد
وصدنا طيورا ووحوشا كثيرة ودرينى رجعنا للبلاد
وجيت لمهر أخي فما لقيت شرد عقلي وعني عاد غاد
فأين المهر قوطر يايمامه عدم صبري وفارقني رشادي
امات المهر أم أحد أخذه من الاوباش والناس الاعادي

فلما سمعت اليمامه شعر عمها اجابته تقول:

تقول اليمامه ياعم اسمع الا ياعم جاؤوا الاعادي
ابي جساس أخذه غصب عني انا حرمة ومالي منه جلادي
فقلت تأخذه يا خال تندم يجوكم غدا على خيل جيادي
وقال غدا الاقيكم بعزمي وقد زادت همومي بزدياد
له ياعم ثلاث ايام غائب وقد زاد حزني بزدياد
فقم ياعم شد الخيل وركب بعسكر كأنهم رف الجراد
وميل على بني مرة بسيفك واحصد جمعهم مثل الحصاد
ياعمي عدية اليوم يومك ياعزي وفخري واعتمادي
وهاتوا راس جساس سريعا اجبر خاطري واشفي فؤادي

فلما فرغت من شعرها ونظامها اجابها الزير يقول :

يقول الزير قهار الاعادي انا السبع الجسور في كل وادي
غدا لابد اجد في لقاهم واحصد جمعهم يوم الجهاد
وأخذ ثارنا من آل بكر واطفي النار من طي الفؤادي
وأخذ مهرنا المدعو بعندم ويظهر ذكرنا بين العبادي
فمن يذهب يقول لاولاد مرة اتاكم اليوم ذباح الاعادي
اتاكم المهلهل مع آل تغلب اسود الحرب في يوم الطراد
الا يا آل مرة سوف اشفي بقتل ساداتكم فؤادي
ولايخفاكم يا آل مرة بقتل كليب صرتم لي أعادي

فلما فرغ الزير من شعره دخل وجلس في الديوان وجمع اخواته والامراء والاعيان واخبرهم بواقعة الحال وقال لهم مارايكم في اسجلاب الحصان فقالوا له الراي رايك ونحن طوع يديك قال متى كان الصباح تركبوا في ثلاثة الاف فارس وتكمنوا في وادي الهجين وانا اكمن في وادي المطلا وكان هذا المكان يبعد عن بني مرة مسافة ميل ثم قال لاخيه عديه وانت قم الان وغير ثيابك وزيك والبس ثياب ممزقه حتى لاأحد يعود يعرفك واذهب لحي بني مرة وتجلس بقرب صيوان جساس فاذا سألوك عن بلادك ومهنتك فقل لهم من بلاد الصعيد ومهنتي هي سياسة الخيل وانا قد بلغني ان جساس من محبته في الحصان كل يوم يسلمه الى سايس فاذا قال لك هل تريد ان تخدم عندي وتسوس هذا المهرفقل نعم حتى اذا تمكنت منه تركب ظهره وتلحقنا الى ذلك المكان فمتى صرت هناك لاتخف ولا تحسب لهم حساب ولو كانوابعدد التراب فاني سأبيد جمعهم بعون رب العالمين واخذ ثارنا من جساس اللعينفاستصوب رايه ولبس ثياب ممزقه وتعمع بعمامه والتحف بحرام عتيق وغير زيه وتنكر وسار يقطع البر الاقفر الى ان حي بني مرةفقصد صيوان جساس وكان قد اقبل الليل فرقد بين اطناب الحيام ولما كان الصباح جلس الامير جساس واجتمعت حوله اكابر الناس ثم وضعوا موائد الطعام واخلوا يتذكرون بالكلام فبينما هم كذلك اذ حانت من جساس التغاته فراى عديه وهوعلى تلك الصفات فشفق عليه وقال لبعض غلمانه اطعم هذا الفقير واساله عن حاجته فأحذ له الغلام طبق الطعام وساله عن بلاده
فقال انني من بلاد الصعيد ومهنتي سياسه خيل الاماجيد فقد جار على الزمان فأتيت منالاوطان قاصدا اهل الفضل والاحسان الى ان وصلت الىهذا المكان فطيب الغلام خاطره واعلم مولاه بحاله فقال جساس اذا كان منبلاد الصعيد فهو ادراء بسياسه الخيل من العبيد فدعوة يسوس لنا عندم المهر الجديد وانا اعطيه كل ما يريد ونا وجدته من الماهرين سلمته جميع خيلي وجعلته رئيس اصطبلي فلما قال له الغلام هذا الكلام دعا لجساس بطول العمر ثم ان تحزم وتقدم الى المهر ففك قيود رجليه وقبله بين عينيه وقال هذا يومك يا جوادي فقد بلغت الات مرادي وكان المهر لماراى صاحبه عرفه فمال اليه وألفه فتعجب جساس وباقي الناس لان الجواد كان لايالف
احد من العبيد الموكلين عليه من قاربه ضربه بيده ورجله فقال جساس وحق رب الانام ان هذا السيائس يستحق الاكرام والانعام وكان عديه لما تمكن من المهر ركب على ظهره ثم لكزه برجليه وصاح فسار مثل هبوب الرياح وجد في قطع البطاح كأنه طير بلا جناح فلما راى جساس
تلك الحال تغيرت منه الاجوال وعلم انها حيله قد تمت عليه ولطم على خديه ووجهه وصاح على الابطال والفرسان وقال دونكم هذا الشيطان فقد احتال علينا وخدعنا بالمكر والاحتيال حتى نال طلبه بلغ قصده واربه فعند ذلك ركبت الفرسان ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتبعوه في تلك السهول وهم يصيحون وراءة ويجدون في قطع الفلاه الى ان وصل الى ذلك الوادي الغدير فوجد احاه الزير وهو كامن هناك في جماعه من الابطال صناديد الرجال فاعلمه بواقعة الحال فقال خذ حذرك الان فقد اتتك الفرسان من كل جانب ومكانفبتسم المهلهل وقال سوف تراى ما افعل ثم انه نزل عن ظهر حصانه واعطاه لاحيه واخذا المهلهل الادهم ووضع عليه عدة جواده ثم ركب وتلملم واذا بالخيل والمواكب قد احاطت به من كل جانب وصاح عليهم وحمل بقلب اقوى من الجبل ومل عليهم بالحسام كانه ليث الاجام فطير الرؤوس عن الاجسام وفتك فيهم فتك الذئاب بالاغنام وفي اقل من ساعه ادركته بقيه الجماعه الذين كانوامكمنين في وادي الهجينفانصبوا عليهم كالشوهين من الشمال واليمين وكان قد وصل الحبر الى جساس فأخذه القلق والوسواس فركب بباقي الابطال ومن يتمد عليهم من الرجال وقصد ذلك المكان وقاتل قتال الشجعان واتقت الرجال بالرجال والابطال بالابطال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال وكثر القيل والقال وتزلزلت الارض من هول القتالوكانت واقعه عظيمه لميسمع بمثلها في الايام القديمه انهزم فيها جساس اقبح هزيمه وغنم المهلهل غنيمه جسيمه لهاقدر وقيمه ورجع الى الديا روالعز والانتصار فالتقته النساء بالدفوف والمزامير ثم طلع الى القصروهو منشرح الصدر فشكرته بنت اخيه على مافعل وقلن لله درك من بطل فقد احذت الثار وطفيت من القلوب لهيب النار فالله يحفطك ويبقيك وينصرك على حسادك واعاديك فشكرهن على هذا الكلام وبعد ان خلع ثيابه جلس للطعام وشرب المدام ثم دخلت امه فقبلته بين عينيه وهنأته بذلك الانتصار وطلبت منه ان يرفع عن بني مرة السيف البتار فاستقبلها بالوقار والاعتبار وقال لها والله اني لا أصالحهم يا أماه حتى يعود كليب الى قيد الحياة ثم تذكر تلك الواقعه وما جرى له في تلك الايام مع القوم فأنشد يقول وعمر السامعين يطول :

يقول الزير أبو ليلى المهلهل وقلب الزير قاسي ما يلينا
وان لان الحديد ما لان قلبي وقلبي من حديد القاسيينا
تريدي يا أميه أن أصالح وماتدري بما فعلوه فينا
فسبع سنين قد مرت علي أبيت الليل مغموما حزينا
أبات الليل أنعي في كليب أقول لعله يأتي الينا
كان كليب في رؤوس المعلا تغشاه ذئاب الجائعينا
أتتني بناته تبكي وتنعي تقول اليوم صرنا حائرينا
فقد غابت عيون أخيك عنا وخلانا يتامى قاصرينا
سللت السيف في وجه اليمامه وقلت لها أمام الحاضرينا
وانت اليوم يا عمي مكانه وليس لنا بغيرك معينا
وقلت لها ما تقول أنك عمك حماة الخائفينا
كمثل السبع في صدمات قوم أقلبهم شمالا مع يمينا
فدوسي يا يمامه فوق راسي على شاشي أذا كنا نسينا
فان دارت رحانا مع رحاهم طحناهم وكنا الطاحنينا
أقاتلهم على ظهر المهر أبو حجلان مطلوق اليمينا
فشدي يا يمامه المهر شدي وأكسي ظهره السرج المتينا
وهاتي حربتي رطلين وازود وحطيها على عدد متينا
ونادي على عدية وكل قومي صناديد الحرب المانعينا
ونادي أخوتي يأتوا سريعا لنلقي جيش بكر أجمعينا
فنادتهم أتوا كأسود غاب وقالوا قد اتينا يا أخينا
وياتوا يحرسون الليل كله وقضوا الليل كله وساهرينا

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره الجميع على مقاله وباتوا تلك الليله في سرور وانشراح ولما اصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح أمر الزير قومه بالاستعداد للحرب فركب ظهر الجواد وتبعته الفرسان والقواد وقصدوا بني مرة بقلوب قويه وهمم عليه فالتقاهم جساس مع أخوته وأهله واشتبك بينهم القتال وعظمت الاهوال وابتلت بني مرة بالبلاء والويل وكان الزير يحصد فيهم بالنهار والليل واستمر القتال بين الفريقين مدة سنتين حتى فقد من بني مرة في هذا الحرب الاخير نحو اثني عشر الف أمير عدا السادات والاكابر والجيوش والعساكر وكان الزير يأمر قومه بقطع الرؤوس ووضعها في المخازن لانه كان قد اقسم بالله العظيم ان سيملي البيوت من جماجمهم وباقي الاماكن فلما طال المطال واشتدت على بكر الاهوال اجتمعت اكابر الناس مع الامير جساس واخذوا يتفوضون كيف يتخلصون لان الزير لايقبل منهم فدى وجميع وسائطهم التي استعملوها في توقيف الحرب راحت سدى فقال سلطان لاخيه جساس أعلم يا أخي بأن الزير في كل صباح يمر على قبر أخيه فيجيبه بالسلام ويقول له قد قتلت في ثأرك فلان وفلان فهل اكتفيت أم لا فلا يجيبه أحد فالرأي عندي ان انتخبوا رجلا وتضعوه داخل القبه بحيث لايراه أحد فإذا مر الزير على القبر حسب عادته وسأل أخاه ذلك السؤال فيجيبه الرجل بصوت خفيف من قلب ضعيف لقد اكتفيت ياأخي فاغمد سيفك من هذا اليوم عن قتال القوم واياك أذية البشر فان ذلك مما يجلب علي الضرر فاذا سمع هذا المقال فلربما ينطلي عليه المحال فيكف عن الحرب والقتال فنستريح من القيل والقال فاستصوب جساس وباقي الاعيان رأي الامير سلطان
( قال الراوي ) وكان في القبيله رجل فقير الحال عديم الاشغال فاستدعاه جساس اليه وقص ذلك الكلام عليه وقال له اذا بلغنا الارب ولكن الطريقه خطره قبيحة فأخذ جساس يحسه بالكلام ويرغبه في هذا بالشعر والنظام :

على ماقال جساس بني مرة الا يافارغ الاشغال اسمع
فلي عندك حاجه صغيرة فتقضيها سريعا لم ترجع
فان الزير لا شانا جميعا وفرق جمعنا في كل موضوع
ولا يقبل رجاء ولا عطايا وعن الافعال ماكان يرجع
بثار كليب صرنا شرايد أعدم في الوغى كل ليث أروع
يمر في قبره في كل صباح ويزعق بصوت للاكباد يصدع
يقول الا نعمت أخي صباحا ايكفي ماقتلت تريد ارجع
فاذهب واختبي بالقبر حالا اذا صاح المهلهل انت تسمع
اذا سألك أحارب أو اصالح اجيبه انت محفوظ ارجع
ان رضيت منهم نلت ثأري وانت بقتلهم لا عدت تطمع
لعله يظن انك انت اخيه فيصفح عن مآلمنا ويرجع

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من هذا المقال قال له عديم الاشغال على الراس والعين ولما كان الليل حفروا سردابا وصلوه الى القبر وادخلوا ذلك الرجل فيه ولما كان الصباح ركب الزير ظهر الحصان وتبعه الابطال والفرسان ومر على قبر اخيه حسب عادته ونادى بصوت عال نعمت صباحا يا أخي كليب فقد قتلت في ثأرك نهارا امس خمسة آلاف نفس أيكفي ما قتلت منهم او ارجع افنيهم عن بكرابيهم فاجابه ذلك الرجل من القبر بصوت خفيف وانت انعمت صباحا يا اخي الحنون يا ساقي الضد كاس المنون كف الحرب فقد اكتفيت وان قاتلتهم بعد اليوم تكون قد تعديت
وبغيت فتزيدني ضررا وغما وكدرا فان نفسي قد بلغت مناها ونالت مشتهاها فكثرت خير اتك وزادت في الدنيا مسرتك .
(قال الراوي ) فلما سمع الزير هذا الكلام زالت اتراحه وزاد فرحه وانشراحه وقال سبحان الرحمن الرحيم الذي يحي العظام وهي رميم انت يا اخي بخير ونحن بعدك نقاسي الضنك والضير
ثم نزل عن ظهر الحصان ودخل الى القبر وهو فرحان وقال اذا كنت بخير يا ابا اليمامه فماهي هذه السكته والاقامه بعد العز والكرامه فقم الى عند بناتك فانهن في حزن وكدر ثم تقدم اليه وتامل فيه بالنظر فراه انه ذلك الرجل المعهود فغاب المهلهل من الوجود فجذبه من لحيته واخرجه من السرداب وقال له اصدقني بالحطاب فمن انت ومن تكون قبل ان تشرب كاس المنون
فأعلمه بواقعه الحال وحقيقة الاعمال فسل السيف ليقتله وقد اغاظه فعله فقال انابجيرة كليب اخيك فلا كان من يعاديك وقد جرني جهلي من قله عقلي حتى جراى ما جراى يا فخر الوراى .
فلما سمع الزير كلامه ابدى ابتسامه فصفح عنه واعطاه جوادا من اطايب خيل العرب والف دينار من الذهب فدعا له بطول العمر وخرج من القبر وهويقول :
والله ان الامير كليب يحمي اليوم الخائف في مماته كما كان يحميه في ايام حياته ثم راجع الى القبيله وهو يتعجب من تلك الحيله وفي الغد ركب فرقه من الابطال وقصدوا بنو مرة واشتبك بينهم القتال وعظمت الاهوال وما زالوت في قتال وصدام مدة عشر ايام فانكسرت بنو مرة انكسار وقتل الزير مقتله عظيمه المقدار وكان ياتي براس سادات الجماعه فيضعها على قبر كليب مدة ساعه ثم يدفنها تحت الثرى ويبني فوقها القصور والقرى وكان كما اقبل منالحرب في المساء تلتقيه اليمامه مع جماعه من النساء فتقول يا سيد الناس هل اتيت براس جساس حتى
نخلع السواد ويطيب الفؤاد فيقول كوني براحه بال فسوف تبلغين الامال باذن الاله المتعال هذا ماكان من المهلهل واما جساس فانه قد استقبل ولما ضاق به الحال اجتمع اهله وعشيرته وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رايهم على ان يذهبوا الى بلاد الحبشه والسواد ويلجاوا بالملك الرعيني ابن احت اللتبع حسان فركب في ثاني الايام احوته واكابر عشيرته واحذمعه احته الجليلهلتشفغ لهم عند حريم الملك الرعيني وبقي اخوة شاويش في الحي وكان هذا الرجل يحب الزير من ايام صباه فعند رجيل جساس حضر شاويش الىعند الزير واعلمه بما جرى وكان من مسير الزير احواته عند ملك الحبشه والسودان فأعطاه الزير الامان وقال له انيما عدت احاربكم من الان حتى تحضر اخواتك الى الاوطان بالابطال والفرسان وتوقف الزير من ذلك اليوم عن محاربه القوم وصار يصرف اوقاته في بالصيد والقنص هذا ما كان من المهلهل واما جساس فانه قدجرى في قطع القفار حتى وصل الى بلاد الحبشه وتلك الديار ودخل على الملك الرعيني
ووقع عليه بعد ما اعلمه بحالتهم الحاضره وطلب منه النجده والمساعدة على حرب الزير ايضا بان كليب قتل خاله تبع حسان وقتله هووبقتله قام اخوه الزير يحاربهم حتى كاد ان يفنيهم فلما سمع ا لرعيني هذا الكلام قال لقد بلغت اليوم منكم المرام ولابد من ذبحكم بحد الحسام لانكم من قوم لئام قتلتم خالي واتيتم تستجيرون بي ثم امر بقبضهم وكانت الجليله واقفه على باب الصيوان وهي مثل الطاووس لابسه افخر الملبوس كانها العروس فلما شاهدت ما جرى على قومها خافت من العواقب فشقت المواكب وتمثلت امام الرعيني فقبلت اياديه ودعت له بطول العمر فلما راها الرعيني تعجب منفرط حسنها فمال قلبه اليها ووقع في شرك هواها فقال لهامن تكونين يا مهجة الفؤاد وبغيه المراد فقالت له اخت القوم الذين امرت بقبضهم بدون ذنب ثم اشارت تقول
ما قالت الجليله بنت مرة ايا ابوفهد اصحى دير بالك
وانظر ياسياج البيض فينا وانظرالذي وقفوا قبالك
انا لقيتك يا ملك البوادي يا من بالملا شاعت فعالك
ملوك الارض كنا يامسمى فانت نظيرنا ونحن مثالك
فالذي جرى كله مقدر ايا فخر الورى من قتل خالك
قتل خالك كليب في حسامه وقام اخي الذي واقف قبالك
قتل لكليب خالك بسيفه كرمت خاطرك واصفي بالك
ظهر لكليب اخ اسمه المهلهل حرمنا النوم زاد الله مالك
قتل منا اماجيد كثبره اتيننا واقفين على ديارك
فهذا اليوم يومك يا مسمى فدق الطبل واركب في رجالك
وسر معنا الى الزير المهلهل فقتله ودسه في نعالك
وحكم سائر العربان يا ملك على امولهم تبقى حلالك
ولاتشمت العدا يا امير فينا اتينا لك وصرنا من عيالك
وانت صميدع شهم كريم جميع الخلق تفزع من خيالك

( قال الراوي ) فلما فرغت الجليله من نظامها وفهم فحوى قصدها ومرامها ثارت في راسه الحميه وقال قد فهمت قولك يا صبيه ثم اشار يقول عمر السامعين يطول :

قال الرعيني ابو فهد قال الا يا جليله اسمعي المقال
وانتم افهموا قولي ياملوك اولاد مرة ترونى الهم زايل
اتيتم تلتجوا في الجميع وقعتم على وقع العيال
من جور الزير يا أهل الكرم دهاكم ضناكم رماكم بحال
فو حياه راسي ورحمت ابي من خلق الارض وارسى الجبال
لاركب عليه بكل الفحول واجرد عساكر شبه الرمال
واقتل اعداكم بجاه السيوف وانا ادع الزير في سوء حال
جليله طيبي انت وابشري انا فداء أخوك بحد النصال
أيا أخي غطاس انهض الان واجمع الفوارس والابطال
نادي على الجيش ان يركبوا يلبسوا الزرد والنصول الصقال
ودقوا الطبول وشدوا الخيول وامشوا الفحول شبه العذال
فدعنا نسير نزيل عسير عن اولاد مرة هذا النكال

( قال الرواي ) فلما فرغ الرعيني من كلامه نهض أخو غطاس الوزير وجمع الابطال والفرسان والعساكر السودان ونادى المنادي ان السفر يكون بعد ثلاثة ايام ولما تجهزت العساكر للمسير لحرب الزير كان عندهم ستمائة الف بطل ففرح جساس ومن معه من الناس فلما رأوا تلك السهول قد امتلات بالخيول وفي اليوم الثالث دقت الطبول ولمعت النصول وسارت العساكر كالبحور الزواخر في أولهن الملك الرعيني واكابر دولته وجساس وباقي عشيرته ومازالوا يقطعون البراري والاكام حتى وصلوا الى بلاد الشام فاارسل جساس يعلم قومه بقدوم هذا العسكر وأن يهيئوا لهم الاطعمه والذخر فلما سمعوا هذا الخبر فرحوا فرحا عظيما وهيئوا لهم مايحتاجون اليه من الطعام والمدام وخرجت النساء والرجال للقاءهم فلما وصلوا الى الديار نزلوا في المضارب وقد تباشر قوم جساس بالنجاح والضفر وبلوغ الامل .
( قال الراوي ) كل هذا يجري والزير ليس عنده خبر بشيء من هذا الامور بل كان مواضبا على السرور وشرب الخمور فبينما هو كذلك اذ دخل عليه أخوه عدي وقال انت جالس في صفاك ولاتدري فيما دهاك من اعدائك واشار ينشد ويقول :

لقد قال الفتى المدعو عدي ودمع العين فوق الخد ساجم
اراك اليوم في زهو ولهو تنبه يا أخي ان كنت نائم
فقم على ماسوف يجري من الاعداء يا ابن الاكارم
اتونا قوم مرة بالرعيني ملك جبار بالاحكام ظالم
لقد ذهبوا اليه يا مهلهل فجاء بست كرات عوالم
بهم من كل قوم ليث اروع وهو من بينهم مثل الصقر حائم
تبدى الزير حال ثم قال له تخاف من العدى واخوك سالم
انا وحدي الاقيهم بعزمي انا الدعاس في يوم الزحايم
واني سوف اقتل الرعيني واقطع راسه والله عالم
وافني جيشه مع جيش مرة انا المقدام مابين المعالم

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من نظامه وفهمت قومه فحوى كلامه تعجبوا من هذا المقال وشكروه على تلك الفعال واخذوا يستعدون للحرب والقتال واما الزير فانه صبر الى الليل وغير زيه وتنكر حتى لم يعد يعرفه احد من البشر وجعل نفسه كاأحد شعراء العرب الذين يقصدون الامراء وارباب المناصب والرتب طمعا في الفضه والذهب ثم ركب الحصان وتقلد بالحسام من تحت الثياب واخذ معه بعض الغلمان وسار الى قبيلة بني مرة ولم يعلم به انسان ولم اقترب من الحله نزل عن ظهر الجواد وسلم الى الغلام وقصد المضارب والخيام حتى وصل الى صيوان الرعيني فوجده جالس وحده فدخل وسلم عليه وتمثل بين يديه فلما راه الرعيني في ذلك المنظر خاف وانذعر وسأله عن مهنته فقال انني شاعر اطوف على الامراء والاكابر فاحصل منهم على الانعام ومزيد الاكرام وقد سمعت انك في بني مرة فأتيت قاصدك من مدينة البصره الى ان تشرفت بطلعتك وتمثلت امام حضرتك .
( قال الراوي ) وكان للرعيني زوجه تدعى بدور كانت خلف الستار فسمعت مادار بينهم من الايراد فاأرسلت جاريتها تقول للملك ان ياأمر الشاعر بالانشاد فقال الرعيني انشد ياشاعر فانشد يقول :

قال الاديب الذي طالب احسانك يرجي بوسط الحشا والقلب بزار
ياأبو فهد يارعيني استمع ما أقول يا من قلوب العداء بالروع هزار
قد كنت قبلا في خير وفي نعم مستور مابين اهلي ما أنا معتاز
فصرت شاعر على الاجواد أطوي الارض ماشي على عكاز
قالوا فسر للرعيني مقصد الشعر فذاك جواد يعطي كل معتاز
فجئت طالب احسانك واكرامك يامن حويت المكارم بالعطا المعتاز


الجزء السادس
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه امر الملك الخزندار ان يعطيه الف دينار فعند ذلك سل سيفه الابتر اسرع من لمح البصر وضرب الرعيني على عاتقه خرج من علائقه ثم مال على الطواشيه والخدام بضرب الحسام وبعد ذلك هجم على الخيام كسبع الاجام فقتل الرجال ومدد الابطال ووقع في السودان الضجيج والصياح والعويل والنواح فخرجت الابطال من المضارب وركبوا ظهور الجنائب فتقلدوا بالسيوف وهجموا على بني مرة صفوف صفوف وهم لم يعلموا سبب ذلك الويل من شدة سواد الليل غير انهم ظنوا بني مرة قد خدعوهم حتى اتوا معهم الى بلادهم فقتلوا ملكهم وغدروهم فلما رأى جساس ماحل بقومه من السودان استعظم ذلك الشأن فركب جواده وتبعه اجناده واظطر ان يدافع عن نفسه ويحامي عن ابناء نفسه فقاتل تلك الليله حتى استقتل وفعلت رجاله مثلما فعل وكانت ليله مهوله وحادثه غير مأموله كثر فيها القتل والجراح الى وقت الصباح وكان المهلهل لم بلغ القصد والامل بذلك العمل ارسل عبده في الحال الى الاطلاع في طلب الفرسان والابطال وحضروا عند طلوع النهار واحاطوا بالاعادي من اليمين واليسار وحكموا فيهم ضرب السيف البتار واستمر الحرب والصدام بين القوم ثلاثة أيام حتى ابلاهم المهلهل بالويل والدمار وقتل منهم كل بطل مغوار واسد كرار وكان من جملة المقتولين الامير غطاس قائد جيش السودان فلما رأت الجيش ماحل به من الهوان ولت الادبار وأوسعت في جوانب القفار وكذلك انهزم جساس ومن تبعه من الناس وتفرقوا بالفلاة وهم يقصدون النجاة ورجع الزير مع قومه غالبين غانمين ظافرين ودخل القصر بالعز والنصر وصحبته اكابرالقواد الذين عليهم الاعتماد وهم يثنون على المهلهل ويقولون لا عدمنا طلعتك ايها البطل فبسيفك نلن المراد وقهرنا الاعادي والحساد فلا زالت ايامك في سعود وعدوك مقهور ومكمود ثم انه اكلوا الطعام وشربوا المدام وباتوا تلك الليله في سرور وافراح على ذلك الانتصار واما الامير جساس فأنه بات في قلق ووسواس وندم على مافعل وقطع من سلامته الامل ولا سيما لما بلغته الاخبار بأن الاختلاف والانكسار الذي جرى عليهم في الليل والنهار كان بحيلة المهلهل الاسد الكرار فزاد همه وعظم حزنه وغمه فكانت قبائل العرب يطلب منها المساعده على قتال بني تغلب وانظمت عدة قبائل برسم المساعده وصاروا يدا واحده وكذلك انظم مع الزير جملة قبائل مشاهير فحتى لم يبق في بلاد العرب قبيله الا وانضمت مع بني تغلب .
( قال الراوي ) من غريب الاتفاق المستحق التسطير في الاوراق بأن الامير مهلهل حرج ذات يوم في عشرة الاف بطل ومعه الامير كتيف وكان من أشراف تغلب وفرسانه الغضاريف وتبطن في جوانب القفر ليجس أحوال بني بكر فمر في قبيلة من قبائل العرب يقال لهم بنو تميم وهم من فرع تغلب وكانت هذه القبيله ذات خيرات جزيله واجتمع المهلهل بفرسانها وسيدها الامير عمر وقال لهم اركبوا معنا يا نبي تميم لقتال بني بكر فا أبوا وقالوا عن فرد لسان لا نحارب من لم يحاربنا من العربان فقال المهلهل اما شملتكم الحرب لحد الان فقالوا الا يافارس الميدان فقال فوحق الاله الخالق ماكنت اظن انها شملت كل من في المغارب والمشارق ومادام الامر كذلك يوجوه العرب تنحوا عن منازلكم خوفا من حلول الحرب واقصدوا غير هذه الديار مرادنا ان نقاتلهم تحت ستور الاعتكار فأن حاربناهم لا تأمنون على انفسكم من شرهم وأذاهم لانكم فرع من قبيلة بني تغلب فأن تقيمون منكم لهذا السبب فقالوا ما علينا من بئس فانهم يحاربون من يعترض لهم من الناس اغتاض المهلهل من هذا الكلام وكان عليه اشد من ضرب الحسام فتركهم وسار من الاثر بمن معه من العسكر وجد في قطع القفار والتقى بقوم من بني بكر في ذلك الجوار فكبسهم تحت ظلام الليل وابلاهم بالذل والويل فسلبى اموالهم وقتل رجالهم وأخذ رؤوس ساداتهم العظام ورجع في الظلام وطرح الرؤوس بين خيام القوم المعتزلين من بني تميم المذكورين الذين كانوا راقدين ثم تركهم وارتحل وسار على عجل فلما استيقظت بنو تميم من المنام ورأت الرؤوس بين اطناب الخيام فاأيقنوا انها مكيده من المهلهل فزاد بهم الخوف والوجل وعلموا انهم لابد ان العدو يتهمهم في ذلك العمل فنهضوا وارتحلوا من اطلالهم بموشيهم واموالهم وانظموا الى قبيلة تغلب والتجواء بالمهلهل فارس العجم والعرب فلم يبق قبيله من قبائل العربان في ذلك الزمان الا شملتها الحرب والهوان .
( قال الراوي ) ولما عظم الامر على جساس وضاقت به الانفاس فصمد الى العابد نعمان الذي تقدم ذكره قبل الان فوقع عليه وشكا حاله اليه وبكى بين يديه وطلب منه ان يسير بالعجل ويقصد الامير مهلهل ويطلب منه كف الحرب والطعان من الزمان لحينما ترتاح النفوس والقلوب من هول تلك الحرب التي اهلكت الرجال ورملت النساءويتمت الاطفال فلما سمع قوله رق له فسار الى عند المهلهل في الحال وطلب منه ان يكف القتال ولوبرهه قصيره ومده يسيره وذلك لراحه القبيلتين وحير الفريقين فاجابه الى ذلك المرام لانه كان يحبه دون باقي الانام وامر بتوقيف الحرب عن القوم من ذلك اليوم واشتغل المهلهل في تلك الايام بالملاهي وشرب المدام واكل الطعام وسماع الاصوات والانغام ومغازلة النساء في الصباح والمساء وكان جساس يترقب على المهلهل الفرص ليقتله ويزيل ما بقلبه من الغصص فبلغه في بعض الايام ان الزير طريح الفراش في الخيام من كثرة شري المدام وان اخواته قد خرجوا للصيد ولايرجعون الا بعد ثلاثه ايام فجمع اخوته واعلمهم بذلك الخبر واتفق رايهم انه بعد غروب الشمس يركب اخوهم سلطان في جماعه من الفرسان ويكبس سالم الزير على حين غفله ولما كان الليل ركب سلطان في ثلاثه الاف بطل وقصد حي المهلهل ولما صار هناك هجم عليه وهو راقد في الخيمه سكران فاحاطت به الفرسان وقبضوا عليه واوثقوه كتافا ثم نزلوا عليه بالسيوف الى ان اثخنوة بالجراح واتلفوه حتى صار عبره لمن اعتبر وكان دمه يسيل كالمطر فزادت افرحهم وزالت اتراحهم وقالوا لقد بلغنا الارب ورفعنا الحرب عن العرب .
ثم انهم وضعوه في جلد جاموس وخذوة الى عند اخته ضباع وقالوا لها لقد اتيناك بقاتل ولدك فخذيه واشفي منه غليل كبدك فياما قتل ويتم ورمل فما هان عليها ذلك الامر لكنها اظهرت لهم السرور والفرح وقالت ان جزاء الغدار الحرق بالنار ثم تركوها وساروا واما هي فقد احتارت في امرها وزادت احزانها عليها وانه وان قتل ولدها فانه سيد للقبيله ذكرا لايبور على مدى الدهور .
فبينما هي في بحر الافتكار واذا به قد فاق من غشوته وصحى من سكرته وقال وهو على اخر رمق سبحان الحي الدائم ثم صاح يطلب عبده شهوان وهو يظن انه في ذلك المكان فقالت له ضباع قد انتقموا منك أعداك فأصحى فقد ذقت الموت والهلاك فلما رأى ذاته عند أخته وهو على تلك الحال انشد وقال :

قال الزير ابو ليلى المهلهل ونار الحزن توقد في حشاه
فكان كليب ملك البرايا أتى جساس غدره بالفلاه
جلست في مكانه أخذ لثأره وكنت أنعيه صباحا مع مساء
فقال الشيخ كف الحرب عاجل ولاتقتل لسيف ولاقناه
جلست بخيمتي والدن جنبي وعندي العبد ماعندي سواه
وقومي كلهم للصيد راحوا فعرفوا القوم مع باقي العداه
أتوني والمقدر كان كائن وحلى كل مما أن تراه
اتوا بي لعندك يا أخت حتى تنالي الثأر ياغاية مناه
كليني يا ضباع أو أقتليني انا أخوك اذا احتبك القناه
فانتي تشبهي اللبوات حقا واني مشبه سبع الفلاه
فألقيني بصندوق مزفت وأرميني ببحر في مياه
أيا أسما أفعلي انت بأصلك ربيعه بيننا ما غباه

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه غاب عن الوجود وصار في صفة المفقود وكانت ضباع لما سمعت من أخيها هذا الكلام صار الضيا في عينيها ظلام ثم انها جاءت بصندوق كبير فوضعت فيه سالم الزير وزفتته وطلته بالقار وكان عندها عبدان أمرتهما ان يحملا ذلك الصندوق ويلقياه في البحر فحملاه وسارت هي معهما تحت جنح الظلام الى ان وصلا الى شاطىء البحر فطرحاه هناك في البحر ثم بكت ضباع عندما غاب عنها اخيها ورجعت تنوح من فؤاد أحرقت قلبي بفراقك يا جميل المحامل وفخر الاواخر ثم أنشدت تقول بهذه الابيات :

تقول ضباع من قلب حزين ايا عيني فزيدي في بكاها
كواني البين في أول زماني رماني الدهر في أعظم بلاها
ايا دمعي فزيدي في سخاكي على محزونة فقدت أخاها
لقد كان ملوك البرايا ومن أعلا ملوك الارض جاها
كليب جساس الذي قتله طعنه طعنة برمحه في قفاها
ترك دمه على الارض فاير بحربة مسمعه من السم سقاها
وقام الزير كي يأخذ بثأره فقاتل آل مرة ثم هفاها
لقد قتله سلطان بغدر اثني عشر الف حملة فناها
فقال خذوه الى اخته الحزينه لتأخذ ثار ولدها مع أخيها
فحطيه في صندوق مقفل ومن بني مرة ما يعلم حداها
وقلت له روح ياجمل المحامل ايا عود بيتي انحناها
وقلت قتلته يا فخر قومك ايا حطاما للجائع عشاها
ايا يوما اخذه الموج عاجل وموج البحر يلطم في مداها
فقلت له روح ايا سبع بغاب بيوم الحرب ماتعطي قفاها
وهذا صار في عصر الجليله اله العرش يعدمها صباها
فسر ياريح واخبر اليمامه لتصبح ثم تمسي في بكاها

ثم رجعت الى الحي وصبرت حتى رجعت أخوتها وبني عمها من الصيد فأعلمتهم بتلك القضيه وما حل بالزير وقالت والله انكم بعد المهلهل تتعبون مع جساس فتأسفوا جميعهم عليه وبكوا من فؤاد موجوع ثم ان ضباع كتمت ما فعلت بأخيها وشاع الخبر انها احرقته بالنار وأخذت الثأر ولما شاع الخبر وانتشر بين الناس فرحت بنو مرة وجساس واما أخوة الزير فانهم شقوا ثيابهم من فرط أحزانهم وأخذوا يعددوه ويندبوه بالاشعار ويذكرون ما له من محاسن الآثار وكان أكثرهم حزنا أخوه عدي الذي يقول فيه :

أيا ويلي فدمع العين هلا على الخدين من دمعي صبابه
على فقد الفتى مهلهل أنور العين تدري ما أصابه
غدونا كلنا للصيد عنه وهو جالس كانه سبع غابه
وعند رجوعنا لم نلتقيه فأحرق وسط مهجتنا غيابه
فمن يوم أخيه كليب ولى فلا يسرح ولا يلقى صحابه
وما فارق محله طول عمره ولا نعرف له مده غيابه
مهلهل راح من اولاد مرة وسهم البين ذر لنا غرابه
وبعده كيف عاد يصير فينا لان جساس ماتحمل عذابه
ترى بعده سيمحقنا جميعا يشتتنا ولا يخشى عتابه
ايا أخوتي ماذا نسوي واين نروح من هذه العصابه
تعالى أخي يا درعان قوللي فقلبي والحشا يا أمير ذابه
ايا سراف يا ناصر تعالوا ايا هزوز يا منيه شبابه
ويا حنبل ويا باقي الامارة تعالوا واسمعوا مني الخطابه
تقول الزير ولى وراح منا قتيل ويندفن تحت الترابه

وأما سلطان فقد رجع مسرورا ووقف امام أخيه جساس وأخذ ينشد :

والمهلهل ناصب الخيمه بعيد في وسط البستان له ياحبيب
وحده يسكر بليله والنهار رحت انا اليه من بعد المغيب
في ثلاثة الاف فارس غانمين كل فارس مثل سبع وديب
هجمت عليه يا أخي بالعجل ووقعنا عليه بضرب عجيب
ضربه جساس بالغ بالسيوف حتى صار دمه جاري صبيب
ضربه حتى قطع من النفس وانطرح بلا مسعف ولا حبيب
ثم أخذ لأخته ضباع لتأخذ بثأر ولدها الحبيب
أخذته حرقته بنار ولقته على جمر نار اللهيب
هذا الذي فعلت بعدك ياهمام ياحما البيض في يوم النكيب

( قال الراوي ) فبما انتهى سلطان من كلامه شكره جساس على اهتمامه وقال بارك الله فيك ياهمام فان فعلك هذا يبقى مدى الايام ثم ساروا الى الحي وهم في افراح وسرور وانشراح ولما وصلوا الصيوان جلس جساس في الديوان واجتمعت حوله الابطال والفرسان ثم امر بدق الطبول ونفخ الزمور وعمل وليمه عظيمه لها قدر وقيمه فا جتمع فيها خلق كثير من كل أمير وسيد خطير ورقصت النساء والبنات ودارت بينهم الافراح والمسرات وانشرحت خواطر السادات وكان عندهم ذلك النهار من أعظم الاعياد الكبار .

( قال الراوي ) وكان لما بلغ بنو قيس حقيقة الخبر ان المهلهل مات واندثر غابوا عن الوجود وايقنوا بالموت الاحمر فزادت بليتهم وعظمت مصيبتهم فمهنم من أرتحلوا من الديار وقصدوا الامير جساس وطلبوا منه الامان دون باقي الناس فأعطاهم الامان وجعلهم من جملة الخدم والغلمان ولم يبق عند أخوة الزير الاشراف الا شر ذمه يسيرة وعصبة حقيرة فقصدهم جساس بالابطال ودار بهم من اليمين والشمال فسلموا أمرهم اليه ووقعوا عليه فنهب أموالهم وأخذ نوقهم وجمالهم ثم أشرط عليهم أن لايوقدوا نارا في الليل والنهار ولا يركبوا على ظهور الخيل بل يصيروا مكانهم في الخيام فأجابوه الى ذلك المرام خوفا من الاندثار ونزول الدمار وبعد هذا رجع الى الديار بالفر والاستبشار فعظم شأنه وتأيد بالعز مكانه وسار في مقام عظيم وحكم على السبعه أقاليم .
(قال الراوي ) اما اخوه المهلهل فانهم بعد هذا العمل رحلوا من اطلالهم باولادهم واطفالهم ونزلوا في وادي السعاب وهم يبكي وانتحاب وذل وعذاب وصبروا على حكم رب الارباب
هذا ما جرى لهولاء من العبر واما الزير الاسد الغضنفر فانه لما القته اخته في البحر كما سبق الخبر فقذفته الامواج في البحر العجاج الى ان ساقته التقادير الالهيه الى مدينه بيروت وكان اسمها الخيبريه وملكها يدعى حكمون ابن عزرا وكان من اجل الملوك قدرا واتفق والامر المقدر ان ثمانيه من الصيادين بينما هم يصطادون سمك نظروا ذلك الصندوق في البحر العجاج تلعب فيه الرياح وتقذفه طوارق الامواج فقال احدهم للاخر انظر يا صمويل هذا صندوق يارؤبل
قد ساقه الينا اله اسرئيل ثم انهم قصدوه في الحال وسحبوه الى الشاطي بالحبال وذلك بعد تعب ونكد ما عليه من مزيد فقال رئيس الشختور لباقي الاعوان تعالوا حتى نفسه علينا الان قبل ان نفتحه يااخوان فناخذ كل واحد منا حقه قدر ما يستحقه فاجابه بعض الرجال ما هو مرادك بهذا المقال فقال ان لي النصف ولكم الاخر لاني صاحب الشختور والرئيس الاكبر فقال وحق خمار العذير ما تنال منه شيْ ياشبير ثم وقع بينهم الخصام وتشاتموا بالكلام فضرب احدهم الرئيس
بسكين فقتله وكان للرئيس أخ فضربه القاتل بالمقذاف فجندله وما زالوا يتقاتلون طمعا بالمال حتى قتل منهم عده رجال ولم يسلم سوى رجل واحد واتفق بالامر المقدر ان حكمون كان قد خرج في تلك الساعه مع أكابر دولته للصيد والقنص فمر من ذلك المكان فوجد الصندوق والرجل والقتلى مطروحه على الارض فوقف وسال الصياد عن السبب فاخبره بواقعه الحال فتامل الملك في الصندوق فتعجب من كبره وثقله واراد ان يعرف ما فيه فأمر بحمله الى السريا وارتد راجعا مع باقي رجاله فلما صار هناك امر بفتحه ففتحوه واذا رجل طويل القامه عريض الهامه واسع المنكبين كبير القدمين مثخن بالجراح من ضرب السيوف وطعن الرماح وقال الملك لحواشيه ما وجدتم فيه قالوا ياملك الزمان فيه انسان كانه من عفاريت السيد سليمان له عيون كعيون السباع فلما نظر الملك خاف وارتاع وقال للاتباع كم له من الزمان يا ترى في هذا المكان .
(قال الراوي ) وكان عند هذا الملك حكمون طيب ماهر اسمه شمعون فتقدم الى الزير وهو مطروح وجس زلقومه وعرق الروح فوجده يختلج في اعضائه فقا ل ل الملك ان الرجل في قيد الحياه فقال له هل تقدر ان تشفيه وانا أعطيك ماتشتهي قال نعم يا مولاي ثم نهض على الاقدام وقال بسم الله العلي العظيم فشمر عن زنوده واخذ اسفنجه وبلهل بالماء الخارج ومسح الجروح ووضع المرهم على القروح ثم جاء بالعسل النحل فغلاه وفتح فمه واسقاه وفي برهه قصيره اختلجت اعضاءه وتحركت وفتح عيناه فنظر وتامل في ذلك المحفل فراى جماعه من الرجال صفر الوجوه بسوالف طوال فاعتراه الانذهال وشكر الاله المتعال فقال له حكمون من انت ومن تكون وما هو اسمك ؟فقال اسمي الموحد انا عبد الاله العظيم رب موسى وابرهيم فقال ما هي قصتك وسبب وضعك في هذا الصندوق ؟ فقال كنا اربعه سياس عند الملوك وكنت انا المقدم وعلى الجميع فحسدوني وضربوني ذات يوم بقصد انهم يقتلوني فغبت عن الوجود من الم الضرب ولم ار نفسي الا في هذا المكان .فقال الملك للحكيم خذه الى عندك وداويه با لعلاج حتى يشفي وبعد ذلك احضره الى عندي فا خذه الحكيم الى داره وعالجه مده من الزمان حتى ختمت جراحه وتحسنت احواله فاتى به الى عند الملك ولما دخل سلم عليه وتمثل بين يديه فقال له الملك كيف انت الان يا موحد ؟ فقال له بحسب انظارك الشريفه وقد شفيت وحصلت على دوام العافيه فلله در هذا الحكيم فانه يستحق الانعام والاكرام فمهما انعمت عليه فاني ساعطيك اياه فبتسم الملك من هذا الكلام وانعم على الحكيم ثم التفت الى المهلهل وقال اعلمني بحالك وكيفيه احوالك واشار الملك يقول :

قال ابو ستير حكمون الملك يا موحد استمع مني المقال
هات احكليلي على ما صار فيك ما علمت وما فعلت من الفعال
حتى طعنت يا موحد بالرماح جروحك كثيره بسيوف صقال
يا موحد انت اغليوم مليح قرم فارس خيل ماانت نذل
قوللي عن ذي الجرح كيف صار وما سببهم قول يا سبع الرجال
ثم اعلمني على ما قد اقول يازكي الاصل عن عم وخال
في بلادك اتوك الغانمين يضربون الشور لك معهم مقال
بعد هذا قل لنا عن صنعتك الذي تاكل منها خبزك حلال

فلما فرغ حكمون من مقاله قال له الزير أعلم ايها الملك الجليل صاحب الفضل الجميل ان سألت عن حسبي ونسبي ووظيفة ابي فانه كان ملك من ملوك العربان ثم غدر به الزمان حتى صار يسوس الخيل وانا تبعت مهمته وهذه وظيفتي ومهنتي واشار يقول :

قال ابو ليلى المهلهل في قصيد يا ملك حكمون يا حكم الخصال
في بلادي ان سالت عن الجلوس مجلسي في الوسط فوق اعلا الجبال
وان سالت عن الشور كل الشور لي ما أحد يقدر يخالف لي مقال
وان وقع الحرب وضرب السيوف فالعذارى هللت فوق الجمال
والسيوف الجدب عاد لها مرير والقتول تلول عادت كالرمال
فذاك اليوم انا اعز الملاح مامثالي في اليمن وفي الشمال
وان اتاني ضيف انا اعز الضيوف واشبع للضيف من لحم الجمال
والفتى المعروف منجد يا امير ابن وائل ذاك لي امير خال
ان كنت تسال يا ملك عن صنعتي صنعتي حاصود في رؤوس الرجال
اما ابي فكان ذو قدر عظيم مال فيه الدهر يا حكمون مال
صار سايس بعد عزة للخيول بالكرامه بعد عزة والدلال
وانا قد صرت سايس بعده اسوس الخيل ما مثلي مثال
وجروحاتي هي من عص الحصان قد ضربني برجله اربع نعال
قمت من كدري ضربته في حشاه راحت السكين للعزال
لاجل ذاك المهر سوى هل فعال وارموني بالدل مع كثر الخيال

فلما سمع حكمزن هذا الكلام من الزير غضب عليه وقال له انت كذاب فقد اخبرتني قبل الان رفاقك قتلوك واليوم تقول الحصان ضربني فتكذب علي وتحرني فلو كنت من الاكارم ما جرت عليك هذه العظائم ثم صمم على قتله فتشفعت فيه اكابر دولته ووضعوه في الحبس وبقي هناك مده سنه كامله وكان يسطو على المحابيس وياكل طعامهم فضجوا منه الناس وشكوا امرهم الى الملك وقالوا له اذا كان هذا سايس كما يقول فاجعله يسوس الخيل لانه يقاسمنا على طعامنا غصبا وقهرا وهذا الامر لايطاق فدعه يشتغل وياكل خبزه بعرق جبينه فاستدعاه الملك اليه وقال له هل انت ماهر يا موحد بساسه الخيل قال نعم فقال سلموه خيلنا فاذا وجدنا له معرفه في ذلك
اكرمناه .
(قال الراوي ) وكان كثيرا ما ينفرد بنفسه ويتذكر اهله وعشيرته وما هو فيه من الاهانه والاسر ويبكي ويقول ياليت شعري ما جرى على اخلي من بعدي لان الاسير كما يخفى على الحاذق البصير بمنزله العبد الحقير ولو كان من بيت شهير وعالم نحير فكيف من تكون جناب الامير سالم الزير الذي قهر الابطال والغاوير وشاع ذكره عند الملوك المشاهير فانه بعد ذلك العز والاحترام وعلو الجاه ورفعه المقام وقع في اسر بني اسرائيل فكان الموت عليه اهون من ذها القبيل ولكنه سلم امره الى الله وقام ينتظر نفوذ حكمه وهو يتامل الفرج والخلاص من شرك الاقناص ونكان قد انتخب له فرسا من اطايب الافراس كانت طويله العنق قصيرهالراس واجود
من القمير فرس جساس فاعتنى بتربيتها حتى حالت قاخذها الى الشاطي البحر وربطها هناك فخرج عليها حصان من البحر فشب عليها فراحت حامل وبعد عام ولدت مهر ادهم وكان كامل الاوصاف ململم فسماه الاخرج لخروج اباه من البحر ثم فعل معها ذلك العمل في الثاني فولدت له مهر اخر كانه الابجر حصان عنتر فسماه ابو جحلان واعتنى بهما دون باقي الخيل وكان يسوسهما في النهار واليل واستمر على تلك الحال مده اربع سنين وهو يطلب الفرج من رب العالمين .

حرب برجيس الصليبي مع اليهودي
( قال الراوي ) واتفق في تلك الايام ان برجيس الصليبي احد ملوك الاروام خارج مع احيه سمعان في ماتئي الف عنان من بلاد كسروان وتلك الحدود لمحاربه حكمون اليهودي وذكررواه الاخبار عظماء الاعصار بان مدينه حكمون كانت نفس مدينه بيروت كانت مزحرفه البنيان وكثيره الحوانيت والبيوت ولما اقترب اليها برجيس بالعساكر النصرانيه نصب خيامه في الاشرفيه وكتب كتابا الى حكمون يقول فيه الملك برجيس بن ميخائيل الى حكمون ملك بنو اسرائيل اما بعد فانك قد خالفت الشروط ولم ترسل لنا الخروج المربوط وقد مضى خمسه اعوام وانت تحاولنا بالكلام فاقتضى اننا قصدناك الان بالابطال والفرسان كانها مرده الجان لا تخاف طعن الرماح ولا نكل الحرب والكفاح فان دفعت الخراج المطلوب من عشر مالك توقفنا عن
حربك وقتالك والا وحق من اوجد الانسان والمسيح الذي ولد بلا دنس خربنا ديارك وطفينا نارك وقلعنا اثارك وجعلنا الولايات اليهوديه تابعه للاقاليم المسيحيه فاسرع في رد الحرب قبل حلول العذاب ثم انه ختم الكلام بهذا الشعر والنظام :

على ما قال برجيس الصليبي كريم الوالدين ايا وجدا
شديد الباس ما بين الترابا على السادات دوما مستجدا
اذل القوم في سيفي ورمحي اقد الشوش والهامات قدا
انا قاصد لحكمون اليهودي فاعلمه بما قد استجدا
واخبره بفرساني وجيشي وما عولت ان افغله جدا
بهم من كل قوم ليث اروع يصد الخليل في الميدان صدا
يريد المال ارسله سريعا وان لم يمتثل امري فردا
وعشر الخيل مع عشر العذراى بنات قد زهوا وجها وقدا

(قال الراوي ) ان الملك برجيس سلم الكتاب الى قائداسمه فرنسيس وامر ان يسير لعند حكمون فيعطيه الكتاب وياتيه بسرعه الجواب فا متثل القائد امر مولاه وجد في قطع الفلاه الى ان دخل البلد وقصد حكمون دون احد فلما وصل اليه سلم واعطاه الكتاب وتمثل بين يديه وكان عند حكمون جماعه من اخيار اليهود وهم يطالعون في التوراه والتلمود ولما فض الكتاب وقراه وعرف حقيقه معناه احمرت عيناه وصاح على الرسول صوت مثل الغول وقال هكذا يكتب لي برجيس ياخبيث يا تعيس فلولا العار يا ابن الاشرار لكنت قطعت راسك واخمدت انفاسك فاذهب وقل لمولاك ان يستعد للحرب والعراك فاني لااهابه ولا احسب حسابه فخرج فرنسيس من بين يديه وهو ينفض غبار الموت عن عينيه ثم صاح الملك حكمون على اخيه صهيون ووزيره قسمون وقال لهما استعدوا للقتال وفرقا السلاح على العساكر والابطال فقد اتتنا العساكر المسيحيه والابطال النصرانيه وقد عسكروا في الاشرفيه فاجاباه الى ما امر في الحال جهز العساكر وفرقا عليها السلاح والسيوف والرماح ولما بلغ الملك برجيس كلام حكمون صار مثل المجنون وعول ثاني يوم على الحرب والصدام .
( قال الراوي ) وعند اشراق الصباح استعد حكمون للحرب والكفاح فخرج من البلاد بالعساكر والعدد وحوله الكهنه والاحبار وهم يتلون التوراه والاسفار املا بالفوز والانتصار وكان برجيس قد ركب في ذلك النهار بذلك الجيش وتقدم طالبا القلاع والاسوار بقوة واقتدار وعلى راسه البيارق والصلبان ومن حوله القسوس والرهبان وهم يتلون الزبور و الانجيل بالتنغيم و التهليل ولما التقى العسكران تقاتل الجمعان في ساحة الميدان ولتقت الفرسان النصرانية بالابطال الاسرائلية في تلك البرهه وهجموا على بعضهم هجمات قوية وتضاربوا بالسيوف المشرفيه وكانت الامة العيسوية قد فتكت بالغصبه العبرانية واذاقتها في ذلك اليوم من الاهوال اعظم بليه وقتلت مقتلتاً عظيمة وفيه رجع حكمون وهو يتأسف ويتلهف على حل ما بعسكره من الويل و التلف ودخل إلى البلد مع الجيش وأغلق الابواب وقصد القصر وهو خارج عن دائرة الصواب ونزل برجيس خارج المدينة وكان قد أمتلك ذلك النهار ثلاثه قلاع حصينة .
( قال الراوى ) وكان المهلهل قد سمع صياح القوم فسأل عن الخبر فأعلموه بواقعه الحال فتاقت نفسة إلى القتال ومصادمة الأبطال فأخذ قصبه بيده وصعد إلى السور ليشاهد تلك الامور وكان ذلك المكان بقرب قصر حكمون فنظر القوم وهم يقاتلون فكان كلما نظر النصارى غلبوا أو ظفروا يقول لليهود تقدموا ولا تنكسروا وكان يهدر كالرعد القاصف أو كالريح العاصف وهو راكب على الحيط كما يركب الحصان ويضربه برجلية ويصيح على الفرسان وأستمر على تلك الحال إلى أن رجع حكمون إلى البلد وهو في غم ونكد وكان لحكمون بنت كالقمر أسمها [ ستير ] نظرت من الشباك أفعال الزير فتعجبت من أفعاله وغريب أعماله .
فلما رجع أبوها سألته عن حالته وما جرى له في قتاله فاعلمها بواقعة الحال انتصار النصارى في القتال فبعد ذلك أخبرته أبنته [ ستير ] بما رأته في ذلك اليوم من أعمال الزير وقالت : إذا كانت اعماله صحيحة فأنه يكسر هذا العسكر ويذيقة الموت الاسمر ثم اشارت تقول :

تقول ستير أسمع من كلامي نظرت اليوم في عيني العجائب
نظرت اليوم من هذا الموحد فعال قد تعيد الرأس شايب
فلما دقت الطبل النصاري وقد هجمت عسكرها تحارب
والتقت العساكر بالعساكر وراح السيف يعمل في المناكب
فقد ابصرت احوال الموحد غرائب قد فعلها من عجائب
ركب للحيط سواه حصانه كانه ياابي قاصد يحارب
ويزعق ثم يلكز في كعابه إلى أن قد جرى دمه سكايب
ويهدر مثل ليث أروع ترج الارض منه و الكتائب
يريد الحيط يطلع فيه يغزى وقلبه للقا و الحرب طالب
اذا ولت رجالك قال باطل وان ولت عداك قال طالب
ينخي الناس واحد بعد واحد قتل روحه وهو الحيط راكب
فهذا قد نظرته اليوم حقا من الصبح الى وقت المغارب
فلا أدري أهو عاقل صميدع ولا أدري أم مجنون خائب

( قال الراوي ) فلما فرغت ستير من شعرها ونظامها وفهم ابوها فحوى كلامها اراد ان يستدعيه اليه فقالت له من الصواب ان يركب أخوك نهار غد ويقاتل العدا وان تبقى في القصر فلعله يفعل كما فعل بالامس فتشاهد أعماله وتختبر احواله فليس الخبر كمشاهدة النظر فاستصوب كلامها وبات تلك الليله في قلق وضجر ولما اصبح الصباح أمر أخاه أن يركب بالعسكر ويخرج لقتال النصارى فركب أخوه في عسكر اليهود وانتشرت على راسه الرايات والبنود فالتقته جموع النصارى مثل الاسود وصياح الابطال وهمهمه الرجال واشتد بينهم القتال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال فلما سمع الزير التهب قلبه بنار الاشتعال فصعد على السور وهو حزين النفس وفعل كما فعل بالامس وكان كثيرا يقول يالثارات كليب من جساس المخدول وهو ينخى القوم ويقول اليوم ولا كل يوم وكان حكمون ينظر اليه مع ابنته فتعجب من فعله وهول صورته فأمرها أن تناديه ليحضر أمام دولته فنادته فالتقت اليها ولباها وقد تعجب من حسن رؤياها قالت ابي يدعوك أن تحضر اليه فنزل وصعد الى القصر ودخل على الملك وسلم عليه وقبل الارض بين يديه فقال له حكمون ان كنت قادر على ماتقول وانت من الفرسان الفحول فانزل وقاتل هنا في هذا النهار المهول فان لنا عليك جميل وأفضال وأن كسرت الاعداء بلغناك الامال وأغنيناك بالمال وأطلقناك من الاسر والاعتقال .
فأمر الملك بأن يعطوه جوادا من أطايب الخيل ودرعا وسيفا فأتوا له بجواد فقال لهم هذا لايحملني ثم أتكى عليه بيده فكسر أضلاعه فأتوا له بآخر جواد ففعل به كذلك ومازال على تلك الحال حتى قتل عشرة خيول فتعجب الملك من قوة بأسه وشدة مراسه ثم أتوا له بعدة حرب وجلاد ففعل كذلك الى ان أتوه بعدة حرب الملك حكمون فلبسها وكانت من أحسن العدد وأعتقل بالسيف المهند وركب على ظهر حصانه الاخرج الذي كان ينتظر منه الفرج وأخذ في يمينه الرمح الاسمر والتفت على حكمون وقال اليوم تنظر فعالي وتعاين حربي وقتالي وتذكرني على طول الدوام ايها الملك الهمام ثم أنه لكز الحصان وقوم السنان وانطلق الى ساحة الميدان بقلب أقوى من الصوان وقد هان عليه الموت تحت أرجل الخيل عند بلوغ القصد والمأمول وكانت النصارى قد كسرت اليهود وفتكت بهم فتك الاسود فلما رأى المهلهل تلك الحاله استعد للحرب والقتال وتقدم صهيون أخو الملك حكمون وقال شدوا عزمكم وقاتلوا خصمكم ثم خاض المجال وطلب الميسرة في الحال وقاتل فمدد أكثرها على الرمال وتأخرت عنه الرجال ورأت النصارى تلك الفعال فاعتراها الانذهال وهجموا عليه من اليمين والشمال فأبلاهم بالذل والويل وقتل جماعة من فرسان الخيل وكان كلما كثرت عليه الكتائب وضايقته العساكر والمواكب يتذكر أخوه كليب الاسد الغالب فيهاجم هجوم السباع ولا يخاف ولا يرتاع فعند ذلك تأخرت عنه الفرسان وتوقفت عن قتاله الفرسان وتوقفت عن قتاله الفرسان وكان برجيس من فرسان المعارك فلما بلغه ذلك نما غيظه وزاد وهجم بالعساكر والاجناد طالبا ساحة الميدان ومن حوله القسوس والرهبان وعلى راسه الرايات والالويه فلما اقتربت من تلك الناحيه وقعت عينه على صهيون أخو الملك حكمون فتقدم الارض قتيلا وفي دمه جديلا فعند ذلك ضجت طوائف اليهود ولما رأوا أميرهم مفقود فاستغاثوا بالتوراة والتلمود فالتقاهم برجيس كالنمرود وقتل منهم كل فارس معدود وكان المهلهل يقاتل من بعيد الفرسان الصناديد ويمددها على وجه الصعيد فلما رأى طوائف اليهود متأخرة بعد ان كانت ظافرة وهم يصيحون ويندبون على فقد صهيون فلما عرف بالظن الطويه أخذته الغيرة والحميه فقصد الملك برجيس الى ذلك المكان وفي الطريق التقى بأخيه سمعان وهو ينخى الابطال والفرسان فهجم عليه هجمه الاسد وضربه بالسيف المهند القاه على وجه الارض يختبط بعضه ببعض فلما قتل الامير سمعان حمل جيش النصارى على الزير من كل مكان عند ذلك دقت النواقيس وحمل أيضا برجيس وتبعه كل أسقف وقسيس .
ولما رأت اليهود أفعال المهلهل أيقنت ببلوغ الامل فارتدت الى قدام بعد ذلك الانهزام التقت الرجال بالرجال والابطال بالابطال وعظمت الاهوال ومازالوا على تلك الحال الى ان ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار فافترقوا عن بعضهم البعض وزالت كل قبيله في ناحية من الارض .
( قال الراوي ) وكان الملك برجيس قد صعب عليه قتل أخيه سمعان وندم على مجيئه الى تلك الاوطان وكذلك استعظم حكمو قتل أخيه صهيون فكانت مصيبة عظيمة على الملكين وداهيه جسيمة على الفريقين ولما أصبح الصباح واشرق بنورة ولاح ركبت العساكر واصطفت وانقسمت الى ميامن ومياسر فتقاتلوا بالرماح والخناجر والسيوف البواتر فكان الزير كالاسد الكاسر وجرى للابطال في ذلك اليوم من الاهوال مايشيب رؤوس الاطفال واستمروا على تلك الحال وهم في اشد قتال وخصام عشرة ايام على التمام وكان الزير قد فتك فتكا عظيما وقتل من النصارى عددا من الملوك الكبار أصحاب السطوة والاقتدار أمره نافذ في جميع الاقطار فخاف من الانكسار والوقوع بيد المهلهل الجبار فجمع اركان دولته ووزراء مملكته وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رأيهم على المصالحه وتوقيف الحرب بعد المصادقه والمصالحه وأن يرحلوا بأمان من الاوطان ويببقوا مع حكمون كالاصحاب والاخوان على طول الزمان ثم ان الملك برجيس ارسل الى حكمون بعض وزرائه المعتبرين يعلمه بذلك ويأتيه بالخبر اليقين فسار الوزير الى عند الملك حكمون وأعلمه بواقعة الحال ففرح حكمون وباقي الامه العبرانيه لانهم كانوا يخافون سطوة الملوك النصرانيه فأجابه الى المطلوب وحمد الله الذي اناله من غوائل الحروب وهكذا تم الانفاق ووقع الصلح والوفاق ورجع برجيس من تلك الافاق بمن معه من الرفاق بعد ان رتب على الملك حكمون مالا معلوما يدفعه كل سنة الى خزينة الملك .
( قال الراوي ) وعظمت منزلة الزير عند حكمون وقال مثلك تكون الفرسان فأنت اليوم عندي كالولد وأعز من الروح في الجسد فلولاك كنت في حال تعيس واستولى علينا الملك برجيسس وكانت الاميرة ستير قد شاهدت افعال الزير فاثنت عليه وقد مال قلبها اليه ثم قالت لاعد مناك ايها النحرير فانك تستحق الاكرام والخلع وكان الملك قد مال اليه كل الميل فقدمه عن جميع فرسان الخيل ورفع منزلته على الكبير والصغير ولقبه بالامير وانعم عليه بنشان من الماس ليمتاز به على كبار الناس واكرمه غاية الاكرام واجلسه على سفرة الطعام ولما فرغوا من الاكل وشرب المدام قال له الملك تمنى علي ايها الامير والسيد الخطير فمهما طلبت أعطيتك أياه بدون تأخير فطلب منه الزير أن يعطيه السيف والدرع والمهر الاخرج وأعلم حكمون بنفسه وطلب منهه ان يجهز له سفينه ويرسله الى مدينة حيفا ومن هناك يسير وحده الى مرج بني عامر محل اقامته لان نفسه اشتاقت الى اهله وعشيرته فلما سمع حكمون بواقعة حاله وانه المهلهل زاد مقامه عنده وقال له هذه بلادي وما أملك واموالي بين يديك فأقيم عندنا طول عمرك فاننا والله لاننسى جميلك ومعروفك قال الزير لابد لي من الذهاب لانني لحد الان ما أخذت بثأري ولا طفيت من العدا لهيب ناري عند ذلك أهداه الحصان الاخرج وأعطاه السيف والرمح وعدة الحرب وجهز له مركبا من أحسن المراكب وأمر القبطان بمداراته وامتثال اوامره وانه بعد ان يرجع له عند الوداع الله يبلغك آمالك فلا تقطع عنا أخبارك فسلم عليه المهلهل ودعا له بطول العمر ثم رجع حكمون الى المدينة وسافر المركب بالتهليل وفي اليوم الرابع أشرقت السفينه الى ميناء حيفا والقت مرساها ونزل المهلهل الى البلد وبقي الحصان في المركب وأمر القبطان ان يحافظ عليه لوقت الطلب ومن هناك تسربل بالسلاح تحت الثياب وقصد دياره فالتقى بطراف ان ناصر وهو حافي عريان وقد كان من الاعيان ومن أصحاب الزير فأقبل اليه وسلم عليه فرد الزير السلام ثم عرفه بنفسه وأخبره بما جرى عليه من الاول الى الاخر فقال أهلا وسهلا بقدومك علينا فوالله كنا قد قطعنا الامل من سلامتك فالحمد لله على اجتماعنا فقم بنا الى ربعن حتى ننظر أهلك لانهم دائما في ذكرك فقال الزير اني لا أذهب الى هناك حتى اذهب الى حي بني مرة وانظر باقي قومنا الذين التجؤا الى جساس فسر معي الى هناك فسار ناصر معه وهو فرحان وجدا في مسيرهما حتى وصلا الى أحياء بني مرة فالتقيا با لامير سالم المهيا قاصدا الصيد مع جماعته ولما اقترب سالم من المهلهل .


الجزء السابع
ونظره حن قلبه اليه فحياه بالسلام وجعل يتأمل فيه ويقول والله من يوم غاب حامينا فقد عزنا وما أبصرنا قامته الا هذا اليوم ثم دمعت عيونه فقال الزير كيف تبكي عليه وانت ملتجئ الى اعداءه فعند ذلك عرفه ونزل عن ظهر الجواد ووقع عليه واعتنقه المهلهل وطيب خاطر جماعته وقال لهم ابقوا على ماكنتم عليه وعندما تسمعون صرير السيوف في أعناق بني مرة فحينئذ تفعلون ما يجب عليكم فعله فساروا في سرور وأفراح حتى يعلم بعضهم بعضا واما الزير فانه سار وهو وطراف وهما متنكران حتى دخلا الى حي جساس وقت المساء فوجد الحي في دق طبول ونقر دفوف وأمور تدل على مسرات وأفراح فقال المهلهل في سره ما عسى ان يكون هذا ولما اقترب من صيوان جساس وجده ممتليا من الناس وجساس جالس في الصدر وحوله الاكابر والاعيان والمولدات تدق بالدفوف والمزامر وبعد قليل حضر العبيد بسفر الطعام فقام جساس الى المائده وتقدمت بعده الامراء وجعلت تتوارد الفرسان وتتزاحم على بعضها البعض فعند ذلك تقدم الزير مع جملة الناس وجلس بقرب جساس وأخذ يتناول من أنواع الاطعمه فلما رآه جساس أنكر أمره وقد استعظم كبر جثته وهو يأكل اكل الجمال فقال له جساس أدعو لي ياشيخ فقال انني دائما أدعو لك ولست بناسيك على طول الزمان فازداد جساس خوفا وارتجفت أعضاءه ولما انتهى من العشاء أمر جساس باحضار الرمل وضربه في الحال ورسم الاشكال فظهر له انكيس واحمرار وانه قادم عليه أوقات منحوسه وسيظهر رجل لقي الجلد عن قريب يذيقه الاهوال وقد تأكد عنده بأن ذلك هو نفس الزير لانه لايوجد له عدو غيره فالتهب قلبه بناره وصاح من ملو رأسه يا ستار فجاءت اليه أخوته وقالوا ماأصابك ياأمير فاأنشد يقول :

قال جساس بن مرة في بيوت اسمعوا ياأخواني أهل الوفا
ضاق صدري وامتلا قلبي هموم فالقلق والغم ضارب بالحشا
جمعت تخت الرمل حورته بسرعه حتى أرى ماهو هذا البلا
رأيت لقي الجد آت عن قريب صاحب البطش ما بين الملا
ورأيت الجود له بيت ضد والجماعه شكلهم واقع حدا
ماعاد لي عقل لهذا الرمل قطرة حرت فيه اليوم يا أهل الندى
لو يصح القول قلت الزير جا وها هو جالس بين الامرا

فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وفهم الزير مطلوبه وعرف المقصود ووضع يده على قبضة سيفه حتى اذا قال جساس اقبضوا عليه ليفتك به ويعدمه الحياة ومن كثرة ما جرى على جساس من الغم والوسواس ترك من كان عنده من الناس ودخل على الحريم خوفا من امر يأتي فلما رآه الزير فعل ذلك قال لابد من قتله ان لم يكن اليوم يكون غدا ثم خرج من الصيوان مع الامير طراف وسارا قاصدين الاوطان حتى وصلا الى وادي الشعاب ودخل الى الخيمه التي فيها بنات كليب فسمعت ابنة كليب الكبيرة صوته فقالت له من انت وماهو اسمك فلما سمع صوتها عرفها فتقدم اليها فوجدها وشقايقها بثياب الحداد فتقطع قلبه وهطلت عيناه بالدمع وقال اتقبلوا الضيف يا بنات الاماجيد قالت مرحبا فنحن أول من ضاف ولكن قد جار علينا الزمان فأولنا بعد العز والجاه صرنا في حالة يرثى لها فا قصد يا شيخ محل الوليمه وهو المكان الذي تدق فيه الطبول فتحصل على بلوغ المأمول فقال بالله عليك يا صبيه أن تحكي واقعة حالكم فقد جرحت قلبي بهذا الكلام فقالت اليمامه لقد ذكرتنا بمصابنا وعلى ما جرى فجلس الزير وهو وطراف وجلست هي بجانبه ثم عرفها هي وشقايقها بنفسه وانه عمها صاحت بصوت عالي من ملو راسها هذا في الحلم أم في اليقظه ثم وقعت عليه شقايقها يقبلونه وقلن الحمد لله الذي ارانا وجهك بخير وعافيه فوالله قد زالت أتراحنا وتجددت أفراحنا وسمع ابو شهوان عبدالعزيز هذا الخبر فدخل عليه ووقع على قدميه لانهم كانوا يظنون بانه مات فكانت تلك الليله عندهم من أعظم ليالي الافراح والمسرات وبعد ذلك جلسوا يتحدثون فقالت اليمامه بالله يا عماه أن تعلمنا بقصتك وما جرى في سفرتك فقص عليهم ذلك الخبر وماسمع وابصر وختم كلامه بهذا القصيد :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل عيوني دمعها جاري بكاها
بكت دما على ماصار فينا ليالي السعد ماعدنا نراها
عدمنا فارس الهيجا كليب عقاب الحرب ان دارت رحاها
دهتني آل مرة جنح اليل لتقتلني وتشفي ما دهاها
فكنت بخيمتي ملقى طريحا ثلاث آلاف درتني قناها
وسحبوني لعند ضباع أختي والقوني طريحا في حداها
وقالوا يا ضباع خذي أخوكي أخذنا روحه قوى عزاها
فالقتني بصندوق مزفت وأرمتني بوسط البحر تاها
واقتني مياه البحر حالا الى بلد اليهود على رباها
وجابوني لحكمون اليهودي أجل ملوك الارض جاها
فداواني وعالجني سريعا فزالت كربتي مما دهاها
بقيت انا ثمان سنين غائب وزال الشر عني مع عناها
أسأل الله أن يحفظكم جميعا على ماطالت الدنيا مداها

( قال الراوي ) وكانت ليلة عند بنات كليب من أعظم الليالي وحضر تلك الليله جميع أصحاب الزير ففرحوا وانشرحوا بقدومه وهنوه بالسلامه فقال لهم من الاوفق أن تكتموا أمري لحينما أتجهز لقتال الاعادي وأحضر جوادي ثم أعلمهم بخبر الحصان وانه أبقاه في المركب عند القبطان لبينما يكون شاهد أهله وأقاربه ولما أنتصف الليل ودعهم وسار قاصدا شاطىء البحر هذا ماكان منه واما مرة أبو جساس فكان من عادته أن يذهب كل يوم الى ساحل البحر ويتجسس الاخبار ويعود في آخر النهار فاتفق ان عبدان من عبيده كانا قد نظرا المركب عند قدومه الى ميناء حيفا فأعلماه به فاستأجر قاربا وقصد ذلك المركب وعند وصوله اليه وجد ذلك الجواد المذكور فاندهش من رؤياه فسأل القبطان عنه فقال له القبطان هذا حصان الزير وقد حضر معنا من بيروت وسار نحو يومين لزيارة أهله ولم يكن القبطان يعلم ماهو جاري بين القوم من العداوة والحرب لما سمع مرة بخبر المهلهل وانه عاد سالما غانما استعظم الامر وتعجب ولكنه كتم الخبر وقال للقبطان اتبيعني هذا الحصان فقال كيف ابيعه وهو مودوعا على سبيل الامانه فقال لابد من ذلك أما أن تقبض ثمنه خمسة آلاف دينار أو آخذه منك بالقوه والاقتدار لان ابني جساس ملك هذه الديار وبيدنا زمام الاحكام ومازال يلح عليه بالكلام الى ان امتثل وأجاب خوفا من أخذه بالقوة والاغتصاب فقبض القبطان الدراهم وسار مرة بالحصان الى عند ابنه جساس وهو كاسب غانم واعلمه بواقعة الحال وقدوم المهلهل الى الاوطان ففرح جساس بالحصان لانه كان من أجود خيول الاعراب ولكنه خاف من الغوائل وعلم انه لابد من تجديد الحروب بين القبائل فاجتمع بأهله وأعلمهم بالخبر وأن يكونوا على استعداد وحذر .
هذا ماكان من جساس واما الزير الفارس الدعاس فانه عند وصوله الى البحر سار المركب فلم يجد الحصان فسأل عنه القبطان فأخبره بما جرى وكان فلما سمع منه هذا الكلام أراد أن يضرب عنقه بحد الحسام ولكنه توقف عن أذاه أكراما لخاطر مولاه ثم أمر بالرجوع الى عند الملك حكمون ليقص عليه الخبر ويطلب منه الجواد الاخر فامتثل القبطان أوامره وأقلع من تلك الساعه حتى وصل الى بيروت فأنزل الزير في القارب وسار به الى عند الملك حكمون ودخل عليه وهو في السرايه فلما رآه حكمون فرح فرحا شديدا وقال أهلا وسهلا بالصديق الحبيب وترحب به غاية الترحيبب وأجلسه بجانبه وأقام بواجبه وأشار يقول وعمر السامعين يطول :

قال حكمون بن عزرا في بيوت تشرح الخاطر وترضي السامعين
أنورت علينا الدنيا ياهمام يامريع الخيل اذا طال الكمين
يا مهلهل انت عز المحصنات انت فخر للاناس الماجدين
قصدت أهلك ثم جيت لعندنا هل شفت أهلك يا مهلهل سالمين
اذا كان يلزم نجده أحكي لي حتى أسير بالجيش كله أجمعين
طيب قلبك يا مهلهل لاتخاف ثم اطلب يا ضيا عيني اليمين

فلما سمع الزير كلامه شكره وأثنى عليه وأخبره بما جرى وكان من فقد الحصان وان السبب في حضوره الان أولا لاجل سؤال خاطره الشريف وثانيا ليطلب منه المهر الثاني وختم كلامه بهذه الابيات :

قد أتيت اليوم في قلب حزين على فقد مهري الاخرج الثمين
فان شئت أعطني أخوه يا معز الجار وفخر العلين
لا أريد مال ولا كثرة نوال غير ابو حجلان مطلوق اليمين
يا ملك حكمون ان مالي كثير كل مال البر في يدي خزين

فلما سمع حكمون هذا المقال تبسم وقال مهما طلبت منا لانعزه عليك وجميع أموالنا بين يديك فوالله اننا لاننسى جميلك ومعروفك على الزمان وان ابو حجلان بعد رواحك من الاوطان أظهر الوحشه ونفر من جميع الناس حتى لم يقدر عليه أحد من السياس ثم طلب منه أن يبقى عندهم عدة أيام ليستريح من متاعب الاسفار فاعتذر وقال لابد من الرجوع في هذا النهار فأعطاه حكمون الحصان وسار الى المركب وعند وصولهم اليها نزل بالجواد الى المدينه فركب وقصد أهله فاتفق في تلك الساعه أن رجلا من قبيلة جساس ابصر الزير فعرفه وسار الى عند جساس وأخبره بقدومه وقال له انني خايف عليكم من سطوته شاهدته في هذا النهار وهو مثل الاسد الكرار ثم اشار يقول :

يقول الشيخ يا أولاد مرة تعالوا واسمعوا لي يا فوارس
ايا جساس يا همام اسمع ايا ملك يا أهل المجالس
فقد كنت قرب البحر سائر رأيت خرج على اليوم فارس
على ادهم اقب الضلع فارح وفوقه درع من بولاد لابس
وفي كتفه قنا اسمر مكعب بطل صنديد يوم الروع عابس
فهذا فارس البيداء مهلهل مريع الخيل للابطال داعس

( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه سلطان بن مرة بهذه الابيات :

يقول اليوم سلطان ابن مرة كلام الشيخ صادق يا فوارس
فان كان ابو ليلى سيظهر يخلي دمنا مثل البواطس
ويسبي من قبائلنا عذارى ونترك أرضنا قفرا دوارس
ولايقبل رجاه ولا عطاه ويطرحنا على الغبرا نواكس

( قال الراوي ) فلما انتهى سلطان من كلامه وقع الخوف في قلوب القوم وأخذوا يستعدون للقتال من ذلك اليوم وأما الزير فانه كان قد جد في المسير حتى وصل الى دياره والتقى بأهله وأنصاره فلما رأوه فرحوا به واتت اليه اليمامه وشقايقها وكذلك أخوة الزير وكل من في الحي من نساء ورجال فوقعوا عليه وقبلوا يديه وانتشرت الاخبار بقدومه الى الديار بين الكبار والصغار حتى ملأت الاقطار فأقبلت الابطال والفرسان وتواردت اليه السادات والاعيان وسلموا عليه وتمثلوا بين يديه وهنوه بالسلامه فشكرهم واثنى عليهم وترحب بهم فذبح الذبائح وأولم الولائم ووعدهم بالمكاسب والغنايم وبعد أن أكلوا الطعام وشربوا المدام أنشد عدي أخو الزير يقول :

يقول عدي أبيات فصيحه أتانا الزير والمولى عطانا
وكنا قبل ما يأتي الينا بحال الذل في قهر حزانا
وجساس الردي عايب علينا يريد هلاك تغلب مع أذانا
فأمرنا با نبقى جميعنا على طول الليالي مع نسانا
ولا نركب خيولا صافنات ولانقل سيوفنا في حمانا
الينا جيت يا جميل المحامل ويا كهف العذارى والامانا
لربي الشكر ثم الحمد دايم أذا ماجئتنا نقهر عدانا
ايا سالم فانهض شد عزمك واركب فوق مطلوق العنانا
ونركب ثم نحمل فرد حمله على اولاد مرة في لقانا
ونترك دورهم بورا وقفرا ونقتلهم ونأخذ ثارا أخانا

( قال الراوي ) فلما فرغ عدي من كلامه تقدمت اليمامه نحو عمها وشكرت الله تعالى على سلامته ودعت له بطول العمر فضمها الى صدره والتفت الى من حوله وانشد وقال :

يقول الزير أبو ليلى المهلهل الا يابنات ان السعد جاكم
وأقبل سعدكم والشر ولى وراح الشر عنكم لاعداكم
ثماني سنين وسط البحر غائب وبالي عندكم مما دهاكم
وفرج الله همي وغمي وخلصني وجيت الى حماكم
حيث اتيت زال الشر عنكم ونلتم يا بنات مني مناكم
غدا جساس أقتله بسيفي وآخذ يا بنات بثار أباكم
وانتم يا عدي ودريعان وباقي أخوتي تسلم لحاكم
فأتوا بالصوافن واركبوهم وهبوا جميعكم ومن معاكم
ودقوا طبلكم يآل قيس وقيموا النار فس ساير حماكم
وخبوني بعيد عن المنازل غدا جساس يبرز للقاكم
فلاقوه على خيل ضوامر واني سوف اهجم من وراكم

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه طابت قلوبهم وانشرحت صدورهم وزالت عنهم الاتراح وايقنوا بالنصر والنجاح ومازال بنو قيس يجتمعون الى الزير ويتواردون حتى صاروا في جمع غفير وعدد كثير فاستعدوا للقتال والنزال فأطمعوا الجوعان واكسوا العريان وأوقدوا النيران ورجع الحي كما كان هذا ماكان من الزير وقومه وأما بنو مرة فلما بلغهم الخبر وكيف ان بنو قيس قد التموا بعد التفريق والشتات من جميع الجهات وهم في أفراح ومسرات أجتمعوا بجساس وقصوا عليه الخبر وقالوا له لو لم يكن الزير قد ظهر لما كانوا بنو قيس اجتمعت على بعض هذه الايام وخالفت أوامرك ومراسيمك العظام فقال لهم كفوا عن هذا المقال ولا يخطر لكم الزير على بال فاستعدوا للحرب والقتال فعند ذلك استعدت الفرسان الفحول وركبوا ظهور الخيول وتقلدوا بالسيوف والنصول ولقد أملوا بالنجاح وبلوغ المأمول وركب جساس حصان الزير الاخرج وسار بذلك الجمع الغفير ولما أقتربوا من حي بني قيس سمعت أبطال الزري دق طبولهم وصهيل خيولهم فهاجوا وماجوا فأمرهم الزير أن يتأهبوا للقتال ويلاقوهم الى ساحة المجال فتبادروا في المجال وتقدمت الفرسان والابطال وركب الزير على مهره ابو حجلان وسبقهم الى الميدان وكمن في بعض الروابي والتلال مع جماعة من الرجال ولما اقترب جساس من رجال بني قيس قال لهم لقد خالفتم أوامري وغركم الطمع وهجم عليهم بالرجال وأحاط بهم من اليمين والشمال فالتقوه بقلوب كالجبال واشتد القتال بينهم وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال فلما راى المهلهل تلك الاحوال لكز الحصان وتقدم الى ساحة الميدان فشق الصفوف والكتائب ومرق المواكب وهو يهدر ويصيح من قلب فريح ابشروا يا بني بكر ياأنذال ميحل بكم من الوبال على ماعلمتونا به من سوء الفعال فقد اقسمت برب الانام الذي لايغفل ولاينام أني لا أترك منكم شيخ ولا غلام ثم انه مال وجال وضرب بالسيف العال وتبعه الفرسان والابطال من اليمين والشمال فلما سمع جساس صوت المهلهل انقطع قلبه من الخوف والوجل ولكنه ثبت في ساحة الميدان خوفا من الهلاك والقلعان وأخذ ينخي الابطال والفرسان على القتال والثبات والهجوم على لقاء الاعادي قبل الممات فثبتوا ثبات الجبابرة وقاتلوا قتال الاسود الكاسرة ولكنهم لم يقدروا ان يثبتوا اكثر من ثلاث ساعات حتى انصبت عليهم النكبات وبلوا ببلايا لا تطاق من سيف المهلهل فارس الافاق فولوا الادبار واركنوا الى الهزيمه والفرار بعد ان قتل منهم عشرة آلاف فارس كرار وتبعهم الامير جساس وهو في قلق ووسواس وغنم بنو قيس منهم غنائم عظيمه ومكاسب جسيمه ورجعت الى الديار بالعز والانتصار والبطش والاقتدار وفي مقدمتهم الامير المهلهل الجبار وهو مثل شقيقه الارجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان ولما وصل الى المضارب بقواد المواكب لاقته بنات أخيه وجماعته من أقاربه وأهاليه فشكروه على تلك الفعال وقالوا مثلك تكون الابطال والفرسان ثم انه جلس في الخيام وجلست حوله السادات العظام وجبابرة الصدام فتحادثوا في الكلام وشكروا رب الانام على بلوغ القصد والمرام وبعد ان اكلوا الطعام وشربوا المدام التفت بعض القواد الى المهلهل فارس الطراد وقالوا بالله عليك أن تنشدنا شيئا من اشعارك لان قلوبنا مشتاقه على الوقوف على أخبارك وماجرى لك في أسفارك فعند ذلك أنشد يقول وعمر السامعين يطول :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل فكل مقدر لابد يأتي
نزلت ياأخوتي وابناء عمي بجنح الليل لايدروا صفاتي
فقالوا ضيفنا شرطوا علينا فلا نوقد النار في الفلاة
تكافحت اليمامه مع حمامه وقالوا عمنا هيهات يأتي
فقلت لها لبيك جئتك انا مرادي السباع الكاسرات
فجيت لعندها في قلب صامد وجدت عيونها مقرحات
قلت يا يمامه ليش تبكي جرحت بالبكا قلبي لأني
فهمك يايمامه ليس تبكي اذا ثارت حروب الفلاة
انا همي كراديس الفوارس اذا ما وهجت نار العداة
وجيت انا علي جساس رامح هرب مني وصاح أنوا العداة
وقال الزير جانا يا بلانا وطالب تارة بالمرهفات
فقولوا لابن مرة ياتي عندي اتاه الزير دباح العداة

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه شكرته أخوته وجميع قوامه فعند ذلك تقدم سالم المهيأ اليه وقبله بين عينيه وأشار يقول :

على ما قال سالم المهيأ مهلهل جيت هذا اليوم يومك
وزال النحس والتوفيق أقبل وأضحى القطر يزهو في قدومك
ولما جيت يا زين الفوارس ازلت همومنا وزالت همومك
فقم أركب عليهم يا مهلهل نهار وليل ما أحد يلومك
وخذ الثار من جساس حالا وافرج همنا واخلي همومك

( قال الراوي ) فلما فرغ سالم من شعره طابت قلوب الجميع وعادوا لما كانوا عليه من الفرح والمسرة واما بنو مرة ابتلوا بالذل والويل من حرب الزير فارس الخيل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ركب الامير مهلهل في مائة الف بطل وطلب حرب القوم فالقاه جساس في ذلك اليوم وكان بمعيته مائه الف مقاتل بين فارس وراجل فانتشب بين الفريقين القتال وعظمت بينهم الاهوال وقاتل المهلهل حتى استقتل فنكس الابطال الفحول على ظهر الخيل وقتل جماعه من السادات الاعاظم الذين اشتهروا بالفضل والمكارم وشاع ذكراهم وشاع ذكراهم بين الاعارب والاعاجم فمنهم الامير شهاب المكنى بعقاب وغيره من السادات والانجاب واستمر القتال على هذا الحال طول ذلك النهار فانكسرت بنو مره اشد انكسارورجع المهلهل بالغزو والانتصار ولما كان الصباح ركب المهلهل والفرسان فالتقاه جساس بالرجال وتقاتلوا اشد قتال ولما تقابلت الصفوف تبادرت المئات والالوف وبرز اخو جساس بين الصفين ولعب برمحين بين الفرقين وطلب قتال المهلهل فانطبق عليه وحمل كانه قطعه من جبل او قله من القلل فتطاعنا بالرماح وتضاربا بالصفائح وثبت شاوش امام الزير ثبات الابطال والغاوير لانه كان من الابطال المشهوره والفرسان الذكوره واستعمر الائتان نحو ساعه من الزمان وهم ضرب وطعان وكان الامير شاوش قد حتم على نفسه امام الابطال اما ان يهلك في النهار او ان يظفر بخصمه ويعيش في عز واقبال ثم صاح على المهلهل وطعنه بالرماح قاصد قبض روحه فالتقاها المهلهل بالدوقه فراحت خائبه بعدما كانت صائبه ثم تقدم المهلهل وهجم عليه وضربه بالسيف على عاتقه خرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا وفي دمه حديلا ثم هجم على الرايات وطعن الفرسان والسادات وقتل الرجال ومدد الابطال في ساحه المجال وفتك فيهم قتك فيهم فتك الاسود الكاسره وفعل افعالا تعجز عنها صناديد الجبابره وفعلت ابطاله مثل افعاله فقاتلوا القتال المنكر واذاقوا الاعداء الموت الاحمر فلما راى جساس ما حل بقومه من العذاب استعظم المصاب وخرج عن دائره الصواب وزاد اكتئاب وذلك على فقد اخيه ليث الغاب لانه كان يحبه محبه عظيمه وموده جسيمه فبكى وانسحب وولى يطلب لنفسه الهرب وتبعه رجاله وابطال ورجع الزير بباقي الفرسان الى المنازل والاوطان وهو شقيقه الارجوان مما سال عليه من ادميه فالتقته اليمامه بالاعتزال والكرامه ثم نزل في الخيام مع السادات الكرام فاكلوا الطعام وشربوا المدام وكان في كل يوم يركب حسب عادته لحرب القوم حتى بلغ منهم غايه المنى وابلاهم بالذل والعنا فلما طال المطال على بني مره الاهوال جمع جساس الرجال ومن يعتمد عليهم من المطال وقال لهم ما هو قولكم في هذا الامر العسير فقد حل بنا التدمير وهلك كل سعيد وامير وان طال القتال لم يبق احد من الرجال فقال اخوة سلطان الراي ىعندي ان تأخذ اختنا الجليله وبعض نساء القبيله وتذهب اليه وتقع عليه وتطلب منه كف الاذى والضرر وتعطيه اديه اخوه مهما امر وتقيمه ملكا على بلاد الشام وتدفع له الجزيه في كل عام فقال جساس من يذهب وقص هذا الكلام عليه قال انا وانت يا أخي فبتسم جساس وقال سمعت بأحد من الناس يرى الموت بين يديه فيزحف اليه على رجليه فقال سلطان انا اذهب اليه بنفسي لان بيني وبينه مودة قديمه ومحبه مستقيمه ثم انه نهض في الحال وتاهب للسير والترحال واخذ معه اخته الجليله وبعض من نساء القبيله وقصد المهلهل حتى وصل اليه وسلم عليه وقال بالله عليك ان تصفح عنا فقد اهلكت رجالنا ولم تبق احد منا وقد اتيتك الان مع امراة اخيك الجليله واكابر نساء القبيله تقع على ساحه اعتابك وتطلب من جنابك وتبلغك غابه الارب من الفضه والذهب ونقيمك ملكا على هذه الديار وتكون طوع لك مدى الاعصار لانك سيفنا الثقيل ورمحنا الطويل ثم انشد هذه الابيات بحضور الامراء والسادات :

قال سلطان بن مرة في بيوت يا مهلهل استمع مني القصيد
ليت عمرك يامهلهل الف عام ياحماه البيض في يوم الشديد
فاعف عنا وانت يا سياج المحصنات ليت عمرك كل يوم في مزيد
نحن منك وانت منا ياهمام كلنا اولاد عمك يارشيد
فاعف عنا ثم دعنا في حماك تحت ظلك عيشك يبقى رغيد

فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه المهلهل :
افتهم يا ابن عمي ما اريد افتهم فحوى كلامي في قصيد
ليس لي ذنب في أي الامور وانا في حقكم لست عنيد
غصب عني يا سياج المحصنات على عمرك يا ولد عمي يزيد
كل ذا جاري عليكم يا رجال على يمامه بنت اختك الاكيد
اليمامه كل يوم تقول خذ بثاري ايها البطل العنيد
فان عفت انا عنكم اعف كل قول صادق والله شهيدا
وان ابت لا اخالف قولها انني عن امرها لست احيد

( قال الراوي ) فلما انتهى الزير من شعره ونظامه قال للسطان ومن حضر معه انني
لا اكف الحرب والقتال ولا ارفع عنكم السيوف الصقال الى يوم القيامه او تمنعني اليمامه فاذهب اليها وخاطبها بما خا طبها به امام هؤلاء الاعيان فعساه ان تجيب طلبك يا سلطان فعند ذلك قصد سلطان اليمامه اخته الجليله ومن حضر معه من نساء سادات القبيله فدخلوا جميعا اليها وسلموا عليها وقبلت الجليله بناتها وقالت لهن اما كفي يا بنات الاكارم والوقار فقد قتلت رجالنا وهلكت فرساننا وابطالنا وساءت احوالنا وصارت عبره لمن اعتبر ومثلا بين البشر فا جابتها اليمامه انا لااصلح حتى لايبقى منا احد يقدر ان يكافح ان كان عمي عجز من قتالكم فانا انوب عنه والتقي بابطالكم ثم انها ختمت كلامها بهذا الشعر والنظام :

قالت يمامه من ضمير صادق يا جليله اقصرى عن عناكم
انت وخوالي وكل عشائري لا تزيدوا لفظكم ولا لغاكم
قتلتم الماجد كليب والدي غدرا وما له ذنب معاكم
جساس طعنه من قفاه بحربه ودعاه على الغبرا حقير حداكم
انا واخوتي بقينا بذ له نمسي ونصبح ولاننسى بلاكم
انا لا اصالح حتى يعيش ابويا ونراه راكب يريد لقاكم

( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها ونظامها وفهمت الجليله فحوى كلامها ر جعت هي واختها مع باقي النساء الى الحي بدون ادنى افاده واخبروا الامير جساس بواقعه الحال وما سمعوه من المقال فاعتراه الخوف والانذهال وايقن بالهلاك والوبال فقال اخوه سلطان وكان ذا مكر واحتيال اني سأهلك الزير ايها الامير واقوده اليك عند الصباح كا لبعير فقال ماذا عولت ان تفعل وما هو العمل قال اني اقصد الميدان في جماعه من الاعوان واحفر هناك ثلاث حفاير ونغطيهم بالقش حتى يخفوا عن عيون العساكر فما كان الصباح والتقى الجحفل بالجحفل فتبرز انت الى المهلهل وتكون انت عارف بهم فتقوده اليهم وبهذه الوسيله تتم الحيله فيسقط ويهلك في هذا الشرك فنخلص من شرة وتبلغ ما انتمناه فاستصوب جساس هذا اراي واستحسنه وخرج ذلك الليل مع اخيه سلطان في جماعه من العبيد والاعوان حتى وصلوا الى المكان فحفروا ثلاث حفائر عميقه وغطوها بالقش ووضعوا عليها التراب حتى يخفى عن العيون ثم رجعوا الى اماكنهم وهم مسرورين وباتوا تلك الليله على مقالي النار وهم ينظرون طلوع النهار هذا ما كان هؤلاء واما الزير البطل النحير فانه ركب في الصباح بفرسان الكفاح وقصد ساحة الميدان بقلب اقوى من الصيوان فالتقاه جساس بالعسكر ثم انفرد بنفسه نحو الحفاير واخذ يلاعب الجواد على عيون العساكر والقواد فرآه بعض الفرسان وهو يجول في ذلك المكان على ظهر الحصان فأعلم المهلهل بذلك الشأن وقال له ان خصمك ظاهر للعيان وهو في تلك الناحيه من الميدان فلما رآه المهلهل قصده على عجل ليقتله ويبلغ الامل فلما اقترب منه ابتعد جساس وانطبقت عليه باقي الناس بقصد ان يطعنوه ويهلكوه ويعدموه فلله در الحصان ابو حجلان فانه كان من عجائب الزمان وغرائب الاوان أخف من الغزلان واسبق من البرق عند اللمعان فانه عندما وقع ضرب بحافرة الاض ارتفع حتى صار بين الفرسان بالميدان فرجعت الخيل عنه مدبرة فاستعظم تلك الامور المنكرة وغاب عن الوجود حتى صار بصفة مفقود فرأى جساس ينخى ابطاله ويصيح على رجاله فتقدم نحوه بالجواد ليشفي من غليل الفؤاد فاتفق المقدر بوقوعه في الحفرة الثانيه من تلك الحفر فوثب به الجواد وانتصب اسرع من النظر اذا وثب حتى صار على وجه الارض فانقلبت عليه العساكر على بعضها البعض فزاد بالزير الكدر وطار من عينيه الشرر فقصد الامير جساس دون باقي الناس ليقتله ويعدمه الحواس فكبى به الجواد في الحفرة الثالثه وكانت عليه اقبح حادثه وكان جواده قد اعياه التعب وضعفت قواه وانحل منه العصب حتى لم يعد يمكنه ان يفعل كما كان يفعل وكذلك الامير مهلهل فقد انهد حيله وطاش واعتراه الخوف والارتعاش وايقن بالهلاك والممات وآيس على نفسه من الحياة فكانت علة عظيمة وداميه جسيمه فلما بلغ جساس الامل ونجح بذلك العمل ايقن ببلوغ الارب وصاح من شدة الطرب على باقي رجاله ومن يعتمد عليهم من ابطاله يا ويلكم ادركوه واطمروه واقتلوه فان تخلص هذه المرة من هذه الحفرة لا تتأملوا بنجاح أو نصر فلما سمع الرجال منه هذا المقال قصدوا ذلك المكان من اليمين والشمال وكانت ايضا بنو تغلب قبيلة الزير فارس العجم والعرب قد اقبلت ابطالها وفرسانها ورجالها وانشب بينهم وبين القوم قتالا لم يسمع بمثله قبل ذلك اليوم وكان القتال في ذلك اليوم بجانب تلك الحفر ولما عظمت الاهوال وتكردست جثث القتلى على الارض مثل التلال من ضرب السيوف وطعن النصال هجم جساس امام الناس وقال للفرسان والابطال والشجعان ادركوني في هذا النهار واسعفوني بالتراب والاحجار واردموا هذه الحفرة في ساعة الحال وانا ارد عنكم هجمات الرجال فتقدموا من عجل وبادروا باجراء هذا العمل غير انهم لم يبلغوا الامل لان أخوة الزير والفرسان المشاهير هجموا عليهم من اليمين واليسار وضربوا فيهم السيف البتار فأبلوهم بالذل والدمار وكان الامير مرة بالقرب من تلك الحفرة فرآه عدي اخو الزير فتقدم اليه وقبض عليه والقاه في تلك الحفرة بالعجل وقال خذ عمك يامهلهل ولما صار بالقاع ضربه بالسيف فقتله ثم اخرجوا الزير من تلك الحفرة بالقوة والاقتدار فعند ذلك انشرحت من بني تغلب القلوب وزالت عنهم الغموم والكروب وايقنوا بالفلاح والتوفيق والنجاح وقصدوا الحرب والكفاح والتقوا أعداءهم بأسنة الرماح ومال ايضا الزير على القوم ونادى اليوم ولاكل يوم وفي الحال اشتعلت النيران القتال وقامت الحرب على قدم وساق وارتجت جوانب الافاق من ضرب السيوف الدقاق والرماح الرقاق وجمدت من القوم الاحداق وفعل الزير في ذلك اليوم فعالا لاتطاق ومازاولوا في أشد قتال الى وقت الزوال فعند ذلك دقت طبول الانفصال فرجعت بنو مرة بالويل والحسرة والمهلهل بالنجاح والنصرة فنزل عن ظهر جواده وخلع آلة حربه وجلاده وجاءت السادات واكلت من زاده ولما جلس في الصيوان ونادى على عبده ابي شهوان باحضار المدام الى الديوان فأحضره بالعجل فتناوله منه المهلهل ومن حضر في ذلك المحفل فعند ذلك تذكر الزير ماجرى له في ذلك اليوم المهول فأنشد يقول :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل فدمع العين هطال عمانا
لقد قتلوا اخي اولاد عمي وقالوا ما راوه الا جبانا
ولا يدرون بأسي واقتداري فقطعتهم ولم أخشى الزمانا
أتتنا في كليب اولاد مرة اتونا داخلين على نسانا
وقالوا كف عنا يا مهلهل فقد حكمت سيفك في اذانا
فاطلب ما تروم اليوم منا واتركنا فقد صرنا حزانا
فقلت لهم روحوا لليمامه رضاها اليوم احسن من رضانا
قتلنا كليب الوف قوم فما فيهم ردي ولا جبانا
قتلنا من بني مرة امارة ملابسها ثياب الطيلسانا
فرحوا الكل قد وقعوا عليها وقالوا عمك ارسلنا عيانا
فقالت اذهبوا اولاد عمي فهذا القول ضحك في لحانا
فانا لا نصالح في كليب الا ان نراه على الحصانا
وقد حفروا لقلعاني حفاير وغطوها وقالوا قد كفانا
فركبوا خيولهم واتوا حداها وقالوا قد اتانا قد اتانا
وقف جساس ما بين الحفاير هجمت عليه اطعنه السنانا
فولى هاربا من هول حربي ومرة قد قتلناه عيانا
فكوني يا يمامه في انشراح وحظ دايم في طول الزمانا
فسوف ابيد جساس بسيفي وكل سيد يبغي اذانا

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره جميع اقوامه ولما كان الصباح رجعوا على ماكانوا عليه من الحرب والكفاح ومازالوا في قتال وصدام مدة من الايام ولما طال المطال اتفقوا على توقيف الحرب والقتال واخذوا هدنة شهرين لراحة الفريقين فاتفق في بعض الايام بينما كان الزير خارج الخيام معه جماعة من الخدام واذا برجل يقود مهر ادهم كامل الصفات فاستحسنه الزير غاية الاستحسان وقال لقائده ماهو اهل هذا الحصان يا حلو الشمائل ايه من الخيول الاصايل قد اتيت به من ابعد الحلل لاهديه للامير مهلهل فتعجب الزير من الاتفاق الغريب وقال لقد نلت مرادك من قريب فانا هو مهلهل الذي انت قاصده فاخذ منه الجواد وامر له بالف دينار وبلغه مقاصده فدعا له بطول العمر والبقاء وعلو الشأن والارتقاء وسار من يومه الى قومه فاعتنى الزير بذلك الحصان وفضله على جميع الخيول والجياد واتفق في ذلك النهار انه التقى برجل ختيار وهو راكب على دلة سوداء مثل الظلام ووراها كر ابن سبعة ايام وهو يبرطع خلفها وتارة من قدام فلما رأه الزير اعجبه وقال لذلك الشيخ اتبيع هذا الكر فقال بكم فقال ليس على الكريم شرط فأعطاه الزير مائة دينار وأخذه منه وسلمه الى السايس فرباه مدة اربع سنوات ثم دخل الزير ذات يوم الى الاصطبل فنظر الكر وهو متعافي فأمر السايس ان يضع عليه عدة ولجام فأخرجه واسرجه ولجمه فركب عليه الزير وساقه ورجع الى الوراء فرده الى اليمين فراح شمالا واجتهد ان يمشه فما كان يمشي معه فغضب منه ولكزه برجله في الركاب فتضايق المشوم من فعاله وضربه بنعاله ضرط ضرطة من شدة الوجع كأنها صوت مدفع فغضب الزير وتألم وضربه بالسيف فأورثه العدم ودخل الى صيوانه فاجتمع
بنوابه واعيانه وقال ولقد جربت دني الاصل واكرمته فضاع فعلي معه وما قدمت هذا المثل ايها السادات الاخيار الا لتعلموا ان الحمار يقتني الحمار ثم انه ركب ذلك الحصان فوجده من عجائب الزمان فزاد انشراحه فيه فأمر السايس ويداويه ثم انشد يقول :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل بلوم الشعر ما تغلي مالي
ابا غالي رضيت الخيل تركب تعالى واسمعي مني مقالي
جمع الخيول للحمر خوادم شبيه الصيب تخدمها الموالي
واما الخضر مركوب الامارا فتركبها الملوك وكل والي
واما الدهم زيدوهم عليقا وسيبوهم لدهمات الليالي

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه شكره قومه على حسن اهتمامه ثم استعد الفريقان للقتال وجرت بينهم عدت وقائع واهوال انتصربها المهلهل وكسب اموالا كثيره وقتل سادات كثيره حتى ضعفت بنو بكر وذلت وبعد كثرتها قلت واضحمك
( قال الراوي ) فبينما هم في حاله الذل والانكسار واذا بغبار قد علا وثار قاصدا بلادهم وتلك الديار فشخصت اليه الابصار ساعه من النهار الى ان ارتفع وتمزق وبان من تحته الف فارس وكلهمخ با لسلاح والدوق وفي اولهم فارس بالحديد غاطس كأنه قله من القلل او قطعه فصلت من ذيل جبل وعلى راسه البيارق والريات والسناجق فلما راه جساس استبشروا وايقن بالفرج بعد الشقا والكدر ولما اقترب للعيان ونأملته الفرسان واذا اسد الاجام الامير سيبون ابن الامير همام وكان المذكور قد خرج في جماعه من فرسان الصدام للغزو على بلاد الروم وذلك من عهد وقوع الزير في البحر كما سبق الكلام فلما عرفوا وتحققوا خرجوا اليه واستقبلوه وفرحوا بقدومه الي الديار وكان ذلك اليوم عندهم اعظم نهار فذبحوا الذبائح وطعموا الغادي والرائح وكان افراح الخلق ابوة همام وامه ضباع حيث لم يكن غيره سوى الذي قتل الزير على بير السباع فلما نزل بصيوانه بابطاله وفرسانه خاع عدته وغير بذلته ودقت له النوبات وقامت الافراح والمسرات وعمل جساس وليمه عظيمه لها قدر وقيمه استدعى اليها جميع الاكابر وامراء القبائل والعشائر وكان شيبون قد وجد السادات والاعيان في هموم واحزان فسال عن ذلك الشان فقال جساس له لاتسال يا ابن اخي عما اصابنا ودهانا من خالك الزير غالمهان فانه يكتف بقتل اخيك شيبان حتى جعلنا مثلا بين العربان على طول الزمان فانه افنى رجالنا واهلك ابطالنا وقد حرمنا هجوع الليل وهدمنا القوى والحيل كل هذا هو لايقبل منا ديه ولامال ديه ولامال ولافديه وقد اعلمنا بالقضيه واو قفناك على باطن الطويله فلما سمع شيبون هذا الكلام صار الضيا في
عينيه كالضلام من عظم ما قاله اخمرت عينيه وشتم خاله ووعدهم بالمساعده والمعاضده وان يكون معهم على قتال خاله يد واحده ثم نظم هذه القصيده وارسلها لخاله على سبيل الملام والتهديد :

قال شيبون ابن همام الامير حامي الزينات طعان العدا
مرعب الفرسان في يوم اللقا ساقيا للعدى كاس الردى
ضر ب سيفي يقطع السيف المتين ثم يقدح الصخور الجمدا
كل من يبغي قتالي يرتدي ويرتمي فوق الصعيد ممدا
لم يبق لي مقارن في المجال حين يلقوني يولدا شردا
وانت يا خالي مهلهل ياهمام شد عزمك للقتال الى غدا
ولاتقل يا خالي ما اعلمتني يا قليل العقل لاتتمردا
ابرز الي في الصباح ولاقني ثم ابشر يا مهلهل بالردا

( قال الراوي ) فلما فرغ شيبون من شعره ومقاله ختم الكتاب وارسله الى خاله مع رجل من ابطاله فلما فتحه الزير وقرأه وعرف فحوى معناه أجارت وغاب من ديناه وقد شق عليه وتأسف وصفق كفا على كف وقال انه معذور في هذه الامور لانه جاهل مغرور فلقتضى ان ينتصح قبل ان يفتضح فاجابه على ابياته تقول :


الجز الثامن
قال ابو ليلى المهلهل انني مفرج الكروبات في يوم الزحام
يا فتى شيبون يا ابن اختي ضباعا تهددني في كتابك يا غلام
ثم تطلبني الى سوق المجال وانت قصير على وضرب الحسام
احتفظ من ان تجهل يا امير الجهل يسقيك كاسات المدام
اطرد الشيطان ابليس اللعين وانتصح من قول خالك ياهمام
لاتخالفني واسمع ما اقول يقتلك جهلك وما تبلغ مرام
رد عما انت فيه ولاتزيد ان كنت تبغي حربي والصدام
شد عزمك غدا انتلاقى سوى من طلوع الفجر الى وقت الظلام

فلما انتهى الزير من شعره ونظامه ارسل الكتاب الى ابن اخته شيبون فلما فتحه وعرف ما احتوى عليه من المضمون مزقه ولم يكترث ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ودقت طبول الحرب والكفاح وركب شيبون وجساس وكذلك الزير الفارس الدعاس والتقوا با بطالهم ورجالهم وتشددا في قتالهم وكان شيبون قد برز الى ساحه الميدان وتبعه الابطال والفرسان والتقى بفرسان تغلب وفعل بهم العجب فما صدم فارسا الااعطبه وعن ظهر جواده اقلبه ثم صاح وحمل بقلب اقوى من جبل وطلب براز خاله المهلهل وكان الزير لما شاهد افعال ابن اخته وما فعل بابطاله ورفقه حمل عليه واحمرت اماق عينينه وقال اذهب يا وجه العرب قبل ان تهلك وتعطب فقال الى اين اذهب يا خالي وانت غايه بغيتي وامالي فو الله لاقتلك في هذا النهار واطفى اخبارك من بين القوم لانك طغيت وتجبرت وافتريت فاغتاظ الزير من هذا الكلام والتهديد والتقاه بقلب شديد وجرى بينهما في اليتال وقائع واهوال تشيب الاطفال ولما طال المطال قال له الزير امام تالابطال ارجع يا ابن اختي بامان قبل ان يحل بك الهوان وتلحق باخيك شيبان فارجع الى اهلك وامك وارسل لي ابطال قومك مع جساس عمك فلم يجبه شيبون بكلام بل كان يقايل كسبع الاجام وكان الزير كلما حكم عليه باالضرب في الحرب تمنع عن اذاه شفقه عليه واكرام لخاطر والديه وما زال يقاتله ويداريه وينصحه بتلرجوع عما فيه الى ان اقبل الظلام فعند ذلك توقف القتال ورجعت الفرسان الابطال عن ساحه المجال ثم
والتقوا في اليوم الثاني وكان أول من برز الى ساحة الميدان الامير شيبون فصاح وطلب براز المهلهل فالتقاه الزير ونهاه عن قتا له فلم ينتصح بمقا له بل تقد م ا ليه وهجم عليه واشار يقول متهددا اياه امام الفرسان والفحول :

أنا شيبون ابن همام الامير فارس الفرسان في يوم النكير
استمع يازير قولي وافهم لابد من قتالك يا وغدا حقير
مابقالك مخلص مني ولا من حسامي اليوم لو انك تطير
ثم آخذ ثار اعمامي الجميع كم بطل صنديد صيرته حقير
ليس لك قلب على اختك يحن وأولاد عمك ذاقوا منك النكير
كم قتلت منهم خلق كثير كم يتمت كل طفل صغير
سوف ترى حربي يا مهلهل في لقاء الابطال ما لي نظير
قد اخبروني يوم جئت بانك يا قليل العقل تركب للحمير
مايقنى الحمار الا الحمار ما انا مثلك ولاعقلي صغير
هات لي سيفك ورمحك والثياب هات ابو حجلان كاطير يطير
حتى اقتلك من حسامى والقنا وتطلب الجير ومثلى من يجير
ان كنت لاتنصح فهذا حربنا ويكون النصر من رب القدير

فلما سمع الزير هذا الكلام وقع عليه اشد من ضرب الحسام فأجابه يقول :

قال ابو ليلى المهلهل ثم قال انت ياشيبون ماعاد لك بعير
هرجت ياشيبون مافي قولك كثير الجحش لا تخطل كما يحمل بعير
لو سقيت الجحش من سكر وسمن ولو خلطت له الصنوبر والشعير
لا عاش اصله ماينفع منه الجميل اكيد هو مجنون من يقني الحمير
وانت ياشيبون لو لم تكن حمار مارجعت اليوم الى حربي تغير
فاني قد عفوت عنك البارحه من امك وابوك نعم النصير
وانت تعلم انني سبع الرجال قتلت منكم اثنى عشر الف امير
هذا من غير التوابع والغريب تاه فيهن العدد ناس كثير
كم نصيحه نصحتك لاتنتصح جاهل سوف تقع في وسط نير
لم يبق لي ذنب ان اتك مني ضرب بهدى الابدان ماعاد لك مجير
دونك الميدان ياشيبون قم وقو عزمك لايكون باعك قصير

( قال الراوي ) فلم يلتفت شيبون الى كلامه ولا أكترث بالتوبيخ والملام بل حمل عليه حملة أسد الغاب واخذ معه في الطعان والضرب فالتقاه مهلهل بالعجل بقلب اقوى من الجبل واشتد القتال وعظمت الاهزال حتى تعبت من تحتها الخيل وارتخى منهما العزم والحيل ومالا على بعضهما البعض كل الميل وكان الزير يطاوله ويحاوله واستمر يقاتلان ثلاث ساعات من الزمان حتى استعظمت من قتالهما الفرسان وشخصت اليهما عيون الشجعان وكان الامير شيبون يود ان يقتل خاله ويعدمه الحياة ويفتخر بقتله على اهله واقرباه الى ان غنم الفرصة عليه فهز الرمح وطعنه بين ثديه فخلى المهلهل منها فراحت خائبه بعد ماكانت صائبه فزاد الزير غضبا وتوقد قلبه والتهب وصمم على ان يسقيه كأس العطب فجذب سيف حكمون وقال اليوم اريك يمجنون كيف الضرب يكون لاني نصحتك فما انتصحت ولقد خسرت وماربحت ثم تقدم اليه وهجم عليه وضربه على مفرق راسه فسقه الى تكه لباسه فوقع على الارض يتخبط بعضه ببعض فلما رآه المهلهل وهو قتيل يتململ ندم على مافعل فتحسر وهطلت الدموع من عينيه فلما قتل الامير شيبون احمرت من بني مرة العيون وزادت عليهم الحسرات
وايقنوا بالهلاك والشتات ولكنهم اخفوا الكيد واظهروا الصبر والجلد وقاتلوا قتال الاسود وطلبوا الرايات والبنود فالتقاهم الزير بالعساكر وضرب فيهم بالسيف البواتر واحاط بهم احاطة الخواتم بالخناصر وقتل منهم مقتلة عظيمه واصاب غنائم جسيمه فلما راى جساس ضعف حاله وقتل فرسانه فولى يطلب الهرب خوفا من العطب وتبعه فرسان وقد ابصروا ان ذلك اليوم العجيب من قتال بني تغلب فرجع عنهم الزير وهو حزنان على فقد ابن اخته الامير شيبون فنزل في الصيوان مع الامراء والاعيان ولم يكن له داب الا البكاء والانتحاب ولما اتى وجلس وانشد هذه الابيات وهو من الحزن على آخر نفس :

الزير انشد شعرا من ضمايره العز بالسيف ليس العز بالمال
شيبون ارسل نهار الحرب يطلبني يريد حربي وقتلي دون ابطال
نصحته عن قتالي ولم يطاوعني بارزته فتجندل في الارض بالحال
المال يبني بيوتا لاعماد لها والفقر يهدم بيوت العز الغالي
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن الا خالي البالي
مابين لحظه عين انت راقبها يغير الله من حال الى حال
فكن مع الناس كالميزان معتدلا ولاتقولن ذا عمي وذا خالي
عم الذي انت مغرور بنعمه خال الذي انت من اضراره خال
لايقطع الراس الا من يركبه ولاتريد المنايا كثرة المال

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه وانطرح على فراشه من شدة حزنه على ابن اخته ولما بلغ قتل شيبون ابوه همام وامه ضباع احترق قلبها عليه لانه كان ابنها الوحيد بعد اخيه شيبان وكانت الفرسان قد اتت بجثته اليهما فبكياء بكاء شديدا ومزقا عليه الثياب وبعد ذلك دفنوه في التراب وفي اليوم الثاني ركب الامير لقتال الزير وتبعه جساس وباقي الابطال والفرسان وبلغ المهلهل الخبر فركب في ابطاله وفرسانه ولما التقى الفريقان وتقاتل الجمعان برز الامير همام الى معركة الصدام وطلب براز الزير المهلهل وكان قد غير صفاته ووضع لثاما على وجهه حتى لا يعرفه احد فبرز اليه وهو لايعلم بأنه الامير همام فاقتتلا ساعة من الزمان وكان همام قد ضرب الزير بالحسام قاصدا ان يسقيه كأس الحمام فخلى الزير منها فراحت خائبه فهجم عليه وطعنه بالرمح في صدره خرج يلمع من ظهره فوقع عن ظهر الجواد كأنه طود من الاطواد فالتقت على الزير وقال له وهو على آخر رمق آه يا مهلهل لقد قتلت ابن اختك نهار امس واليوم تقتل صهرك همام قال نعم قال ماعاهدتني انك لاتقاتلني ابدا واننا نكون اصحاب على طول المدى فلماذا خاطرت بنفسك وطلبت قتالي وانت تعلم بأنك لست من رجالي فقال لقد جرى القلم بما حكم فانقضت حياتي ودنت وفاتي وهذا الامر مقدر بأمر رب البشر ومادام الامر كذلك يا فارس المعارك فكف اذاك ودواهيك واجعلني فدى اخيك فقال والله يعز على فقدك ولاعاد يطيب لي عيش من بعدك لكنني لا أكف الحرب والصدام حتى لايبقى من بني بكر شيخ ولا غلام ثم انه من بعد هذا الكلام هجم على المواكب ففرقها وطعن في أبطالها فمزقها فتأخرت عنه الفرسان ورجعت الى الاوطان وهي في حالة الذل والهوان ولما بلغ ضباع قتل بعلها غابت عن عقلها وقد عظم مصابها وسارت الى بني تغلب ودخلت على أخيها الزير وقلبها يلتهب وقالت له بكلام الغضب هكذا تفعل ياأخبث العرب تقتل اولادي وبعلي وتحرمني أهلي وتتركني حزينه طول الدهر أقاسي الذل والقهر هكذا تكون الاخوان الذين يدعون الفضل والاحسان فوحق الاله القادر الفاحص القلوب والضمائر ان موتى الذ عندي من الحياة وافضل فانت نسيت الجميل والمعروف وقابلتني بالغدر والمتلوف بعد ان اخلصتك من الحريق وكشفت عنك ذلك الضيق فلما سمع الزير منها ذلك الخطاب اظهر الحزن والاكتئاب وتلقاها بالاكرام والترحاب ثم اعتذر لها بالغلط واخذ يطيب خاطرها ويعزيها عما فرط وامرها بأن تسكن عنده بخدمها وحواشيها فامتثلت كلامه وقامت في بيت أخيها .

( قال الراوي ) فلما عظم الامر على جساس وبني بكر وكثرت فيها السبي والقتل ارسلوا يستنجدون اهل اليمامه فأمدوهم برجل منهم يقال له الفند بن سهل ( الحارث ابن عباد ) وكان من جبابرة الزمان وفرسان الاوان لايبالي بالاهوال ولايخاف كثرة الرجال وكان يلقي نفسه على المخاطر ويصيد الكواسر فسار الى مساعدة القوم من ذلك اليوم وقد انتخب من الشجعان سبعون فارسا مثل العقبان يقاربون في الشجاعة والفروسيه والهمه العليا وكانت اهله قد كتبت اليهم تقول قد امددناكم بعشرة آلاف فارس من الفحول وبهم تنالوا من أعداءكم القصد والمأمول فلما قدموا الى تلك الاوطان وراهم جساس وباقي الابطال فاعتراهم الانذهال لانهم لم يروا اكثر من سبعين تحت رايه الفند الاسد العربند فقالوا اين جماعتك الباقين فقال الفند انا بسبعة آلاف فارس واصحابي ثلاثة الاف مداعس فتبسموا من هذا الكلام والتقوهم بالاكرام والاحترام فذبحوا النوق والاغنام ونصبوا لهم المضارب والخيام ثم استعدوا للحرب وسمع بهم المهلهل وتزيد في الخيل والرجال وزحف من يومه في فرسان قومه فالتقته بني بكر في مكان يدعي عقبة الريحان فلما اقترب العسكران قال الحارس بن عباد وكان من الفرسان الاجواد الى جساس قائد القواد هل تطيعني ايها الامير فيما اقول واشير فقال قل مابدا لك فاني لاأخاف مقالك قال أعلم ان القوم مستخفين بقتالنا وذلك لضعفنا وقلة عدد رجالنا فقاتلهم بالنساء مع الرجال فتبلغ منهم القصد والامال فقال جساس وقد اعتراه الانذهال مامعنى وكيف قتال النساء مع الرجال قال انك تحلق رؤوس الفرسان وتجمع النسوان اللواتي اتصفن بالشجاعه وقوة الجنان فتحملهن الماء بالقرب وتعطي كل منهن مطرقه من خشب وتصفهن خلف الرجال وقت الحرب والقتال فان هذا المجال يزيد الابطال نشاطا في ساحة المجال فإذا خرج منكم احد الناس يعرفنه من حلق رأسه فتسقيه الماء فينعشه واذا مررن بعدوكم عرفته فتقتله فاستصوب جساس هذا الراي واستحسنه وفي عاجل الحال جمع النساء والرجال وعرض عليهم هذا الحال فاجابوا امره بالامتثال ولم يبق يومئذ من بكر احد الاحلق واستعد الا رجلا من الفرسان اسمه ربيعه بن مروان كان زميما قصيرا فارسا حطيرا فقال ياقوم زميم قصير واذا حلقت راسي اصير معير عند الكبي والصغير فدعوني من هذا ياسيدات العرب فانا ابلغكم الارب واقتل خمسه فوارس من تغلب فاجابوة الى ما طلب .

(قال الراوي )ولما التقت العساكر بالعساكر وتضاربت السيوف والخناجر ونقللبت تغلب على بكر كليوث الاجام والهبوهم بضرب السيوف على الهام فارتدت بنو بكر طالبه الانهزام فاشهر جساس في يده الحسام وصاح فيهم بصوت كالرعد والغمام وقال يا ويلكم ارجعوا وقاتلوا بقوه وعزيمه فاجتمعت بنو بكر بعد الانقلاب الى الحرب والقتال وضموا خيولهم في كتيبه واحده وطلبوا المكافحه والمجادله وصاح الفند بن سهل والقى نفسه على القتال وهو ينخي الابطال ويصيح على الرجال ففرق الواكب واظهر بقتاله العجائب .
فلما راى المهلهل افعاله برز اليه وطلب قتاله فالتقاه الفند بقلب كالحديد وهجم عليه هجوم الصناديد وما زال في قتال شديد وحرب ما عليه مزيد الى ان صارت وقت الزوال فتوقها على الحرب والقتال وافترقت العساكر عن بعضها البعض ونزلت في جوانب تلك الارض .
) قال الراوي ) وكان ربيعه لم يلحق راسه من ضرب السيوف وطعن الرماح فوقع طريحا بين القتلى على وجه الفلا فمرت عليه نساء بني بكر فوجدته ذات لمه طويله فحسبته من بني تغلب فضربته بالمطارق حتى اوردته موارد العطب فضربت به الامثال وتحدثت به السنه الرجال .
( قال الراوي ) ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح وركبت الفوارس ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتقدموا الى ساحه الميدان بالضرب والطعان وكان المهلهل في الجحفل كانه قله من قلل او قطعه فصلت من ذيل جبل فصاح وحمل على جيوش الاعداء كليث الاجام وضرب فيهم بالحسام وتبعه امرؤ القيس بن اياد وكان صنديد واشتد بين الفريقين القتال وكثر القيل والقال وتقطعت الاوصال وجرى الدم وسال وكان يوما شديد الاهوال لم يسمع بمثله في الاجيال كثر فيه القتال والجراح وتمددت على وجه البطاح وارتجت تلارض من قعقعة السلاح وصهيل الحيل وهول الكفاح وكان الفند قد حمل مواكب المهلهل وقاتل حتى استقتل وفعلت فرسانه مثلما فعل وبذل جساس في ذلبك اليوم غايه الجهود وهجم بقومه على الريات والبنود هجوم كواسر الاسود واشتد على المهلهل القتال واحاطت به الاعداء من اليمن والشمال وهو يقاتل ويمانع وينصح رجاله على الثبات ويدافع حتى جرح في ثلاثه مواضع .فلما زادت عليه الحال وازدحمت حوله الرجال تاحر عن ساحه المجال خوفا من الهلاك والوبال وانكسرت بنو تغلب في ذلك النهار اشد انكسار وتفرقت في البراري والقفار واستظهرت بنو بكر غايه الاستظهار وقتلت الشجعان امرؤ القيس بن اياد وكان من الاعيان صيته محمود مشكور وهو غير امرؤ القيس الشاعر المشهور فبكى المهلهل عليه وكان يحبه ويميل اليه ورجعت بنو بكر الي الديار وهي بغايه الفرح والاستبشار على ذلك الفعال .
( قال الراوي ) اما المهلهل فقد زاد حنقه على بني بكر وبات تلك الليله على مقالي الجمر ثم جمع الفرسان والابطال وتجهز للحرب والقتال فالتقه بنو بكر بقلوب كالجبال وجرت بينهم وقائع واهوال لم يسمع بمثلها في سالف الاجيال واستمر الحال على هذا المنوال مده عشرايام وكان المهلهل قد انتصر في اكثر الوقائع جماعه كثيره من الفرسان المعامع ولما كثر بين الفريقينالقتل واتفقوا على توقيف الحرب مده شهرين فافترقبت الفوارس عن بعضها ونزلت كل فرقه بارضها (قال الراوي ) ولما قتل كليب كما تقدم الكلام كانت زوجته الجليله حامله بهذا الغلام فلما طردها الزير الي بيت ابيها وسكنت عند جساس اخيها فولدت غلاما فسمته الهجرس ولقبوه الناس بالجرو فكانت مع اخواله بني مره واولادهم وكان خاله يحسن ويشفق عليه وكان الغلام قد احب حاله الامير جساس دون باقي الناس فلا يدعوه الا ابا ونشا الغلام ذا عقل وادب وهو محبوب من جميع العرب لفصاحته وبرتعته وقوته وشجاعته فكان يركب ظهور الحيل ويتعلم عليها الفروسيه في النهار والليل فبرع واشتهر على شباب القبيله افتخر فلما بلغ عمره حمسه عشره عاما زاد شهره وارتفع مقاما فراه جساس في بعض الايام وهو كانه ليث الاجام والشر طائر من عينيه ولا يقدر احد عليه فانذهل واندهش وخاف منه

وارتعش وكان كثيرا ما يتامل في امره ويخاف من سطوته وشره لانه قتل اباه بالامس وتركه يتيما طول الدهر .
( قال الراوي ) اتفق ذات يوم ان الحرو ركب في جماعه من الشبان واخذوا يتعاطون بالجريد في الميدان وكان من جمله الغلمان عجيب ابن الامير جساس وكان شديد الباس فطعن عجيب الجرو طعنه فمال عنها فراحت خائبه ثم ان الجرو تقدم نحو عجيب وطعنه بجر يده اصابته فالتقه عن ظهر الجواد الى الارض فنهض غضبانا فشتم الجرو واهانه بالكلام وقال اهكذا تفعل يا ابن اللئام بابناء السادات الكرام يهدد بهذا الشعر .
يقول عجيب من قلب موجع الا يا رفقتي حالي عجيب
ضربني الجرو منه جريده فارماني وصيرني كثيب
ولم يعلم باني خير ماجد ولد جساس قوم مستهيب
لولا عمتي لقطعت راسه واطرحه على العبرا قليب
فهذا ولد كليب الاعادي ولا ضد الكلاب الا القصيب
دعوه يروح عنا لايماطل ويذهب سرعه قبل المغيب

(قال الراوي ) فلنا فرغ عجيب من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى كلامه اجابه على شعره يقول :

يقول الجرو اسمع يا ابن خالي كلامه ليس يسمعه اديب
تقول اليوم تقتلني بسيفك وتتركني على الغبرا قليب
اذا ابصرتني يوما فريدا فقتلني بسيفك ياعجيب
فا نزل عن جوادك يا ابن خالي وافعل ما تريده عن قريب
وافعل ماتريده اليوم فينا فاني لااخافك ياعجيب
( قال الراوي ) فلما فرغ الجرو من كلامه واذا بسلطان اخو جساس اقبل عليهما في ذلك الوقت فوجد الدم يسيل من ابن اخيه جساس فلما علم بواقغه الحال اغتاظ غيظا شديد وشتم الجرو وقال والله لولا كرامه امك لقطعت راسك واخمدت انفاسك فقال ياخال ها انا بين يديك فافعل ما تريد ثم هطلت عيناه بالدموع وتنهد من فؤاد موجوع وسار الى عند امه واعلمها بما جرى وكان يطلب منها الرحيل من ذلك الاوطان فتكدرت امه واجابته الى ذلك لشان ثم انهما صبرا حتى اظلم الليل فتركا المضارب والخيام وسارا تحت جنح الظلام في جماعه من العبيد والخدام وجدا في قطع البراري والاكام مسافه عشره ايام واتفق في اليو الحادي عشر انهما التقيا بشيخ في ذلك البر الافقر وهو يقطع البر الفسيح على الفرس تسابق الريح وكان بمعيته عشره ابطال من صناديد الرجال وكان قد خرج لصيد الوحوش والغزلان وهو راجع الى الاوطان فتقدم الجرو اليه وسلم عليه فرد الشيخ سلامه وقال له ايها الفتى الماجد من اين اتيت والى اين قاصد فقال طردوني اهلي وربيت يتيم وانا طالب انسان كريم حتى التجىء اليه واقيم عنده فقال الشيخ اذا كان الامر كما تقول فشرفني الى اطلالي فانا افديك بروحي ومالي واشار اليه يقول :

يقول الامير منجد من قصيد الايا قاصدا نبيل المارب
فشرف منزلي وامر عبيدك يرون الاعر والجنائب
بكم قد حلت البركه علينا يرون الاعر والجنائب
فمثلي ما تلاقوا اين سرتم وعندي تبغلوا كل المطالب
انا مسجد فمن نسل الاكارم ابي وائل وما فينا معاقب
الوف الوف تخدمني وتخضع لامري في المشارق والمغارب
وانت بقيت بعد اليوم ابني ولست اليوم في قولي بكاذب

( قال الراوي ) وكان هذا الشيخ اسمه منجد بن الامير وائل وهو خال كليب والزير البطل الحلاحل وقد كنا ذكرنا عنه في اول الكلام بانه بعد قتل كليب استخدم مع اخوته الثلاثه عند التبع في بلاد الشام ولما قتل التبع ولى هرب وسكن في اخر بلاد العرب خوفا من كليب ان يقتله كما قتل اخوته لانه يبغضه دون اهله وعشيرته فلما فرغ النجد من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى كلامه فرح واستبشر ورجع الى عند امه على الاثر واعلمها بما جراى وكان ثم انهم ساروا معه الى الاوطان ونصبوا المضارب والخيام فاكرمهم منجد غايه الاكرام وانزلهم اعز مقام وكان لمنجد المذكور عشره اولاد من الذكور كانهم البدور فالفوا الجرو واحبوه وكانوا لايفارقوه وكانت امه الجليله قدالامير منجد حق المعرفه ولكنها كتمت الامر عن زيد وعمر خوفا من العواقب وطول النوائب فاجتمعت بابنها الجرو فقال اذا سالك عن اسمك فقل اسمي الهجرس ولاتقول الجرو فقال ان الاسمين واحد فما هو مرادك ذبلك فقالت ان يكون الهجرس كلب الصياد فانه اصلح من الجرو ابن الكلب وانت امير وابوك كان من الفرسان المشاهير ومن ذلك اليوم تسمى الهجرس وغلب هذا اللقب بين العرب وكانت امه في قلق عظيم خوفا عليه فاجتمعت ذات يوم بشيخ عبيدها وكان اسمه صباح واشارت تقول من فؤاد متبول :
تقول الجليله بدمع سجام ايا صبح اسمع الكلام
فهذا الشيخ الذي تراه مكيد الاعادي بضرب الحسام
يسمى منجد صميدع عنيد ولد وائل وافي الزمام
فهو امير وابن امير وحوله عساكر كثيره كفيض الغمام
فهذا حال كليب الامير مع سالم الزير قوم همام
فهو خالهم قد عرفته سريع ميكدا الاعادي بضرب الحسام وهوخال زوجي لكن عدو كيف العمل الان صرنا نضام
واصل العداوه كليب الامير قتل اخوته في دمشق الشام
قتل اليمامه واخذ ثار ابوها واهلك اخوه منجد وشام
ونحن الان نزلنا عليه عرفته وقد اعتراني سقام
اني اخاف على ابني حقيق يهنيه ويدعى دمه سجام
عدوك اياك تركن اليه ولو انه سقاك المدام

(قال الراوي) فلما فرغت من شعرها ونظامها فهم صبيح فحوى كلامها قال اين نتوجه الان وقد صار لنا مده من الزمان والصواب ان تكتم امرنا على كل انسان حتى يفرجها علينا الرحمن الرحيم واستمروا مده طويله في تلك القبيله وهم عز واقبال وارغدعيش واحسن حال الى ان كان في بعض الايام اغار على الامير منجد بعض الملوك العربان في ثمانين الف عنان فالتقاه منجد بعسكر جرار فانكسر عده مرات حتى ال مره الى الدمار .
فلما شاهد الجرو تلك الاحوال وما وقع بمنجد من الاهوال برز الى ساحه المجال وقاتل الشجعان والابطال واظهر الغرائب والعجائب ففرق الصفوف والمواكب وكسر ذلك الشمس والقمر وفعل فعالا تبقى وتذكر وما دامت الشمس والقمر وعند رجوعه من القتال بالنصر والاقبال وشكره منجد على تلك الفعال قال له مثلك تكون الرجال فو الله لقد حميت الحريم طردت الغريم وخلدت لك ذكرا جميلا على طول الدوام وعند وصولهما سرايه الاحكام وجلوسهما في الديوان قال منجد بحضور السادات والاعيان مثلك تكون الفرسان فاعلمني عن حسبك ونسبك ومن يكون قومك فلما سمع الجرو فحوى كلامه اجابه بهذا القصيدا :

يا فخر ماجد في الرجال فاسمع ياملك فحوى كلامي
انا اسمي اليتيم يا مسمى ولااعرف ابي ولااخوالي
واني قد سالت امي مرارا فتسكت لاترد الى سؤالي
تقول ابوك شاليش بن مره قتله الزير في يوم النزال
فاطلب من اله العرش ربي لاخذ الثار منه بالقتال

(قال الراوي ) فلما فرغ الهجرس من كلامه زاد منجد فب احترامه ونهض على الاقدام واعتقه امام السادات الكرام وقال لهانت من بني مره اصحاب الشجاعه والقدره فعربك من عربي ونسبك من بسبي فو الله ما ضاع نظري فيك فاطلب من الله ان يحفظك ويبقيك وينصرك على جميع حسادك واعاديك من ذلك الوقت زاد في اكرامه ورفع مقامه على الكبار والصغار وكان لمنجد بنت بديعه الجمال متصفه بالاداب والكمال كانها هلال ذات عقل ثاقب وراي صائب لايوجد مثلها في العرب والاعاجم اسمها بدرباسم فزوجه اياها وتمتع الجرو بحسنها واقام في ارغد يش واحسن حال وهو يحكم على تلك الاطلال وقد احبته جميع الرجال .
(قال الراوي ) هذا ما كان من الهجرس والجليله وما جرى لهما في تلك القبيله واما جساس فانه بعد رحيل اخته من الديار زادت به الاكدار وكان كثيرا ما يتذكرها في الليل والنهار فاتفق في بعض الايام بينما هو جالس في الخيام دخل عليه بعض الشعلراء فسلم عليه وعلى باقي الامراء واخذ يمدحه بهذا السعر والنظام على ماجرت به العاده في تلك الايام :

قال جابر في بيون صادق انت ياجساس رب المكرمات
سمعت بصيتك انا يا ذا الامير في الكرم والجود يا فخر الذوات
انت ملك البلاد جميعها حاكما في الارض من كل الجهات
قاتل الضد في يوم الوغا مكرم للضيف سنه المحملات
انت ياجساس ملك البلاد مع اخوتك وشقايقك السيدات والسادة: لولاكم ماكنت جيت لارضكم ماكنت فارقت العيال مع البنات
وتركت اختي يا ملك اولادها وزوج اختي يا ملك ذا العام مات
اولاد اختي سبعه ذكور عند اولادي واهلي تبات
جور هذا الدهر في الدنيا عجيب كم له في كل يوم تقلبات

(قال الراوي ) فلما فرغ جابر من شعره ونظامه وفهم جساس فحوى كلامه امر له بالف دينار واعتبره غايه الاعتبار ثم التفت اليه اخوه سلطان وقال له امام السادات والاعيان
اسمعت كلام هذا الشاعر الذي يدور في القبائل والعشائر ويمدح السادات والاكابر املا في المكاسب وبلوغ المارب كيف انه ذكر اخته في شعره ولم ينسها طول دهره فكيف نحن نكون سلاطين الزمان وملوك العصر ولاوان اختنا ان تغضب منا وتبعد ولانعلم الى اين ذهبت واي قبيله طلبت فماذا تقول عنا دول الممالك اذا سمعت عنا ذلك فمن الواجب ان نقتفي اخبارها الان ونعيدها معزوزوة الى الاوطان ثم انه بكى امام جلسائه وبكت اخوته وندم سلطان على ما فعل واستعظم ذلك العمل ثم التفت جساس الشاعر وقال له انت تطوف حلل العرب ونمدح الملوك واص
حاب الرتب فاريد ان تستقصي لي عن اخبار الجرو
وتعلمني الى أي حله قصدوا وعن اسم القبيله فان اتيتني بصحه الخبر بلغتك القصد والوطر فاجابه الشاعر وامتثل ثم سار على عجل يطوف القبائل والحلل ويستقصب عنها الاخبار من الكبار والصغار حتى سمع بخبرهما ووقف على حقيقه امرهما فقصدهما الى ذلك المكان واجمتع بهما في الصيوان وحدثهما بما سمع في حقهما من جساس وسلطان
ثم اشار يمدح الجرو ويقول وهو فرحان على بلوغ القصد :
يقول جبر من قلب حزين فدمعي سال من وسط الاماق
ادور على القبائل والعشلئر لاحظى بالمكاسب والنياق
فاصغى يا امير الى كلامي فانت اجل فرسان السباق
فصيتك شاع في كل القبائل فمن يمن الي ارض العراق
وما لك في البريا من شبيه ونجمك فاق سام المجد راق
سالت الله ان يحفظ جيالك على طول المدى والدهر باق
رحنا من حماه لعند خالك ملك جساس سلطان الافاق
فأهدانا وقام انعم علينا وقلبه من بعادك باحتراق
وارسلني لآ كشف اين انتم ليحظى فيكم من بعد الفراق

(قال الراوي ) وكانت الجليله تسمع هذا الشعر وهي خلف الحجاب واستر فما هان عليها ان تسمع بذكر اخوتها كانوا الذين سببا لغربتها وفرقتها من حلها فأمرت كبير العبيد أن يوقف عن اتمام القصيد وان يكتم خبرهما عن هذا ذاك خوفا من الفضيحه والانهاك ثم امرت له بالف دينار واعطاه الجرو مثل ذلك المقدار ففرح الشاعر واستبشر ورجع على الاثر واعلم جساس بذلك الخبر فأرسل في الحال اخوه سلطان في جماعه من الابطال
لياتوا باخته الجليله وابنها الجرو من تلك االاطلال فلما اقترب سلطان الى تلك الاوطان ارسل بعض الفرسان ليعلم منجد بقدومه الى اوطانه فخرج في الحال في جماعه من فرسانه فألتقاه احسن ملتقى لانهم كانوا اقارب واصدقاء وانزله في سرايه الاحكام وذبح
له النوق والاغنام واكرمه غايه الاكرام وفي ثاني الايام اجتمع سلطان باخته الجليله وولدها الجرو واعتذر لهما بما فرط منه وطلب منهما الرجوع الي الديار وشدد عليهما في ذلك غايه التشديد فأجابه الي ماطلب واعلم الجروالامير منجد بانه يريد الرجوع الي اهله وعشيرته مع امه وزوجته ومن يلوذ به من جماعته لان نفسه أشتاقت الي الوطن فقال منجد والله يا امير يعز علينا فراقك ولا زالت ارواحنا في كل وقت تشتاقك ولكننا لانقدر ان نمنعك عن اهلك واصحابك وبني عمك واحبابك ثم اعطاه مائه ناقه محمله نفائس الاقمشه والذ خائر ومائه جواد وغير ذلك من المعادنوالجواهر ومائه عبد ومائه جاريه واركب ابنته زوجة الهجرس على هودج كبير وسار لوداعهم مسافة نصف يوم ثم رجع الى الديار وسار الهجرس مع امه وزجته يقطعون القفار حتى وصلوا الي منازل بني مرة فالتقاهم جساس بالفرح والمسره وامر بذبح الذباح واطعام الغادي والرائح واشار الى الجرو يقول :

لماقال الفتى جساس صادق ايا مرحبا بك يا ابن اختي
ففيكم حلت البركه علينا وضاء الحي في قربك الينا
وامك يافتى عيني وروحي وعمرك ياجليله مافرحت
فا ابنك غدا كالسبع الكاسر فان الجرو للاعداء كاسر
بيوم الحرب والاهوال كاسر اله العرش يرجعه ظافر
فلا تعتب على سلطان خالك ولاقوله يخطر قط بيالك
فلا ابني ولانحن مثالك انا ساحكمك من فوق تختي
انا ابكي على المرحوم ابيك قتله الزير في ربعك وحيك
فقم واركب يروح خالك واخذ من المهلهل ثارك
سالتك الله ان تأخذ بثارك بقتله تكشف عنك عارك
مرادي تقتله وتأخذ بثارك وتحرقه بنارك يا ابن اختي

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وتبسم الجرو من كلامه قال له كن مطمئن الخاطر يا خال هذا ما كان من الجرو وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه بينما كان راقد ذات ليله اذ راى في منامه ولذيذ احلامه اخاه الامير كليب وهو يعاتبه بهذه الابيات على اخذ الثار وكشف العار ويقول وعمر السامعين يطول :

تنام الليل كله يا مهلهل وثاري ما قدرت علي وفاه
وعظمي ذاب حتى صار كحلا وجساس بن مره في الحياه

فأجابه الزير يقول :
امير كليب ما قصرت يوماً بأخذ الثار من قوم البغاة
فقم اسال بناتك يا حبيبي على طعني وضربي با لعداة

(قال الراوي ) فاسيقظت بنات كليب من المنام وايقظن عمهن بهذا الشعر والنظام :

يقولون اليتامى يا مهلهل أتانا كليب يستنجد اخاه
كليب قام من وسط المقادير وصار كليب في وسط الحياه

(قال الراوي ) كان الزير قد استيقظ من منامه فأرىالبنات حوا ليه فقال لهن رايت اباكم في المنام ثم حدثهن بما سمعه وراة بالكمال والتمام فبكين بكاء شديدا فقال الزير ان هذا المنام بدل على عجب وحادث يقع عن قريب فاستدعا بعض الرمالين اليه وقص ذلك المنام عليه فضرب الرمل الرمال ورسم الاشكال وولد البنات من الامهات حتى عرف حقيقة الخبر فقال له لك البشرى يا فارس الصدام فان جساس سوف يقتل من بعد ايام وذلك من يد شخص يظهر من لحمك ودمك واشار يقول :
يقول بشير اسمع يامهلهل ايا سالم فابشر زال همك
اتاك النصر من رب البريا انه العرش من خيرات عمك
وقد ظهر رسول الرمل عندي سيظهر شخص من لحمك ودمك
فيقتل في الوغا جساس حالا وانت ترجه ويزول همك
وتهلك بعده ا ولاد مره وستقيهم جميعا كاس سمك

( قال الراوي ) فلما سمع المهلهل هذا الشعر من الرمال فرح واستبشر وقال له انتم ذلك الكلام ابشر مني ببلوغ المرام ثم انه احسن اليه ووعده بكل جميل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ركب المهلهل الى الحرب والكفاح وتبعه الابطال والفرسان وركب ايضا الامير جساس بالرجال واشجعان وقتتلوا طول ذلك النهار وقتل المهلهل منهم عدد
كثير المقدار وما زالوا في اشد القتال الي ان دقوا الطبول الانفصال فافترقت الطوائف
عن بعضها ونزلت كل فرقه في ارضها واما الهجرس فانه لم يركب مع جساس في ذلك اليوم فاجتمع جساس باخته الجليله في المساء وقال لها ان ابنك لم يقاتل معنا ولا نعلم ما هو السبب فا ساليه واعلميني بما يقول فسالته امه عن عدم خروجه الى حرب فقال له اعلمي يا اماه انه لايلقاني في قتال الزير سوى حصان خال جساس الاخرج ان وهبني اياه فانا اعطيه عوضه راس المهلهل فان قبل بهذا الطلب بلغته غايه الارب فرجعت الجليله على الاثر واعلمت اخاها جساس بهذا الخبر فوهب الحصان وقال له ان قتلت هذا الشيطان تكون علينا ملك ونحن لك غلمانا واعوانا ففرح الجرو بذلك وضمن لجسا س قتل الزير اما الفرسان القواد ولما اصبح الصباح واضاء بنورة ولاح ركب الجرو الحصان المذكور وتبعه كل فارس مشهور وكان الزير قد ركب وطلب براز فرسان وقال اين جساس الجبان فليبرز الى الميدان فبرز الجرو اليه وهجم عليه واشار يقول وعمر السامعين يطول :

يقول الهجرس يا مهلهل ان عزرائيل اقبل
اين تعدى اليوم مني سوف تلقاني وتقتل
اني كمن قد جاك لاتحسبني بظنك

( قال الراوي) فلما فرغ الهجرس من شعره حمل عليه وكان المهلهل قد مال قلبه اليه وتحركت جميع اعضائه وكان الزير يبطل مضاربه بحسن اختياره ولا كان قلبه يطاوعه على قتله ودماره وما زال على تلك الحال وهما في عراك وقتال الى ان دقت طبول الانفصال وعاد العسكران عن ساحه المجال ورجع المهلهل الى الاطلال واجتمع ببنات اخيه كليب واعلمهن بحديث الغلام وما جرى بينهما في معركه الصدام وكيف انه اشبه الناس بابيهما كليب في الصوره والقتال ثم قال لليمامه اعلميني هل كانت امك الجليله حامله لما ذهبت الى بيت ابيها فقالت نعم ياعمي كان لها نحو شهرين ولكن ماهو معنى هذا السوال فانشد وقال :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل مربع الخيل انتصدت الينا
يمامه اسمعي مني كلامي ايا ست الملاح المحسنينا
برزت اليوم للميدان حتى اقاتل ال مره اجمعينا
فبارزني غلام غريب منهم له عزم كما الصخر المينا
كمثل اباكم وجها وحربا فذكرني ليالي الماضينا
فقد قاتلته في كل لطف وهو يطعن طعان القاتلينا
فحملاته وطعانه قويه تقد الصخر والزرد المتيينا
فلماانتهى من شعره اجابته اليمامه تقول :

الايا عم اسمع ما اقوله لتفهم سالم الخبر اليقينا
فامي حامله من يوم راحت وحق الله رب العالمينا
ولست ادري ايش جابت ابنت ام غلام يا فطينا
ثلاثه اشارات لي في كليب اشارات بعقلي راسخينا
ركب يوما بقرب النوم مره وقال ايا يمامه انظرينا
من التفاح اعطاني ثلاثه وقال بذي الثلاثه تضربينا
فانكسوف تحتاجي اليهم اذا ظهر لناحقا بنونا
ضربته بواحده يا عم راحت بضرب رقابه راحت طحينا
وثاني واحده في رمحه وثالثهم خطفها باليمينا
غدا انزل واضربه ثلاثه كفل ابي ايا عمي الحنونا
يكون اخي اذا سوى نظره وان خالف يكون غريب فينا

عسى الله يدركنا بلطفه وينصرنا اله العالمي

نا ( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها ونظامها وعمها يسمع فحوى كلاهما قال لها فعل ابوك ذلك قالت قبل موته بشهرين عندما كنت بير السباع وقد صممت الان ان ارافقك الى الميدان واضربه بالتفاح في ساحه الكفاح وان افعل كما فعل ابي يكون لاشك اخي وبه ابلغ اربي .



الجزء التاسع
وفي ثاني الايام ركب الزير للحرب والصدام وركبت معه اليمامه وقد اخذت معها ثلاثة تفاحات وكان الجرو قد ركب ايضا بالابطال فصال وجال وطلب الزير للحرب والقتال فبرزت اليه اليمامه بالعجل وقالت انا اقاتلك اليوم دون المهلهل فاستعظم الجرو ذلك ولم يعلم السبب ثم ان اليمامه اخذت تفاحه ولوحتها بيدها وضربته بها فاخذها برجله مع الركاب فطحنها طحنا ثم انها ضربته بالثانيه فأخذها على سنان الرمح ثم أخذت الثالثه وقالت اللهم ياخالق الخلق امح الباطل واكشف الحق فأخذها بيده ووضعها في جيبه فلما شاهدت الحال ايقنت انه اخوها لا محاله فنزلت عن ظهر الجواد وتقدمت اليه والقت نفسها عليه وقالت اهلا وسهلا يا أخي ابن ابي وامي فأنت والله ابن كليب دون شك ولا ريب وقد ربيت في دار العدا والحمد لله الذي عرفناك بعد طول المدى فقال لها انا ابن شاليش ايتها السيدة الحرة وامي هي الجليلة بنت مرة فقالت انت ابن الامير كليب ثم انشدت تقول :


قالت يمامه من ضمايرها دمع العيون على الخدين هنان
اسمع اخي قصتي وافهم معانيها ياقاهر العدا في وسط ميدان
ابوك خانه جساس ايا سندي بطعنة يا عظيم القدر والشأن
شاليش خالك كل الناس تعرفه اهل الاعارب قاضيها ومن دان
وعمك الزير فخر الناس كلهم وفارس الخيل من عجم وعربان
فاسأل لامك ثم سرك اكتمه وارجع الينا فأنت اليوم في أمان

( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها تأكدت عنده تلك القضيه لان قلبه كان لايميل الى جساس ولا الى احد من بني مرة ولا سيما انه قد حن قلبه الى اليمامه فقال لها سرا لقد صدقت بقولك هذا فاذهبي الان وعند الصباح اتبعكم الى الاوطان ثم توقفت عن القتال ورجع الى عند امه في الحال واخبرها بذلك الشأن وان تعلمه من هو أبوه من الفرسان وحلف لها بالاله الديان انها ان كتمت عنه حقيقه الخبر قتلها وجعلها عبرة لم اعتبر لفما علمت امه بأتن الخبر قد اتصل اليه وان الامر ماعاد يخفي عليه اعلمته بالقصة من أولها الى آخرها وأوقفته على باطنها وظاها واشارت اليه تقول من فؤاد متبول :

الجليله قالت ابيات نار قلبي بالحشا زادت لظا
استمع يا ولدي فيما اقوله يا ضيا عيني وياكل المنى
انت روحي افتهم مني الكلام قول صادق ليس فيه من خفا
ان ابوك كليب سور المحصنات قاهر الابطال في يوم الوغى
واخوته خمسون اعمامك جميع كلهم فرسان طعانه قنا
اربعه من الست يا ابني حقيقي كل واحد سبع ربي بالفلا
منهم المسمى ابوك كليب كان والفتى الزير المهلهل يا منى
والفتى المسمى عدي درعان هذه الاربعه اتةا منها سوا
ثم ست واربعين خلافهم من الجواري والسراري والاما
كلهم يا امير اعمامك لهم كل واحد الف يطعن بالوغا
وابوك كليب سار على الجميع بالفروسية مع جود وسخا
جاء جساس خالك باق فيه وتركني بعده مثل الاما
وطردني عمك الزير بعده فرحت الى اهلي دون الملا
قد كنت حامل فيك بعد ابيك فولدتك في تلك الحما
رحت سميتك على اسم الكلاب سرت كانك سبع رابي بالفلا
وانا والله من خوفي عليك قلت اخي شاليش انه لك ابا
وانا اعلمتك افعل ما تريد صفا عينشي ووقتي ما تعكر

( قال الروامي ) فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر بكى الجرو بكاء شديد ولام أمه على كتمان الامر ثم انه صبر الى الليل فركب وسار بالعجل الى عند المهلهل وصحبه العبد ابو شهوان الذي كان ارسله اليه عمه فارس الفرسان وفي اثناء الطريق أراه العبد قصر ابيه وقبره المصفح بالذهب وعينيه واجتمعت جميع شقايقه ومن يلوذ به من اهله واقاربه فوقعو عليه وترحبو به وكان الزير افرح الخلق ولما استقر به الجلوس وطابت من القوم النفوس قال الجرو الحمد لله رب الكائنات الذي جمع شملنا بعد الشتات فوالله العظيم رب موسى وابراهيم لا بد لي من قتل جساس واجعله مثل بين الناس لانه فجعني بابي تاجي وفخري وتركني يتيما طول دهري فقال له الزير لا بد من قتله على رؤوس الاشهاد وانت تكون الحاكم بعد ابيك على هذه البلاد ثم انشد وقال :
يقول الزير ابو ليلى المهلهل صفا عيشي وقتي ما تعكر
أتاني السعد من رب البرايا واتانا السعد لما النحس ادبر
فقبل ظهوره كنا حزانا نقضي الليل في قلق ونسهر
على فقد الفتى الماجد كليبا ثوى غدرا له جساس فنظر
وفي دمه كتب بالبلاطة وصايا عشر ابيات او اكثر
يوصيني بقوله لا تصالح فسالم انت ان صالحت تخسر
واطرد الجليلة من حمانا عدوة كعبها ما كان اخضر
طردناها وهي بالجرو حامل من يقدر على رد المقدر
انا فيهم فتكت بحد سيفي وانت القصد منهم تكبر
واني ما بكيت على كليب اخذت بثاره بالسيف مجهر
فابكي حيث ما خلف ذكورا بنات الكل ما له طفل يذكر
ولما خالقي انعم علينا وجانا الجرو كالسبع الغضنفر
صفا عيشي وقد نلت المقاصد وزال النحس عنا ثم ادبر
وبعد يا ابني اسمع كلامي انا عمك وانت الليث قسور
فقم اجلس على كرسي ابوك وفي احوال اخواتك تبصر

(قال الراوي) فلما فرغ الزير من الشعر والنظام قال الجرو اطال الله بقاك ونصرك على جميع حسادك واعداك وبلغت قصدك ومناك انني والله يا عم في قلق وغم فلا تزول احزاني وانال اربي حتى آخذ بثار ابي واقطع راس جساس واجعله مثل بين الناس فشكره جميع اهله واعمامه وبعد ذلك قال له الزير ما هو الراي عندنا يا ابن اخي قال الراي عندي اني اغير عليكم نهار غد واخذ نوقكم وجمالكم الى جساس واقول له باني اتيت اليوم باموالهم ومواشيهم وغدا اتي اليك براس الزير ثم احاربك وتكون انت واضع قربه من الدم تحت جانبك فاطعنك بالرمح فخذه تحت ابطك والقي نفسك على الارض فتنشق القربة ويهرق الدم وانا اصيح على جساس واقول له قد قتلت عدوك يا خال انزل اليه واقطع راسه لقد زال الكدر وبلغنا اليوم الوطر وعندما ياتي اليك فتقوم اليه بالعجل وتعدمه الحياة لانه لم يعلم بقدومي عليكم وبهذه الوسيلة تتم الحيلة وتتخلص من هذه الورطة الوبيلة فاستصوب الزير رايه ثم انه ودعهم وسار وحده الي الديار بني مره وعند الصباح ركب الجرو في جماعه من الفرسان وساق مواشي بني قيس من الرعيان با تفاق الامير مهلهل ليت الميدان فخرج الامير جساس وسادات من بني مره وشكروا الجرو على هذه الغنيمه
( قال الراوي ) فاتقف في تلك الليله بان جساس راى حلما غريبا وهو انه ابصر ذاته بانه كان قد ربى عنده جرو وذهب واكان يوده ويحبه فلما انتهى وترعرع وتصاحب مع سبع كاسر على فالفه الى ان كان في بعض الايام اغار السبع على مواشي بني مره وهجم على نسائهم واولادهم وجعل يفترس كبارهم وصغارهم وكان الذئب يساعده يساعده عليهم فاغتاظ جساس من فعال الاسد فسلالسيف وهجم عليه يريد قتله واعدامه فوثب عليه الذئب من ورائه ونهشه فالقاه صريعا على الارض ففاق جساس مرعوبا من هذا الحلم فنهض في الحال وسار الى الديوان وجمع اخوته وباقي السادات والاعيان واعلمهم بذلك المنام فقالوا هذه اضغاث احلام وما زاالوا يهرنون عليه حتى راق وزال عنه القلق والكدر ولما اصبح الصباح ركب الزير يطلب الحرب والكفاح وركب الامير جساس وهو في قلقل ووسواس وكان الجرو قد اوعد بهلاك القوم وقتل المهلهل في ذلك اليوم ولما التقى الفريقان برز الجرو الى ساحه الميدانفبرز اليه المهلهل فالتقاه الجرو وصال وجال وطعنه بالرمح طعنه كاذبه فسحبها المهلهل من تحت ابطه فراحت خائبه والقى نفسه على الارض من فوق ظهر الحصان خديعه على عيون الفرسان ليظهر لهم انه قد مات وحلت به الافاق فعند ذلك صاح الجرو الله اكبر على من طغى وتجبر فقد ظنا المراد بقتل الزير الذى اهلك العباد ثم صاح على جساس وقال له انزل يا خال واقطع راس عدوك فقد قتلته وكفيتك شره فلما راه يختبط بدمه نزل عن ظهر القميره وهو يظن انه قد بلغ غايه مراده ولما اقترب منه نهض الزير على قدميه وقبضه من لحيته وهجم الجرو ايضا عليه ووضع الرمح بين كتفيه فعند ذلك علم جساس انها حيله قد تمت عليه وتاكد عنده صحه المنام فاخذ يخاطب الجرو بهذا الشعر والنظام

قال جساس الذي شاهد وفاه ياسياج البيض في طعن القنا
انني بك يا ابن اختي مستجير فاجرني يا ابن اختي من القنا

فاجابه الجرو بهذه الابيات :

ايا خال اقصر عن ملامك دنى اجلك وقد وافى حمامك
تقول اجرني يا ابن اختي الا يا جرو اعطينا زمانك
قتلت كليب طلما وعدوانا تظنوا بانني اسمع كلامك
وبعد كليب اصبحت حاكم تسامى في الملا ايضا كلامك
طغيت وجرت في حكمك علينا فاذني لم تعد تسمع كلامك
تريد اليوم منا ان نجيرك فهذا ماتشوفه في منامك

( قال الراوي ) فلما فرغ الجرو من كلامه جعل جساس يتوسل إليه بأن يعفو عنه وقال بالله عليك أن تصفح عني فأن الذي مضى قد مضى وهل اذا قتلتني يعيش كليب ويقوم فاتركني لوجه الله الواحد القيوم فقال الجرو لابد من قتلك كما قتلت أبي حتى أكون قد بلغت أربي فلما أطال بينهما الخطاب قال لهما الزير أراكما قد أطلتما الكلام والعتاب فعند ذلك طعنه الجرو بالرمح في صدره فخرج يلمع من ظهره وتقدم اليه الزير بالسيف على راسه فقطعه ثم وضع فمه على عنقه وجعل يمصه حتى شرب جميع دمه وكان الجرو ينهش في لحمه حتى بلغ مراده وشفى فؤاده وبعد ذلك أعطى الرأس الى الجرو ليأخذه الى شقايقه فسلمه الجرو الي بعض عبيده وهجم مع قومه في باقي الابطال على جموع بني مرة في الحال وأذا قومه الوبال بلغوا منهم الآمال وكانت بنو مرة لما علمت بقتل جساس أيقنت بالموت الاحمر لانه كان القائد الاكبر وعليه الاعتماد في الحرب والطراد فولت الادبار وطلبت الهزيمه والفرار وكان المهلهل قد قتل منهم في ذلك النهار خلقا كثيرا بهذا المقدار فمنهم أمراء وقواد وسادات وأمجاد وأما الذين سلموا منهم فانهم طلبوا الزمام من الزير والجرو فأجاروهم وعفوا عنهم بشرط أن يكونوا مثل العبيد لا ينقلون سلاح ولا يحضرون حربا ولا كفاحا ولا يوقدون نارا لا ليلا ولانهارا ولايعرف لهم قبر ميت في جوار لا في مقبرة ولا في دار ألا مشتتين في البراري والقفار يقضوا حياتهم بضرب الطبل ونفخ المزمار وأن غابت نساءهم طول النهار لا يسألها فين كانت بل يسألها أيش جابت وليس لهم صفه سوى الرقص والخلاعة فقبلوا على هذا الشرط بكل رضا وقناعه وبعد هذه الشروط تسلطن الجرو على كل القبائل نظير أبيه وطاعته العباد وشاع ذكره في البلاد وفرحت بنات كليب كل الفرح وزال عنهم الغم والترح وخلعن عنهم ثياب السواد وكان ذلك النهار عندهم من أعظم الأعياد وكان الجرو قد تزوج بثلاث بنات وولد له ولدان فسمي الاول تغلب والثاني مالك ولما بغا سن الرجولية زوجهما ببنتين شقيقتين وهما بنات الامير هلال حاكم حماة وزوج أخته اليمامة للأمير مفلح أبن الأمير مدكور وهذا ماجرى بينهم وهكذا أتصل الحسب والنسب وخمدت نيران الحروب بين قبائل العرب وكان أفرح الناس الأمير مهلهل وكان الجرو قد عرض عليه الزواج فامتنع وكان منعكفا على الجلوس في الخيام وأكل الطعام وشرب المدام وأقام له عشرون عبدا في رسم خدمته وكان يرقد وينام وهو لابس آله الحرب والصدام لانه كان قد أعتاد عليه مدة الحروب والشهور التي أستمرت اربعين سنه وكسور كما في التاريخ مذكور هذا ما كان من أمر المهلهل في تلك الايام وسوف يقع له حديث وكلام واما الجرو فأنه قد زوج أربعة من شقايقة إلى جماعة من الامراء وصنع لهن ولائم وأفراح مدة طويله وأما ولداه مالك وتغلب بقيا مدة خمسة عشر سنة ولم يرزقا بأولاد من بنات الامير هلال المذكور وبعد نهاية المدة طلبت نسأءهما زيارة أهلهما في حماة فطلب أزواجهما من أبيهما الجرو أن يأذن لهم بذلك فأمر لهم فساروا مع نسأئهما الى تلك الاطراف ولما بلغ الامير هلال بقدوم أصهاره بنسائهما خرج للتفاهم مع ولده الامير مفلح وخرجت معهما اليمامه الامير مفلح المذكور وخرج أيضا أكابر المدينه فألتقوهم بالترحاب والاكرام وأنزلوهم في أحسن مكان وقاموا في تلك الاوطان مدة من الزمان وهم في سرور وأفراح وبسط وأنشراح ولما صمم الامير مالك وتغلب على الرجوع الى الاطلال مات الامير مفلح مع أبيه الامير هلال فأقاما يحكمان في تلك الديار وأنقادت لامرهما أهل تلك البلاد وكانا محبوبان من جميع العباد وكانت اليمامه بعد وفاة بعلها ذهبت الى عند أهلها .
( قال الراوي ) فاتفق ذات يوم ان الامير مالك قال لاخيه تغلب أعلم ياأخي انه قد مضى علينا مدة من الزمان ولم نرزق بولد ذكر حتى يبقى لنا ذكر يذكر بين البشر فدعنا نتزوج الان على نساءنا فلعل الله يرزقنا بأولاد والا أنقطع نسلنا من بين العباد فقال تغلب من الصواب ان نصلي الى الله في هذه الليله ونتضرع اليه أن يرزقنا أولاد من نسائنا لانه على كل شيء قدير فامتثل أخوه رأيه وصليا تلك الليله بحراره قلب وأشار تغلب يقول وعمرالسامعين يطول :

يقول الفتي تغلب على ما جرى بدمع جرى فوق الخدود نهور
أقول وفي قلبي من البين لوعه وبي حسرات طي الفؤاد تثور
الفراق أبينا الجرو والزير عمنا عليهم قلبي والحشا مكسور
يارب يارحمن ياسامع الدعا عليك أتكالنا يا جابر المكسور
سألناك ربي بالخليل وأبنه بحق الذي اليه العبيد تزور
فيا رب يارحمن اجير قلوبنا بجاه عيسى وموسى والفضل المشهور
بجاه داود مع يحيى مع الخضر وبالعرش والكرسي وبحر النور
ترزقنا بولدين يحيوا ذكرنا أيا من ترزق كل وحش كسور

( قال الراوي ) وكان الامير تغلب ينشده هذه الابيات وأخوه مالك يقول آمين يا رب العالمين فاستجاب الله دعاهما ولم يخيب شكواهما فما مضت مدة يسيرة وبرهه قصيرة حتى حبلت نساءهما ولما تمت ايامهما ولدنا الاثنان في يوم واحد فولدت زوجة مالك بنتا وزوجة تغلب ولدا ذكرا فقامت في الحي الافراح والمسرات وكان جناب الاميرين في الصيد والقنص فأرسلوا لهما بعض العبيد يبشرهما بذلك وكان اسمه مسرور فلما اقبل عليهما العبد قالا له علامك يا مسرور ابشير ام نذير فقال اني بشير واشار اليهما بهذه الابيات :

قال الداعي المسمى مسرور ياسادتي اتيتكم قاصد بشير
ياأمير مالك اتاك بنت كالقمر ووجها كالشمس والبدر المنير
وانت يا تغلب اتاك غلام يفرح القلب المتيم يا أمير
اتيت اليكم حالا بلا بطا فوق حمرا كأنها طير يطير
اريد منكم ياكرام بشارتي اجبروا بالله قلبي الكسير

( قال الراوي ) فلما سمعا كلام العبد فرحا فرحاً شديدا واعتقا العبد واعطوه الف دينار ولما حضرا الى الحي امرا بذبح الذبائح وأولما الولائم وأقاما الفرح والسرور لمدة شهرين كاملين وارسلا حالا يعلما اباهما وعمهما الزير ويبشرهما بذلك وسميا الغلام الاوس والبنت مي وتعاهدا الاخان على زواج البنت بالغلام اذا كبر ولما بلغ الجرو والمهلهل ذلك الخبر فرحا جداً وشكرا الله على هذه النعمه العظيمه وركب الجرو في جمع غفير من قومه وابطاله وسار جهت اولاده لانه كان لديه غاية الاشتياق لمشاهدتهما ولما اقترب من تلك الديار وبلغ ولديه قدومه خرج لملاقاته في موكب عظيم وعند وصوله سلما عليه ووقعا على يديه يقبلانه فقبلهما بين عينهما ودعا لهما ثم سألاه عن عمهما فقال انه في خير وعافيه وانه مازال في خيامه وهو ملازم طعامه مع مدامه ثم سار الى المدينه وكان ذلك اليوم اعظم من يوم الزينه ونزل الجرو في القصر الكبير ووقف بخدمته الصغير والكبير والمأمور والامير وأقام في تلك الديار مدة شهرين كوامل وكان في آخر هذه المده مرض ابنه تغلب فأقام عشرة اياما في الفراش ومات فحزن عليه الجرو حزنا عظيما وعملوا عليه مناحة عظيمه ودفنوه بكل أحترام .
ووقارولماعزم الجروعلى الرجوع الى بلا ده استدعى ولده مالك واوصاه با لرعيه وان يكون عادلا في حكمه وان يزوج ابنته مي بالاوس ابن اخيه وبعد ذلك سار وحده في قطع القفار الى ان وصل اطلاله واجتمع باهله وعياله واما الامير مالك فانه اعتنى بتربيه ابنته وابن اخيه كما اوصاه جناب ابيه حتى كبرا وبلغا درجه الكمال وكان الاوس يركب ظهور الخيل ويتعلم الفروسيه مع الفرسان واستمر على ذلك مده من الزمن حتى صار من صناديد الرجال وشاع ذكره في كل مكان وكانت ابنه عمه مي من اجمل النساء والرجال وكان الاوس يحبها محبه عظيمه فكانا كروحين في جسد واحد فلما شاع ذكرها في قبائل الاعراب وتواردت على ابيها الخطاب وكان قد سمع بها الصنديد بن الاكوع وهو ابن عم الملك تبع حسان فعشقها على السماع وكان من الملوك العظام فارسل وزيره ليخطبها من ابيها فلما وصل الوزير وعلم مالك بالخبر فقال ولله هو نعم الصهر وبه انال الفخر على طول الدهر غير انه لاخفاك اطال الله عمرك وبقاك باْن ابنتي مخطوبه لأبن عمها الأوس ونحن الأن مباشرين بأمر العرس فلا يمكنني أن أنقض الكتاب وهذا الذي يمنعني عن اجراء الايجاب فقال له الوزير اكتب لي الجواب فكتب اليه هذه الأبيات :

يقول الفتى مالك على ماجرى له بدمع جرى فوق الخدود صدود أيا غاديا مني على متن ضامر تسابق لضرب المرهف المبرود
تهدي هداك الله خذلي رسالتي اعطيه مكتوبي تنال سعودي
اذا جيت لصنديد فقل له باني على طول الزمان ودود
ومي ترى مخطوبة لأبن عمها ومعها تربى والانام شهود
فحاشى لمثلي ان يخون اقاربه وافسح زمامي ثم اكون عنود
ترى روحي ياامير ومهجتي وهو عندنااحلى من المولود
فلو كنت اعطيها لغير ابن عمها لكنت انت اليوم اولى بالمقصود

ثم ان الوزير اخذ هذا الجواب ورجع الى عند الصنديد واعطاه اياه فلما وقف على حقيقة الحال
خرج عن دائرة الاعتدال فغير زيه وتنكر وركب جواده وسارالى تلك الديار وحده وعن وصوله الى مضارب الاميرمالك لم يجد هناك ولم يكن في الحي الا النساء والبنات فسأل بعض النساء عن غياب الرجال فقالت منهم من سار الى القبائل ليعزموا الناس الى العرس والفرح ومنهم من ذهب مع الامير مالك لصيد والقنص ففرح بهذا الاتفاق وتقدم نحو الصيوان واركز رمحه ووقف على الباب ونادى هيا
ياأصحاب البيت فقد اتاكم ضيف من ابعد مكان وكانت مي داخل الخيام وحدها فما ردت جوابا وماأبدت خطابا ولما ابطئت عليه الجواب وعرف ان الصيوان خاليا من الرجال انشد يقول :

قال الفتى الغريب الذي شكا ولي قلب من بين الجوانح ذاب
اتيت قاصد مالكا في حاجه ولي ساعة واقف انا في الباب
يا أهل هذا البيت اين اميركم واين مضى من الديار وغاب
ياربة البيت الذي داخل الحمى مابالكم لاتردوا الجواب
الافاخبروني يا بنات بحالكم قلبي غدا من أجلكم مرتاب
اذا كان اهل الحي غابوا جميعهم اما فيكم كريمه ذات حجاب
فتقر ضيفا قد اتى غريبه وتستر أهاليها مع الغياب
اكيد ما كل النساء تستر الفتى ولاكل من يحوي الرديه صاب

( قال الراوي ) فلما سمعت مي شعره ونظامه وعرفت قصده ومرامه أخذتها الغيرة والمروءة لتستر عرض أهلها من القيل والقال وأشارت تقول :

تقول فتاة الحي مي التي شكت الا فاسمع للقول يا نجاب
يا مرحبا بالضيف لما زارنا لك الخير والاكرام والترحاب
انزل مكانك حتى احضر لك الغدا وتأكل من زادنا وتشرب
انا بنت مالك راح للصيد والدي مع ابن عمي الاوس والاحباب
انزل حتى يرجعوا رجالنا ويأتوا لنحو الحي بعد غياب
فكم جاء الينا يا أمير مثالكم خلائق كثيرة ما لهن حساب
نحن نحب الضيف اذا جاء محلنا انزل واجلس جانب الاطناب

( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها وقع الصنديد في حبها وغرامها ورفع ستار الخيمه بسنان رمحه فوجد صبيه بديعه الجمال فزاد به الوجد والبلبال فصاحت عليه من خلف الستار وقالت علامك تنظر بنات الملوك يا غدار ثم ردت منديلها على وجهها وقالت له لاشك انك قليل الحياء كامخ فا كنت ضيفا كما تقول فانزل كي آتيك بالغداء والا فما هذه الوقاحه ثم قالت لجاريتها اطلعي افرشي له حتى يجلس ويتغذى لبينما يأتي ابي من البريه فخرجت الجاريه اليه وسالته كي ينزل في الصيوان فقال لها انه عيب علي ان انزل عند الحريم وانا سيد عظيم لئلا ادعي بكامح هذا من اعظم القبائح وما اتيت الى هذه الديار الا لامر ضروري وهو ان اتزوج الاميرة ولما تأكدت الاميرة من مرامه قالت يانجيب ان كنت الضيوف فاقعد في الصيوان حتى يأتي ابي من البريه هذا فلم يسمع لها كلام وقال لابد من أخذك الى الاطلال وهناك اتزوج بك بالحلال لاني اتيت من بلاد بعيده لاجل هذه الغايه الوحيده وقد
نلت مرادي وحصلت على مسرة فؤادي ثم انه قام تلك الليله في ذلك المكان وهو مسرور فرحان ولما كان الصباح ركب ظهر الحصان واردفها خلفه وصار يقطع القفار ويوصل سير الليل بسير النهار حتى وصل الديار ولما سمعت اكابر قومه بقدومه ظافرا غانما اجتمعوا اليه وهنئوه بالسلامه وسألوه عن سفرته وماجرى له في غربته فقال اني عند وصولي الى تلك الاطلال هجمت علي الفرسان والابطال ومددت اكثرهم على بساط الرمال وفعلت فعل تذكر على طول الاجيال وقتلت الامير مالك وابن اخيه واتيت بالعروس الى هنا وقد بلغت المنى فلما سمعت مي منه هذا الكلام كان عليها اشد من ضرب الحسام فنهضت على الاقدام فقالت له امام الاعيان لقد نطقت بالزور والبهتان فوحق الاله الديان لو كان ابي وابن عمي حاضران لما كنت رجعت سالما الى اوطانك ولا اجتمعت بأهلك وخلانك ولكنك خطفتني بالاحتيال وهربت في الحال قبل ان تدركك الر جل ويحل بك الوبال ثم انها بعد هدا الكلام بكت بدمع سجام ولما سمع الحاضرون فحوى كلا مها خافوا من القواقب وعلموا بأن كلام الصديد ليس له صحة فهو في حديثه كاذب واما الصنديد فانه اغتاظ من هذا الكلام فنهض والطمها على موجهها وقال هكذا تتكلمين يابنت اللثام امام السادات الكرام ثم سل سيفه وغمده واراد أن يعد مها الحياة فعتد ذلك وثب الوزير وبا قي الا مراء بالعجل وردوه عن ذلك العمل وقالوا له انت امير اتجمل عقلك كعقل النسوان فما تقول عنك ملوك الممالك اذا سمعت بذلك ومازلوا يتوسلون بالكلام حتى لان وكان له سجان أقسى من الصوان فاستدعاه اليه فحضر وكان اسمه عمران بن الازور فقال خذ هذه الملعونه الى بيتك وسلمها الى زوجتك لتقيدها بالحديد وتعذبها العذاب الشديد وتلبسها ثياب الشعر وتضربها خمس مرات في النهار وتطعمها خمس ارغفة من الشعير فقال يامولاي ان هذه الصبيه لاتستحق الضرب والانتقام ولاتستاهل غير الاعزاز والاكرام وهي كأنها البدر التمام فقال لها كيف العمل ومانحن الا عبيد الملك الصنديد فعند ذلك نزعت عنها ثيابها الحريريه والبسها ثوبا من شعر الخنزير وأرادت ان تضربها بالسياط على قدميها فوقعت على رجليها وجعلت تبكي وتثني عليها ثم انشدت من فؤاد متبول :

با الله ان ترثي الى احوالي فالدهر فرق صحبتي وعيالي
يا وحدتي يا ذلتي يا غربتي قد صرت بعد العز بالاغلال
قد كنا في جاه ورفعه منصب والله ربي عالم الاحوال
فترفقي هذا النهار بحالتي فلعل ربي يستجيب لحالي
اني كريمه من اكابر معشر فاقوا الورى بالجاه والافضال
ويعيدني بعد العناء الى الوطن وأرى جميع الاهل والاخوال
ولهم وقائع في البلاد جميعها بين الملوك وزمرة الابطال

( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها ورق قلبها وقالت لها قري نفسا وطيبي قلبا سأصنع معروفا لوجه الله تعالي ثم انها جاءت بجلد جاموس يابس فصلته ثوبا والبستها اياه من تحت الثياب وقالت اني متى ضربتك فانك لاتشعرين بألم الضرب وماقصدت بذلك الا ليسمع الملك صوت الضرب وانت تصيحين وتستغيثين وانا أقدم لك ماتحتاجين اليه من المأكل والمشرب ومتى دخل الليل تخلعين ثوب الجلد ترقدين براحه بال الى ان يأتي الله بالفرج فشكرتها مي على معروفها ودعت لها بطول العمر وأوعدتها بالجميل والخير هذا ما كان من مي وماجرى لها أما ماكان من أبيها فأنه عند رجوعه من الصيد سمع صياح والبكاء فسأل عن ذلك فأخبرته زوجته بواقعة الحال فغاب عن الصواب من شدة الغيظ واما الاوس ابن عم الصبيه فأنه غشي عليه لانه كان يحبها محبة عظيمة ولما أفاق من غشوته انشد يقول :

يقول الاوس ابن تغلب قصيد الا يامي من هذا دهاك
اتاك اللص في غيبة ابيك ولم يعلم بمن يسعى وراك
الا يا بنت عمي لو تدري بي على فقدك انا محزون باكي
ترى في أي أرض قد حللت فما قلبي غدا يطلب سواك
فلا بد لي أغزو دياره بالعجل واقتله وافرح في لقاك
وابذل كل مجهودي لاجلك وروحي بعد ذلك هي فداك
لما قال الفتى الاوس بن تغلب فقلبي قد تعلق في هواك

( قال الراوي ) فلما فرغ الاوس من هذا الشعر والنظام وقع مغشيا عليه وبقي طول ذلك الليل في هم وغم وقلق شديد ما عليه من مزيد فجعل عمه يلاطفه بالكلام ويقول له طيب قلبك يا ولدي فما يصلح الحزن الا الى النساء فاصبر لبينما نرسل من يكشف لنا خبر ذلك الرجل وبعد ذلك نسير الى دياره فنخربها ونسبي حريمه وعياله فقال الاوس من يذهب غيري فوالله لاسرت الا وحدي ولا اريد رفيق ولامعين سوى رب العالمين ثم نهض فاعتد جلاده وركب ظهر جواده وودعهم ويار وجد في قطع القفار ودموعه تجري على خديه كالانهار وهو لايدري الى اين يذهب والى اي حلة يقصد من قبائل العرب الى ان وصل الى وادي عميق ضيق الطريق كثير الاشجار والوحوش والاحجار فبينما هو يتأمل ذلك المكان واذا قد ظهر عليه احد الفرسان وهو بالسلاح الكامل والفروسيه عليه علائم ودلائل فلما رأى الاوس منفردا وحه مال اليه وقصده وقال له انزل ياجبان عن ظهر الحصان واخلع ماعليك من الثياب وفز بنفسك في هذه الهضاب قبل ان اسقيك كأس العطب فأنا جمرة بن غمرة فارس العرب .

فلما سمع الاوس هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالظلام وهجم عليه في الحال وصدمه صدمة تزعزع الجبال فالتقاه جمرة في الحال والتحما في ساحة المجال واشتد بينهما القتال وتجاولا ساعة من الزمان وهم في ضراب وطعان تقشعر منه الابدان فاختلفا بينهما طعنتين قاتلتين وكان السابق الاوس بن تغلب فجادت في صدره خرجت تلمع من ظهره فوقع قتيلا وفي دمه جديلا فأخذ عدته وجواده وجد في المسير وهو يقطع القفار والاكام مدة خمسة ايام واتفق في اليوم الخامس انه التقى بقارس وهو يجد في قطع القفار كالسهم الطيار فتقدم اليه وسلم عليه وقال له الى اين سائر والى من تنسب من القبائل والعشائر فقال انني من بني عبس وعدنان أصحاب الفضل والاحسان واني ساير الى ديار بني عامر لاستدعي حامينا عنتر فارس الخيل لانه سار من عشرة ايام ليحضر وليمه دعاه اليها عامر بن الطفيل وفي غيبته غزانا عمرو بن معد يكرب في خمسة الاف فارس فحاربنا محاربة شديدة وجرى بيننا وبينه وقائع عديدة فأرسلني مولاي قيس بن زهير لاستدعيه للحضور قبل ان يظفر عامر المذكور فقال الاوس وقد تعجب ومن هو عنتر بن شداد فارس الصدام الذي اشتهر ذكره في هذه الايام بطعن الرمح وبضرب الحسام وقهر كبار الجبابرة وحارب الملوك والاكاسرة والقياصرة وافتخر على الابطال في ساحة الميدان فلما سمع الاوس هذا الخبر وانبهر ثم ودعه وجد في قطع البر الاقفر ومازال يقطع البراري والاكام مدة سبعة ايام حتى اشرف على جماعه من العبيد ترعى الاغنام فحياهم بالسلام واخذ يسألهم بهذا الشعر والنظام :

يقول الفتى المضنى الفائض ما به فدمعي جرى فوق الخدود سائح
الا ياعبيد الخير بالله اشفعوا لصب بعيد الدار ولهان نازح
فجيع وجيع مستهام ملوع تركه البين مضنى كثير الجرايح
لقد ضاع لي حرة عفيفة من الحنا فهل من يبشر بها يا فوالح
ويخبرني لأي البلاد توجهت من أجلها ناري تزيد اللقايح
لقد احرقت قلبي والبي مهجتي وكل عظامي اوثقتهم جرايح

( قال الراوي ) فلما فرغ من كلامه تقدم اليه كبير الرعيان وكان اسمه مرجان وقال له اعلم يا غلام انه من برهة عشرة ايام سبى اميرنا الصنديد ابنه اسمها مي لايوجد اجمل منها في نساء هذا الحي فأراد ان يتزوجها فامتنعت عنه فلم تميل اليه فقيدها بقيود من حديد وهو كل يوم يعذبها عذاب شديد فعسى تكون الحرة التي ذكرتها في نظمك افرج الله همك وغمك فلما سمع الاوس هذا الكلام استبشر ببلوغ المرام ونزل عن ظهر الحصان وقبل العبد مرجان وأوعده بالجميل والاحسان فبينما هو بالحديث والكلام واذا بسعد ابت أخت الصنديد قد جاء ليكشف أخبارها ويرجع بها الى ديارها فلما سمع هذا الكلام رجع عند خاله وأعلمه بما سمع ورأى وأشار اليه يقول :

قال سعد قد اتيتك عارا ياخال مى فاسمع الاخبارا
البنت التي غربتها من أهلها من خلفها فارس اتاك جهارا
ياخال فارس في اللقا مجرب وعيونه ياخال تقدح نارا
ان كان راقت لك ليالي الصفا فبصفوها تأتي لك الاكدارا
قد جاء الى عند العبيد يسأل انبوه فجاء كالاسد هدارا
لما سمعت اتيت نحوك عاجل هذا الذي ياخال تم وصارا

( قال الراوي ) فلما فرغ سعد من شعره ونظامه وفهم الصنديد فحوى كلامه قال له فارس واحد قال نعم ايها السيد الماجد فشتمه خاله وقال ارجع وخذ من بين جنبيه فأنه لايليق بي ان اركب لقتال صعلوك من صعاليك العرب فخرج سعد من عند خاله وقصد الاوس .
فلما اجتمع به وصاح فيه وحمل عليه فالتقاه كالاسد وضربه بالحسام المهند فألقاه على الارض قتيلا فأخذ عدته وسلبه ثيابه ولما بلغ خاله الخبر طار من عينيه الشرر فركب ظهر جواده واعتد بعدة جلادة وقصد الاوس حتى التقى به وانطبق عليه كليث الاجام وأخذ معه في القتال والكفاح ولم تكن الا ساعة حتى اثخنه بالجرح فولا وطلب لنفسه الهرب فتبعه مثل السرحان حتى وصل الصيوان واحتما عند النسوان فلما دخل على الحريم قالت له زوجته سعد علامك دخلت وانت مرعوب كل هذا لاجل الابنه التي خطفتها وما نالت المرغوب فقالت انك تستحق اكثر من ذلك وبخته بالكلام وقالت له انت تدعي الفروسيه على كل واحد وتهرب من امام امرد هذا والاوس يصيح عليه ويقول اخرج يالئيم من بين الحريم حتى اجازيك على تلك الفعله ياغدار يا محتال فخاف الصنديد وقال لزوجته سعده اعطيه ابنة عمه وكافينا همنا وهمه وخرجت زوجته اليه وقبلته وطلبت منه العفو والسماح فأعطاهما الامان فجاءوا له بإبنة عمه مي بعد ان لبسوه الثياب الفاخره وذبحوا له الذبائح وقدموا له الاطعمه المتكاثره ولما اجتمع به زال عن قلبه الكدر من كثرة فرحته اخذ يسكب العبر وهكذا فعلت مي وكان ذلك النهار عنده كيوم العيد حيث التقت بحبيبها الوحيد .
( قال الراوي ) فباتا تلك الليله في الحله وعند الصباح اركب مي في هودج وسار معه جماعة من العبيد وتوجهوا قاصدين دياره ولما اقترب من بلاده ارسل يبشر عمه الامير مالك بقدومه وشاع الخير في الحي وخرجت النساء والبنات واكابر السادات ولما اجتمعوا ببعضهم البعض نزل الامير مالك فسلم على الاوس وابنته وشكر ابن اخيه على افعاله وعند وصوله الى الخيام حدثهم بحديث عنتر وما سمع عنه من الخير فقال عمه والله سمعنا بذ كره وأنه من أ فرس فرسان عصره وبعد ذلك ذبحواالذ بائح والموا الولا ئم ثم زفو ا الاوس على ابنة عمه فكانت اليلة من أعظم حضرها جمهور من السادات والموالى فزادت أفراح الاوس بتلك العروس وحظى بدلك الحسن والجمال وعاش معهما بأ رغد عيش وأحسن حال وبعد ذلك وضعت له غلا ما سماه ما لك وله حد يث طو يل فا تفق بعد عشرة ايام أن ابن الاوس ضعف ضعفا شديدا فمات فحزن الاوس عليه ودفنه بالاحترام والوقار بكت عليه الكبار والصغار وكان موصوفا باللطف والايناس ومحبوبا من جميع الناس وأرسل الاوس وأعلم جده بذلك الخبر فحزن وتكدر فقالت أختك اليمامه أرسل ياأخي وأحضر أبن عمك الاوس مع أهله ليجمع شملنا بشمله أجابها الى ذلك وفي الحال أرسل رجلا من بني عمه ليحكم مكانه فجاء الاوس مع أهله وسكن عند الجرو جده وراق لهما الزمان واما ماكان للبطل الهمام صاحب الذكر الشهير المدعو بسالم الزير فأنه كان قد أخناه الدهر وضعفت قواه وهو مع ذلك مواظب على أكل الطعام وشرب المدام وكان لا ينام الا وهولابس عدة الحرب والصدام وما زالوا على تلك الحال حتى برز له أسنان جدد وصار عقله مثل عقل الولد وكانت بنات أخيه تخدمه وتداويه فاجتمع يوما بالجرو وقال له ياابن أخي قد ضاقت أخلاقي من الوحده والانفراد فأريد منك أن ترسلني مع بعض الاتباع لتنزه في البلاد فأجابه الى ماطلب وأركبه في هودج وأعطاه عبدان برسم الخدمه وجميع ما يحتاج اليه من لوازم السفر فودعه المهلهل وما زال يجول حتى أقترب من بلاد الصعيد وكان العبدان قد تعبا من مشقة الطريق وهما يلاقيان من التعب أشد الضيق فصمما على قتله وأعدامه بالكليه وانما يقولان لاهله قد ادركته المنيه فعرف الزير منهما فقال قد دنى همامي وليس الا القبر امامي فإذا ادركتني منيتي اريد منكما ان تبلغا اهلي وصيتي قالا وماهي وصيتك فعاهدهما على حفظها وتأييدها فحلفا له بأعظم الاقسام بأنهما يبلغونها بالكمال والتمام فقال اذا وصلتم الحي فاقريا أهلي من السلام وانشدوهم هذا البيت وقولا لهم اني في القبر قد أختبيت .

من مبلغ الاقوام ان مهلهلا لله دركما ودر ابيكما

وكرره عليهم حتى حفظاه ولما دخل الليل ذبحوه ودفناه تحت التراب ورجعا الى ديارهما ودخلا على سيدهما الجرو وأعلماه بموت عمه الزير فبكا بكاء شديدا ومن حضر ثم ان العبدان اقتربا من الجرو وانشداه البيت المذكور .
فلما سمع الجرو هذا استغربه حيث لامعنى له فاستدعى بأخته اليمامه وكانت من اذكى نساء العرب وعلمها عمها وانشدها ذلك البيت فلطمت على وجهها وبكت قالت ان عمي لايقول ابيات ناقصه بل اراد ان يقول :

من مبلغ الاقوام ان مهلهلا أضحى قتيلا الفلاة مجندلا
لله دركما ودر ابيكما لايبرح العبدان حتى يقتلا

ثم انهما قبضا على العبدان والقوهما تحت العذاب والضرب الشديد الى ان أقر بأنهما قتلاه ودفناه فقتلهما الجرو في الحال وهكذا انتهت حياة الزير وقد أخذ ثاره في حياته وبعد مماته .

( تمت قصة الزير ابو ليلى المهلهل بعون الله تعالى )


ماعليه إذا القصة طويلة لكن انا اشهد انها قصة















[frame="9 80"]مع تحيات ابو سام القحطاني[/frame]
ابو سام غير متواجد حالياً  
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عبيده بنت الزير سالم مناهل الانساب مجلس الأنساب 41 29-04-2009 01:50 AM
قصة الشيخ : سالم بن هادي سعود القويفل بالأحساء رمهان مجلس الديار و قصص وسوالف من الماضي 24 23-09-2007 01:31 PM
أسماء المقبولين بمعهد الادارة العامة أبوعبدالله المجلس الـــــعــــــــام 1 12-07-2006 02:43 AM
انواع السحر وطرق العلاج المحيط المجلس الـــــعــــــــام 7 16-10-2005 08:24 PM
قصة الزير سالم كامل الرفيدي مجلس الديار و قصص وسوالف من الماضي 2 20-08-2005 12:36 AM


الساعة الآن 01:35 AM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود