من مقالات الدكتور / عبدالله الوهابي


المجلس الـــــعــــــــام للمواضيع التي ليس لها تصنيف معين

 
قديم 31-05-2006, 06:57 PM
  #19
عبدالله الوهابي
مراقب سابق
تاريخ التسجيل: Apr 2005
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 5,988
عبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond repute
Read الضيـــــاع؟؟

لست من النوع الذي يتنصت على جيرانه أو يحاول كشف أسرارهم.. ولكن جاري عادل مختلف..فهذا الطالب الهادىء الرقيق جعلني أشعر بالتطفل والرغبة في معرفته أكثر.
بدأت القصة عندما سكن بجواري - خارج السعودية وأنا أحضر الدراسات العليا - طالب يدرس في المعهد العالي للموسيقى.. كان هادئاً تأنس النفس لمرآه.. وكنت ألتقي به في السلالم أو عند البقال فيحييني في خجل وينصرف.. وبالرغم من ابتسامته استطعت أن أرى لمحة من الحزن تظهر على وجهه.. تخبرك أنه من تلك الأسر التي تربت على النعيم ثم أدركها فقر فبقى نقاء الأصل وهذب الفقر نفوسهم.

وكان يحمل عليه آلته في كل مكان.. وكم رأيته في الحديقة القريبة يحضنها وينظر للنهر فأراه وقد رحل في عالم غير عالمنا ، فأمر قريباً منه فلا يشعر بي ، فأعلم أنه غارق في تأملاته.. وعجبت لمثله يحمل هماً وهو في سن الانطلاق.. وظننته من النوع المتشائم في البداية ، ولكن ملاقاتي به أكثر من مرة وحديثنا البسيط أخبرني أن هذا الشاب ذو نفس حرة منشرحة.. ولكن الحياء يمنعه من الخلطة.. والشعور بالغربة يبقيه في عزلته.
الليالي في بيتي الهاديء تجعل لدي وقتاً لأتابع معزوفاته.. ومع أنني لست من النوع الذي يهتم بالموسيقى وبالفنون بغض النظر عن حرمتها من عدمه إلا أنني كنت أحب سماعه وهو يعزف.. كان متقناً يحملك مع الانغام لتحلق في عالم من التأملات.. وعزفه الهادىء يعكس شخصيته ، وتركيزه على الأوتار الحادة يجعلك تشعر برغبته في الصراخ كأن شيئاً يؤلمه.. ولكن العجيب أنني كنت أسمعه يبكي في كل ليلة ، ومهما حاول إخفاء البكاء فلا بد أن يصل لسببين.. هدوء الليل في هذه المناطق.. والطريقة التي تبنى بها البيوت في المدينة ، حتى لكأن كل الجيران يعيشون معاً في بيتٍ واحد.. وكنت أشعر بالعجب والتطفل لما يجري في غرفة الجار الصغير.. وكم مرة قمت من سريري ولبست معطفي لأذهب إليه ، فلعله يشكو من شيء فأقف إلى جواره ، ثم يدركني الحياء فأقول : وما شأنك أنت..!؟ رجل في بيته ويبكي ، ربما وصله اتصال من أحد أهله فآلمته.. وربما يبكي غربته وبعده عن موطنه.. فأعود إلى فراشي ثانية وأدعو على تطفلي وعلى الموسيقى التي سببت لي هذا البلاء.. ولكنني في النهاية عزمت على الحديث معه ، وبدأت تحين الفرص.. حتى جاءت الفرصة المناسبة في أحد الأيام.. وكان الجو صافياً والنسيم عليلاً فوجدته في الحديقة يقرأ كتاباً ، فأقتربت منه .
فلما رآني هش لي ودعاني للجلوس ، فأقتربت منه وأنا أبتسم ، وبدأنا نتكلم عن الجو وعن الأهل والغربة.. والدراسة والتخرج.. والوظيفة.. حتى وجدت الوقت مناسباً فسألته..
عادل.. هل تشكو من أي مرض؟
فتعجب من سؤالي.. ولكنه رد علي بنفس متوقدة.. لا .. ولله الحمد.
الحنين وارد بلا شك.. ولكنني أشعر بالراحة هنا أيضاً.. حتى إنني أفكر أن أبقى هنا بعد تخرجي.
- متى ستتخرج؟
- بإذن الله.. هذا هو الفصل الأخير.. ولكن..
- ولكن ماذا.
- صدرت عن صدره آهة عميقة.. شعرت بحرارة أنفاسها تحرق قلبه.. ثم رد في مرارة..
- وماذا بعد؟
- وماذا بعد ماذا
- التعيين.. طلب الرزق بالمعصية؟
- .. ..؟؟!!
- ربما تصل إلى سبب بكائي.. أليس كذلك؟
- فاجأني بالسؤال.. فلم أرد عليه..
- الحقيقة أنني شعرت أنك سمعتني.. والمشكلة يا أخي أن منازل الورق التي نعيش فيها تفضح كل شيء حولنا.
- إذاً.. ما هو السبب يا عادل صارحني..
- اسمع يا أخي.. لقد نشأنا في بيوت بسيطة.. وكنا نعرف أن الله يعطي النعم لأننا نعبده.. فإذا عصيناه تحولت هذه النعم .
- وأين المعصية في حياتك؟
- لقد كنت أشعر بالتمميز من أجل دراستي.. ولكن حضرت محاضرة في الكلية ، وكان الشيخ يتكلم فيه عن المعازف.. ومن يومها شعرت أنني لست على الطريق الصحيح.
- ولكن هذا رزقك.. وحياتك ياعدل.. والله غفور رحيم.
- نظر إليّ في هدوء وأبتسم.. ثم رد.. أما الرزق فهو يأتي من الله ، فلو حرم عاصياً فقد أنصفه.. وأما حياتي فأي شيء تنفعني الحياة إذا غضب الله عليّ.. ثم حبس عبرة كانت تريد أن تخرج واستأذن.. وتركني وقام.. ثم التفت ثانية وقال : المشكلة أن نفسي ضعيفة تعجز عن الوصول إلى الطريق.
لم تتغير حياتنا كثيراً في الأيام التالية.. شيء واحد شعرت بتغيره.. وهو جلسة العزف التي بدأت تقل حتى أنقطعت.. وصوت البكاء بدأ يتغير.. ولكني لاحظت أنه يخرج من غرفته كل يوم بعد منتصف الليل أو قريباً من الفجر.
في البداية لم يكن الأمر يشغلني كثيراً فقد أخذتني الظنون كل مأخذ.. وأبتسمت وقلت : مرحلة شباب!! ولكن لما كثر الأمر شعرت بالقلق على جاري ، وأحببت أن أعرف سره.. فسهرت في ليلة من الليالي ثم لما شعرت به يتحرك ، ارتديت معطفي.. ولما خرج من الغرفة خرجت في أثره.. وبدأت أتبعه بحيث لا أفقده ولا يراني.
كان السكون يوحي بالرهبة والطمأنينة.. وشعرت كأن نفسي تبتعد عني.. وبدأت أسمع دقات قلبي.. ومع انكسارات المصابيح على الجدران بدأت أذكر الله من خوفي.. وفي السكون سمعت من البعيد صوت المؤذن " الصلاة خير من النوم " فشعرت برغبة في البكاء..لم أصل الفجر في المسجد منذ زمن.. سأصلي.. ولكنني أريد أن أعرف أين سيذهب عادل.. وتوجه عادل إلى منتصف المدينة.. كنت أفكر ماذا سيفعل في منتصف المدينة في هذا الوقت.. ترى هل هو على موعد مع أحد .
توقفت الرحلة عند هذا الحد.. فقد وصلنا إلى الجامع الكبير.. ودخل عادل إلى المسجد ، كان متوضئاً فوقف يصلي ركعتين.. وبقيت أنظر إليه.. لقد عرف الطريق..
__________________
عبدالله الوهابي غير متواجد حالياً  
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلومات شاملة أبو ريم مجلس الإسلام والحياة 10 28-08-2008 07:14 AM
الاخطبوط الشيعي في العالم؟؟ ادخل ولن تندم ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 12 18-07-2008 04:21 AM
مختصر أصول العشائر العربية العراقية قحطان المجلس الـــــعــــــــام 15 17-11-2007 02:14 PM
موسوعة الصقور اللبيب مجلس الباديه والرحلات 3 26-02-2007 01:17 AM


الساعة الآن 03:14 AM

سناب المشاهير