من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

موضوع مغلق
قديم 23-05-2007, 07:39 AM
  #1
أبو ريم
عضو متميز
 الصورة الرمزية أبو ريم
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 754
أبو ريم is a splendid one to beholdأبو ريم is a splendid one to beholdأبو ريم is a splendid one to beholdأبو ريم is a splendid one to beholdأبو ريم is a splendid one to beholdأبو ريم is a splendid one to behold
افتراضي من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول
من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

محمد شلال الحناحنة

من أبرز نشاطات ندوة (الوفاء) الخميسية بالرياض لعميدها الشيخ/أحمد باجنيد لهذا الفصل جاءت محاضرة: (ذكريات الشيخ علي الطنطاوي) التي ألقاها الأستاذ الكاتب منصور اليوسف مساء الخميس 16/4/1428 هـ وأدارها الأديب الدكتور عبد الله العريني، وحضرها مجموعة من أصدقاء الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله – منهم الشيخ الدكتور/ محمد الصباغ، كما احتشد لها جمهور واسع من الأدباء والمثقفين ومحبي الشيخ الراحل، وعدد من الإعلاميين والصحفيين.

نشأة الطنطاوي وشيوخه

بعد حمد الله والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- شكر المحاضر الأستاذ/ منصور اليوسف عميد ندوة (الوفاء) على هذه الدعوة المباركة، سائلاً الله أن يشفيه ويبارك في جهوده، ثم تحدث عن مولد الشيخ الطنطاوي ونشأته وأسرته وشيوخه فقال: هو علي بن مصطفى بن أحمد الطنطاوي ولد عام 1327هـ في دمشق، ونشأ في أسرة متدينة، وتربّى تربية إسلامية، وتلقّى تعليمه الأول في الكتاتيب في الجامع الأموي، وتتلمذ على مجموعة من المشايخ منهم الشيخ/ بهجت البيطار(صاحب المعتقد السلفي)، وكذلك الشيخ/ عبد القادر الإسكندراني، ودرس الابتدائية في مدرسة طارق بن زياد في دمشق، وتلقّى تعليمه في الشام والعراق ومصر، وألّف في كثير من العلوم، منها: الفقه والتاريخ والأدب والفكر والفتاوى والسير, والسير الذاتية، وكانت وفاته عام 1420هـ عن عمر زاد على أربع وتسعين سنة.

الثقافة الواسعة والأدب الجمّ

تناول المحاضر ذكريات الشيخ علي الطنطاوي، فبيّن أنها صوّرت في ثمانية مجلدات في ألفين وثمانمئة (2800) صفحة وهي أكبر مؤلفاته، ونشرتها دار المنارة بجدة، ومن قرأها عرف الشيخ الطنطاوي، صاحب الثقافة الواسعة والأدب الجم، وقد كان مصلحاً وداعية إصلاح، وهو الذي يقول بكل صراحة وصدق: (أنا طول العمر إسلامي الاتجاه)، وكان دائماً يصطدم مع أهل البدع مثل: (بدعة الاحتفال بالمولد النبوي) وبدع المآتم، كما اصطدم بالفكر المنحرف، كالدعوة إلى القومية التي كشف فيها أصلها الإلحادي، ورموزها المعروفين.

الوطن عند الطنطاوي

أين يقع الوطن في ذاكرة الطنطاوي؟ وما مكانته في ذكرياته؟! هكذا تساءل الأستاذ المحاضر منصور اليوسف ثم أجاب: (الوطن عند شيخنا الطنطاوي حيث تتحرك الشفاه بلا إله إلا الله محمد رسول الله)، وكم كان فرحاً بظهور الحركة الإسلامية في مصر، ويظهر الوطن في حديثه عن دمشق وبغداد والقاهرة والمدينة المنورة وهو الذي يقول: دمشق وبغداد والقاهرة بنات المدينة المنورة، أما الجرح الأليم (فلسطين) شغل المسلمين في الماضي والحاضر فقد زخرت بها الذكريات من أول صفحة حتى آخر صفحة، حتى عندما يتحدث عن بعض صفات الفواكه، وكان يقول: "لم تأت معركة الحديد بعد كي تحارب الأعداء، ولكن علينا قبل ذلك الاتحاد بفكر نير، وخطط مدروسة، والعودة إلى الله".
وقد تصدى للاستعمار بالقلم واللسان والفعل، ووقف مع شعبه وأمته ضد الاستعمار الفرنسي، ولم يكن همه سوريا وحدها، بل دعا إلى مقاومة الاستعمار في العراق والهند وأندونسيا، وهو القائل: "لقد جاء الاستقلال بمهجنا وأرواحنا" ثم قال: إننا نلقي أبلغ الخطب! ولكن هل هذا هو الجواب؟! إن الجواب ما كتبه هارون الرشيد لإمبراطور الروم: وقال: أيضاً لقد بدأ الاستعمار بدكان صغير ثم اتسع حتى وصل حدود الهند.

قضايا المرأة والتعليم والثقافة

من القضايا التي اهتم بها الشيخ الأديب الطنطاوي في ذكرياته قضايا المرأة، وله مواقف عطرة في الدفاع عن المرأة، فقد تصدّى لمن يسعى إلى هتك حجابها بدعوتها إلى التبرج، ودعا إلى إكرامها وتقديرها ووضعها في مكانها اللائق، رافضاً دعوات الغرب لامتهان كرامتها وحيائها في تزيين فكرة الاختلاط. كما سجّل في الذكريات مواقف رائدة في رؤيته للتعليم، كان يرى أن التعليم منهج دين ودنيا، ولذا وجب الإخلاص فيه، وكان يرفض الجمع بين لغتين للطفل؛ لأن ذلك يفسد لغته الأم، ويرفض كذلك بعث الطلاب إلى ديار الكفر لئلا يعود الطالب عبئاً على أمته، وبوقاً للاستعمار.
وسجل الشيخ الطنطاوي في ذكرياته فرحه العظيم بأوضاع التعليم في المملكة العربية السعودية. وتحدث عن الدعوة إلى القومية، وأكّد أنها لم تأتِ بخير، إلاّ أننا كنا أمة واحدة فصرنا جمعية أمم، وكنا إخوة فأصبحنا أعداء بعد القومية العربية. أما الدعوة إلى الله، فقد خرج فيها إلى خارج بلاده, ووصل إلى الدول الأجنبية.

أهداف الذكريات وخصائصها

من أهم أهداف ذكريات الأديب علي الطنطاوي:

أ – الدعوة إلى الله بالقلم واللسان والفعل (كونه قدوة في سيرته)
ب- الدفاع عن الإسلام واللغة العربية وبيان محاسنها.
ج- الدعوة إلى القوة ومكارم الأخلاق.
ومن الخصائص التي ركز عليها إبراز القيم الخيرة مثل قيمة الوفاء لأحبابه وأهله وشيوخه وأصدقائه. كما حارب بقوة المظاهر المنحرفة، والسلوك الشاذ عن الإسلام والأخلاق الفاضلة. كما سعى في ذكرياته إلى استنهاض الهمم والعزائم موجهاً لجيل الشباب؛ إذ يرى منهم عماد الأمة، ومصدر عزها ونصرها بإذن الله.
أما أبرز سمات الذكريات فهو ما يأتي:
أ‌- الحرص على المعاني السامية, والفكر الأصيل .
ب- سهولة الألفاظ ورقتها وسلاستها في التعبير عن أفكاره.
ج- الإكثار من الأمثال العربية.
د – سعة الثقافة والأفق.
هـ- تلوّنها بفنون البلاغة العربية، والأساليب الأدبية الراقية.
و- الاستطراد الجميل الذي يرى فيه فوائد شتى.
ز- دفء التواصل
أثارت المحاضرة كثيراً من المداخلات والأسئلة لدى الحضور، فقال الأستاذ سعد العليان: كان الشيخ الطنطاوي يمزج الطرفة بحديثه، أما الدكتور سعيد
باسماعيل فقال: كان الشيخ –رحمة الله – مدرسة لجميع الناس، كانوا ينتظرون أحاديثه وذكرياته في رمضان، وفي جميع برامجه. وتحدث الأستاذ أحمد عبد الرحمن عن المعارك الأدبية للشيخ الطنطاوي.
وتساءل الدكتور عبد الرزاق اليوسف: هل للقومية العربية أثر إلحادي؟! وأشار المهندس أسامة ياسين الفرا إلى بعض المواقف الطريفة له مع الشيخ علي الطنطاوي. وأثنى الدكتور عبد الجبار دية على المحاضر الأستاذ منصور اليوسف الذي أعاد لنا ذكريات الطنطاوي أنفاساً حارة. وقال: إن الشيخ الطنطاوي ممن تحيا الأمم بذكرهم .
وبيّن الدكتور محمود عمار أن من الوفاء له معرفة الإخوة المصريين قدره، فكان الأستاذ محمد حسن الزيات ينيبه عنه في الإشراف على مجلة الرسالة في غيابه، كما أثنى على انفتاحه على العصر، واهتمامه الكبير بقضية فلسطين.
وتمنى الشاعر جميل الكنعاني إبراز الجانب الفكاهي والطرافة في كتابة الطنطاوي. وتساءل الدكتور يحيى أبو الخير عن أهداف الذكريات ومنهجها، وتحدث عن أهمية كتاب ( تعريف عام بدين الإسلام) في موضوعه ومنهجه وأسلوبه. أما الشيخ الدكتور محمد الصباغ فقال: الشيخ الطنطاوي شيخي وابن بلدي قرأت عليه علوم الأصول، وكان معنا الشيخ ناصر الدين الألباني والأستاذ زهير الشاويش, وكان يحبني كثيراً، ويكرمني، وهو رجل عظيم في علمه وأخلاقه، وكان يقرأ كثيراً, ويستوعب ما يقرأ, وهو يجمع بين الثقافة الإسلامية والعصرية, وعنده بيان مشرق في نطقه وأسلوبه الكتابي, وكان قاضياً عادلاً وفي غاية النزاهة والصدق والعدل, وكان خطيباً, يعظم السلف الصالح من صحابة وتابعين جميعهم.
وأشار الأستاذ أحمد العلاونة إلى بعض مميزات الذكريات التي تشرف بعمل فهارس لها فقال: كانت تركز على العلم ومخاطبة العقل، وكان يرى أن الخلاف والانشقاق داء الأمة المزمن. ومن أبرز ما أعجبني فيها أنه يجعل أن نهاية أمنيات المسلم هي رحمة الله – وليس غيرها –، وكان ختام المداخلات مع الشيخ أحمد باجنيد عميد الندوة؛ إذ شكر المحاضر وقال: الشيخ الطنطاوي عبقري حقاً، ويجذب الجميع في أحاديثه، كما دعا الجميع لاسيما من حضر لأول مرة إلى التواصل مع هذه الندوة التي تتشرف بهم. ثم أجاب الأستاذ منصور اليوسف على أسئلة المداخلات.

نافذة على القوافي

وجاءت أخيراً أمسية الشعر، فشدا الشاعر محمد حسن العمري قصيدة النجم، ورثى الشاعر الدكتور حيدر الغدير الشيخ الطنطاوي بقصيدته القديمة (شاهد العصر)، كما رثاه بأنشودة الأستاذ أسامة الفرا، وأنشد الشاعر جميل الكنعاني قصيدة بعنوان (زكريا) عبر فيها عن قريته في فلسطين. وخُتمت الأمسية بأنشودة حضرمية جميلة.
وحازت الأمسية على إعجاب الجمهور.
أبو ريم غير متواجد حالياً  
قديم 23-05-2007, 08:38 AM
  #2
ياسر
عضو فعال
 الصورة الرمزية ياسر
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: ا لـ ــ ـر يـ ــ ـا ض
المشاركات: 574
ياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud ofياسر has much to be proud of
افتراضي رد : من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

الله يجزاك خير ويوفقك دنيا وآخره

موضوع جميل تشكر عليه
ياسر غير متواجد حالياً  
قديم 23-05-2007, 10:19 AM
  #3
ابن خضير

.: مراقب قسم ســـابق :.

 الصورة الرمزية ابن خضير
تاريخ التسجيل: Mar 2007
الدولة: @الرياض @
المشاركات: 17,553
ابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond reputeابن خضير has a reputation beyond repute
افتراضي رد : من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الله يرحم الشيخ الطنطاوي وجميع موتا المسلمين والمسلمات

والله يعطيك العافية
__________________

التعديل الأخير تم بواسطة ابن خضير ; 23-05-2007 الساعة 10:20 AM
ابن خضير غير متواجد حالياً  
قديم 23-05-2007, 12:21 PM
  #4
عبدالله الوهابي
مراقب سابق
تاريخ التسجيل: Apr 2005
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 5,988
عبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيراً أخي أبو ريم على هذا الموضوع الرائع
__________________
عبدالله الوهابي غير متواجد حالياً  
قديم 23-05-2007, 01:47 PM
  #5
@تركي السنحاني@
عضو جديد
 الصورة الرمزية @تركي السنحاني@
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: وادي جناب ((العرف))
المشاركات: 0
@تركي السنحاني@ is on a distinguished road
افتراضي رد : من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

جزاك الله خير على الموضوع

و الله يكتبه في موازين حسناتك


دمتم بود
@تركي السنحاني@ غير متواجد حالياً  
قديم 25-05-2007, 01:29 AM
  #6
أبوسالم
عضو فضي
 الصورة الرمزية أبوسالم
تاريخ التسجيل: Feb 2006
المشاركات: 1,067
أبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to all
افتراضي رد : من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

أخي العزيز أبو ريم جزاك الله خيراً على هذا الموضوع الرائع الذي قلبت به المواجع

عن ذكرى أديب الفقهاء وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته

ومهما كانت الردود وبلغت الكلمات لن نستطيع أن نوفي الشيخ حقه

وأحب أن أضيف على مشاركتي عن مقتل (ابنته) بنان الطنطاوي رحمها الله ...

مقتل بنان الطنطاوي

يصف الشيخ علي الطنطاوي مقتل أبنته في مذكراته :
((إن كل أب يحب أولاده، ولكن ما رأيت ، لا والله ما رأيت من يحب بناته مثل حبي بناتي... ما صدقت إلى الآن وقد مر على استشهادها أربع سنوات ونصف السنة وأنا لا أصدق بعقلي الباطن أنها ماتت، إنني أغفل أحيانا فأظن إن رن جرس الهاتف، أنها ستعلمني على عادتها بأنها بخير لأطمئن عليها، تكلمني مستعجلة، ترصّف ألفاظها رصفاً، مستعجلة دائما كأنها تحس أن الردى لن يبطئ عنها، وأن هذا المجرم، هذا النذل .... هذا .......يا أسفي ، فاللغة العربية على سعتها تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله، ولكن هذه كلها لا تصل في الهبوط إلى حيث نزل هذا الذي هدّد الجارة بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئن فتفتح لها ، ثم اقتحم عليها على امرأة وحيدة في دارها فضربها ضرب الجبان والجبان إذا ضرب أوجع ، أطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها وفي وجهها ، ما هربت حتى تقع في ظهرها كأن فيها بقية من أعراق أجدادها))

وهنا لتعرف حقيقة الحب لدى الشيخ علي الطنطاوي..

حقيقة الحب لدى الشيخ علي الطنطاوي

يستطيع أن يمحو من النفس صورة المجد والجاه ، والفضيلة والرذيلة ، والطموح والحسد ، ولكن لايمحوه شىء 0الحب أحجية الوجود،ليس في الناس من لم يعرف الحب،وليس فيهم من عرف ماهو الحب الحب مشكلة العقل التى لاتحل ولكنه حقيقة القلب الكبرى0 الحب اضعف مخلوق واقواه، يختبىء في النظره الخاطفه من العين الفاتنه وفى الرجفه الخفيفه من الاغنيه الشجيه، والبسمه المومضه من الثغر ثم يظهر للوجود عظيما جباراً،فيبنى الحياه ويهدمها ويقيم العروش ويثلها،ويفعل في الناس والدنيا الافعايل من حرم الكلام في الحب ؟!! ما في الحب شيء !! ولا على المحبين من سبيل !! إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه ، أو يضيع خلقه ، أو يهدم رجولته ، أو يشتري بلذة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم .. ما أشقى المحبين! يمشون كما يمشي الناس ويأكلون كما يأكلون, ولكنهم يعيشون في دنيا لا يعرفها الناس ولا يصلون إليها, تضيق الدنيا بالمحب إذا جفاه محبوبه, حتى ليكاد يختنق فيها على سعتها, ويجد في العش الضيق الذي يلجأ إليه مع محبوبه دنيا واسعة, ويتألم المحب في اللذائذ إذا لم يذقها معه من يحب .. والطبيعة الجميلة سواد في عين المحب قاتم إذا لم تنرها مقلتا المحبوب .. هذا هو الحب .. ثوب براق تحمله المرأة وتمشي حتى تلقى رجلاً فتخلعه عليه فتراه به أجمل الناس ، وتحسب أنه هو الذي كانت تبصر صورته من فرج الأحلام وتراها من ثنايا الأماني .... مصباح في يد الرجل ، يوجهه إلى أول امرأة يلقاها فيراها مشرقة الوجه بين نساء لا تشرق بالنور وجوههن ، فيحسبها خلقت من النور وخلقن من طين فلا يطلب غيرها ولا يهيم بسواها ، لا يدري أنه هو الذي أضاء محياها بمصباح حبه .. خدعة ضخمة من خدع الحياة ، خفيت عن المحبين كلهم من عهد آدم إلى هذا اليوم .. هذه هي حقيقة الحب .. فلا تسمع ما يهذي به المحبون!..
__________________
اللـهـم
اصلـح لي ديـني الذي هـو عصمـة أمـري
واصلح لي دنيـاي الـتي فيـهـا معــاشــي
واصلح لي آخرتي الـتي فيـها مـعـــادي
واجـعل الحيـاة زيـادة لي في كـل خــيــر
واجـعل المــوت راحــة لي مـن كـل شـــر



ازا مر زمان ولم تروني ,,, فهذه رعصاتي على الكيبورد فتذكروني
أبوسالم غير متواجد حالياً  
قديم 25-05-2007, 02:18 AM
  #7
أبوسالم
عضو فضي
 الصورة الرمزية أبوسالم
تاريخ التسجيل: Feb 2006
المشاركات: 1,067
أبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to allأبوسالم is a name known to all
افتراضي رد : من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

قـصــة غريــبــة للطـنــطــاوي

قصة غريبة للطنطاوي
قال :دخلت أحد مساجد مدينة "حلب " فوجدت شابا يصلي فقلت - سبحان الله - إن هذا الشاب من أكثر الناس فسادا يشرب الخمر ويفعل الزنا ويأكل الربا وهو عاق لوالديه وقد طرداه من البيت فما الذي جاء به إلى المسجد . .. فاقتربت منه وسألته : أنت فلان ؟! ! قال : نعم . . . قلت : الحمد لله على هدايتك . . أخبرني كيف هداك الله ؟؟ قال : هدايتي كانت على يد شيخ وعظنا في مرقص ؟إ! قال : نعم . . في مرقص .. . قلت مستغربا. . في مرقص ؟إ! قال : نعم . .. في مرقص إ! قلت . كيف ذلك ؟! قال : هذه هي القصة . . . فأخذ يرويها فقال . - كان في حارتنا مسجد صغير. . يؤم الناس

فيه شيخ كبير السن . . . وذات يوم التفت الشيخ إلى المصلين وقال لهم : أين الناس ؟ ! . . . مابال أكثر الناس وخاصة الشبـاب لا يقربون المسجـد ولا يعرفونه ؟ ! ! فأجابـه المصلـون : إنهم فـي المراقـص والملاهي . . . قال الشيخ . وماهي المراقص والملاهي. رد عليه أحد المصلين : المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة تصعد عليها الفتيات عاريات أوشبه عاريات يرقصن والناس حولهن ينظرن إليهن. . فقال الشيخ . والذين ينظرون إليهن من المسلمين ؟ قالـوا: نعم .. قال : لاحـول ولا قوة إلا بالله . . هيا بنا إلى تلك المراقص ننصح الناس . . قالوا له : ياشيخ . . أين أنت . . تعظ الناس وتنصحهم

في المرقص ؟! قال : نعم . . حاولوا أن يثنوه عن عزمه وأخبروه أنهم سيواجهون بالسخـرية والاستهزاء وسينالهم الأذئ ، فقال : وهل نحن خير من محمد صلى الله عليه وسلم وأمسك الشيخ بيد أحد المصلين ليدله على المرقص . . .وعندما وصلوا إليه سألهم صاحب المرقص : ماذا تريدون ؟ ! ! قال الشيخ : أن ننصح من في المرقص . . تعجب صاحب المرقص . . وأخـذ يمعن النظر فيهم ورفض السماح لهـم '.. فأخذوا يساومونه ليأذن لهم حتى دفعوا له مبلغا من المال يعادل دخله اليومي . وافق صاحب المرقص . . وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي ... قال الشاب : فلما كان الغد كنت موجودا في المرقص . . بدأ المرقص من إحدئ الفتيات . . ولما انتهت أسدل الستار ثم فتح . . فإذا بشيخ وقور يجلس على كرسي فبدأ بالبسملة وحمد الله وأثنن عليه وصلى على رسول صلى الله عليه وسلم ثم بدأ في وعظ الناس الذين أخذتهم الدهشة وتملكهم العجب وظنوا أن مايرونه هو فقرة فكاهية . . فلما عرفـوا أنهم أمام شيخ يعظهم أخـذوا يسخـرون منه ويرفعون أصواتهم بالضحك والاستهزاء وهـو لايبالي بهم . . واستمر في نصحه ووعظه حتى قام أحد الحضور وأمرهم بالسكوت والإنصات حتى يسمعوا مايقوله الشيخ . قال : فبدأ السكون والهدوء يخيم على أنحاء المرقص حتى أصبحنا لانسمع إلا صوت الشيخ ، فقال كـلاما ماسمعناه من مقبل . . . تلا علينا آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية وقصصا لتوبة بعض الصالحين وكان مما قاله .

أيها الناس : إنكم عشتم طويلا وعصيتم الله كثيرا . . . فأين ذهبت لذة المعصية؟ لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء ستسالون عنها يوم القيامة وسيأتي يوم يهلك فيه كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى . . . أيها الناس . . هل نظرتم إلى أعمالكم إلى أين ستؤدي بكم إنكم لاتتحملون نار الدنيا وهي جزء من سبعين جزءا من نارجهنم . . بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان . . قال : فبكوا الناس جميعا. . وخرج الشيخ من المرقص وخرج الجميع وراءه وكانت توبتهم على يده حتى صاحب المرقص تاب وندم على ماكان منه
. ((


قصة أب مؤثرة حدثت مع الشيخ علي الطنطاوي

قصة أبٍ مؤثرة حدثت مع الشيخ الطنطاوي
دخل عليّ أمس بعدما انصرف كتّاب المحكمة ولبست معطفي رجل كبير في السن يسحب رجليه سحباً لا يستطيع أن يمشي من الضعف والكبر. فسلّم ووقف مستنداً إلى المكتب وقال:
إني داخل على الله ثم عليك أريد أن تسمع قصتي وتحكم لي على من ظلمني.
قلت: تفضل، قل أسمع.
قال: على أن تأذن لي أن أقعد فوالله ما أطيق الوقوف.
قلت: اقعد وهل منعك أحد من أن تقعد؟ اقعد يا أخي فإن الحكومة ما وضعت في دواوينها هذه الكراسي وهذه الأرائك الفخمة إلا ليستريح عليها أمثالك من المراجعين الذين لا يستطيعون الوقوف. ما وضعتها لتجعل من الديوان (قهوة) يؤمها الفارغون ليشتغل الموظف بحديثهم عن أصحاب المعاملات ويضاحكهم ويساقيهم الشاي والمرطبات والناس قيام ينتظرون لفتة أو نظرة من الـ(بك)!
لا. لسنا نريدها (فارسية) كسروية في المحكمة الشرعية فاقعد مستريحا فإنه كرسي الدولة ليس كرسي أبي ولا جدي، وقل ما تريد.
قال: أحب أن أقص القصة من أولها فأرجو أن يسعني صبرك ولا يضيق بي صدرك وأنا رجل لا أحسن الكلام من أيام شبابي فكيف بي الآن وقد بلغت هذه السن ونزلت علي المصائب وركبتني الأمراض ولكني أحسن الصدق ولا أقول إلا حقاً.
كنت في شبابي رجلاً مستوراً أغدو من بيتي في حارة (كذا) على دكاني التي أبيع فيها الفجل والباذنجان والعنب وما يكون من (خُضر) الموسم وثمراته فأربح قروشاً معدودات أشتري بها خبزي ولحمي وآخذ ما فضل عندي من الخُضر فيطبخه (أهل البيت) ونأكله وننام حامدين ربنا على نعائمه لا نحمل هماً ولا نفكر في غد ولا صلة لنا بالناس ولا بالحكومة ولا نطالب أحداً بشيء ولا يطلب منا شيئاً ولم أكن متعلماً ولا قعدت في مدرسة ولكني كنت أعرف كيف أصلي فرضي وأحسب دراهمي... ولقد عشت هذا العمر كله ولم أغش ولم أسرق ولم أربح إلا الربح الحلال وما كان ينغّص حياتي إلا أنه ليس لي ولد فجرّبنا الوسائل وسألنا القابلات ولم يكن في حارتنا طبيب ولم نحتج إليه فقد كان لنا في طب (برو العطار) وزهوراته وحشائشه ما يغنينا عن الطبيب والصيدلي. وإذا احتجنا إلى خلع ضرس فعندنا الحلاق أما أمراض النساء فمردّ أمرها إلى القابلة ورحم الله أم عبد النافع قابلة الحارة فقد لبثت أربعين سنة تولّد الحاملات ولم تكن تقرأ ولا تكتب.
أقول إنّا سألنا القابلات والعجائز فوصفن لنا الوصفات فاتخذناها وقصدنا المشايخ فكتبوا لنا التمائم فعلقناها فلم نستفد شيئا، فلم يبق إلا أن ننظر أول جمعة في رجب لنقصد (جامع الحنابلة) فلما جاءت بعثت (أهل البيت) فقرعت حلقة الباب وطلبت حاجتها فنالت طلبها- خرافة دمشقية وثنية من آمن لها أو بأمثالها من الخرزة الزرقاء لرد العين والسحر والشعوذات واعتقد أن لغير الله نفعاً أو ضرراً فيما وراء الأسباب الظاهر فقد خالف الإسلام - فنالت طلبها وحملت.
وصرت أقوم عنها بالثقيل من أعمال المنزل لأريحها خشية أن تسقط حملها وأجرمها وأدللها وصرنا نعدّ الأيام والساعات حتى كانت ليلة المخاض فسهرت الليل كله أرقب الوليد فلما انبلج الفجر سمعت الضجة وقالت (أم عبد النافع): البشارة يا أبا إبراهيم! جاء الصبي.
ولم أكن أملك إلا ريالاً مجيدياً واحداً فدفعته إليها.
وقلّبنا الصبي في فرش الدلال، إن ضحك ضحكت لنا الحياة وإن بكى تزلزلت لبكائه الدار وإن مرض اسودّت أيامنا وتنغّص عيشنا وكلما نما أصبعاً كان لنا عيد وكلما نطق بكلمة جدّت لنا الفرحة وصار إن طلب شيئاً بذلنا في إجابة مطلبه الروح... وبلغ سن المدرسة فقالت أمه: إن الولد قد كبر فماذا نصنع به.
قلت: آخذه إلى دكاني فيتسلى ويتعلم الصنعة.
قالت: أيكون خضرياً.
قلت: ولم لا؟ أيترفع عن مهنة أبيه.
قالت: لا والله العظيم! لابد أن ندخله المدرسة مثل عصمة ابن جارنا سموحي بك. أريد أن يصير (مأموراً) في الحكومة فيلبس (البدلة) والطربوش مثل الأفندية.
وأصرّت إصراراً عجيباً فسايرتها وأدخلته المدرسة وصرت أقطع عن فمي وأقدم له ثمن كتبه فكان الأول في صفه فأحبه معلموه وقدروه وقدّموه.
ونجح في الامتحان ونال الشهادة الابتدائية فقلت لها: يا امرأة! لقد نال إبراهيم الشهادة فحسبنا ذلك وحسبه ليدخل الدكان.
قالت: يوهْ! ويلي على الدكان... أضيّع مستقبله ودراسته؟! لابد من إدخاله المدرسة الثانوية.
قلت: يا امرأة من علّمك هذه الكلمات؟ ما مستقبله ودراسته؟ أيترفع عن مهنة أبيه وجده؟ قالت: أما سمعت جارتنا أم عصمة كيف تريد أن تحافظ على مستقبل ابنها ودراسته؟ قلت: يا امرأة اتركي البكوات… نحن جماعة عوام مستورون بالبركة فما لنا وتقليد من ليسوا أمثالنا.
فولولت وصاحت. ودخل الولد الثانوية وازدادت التكاليف فكنت أقدمها راضياً... ونال البكالوريا.
قلت: وهل بقي شيء.
قال الولد: نعم يا بابا. أريد أن أذهب إلى أوربا.
قلت: أوربا؟ وما أوربا هذه.
قال: إلى باريس.
قلت: أعوذ بالله تذهب إلى بلاد الكفار والله العظيم إن هذا لا يكون.
وأصر وأصررت وناصرته أمه فلما رأتني لا ألين باعت سواري عرسها وقرطيها وذلك كل مالها من حلي اتخذتها عدة على الدهر ودفعت ثمنها إليه فسافر على الرغم مني.
وغضبت عليه وقاطعته مدة فلم أردّ على كتبه ثم رق قلبي وأنت تعلم ما قلب الوالد وصرت أكاتبه وأساله عما يريد... فكان يطلب دائما.
أرسل لي عشرين ليرة... أرسل لي ثلاثين... فكنت أبقى أنا وأمه ليالي بطولها على الخبز القفار وأرسل إليه ما يطلب.
وكان رفاقه يجيئون في الصيف وهو لا يجيء معهم فأدعوه فيعتذر لكثرة الدروس وأنه لا يحب أن يقطع وقته بالأسفار.
ثم ارتقى فصار يطلب مئة ليرة... وزاد به الأمر آخر مرة فطلب ثلاثمئة.
تصور يا سيدي ما ثلاثمائة ليرة بالنسبة لخضري تجارته كلها لا يساوي ثمنها عشرين ليرة وربحه في اليوم دون الليرة الواحدة؟ وياليته كان يصل إليها في تلك الأيام التي رخت فيها الأسعار وقل العمل وفشت البطالة ثم إنه إذا مرض أو اعتل علة بات هو وزوجته على الطوى… فكتبت إليه بعجزي ونصحته ألا يحاول تقليد رفاقه فإن أهلهم موسرون ونحن فقراء فكان جوابه برقيّة مستعجلة بطلب المال حالاً.
وإنك لتعجب يا سيدي إذا قلت لك أني لم أتلق قبلها برقية في عمري فلما قرع موزع البريد الباب ودفعها إلي وأخذ إبهام يدي فطبع بها في دفتره انخرطت كبدي في الخوف وحسبتها دعوة من المحكمة وتوسلت إليه وبكيت فضحك الملعون مني وانصرف عني، وبتنا بشر ليلة ما ندري ماذا نصنع ولا نعرف القراءة فنقرأ ما في هذه الورقة الصفراء حتى أصبح الله بالصباح ولم يغمض لنا جفن وخرجت لصلاة الغداة فدفعتها لجارنا عبده أفندي فقرأها وأخبرني الخبر ونصحني أن أرسل المبلغ فلعل الولد في ورطة وهو محتاج إليه.
فبعت داري بنصف ثمنها أتسمع يا سيدي؟ بعت الدار بمئتي ليرة وهي كل ما أملك في هذه الدنيا واستدنت الباقي من مرابٍ يهودي دلوني عليه بربا تسعة قروش على كل ليرة في الشهر أي أن المئة تصير في آخر السنة مئتين وثمانية! وبعثت إليه وخبرته أني قد أفلست.
وانقطعت عني كتبه بعد ذلك ثلاث سنوات ولم يجب على السيل من الرسائل التي بعثت بها إليه.
ومر على سفره سبع سنين كوامل لم أر وجهه فيها وبقيت بلا دار ولاحقني المرابي بالدين فعجزت عن قضائه فأقام علي الدعوى وناصرته الحكومة عليّ لأنه أبرز أوراقاً لم أدر ما هي فسألوني: أأنت وضعت بصمة أصبعك في هذه الأوراق.
قلت: نعم. فحكموا علي بأن أعطيه ما يريد وإلا فالحبس. وحبست يا سيدي. نعم حبست وبقيت (المرأة) وليس لها إلا الله فاشتغلت غسّالة للناس وخادمة في البيوت وشربت كأس الذل حتى الثمالة.
ولما خرجت من السجن قال لي رجل من جيراننا: أرأيت ولدك؟ قلت: ولدي؟! بشّرك الله بالخير. أين هو؟ قال: ألا تدري يا رجل أم أنت تتجاهل؟ هو موظف كبير في الحكومة ويسكن مع زوجته الفرنسية داراً فخمة في الحي الجديد.
وحملت نفسي وأخذت أمه وذهبنا إليه وما لنا في العيش إلا أن نعانقه كما كنا نعانقه صغيراً ونضمه إلى صدورنا ونشبع قلوبنا منه بعد هذا الغياب الطويل. فلما قرعنا الباب فتحت الخادمة فلما رأتنا اشمأزت من هيئتنا وقالت: ماذا تريدون؟ قلنا نريد إبراهيم. قالت: إن البك لا يقابل الغرباء في داره اذهبا إلى الديوان. قلت: غرباء يا قليلة الأدب؟ أنا أبوه وهذه أمه.
وسمع ضجتنا فخرج وقال: ما هذا؟ وخرجت من وراءه امرأة فرنسية جميلة.
فلما رأته أمه بكت وقالت: إبراهيم حبيبي؟ ومدّت يديها وهمّت بإلقاء نفسها عليه. فتخلى عنها ونفض ما مسته من ثوبه وقال لزوجته كلمة بالفرنساوي، سألنا بعد عن معناها فعلمنا أن معناها (مجانين).
ودخل وأمر الخادم أن تطردنا… فطردتنا يا سيدي من دار ولدنا.
وما زلت أتبعه حتى علقت به مرة فهددني بالقتل إذا ذكرت لأحد أني أبوه وقال لي: ماذا تريد أيها الرجل؟ دراهم؟ أنا أعمل لك راتباً بشرط ألا تزورني ولا تقول أنك أبي.
ورفضت يا سيدي وعدت أستجدي الناس وعادت أمه تغسل وتخدم حتى عجزنا وأقعدنا الكبر فجئت أشكو إليك فماذا أصنع.
فقلت للرجل: خبرني أولا ما اسم ابنك هذا وما هي وظيفته.
فنظر إليّ عاتباً وقال: أتحب أن يقتلني.
قلت: إن الحكم لا يكون إلا بعد دعوى والدعوى لا تكون إلا بذكر اسمه.
قال: إذن أشكو شكاتي إلى الله.
وقام يجرّ رجله يائساً... حتى خرج ولم يعد.


قصة طريفة للشيخ علي الطنطاوي

قصة طريفة للشيخ الطنطاوي
صحبنا في رحلتنا إلى الحجاز، دليل شيخ من أعراب نجد يقال له صلَبى ما رأيت أعرابياً مثله قوةَ جَنَان، وفصاحة لسان، وشدة بيان ولولا مكان النبرة البدوية لحسبته قد انصرف الساعة من سوق عكاظ، لبيان لهجته، وقوة عارضته، وكثرة ما يدور على لسانه من فصيح الكلام. وكان أبيّ النفس، أشمّ المعطس،

كريم الطباع، لكن فيه لوثة وجفاء من جفاء الأعراب، رافقنا أيام طويلة، فما شئنا خلة من خلال الخير إلا وجدناها فيه، فكان يواسينا إذا أصبنا، ويؤثرنا إذا أَضَقنا، ويدفع عنا إذا هوجمنا، ويفديّنا إذا تألمنا، على شجاعة نادرة، ونكتة حاضرة، وخفة روح، وسرعة جواب، قلنا له مرة:
- إن (صْلَبة) في عرب اليوم، كباهلة في عرب الأمس، قبيلة لئيمة يأنف الكرام من الانتساب إليها، وأنت فيما علمنا سيّد كريم من سادة كرام، وليس لك في هذه القبيلة نسب؟ فما لك تدعى صلبى. فضحك وقال:
- صدقتم والله، ما أنا من صلبة، ولا صلبة مني، وإني لكريم العم والخال ولكنّ هذا الاسم نكتة أنا مخبركم بها.
قلنا: هات. قال:
- كان أبواي لا يعيش لهما ولد، فلما ولدت خشيا عليّ فسمياني صْلَبى. قلنا: ائن سمياك صْلَبى عشت؟ قال:
إن عزرائيل أكرم من أن يقبض روح صْلَبى.
وسألناه مرة: هل أنت متزوج يا صْلَبى؟ قال:
- لقد كنت متزوجاً بشرّ امرأة تزوجها رجل، فما زلت أحسن إليها وتسيء إليّ، حتى ضقت باحتمالها ذرعاً فطلقتها ثلاثاً وثلاثين.
قلنا: إنها تبين منك بثلاث، فعلام الثلاثون؟
فقال على الفور: صدقة مني على الأزواج المساكين!
وطال بنا الطريق إلى تبوك، وملّ القوم، فجعلوا يسألونه عن تبوك، ويكثرون عليه، يتذمرون من بعدها، حتى إذا كثروا قال لهم:
ما لكم تلومونني على بعدها؟ والله لم أكن أنا الذي وضعها هناك. ولم يكن صْلَبي يعرف المدن، ولم يفارق الصحراء قط إلا إلى حاضرته تبوك (وتبوك لا تزيد عن خمسين بيتاً...) فلما بلغنا مشارف الشام أغريناه بالبلاد ودخول المدينة، وجعلنا نصف إليه الشام، ونشوّقه فيأبى، وكنت لصفّيه من القوم وخليله ونجيّه فجعلت أحاوره وأداوره، وبذلت في ذلك الجهد فلم أصنع معه شيئاً لما استقر في نفسه من كراهية المدن وإساءة الظن بأهلها، وكان عربياً حراً، ومسلماً موحداً، لا يطيق أن يعيش يوماً تحت حكم (الروم) أو يرى مرة مظاهر الشرك...
فودعناه وتركناه.
وعدت إلى دمشق، فانغمست في الحياة، وغصت في حمايتها أكدّ للعيش، وأسعى للكسب، فنسيت صلَبى وصُحبته، وكدت أنسى الصحراء وأيامها، ومرّت على ذلك شهور... وكان أمس فإذا بي ألمح في باب الجابية وسط الزحمة الهائلة، وجهاً أعرفه فلحقت به أتبيّنه فإذا هو وجه صْلَبى، فصحت به:
- صْلَبى! قال: - لا صْلَبى ولا مْلَبى.
قلت: ولم ويحك؟ قال: أنا في طلبك منذ ثلاث ثم لا تأتي إليّ ولا تلقاني؟
فقلت له ضاحكاً: - وأي ثلاث وأي أربع؟ أتحسبها تبوك فيها أربعمائة نسمة؟ إنها دمشق يا صْلَبي، فيها أربعمائة ألف إنسان، فأين تلقاني بين أربعمائة ألف؟
قال: - صدقت والله.
قلت: هلم معي. فاستخرجته من هذه الزحمة الهائلة، وملت به إلى قهوة خالية، فجلسنا بها ودعوت له بالقهوة المرة والشاهي، فسرّ، وانطلق يحدثني قال:
- لمّا فارقتكم ورجعت وحيداً، أسير بجملي في هذه البادية الواسعة، جعلت نفسي تحدثني أن لو أجبت القوم ورأيت المدينة... فلما كان رمضان مرّ بنا بعض الحضريين فدعوني إلى صحبتهم لأرشدهم الطريق، ثم أغروني كما أغريتموني، وحاوروني كما حاورتموني حتى غلبوني على أمري ودخلوا بي دمشق، فما راعني والله يا ابن أخي إلا سيارة كبيرة كسيارتكم هذه، لكنها أهول وأضخم، لها نوافذ وفيها غرف، وقد خطوا لها خطين من حديد فهي تمشي عليهما، فأدخلوني إليها، فخشيت والله وأبيت، فأقسموا لي وطمأنوني، فدخلت ويدي على خنجري إن رأيت من أحد شيئا أكره وجأته به، وعيني على النافذة إن رابني من السيارة أمر قفزت إلى الطريق، وجلست، فما راعنا إلا رجل بثياب عجيبة قد انشق إزاره شقاً منكراً، ثم التف على فخذيه فبدا كأنما هو بسراويل من غير إزار، وعمد إلى ردائه فصف في صدره مرايا صغيره من النحاس، ما رأيت أعجب منها، فعلمت أنه مجنون وخفت أن يؤذينا، فوضعت كفي على قبضة الخنجر، فابتسم صاحبي وقال: هو الجابي. قلت: جابي ماذا، جبّ الله (...)!
قال: اسكت، إنه جابي (الترام) أعني هذه السيارة.
ثم مدّ يده بقرشين اثنين، أعطاه بها فتاتة ورق، فما رأيت والله صفقة أخسر منها، وعجبت من بلاهة هذا الرجل إذ يشتري بقرشين ورقتين لا تنفعان وجلست لا أنبس، فلم تكن إلا هنَيّة حتى جاء رجل كالأول له هيئة قِزْدية ألا أنه أجمل ثياباً، وأحسن بزّة، فأخذ هذه الأوراق فمزقها، فثارت ثائرتي، قلت: هذا والله الذل، فقّبح الله من يقيم على الذل والخسيفة، وقمت إليه فلبّبته وقلت له:
- يا اين الصانعة، أتعمد إلى شيء اشتريناه بأموالنا، ودفعنا به قروشنا فتمزقه، لأمزّقن عمرك.
وحسبت صاحبي سيدركه من الغصب لكرامته، والدفاع عن حقه مثل ما أدركني فإذا هو يضحك، ويضحك الناس ويعجبون من فعلي، لأن عمل هذا الرجل -فيما زعموا- تمزيق أوراق الناس التي اشتروها بأموالهم...
ولما نزلنا من هذه الآفة، قال لي صاحبي: هلّم إلى الحمام. فقلت: وما الحمام يا ابن أخي؟
قال: تغتسل وتلقي عنك وعثاء السفر.
قلت: إن كان هذا هو الحمام، فما لي فيه من مأرب، حسبي هذا النهر أغطس فيه فأغتسل وأتنظف.
قال: هيهات... إن الحمام لا يعدله شيء، أو ما سمعت أن الحمام نعيم الدنيا؟
قلت: لا والله ما سمعت. قال: إذن فاسمع ورَهْ.
وأخذني فأدخلني داراً قوراء في وسطها بركة عليها نوافير يتدفق منها الماء، فيذهب صعداً كأنه عمود من البلور ثم يتثنى ويتكسر ويهبط كأنه الألماس، له بريق يخطف الأبصار، صنعة ما حسبت أن يكون مثلها إلا في الجنان، وعلى أطراف الدار دكك كثيرة، مفروشة بالأسرة والمتكآت والزرابيّ كأنها خباء الأمير، فلم نكد نتوسطها حتى وقثب إلينا أهلوها وثبة رجل واحد، يصيحون علينا صياحاً غريباً، فأدركت أنها مكيدة مدبرة، وأنهم يريدون اغتيالي، فانتضيت خنجري وقلت: والله لا يدنو مني أحد إلا قطعت رقبته، فأحجموا وعجبوا ورعبوا، وغضب صاحبي وظنني أمزح، ومال عليّ يعاتبني عتاباً شديداً. فقلت له: ويحك أو ما تراهم قد أحاطوا بنا؟ قال:
إنهم يرحبون بنا ويسلمون علينا. فسكت ودخلت. وعادوا إلى حركتهم يضحكون من هذا المزاح، ويدورون حولنا بقباقيبهم العالية، ويجيئون ويذهبون، وأنا لا أدري ما هم صانعون حتى قادونا إلى دكة من هذه الدكك، وجاءوا ينزعون ثيابنا فتحققت أنها المكيدة، وأنهم سيسلبونني خنجري حتى يهون عليهم قتلي، فقد عجزوا أن يقاتلوني وبيدي الخنجر، فأبيت وهممت بالخروج ولكن صاحبي ألحّ عليّ وأقسم لي، فأجبت واستسلمت وإن روحي لتزهق حزناً على إني ذللت هذا الذل حتى أسلمتهم سَلَبي يسلبونني وأنا حي. ولو كنت في البادية لأريتهم كيف يكون القتال... حتى إذا تمّ أمر الله ولم يبق عليّ شيء، قلت: أما من مسلم؟ أما من عربي؟ أتكشف العورات في هذا البلد فلا يغار أحد، ولا يغضب إنسان؟
فهدّأ صاحبي من ثورتي وقال: أفتغتسل وأنت متزر؟ قلت: فكيف أتكشف بعد هذه الشيبة وتذهب عني في العرب فتكون فضيحتي إلى الأبد؟
قال: من أنبأك أنك ستتكشف؟ هلا انتظرت!
فانتظرت وسكت فإذا غلام من أغلمة الحمام، يأخذ بيده إزاراً فيحجبني به حتى أنزع أزراري وأتزرّ به، فحمدت الله على النجاة، وكان صاحبي قد تعرى فأخذ بيدي وأدخلني إلى باطن الحمام، فإذا غرف وسطها غرف، وساحات تفضي إلى ساحات، ومداخل ومخارج ملتفّة متلوية، يضّل فيها الخرّيت وهي مظلمة كأنها قبر قد انعقدت فوقها قباب وعقود، فيها قوارير من زجاج تضيء كأنها النجوم اللوامع، في السماء الداجية، وفي باطن الحمام أناس عري جالسون إلى قدور من الصخر فيها ماء، فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم، وقلت هذه والله دار الشياطين وجعلت ألتمس آية الكرسي فلا أذكر منها شيئاً، فأيقنت أنها ستركبني الشياطين لما نسيت من آية الكرسي، وجعلت أبكي على شيبتي أن يختم لها هذه الخاتمة السيئة، وإني لكذلك، وإذا بالخبيث يعود إليّ يريد أن ينزع هذا الإزار الذي كسانيه، فصحت به: يا رجل، اتق الله، سلبتني ثيابي وسلاحي، وعدت تجردني وتعريني، الرحمة يا مسلمون، الشفقة أيها الناس! فوثب إليّ الناس، وأحدقوا بي، وجعلوا يضحكون، فقال صاحبي:
- ما هذا يا صْلَبى، لا تضحك الناس علينا، أعطه الإزار. قلت: وأبقى عرياناً؟ قال: لا، ستأخذ غيره، هذا كساء يفسد إذا مسه الماء، وإن للماء كساء آخر.
ونظرت فإذا عليه هيئة الناصح، وإذا هو يدفع إليّ إزاراً آخر، فاستبدلته به مكرهاً وتبعت صاحبي إلى مقصورة من هذه المقاصير، فجلسنا علا قدر من هذه القدور... وأنا أستجير بالله لا أدري ماذا يجري عليّ، فبينما أنا كذلك وإذا برجل عار، كأنه قفص عظام، له لحية كثة، وشكل مخيف وقد تأبط ليفاً غليظاً يا شرّ ما تأبط، وحمل ماعوناً كبيراً، يفور فوراناً، فاسترجعت وعلمت أنه السمّ وأنه سيتناثر منه لحمي، فقصد إليّ، فجعلت أفرّ منه وأتوثب من جانب إلى جانب وهو يلحقني ويعجب من فعلي، ويظن أني أداعبه، وصاحبي يضحك ويقسم لي أنه الصابون، وأنه لا ينظف شيء مثله.
قلت: ألا شيء من سدر! ألا قليل من أشنان؟
قال: والله ما أغشك، فجرب هذا إنه خير منه.
فاستجبت واستكنت، وأقبل الرجل يدلكني دلكاً شديداً وأنا أنظر هل تساقط لحمي، هل تناثر جلدي، فلا أجد إلا خيراً فأزمعت شكره لولا أني وجدته يتغفلني فيمد يده تحت الإزار إلى فخذي، فيدلكه ويقرصه، فقلت هذا ماجن خبيث، ولو ترك من شره أحد لتركني، ولصرفته عني شيبتي، وهممت بهشم أنفه وهتم أسنانه، ولحظ ذلك صاحبي فهمس في أذني أنه ينظفك وكذلك يصنع مع الناس كلهم، فلما انتهى وصب عليّ الماء، شعرت والله كأنما نشطت من عقال، وأحسست الزهو والخفة، فصحت فأنكرت صوتي فقلت: ما هذا، أينطق لساني مغنٍ من الجن؟ وأعدت الصيحة فازددت لصوتي إنكاراً. واستخفني الطرب، فجعلت أغني وأحدو، فقال صاحبي: لعلك استطبت صوتك؟
قلت: أي والله. قال: أفأدلك على باب القاضي؟
قلت: وما أصنع في باب القاضي؟ قال: ألا تعرف قصة جحا؟
قلت: لا والله، ما أعرف جحا ولا قصته.
قال: كان جحا عالماً نحريراً، وأستاذاً كبيراً، لكن كان فيه فضائل نادرة، وكان خفيف الروح، فدخل الحمام مرة فغنى فأعجبه صوته -وكان أقبح رجل صوتاً- وراقه حسنه، فخرج من فوره إلى القاضي، فسأله أن ينصبه مؤذناً وزعم أن له صوتاً لا يدخل أذناً إلاّ حمل صاحبها حملاً فوضعه في المسجد... فقال القاضي: اصعد المنارة فأذن نسمع.
فلما صعد فأذّن، لم يبق في المسجد رجل إلا فر هارباً. فقال له القاضي: أي صوت هذا، هذا الصوت الذي ذكره ربنا في الكتاب:
قال: أصلح الله القاضي، ما يمنعك أن تبني لي فوق المئذنة حماماً؟!..
• * *
ولمح الأعرابي صديقاً له من أعراب نجد، قد مرّ من أمام القهوة، فقطع عليّ الحديث وخرج مهرولاً يلحق به
.


قصـة مـدرس في ثـانويـة بنات حدثت مع الشيخ علي الطنطاوي

قصة مدرس في ثانوية بنات
هذه قصة شاب مدرس في ثانوية البنات حديث السن لم يجاوز الرابعة والعشرين حتى الآن، معتزل متفرّد عاكف على كتبه ودفاتره، لا يخالف الناس، وليس ممن يبتغي الظهور فيهم والحظوة لديهم، فلا يحاول أحد من القراء أن يبحث عنه أو يسعى إلى معرفته، وليكتفوا من قصته التي قصها عليّ بمكان العبرة منها، إذا كان قد بقي في القارئين من يحرص على العبرة أو يسعى إلى الاعتبار…
* * * * * * * *
وهذا الشاب ابن صديق من أدنى أصدقائي إلى قلبي، وكان في صباه تلميذا لي، وكان من أذكى الطلاب قلبا وأطهرهم نفسا، وأمتنهم خلقا، وأتقاهم لله في سر وفي علن، وكان في صغره جادا بعيدا عن المزاح، مجتنبا للهزل، بارا بأمه وأبيه، لا يعرف إلا مدرسته وبيته، لم ير قد واقفا في طريق، أو ماشيا إلى لهو، وثبت على ذلك حتى شب وأكمل الدراسة، وفارق المدرس، وهو لم يدخل قهوة ولا سينما، ولم يصاحب أحدا أبدا، ولم يجالس امرأة غير أمه ولم يكلمها..
وكان لذلك بمنزلة الأخ الأصغر مني، أحبه محبة الابن، ويُجلّني إجلال الوالد، وكان ينفض إلي دخيلته، ويكشف لي سريرته، وكان من مزاياه أنه صادق اللهجة، لم أجرب عليه في هذه المدة الطويلة كذبا قط…
* * * * * * * *
وانقطع عني مدة طويلة، ثم رأيته فأخبرني أن والديه قد توفيا بالتيفوئيد في شهر واحد، وأنه غدا وحيدا فاحترف التعليم، وبعثت به الوزارة لما تعلم من عظم أخلاقه إلى مدرسة ثانوية للبنات، فثار وأبى وطلب نقله إلى غيرها من مدارس البنين، فما زالوا به يداورونه ويقنعونه بأنه إن كان معلم البنات رجل مثله، فذلك خير لهن من أن يدخل عليهن فاسق خبيث، وإن قبوله التدريس في هذه المدرسة قربة إلى الله فخدع المسكين وقبل!
قال: وبتّ ليلة افتتاح المدرسة بليلة نابغيّة لم ينطبق فيها جفناي، من الفكر والوساوس والمخاوف، فلما أصبح الصباح ذهبت أقدم رجلا وأؤخر أخرى، حتى دخلت المدرسة، فما راعني عند الباب إلا أن فتاتين كاملتي الأنوثة ليستا بالصغيرتين ولا القاصرتين قد دخلتا أمامي، فلما صارتا من داخل ألقتا عنهما الخمار، فعادتا كأنهما في دارهما، وتلفت حولي فإذا ملء الساحة فتيات نواهد نواضج الأجساد، قد حسرن ورحن يلعبن ويمشين، شعورهن مهدلات على الأكتاف، فأحسست كأنما قد صبّ عليّ دلو من الماء الحامي، فاحترقت منه أعصابي، فاستدرت راجعا ونفضت يدي من الوظيفة، وقلت: الرزق على الله!
وقصدت بيتي فما وسعني والله البيت، ووسوس إليّ (لا أكتمك) الشيطان، وزيّن لي تلك المتعة بمعاشرة أولئك الفتيات، والحياة بينهن، فاستعذت بالله، وأعرضت عنه، وذهبت أفتش عن عمل غير هذا، فسدّت في وجهي الأبواب إلا هذا الباب، ولاحقتني الوزارة وإدارة المدرسة حتى عدت مكرها..
وأنا رجل رُضْت نفسي على العفاف، وأخذتها بضروب الرياضات حتى سكنت شرّتها، ولكنها مع ذلك كانت تثور بي كلما سبقت عيني وأنا غافل إلى فتاة في الشارع كاشفة، أو سمعت أذني حديثا من أحاديث الشبان سقط إليّ وأنا لا أطلبه، أو قرأت (وقلما أقرأ) قصة خليعة، أو نظرت (ونادر أن أنظر) مجلة من المجلات الداعرة الخبيثة وما المرأة التي يفتش عنها الشبان ويتحدثون عنها إلا هذه النَّصَف التي تصلح ما أبلى الدهر منها بالثياب والأصباغ وما عند العطار، والتي تقاذفتها الأيدي حتى صارت كالغصن الذاوي وكالثوب الخرق، فما بالك بشاب كتب عليه أن يعاشر النهار كله فتيات كزهرة الفلّ، أو كالغلالة الجديدة، لم تمسسهن يد بشر، ولم يعرفن من تجارب الحياة ما يتّقين به شباكها، ويطلب منه أن يكون عفيفا شريفا، وأن يكنّ هن أيضا عفيفات شريفات، وله في نفوسهن مثل الذي لهن في نفسه؟
يا أستاذ! إن الخطر أشد مما تتوهمون أنتم معشر الكتاب المعتزلين في بيوتهم أو في أبراجهم العاجيّة –كما يقولون عن أنفسهم- الخطر أشد بكثير… شباب وشابات، يُصبي كلاً منهما أن يشم ريح الآخر من مسيرة فرسخ، يجتمعون على دروس الأدب وقراءة أشعار الغزل… تصور (يا أستاذ) المدرس يلقي على طالباته حديث ولادة وابن زيدون، وأنها كتبت كما رووا (كذبا أو صدقا) على حاشية ثوبها
أمكن عاشقي من صحن خدي * * * وأمنح قبلتي من يشتهيها
ويمضي يشرح لهن ذلك ويفسره لهن.. حالة فظيعة جدا يا أستاذ… ولو كنّ كبيرات مسنات، أو كنّ مستورات محجبات، أو لو كن صائمات مصليات يخفن الله، لهان الأمر، ولكنهم يجتمعون بهن على سفور وحسور وتكشف، وتنطلق البنت حرّة تزور معلمها في داره، وتمشي معه إن دعاها للسينما، أو المنتزّه، كذلك يرى الآباء اليوم بناتهم فلا ينكرون ذلك عليهم!
أنا لا أقول أن الآباء كلهم لا يهمهم أعراض بناتهم، وأن كل أب قَرْنان، معاذ الله أن أقول ذلك، ولكن في الآباء قوما مغفلين، أعمى أبصارهم بريق الحضارة الغربية فحسبوا كل شيء يجيء من الغرب هو خير وأعظم أجرا، ولو كان ذهاب الأعراض والأديان والأبدان! إن هؤلاء كالنعامة يلحقها الصياد فتفر منه حتى إذا عجزت أغمضت عينيها ودسّت رأسها في التراب لظنها أنها لم تبصر الصياد، فإن الصياد لا يراها! إن هذا الأب يحسب أن كل رجل ينظر إلى ابنته بعينه هو، وطبيعي منه ألا ينظر هو إليها بعين الشهوة، فلذلك يطلقها في الشارع، ويبعث بها إلى المدرسة على شكل يفتن العابد، ويحرّك الشيخ الفاني!
* * * * * * * *
دخلت يا سيدي ودرّست، وكنت أغض بصري ما استطعت وأحافظ على وقاري، ولا أنظر في وجوه الطالبات إلا عابسا، وكنت مع ذلك أداري من أثرهن في أعصابي مثل شفرة السيف الحديد، وإذا قرع الجرس خرجت قبلهن مهرولا حتى لا أماشيهن ولا أدنو منهن، فذهبت مسرعا إلى داري أصلي وأسأل الله أن يصرف عني هذه المحنة، وان يجعل رزقي في غير هذا المكان، وكنت أصوم وأقلل الطعام لأطفئ هذه النار، فإذا مشيت إلى الفصل وسمعت كلامهن، وسبقت عيني إلى بعض ما يبدين من أعضائهن وزينتهن زادت ضراما واشتعالا!
وكان فيهن طالبة هي… لا.. لست أصفها ولا ينفعك وصفها، وحسبك أن تعلم انها ذكية ومتقدمة في رفيقاتها، وأنها من أسرة من أنبل الأسر، وأنها فوق ذلك جميلة جدا.. جدا.. إنها تمثال، وهل رأيت مرة تماثيل الجمال والفتنة…؟ وكانت كلما نظرتْ إليّ قرأت في عينيها كتابا مفتوحا، رسالة صريحة لي أنا وحدي، وأحسست منها بمثل شرارات الكهرباء تخرق قلبي… فكنت أزداد عبوسا وإعراضا، فلا يردها عبوسي ولا يثنيها إعراضي، وأسرعت مرة ورائي وأنا خارج وهي تناديني: ((سؤال يا أستاذ))… ولها في صوتها رنّة… يا لطيف..! فوقفت لها فجعلتْ تدنو مني حتى شعرت كأني ألامس… ألامس ماذا؟ لا أجد والله شيئا أشبهها به، لنه ليس في الدنيا شيء آخر له مثل هذا التأثير… فهربت منها وأسرعت إلى الدار، وحرصت على ألا أدعها أو أدع غيرها تفعل مثل هذا!
وعقدت العزم عقدا مبرما على ترك التدريس، وخرجت من الفصل بهذه العزيمة، وكان في الساحة تلميذات فرقة أخرى في درس الرياضة، وقد اصطففن بالشّلْحات، كاشفات الأفخاذ والأذرع، راسخات النهود، يقفن كذلك بين الرجال (والمعلمون كلهم رجال)… فكبر رأسي وأسرعت إلى الشارع، وقد حلفت ألا أعود ولو متّ جوعا، وبعثت بكتاب الاستقالة!
ومرت أيام وكنت وحدي في الدار –وأنا وحدي دائما ليس لي زوجة ولا قريب- فإذا بالباب يقرع، فقمت ففتحت وإذا بها تدخل عليّ، وتغلق الباب وراءها، وترفع الغشاء عن وجهها، وتلقي المعطف عن منكبيها، تحدثني تطلب درسا خصوصيا، وعيناها تحدثانني تطلبان أو لقد خيّلت لي أعصابي أنهما تطلبان غير الدرس… ولست يا أستاذي رجل سوء ولا أليف دعارة، ولكني رجل على كل حال… فلما رأيتها في داري… وتحت يدي… والباب مغلق… وهي تريد… ملكني الشيطان… ورأيت الدنيا تدور بي، ولما حاولت أن أتكلم اختنق صوتي ثم خرج وفيه بحّة غريبة كأني أسمع معها صوت إنسان آخر غيري، وهممت يا أستاذ… ولكن صوت الدين رنّ في أذني، ينادي لآخر مرة كما يصرخ الغريق آخر صرخاته… فاستجبت له… ولو أعرضت عنه لحظة لضاعت هذه الفرصة إلى الأبد، ولخسرت أنا والبنت الدنيا والآخرة من أجل لذة لحظة واحدة… ولم أتردد بل قلت لها بصوت بارد كالثلج، قاطع كالسيف، خشن كالمبرد: ((يا آنسة، أنا آسف، إن هذه الزيارة لا تليق بطالبة شريفة، فاخرجي حالا!))… وفتحت لها الباب وأغلقته خلفها، وتم ذلك كله في دقيقة!
* * * * * * * *
ولما خرجتْ ندمت… نعم ندمت… وعاد الشيطان يوسوس لي، وضاق بي المنزل حتى كأني فيه محبوس في صندوق مقفل، ولم أعد أدري ماذا أصنع، وأحسست أني أضعت كنزا وقع إليّ، وتغلّبت غريزتي، فأخفت صوت الدين والعقل، وأحسست توترا في أعصابي، حتى وجدت الرغبة في أن أعضّ يدي بأسناني، أو أضرب رأسي بالجدار، وعدت أتمثل حركاتها ونظراتها… فأراها أجمل مما هي عليه، وأحس بها في نفسي، فكأني لا أزال أشم عطرها، وأرى جمالها، بل لقد مددت يدي لأمسك بها، فإذا أنا أقبض على الهواء، وخيّل لي الشيطان أن هذه البنت لم تعد تستطيع الصبر بعد أن أذكى هذا النظام المدرسي نار غريزتها، وأنها ستمنح هذه الـ … هذه النعمة رجلا غيري… فصرت كالمجنون حقا، وحاولت أن أقرأ ففتحت كتابا فلم أبصر فيه شيئا إلا صورتها، وأردت الخروج فرأيتني أنفر من لقاء أيّ من أصحابي كان ولا أريد إلا إياها، وحسدت إخوتي المدرسين الذين لم يتربوا مثل تربيتي الصالحة، فتمنعهم من الانطلاق في هذه اللذائذ انطلاق الذئب في لحم القطيع الطريّ!
والعفو يا أستاذ إذا صدقت في تصوير ما وجدت، فأنت أستاذي أشكو إليك، وأنت الرجل الأديب قبل أن تكون الشيخ القاضي، فقل الآن ماذا أصنع؟ إني تركت التدريس واشتغلت بغيره، ولكني لم أستطع أن أنساها، ولو أنا أردت وصالها لقدرت عليه ولكني لا أريد، فماذا أصنع يا أستاذ؟ لقد حاولت الزواج، فرأيت الأب الذي لا يكاد يمنع ابنته حراما لا يمنحها حلالا إلا بمهر وتكاليف يستحيل دفعها على مثلي، فأيِسْتُ من الزواج، فماذا أصنع؟
* * * * * * * *
ماذا يصنع يا أيها القراء؟ قولوا، فإني لم أجد والله ما أقول!
__________________
اللـهـم
اصلـح لي ديـني الذي هـو عصمـة أمـري
واصلح لي دنيـاي الـتي فيـهـا معــاشــي
واصلح لي آخرتي الـتي فيـها مـعـــادي
واجـعل الحيـاة زيـادة لي في كـل خــيــر
واجـعل المــوت راحــة لي مـن كـل شـــر



ازا مر زمان ولم تروني ,,, فهذه رعصاتي على الكيبورد فتذكروني
أبوسالم غير متواجد حالياً  
قديم 18-10-2007, 02:14 AM
  #8
آل معمر
مراقب
الاستراحة والرحلات
 الصورة الرمزية آل معمر
تاريخ التسجيل: Nov 2004
الدولة: الجنوب
المشاركات: 11,982
آل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond repute
افتراضي رد : من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي

الطنطاوي أديب عصره

عندي كتاب الذكريات كامل من 8 أجزاء وعندي كتاب رجال من التاريخ وقصص من الحياة

وكتاب شوارد الشواهد وكتاب من غزل الفقهاء

سبحان الله أقرأ فيها وأنظ أنني أمضيت فقط عشر دقائق منذ أن بدأت القراءة ثم أتأكد فأجد أنه قد مر أكثر من نصف ساعه

أديب عصره بلا منازع رحمه الله رحمة واسعة

شكرا لصاحب الموضوع وللأخوة الذين زينوا الموضوع بإضافات جميلة
آل معمر غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف يقترن (( الجن )) بالانسان ؟؟؟؟؟؟؟ عبدالمحسن مبارك المجلس الـــــعــــــــام 25 05-11-2007 09:22 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM
الشيخ عبدالرزاق عفيفي 1323هـ ــ 1415هـ أبوسالم مجلس الإسلام والحياة 11 23-05-2007 01:29 AM


الساعة الآن 04:24 PM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود