من السيرة العطرة *** (3)
عمر بن الخطاب وجبلة بن الأيهم
قال أحمد بن عمر الكوفي: إن جبلة بن الأيهم كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام في عليه مسلماً.
فسر عمر بذلك فكتب إليه:أن يقدم ويُسلم , وله ما لنا وعليه ما علينا.
فخرج جبلة في جمع كثير من العرب , فلما قرب من المدينة ألبس القوم حللاً من الذهب , ومطارفاً موشاة ,وجلل الخيل بجلال الأطلس,
ولبس جبلة تاجاً نفيساً. ولم يبق أحد حتى خرج , وخرج النساء والصبيان وفرح المسلمون بإسلامه وقدومه , وكان يوماً مشهوداً ,
فدخل المدينة وأسلم , وقام بها , وتعلم شرائع الإسلام.
فلما كان أوان الموسم خرج عمر إلى الحج , وخرج معه جبلة يريد مكة والوقوف بعرفة ,فبينما جبلة يطوف بالبيت إذ وطئ إزاره رجل من فزارة , فحله فالتفت إليه جبلة ولطمه لطمةً هشم بها أنفه .
فمضى الرجل إلى عمر بن الخطاب وشكاه له فأرسل عمر إلى جبلة فحضرا إليه .
فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت بهذا الرجل الفزاري ؟
قال: إنه وطئ على إزاري فحله , ولولا حرمة البيت لأرمين برأسه.
فقال عمر: قد أقررت بفعلك , فإما أن ترضيه وإما القصاص.
قال: أو تقتص له مني وهو سوقي وأنا جبلة بن الأيهم ملك غسان ؟!!
فقال له عمر: قد جمعك وإياه الإسلام , فلا فضل لك عليه في القصاص.
قال جبلة: لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية .. هيهات!! إن فعلت يا عمر , فأنا أتنصر.
فقال عمر: إن تنصرت ضربت عنقك .
قال جبلة: يا أمير المؤمنين أخرني إلى غدٍ .
فقال: لك ذلك .
فلما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة والمدينة ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا قسطنطينية على هرقل , فتنصر وأقطعه الأراضي , وأوقف عليه من الإبل ما أعرضت عن ذكره خوف التطويل .
قال: فبعث عمر إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام , فأجابه إلى المصالحة على غير الإسلام . فلما أراد أن يكتب إلى عمر جوابه قال للرسول: اذهب إلى جبلة بن الأيهم الذي أتانا من عندكم وتنصر .
قال: فذهب إليه الرسول فإذا على رأسه من القهارمة(جمع قهرمان وهو أمين الملك أو وكيله الخاص) والجنود والحجاب والحفدة ما لا يوصف, فاستأذن عليه ودخل إليه فإذا هو على سرير من البلّور قوائمه من الذهب .فلما رآني عرفني وأدناني وأجلسني إلى جانبه فوق السرير.
ثم أخذ يسألني عن المسلمين رجلاً رجلاً فأقول له: بخير تركتهم .
قال: وكيف تركت عمر ؟
قلت: بخير.ثم نزلت عن السرير.
فقال: لم تأبى كرامتنا التي أكرمناك بها ؟
فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مثل ذلك.
قال: نعم صلى الله عليه وسلم ولكن ثق بنبيك واجلس على ما شئت.
قال الرسول: فلما سمعته يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم طمعت في إسلامه وقلت له:يا جبلة , هل لك في الإسلام والرجوع إليه ؟
قال: أبعد ما كان مني ؟
قلت: نعم ! قد فعل رجل قبلك مثل فعلك وضرب وجوه المسلمين بالسيف وعاد إلى الإسلام وقُبل ذلك منه , وهو فلان بن فلان.
قال جبلة: لا أعود إلاّ إن زوجني عمر ابنته وولاني العهد.
قال الرسول: فضمنت له التزويج لا العهد.
قال: ثم دعا بموائد الطعام فأُحضرت أطباق من فضة عليها صحاف من ذهب فيها الطعام فقال لي:كُل. فقبضت يدي وقلت:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في مثل ذلك.
قال: نعم , صلى الله عليه وسلم.
ثم دعا بقصعة من خلنج فأكلت فيها وكان بحضرته جوارٍ يغنين شعراً وبأيديهن الدفوف والعود والأراغل.
قال: أتعرف قائل هذا الشعر ؟
قلت: لا .
قال: هذا من شعر حسان بن ثابت الأنصاري , كيف حاله ؟
قلت: قد كف بصره .
فأمر له بكسوة ومال ونوق موقورة ثم قال لي:خذ هذي معك وإن وجدت حساناً حياً فاسلمها له , وإن وجدته ميتاً فادفع المال إلى أهله وانحر النوق على قبره وسلّم على أمير المؤمنين وأنشد:
تنصرت الأشراف من أجل لطمةٍ وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
فيا ليت أمّي لم تلدني وليتني رجعتُ إلى القول الذي قاله عُمَر ويا ليتني أرعى المخاض ببلدةٍ وكنتُ أسيراً في ربيعة أو مُضَر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
قال الرسول: فأخذت الهدية ورجعت إلى عمر , وأخبرته بصورة أمره ,وما وقع لي معه , فقال:هلاَّ ضمنت له ذلك , فإذا فاء إلى الإسلام (رجع إلى الإسلام) وتأنس به قضى الله فينا وفيه بحكمه.
ثم ذكرت له قضية حسان بن ثابت فأنفذ عمر إليه فأقبل مع قائد يقوده, فلما دخل حسان قال:يا أمير المؤمنين إني لأجد ريح غسان.
قال: نعم , هذا رجل قدم من عندهم.
فقال له: يا ابن أخي , هات ما معك.
قال الرسول: ومن أعلمك أن معي هدية ؟
قال:يا ابن أخي إن جبلة كريم , من عصبة قوم كرام , مدحته في الجاهلية فأعطاني شيئاً كثيراً وحلف أنه لا يرى أحداً يعرفني بمكان إلا أرسل لي معه هدية.
قال: فدفعت له المال والإبل.
ثم أعادني عمر إلى القسطنطينية وأن أضمن لجبلة التزويج والإمرة فلما وصلت إليها وجدت الناس منصرفين من جنازته , فعلمت أن الشقاوة غلبت عليه في أمّ الكتاب.
دمتم في حفظ الله ورعايته ,,,,,,,,,
حاااااااااااااااااااااااااافظ
__________________
23-08-2007, 09:51 PM
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
