حواراتُنا العقيمة ، و ديوان " أبي العلاء المعرّي " !

" لزوم ما لا يلزم" ديوانٌ شعريّ ذائع الصّيت للشّاعر المعروف ِ" أبي العلاء المعرّي " ، استعرضَ فيهِ بلاغتَهَ و موهبتَه الشعريّة الفذّة ، و أبانَ عن امتلاكِه لناصيةِ اللغةِ و الأدب ، حيثُ اتّبعَ في هذا الدّيوان ِ منهجاً التزمَه هوَ بنفسهِ من غير ما إلزام ؛ فهوَ يستوفي كلّ حالات الحرفِ من ضمّ و فتح ٍ و كسر ، و يلتزمُ كذلكَ في الرويّ حرفاً قبله .

هذا العنوانُ و هو " لزوم ما لا يلزم " شدّني كثيراً لغرابتهِ من جهةٍ ، و من جهةٍ أخرى أنّ هذا الوصفَ حقيقٌ بأن ينطبقَ على حواراتِنا الفكريّة العقيمة ، فإلزام المُحاور ِ بما لا يلزمُ سمةٌ طغَت على الكثير ِ من فعاليّاتِ الحوار ، في الشبكة العالميّة أو خارجها ، فالمُخالفُ يتأرجحُ بين طرفيّ نقيض ٍ لا وجودَ لأرض ٍ وسط ٍ بينهما ؛ فإذا انتقدتَ بعضَ ممارسات ِ المُقاومة ِ في العراق و غيرِها ، فأنتَ ضدّ الجهاد !

و إذا أثنيتَ على السّلطةِ في أمر ٍ ما ، فأنتَ مُداهنٌ ، تغضّ الطرفَ عن كلّ خطاياها !

و إذا أنكرتَ على منكر ٍ ترعاه السّلطة ، فأنت عوْنٌ للإرهابيّين ، إن لم تكن أحدَهم !

و غير ذلكَ من الإلزاماتِ التي لا تلزم ، هذا إذا نجوتَ بنفسِكَ من غوائل التّصنيفِ الجاهزة !

و في هذا مجافاةُ لروح العدل ِ و الأنصاف ، و تنكّب للمنهج ِ القرآنيّ : " يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاء بِالقِسْط وَلا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآن قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هَوَ أقْرَبُ لِلتّقْوَى " .

و الحقّ بأنّنا في حاجةٍ ماسّةٍ إلى فكّ هذه الإلزاماتِ الموهومة ، و فض التّشابكِ بينها بإنصافٍ و تجرّد و اتّباع ٍ حقيقيّ لأخلاق ِ السّلف ، يقولُ شيخ الإسلام ابن تيميّة : " ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه ، وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق .. ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات ، فيحمد وذم ، ويثاب ويعاقب ، ويحب من وجه ويبغض من وجه . هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم " . ا هـ ، منهاج السنة النّبويّة ( 4 : 543 ) .

و يقول الإمام ابن القيّم : " ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وأثار حسنة وهو من الإسلام بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده ، فلا يجوز أن يتبع فيها ، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين " . ا هـ ، إعلام الموقعين ( 3 : 283 ) .

و المقامُ لا يتّسعُ لإيرادِ أضعافِ هذه النّصوص ِ الجليلةِ التي تقيلُ عثرةَ المُخطيء و تلتمسُ له الأعذار ، إذا كانَ مخلصاً و متحرّياً الحقّ ، دع عنكَ إلزامَ المُخالفِِ لوازمَ موهومة لا توجَد إلاّ في الأذهان ، لا سيما في مسائلَ يكونُ الخلافُ فيها سائغاً .

أخشى أن يكونَ انتسابُنا للسلف ِ دعوى لا برهانَ عليها ، أو من بابة " لزوم ما لا يلزم " !

جزاك الله خير .......

أخي أنور باشا
ألا تعتقد أن هذا الموضوع أيضاً من إلزام ما لا يلزم ؟؟ نعم هناك أمور خلافية يجب التأني وعدم الخلط على الناس فيها ,, ولكن أيضاً : يجب ألا نترك الدرعى ترعى.