آخر أخبار الشيخ صالح الراجحي القحطاني

أن (كلمة مديح تقال لي خير من ألف كتاب يُكتب عني بعد موتي) بهذه العبارة لخص بودلير قصة العظماء على مر التاريخ، وحقيقة مايريدونه في الحياة. وليس في الأمر نرجسية مقيتة عند المبدع اوالناجح في عمله - أياً كان- أن ينتظر تلك الكلمة التي يحتاجها، والتي تمده بالحياة من أجل أن يبدع، وإن هذه الكلمة التي تقال للمبدع اوالناجح في عمله هي التكريم الذي يرجوه والفرح الذي ينتظره، والوسام الذي يضعه على صدره ويفاخر به في الدنيا، أنني يجب القول لكم بأن ما سبق وأن قرأتموه من تعبير شخصي يعكس شعور أعجابي وأشادتي بأعمال وأنجازات هذا الرجل الصالح التي تعتبر أمتداد لأفعال شخصيات قحطان الآخرين، وأنني أشعر في قرارة نفسي أنني عملت واجبي تجاه وسردت ملامح وسيره شخصية هذا الرجل الذي عكس معاني أسمه (صالح) طوال مراحل حياته وبعد موته أيضا،
وقد سبق وأن تشرفت بسرد ملامح وسيرة هذه الشخصية المميزة والفريدة فيما قدمه وبرز فيه، فأن الشيخ صالح الراحجي (رحمه الله) وجعل مثواه الجنة لم يكن رائداً اقتصادياً فحسب بل تعدى ذلك إلى المشاركة في العمل الخيري وهو من الأوائل الداعمين ولم يتوقف الدعم بالمال فحسب بل حتى في الرأي الصائب فهو من أول من طالب بإنشاء مؤسسة خيرية لمساعدة الشباب على الزواج، وللأسف لم يلتفت المعدون والمراجعون للكتاب الذي تم تأليفه عنه لهذه الفكرة النيرة ويعلقوا عليها. ولكن كان لي الشرف ان أسرد شخصيته الموقرة ضمن أخوانه وأبناءه من الشخصيات المائة الأولى لقبائل قحطان في كل مكان (يرجى الأطلاع على موضوع: ملامح لسيرة وشخصية قحطانية (14) الملياردير/ صالح الراجحي)
ولكني الآن أخصص موضوع آخر عنه بعدما توفاه الله، فندعوا الله بأن يكون قبره روضة من رياض الجنان وأنه من أهل الجنة، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، ويجعل كل ما تصدق به لوجه الله في ميزان حسناته يوم الحساب، اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين...

أخواني القحاطين وأخواني المسلمين،،
أن مع رحيل الشيخ صالح الراجحي فقدت المملكة أحد أهم رجال الاعمال المعروفين والداعمين للمشاريع الخيرية، فالشيخ صالح الراجحي ولد في بلدة البكيرية التابعة لمنطقة القصيم ونشأ فيها وطلب العلم وأتم حفظ القرآن الكريم في الثالثة عشرة من عمره،وانتقل إلى الرياض ولزم مجالس الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ونهل منها العلم والأخلاق وحب الناس والإحسان إليهم .
وعرف عن الشيخ الراجحي ذهابه للمسجد قبل ربع ساعة من وقت الصلاة منذ صغر سنه وحتى اقعده المرض , وكان مع ملازمته للعلماء يزاول التجارة منذ أن كان عمره 13 سنة , وقد وجد نفسه فيها وكافح طلباً للرزق الحلال حتى وفقه الله عام 1366هـ بافتتاح أول دكان يزاول فيه مهنة الصرافة التي نمت وتطورت حتى أصبحت صرحاً عظيماً من صروح الاقتصاد، وأصبح مصرف الراجحي أول مصرف إسلامي. وبعد ذلك توسعت أعمال الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي حتى لم يترك مجالاً من المجالات التجارية والعقارية والزراعية إلا وضرب فيها بسهم وكان التوفيق والنجاح حليفه أينما توجه وكانت الأيادي البيضاء التي يضعها في كل مكان سبباً للبركة والسعة في الرزق وكان يقول رحمه الله: والله ما أنفقت يوماً للزكاة مليوناً إلا عوضني الله سبحانه بمليونين .
وتميز الشيخ صالح الراجحي بالتواضع والزهد وقلة الكلام ، علما بأن الشيخ صالح الراجحي أوقف ثلث أمواله تقريباً و يبلغ الوقف حالياً 15 مليار ريال ، حيث كان رحمه الله حريص على الأعمال الخيرية وأنشا في عام 1417هـ المؤسسة الخيرية لتكون أعمال هذه المؤسسة وبرامجها ومشروعاتها صدقة دائمة وثواباً مستمراً له عند ربه عزوجل .
وأوقف الشيخ الراجحي بعض أملاكه وعقاراته ومزارعه لتكون صدقة جارية في سبيل الله تصرف على أعمال البر والإحسان المتنوع وفق حاجات المستفيدين داخل المملكة وخارجها.
الجدير ذكره هنا أيضا هو أن فقيد الأمة والوطن والقبيلة والأسرة يعد أكبر أفراد عائلة الراجحي الكرام، ومن مؤسسي مصرف الراجحي للاستثمار، الذي تأسس بجهوده مع شقيقه رجل الأعمال المعروف الشيخ سليمان الراجحي.

في الختام، فأن الشيخ/ صالح الراجحي لم يقصر أعمال البر على حياته، بل أوقف جزءاً كبيراً من ثروته وأملاكه لأعمال الخير، وهو أنموذج لعديد من رجال الأعمال العصاميين الذين تتردد أسماؤهم في المجتمع، ليس عبر ما يحيطون به أنفسهم من هالة إعلامية، وإنما لأنهم بنوا ثرواتهم، عبر سنين من التعب والمعاناة ، فعرفوا حق الله وحق المجتمع عليهم. كما كان الشيخ صالح الراجحي ــ رحمه الله ــ رجلا عصاميا صنع إمبراطورية تجارية رأس مالها الجد والاجتهاد والعزيمة و الإصرار، كان وسيبقى الأنموذج الأمثل للشاب الذي يصنع المستحيل ويحقق الحلم متى ما توافرت لديه الإرادة الصلبة والصبر الجميل على مقارعة الحياة.
وقد كان فريدا وجسد معاني التجارة على أصولها النقية القائمة على النزاهة والأمانة والشرف، قبل أن يلوثها الجشع ويزاحمها الانتهازيون من المتسلقين على الأكتاف لبلوغ أعلى قمم الطمع.
وفي عام 1417هـ، وقبل أن يدخل في حالة المرض، أوقف الشيخ صالح الراجحي جزءا من ثروته تقدر قيمته الآن بأكثر من 15 مليارا لأعمال الخير والبر والعطاء، وهو صاحب المقولة الشهيرة: «ما أنفقت يوما للزكاة مليونا إلا عوضني الله مليونين».
فرحم الله رجلا كافح في دنياه وأعطى لآخرته. فرحم الله الشيخ صالح الراجحي رحمة واسعة، وجعل ما قدمه من أعمال خير في ميزان حسناته، وعزاؤنا لأبنائه وأحفاده وأسرته.

أخوكم/ أبو سحمي