عرض مشاركة واحدة
قديم 27-10-2006, 09:28 PM
  #12
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء الثامن

-

كانت الترجمة في فريق التحقيق عملاً مختلفاً تماماً عن الترجمة في مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة، ففي الزنزانات كنت غالباً أتحدث إلى المعتقل بنفسي ولم يكن عليّ أن أترجم أي شيء بشكل مباشر، وإذا كنت واسطة بين المعتقل وبين عنصر في الفريق الطبي أو الشرطة العسكرية أو اختصاصي نفسي، كان عليّ فقط أن أنقل المعنى وأصوغه بكلماتي الخاصة. أما في التحقيقات، فكان عليّ أن أنقل ما يقوله المحقق تماماً - نفس الكلمات ونبرة الصوت والمزاج وحتى حركات جسده - وكان ذلك يتطلب أحياناً وقتاً طويلاً لتنفيذه. وكان ذلك يدفعني أحياناً للرغبة في ضرب الحائط من شدة الضغط.
سألت ليزا مرة قبل أن تغادر جوانتانامو إذا كان المترجمون قد خضعوا لأي نوع من التدريب من أجل التحقيقات. قالت ليزا: لا، إننا نعطيهم بعض التعليمات القصيرة لدى وصولهم. هناك ثلاثة أمور عليهم أن يتذكروها: ألا يطرحوا أي سؤال على المحقق، وعليهم أن يحافظوا على هدوئهم ويحاولوا تقليد المحقق تماماً عندما يترجمون كل شيء، وثالثاً أن يفعلوا ما بوسعهم للترجمة الحرفية وألا يضيفوا ما يعتقدون أن المحقق يحاول أن يقوله.
لم يكن العمل مع ميشيل يشكل أي مشكلة بالنسبة لي، كانت قد تدربت بشكل ممتاز وبدا أنها تتمتع بموهبة طبيعية لإقامة العلاقات. عملت مع المعتقل المغربي عدة مرات أخرى، وكانت في موقع صعب لأن قيادتها كانت تتعرض لضغوط لكشف علاقته مع القاعدة في أوروبا. كان يكرر ادعاءه بأن قوات تحالف الشمال قبضت عليه لأنه عربي في أفغانستان فقط، ولم يكن لديها أي أدلة تشير إلى كذب ادعائه أو علاقته مع القاعدة أو طالبان.
قمنا بالتحقيق أيضاً مع معتقل آخر كان يشكل أهمية كبيرة لدولة أجنبية. لا أملك حرية كشف هوية هذا المعتقل، ولكن المثير في قضيته أنه كان يعمل لقناة الجزيرة الإخبارية الفضائية، عندما وصلنا أنا وميشيل لإجراء لقائنا الأول معه قالت لي ميشيل: هذا الرجل قد لا يكون سعيداً معنا أبدا.
دخلنا إلى الغرفة التي كان المعتقل قد وصل إليها للتو على ما يبدو. طلبت ميشيل من عنصر الشرطة العسكرية أن يفك قيود المعتقل ويغادر القاطرة دفعت بعلبة كوكا كولا إلى المعتقل قائلة: مرحبا، كيف حالك، هل ترغب بشيء تشربه؟ قال: شكرا، قالت ميشيل: أديب، هل لديك مانع في أن تتحدث معي حتى لو كنت امرأة؟ قال: هذا حسن، قالت ميشيل: من أين أنت؟ أراد أديب أن يدخل في صلب الموضوع مباشرة، لماذا لا تقولين لي لماذا اعتقلت حكومتك مراسلاً صحفيا؟ قالت ميشيل: حسنا يا أديب، ليست لدي كل الإجابات مع الأسف حالياً، ما أستطيع أن أقوله لك أن من مصلحتك بلا شك الإجابة على أسئلتي. إذا تعاونت معنا فإن ذلك سوف يزيد من فرص خروجك من هنا بشكل كبير. قال: أي نوع من الأسئلة تريدنني أن أجيب عنها اليوم، قالت: أريدك أن تشرح لي دورك في تمويل المقاتلين في المنطقة التي كنت تعمل فيها، قال أديب وهو لا يكاد يصدق: ألهذا السبب أنا هنا؟ لم أمولهم مطلقاً. لن أستطيع مساعدتكم. كان لدى ميشيل مجموعة من الأسئلة المحددة لكنها قررت ألا تتقيد بها. قالت: لماذا لا تقول لي فقط ما تعرفه إذا كصحفي عن طريقة تمويلهم؟ وعلى مدى خمس وأربعين دقيقة استمر أديب وميشيل في النقاش حول كيفية قيام بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية بمساعدة الناس في تلك المنطقة وكيف يجد المال أحياناً طريقه إلى أيادي المقاتلين.
ونفى أديب أي علاقة له مع تنظيمات محددة. وقبل أن تنهي التحقيق طرحت عليه سؤالاً أخيراً: أديب، كيف عوملت منذ أن تم اعتقالك على يد الأمريكيين؟ قال أديب: لقد فقدت الكثير من احترامي للأمريكيين منذ أن اعتقلت. إنني مندهش من احتقار الحراس الكامل لديننا. ولا أعتقد أنني الرجل البريء الوحيد هنا. قالت ميشيل: آسفة لسماعي هذا، دعني أسألك هذا السؤال: عندما تغادر هذا المكان، هل ستقوم بتقديم برنامج عن الوقت الذي قضيته هنا؟ وإذا فعلت ذلك، ماذا ستقول في هذا البرنامج؟ أجاب أديب: إنني أتشوق لعمل هذا البرنامج، سأقول ما رأيته بالضبط هنا - إن السلطات الأمريكية لا تحترم الإسلام، وإنهم يحتجزن أبرياء دون توجيه أي اتهام لهم. قالت ميشيل: آسفة لأنك تشعر على هذا النحو يا أديب. شكراً على تعاونك اليوم، واستدعت ميشيل عنصر الشرطة العسكرية ليعيد المعتقل إلى زنزانته.
اكتشفت في تلك الأثناء أن الوكالة الحكومية الأخرى كانت تملك حافزاً آخر تستطيع تقديمه للمعتقلين الذين كانوا يبدون تعاوناً كبيراً، بالإضافة إلى الأريكة والسجائر ووجبات ماكدونالدز وغيرها. كانت هناك قاطرة يطلق عليها اسم "كوخ الحب، وكان الأسرى الذين تتم مكافأتهم ينقلون إلى تلك القاطرة في رحلة قصيرة، حيث يستمتعون بمشاهدة أفلام خلاعية ومجلات تحوي صوراً مثيرة أيضاً.
كان العمل مع بن وأمثاله من عناصر الاستخبارات العسكرية يتطلب عملية نقل نوعية. في إحدى الأمسيات عملت مع محقق آخر من الاستخبارات العسكرية اسمه مايك، وكان يحقق مع معتقل يمني حول معرفته بشخص يعتقد أنه مرتبط بالقاعدة. لم يكن اليمني متجاوباً في الجلسة السابقة دخلنا إلى غرفة التحقيق وقال مايك: محمد، هل سوف تتعاون الليلة؟ ولم يجب المعتقل. قال مايك: مو، لماذا لا تريد أن تتحدث إلينا، ألم تتعب من هذه الألاعيب؟ كان المعتقل يحدق بصمت. قال مايك: مو، أستطيع أن أساعدك إذا تعاونت فقط. اكتفى محمد بالرد قائلاً: حراسكم لا يحترمون الإسلام، ليس لدي سبب يجعلني أتحدث إليك. قال مايك: علينا أن نتجاوز ذلك يا محمد. أحتاج إلى تعاونك معي، هل كنت تعرف فريد محمود؟. لم يجب المعتقل. لعبنا تلك اللعبة على مدى نصف ساعة، فيما كان محمد منحنياً في زيه البرتقالي تحت وطأة أصفاده المثبتة في أرض الغرفة وهو يحدق في الجدار طوال الوقت.
تعلمت من خبرتي مع المعتقلين في العمل معهم في الزنزانات أنه لكي نحرز أي تقدم معهم، علينا أن نفهم مبادئ دينهم جيداً. كان الكثير من المعتقلين قد وصلوا إلى جوانتانامو وهم يحملون إيماناً قوياً، أما الباقون فقد تحولوا في معظمهم في ذلك الاتجاه بعد اعتقالهم. كانت النقاشات الدينية تزيد احتمال أن يتخلى المعتقل عن حذره ويظهر مشاعره الحقيقية حول الجهاد، وكان ذلك ضرورياً للوصول إلى جبهة الإرهاب. عملت مع محققين لم يكونوا يعرفون شيئاً عن العالم الغريب الذي كان سائداً في مجمعات الزنزانات حيث يعيش هؤلاء الرجال منذ أكثر من عام، وأن لديهم معلمين ومشجعين ينتظرونهم في تلك الزنزانات ليحثوهم على البقاء أقوياء، وأن هناك زيارات يقوم بها "الجن" لهم وكانوا يخافون من تلك الزيارات أكثر من خوفهم من قسوة المحققين. لم يكن لدى المعتقلين سبب، سوى الأمل اليائس، ليعتقدوا أنهم سوف يطلق سراحهم إذا بدأوا بالاعتراف، وكانت لديهم حوافز كثيرة في مجمع الزنزانات حتى لا يتكلموا.
في إحدى الليالي قمنا أنا وميشيل باستجواب معتقل سوري كان مشهوراً بعدم تعاونه واسمه حداد. عرفت ميشيل عن نفسها وعني، وقالت له إنها ليست مع الجيش وأرادت أن تجلس وأن تتحدث معه. قالت له: حداد، هل تستطيع أن تخبرني قليلاً حول مكان نشأتك؟.
لم ينظر حداد إلى ميشيل، قال لي: قل لها إن ذلك مكتوب في الملف، قالت ميشيل: أعرف أنه في الملف يا حداد، لكنني أود أن تخبرني بنفسك، قال حداد لي: قل لها إنني نشأت خارج دمشق، قالت ميشيل: أفهم ذلك يا حداد، إنني مهتمة بمعرفة مدينتك، ونوع الناس وما يفعلونه لكسب عيشهم وكيف يقضون أوقاتهم وما هي الصعوبات التي تواجه العائلات هناك. قال حداد: أفضل ألا أتحدث إليها عن هذه الأمور. حاولت ميشيل بطريقة أخرى، قالت: حداد، أعرف أنك مسلم وأنك تحاول أن تتبع الطريق المستقيم. إنني مهتمة فعلاً بمعرفة كيف تعمقت في دينك، وهل كانت هناك فترات في حياتك عندما زاد إيمانك أو تجدد؟ اتسعت عينا حداد قليلاً، وبدت عليه الدهشة في هذا السؤال. قال لي: سيدي، إنني أحب فعلاً أن أتحدث عن هذه الأمور، ولكن ليس معها. طلبت ميشيل استراحة قصيرة وقالت لي: ألم تخبرني أنك درست في كلية مسيحية لمدة عامين ودرست اللاهوت؟ أريدك أن تأخذ حوالي نصف ساعة مع هذا الرجل وتتحدث إليه عن دينه. فقط توقف كل بضع دقائق وأخبرني عما تتحدثان، اسأله كيف أصبح مسلماً ملتزماً. اسأله عن معتقداته بالله ومحمد والمسيح والآخرة، حاول أن تعرف ما يثير اهتمامه من الناحية الدينية.
عدنا إلى الغرفة مرة أخرى وسحبت كرسياً واقتربت من حداد. قلت له: حداد، ذكرت أنك ترغب في الحديث عن دينك ولكن ليس مع امرأة. هل ترغب في الحديث معي لفترة قصيرة عن دينك وسأنقل لها بين الحين والآخر ما نتحدث عنه؟ هل هذا يرضيك؟ أومأ برأسه موافقاً. قلت: لماذا لا تبدأ بإخباري كيف تحولت لاتباع الطريق المستقيم؟ تحدثت مع المعتقل عن الدين لمدة ساعة دون توقف. وكنت كل حوالي خمس دقائق ألتفت إلى ميشيل وأقول لها بالإنجليزية ما كنا نناقشه. وكانت تجيب عظيم، تابع، وكانت تضيف شيئاً من عندها بين الحين والآخر. شرح لي المعتقل أنه كان يعيش في سوريا ولم يكن ولا حتى أسرته يذهبون إلى المسجد حتى يوم الجمعة. وأضاف: كان عمري عشرين سنة وكنت مهووساً بملاحقة الفتيات وشرب الكحول، وفي أحد الأيام زاره اثنان من دعاة جمعية التبليغ، قالوا له إن الله لا يرضى عن طريقة حياته "عليك أن تخاف من يوم الحساب"، هكذا قالوا لي، خفت، خشيت من أنني سوف أحاسب أمام الله يوماً ما على أفعالي. وهكذا قررت أن أكرس حياتي لله وأعبده هو وحده.
بعد ذلك سألني حداد عن ديني، عندما علم أنني مسيحي، سألني إذا كنت قد قرأت الإنجيل، قلت: نعم، لقد درسته إلى حد ما. سألني هل تعرف أن المسلمين، مثل المسيحيين، يؤمنون أن المسيح سوف يعود إلى الأرض يوما ما؟ قلت: لم أكن أعرف ذلك، قال: إنني أحترم المسيحيين والمسيح إلى حد كبير، لكن هناك إلهاً واحداً. سألته: هل تعتقد أن المسيحيين هم كفار؟ قال: حسنا، ذلك يعتمد. وبدأ بشرح مفصل حول أن المسلمين يحترمون "أهل الكتاب" وأضاف: فيما إذا كان الشخص كافراً أم لا فذلك يعتمد على الشخص نفسه. سألته: هل تعتقد أن الله يحب كل شخص؟ قال حداد: لا أعرف هذا بالتأكيد، أحاول أن أتبع الطريق المستقيم وأعيش وفقاً لمشيئة الله، هل تعتقد أنت ذلك؟ أجبته: حسناً، نعم المسيحيون يؤمنون أن الله يحب جميع الناس. بدت على حداد الحيرة والدهشة معاً قد يعتبر بعض المحققين تلك الجلسة ضياعاً للوقت لأنها لم تنتج معلومات هامة، ولكن تجعله يفهمنا أكثر قليلاً، بدأ يثق بنا أكثر أيضاً، كان يتحدث بحرية أكبر مع ميشيل في جلسات لاحقة.
كانت الحياة في المعسكر تثير أعصاب الجميع أكثر فأكثر. في كل ليلة في البيت، كان مارك يحدثني بإسهاب عن الحياة في مجمعات الزنزانات. ويبدو أن وصول أحد كبار قادة طالبان - كان هناك خلاف حول كونه وزير الخارجية أو سفيرهم إلى باكستان، ولم أكن قد اطلعت على ملفه بعد - سبب مشكلة هناك، قال لي مارك في إحدى الأمسيات: إذا لقد سمعت أن أحد كبار مسؤولي طالبان وصل إلى جيتمو أليس كذلك؟ اليوم في خلال إحدى مهماتي أتيحت لي فرصة الحديث مع هذا القذر. سألته: جميل، ماذا حدث؟ قال مارك: ذهبت إليه وسألته ماذا أستطيع أن أفعل له، وقال لي إنه يريد أن يتم احتجازه في ظروف أفضل، قلت له إنني لا أستطيع أن أفعل شيئاً حيال هذا الأمر. لكنه لم يقدر صراحتي، عند ذلك قال لي: هل تعرف من أنا؟ سألته: وهل كنت تعرف من هو؟ قال مارك: حسنا، عندما طرح عليّ ذلك السؤال، عرفت من هو، تحمست وتذكرت كل الأمور التي أحب أن أقولها لذلك الحثالة، كيف كان بلده متخلفاً وكان شعبه يعيش في فساد سياسي، وكيف أن عليه أن يفخر لأنه ساعد في إقامة واحدة من أسوأ الحكومات في التاريخ الحديث، وكيف..." قلت له: مارك، أكمل قصتك، قال مارك: حسنا، قلت له إنني لا أهتم من يكون وإنه حالياً في سجن أمريكي، وهذا هو المهم. لكن ذلك التافه امتلأ غضباً وبصق عليّ وقال: أيها الكافر! أريد أن أتحدث إلى مسلم، قلت له لا تستطيع أن تتحدث إليّ وأكثر من هذا، سأفعل ما بوسعي لأستجيب شخصياً لجميع طلبات المترجمين إلى هذا المجمع في المستقبل لأتأكد من أننا نعمل معاً بشكل منتظم. قلت له: يبدو أنك استمتعت بوقتك يا مارك، قال مارك: بالتأكيد. قبل أن أغادر قلت له في أمريكا لدينا أغنية: لا تقلق، كن سعيداً. عليك أن تتعلم أن تهدأ، لديّ إحساس أنك ستكون هنا لفترة طويلة. وبعد ذلك انصرفت، سألته إذاً أعتقد أنك تتشوق للحديث معه أكثر في المستقبل؟ قال مارك بسرور واضح: كان هناك ثلاثة طلبات أخرى لمترجمين في ذلك المجمع بعد الظهر، وذهبت في كل واحد منها، رآني هناك، وأعتقد أنه يصدق الآن أنه عالق وعليه أن يعمل معي بشكل دائم. أشعر أني فعلت شيئاً جيداً بإزعاج هذا الرجل اليوم.
كانت العلاقات الشخصية تصبح أسوأ كل يوم بين أعضاء مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة. أصبحت علاقة أحمد مع مو سيئة جداً لدرجة أن مو انتقل إلى منزل آخر، وبذهابه بدأ الكابتن منصور والمرشد الديني بي والمسلمون الملتزمون الآخرون يجتمعون في منزل أحمد بشكل أكبر، وكان باقي أعضاء الفريق يشيرون إلى منزل أحمد على أنه مكة. وكان العداء بين الكابتن منصور وبين بعض أعضاء الفريق من غير المسلمين يزداد لدرجة أن أحدهم واسمه دان رفع شكوى ضد الكابتن منصور اتهمه فيها بالتمييز الديني، وكان الكابتن منصور يرسله دائماً إلى أسوأ المهمات. وكانت العلاقات بين الشرطة العسكرية وبين الكابتن منصور والمسلمين الملتزمين متوترة أيضاً وقد اشتكى بعض الحراس إلى قيادة المعسكر من أن المترجمين المسلمين كانوا يتجاوزون سلطتهم، وأنهم متعاطفون مع المعتقلين، وأنهم يفسدون المهمة. وفي أحد الأيام وقف الكابتن منصور في صف أحد المعتقلين خلال خلاف تافه داخل المجمع مع أحد عناصر الشرطة العسكرية أمام المعتقلين جميعاً. كان الإجراء المقبول في حال وجود خلاف بين الحراس وأحد المترجمين أن ينقل ذلك إلى خارج المجمع، وقد لا حظ الحراس أيضاً أن الكابتن منصور لم يكن يحب أن يأتي إلى مجمع الزنزانات في أي حال لأنه قائد مجموعة اللغويين وليس من مهامه تولي الترجمة في الزنزانات. وفي أحد الأيام قال لي بعض المترجمين إن الكابتن منصور صافح في الواقع مسؤول طالبان السجين الذي كان مارك يعلق عليه ويزعجه، وتلك حركة اعتبرها عناصر الشرطة العسكرية خيانة.
بالطبع، كان لفريق التحقيق قضاياه أيضاً، كانت مكاتب مجموعتين من المحققين ملاصقة لمكتبي، وكنت أحياناً أستخدم أجهزة الكومبيوتر التي لديهم لأرسل بريداً إلكترونياً وفوجئت في أحد الأيام عندما رأيت ثوباً نسائياً قصيراً جداً وبعض الملابس الداخلية المعلقة خلف الباب. سألت أحد المحققين عن صاحبة هذا الثوب لكنه تجنب سؤالي، واتضح أن تلك الملابس كانت لإحدى المحققات المتعاقدات. كان فريقها يعمل في منتصف الليل في استجواب معتقل سعودي يرفض الاعتراف. كانت النظرية تقول إن هؤلاء الرجال يعتمدون على دينهم ويكسبون قوة من ذلك الارتباط القوي مع الدين. وكانت خطتها تقضي أن تلبس ثياباً مثيرة جنسياً لتجعل المعتقل يفقد إحساسه بالنقاء ويعتقد أنه لا يستحق أن يقف أمام الله في الصلاة وبذلك يفقد مصدر قوته. قال لي أحد المترجمين الذين رافقوها في الاستجواب إنها خلعت ثوبها خلال الاستجواب وكانت ترتدي فقط صدرية وحزاماً جلدياً دقيقاً.
فكرت في أنني كنت أملك أحد خيارين لما تبقى من مهمتي في جوانتانامو الخيار الأول، أن أتجاهل كل ما يدور حولي كما يفعل الكثيرون وأشغل نفسي بأمور أخرى. الخيار الثاني، أن أسجل ملاحظات في ذهني عن المعسكر، وأحاول أن أحتفظ بذهن مفتوح، وأراقب وأنتظر لأرى ما سيجري واخترت الثاني.
بعد ظهر أحد أيام مارس استلمت جدول عمل اليوم التالي عن طريق البريد الإلكتروني من تيم، ولاحظت أنني سأعمل مع محققة عسكرية اسمها سامانثا في الليلة التالية كان قد مضى على وجودها حوالي ستة أشهر في المعسكر، كنت قد رأيتها في ذلك اليوم تمشي في المبنى الخاص بنا، فذهبت أبحث عنها ووجدتها وسألتها إذا كانت تستطيع أن تطلعني على بعض المعلومات حول المعتقل قبل أن نتحدث إليه. قالت: ليس هناك شيء مثير غداً، سنتحدث فقط إلى سعودي يحب أن يلعب أحياناً، سنسأله عن مواقع بعض البيوت الآمنة في قندهار. الحقيقة هي أنه ربما لا يعرف شيئاً عن هذا الأمر، لكن عليّ أن أسأله في جميع الأحوال. وفي الليلة التالية، عدت إلى المعسكر حوالي الساعة التاسعة مساء بعد أن أوصلت المترجمين المدنيين إلى مساكنهم، وذهبت مع سامانثا لنتحدث مع المعتقل السعودي واسمه ذاكر، قالت لي سامانثا: تم تخصيص ثلاث ساعات لهذا الاستجواب، لكن لديّ إحساس أننا سننتهي قبل العاشرة.
دخلنا غرفة التحقيق معاً، وكان ذاكر جالساً على كرسي معدني بارد وكاحلاه ورسغاه مقيدة جميعاً. وفميا كنا نجلس قالت سامانثا: كيف أنت اليوم يا ذاكر؟ أجاب السعودي: أنا بخير، كيف حالك أنت؟ أجابت: لا بأس يا ذاكر. وأضافت: اسمع أعرف أننا تحدثنا من قبل وأنت تكرر دائماً أنك لا تعرف شيئاً، لكن لدينا أسباباً تجعلنا نعتقد أنك تضللنا. أريدك أن تخبرني عن البيت الآمن في قندهار. قال ذاكر: اسمعي، لم أر هذا البيت مطلقا، ولا أعرف أحدا ذهب إليه، أريد أن أساعدكم، لكنني لا أستطيع أن أخترع معلومات من عندي. لم أذهب إلى ذلك البيت مطلقا. استمرت ساماناثا بالضغط عليه، وأمضى نصف الساعة التالي يردد أنه لم يكن يعرف شيئاً عن المنزل، اختبرت استعداده للتعاون من خلال سؤاله عما كان يعرفه عن أفراد آخرين في المعسكر. أجاب: سأخبرك بأي شيء تريدين أن تعرفيه، اسأليني عن أي شيء آخر غير هذا المنزل الذي لم أزره مطلقاً. وبعد ذلك ذكر ثلاثة أشخاص مباشرة في المعسكر كان آخرون قد أكدوا أنهم تدربوا مع القاعدة. وقال ذاكر إنه تدرب معهم أيضاً ليحارب مع المجاهدين، لكنه ادعى أنه كان ينوي القتال إما في البوسنة أو الشيشان. قال إنه لم يكن يكره الولايات المتحدة، وإنه لا يعرف شيئاً عن المنزل الآمن، أنا صدقته، وأعتقد أن سامانثا صدقته أيضاً. لحسن الحظ انتهت ساماناثا من الاستجواب مبكراً في الساعة العاشرة إلا ربعاً. وفيما كنا نغادر المقصورة هزت رأسها وقالت بغضب: هذا المكان قذر. حتى لو كان ذلك الرجل يعرف شيئاً عن هذا المنزل فلن يكون ذلك هاماً أبداً، لأنه لم يعد قيد الاستخدام منذ سنة، وأضافت: يا إلهي كم أتوق للخروج من هذا المكان، شكراً على مساعدتك، وسارت مبتعدة.
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً