عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-2006, 01:15 AM
  #11
عاشق الجنوب
عضو
 الصورة الرمزية عاشق الجنوب
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 56
عاشق الجنوب is on a distinguished road
افتراضي الجزء السابع

-
لم يكن كل المعتقلين في جوانتانامو يمتلكون معلومات قيمة لأمن الولايات المتحدة. دهشت عندما لاحظت أن بعض الملفات التي كنت أتفحصها كانت رقيقة جداً وبعضها لا يحوي أكثر من اسم المعتقل ورقم من سجن باجرام وملخص عن التحقيق الأولي مع المعتقل, والذي قد يقول فيه إنه مزارع وينفي أي علاقة له بالإرهاب, ويدعي أن قوات تحالف الشمال - أو الجيش الباكستاني - اعتقلته. لكن العديد من الملفات الرقيقة كانت لمعتقلين كانوا يتعاونون مع المحققين لكنهم كانوا على ما يبدو فعلاً لا يعرفون الكثير, وأصر الكثير منهم أنهم لم يسمعوا مطلقاً بتنظيم القاعدة من قبل. وكما لاحظت من قبل عندما كنت أخدم في مجمعات الزنزانات , كان عدد من المعتقلين فعلاً لايتم استدعاؤهم للتحقيق.
كما تبين لي بسرعة أن هناك تنافساً بين الوكالات الاستخباراتية المختلفة التي كانت تحقق مع المعتقلين حول موعد الحصول على الإذن للقاء معتقل ما أولاً. لم تكن هذه الوكالات تثق ببعضها البعض. كان المحققون يتعرضون لضغوط كبيرة للحصول على معلومات من الأسرى تساعد في منع هجمات إرهابية مستقبلية لكن بعض المعتقلين لم يفعلوا أكثر من التحديق بالجدران أو الشكوى من سوء معاملة الحراس لهم, أو أن يقولوا ببساطة إنهم لم يكونوا يعرفون شيئا. كما كان واضحاً أن الوكالات الاستخباراتية, بعكس ما كان يفترض أنه يحدث بعد هجمات 11 سبتمبر, لم تكن تتبادل المعلومات مع بعضها البعض, وأن كل طرف كان يحاول أن يبدو الأفضل.
في الوقت الذي بدأت فيه العمل مع فريق التحقيق تقريباً, جاء عميلان من مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى جوانتانامو لاستجواب معتقل هام جداً. واتضح أن ذلك المعتقل هو المعلم المحبوب الذي كان يكسب الاحترام مباشرة في أي مجمع زنزانات ينقل إليه. كان محمد صلاحي من شمال إفريقيا وعاش فترة في كندا وألمانيا.
كان المحققون العسكريون متضايقين جداً بسبب عدم تمكنهم من التحقيق مع هذا المعتقل. بعد أن حقق معه عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي على مدى عدة أسابيع, سمعت أحد المحققين, واسمه بن, يشتكي للضابط المسؤول عنه حول الطريقة التي يستخدمها أولئك العملاء. "أولئك العملاء الملاعين يجلسون في كراسي عبر الطاولة ويتحدثون إلى المعتقل طوال الليل وكأنهم يتحدثون مع صديقهم المقرب" كان من الواضح أنه يستخدم طريقة مختلفة جداً. أضاف بن "أحدهما في الواقع أطلق لحيته. أعتقد أنه يفكر في اعتناق الإسلام, بحق الرب" كان بن محقاً بخصوص اللحية. أحد العميلين قرر أن يقلد الكثير من المسلمين بهذا الخصوص, ليظهر احترامه لدينهم. وقال بن أخيراًَ "متى سنضع أيدينا على ذلك اللعين سيدي؟". أجابه الضابط: "لا أعتقد أنهما سيستغرقان وقتا أطول من هذا. لا يستطيعان أن يستمرا في خداع نفسيهما" لكن العميلين الفيدراليين استمرا في تحقيقاتهما. كانا يسألان أي شخص يرونه, بمن في ذلك أنا عن الإسلام, وذلك ليتمكنا من ضم معتقدات المعتقل بشكل أفضل وما قد يعتبره إهانة لدينه حتى إنهما تعلما قليلا من العربية. ونمت لحية العميل بشكل جيد. واستمر وجودهما حوالي ثلاثة أشهر, أصبح خلالها المعتقل أكثر تقبلاً لهما بعد أن كان شكوكاً في البداية. كان شاباً ذكياً وكان يعرف أنهما كانا يحاولان استغلاله, ولكنه أحس أنهما فعلاً كانا يحاولان أن يفهما لغته وثقافته ودينه. لم أكن متأكداً إلى أي مدى تمكنا من الحصول على معلومات من أسيرنا الهام، كنت أستطيع الدخول إلى ملفه ولكنه لم يكن قد زود بآخر المعلومات. ومع ذلك, بالحكم على محادثاتي مع هذين العميلين المثابرين, كان واضحاً أنهما يحققان تقدماً.
وبقدر ما كان المحققون العسكريون يكرهون ذلك, إلا أنه كان من الأفضل لهم أن يأتوا في النهاية للتحقيق مع المعتقلين. كانوا بشكل عام الأقل خبرة بين مجموعة المحققين, إذ إنهم تلقوا تدريبهم على مدى 16 أسبوعاً أو أقل في معسكر فورت هواشوكا.
كان الجنرال ميلر يحب أن يقول إن جيتمو "المختبر التجريبي للحرب على الإرهاب", وكان يقول للصحافيين إنه يفضل محققين ممن لديهم ما بين سنتين إلى ست سنوات في الخدمة لأنه يعتبر "الاستخبارات لعبة الشباب" في رأيي أن نظرته تقلل من قيمة الخبرة. كان ميلر يضيع فرصة رائعة.
كان الجنرال ميلر يبالغ في تقييم دور المعسكر ويؤكد للزوار الهامين أننا نحتجز "أسوأ الأسوأ" ونحصل على معلومات ممتازة منهم, لكن ذلك لم يكن الواقع الذي كنت أراه. أعتقد أن مبالغات الجنرال ميلر جعلته يخسر احترام الاختصاصيين الحقيقيين في الاستخبارات.
في صباح أحد أيام فبراير, استدعي كامل فريق التحقيق إلى اجتماع في مبنى الإدارة الذي يطلق عليه اسم مبنى المكتب الأصفر. كانت هناك شائعات بأن جزءاً منه سيحول إلى قاعة محكمة. كنت آمل أن نطلع خلال هذا الاجتماع على توقيت إحالة المعتقلين إلى القضاء. كان عدم محاكمة المعتقلين مصدراً للانزعاج ليس للمعتقلين فقط , ولكن للعاملين في جيتمو أيضاً, لأننا كنا نشعر أننا نفتقر إلى إجراء منظم لتقرير من منهم يجب أن يبقى ومن منهم يجب إطلاق سراحه، لم تكن القضية أخلاقية فقط. ولكنها كانت قضية عملية أيضاً. سيكون من الأسهل على عناصر الاستخبارات التركيز على الإرهابيين الحقيقيين عندما يتم إرسال الباقين إلى بلادهم.
كان في الاجتماع حوالي مئة شخص من مترجمين ومحققين ومحللين وقف الكولونيل راسل سيمز, وهو أرفع ضابط استخبارات في المعسكر, وبدأ بالحديث بمساعدة جهاز الكمبيوتر وبرنامج "باور بوينت". قال الكولونيل: "أعرف أن بعضكم يتساءلون عن مكان معسكر دلتا في نظامنا القانوني الوطني. اليوم لدينا محام هنا ليشرح ذلك لكم" كان الكولونيل سيمز في منتصف الخمسينيات وشعره أبيض وقصير.
كان يرتدي نظارات ويبدو مثل أستاذ جامعي. أما المحامي فهو الكابتن هندرسون وكان في الثلاثينات من عمره وشعره أسود قصير وعيناه بنيتان. أمضى الكابتن هندرسون نصف ساعة وهو يتحدث عن علاقة معسكر دلتا بمعاهدات جنيف, وقال إن معاهدات جنيف لا تنطبق على المعتقلين في جوانتانامو لأنهم لا يعتبرون أسرى حرب لأنهم كانوا يفتقرون إلى تركيبة قيادة محددة مثل باقي القوات المسلحة في الدول الأخرى, ولأنهم لم يطبقوا قواعد القتال التقليدية, وأخيراً لأنهم لم يكونوا يرتدون زياً عسكرياً رسمياً. وعندما انتهى الكابتن من كلامه, وقف الكولونيل سيمز مرة أخرى ليؤكد كلامه وأضاف:"إننا مازلنا ننوي أن نعامل المعتقلين بإنسانية, ولكن هدفنا هو الحصول على أي معلومات استخباراتية عملية وبسرعة".
خلال وجودي في جيتمو, لم أسمع أحداً يستخدم كلمة "سجين" ولو مرة واحدة. الأسرى كانوا "معتقلين". وكان السبب هو أن استخدام كلمة "سجين" سيكون قريباً من عبارة "سجين حرب" التي تعطيهم حق حماية القانون الدولي. كانت لعبة معان. بعد أن انتهى الاجتماع رحت أفكر بما جرى فيه وكنت غاضباً. كان يضايقني أن يعاملني أحد على أنني لا أتمتع بالذكاء الكافي لأفهم ما يدور حولي. كنت قد رأيت الكثير من ملفات المعتقلين الذين كانوا يقولون إنهم كانوا مجندين في جيش طالبان. كانوا يقولون إنهم أجبروا على القتال لأنهم وصلوا إلى سن التجنيد الإلزامي. لقد كانت الولايات المتحدة تصور نظام طالبان على أنه نظام مجرم, وكان الجميع على قناعة أن النظام ما كان يتردد في قتل من يرفض القتال. ولكن هاهم يقولون لنا في جيتمو إن هؤلاء الأفغان في جيش طالبان, لو أنهم كانوا يرتدون زياً عسكرياً مهترئاً لكانوا اعتبروا سجناء حرب بدلاً من محاربين أعداء. وربما كانت تركيبة القيادة غير متينة ومائعة في جيش طالبان, ولكن ذلك كان ينطبق على كل شيء في ذلك البلد. وماذا عن الأشخاص الذين كانوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ, واعتقلهم صيادو الفرص الانتهازيون الذين كانوا يقبضون جوائز سخية عن طرائدهم من الولايات المتحدة؟ لم يكن الأمر مقنعاً.
كانت المسألة في نهاية الأمر تتعلق بكيفية إدارتنا للتحقيق ومع أن الكولونيل سيمز لم يكن صريحاً تماماً, كان واضحاً أن قواعد استجواب المعتقلين كانت ستصبح فضفاضة أكثر, إن لم تكن كذلك بالفعل. بعد قضاء عدة أسابيع في فريق التحقيق, لم أكن قد شاركت بعد في أي جلسة تحقيقات, لكني كنت أسمع الكثير من المترجمين والمحققين في المكتب أخبرني مترجم عسكري شارك في استجواب المختطف العشريني أن المحققين استخدموا الكلاب العسكرية لبث الرعب في قلبه. كانت جدران غرفة التحقيق مغطاة بصور ضحايا هجمات 11 سبتمبر, وكان المحقق يسأله إذا كان دينه يأمره بأن يفعل ذلك. تم تعريضه لأنوار قوية, ولشريط تسجيل عال جداً عليه صوت قطط تموء وأطفال يبكون, ولموسيقى تصم الآذان. هذه الإجراءات وافق دونالد رامسفيلد على استخدامها مع محمد القحطاني.
في ظهيرة أحد الأيام, اتصل بي تيم, الذي يضع البرامج لنا, وسألني إذا كنت أرغب في حضور استجواب مع ممثلين من "وكالة حكومية أخرى" في اليوم التالي. قلت له بالتأكيد أرغب في ذلك. ستكون هذه فرصتي الأولى لأرى بالفعل كيف تسير الأمور خلال جلسات الاستجواب.
كان ممثلو الـ"وكالة الحكومية الأخرى" يفضلون العمل مع مترجمين من الاستخبارات العسكرية عندما يكون ذلك ممكناً لأننا كنا نحمل تصريحاً أمنياً خاصاً حصلنا عليه بعد تحقيقات مكثفة, بينما كان المترجمون المدنيون يحملون تصريحات أمنية مؤقتة. قال تيم إن ممثل الوكالة الحكومية الأخرى سيصطحبني في بيتي اليوم التالي, وقال إن الجلسة قد لا تستمر أكثر من ساعتين. وقبل أن يغلق السماعة, قال تيم "ارتد ثياباً مدنية".
في الصباح انتظرت خارج المنزل وأنا أرتدي ملابس مدنية. وفي الوقت المحدد بالضبط, وقفت سيارة المحقق أمام منزلي. أول مفاجأة لي أنني رأيت فتاة جذابة في أواخر العشرينيات من عمرها, وشعرها بني طويل, تجلس خلف مقود السيارة. وعرفت فيما بعد أن اسمها ميشيل, وأنها تحمل إجازة جامعية في الشؤون المالية من جامعة بنسلفانيا كانت ودودة جداً وشديدة الذكاء. قالت لي إن الشخص الذي سنستجوبه في ذلك اليوم مغربي يتحدث بعض الإسبانية, وميشيل كانت تتحدث الإسبانية بطلاقة, لكنها فضلت أن أكون معها في حال أراد المعتقل أن يتحدث اللغة العربية. كانت قوات تحالف الشمال قد قبضت عليه في أفغانستان, وقالت الاستخبارات إنه كانت له علاقات مريبة مع ناشط أوروبي معروف في تنظيم القاعدة. كانت مهمة ميشيل هي: التأكد من مصداقية تلك العلاقة. قالت ميشيل إنها ستحاول في الجلسة الأولى أن تتعرف عليه وتبني نوعاً من الألفة معه.
كانت المفاجأة الثانية مكان تلك المواجهة. كانت مقطورة الوكالة الحكومية الأخرى مفروشة بأريكة, وطاولة قهوة عليها بعض المجلات, وثلاجة تحوي الكثير من المياه, ومجموعة من علب السجائر. عندما أحضره عناصر الشرطة العسكرية, طلبت منهم ميشيل أن يفكوا قيوده وطلبت من المعتقل الجلوس على الأريكة. جلس المعتقل, وقدمت ميشيل نفسها وقدمتني له بالإسبانية. سألته ميشيل" عرفت أنك تتحدث الإسبانية قليلاً. هل تريدني أن أتحدث إليك بالإسبانية أم تفضل أن نستخدم اللغة العربية؟ نظر المعتقل إلي وقال باللغة العربية، إنه رغم معرفته بعض الإسبانية, لكنه يفضل الحديث بلغته الأم. قالت ميشيل:" لا مشكلة". وفيما جلسنا على مقاعدنا, قالت ميشيل له :"عبد الله, هل تريد بعض الكوكا كولا؟ بدت عليه الدهشة, لكنه قبل عرضها قائلاً:"شكرا". أضافت ميشيل:"أنا وزميلي كلانا من شمال شرق الولايات المتحدة. نتطلع إلى التعرف عليك قليلاً, وننوي أن نتحدث إليك في جو من الاحترام".
عرضت عليه ميشيل سيجارة, وقبل عرضها ذلك أيضاً. حاولت أن تقنعه أننا نحاول أن نعرف الحقيقة وأننا لا نحمل آراء مسبقة حول ذنبه أو براءته. قال لها عبد الله:"أنا سعيد لأنك ذكرت ذلك, لأنني لا أعرف مطلقاً لماذا أنا هنا. قالت له:"نريد فقط أن نعرف المزيد عنك ونتحدث إليك عن بعض الناس الذي التقيتهم عندما كنت تعيش في إسبانيا"قال لها مستغرباً :"هل تعنين أنك لا تريدين أن تعرفي لماذا كنت في أفغانستان. لن تمضي ساعات تقولين لي إنني كاذب ومسلم سيئ؟ هذا ما يفعله الجيش. إنهم يرددون دائماً أنهم يعرفون أنني من تنظيم القاعدة وأنني أكذب حول سبب ذهابي إلى أفغانستان لأعمل وأرى أخي".
أجابت ميشيل:"أنا لست الجيش. لماذا لا تخبرنا عن أسرتك ونشأتك في المغرب؟".
تردد في البداية, لكن ميشيل أخبرته قليلاً عن عائلتها لكسر الجليد. وفي النهاية بدأ ينفتح وينطلق في الحديث, سألته عن المدارس التي تعلم فيها, وكيف كانت علاقته بإخوته وأخواته, وماذا كان يعمل إخوته, وعن مدى تمسك أسرته بتعاليم الإسلام. قال المعتقل إن أسرته كانت علمانية إلى حد كبير عندما كان طفلاً. وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي, قضى بعض السنوات في إسبانيا وأدين مرة بالسرقة. وأدى ذلك إلى إعادته إلى المغرب, حيث وجد أن أسرته الآن تتردد على المساجد بشكل منتظم وأن شقيقه كان يفكر بالذهاب إلى أفغانستان وبدأ هو أيضاً يذهب إلى المسجد كل يوم جمعة خوفاً من يوم القيامة. بعد حوالي ساعتين من هذا النوع من المحادثة, شكرته ميشيل على وقته وسألته عن رأيه في أن يتحدث إلينا مرة أخرى الأسبوع التالي. شعر بالارتباك لأنها كانت تبدو وكأنها تطلب موافقته. سألها:"هل أنت تسألينني إذا كنت أرغب بالتحدث إليك مرة أخرى؟". قالت ميشيل وهي تقف لتجمع أشياءها:"نعم. أريد أن أعرف كيف تشعر حول رؤيتنا مرة أخرى". قال المغربي: "سيكون ذلك حسناً . أفضل أن أتحدث إليك على أن أتحدث إلى المحققين العسكريين". قالت ميشيل:"عظيم. سنراك الأسبوع القادم".
شعرت بالإعجاب بأسلوب ميشيل وأنا أغادر الاستجواب. كنت أستطيع أن أرى كيف استطاعت ميشيل ببراعة وسرعة أن تبني جسراً بينها وبين المعتقل. كان واضحاً, على الأقل في هذه الحالة, أن أسلوب ميشيل كان فعالاً جداً. وفي اليوم التالي, رأيت طريقة مختلفة لمعالجة المشكلة.
كانت نوبة العمل مرت بسلاسة وكانت الساعة حوالي الثامنة مساء, وقت الانصراف, عندما اتصل تيم. قال:"أحتاج إلى مترجم ليعمل في جلسة تحقيق للاستخبارات العسكرية الليلة الساعة العاشرة. هل تريد تقديم المساعدة؟" قلت :"بالتأكيد, لا مشكلة". قال لي إنني سأرتدي الزي العسكري في هذا الاستجواب, وتابع: تأكد من إخفاء اسمك. سوف تعمل مع بن".
فيما كنت أضع بعض العشاء لأتناوله بسرعة في البيت,حدثني مارك عن أعمال شغب في مجمعات الزنزانات في ذلك اليوم, وتسبب بها قيام أحد عناصر الشرطة العسكرية أوقع القرآن وجن جنون المعتقلين. قال مارك:" كان الأمر جنونياً" كانوا يلقون بالمياه على الحراس حتى إنهم قرروا أن يقطعوها لفترة بعد الظهر.. وفي تلك الأثناء, كنت هناك أتحدث إلى المعتقلين وأحاول أن أشرح لهم أن الحارس لم يقصد الإهانة. كان يوما حافلاً. لم أكن أستطيع القول إنني اشتقت للعمل في مجمعات الزنزانات.
تناولت طعامي بسرعة وقفزت إلى السيارة(الفان) مرة أخرى لأعود إلى دلتا. عندما وجدت بن, سألته كيف ستكون جلسة التحقيق. تصرف وكأنني لا يحق لي أن أطرح ذلك السؤال وكان واضحاً أنه لم يكن ينوي أن يشرح أي شيء لي. قال" قم بالترجمة فقط".
كان المعتقل ينتظرنا في غرفة التحقيق وهو يرزح تحت قيوده عندما وصلنا, وكانت الغرفة فارغة فيها كرسيان مطويان. أحد الجدران كان فيه نافذة زجاجها شفاف من طرف واحد, وكان مظلماً من طرفنا, كان في الطرف الآخر غرفة مراقبة, وكانت عادة فارغة. كان المكيف يعمل بمستوى عال. كانت سلاسل كاحل المعتقل قصيرة وربطت إلى حلقة مثبتة في أرض الغرفة بحيث لم يعد يستطيع تحريك قدميه, وكانت سلسلة قصيرة تصل بين قيود يديه والحلقة في أرض الغرفة أيضاً. كان ذلك يجبره على الانحناء. بدا لي أنه كان موجوداً في الغرفة في تلك الوضعية منذ فترة لا بأس بها .
أخذنا أماكننا على الكراسي وحدق بي المعتقل حوالي دقيقتين دون أن يقول كلمة واحدة. لم يكن واضحاً لي ماذا كان يقصد في ذلك. لم يكن بن يتمتع بشكل مهيب وجليل, كان متوسط الطول وسميناً إلى حد ما. لكنني اعتقدت أن لديه خطة ما. أخيراً سأل المعتقل بهدوء:"هل ستتعاون الليلة؟" لكن المعتقل اكتفى بالنظر إلى الجدار. سأله بن: لماذا كنت في أفغانستان؟" ولم يرد المعتقل أيضاً. صرخ بن:"إلى ماذا تنظر يا(...)؟" أجب عن السؤال اللعين! لماذا كنت في قندهار أيها الإرهابي (...)؟ نظر إلي المعتقل وقال:"قلت له سابقاً, كنت في أفغانستان لأعلم القرآن للشعب الأفغاني". قال بن"توقف عن الكذب علي".
استمرت المحادثة على هذا النحو لمدة حوالي نصف ساعة. طرح بن نفس السؤال على المعتقل مرات ومرات, وأعطى المعتقل نفس الإجابة. قال بن:"اسمع. أستطيع أن أبقى هنا طوال الليل. كل ما عليك أن تفعله هو أن تجيب على سؤالي, قل الحقيقة ونستطيع أن نجلس هنا ونتحدث كرجال".
لم يرد المعتقل.
"لماذا كنت في أفغانستان؟"
لا إجابة.
صرخ بن وهو يقف:" ما هي مشكلتك اللعينة؟ هل تريد أن تبقى هنا طوال حياتك؟"
لا جواب.
جلس بن مرة أخرى وحاول أن ينظر إلى عيني المعتقل مباشرة, لكنه تجنب بن. سأله بن مرة أخرى:"استمع إلي أيها(...) سأجعلك تكره الحياة هل تفهم؟ ابدأ بالكلام لماذا كنت في أفغانستان؟"
لا جواب.
وصف بن المعتقل بأنه كاذب واستخدم كل الشتائم التي يعرفها. بعد نصف ساعة من نفس الهراء وقف بن وركل كرسيه واندفع خارجاً من الغرفة, وخرجت أنا إلى الصالة. نظرت إلى بن ورأى الحيرة في عيني قال بغضب:" قم بترجمة التحقيق اللعين فقط. لا أحتاج إلى (...) منك".
قرر بن أن يأخذ استراحة لمدة ساعة تقريباً فيما بقي المعتقل مقيداً في وضعيته غير المريحة أبداً. عندما عدنا حوالي الساعة 11.30 عاد بن إلى طرح نفس الأسئلة وبنفس الأسلوب لمدة نصف ساعة أخرى. بعد منتصف الليل بقليل, أنهى بن التحقيق. قال للمعتقل:" لدينا كل الوقت الذي في العالم. نستطيع أن نفعل هذا كل ليلة إذا كنت تريد ذلك".
غادرنا غرفة التحقيق, ومشى بن عبر الصالة إلى مكتبه دون أن يقول كلمة. قلت له:"هل انتهينا؟" قال"نعم".
عندما غادرنا المبنى, لاحظت معتقلاً مقيداً بالسلاسل يمشي قرب العيادة الطبية, ويقوده عنصر من الشرطة العسكرية, هذا السير في الليل كان يستخدم لمنع المعتقلين من النوم, أحياناً استعداداً لجلسة استجواب ستبدأ في وقت متأخر.
__________________



أدعم المظلوم حميدان التركي

http://www.homaidanalturki.com/
عاشق الجنوب غير متواجد حالياً