عرض مشاركة واحدة
قديم 18-11-2005, 11:12 PM
  #19
سعد بن حسين
عضو فعال
 الصورة الرمزية سعد بن حسين
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 470
سعد بن حسين will become famous soon enoughسعد بن حسين will become famous soon enough
افتراضي

الحلقة الثامنة( ( التأثر ((
وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حالٌ ووجدٌ
يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره،
ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه،
فإن التضييق غالب على آيات القرآن، فلا يُرى ذكر المغفرة والرحمة إلا مقرونًا بشروط
يقصُرُ العارف عن نيلها كقوله عز وجل : {وإني لغفار}
ثم أتبع ذلك بأربعة شروط: {لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى}
وقوله تعالى:
{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}
ذكر أربعة شروط، وحيث اقتصر ذكر شرطًا جامعًا، فقال تعالى:
{إن رحمة الله قريب من المحسنين}
فالإحسان يجمع الكل، وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره

ومن فهم ذلك فجدير بأن يكون حاله الخشية والحزن.
ولذلك قال الحسن:
والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه
وقل فرحه وكثر بكاؤه وقل ضحكه وكثر نصبه وشغلُه وقلت راحته وبطالته،
وقال وهيب بن الورد:
نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئًا أرق للقلوب
ولا أشد استجلابًا للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره،

فتأثر العبد بالتلاوة أن يصبر بصفة الآية المتلوة.
فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت،
وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح.
وعند ذكر الله صفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعًا لجلاله واستشعارًا لعظمته.
وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل ولدًا وصاحبة
يغّضُّ الصوت وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم.

وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها.
وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها،

ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود:
"فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا"
رأيت عينيه تذرفان بالدمع فقال لي: "حسبك الآن" رواه البخاري،
وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية،
ولقد كان من الخائفين من خرّ مغشيًا عليه عند آيات الوعيد،
ومنهم من مات في سماع الآيات،

فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيًا في كلامه. فإذا قال:
{إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} ولم يكن خائفًا كان حاكيًا،
وإذا قال: {عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكيًا،
وإذا قال: {ولنصبرن على ما آذيتمونا} فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه
حتى يجد حلاوة التلاوة. فإن لم يكن بهذه الصفات

ومن لم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من التلاوة حركة اللسان
مع صريح اللعن على نفسه في قوله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}
وفي قوله تعالى: {كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
وفي قوله عز وجل: {وهم في غفلة معرضون}
وفي قوله: {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا}
وفي قوله تعالى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} إلى غير ذلك من الآيات،
وكان داخلاً في معنى قوله عز وجل: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}
يعني التلاوة المجردة،

وقوله عز وجل:
{وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون}
لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض،
ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضًا عنها،

ولذلك قيل: إن من لم يكن متصفًا بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى:
مالك وكلامي وأنت معرض عني، دع كلامي إن لم تتب إلي.
ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره مثلا من يكرر كتاب الملك كل يوم مرات
وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصر على دراسة كتابه،
فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت،

ولذلك قال يوسف ابن أسباط:
إني لأهمُّ بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار.

والمعرض عن العمل به أريد بقوله عز وجل:
{فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلاً فبئس ما يشترون}
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه-
وفي بعض الروايات- فإذا اختلفتم فقوموا عنه" متفق عليه،

قال تعالى: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا
وعلى ربهم يتوكلون}،

وفي الحديث : "إن أحسن الناس صوتًا بالقرآن إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى"
وقال بعض القراء: قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانيًا فانتهرني وقال:
جعلت القرآن عليّ عملاً اذهب فاقرأ على الله عز وجل، فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك.

فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى،
بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقوله تعالى:
{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}
وبقوله عز وجل: {كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}
أي تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها فإن المقصر في الأمر يقال إنه نسي الأمر،

وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب،
فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظ العقل تفسير المعاني
وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار،
فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ.
* * *
__________________
ـــــــــــ التوقيع ــــــــــــ
أخوكم في الله / سعد بن حسين الشهري
سعد بن حسين غير متواجد حالياً